المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخصائص الفنية للأغنية الصوفية


starziko
06/09/2011, 14h08
للأغنية الصوفية خصائص ومميزات متعددة سواء من حيث نوعية الموضوعات التي تتطرق إليها، أو من حيث اعتمادها على ألحان موسيقية مميزة، هي في الغالب مزيج من الطبوع والمقامات المستعملة في أنماط الموسيقى المغربية..

تتميز الأغنية الصوفية بخصائص فنية أهمها:
1- أنها تعتمد من حيث الموضوعات على قصائد منظومة في الذكر لأقطاب الصوفية كابن الفارض والششتري والحراق، وعلى ما نظمه أشياخ الطرق ورجالها من أوراد وأحزاب وأدعية. ومثال ذلك دلائل الخيرات للشيخ الجزولي المتوفي عام 870 هـ، والصلاة المشيشية لمولاي عبد السلام بن مشيش، وحزب الإبريز للشيخ سيدي محمد بن عيسى، وورد الكتانيين وأذكار الطريقة الوزانية والتيجانية وغيرها. وقد ألفت بعض هذه الأوراد بلغة هي مزيح من الفصحى والعامية وألفت أخرى بإحدى اللهجات الأمازيغية إمعانا في استنهاض القوم بلسانهم، مثل كتاب "بحر الدموع" للشيخ محمد بن علي الهوزالي، ومنظومة الأصناكي وغيرهما (1)، وهكذا يجمع كلام الصوفية بين المنظوم والمنثور، في حين لا تنشد طوائف المستمعين إلا الأشعار المنظومة.
2- تقدم الأغنية الصوفية على ألحان موسيقية هي في الغالب مزيج من الطبوع والمقامات المستعملة في أنماط الموسيقى المغربية. وأغلب هذه الطبوع تلك المستعملة في الموسيقى الأندلسية. وقد أفرد الدلائي خاتمة كتابه لذكر ما هو مستعمل من الطبوع الأندلسية في محافل الذكر عند المتصوفة، وفي هذا الفصل ذكر طرائق من بعض الطبوع الأندلسية هكذا:
1- طريقة من الحجازي المشرقي في إحدى وعشرين صنعة.
2- طريقة من الاصبهان في عشر صنعات.
3- طريقة من رمل الماية في خمس صنعات.
4- طريقة غريبة الحسين والصيكة مختلفتين في تسع عشرة صنعة.
5- طريقة من الحجازي الكبير والحصار في اثنتي عشرة صنعة، الأربعة الأخيرة منها تميل إلى طبع عراق العجم، وتتلوها أربع صنعات تميل إلى رمل الذيل، ثم أربعة أخرى تخرج فيها إلى طبع الرصد.


6- طريقة من المشرقي الصغير في سبع صنعات تليها سبع أخريات في طبع الاستهلال.
وهكذا يبلغ عدد طبوع الموسيقى الأندلسية المستخدمة عند أصحاب الذكر ـ حسب الدلائي ـ اثني عشر طبعا (2).
3- وأغلب ما يكون الذكر جماعيا، وهو ما يرمز إلى التلاحم الروحي الذي يجمع ين أتباع الطريقة.
4- أما الرقص، فلقد وجدوا فيه خير سبيل إلى استراق القلوب واستلاب الوجدان، وكأنما يريدون من خلال تعاطيهم للشطح تكسير القيود التي تربطهم بالأرض والناس والحياة المادية ليحلوا في الأجواء الروحانية الصافية. وتتمسك الطرق بالرقص تمسكا عظيما لأنها تعتبره أداة فعالة في تحقيق المقاصد الصوفية. ومن ثم فقد غدا يمثل ركنا من أركان الفن الصوفي، إلى جانب الذكر والغناء والموسيقى.
