رد: عبد الوهاب الدوكالي
الأخ المحترم المصري الطيب سلام لله عليك،وبعد :
لي بعض الملاحظات على المعلومات اتي تفضلت بوضعها في هذا المثبت والتي كان من الأولى وضعها في إطارها الصحيح داخل ركن "الدراسات والبحوث في الموسيقى المغربية"
إن فن الغناء المغربي لم يكن قط انطوائيا، بل كان فنا قائم الذات منتشرا بشكل أوسع داخل الدول المغاربية وفي المشرق العربي، ولا أدل على ذلك مما كانت تذيعه إذاعة "صوت العرب" من لندن لأشهر الأغاني المغربية لأحمد البيضاوي، المعطي البيضاوي، عبد الوهاب أكومي، عبد الهادي بلخياط، عبد الوهاب الدكالي، بهيجة إدريس، أمينة إدريس وإسماعيل أحمد، بالموازاة مع الأغاني الشرقية المنتشرة آنذاك.
- إن الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله (وعلى العكس مما تدعيه) قد أثرى الغناء المغربي والعربي بالرعاية والتشجيع فآوى جموع الفنانين المغاربة والمشارقة حيث كان قصره لا يخلو منهم في كل مناسبة حتى أصبح المغرب المزار المفضل لمشاهير الطرب من أمثال محمد عبد الوهاب، عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، فايزة أحمد، محمد الموجي، وديع الصافي، صباح وغيرهم الكثير، وقد أدت هذه الحر كة إلى تمازج الثقافتين واستفاد منها الفنانون المغاربة كثيرا، فكان العصر الذهبي للأغنية المغربية في حضرة ملك فنان أحب الموسيقى وتعلم مبادئها وأصبح من العازفين المهرة على آلة "الأورك" ومن أحسن المسيرين الموسيقيين حتى أنه سير الفرقة الموسيقية الوطنية في أكثر من مناسبة، كما قام بتسيير الفرقة الموسيقية التي كانت ترافق الراحلة فايزة أحمد أثناء حفل ساهر أحيته بمناسبة أعياد الميلاد -عيد الشباب-.
- إن الرواية الي أسردتها والتي جاءت على لسان عبد الهدي بخياط في البرنامج الغنائي "أهل المغنى" الذي أذاعته القناة المغربية الثانية ليلة السبت المنصرم تؤيد هذاالكلام وتؤكده، ذلك أن عبد الهادي بلخياط كان في حضرة الملك الحسن الثاني في إحدى المناسبات الوطنية، وكان يحضر الحفل من الجانب المشرقي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وفايزة أحمد، فأمر الملك حينذاك عبد الهادي بلخياط بأداء أغنية لمحمد عبد الوهاب فاختار "ست الحبايب"، وقد أطرب الصوت الدافئ محمد عبد الوهاب الذي خاطب فايزة قائلا "هو ذا الغنا يا فايزة"، وفي نهاية الحفل التمس عبد الوهاب من الملك بعث عبد الهادي في رحلة إلى القاهرة فصمت الملك قليلا وهمس في أذن عبد الهادي مانعا إياه من الرحيل.
وأراك أخي وقفت عند هذه الحادثة بالذات وأطلقت العنان لتفسيرات خاطئة من أمثال الانطوائية والكلمات الكبيرة، ولم تستفسر نفسك عن أسباب هذا الرفض :
- إن أغلب الفنانين المغاربة زاروا مصر الحبيبة، فمنهم من نهل من فنونها، بصقل موهبته عن طريق التمدرس كالراحلين عبد الوهاب أكومي، أحمد البيضاوي وأحمد الشجعي وعبد السلام عامر، ومنهم من حاول تجربة الغناء كعبد الهادي بلخياط، المعطي البيضاوي، عبد الوهاب الدكالي، إسماعيل أحمد، أحمدالغرباوي، محمد علي، عبد المنعم الجامعي، عبد الحي الصقلي، فلم يسفيدوا من رحلتهم شيئا، فإذا استثنينا عبد الوهاب أكومي وأحمد الشجعي وإسماعيل أحمد الذين استفادوا من رحلتهم الدراسية وثمنوها بالحصول على شواهد تقديرية من المعاهد الموسيقية المصرية في ميدان العزف والتلحين، فإن المتبقين (اللائحة طويلة) كانت رحلتهم بدافع البحث عن ألحان جديدة قد فشلوا ولم يتم الالتفات إليهم بل تم تجاهلهم بالكامل وتعتبر جملة الألحان المسندة إليهم والتي لم تتجاوز في حدها ثلاثة أو أربعة ألحان -على الأرجح- تقاسمها عبد الوهاب الدكالي بلحنين أو ثلاثة وعبد الهادي بلخياط بلحن واحد، طيلة ثلاثة أعوام متواصلة قضاها في القاهرة من 1965 إلى 1968.
وفي المقابل كان يتم التهافت على الأصوات النسائية من مختلف الأقطار العربية كالمغرب والجزائر وتونس وسوريا ولبنان والأردن.
والأمثلة كثيرة وسأقتصر على تجربة عبده الشريف، ماذا استفاد من تجربته الطويلة والفاشلة في القاهرة غير أنه لا زال يعيش في جلباب أبيه، ويقلد العندليب الأسمر تقليدا أعمى؟ من يا ترى التفت إليه أو أخذ بيديه من أهل المغنى؟
هذه هي أحد أهم الأسباب التي جعلت الحسن الثاني يرفض رحيل عبد الهادي بلخياط، حتى لا تتكرر التجربة الفاشلة التي عاشها هذا الفنان الذي أطاع ملكه وعبر عن وطنيته وهويته التي يفتخر بها أينما حل وارتحل ، ولا أخفيك أخي بأن أهل المغرب يريدونه كما هو الآن مغربيا عربيا أصيلا ، ولا أظن أن التشبث بالهوية تعصب إلا في نفوس المرضى.
أما حديثك عن المدن المغربية ففاس ومراكش وأصيلا وغيرها ضاربة في أطناب التاريخ ولا أظن أن أحدا من أهل المشرق لا يعرفها، فهي كالنار على العلم.
وختاما أنصحك أخي بأن تعيد قراءة تاريخ المغرب الفني قبل أن تطلق أحكاما مسبقة وجائرة عن بلد تصاهرت معه وفتح لك ذراعيه بالأحضان
|