المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ام كلثوم فى العراق عام 1932


samirazek
09/11/2011, 14h46
الآنسة ام كلثوم .. في بغداد ذكرى حب متبادل وعشق بغدادي للغناء الاصيل
عبد الجبار العتابي
جريدة المؤتمر العراقية 3-10-2011
في مثل هذه الايام قبل (76) عاما ، كانت ام كلثوم في بغداد ، احيت حفلات غنائية على مدى شهر من الثامن عشر من تشرين الثاني / نوفمبر الى يوم الثامن عشر من كانون الاول / ديسمبر من عام 1932 ، وعاشت اياما وليالي بغدادية ، اقترب الناس منها واقتربت منهم ، فغمروها بمحبتهم الكبيرة واعتزازهم بها مثلما غمرها الشعراء بقصائدهم ونثروا على رأسها اكاليل قوافيها الزكية المعبرة عن مديح عال بغنائها الرائع وشخصيتها اللطيفة ،
وقد نثرت على قلوبهم طلاوة صوتها وحلاوته ، فأطربتهم ايما طرب ، فكانت ترفض ان تقيم حفلة خاصة مثلما اعتذرت عن اقامة حفلة عامة لشروط التعاقد معها ، فكان هذا الشهر الذي احيت فيه (13) حفلة من اجمل شهور السنة تلك ، وحمل معه اجمل الذكريات التي اصبحت تاريخا معطرا ،
وقد احيث حفلاتها في فندق الهلال في منطقة الميدان التي كانت من اجمل مناطق بغداد واشهرها ، وهي التي الان على التقيض مما كانت عليه !!،
كما ان ام كلثوم تأثرت بما كان عليه المجتمع العراقي فأرتدت العباءة العراقية السوداء ، وزارت الموسيقي العراقي يوسف زعرور (عازف القانون) في منزله ،
وتلك الزيارة هو الاولى لبغداد من اثنتين ، حيث كانت الثانية في شهر مايس / مايو عام 1946، وكانت في السنوات اللاحقة تتمنى ان تزور بغداد ، وكما قال الشاعر المصري صالح جودت في مقال له نشرته مجلة الشبكة اللبنانية في نيسان / ابريل عام 1968 حين شرح لها حب العراقيين لها انها قالت لو جاءتها دعوة لما تأخرت في تلبيتها.
الزيارة الاولى لام كلثوم لبغداد تمثل نبضا حيا في الذاكرة البغدادية التي ما زالت ترفعها بمحبة وتستذكرها بقصائد الشعراء الذين امطروا (الانسة ام كلثوم) بها ، كما نستذكرها هنا بالتفاصيل التي دونها الكلثومي العراقي وحيد عبد الفتاح في كتابه عنها الذي حمل عنوان (الاسطورة) ، وقد التقيته وتحدثت معه وحدثني عن حبه الكبير لام كلثوم معبرا علاقته الوطيدة بأغانيها وسيرة حياتها حيث يبحث عن كل شاردة وواردة عنها من اجل تدوينها ووضعها بين يدي الاجيال.
بدأت حكاية زيارة ام كلثوم الى بغداد من خلال اعلانات في الصحف ، وقد وضعت صفة (الانسة) على المطربة الكبيرة احتراما وتقديرا وهي الصفة التي تغيرت فيما بعد الى (السيدة) ، ونشرت احدى الصحف هذا الاعلان :
(بشرى عظمى نزفها الى العراق اجمع / الانسة ام كلثوم في بغداد) قالت فيه : (الانسة ام كلثوم ولا يخفاكم ما للانسة ام كلثوم من منزلة عظمى في قلوب جميع الشرقيين .. تلك النجمة الساطعة نجمة الشرق وكوكبه اللماع الفنانة الموسيقارة التي ذاع صيتها في العالم كله صاحبة الصوت الملائكي ستزورنا في الشهر المقبل تقلها احدى طائرات الشركة الامبراطورية التي تصل بغداد في 16 تشري الثاني وفي الليلة التالية تبتديء اولى حفلاتها في (اوتيل الهلال) بالميدان وقد اتخذت ادارة هذا الاوتيل جميع التدابير اللازمة من النظام والترتيب لراحة الشعب من جميع الوجوه وقد خصصت محلات منفردة للسيدات استعدادا لهذا المقدم الميمون ، فعلى الشعب العراقي الكريم ان ينتهز هذه الفرصة النادرة لمشاهدة ابدع فنانة مطربة اشتهرت في العالم تزور العراق مع جوقها الشهير لاول مرة).
وبالطبع ان صوت ام كلثوم وصل الى العراقيين بشكل عام عن طريق الاسطوانات حيث لم تكن الاذاعة انذاك معروفة ، وحب العراقيين للغناء هو الذي جعلهم ينصتون الى الصوت الذي بلغ الاسماع بعذوبته ، وما الاعلان الاول الا دليل على ان ام كلثوم كانت لها حظوة كبيرة لدى العراقيين.