يروي الحسن اليوسي في المحاضرات (3): "أن جماعة قدموا على سيدي محمد الشرقي التادلاوي، فخرج إليهم، وتحرك سماع، فلم يشعروا به إلا وهو وسطه يتواجد، وليس عليه القميص، فقال بعض الجالسين سرا: هذا رجل خفيف. فإذا هو على الفور تكلم على خواطرهم فقال:
اللـــــــه اللـــــه يا للـــــه *** اللــه اللـــه يـــا لطيـــــف
والحـب يهــز الرجــــال *** لا واللـــه مانـــي اخفيــف
ويعقب اليوسي على ذلك فيقول: ومن هذا قول القطب العارف الشيخ أبي مدين رضي الله عنه:
فقل للذي ينهي عن الوجـــد أهلــه *** إذا لم تذق معنى شراب الهوى دعنا
وأهم ما يميز رقص الطرقيين أنه يسير وفق قواعد وتقاليد متوارثة بين رجال الطرق، وأنه "يختلف حركة وقوة وحدة باختلاف الطوائف: فإذا كان مثلا رقص درقاوة والقاسميين هادئا ليس فيه غير الهز العمودي للجسم، فإن رقص احمادشة وعيساوة يعتمد على تحريك قوى الجسم والأطراف، مع الضرب العنيف بالأقدام على الأرض"(4). ويبلغ الرقص حدته عند بعض الطوائف وخاصة لدى انصرافها إلى التوسل والجذب على مقاطع كلمة "المدد" التي ترددها على نغمة مكررة، كما هو الشأن عند العيساويين وأهل توات. وهو في هذه الحالة يتحد ويصطخب ويبلغ من العنف درجة قصوى لا يوازيها إلا قوة الأداء الصوتي الذي يكاد يتحول إلى حشرجة مختنقة.
وقد تستحوذ على المريد المنهمك في الذكر والرقص حالات من الوجد يفقد معها وعيه بالناس وشعوره بما حوله. وإلى ذلك يشير ابن خلدون إذ يقول: "إن الجسد إذا رجع عن الحس الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحس وقويت أحوال الروح وغلب سلطانه وتجدد نشوؤه". ويذهب ابن خلدون بعد ذلك إلى تعليل هذه الظاهرة فيقول: "وأعان على ذلك الذكر فإنه كالغذاء لتنمية الروح"(5). وهو تعليل كما نرى تطبعه سمة تجمع بين النزعة الصوفية والنظرة العلمية، في حين يذهب غيره مذهب التأثير بالخوارق فيزعم أن مثل هذه الحالات إنما هي من كرامات الصوفيين(6). وقد أنشد صاحب التشوف البيت التالي:
ولله في الأرواح عند استماعها *** إلى اللحن سر في الورى غير مظهر
وهكذا أصبح التوسل بالأوراد والأذكار يشكل ـ إلى جانب المواظبة على الصلاة ـ دعامة أساسية في تكوين المريد وتربيته تربية روحية.
5- وإلى جانب الرقص، تساهم الآلات النقرية بدورها في بلورة الخصائص الإيقاعية لأغاني الطرقيين. ويبدو ذلك جلبا من وفرة هذه الآلات التي تصاحب الإنشاد وحركات الرقص، كالطبلة لدى القاسميين، والدف والطاسة عند التهاميين، والطارة عند العيساويين، والهواز لدى الهداوين، والتعريجة وأكوال عند احمادشة، والبندير لدى الجيلاليين.
ولقد كان من نتائج تداول آلات النقر أن أصبحت بعض إيقاعات الأغاني الصوفية بالغة التعقيد والصعوبة، وخاصة لدى احمادشة وهداوة، كما بلغت الأوزان من الاكتمال ما جعلها تقوم بذاتها وتستقل بكيانها. ومن أبرز هذه الأوزان أوزان احمادشة، وهي الخمارى والمزلوك والمجرد، وأوزان جيلالة، وهي الرباني والجيلالي والمجرد والجيلالية(7).
6- وعلى النقيض من لجوء هذه الطوائف ونظائرها إلى صياغة ألحانها في أوزان موسيقية محددة الإيقاع، يلجأ مريدو الطريقة الجزولية وما شاكلها من الطوائف التي تترفع عن استعمال الآلات إلى الاعتماد على الألفاظ واعتبارها أساسا لتوقيع الألحان، فتمد أو تقصر الكلمات، وتسكن المتحرك، وتحرك الساكن، بحسب ما يلائم ذلك من الألحان، وهكذا تتحكم الكلمات هي وحدها في النفس اللحني، ويكاد ينعدم الميزان بمعناه الموسيقي. وقد أشار إلى هذه الظاهرة السملالي المراكشي صاحب الإعلام في صدد ترجمته للشيخ الجزولي(8).
وقد انعكست نتائج هذه الظاهرة على الإنتاج الغنائي لهؤلاء المادحين، فجاءت أناشيدهم حرة الأداء، وكانت أدعى إلى التأمل والتدبر فيما احتوته من معاني، في حين انعكس الالتزام بالميازين لدى الطوائف الأخرى على أغانيها، فجاءت صاخبة الإيقاع، وكانت بدورها أدعى إلى التواجد والشرود الفكري، كما كانت حركاتها أقرب إلى الجذب منها إلى الرقص الموقع.
