المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العولمة (أحلام السيطرة وواقع الفشل والذواء والمغادرة) أ/د عبد الحميد سليمان


عبد الحميد سليمان
26/06/2012, 16h03
الي أهل هذا المنتدى الرائد ومحبيه ورواده
وقد لاحت تباشير غد الأمة المشرق إن شاء الله رغم كيد الكائدين وإيغال الظالمين نقدم لهم رؤانا وبشرانا ويومئذ يفرح المؤمنون


العولمة


ِ (أحلام السيطرة وواقع الفشل والذواء والمغادرة)





أولا: تمهيد:
تسببت المتغيرات الاقتصادية الدولية والتطورات العلمية والتكنولوجية التي مر بها العالم في العقدين الأخيرين من القرن العشرين في انقلاب لموازين القوى بين الدول، وحدوث تغيرات في المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، و في أساليب الإنتاج والعمل دون تمكين أي مجتمع من التعايش في عزلة عن الكيان العالمي أو بما يسمى بالعولمة ومظاهرها المختلفة. ومن المعروف أن الرأسمالية منذ نشأتها الأولى في القرن السادس عشر ، ثم تطورها اللاحق ، لم تكن حركة محدودة بإطار وطني أو قومي معين ضمن بعد جغرافي يحتوي ذلك الوطن أو يعبر عن تلك القومية ، فالإنتاج السلعي وفائض القيمة وتراكم رأس المال لدى البورجوازية الصاعدة منذ القرن الخامس عشر التي استطاعت تحطيم إمارات وممالك النظام الإقطاعي القديم في أوروبا، وتوحيدها في أطر قومية حديثة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها ، لم تكن هذه الدول القومية الحديثة والمعاصرة سوى محطات لتمركز الإنتاج الصناعي ورأس المال على قاعدة المنافسة وحرية السوق، للانطلاق نحو التوسع العالمي اللا محدود، انسجاماً مع شعار الكوزموبوليتنية Cosmopolitanism أو المواطنة العالمية الذي رفعته منذ نهاية القرن التاسع عشر ، وهي نظرية تدعو إلى " نبذ المشاعر الوطنية والثقافة القومية والتراث القومي باسم وحدة الجنس البشري [1] (http://www.alganabi.com/#_ftn1)، ومن الواضح أن هذا الشعار الأيديولوجي صاغته الرأسمالية في مواجهة المانيفستو الماركسي الشهير " يا عمال العالم اتحدوا " ، لكن الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد الأوروبي و الأمريكي في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين من جهة ، وبروز دور الاتحاد السوفيتي وما رافقه من انقسام العالم عبر ثنائية قطبية ، فرضت أسساً جديدة للصراع لم يشهده العالم من قبل من جهة أخرى ، وبتأثير هذه العوامل لم يكن أمام دول المعسكر الغربي سوى إعادة النظر جزئياً في آليات المنافسة الرأسمالية وحرية السوق والتوسع اللا محدود، كما عبر عنها آدم سميث ، حيث توصلت للخروج من أزمتها عام 1929 ، إلى ضرورة إعطاء الدولة دوراً مركزياً لإعادة ترتيب المجتمع الرأسمالي، يتيح مشاركتها في إدارة الاقتصاد في موازاة الدور المركزي للسوق الحر وحركة رأس المال ، وقد تبلور هذا التوجه في قيام هذه الدول بتطبيق الأسس الاقتصادية التي وضعها المفكر الاقتصادي جون ماينارد كينز حول دور الدولة ،ومن أهم هذه الأسس تمكين الدولة الرأسمالية.وإعطائها دور المستثمر المالي المركزي في الاقتصاد الوطني أو رأسمالية الدولة (القطاع العام ) ومنحها الحق في التدخل لتصحيح الخلل في سوق المال .وقد استمرت دول النظام الرأسمالي وحلفاؤها في الأطراف في تطبيق هذه السياسات الاقتصادية الكينزية طوال الفترة الممتدة منذ ثلاثينات القرن العشرين حتى نهاية العقد الثامن منه، حيث بدأت ملامح انهيار منظومة البلدان الاشتراكية وبروز الأحادية القطبية الأمريكية وأيديولوجية الليبرالية الجديدة .