ثم نشرت جريدة العالم العربي اعلانا عن زيارة ام كلثوم الى العراق في العدد (2646) الاربعاء المصادف 26/11/ 1932 ثم نشر الاعلان نفسه في العدد (2647) وكذلك في العدد (2648) ، ثم نشر اعلان اخر في العدد(2649) يوم السبت المصادف 29/11/ 1932 ، ثم نشر اعلان اخر في العدد (2650) الاحد 30/10/ 1932 جاء فيه :
الانسة ام كلثوم تزور بغداد لاول مرة والتخت المكون من : الاستاذ محمد افندي القصبجي (عود) ، ابراهيم افندي العريان (قانون) ، الاستاذ كريم افندي حلمي (كمان) ، جرجس افندي سعد (ناي) ، الاستاذ يوسف افندي عبدالله (فيلونسيل) ، ابراهيم افندي عفيفي (رق) الاستاذ صالح افندي محمد وعبد العزيز عبد الوهاب (مذهبجية).
ونشرت ادارة اوتيل الهلال اعلانا في جريدة العالم العربي في عددها (2649) الصادر في 29/10/ 1932 جاء فيه :( قريبا جدا الحفلات الغنائية الساهرة باوتيل الهلال تطرب الحاضرين بصوتها الملائكي الساحر مطربة الشرق الانسة ام كلثوم : ملكة الغناء في الشرق وصف لاغلو فيه ولا مبالغة التي اصبحت رمزا لسمو مكانة هذا الفن ويكفي ان تذكر اسم ام كلثوم فتتمثل شخصية امتزج بها الفن بمعانيه الساحرة وبدائعه الباهرة فيتجلى باصفى جوهرة واعذب روضته في كل لحن من الحانها فمتى غنت فصوت يملأ المسامع وطرب يفعم الصدور وسحر يلعب بالعقول كثير من التقدير للمطربة الغنائية اعجاب لذات الصوت الساحر ، ان الجماهير التي تحضر دائما لسماع الفنانة لا تجهل ما تبذله من الجهود العظيمة وما تبديه من التفنن ، لذلك هي دائما تعرب عن شعورها بالصدق تارة وبالهتاف اخرى ، حيوا الفنانة التي ادخلت عنصر الحياة والبساطة في التلحين والغناء والموسيقى ، على تخت مؤلف من كبار الموسيقيين / لاتنسوا اولى حفلاتها في 17 تشرين الثاني 1932).
وتوالت الاعلانات عن بدء حفلات ام كلثوم ومنها الاعلان الاتي يوم الثلاثاء الثامن من شهر تشرين الثاني / نوفمبر : ( الافتتاح العظيم لاول حفلة من حفلات الانسة ام كلثوم سيكون يوم 17/11/ 1932 ، ستباع بطاقات هذه الحفلة في شباك الاوتيل المذكور اعلاه واجور التذاكر كما يلي : موقع ممتاز (500) فلس في صحن الصالة ، موقع ممتاز (500) فلس في البلكونات ، موقع اول (375) فلسا في صحن الصالة ، موقع ثاني (250) فلسا في صحن الصالة) ، وفي اعلان اخر نشر في الصحيفة ذكر (خصص محل خاص للسيدات منعزل تماما عن محلات الرجال له مدخل خاص من اول سوق الهرج تجاه دائرة التقاعد سابقا ، وخدمة لراحة السيدات سيقوم بخدمتهن نساء ) ، وعلينا ان نقرأ جيدا في معنى الاعلان الذي يؤكد ان النساء العراقيات مغرمات بأم كلثوم مثلما الرجال ، وصورة معبرة عن واقع المجتمع العراقي انذاك .
كما نشرت بعد ايام اعلان جاء فيه : (ورد الينا من اوتيل الهلال للنشر ان الانسة ام كلثوم تعطل وصولها امس الى بغداد لعدم ملائمة الطقس لسفر الطائرة وانه يتوقع وصولها اليوم في الوقت المعين في الدعوة ) وتوالت الاعلانات عن وصول ام كلثوم حتى يوم السبت 19/ 11/ 1932 حيث نشر اعلان جاء فيه : (هذه الليلة .. الافتتاح العظيم لاول حفلة من حفلات الانسة ام كلثوم سيكون يوم السبت 19/11/ 1932 )
وبعد الحفلة الاولى الغنائية كتب احدهم بقلم مشاهد في الصحيفة ذاتها راسما صورة ناطقة عن استقبال الناس للمطربة الكبيرة : (غص اوتيل الهلال ليلة الاحد الماضي بجماهير المستمعين والمستمعات المتقاطرين الى تشنيف الاذان بصوت الانسة ام كلثوم ، وعندما ظهرت الانسة على المسرح المزين بأبهى زينة بين افراد جوقها وفي يدها العود ثارت من الحاضرين زوبعة تصفيق وهتاف هائلة دامت بضع دقائق ، ثم اخذت الفنانة الذائعة الصيت تلعب بالقلوب ما شاءت بفنون غنائها الممتاز وهي تتذوق كلامها وغناها وانفاسها متضرمة بنفس اللهبات التي كانت ترمي بها نفوس سامعيها وقد اخذ الرسام الشمسي بالضياء الخاص رسمها وهي جالسة بين جوقها تذكارا لافتتاح الحفلات الغنائية التي ستقيمها اثناء اقامتها في بغداد ) .