وباستثناء بعض الطرق الصوفية التي لا تستخدم الآلات مطلقا، وإنما تعتمد كلية على الإنشاد الصوتي وفق الأنغام الموسيقية على طريقة المسمعين، كالكتانيين والتيجانيين والشرفاء الصقليين، فإنا نجد باقي الطرق ـ وهي التي تشكل النسبة الغالبة ـ تعتمد في إنشادها على المصاحبة الآلية. ونستطيع أن نصف هذه الطرق في فئات ثلاث.
· الفئة الأولى : تعتمد بالدرجة الأولى على الآلات الوترية. وتشكل من الطرق التي ينتسب رجالها وروادها في الغالب إلى الأوساط البورجوازية والمحافظة. وتكاد هذه الفئة تلتقي في استخدامها للوتريات مع أجواق "الآلة الأندلسية للشبه القائم بينهما". وأبرز طوائف هذه الفئة: الصديقية والحراقية والريسونية والشقورية والدرقاوية، وإلى هذه الفئة الأخيرة أشار التادلي (9)بقوله: ... السادات الصوفية أصحاب مولاي العربي الدرقاوي، ومعهم مولاي عبد الرحمن الفجيجي الذي يضرب العود. ومن خلال تتبع حلقة ذكر تحييها الزاوية الشقورية بالشاون يلاحظ استعمال الكمنجة والعود والرباب مع الاعتماد على الطر والدربوكة لضبط الإيقاع. والواقع أن مدن الشمال تكاد تنفرد بظاهرة استخدام الآلات الوترية في مصاحبة الإنشاد داخل الزوايا وهي ظاهرة تؤكد النزعة التحررية وسمة التسامح اللتين تطبعان النشاط الموسيقي بالمدن الشمالية.

starziko
06/09/2011, 14h09
· الفئة الثانية : تعتمد في مصاحبة إنشادها على آلات النفخ والنقر، مثل التهاميين والغازيين والعيساويين واحمادشة وجيلالة، وينتمي أغلب هذه الطرق إلى أوساط الحرفيين وعامة الشعب، على أن آلات النقر تحتل الدرجة الأولى في الاستعمال بالنسبة للأسرة الهوائية التي تحتضن النفير الغيطة والليرة والعوادة (وهو مزمار من قصب سميك).
· الفئة الثالثة: تكاد لا تستعمل سوى آلات النقر كطائفة هداوة، وإلى ذلك أشار إبراهيم التادلي إذ قال: إن الهداويين يستعملون الإيقاع الثلاثي، فإن دقهم في أكوال ثلاث مرات يشطحون ويضربون عليه (10). وتندرج تحت هذه الفئة الزاوية الحسونية بسلا، غير أنها تستخدم من بين آلات النقر ما هو ألصق بألوان الموسيقى الشعبية كالطاسة والطبلة والطبل الكبير والطارة التي يراد بها البندير.
ويلاحظ أن الفئتين الأخيرتين لا تستعملان آلات الوتر في غالب الأحيان، فإن هما استخدمتاها كان ذلك على سبيل نقرها بالأصابع لا غير، كما هو الشأن في استعمال احمادشة للكمبري وكناوة للهجهوج.
ولقد وقفت بعض الطوائف الصوفية من الآلات الموسيقية موقفا سلبيا، فاستنكفت عن استخدامها في أذكارها، في حين رحبت بها طرق أخرى ولم تر في استعمالها ما ينقص من قيمة أذكراها. وقد ذهب أصحاب الفئة الثانية في تبرير هذا الاستعمال مذهب التأويل الصوفي، ومن ذلك ما رواه الشيخ الحسن اليوسي في محاضراته على لسان محمد بن أبي بكر الدلائي إذ رأى ابن حسون في سلا وقد كان يستقبل بزاويته كل صباح أصحاب الآلات الموسيقية: " وأما أمر الآلات فإما أنه كان يستفيد من تلك الأصوات أسرارا ومعاني... وإما أن ذلك يوافق حالة جمالية تحضر في الوقت، ومن هذا المنبع يقع الطرب وما يشاهد من حالات أهل الوجد..."(11)
ويزيد في فهم هذا التأويل قول الشيخ إسماعيل الأنقوري في كتابه "رسالة في دوران الصوفية ورقصهم": إن أصحاب الباطن ينظرون إلى حقيقة كل شيء، فيسمعون من كل شيء تسبيح الله وتنزيهه كما قال تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). فالدف والمزامير والقضيب والطبل وأمثالها داخل في الشيئية، فهم يسبحون الله ويقدسونه، فكيف ينكر أهل الظاهر على أرباب الطريق الذين يسمعون تسبيح الأشياء؟(12).