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قررت تحت قيادة ترومان القيام بمشروع مارشال في أبريل عام 1948م، حيث كانت دول أوروبا التي أنهكتها الحرب قد خرجت منها تعانى مشاكل اقتصادية بالغة الخطورة , وعلى سبيل المثال كانت بريطانيا، تواجه الإفلاس وتعاني أشد المعاناة من أسوأ فصل شتاء يمر عليها, بعد الحرب العالمية الثانية فما بالك بألمانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرهم , وتكشف برقية دبلوماسية بريطانية مسجلة في ذلك الوقت عن اعتقاد لندن بأنه ليس هناك وقت يمكن إضاعته وأن على واشنطن أن تلتقط شعلة الزعامة العالمية ,بعدها وافق الكونجرس الأمريكي على إنشاء إدارة التعاون الاقتصادي لتشرف على المساعدة الأجنبية. وأقامت سبع عشرة دولة منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي، ثم قامت الولايات المتحدة بإرسال ما قيمته حوالي 13 بليون دولار من الأغذية والآلات والمنتجات الأخرى إلى أوروبا. وانتهت المساعدة في عام 1952م. وكان الهدف الأمريكي المعلن هو المساهمة في استقرار الأنظمة الديمقراطية في أوروبا,أما الهدف الحقيقي فكان رفع مستوى الإنتاجية في أوروبا المتهالكة بعد الحرب الثانية، وفي العالم الفقير، وزيادة القدرة الاستهلاكية عند شعوب المحيط لدعم الإنتاجية الضخمة في دول المركز ووضع حدا لتفشي الشيوعية واتساعها.وقد رحبت دول أوروبية كثيرة بهذا المشروع أما الاتحاد السوفييتي فقد عارضه واتهمه بأنه مشروع استعماري أمريكي ومنع دول نفوذه من الانضمام إليه.[2] (http://www.alganabi.com/#_ftn2)
لقد كانت أمريكا تعد نفسها لقيادة العالم بعد قهر المعسكر الشيوعي وبعد أن نجح هذا المشروع في تحقيق أهدافه كان لابد من اختراق المركز للمحيط عبر مبادئ الإمبريالية التي تجاوزت الاستعمار التقليدي إلى نوع آخر من الاستعمار كانت العولمة عنوانا له بهدف، فرض نظام استعماري جديد على سكان الكرة الأرضية كلها[3] (http://www.alganabi.com/#_ftn3).وسمحت القوة الاقتصادية الأمريكية تجاه أوروبا التي دمرتها الحرب ، سمحت لروزفلت ، حتى قبل تدخله المتأخر ، أن يصبح سيد اللعبة في أوروبا الغربية منذ كانون الثاني 1943 تجلى ذلك واضحا في مؤتمر كازابلانكا ، ثم في مؤتمر طهران الذي تلاه في نفس العام ، ثم في مالطا عام 1945 ، حيث مثل فيه روزفلت دور المفاوض الرئيسي لستالين لتنظيم العالم بعد سقوط هتلر. خرجت الولايات المتحدة من الحرب، وهي في وضع السيطرة الشاملة، وهو وضع لم يسبق له مثيل في التاريخ. فالمنافسون الصناعيون كانوا قد دمروا ، أو أصابهم الضعف إلى حد كبير، ولهذا تضاعف الإنتاج الصناعي الأمريكي خلال سني الحرب أربع مرات وأصبحت الولايات المتحدة في نهاية الحرب ، مالكة لنصف ثروات العالم ، بينما كانت خسارتها البشرية متواضعة جدا بالمقارنة مع ما قدمه العالم كله .
لقد كلفت الحرب ألمانيا ما يزيد عن سبعة ملايين ونصف نسمة نصفهم من المدنيين، وخسر الاتحاد السوفيتي سبعة عشر مليونا منهم عشرة ملايين مدني وفي إنجلترا وفرنسا تجاوز الرقم مليون قتيل منهم 450 ألف مدني. أما الولايات المتحدة، فقد كان عدد قتلاها 280 ألف جندي، وهو رقم يعادل عدد ضحايا حوادث السيارات في الولايات المتحدة خلال سني الحرب. وقد أسفرت تلك الحرب عن بروز الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة كقوتين عظميين على الساحة الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفرض وامتلاك كل من القوتين ما يكفي من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل لتدمير البشرية قاطبة، على قادة الدولتين تجنب المواجهة المباشرة في حرب مفتوحة. ولما كان من غير الممكن خوص حرب باردة أو غير باردة دون مواجهة، فإن الحرب الباردة أصبحت حربا ساخنة بالنسبة للعديد من دول العالم الثالث، تمت فيها ومن خلالها خوض حروب أمنية وعقائدية وسياسية واقتصادية بين الدولتين العظميين، وذلك على حساب مستقبل شعوب العالم الثالث، وخلافا لمصالحهم، وعلى أنقاض الكثير من مدنهم وقراهم، وفوق أشلاء ما لا يقل عن عشرة ملايين منهم. وهذا ما جعل شعوب العالم الثالث الفقيرة والضعيفة أساسا, تتحمل الأعباء الحقيقية للحرب الباردة، وتدفع بالدم والفرص القليلة المتاحة تكاليفها الباهظة[4] (http://www.alganabi.com/#_ftn4).