وحفلت الحفلة الغنائية الثالثة لام كلثوم في اوتيل الهلال بحضور رئيس الوزراء العراقي انذاك (ناجي شوكت) ، وفي يوم 30 /11/ 1932 نشر بيان من ام كلثوم بعنوان
(الى الشعب العراقي الكريم) جاء فيه : (قدمت الى هذه البلاد وفي نفسي كل الشوق اليكم والى بلادكم المحبوبة ، وبناء على الضرورة الحاصلة لوجودي في مصر في 15/12/ 1932 سأترك هذه البلاد وفي نفسي ذكرى جميلة لما لقيته منكم من عاطفة وشعور سام يدل على حسن ضيافتكم وعنصركم الطيب ، وبهذه المناسبة أأسف بأن اعلن لكم بأني سوف لا اتمكن من احياء حفلة عامة كانت ام خاصة الا لليالي المتفق عليها مع ادارة اوتيل الهلال والتي ستعلن عنها الادارة في حينه / ام كلثوم) .

واقامت ام كلثوم عددا من الحفلات لتقوم يوم العاشر من شهر كانون الاول / ديسمبر مأدبة طعام ، اجتمع عليها الادباء والشعراء واهل الصحافة ، وهو تعبير عن تقديرها لهم ، وقد نشر الخبر في الصحيفة يوم 11/12 كما يأتي : ( اقامت حضرة الانسة ام كلثوم عند ظهر امس مأدبة انيقة في فندق انيقة في فندق الهلال ، دعت اليها رجال الصحافة والادب) ، وخلال المدة المتبقية اقامت ام كلثوم حفلات مسائية يومية كانت احداها نهارية خاصة بالسيدات في (سنترال سينما) ثم اقامت الحفلة الثانية عشرة : (حفلة ممتازة) كما جاء في توصيفها من قبل صحيفة (العالم العربي) التي نشرت الخبر ، وصولا الى خبر الحفلة الاخيرة (الانسة ام كلثوم - الحفلة الوداعية الاخيرة - اجابة لرغبة الجمهور العرقي الكريم وستغادر العراق يوم الاحد القادم 18/11/ 1932) .

ومع هذا الاعلان نشرت الصحيفة بيانا صحفيا من ام كلثوم للتعبير عن ما شعرت به وما وجدته من ضيافة وتقدير لها ، وكان عبارة عن رسالة من ام كلثوم تحت عنوان (الانسة ام كلثوم تشكر العراقيين) : ( ورد الينا من الانسة ام كلثوم ما يلي : اي شكر استطيع ان اسديه الى اهل العراق الكرام الذين حبوني بالفضل تعددت نواحيه وطوقوا جيدي بقلائد المنن والتكريم بكل مظاهره ومعانيه حتى اصبحت عاجزة عن حمل تلك الايادي التي توالت دواما اذ كان اهلها في استقبالي كراما ، وكانوا ورثة امة ملكت اكثر من نصف العالم وازدهرت مدنيتها وامتد سلطانها وقدروا معالم الفن الجميل وكانوا اخيرا المثل الاعلى في الاقبال على الحفلات التي احييتها تشجيعا للفن الموسيقي ، وهو ذلك الفن الذي يسرني بل واتشرف بالانتساب اليه ، وما حفلات التكريم التي تفضل حضرات الادباء والشعراء من رجال وسيدات بأقامتها لي الا فضل ترك في نفسي اثرا على كر الايام وذكرا على مر الاعوام متواليا ، ومن اجل هذا اراني غير قادرة على ايفائكم - ايها الاخوان الاكرمون- حقكم من الثناء واني سأعود الى بلادي فخورة بما لقيت حافظة للعراق واهله اجمل الذكرى واطيب الاثر / ام كلثوم / مدينة بغداد تحريرا في 17 /12/ 1932م) ،
وغادرت الانسة ام كلثوم العراق في يوم الاحد الموافق 18/12/ 1932 ، كما يؤرخ ذلك وحيد عبد الفتاح .
ومع وجود ام كلثوم في بغداد جاشت قرائح الشعراء بالقصائد عنها ، حيث القيت في حضرتها ، ومنها قصيدة الشاعر معروف الرصافي التي حملت عنوان (الى ام كلثوم ) وقال فيها :

أم كلثوم في فنـون الأغانـي
أمـةٌ وحدهـا بهـذا الزمـان
هي في الشرق وحدها ربّة الفّن
فمـا أن للـفـنّ ربّ ثــان
ذاع من صوتها لها اليوم صيت
عمّ كـلّ الأمصـار والبلـدان
ما تغنّـت إلا وقـد سحرتنـا
بافتنـان لهـا وأيّ افتـنـان

تلك هي ام كلثوم ، المطربة الكبيرة في زيارتها الاولى لبغداد وهي العشرينيات من عمرها ، وفي وقت ليس هنالك من اذاعات ولا تلفزيونات ، انها الصوت الذي افعم الاصوات بحسنه ، وترك شذاه يتضوع في بغداد الى اليوم.