وإذن فاستعمال "الملاهي" ليس من الهزل في شيء، ولكنه الجد كله عند المتصوفة، كما قال أبو الفارض:
ولاتك باللاهي عن اللهو جملة *** فلهو الملاهي جد نفس مجدةِ (13)
وعلى النقيض من موقف التأييد، فقد وقف بعض فقهاء المغرب من ظاهرة العزف الآلي لدى أصحاب الطرق موقف المعارضة والتنديد. ولعل أشد هؤلاء الفقهاء على رجال التصوف العلامة محمد بن المدني كنون المتوفى عام 1302 هـ في كتابه "الزجر والإقماع في النهي عن آلات اللهو والسماع". فقد أفتى بتحريم العزف على آلات الموسيقى، محتجا بأقوال فقهاء الإسلام كقول صاحب عوارف المعارف: "خلاف في حرمة الأوتار والمزامير وسائر الآلات" ولم يفرق فيما استعمل للعزف المجرد أو المصحوب بالغناء (14). وشبيه بموقف كنون إنكار الزياني المتوفى عام 1249 م في "الترجمانة الكبرى" عمل بعض الفقراء الصوفية الذين كانوا يجتمعون بضريح المولى إدريس فيستعلمون بعض الآلات في أذكارهم كالعود والبندير والطر والبوق والمزامير (15).
وقبلهما أنكر الونشريسي في "المعيار المعرب" على أصحاب الطرق استعمالهم للآلات عند الاجتماع في ليلة المولد النبوي (16).
ومثل العلامة كنون اتخذ بعض شعراء مطلع القرن الثالث عشر للهجرة بالمغرب موقف المعارضة من ظاهره العزف الآلي لدى أصحاب الطرق. ومن هؤلاء الشاعر محمد المهدي الحجوي الذي يقول من قصيدة "وقفة على الأطلال":
ولذا زاويـــة يدعــو لـــهـــا *** ولهذا نغمـــات وطبـــــــــول(17)
ومنهم الشاعر محمد الجزولي من قصيدته "الرباط وختمة شيخ الإسلام"
وإن الذكر ليس بقــرع طبـل *** ومزمار علا ذقنــا لعينـــــــا
وإن الديــن من هــذا بـــراء *** وإن الله يخزي المدعينـــــــا (18)
ومنهم أيضا محمد الناصري من قصيدته "جيل التصوف":
أفي القرآن قال اللــــه فيكـــم *** تغنوا راقصين على الطبول؟ (19)

الهوامش:
(1) - محمد المختار السوسي: الترياق المداوى في أخبار الشيخ سيدي الحاج السوسي الدرقاوي، ص: 206.
(2) - محمد المنوني/ مج البحث العلمي، ع 14 و 15، س6، س 1969، ص: 168.
(3) - مطبعة دار المغرب، سنة 1396 /1976، ص: 117.
(4) - الدكتور الجراري: القصيدة، ص: 20.
(5) - المقدمة، الفصل الحادي عشر في عام التصوف، ص: 469.
(6) - انظر كتاب السعادة الأبدية لابن الموقت، ج 1، ص: 53، ونشر المثاني لمحمد بن الطيب القادري، ج 2، ص: 72-75.
(7) - صالح الشرقي: أضواء على الموسيقى المغربية، ص: 40.
(8) - الإعلام ج 4، ص: 93.
(9) - أغاني السيقا، ص: 100.
(10) - أغاني السيقا، من الفصل الثالث.
(11) - محمد بن الطيب القادري: نشر المثاني، ج1، ص: 84 ـ 88. المحاضرات تحقيق محمد حجي، ص: 78.
(12) - حاجي خليفة: كشف الظنون، ص: 864 ـ 865.
(13) - الديوان، التائية الكبرى المسماة بنظم السلوك.
(14) - مطبوع حجري، الجامع الكبير بمكناس رقم 774 ـ الملزمة الثامنة.
(15) - مطبعة فضالة المحمدية، ص: 462.
(16) - المعيار، ج11، ص: 211.
(17) - محمد بن العباس القباج: الأدب العربي في المغرب الأقصى، ج1 و2، ص: 17.
(18) - نفس المرجع، ص: 93.
(19) - نفس المرجع، ص: 123.