وتستمر الحرب الباردة بين المعسكرين المتصارعين الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي وجناحه العسكري المعروف باسم حلف وارسو في مواجهة المعسكر الرأسمالى الغربي وجناحه العسكري المعروف باسم حلف الناتو ,وفشلت محاولات حركة كتلة عدم الانحياز بزعامة جمال عبد الناصر الزعيم المصري ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس اليوغسلافي جوزيف برز تيتو ,فى تكوين كتلة دولية مستقرة ومستقلة , لانشغالها بصراعات إقليمية قضت على طموحاتها في النجاة من حلبة منافسة دولية استقطابية تستطنع الأسباب ولا تعجز عن الوسائل ولا ترحم ولا ترعوى,إلى أن أعجزت السياسات العقيمة والفساد والعجز الإقتصادى, لينهار الاتحاد السوفيتي رسميا في ديسمبر 1991 م, بعد أن سبقه حلفاؤه في أوروبا الشرقية إلى نفس المصير, وليس من شك في أن انهيار دوله عظمى لا يقل تأثيرا في السياسة الدولية عن دور الحروب ،إن لم يكن أعظم أثرا وأعمق خطرا واشمل امتدادا وتأثيرا,
لقد أنهى هذا الحدث البارز الصراع السياسي والأيدولوجى بين الشرق والغرب ،ووضع حدا لنظام القطبية الثنائية الذي امتد زهاء خمسون عاما (1947 –1991) كما أعفى العالم من خطر نشوب حرب عالمية ثالثه. وتختلف الآراء إزاء طبيعة المتغيرات التي أفضت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي ،فبينما يعزوها البعض إلى متغيرات ذات علاقة بالأثر التراكمي للسياسة الخارجية الأمريكية ، يؤكد بعضهم على ارتباطهما الوثيق بسلبيات الواقع الداخلي للاتحاد السوفيتي السابق [5] (http://www.alganabi.com/#_ftn5) وقد تباينت الآراء أيضا حيال تحديد تاريخ بداية تدهور الأوضاع الداخلية ، التي أفضت في نهاية المطاف إلى انهيار الاتحاد السوفيتي ، ففي الوقت الذي أصل فيه بعضهم جذور ذلك الحدث في نشوء المجتمع الماركسي الذي وضع هدف السيطرة على العالم ، نصب عينيه ,منافسا في ذلك دول المجتمع الرأسمالي ،على حين أكدت أراء أخرى على أن عهد الرئيس ليونيد بريجينيف هو من أسس نقطة بداية الانهيار السوفيتي بيد أن ذلك لا يلغي حقيقة الدور الحاسم الذي لعبته سياسات الرئيس ميخائيل جورباتشوف الداخلية والخارجية في تسارع تداعي بنى الاتحاد السوفيتي بعد توليه السلطة عام 1985 م حين طرح مشروع سياستي إعادة البناء ( البيروسترويكا ) والانفتاح والمصارحة ( الجلاسنوست )، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد ،حيث شهدت السياسة السوفيتية انفتاحا متزايدا على جميع الأطراف الإقليمية والدولية بغض النظر عن طبيعة أنظمتها السياسية ومواقفها الدولية ، وأسقطت مقولة التحالف المبدئي التي كانت إحدى مرتكزات السياسة السوفيتية حيال حركات التحرر في الوطني في العالم الثالث ،كما تبنى السوفيت مبدأ التسوية السلمية للصراعات الإقليمية .ويبدو أن المضامين التي انطوت عليها تلك السياسات جاءت متناقضة مع ما اعتادت عليه الشعوب السوفيتية لأكثر من 60 عاما مما أدى إلى انتشار الفوضى الإدارية ، وتدهور معدل الإنتاج ،وتأكل الشعور بالأمن الذاتي ،والترويج لأسلوب الحياة الأمريكية على حساب أسلوب الحياة الاشتراكية[6] (http://www.alganabi.com/#_ftn6) .
وجاءت الثورة المخملية بزعامة فاتسلاف هافييل في تشيكوسلوفاكيا ضد الشيوعية 1985 م توالى بعدها سقوط الأنظمة الاشتراكية في بولندا والمجر وألمانيا الديمقراطية وبلغاريا ورومانيا في العام نفسه ، وكان ذلك إيذانا بنهاية الصراع بين الشرق والغرب[7] (http://www.alganabi.com/#_ftn7).وتأكد تراجع النفوذ السياسي السوفيتي بتآكل نفوذه العسكري والاستراتيجي وسقوطه تحت رحمة المساعدات الاقتصادية والمالية الغربية ..ومن ثم العدوان الأمريكي على العراق عام 1991 ليكون بمثابة الضربة القاصمة التي أجهزت على آخر المظاهر المفترضة للدولة العظمى (الاتحاد السوفيتي ) ونفوذها الخارجي ,وترتب على ذلك أن انتشرت الرأسمالية وصارت مجالاً للتطبيق فى معظم الدول النامية، بل إن الدول التي لازالت تتشبث بالنظام الاشتراكي ، مثل الصين، أخذت تغير من سياساتها التي تعتمد على اقتصاد الدولة ، بالانفتاح[8] (http://www.alganabi.com/#_ftn8) على القطاع الخاص ، وتشجيع الاستثمار الأجنبي للعمل بها ، وقد أطلقت على هذه الحالة العارمة من الرأسمالية بالرأسمالية العالمية Global Capitalism.
