المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعريف المديح و السماع النبوي


starziko
06/09/2011, 13h57
ظهر فني المديح والسماع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم خلال الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة لما استقبلنه بنات صغيرات السن من بني النجار خرجن فرحات بمقدمه صلى الله عليه وسلم حين وصل المدينة المنورة وهن ينشدن:

نحن جوار بني النجار يا حبذا محمد من جار

فقال عليه الصلاة والسلام لهن "أ تحببنني؟" فقلن "نعم" فقال "الله يعلم أن قلبي يحبكن" كما أنشد أيضا في هذه المناسبة فتيات صغيرات أمام النبي صلى الله عليه وسلم:

طــلــع الــبــدر علينا مــن ثنيــــات الوداع

وجـب الشـكــر علينا مـــا دعـــــــا لله داع

والرسول صلى الله عليه وسلم أعطى لهذا البعد الروحي الوجداني حقه من الاهتمام فقد أوكل أداء الآذان للصحابي الجليل بلال بن رباح لما كان يتميز به من صوت جميل وحلاوة في الأداء، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود : إقرأ القرآن فإني أحب أن أسمعه منك فقد أتاك الله مزمارا من مزامير داوود.

وبعد وفاة النبي استمر هذا الفن في الترعرع في عهد الخلفاء الراشدين ثم بدأ يعرف توسعا في عهد العصور المتوالية من بعد الخلافة الراشدة كالعهد الأموي والعباسي ... بعدها بدأ يعرف اهتماما خاصا لدى الصوفية الذين انفردوا به وطوروه وكانوا دائما يعتنون به ويحملونه من جيل إلى آخر.

والسماع أو الذكر أحد الوسائل التهذيبية لدى المتصوفة لما له من تأثير فني وجداني على المريد السالك. ويؤدى السماع في مجالسهم بأن ينشد فرد أو أكثر قصيدة لشيخ من مشايخ التصوف بأصوات تترنح لها الأسماع وتتمايل لها الأجساد . ينتهي كل مقطع برد جماعي من المريدين سواء بالهيللة أو بالصلاة على النبي . بينما يستمر المنشد في تغيير الألحان "الصيغة" من وقت إلى آخر . والأصل في السماع ما يدل على عموم الغناء والموسيقى. وقد تجلى بالمغرب خلال العصور المتأخرة في القصائد والمولديات والمقطوعات الشعرية المديحية التي ينشدها المسمعون بأصواتهم على أساس الأنغام والطبوع المتداولة في الموسيقى الأندلسية وذلك دون مصاحبة آلية.

starziko
06/09/2011, 13h58
وترجع بداية ظهور السماع بالمغرب إلى منتصف القرن السابع للهجرة عندما استحدثت أسرة العزفيين التي كان رجالها من أعلام مدينة سبتة ورؤساءها عادة الاحتفال بالمولد النبوي وألف كبيرهم يومئذ أبو العباس بن محمد المتوفي عام 639 على عهد الملك الموحدي المرتضى كتاب "الدار المنظم في مولد النبي المعظم" الذي أكمله ابنه الرئيس أبو القاسم المتوفي عام 677 هـ .

ويشير أبو العباس في مقدمة الكتاب إلى الأسباب التي حفزته على الدعوة إلى استحداث الاحتفال بالمولد النبوي . فيصف في حسرة وأسى مشاركة مسلمي سبتة والأندلس للمسيحيين في احتفالهم بعيد النيروز يوم فاتح يناير. والمهرجان أو العنصرة يوم 24 يونيو . وميلاد المسيح عليه السلام يوم 25 دجنبر .

وقد تولى المرتضى بهذا الاحتفال . وأصبح "يقوم بليلة المولد خير قيام . ويفيض في الإنغام" حتى وقف في حضرته ذات يوم الأديب الأندلسي أحمد بن الصباغ الحذامي منشدا إحدى روائعه بمناسبة المولد النبوي فقال في مطلعها:



تنـعــم بـذكــر الهـاشـمـي محـمـــــد ففــي ذكــره العيـش المهنأ والأنس

أيـا شاديـا يشـدوا بأمــداح أحــمــد سمـاعــك طيـب لـيس يعقبـه نكس

فـكــرر رعــــاك الله ذكــر مـحـمـــــد فقد لذلت الأرواح وارتاحت النفس

وطاب نعيم العيش واتصل المنـى وأقبـلــت الأفــراح وارتـفـع اللبس

لـه جـمــع الله المعانـي بأسـرهـــا فـظـاهـــــره نــور وباطنــه قــدس



وما يزال أحد أبيات هذه القصيدة حتى يومنا بمثابة لازمة يتملى بترجيعها المسمعون في حلقاتهم. وهو قوله:



وقوفا على الأقدام في حق سيد تعظمه الأملاك والجن والإنس



وسرعان ما انتقل الاحتفال بالمولد النبوي إلى الأوساط الشعبية فكانت الحفلات تقام في الزوايا وحتى في المنازل ، وإلى ذلك يشير ابن الدراج السبتي في كتابه الجليل "الامتاع والانتفاع بمسألة سماع السماع" فيذكر أن أكثر ما يتغنى به أهل فاس بهذه المناسبة تتصل موضوعاته بمدح الرسول وتشويق النفوس إلى زيارة البيت الحرام ومواقعه. وإلى المدينة المنورة ومعالمها . كما يشير إلى ذلك الرحالة أبو علي الحسن الوزان الفاسي في كتابه " وصف إفريقيا " فيذكر أن التلاميذ يقيمون احتفالا بالمولد النبوي ، ويأتي المعلم بمنشدين يتغنون بالأمداح النبوية طول الليل.

وهكذا تتجلى الطبيعة الشعبية للاحتفال بالمولد النبوي ، ويكتشف معها أنه "جاء متجاوبا مع الإرادة المغربية" تعكس حب المغاربة للمقام النبوي العظيم ولعل مما يدل على شديد ولع الناس بهذا الفن وعظيم وقعه في نفوسهم ما أورده محمد ابن العربي الدلائي في مجموع له إذ يقول: "ولما كانت صحبة النبي الكريم فرضا على الإنسان ـ والصلاة والسلام عليه من أجل ما تلفظ به اللسان. وأمداحه وذكر أوصافه الجميلة وشمائله الشريفة الجليلة من أفضل ما اعتنى به الإنسان، لأن ذاك ذريعة ووسيلة إلى صحبة الرحيم الرحمان. هاجت أفئدة أقوام جذبتهم أيدي السعادة وأكرمهم الكريم بالحسنى وزيادة . فاقتطفوا من رياض حسنه بديع الأزهار. وقلدوا بها جيود الموشحات والأشعار . وحلوها بحلل الألحان والنغمات التي تهيج الأفكار (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار).

فأصبح الأصل في كل فرح والأساس لكل حفل وديدان كل جمع هو التغني والتملي بمدح سيد العالمين محمد عليه الصلاة والسلام.

وصارت كل مناسبة لا يمدح فيها رسول الله ولا يصلى عليه من الخير مقطوعة، ومن البركة محرومة، ومن الكمال مبتورة، وعن رحمة الله مردودة.

ومن مظاهر حرص المغاربة نساء ورجالا على هذا الركن الركين في الأفراح هو تعدد صيغ الصلاة والسلام على النبي الهادي النابعة من المعجم الشعبي العامي الدارج التي تتعدد بتعدد المناطق وتختلف باختلاف اللهجات والمناسبات والمقامات.