على ذلك يمكننا القول أن أعقبت التطورات الدولية في نهاية الصراع الإيديولوجي بين الاشتراكية والرأسمالية، وانهيار القوة السوفيتية في السياسة العالمية. كانت انتهاء الاستقطاب الإيديولوجي بما يشبه الهزيمة الكاملة للشرق والانتصار الكامل للغرب. وترجع هزيمة الاشتراكية السوفيتية إلى تفوق النظام السياسي الديمقراطي في الغرب، مقابل جموده وشموليته في الشرق. كما أن السياسات المتطرفة للرئيس الأمريكي ريجان كان لها الفضل في تسريع التحولات الهائلة التي لحقت بالاتحاد السوفيتي، وأدت به في النهاية إلى التخلي عن الشيوعية. هذا بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي والفشل باللحاق بالثورة التكنولوجية الثالثة وجمود الإدارة الاقتصادية. ويرى البعض بعض المؤشرات الإيجابية لنهاية هذا الصراع منها النظر إلى الصراعات الإقليمية والمحلية تبعاً لخصوصياتها بدلاً من النظر إليها من منظور الصراع الإيديولوجي والإستراتيجي العالمي الذي ميز عصر الحرب الباردة، فضلاً عن المحافظة على السلام العالمي وحق البشرية في الحياة والتقدم بعيداً عن التهديد الدائم بالحرب النووية.
وهكذا تم إسدال الستار على المشهد الأخير من العلاقات الدولية المحكومة بالثنائية القطبية، حيث تم الإعلان عن نهاية الحرب الباردة، وولادة المشهد العالمي "الجديد" المحكوم بالرؤى والممارسات الأحادية للنظام الرأسمالي في طوره الأمريكي المعولم. وعلى إثر ذلك انطلق الطموح الأمريكي الجديد متمثلا فيما أعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت، باسم النظام الدولي الجديد [9] (http://www.alganabi.com/#_ftn9) وهو يؤكد بعبارات النصر، وبصورة تمثل رعاة البقر، أنه سيقيم نظاماً دولياً جديداً تحقق فيه بلاده دور السيادة والريادة، والمحافظة على مصالحها، عندما قال: "لدينا رؤيا جديدة، حول مشاركة أمم أخرى شاركتنا لتحقيق النصر في الحرب الباردة، من أجل قيام شراكة تقوم على التشاور مع هؤلاء والتعاون معهم، ولنمارس التدخل بعد إصدار القرارات من المنظمات الدولية والإقليمية لغطاء ما نقوم به. وكذلك للمشاركة في التكاليف بصورة عادلة", لقد أثارت تلك التوجهات العديد من الآراء وطرحت علامات استفهام كبرى, حول المقصود بكلمة (الجديد) في طموح النظام الدولي الأمريكي ويفسر ذلك على أن النظام الجديد لم يتضمن في جوهره شيئا جديدا بشان التعامل الدولي وسياسات القوى المهيمنة.و النظام العالمي الجديد لا يعني تحولا في قيم ومبادئ وشرائع الدول الكبرى المسيطرة تجاه محور الجنوب بحيث تتعامل هذه الدول مع العالم الثالث بعيدا عن الاستغلال بقدر ما هو استمرار للنظام والعقلية الاستعمارية وان كانت بلافتات جديدة [10] (http://www.alganabi.com/#_ftn10) إن ما نتج عن انتهاء الحرب الباردة لم يكن نظاما عالميا جديدا وإنما ترتيبات جديدة يستحدثها نظام عالمي قديم يعيد بها دوره في ظروف متغيره . وفي خضم تضارب الآراء بشان النظام الدولي الجديد تعاقبت الإحداث التي عصفت بالساحة الدولية طوال عقد التسعينات ليترتب عليها بروز رؤى جادة نالت من حقيقة مصداقية هذا النظام. حيث شرعت الولايات المتحدة باستعراض مظاهر قوتها العسكرية في انتهاك سيادة وامن العديد من الدول تحت شعار التدخل لأغراض إنسانيه ودعاوى نشر الحرية و الديمقراطية الزائفة ومشروع مكافحة الإرهاب . ومساعدة الأقليات فى الحصول على حقوقهم كمخل استعماري معهود و طبيعي ,وقامت واشنطن بممارسات هيمنة مكشوفة تفرض قوانينها على العالم أجمع، إلى درجة أخذ بعض حكامها واستراتيجيوها يتنازعون الآراء، حول دور بلادهم والهيمنة على الأوضاع الدولية، وهم يعتقدون أن غياب التهديد الأيديولوجي أعني الاشتراكية، أعطى للأمم الأخرى حرية إتباع سياسات خارجة تقوم على مصالحها الوطنية، وكأن المصالح الوطنية لا تتحقق إلا بممالأة الولايات المتحدة والخضوع لإستراتيجيتها. ويزعمون أنه يجب التعايش مع نظام دولي جديد، يدير شؤونه، بعض الدول الغربية في معظمها، تحت قيادة الولايات المتحدة ويجب على الدول الانصياع إلى كل ما يصدر عن تلك القوى، وبأن تتعايش وتتوازن المصالح الوطنية المتنافسة.
,ومن اللازم الضروري ابتداءا أن نفرق بين العالمية و العولمة، فالعالمية هي انتقال الظواهر من الطابع الوطني أو القومي إلى الطابع العالمي، وهي ظاهرة موضوعية يتحدد مدى انتشارها بمستوى تطور القوى المنتجة و الثقافات. وهي بوتقة لتفاعل الأمم في إطار مجتمع إنساني تقوم العلاقات فيه، على أساس التكافؤ، فلا يلغي أحد أطرافه الأطراف الأخرى، مجتمع يقوم على التعددية الثقافية، والاقتصادية، و السياسية، و الاجتماعية. أما العولمة ،فهي ليست ظاهرة جديدة، ولا هي مجرد ظاهرة غريبة. فقد تقدمت العولمة عبر آلاف السنين، جراء تطور المواصلات و الاتصالات بين الشعوب، و التجارة و الهجرات، و توسع الثقافات، و انتشار العلم و الاكتشافات خاصة في ميداني العلوم الدقيقة والتكنولوجيا. و هكذا في نهاية الألفية الثانية انبثقت العولمة من الغرب، و لكن منذ بدايتها أي ما يقارب العام 1000، تأثرت أوروبا بالعلم و التكنولوجيا الصينية، و بالرياضيات العربية، إذا يوجد إرث عالمي من التفاعلات بين الحضارات. و تندرج الحركات المعاصرة في هذا التاريخ .
ويعتبر البعض أن أوّل من تبنى فكرة مفهوم العولمة بعد عالم السسيولوجيا الكندي "مارشال ماك" من جامعة تورنتو ,كان من صناع السياسة الأمريكية ومخططيها هو "زييجنيو بريجينسكي" مستشار الرئيس الأمريكي كارتر (1977- 1980م) الذي أكدّ على ضرورة أنّ تقدّم أمريكا التي تمتلك 65% من المادة الإعلامية على مستوى العالم- نموذجا كونيا للحداثة، يحمل القيم الأمريكية التي يذيعونها دوما في الحرية وحقوق الإنسان. ولقد صدرت كثير من المؤلفات باللغات الأوربية والعربية التي تتناول هذه الظاهرة، ومعظم الأفكار والأطروحات الغربية التي تتناول دراسة ظاهرة العولمة تقوم على ما طرحه الكاتب الأمريكي الياباني الأصل "فرانسيس فوكاياما" في كتابه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، [11] (http://www.alganabi.com/#_ftn11)والتي يزعم فيه أن التاريخ البشرى ومسيرته قد وصلت إلى نقطة حاسمة وانتهت الى انتصار النظام الرأسمالي الليبرالي والديمقراطية الغربية على سائر النظم المنافسة لهما وأنّ العالم قد أدرك بعد فترة حماقة طويلة أن الرأسمالية هي أفضل أنواع النظم الاقتصادية، وأن الليبرالية الغربية هي أسلوب الحياة الوحيد الصالح للبشرية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية وامتدادها الاقتصادي القيمي ونظامها الرأسمالي المادي الذي تعتمده وحلفاؤها من الأوربيين أوربا يمثلان الدورة النهائية للتاريخ وأنّ الإنسان الغربي هو الإنسان الكامل الأخير. ومن هنا وجدت الفلسفة الإعلامية الغربية في أفكار وأطروحات فوكوياما مادة تسوِّغ بها سياسات الغرب الرعناء تجاه العالم المعاصر[12] (http://www.alganabi.com/#_ftn12)..وقد أثارت تلك الرؤية وخطورتها على مستقبل العالم وعلى مكانة أمريكا التي انتشت بانتصارها على العراق دون أن تدرك ما تخبؤه الأقدار لها فيه ودون أن يدرى أن نهايات العقد الأول من القرن21 الميلادي سوف تشهد كبوات كبرى ماليا واقتصاديا وسياسيا وسوف يتقلص النظام العالمي الجديد الزى بشر به بوش إلى إقبال الناخبين الأمريكيين على التصويت لباراك أوباما بناءا على وعده بالخروج الأمريكي العاجل من المستنقع العراقي.


1-Erskine,Toni (2000) 'Embedded Cosmopolitanism and the Case of War: Restraint, Discrimination and over lapping Communities', Global Society , 14 (4), 569–90-- Cambridge Press, 2009. (http://www.alganabi.com/#_ftnref1)
[/URL]http://criticsamir.blogspot.com/2010/05/cosmopolitan-imagination-renewal-of.html- (http://criticsamir.blogspot.com/2010/05/cosmopolitan-imagination-renewal-of.html-) -1


1-Michael Cox and Caroline Kennedye, "The Tragedy of American Diplomacy? Rethinking the Marshall Plan," Journal of Cold War Studies, Vol. 7, No. 1 (Winter 2005), pp. 97-134. (http://www.alganabi.com/#_ftnref2)


The "Marshall Plan" speech at Harvard University, 5 June 1947- -2 (http://www.alganabi.com/#_ftnref3)
http://www.oecd.org/document/10/0,3746,en_2649_201185_1876938_1_1_1_1,00.htm (http://www.oecd.org/document/10/0,3746,en_2649_201185_1876938_1_1_1_1,00.htm)l-


[4] (http://www.alganabi.com/#_ftnref4)- للمزيد من التفاصيل حول أبعاد قوة الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة، وأساليبها فى تكريس ذلك ..يرجع إلى : سيد أبو ضيف أحمد، "الهيمنة الأمريكية: نموذج القطب الواحد وسيناريوهات النظام العالمي الجديد"، عالم الفكر، العدد 5، المجلد 31، يناير-مارس 2003: 7-34،.

1-Benjamin R. Barber, “Fear's Empire: War , Terrorism , and Democracy”, New York Norton, 2003 --- --Emmanuel Todd, “After the Empire: The Breakdown of the American Order” New York: Columbia University Press, 2003,
- G. John Ikenberry MarchApril 2004,, “Illusion of Empire Defining the New American Order”, Foreign Affairs,
- Michael Mann, “Incoherent Empire”, New York : Verso .2003, and Chalmers Johnson,


1-See :Hobsbawn: The age of Extremes, 1994, F.Furet:The passing of an Illusion: The Idea of Communism in the 20th. Centaury , 1999 (http://www.alganabi.com/#_ftnref6)

2 -نازلى معوض ، النظرة السوفيتية الجديدة للصراع والتوازن المعاصر ، مجلة الفكر الاستراتيجي العربي بيروت ، العدد 25 1988 ص23 (http://www.alganabi.com/#_ftnref7)

1-Jeffrey D.Sachs: Twentieth –Century political Economy: A brief history of Global Capitalism, Oxford Review Economic Policy, Vol. 15, No.4, 1999. (http://www.alganabi.com/#_ftnref8)

1-للمزيد من التفاصيل حول جذور هذا الفكر وأهدافه وخطورة هذا التوجه ..يرجع الى :-نعوم تشومسكى :النظام العالمى القديم والجديد-ترجمة عاطف معتمد عبد الحميد-طبعة دار نهضة مصر-طبعة 2007م . (http://www.alganabi.com/#_ftnref9)
2-President Bush's speech to Congress -March 6, 1991 (extracts). This speech has often been cited as the US administration’s principal policy statement on the new order in the Middle East following the expulsion of Iraqi forces from Kuwait - (http://www.alganabi.com/#_ftnref9)http://www.al-bab.com/arab/docs/pal/pal10.htm (http://www.al-bab.com/arab/docs/pal/pal10.htm) Podhoret -

The Future Dange-r Commentary, April 1981 - 3-Norman

hhttps://webspace.utexas.edu/hcleaver/www/357L/357Lsum_s2_TheFutureDanger.htm

American Studies in a Moment of Danger — University of Minnesota ..

-American Studies in a Moment of Danger. A forthright look at the future of the discipline in the wake of immense social changes. At a critical moment

[url]http://www.upress.umn.edu/book- (http://www.upress.umn.edu/book-) /american-studie in a moment-of danger -

-http://www.huffingtonpost.com/2011/10/21/obama-iraq-troop withdrawal –

1- محمد حسنين هيكل حرب الخليج، أوهام القوة والنصر، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة الأهرام ط1 1992 ص 66 (http://www.alganabi.com/#_ftnref10)

[11] (http://www.alganabi.com/#_ftnref11) - صدر هذا الكتاب بعد انهيار الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفيتي، وقد ترجم إلى العربية عدة ترجمات منها ترجمة حسين أحمد أمين -الناشر مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة ط1 1993م
2- جلال أمين - العولمة- دار المعارف ، القاهرة 1998م - سلسلة اقرأ ص5 ،-هانس بيترمارتين وهارولد شومان- فخ العولمة ترجمة عدنان عباس علي ومراجعة وتقديم رمزي زكي - عالم المعرفة - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت ، ص 7-8 .