المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطبوع في موسيقي الآلة الاندلسية


starziko
04/09/2011, 16h34
مفهوم مصطلح الطبوع

الطبوع

تعريف الطبع:
لم ترد في كتاب السيقا لابراهيم التادلي ولا في كناش محمد ابن الحسين الحايك أي محاولة لإعطاء تعريف علمي لمصطلح الطبع , بالرغم من أن أولهما تناوله بالحديث أكثر من مرة وفي أكثر من باب ( ١). وبالرغم من كون الثاني جعل منه المحور الأساسي 8ا حواه مجموعه من معلومات. ومن ثم فإن إدريس الإدريسي في كتابه »ا المنتخبات ا لموسيقية «يكاد ينفرد بتقد.يم محاولة أولية لتعريف الطبع في الموسيقا الأندلسية إذ يقول: »إنه عبارة
عن جزء من الطرب ا لمشتمل على الأربعة والعشرين جزءا D« ثم يبرر تسميته الطبع فيقول: »سمي طبعا لأنه يوافق من الطبائع البشرية ما يوافق ٢)« ).أما ا لمؤتمر الثاني للموسيقا العربية الذي انعقد بفاس فقد قابل الطبع بلفظ المقام السائد في الشرق العربي ( .



أصل تسمية الطبع:
وبعد استعراض الطبوع ا لمتداولة في ا لموسيقا الأندلسية نتبين منها طبوعا تحمل أسماء عربية شرقية , وأخرى فارسية الأصل تبنتها ا لمصطلحات ا لموسيقية العربية في الشرق , شقت طريقها إلى ا لمغرب والأندلس مع المعارف ا الموسيقية , وإن تكن كلها قد فقدت مدلولاتها الأصلية بعد أن خضع تركيبها
لمقتضيات ا لمقامات المحلية. ومن هذه المصطلحات ما أنتقل مفردا ومنها ما أنتقل .زوج
فمن المفرد العشاق , والحسين والحصار والزوركند والأصبهان والمزموم والرمل والرصد -بعد تحريفها عن الرست والعجم واﻟﻤﺠنب
ومن الممزوج :عراق العرب , وعراق العجم والحجاز المشرقي والصيكة ( ٤). وفي الجدول التالي محاولة لتصنيف أسماء الطبوع حسب مدلولاتها:وقد حفلت كتب المؤلفين المغاربة منذ القرن العاشر الذين اهتموا بالنظر في الموسيقا الأندلسية وأعلامها .ا يعكس ولعهم بنظرية الربط بين الطبوع الموسيقية وبين الطباع البشرية , واتخذ اهتمامهم بهذا ا الموضوع صورة موغلة في الإغراق وا 8بالغة D حتى ليخيل للقارىء أحيانا أن الطبوع إ .ا جاءت لتخدم حالة نفسية معينة أو تحرك شعورا محددا , وحتى غدت أغلب مؤلفات هذا الفن تحمل من الأسماء ما ينم عن تشبع مؤلفيها بوجود علاقة محكمة ومتينة بين الطبوع والطباع. ومن هذه المؤلفات: أرجوزة أبي الربيع سليمان الحوات ا لمتوفى عام
١٢٣١ ه , واسمها »كشف القناع عن وجه تأثير الطبوع في الطباع « و »ديوان الأمداح النبوية وذكر النغمات والطبوع وبيان تعلقها بالطبائع الأربعة «لابي العباس أحمد بن محمد العربي أحضري من رجال أواخر القرن الثالث
عشر. ويبدو أن الربط ب r الطبوع والطباع جاء ليعكس أصداء نظرية قد .ةترجع أصولها الأولى إلى عهد فلاسفة اليونان ثم انتقلت إلى العرب من خلال ما ترجموه عن أولئك. ومن ثم شاعت في كتب فلاسفة الإسلام الأول r كالكندي والفارابي وابن سينا , ثم انتشرت بعد ذلك بانتشار المعارف والنظريات الموسيقية. ولقد غدت أرض غرب والأندلس مرتعا خصبا لترويج نظرية العلاقة بين الطبوع والطباع.
ولم ينحصر رواجها في أوساط محترفي الموسيقا والغناء , بل تجاوزهم إلى أوساط ا المتصوفة , فأصبحت كتب هؤلاء حافلة بالحديث عن »المناسبة بين الألحان الموسيقية وبين النفوس)«



). ولقد كان طبيعيا أن ينعكس هذا اللون من ا المعرفة على ثقافة الإسبان نتيجة احتكاكهم بالعرب ومعارفهم , وهكذا ألف كاسيودورس باسم تيودوريك ملك القوط خطابا أخلاقيا تطرق فيه إلى الطابع الأخلاقي الذي كانت تحمله الموسيقا البوليفونية في الألف السنة الميلادية. وقد .حور هذا الخطاب حول فكرة أساسية فحواها أن هذه الموسيقا .لك من الخصائص مايجعلها قادرة على تحريك تأثيرات نفسية تختلف باختلاف المقامات اليونانية القد .ة الخمس , وهي الدورياني الذي يحرك في ا لمرء العفة
والحياء , والفريجي الذي يدعو إلى القتال ويثير كوامن الغضب , والايولي الذي يشيع في النفس الهدوء , والأياستيقي الذي يشحذ البصيرة الخاملة , والليدي الذي يخفف من الهم ( ٦). وقد علق رولاند كاندي على هذه الرسالة التي كتبها كاسيودورس برسم الملك القوطي تيودوريك في أثينا بقوله: »إنها تشبه النصوص المعروفة عن تأثير الطبوع في الطباع , وليس بعيدا أن تكون منقولة عن بعض تلك النصوص التي نجد .اذج لها منثورة في كتب عربية كثيرة ككتب الكندي الموسيقية




* ابتكار الطبوع: ويفضي بنا الحديث عن الطبوع وعلاقتها بالطباع إلى تناول موضوع آخر طالما كان مثار نقاش بلغ في بعض الأحيان درجة قصوى من الحدة والعنف. وهو ما .كن أن نطلق عليه مشكلة ابتكار الطبوع. فإن القارىء المتتبع فصول كناش الحايك يلاحظ أن المؤلف كلما قدم طبعا نسب استخراجه وابتكاره إلى شخص بعينه. وقد يحدد بلدته وموضع استخراجه.

وإن يدعو إلى العجب حقا أن يتناقل الناس ما حكاه الحايك , وكأن ذلك من الأشياء ا لمسلمة التي لا يتطرق الشك إلى صحتها. وفي وسعنا من خلال ما كتبه الحايك ومن حذا حذوه أن نضبط اللائحة الكاملة بأسماء الأشخاص الذين نسب إليهم ابتكار الطبوع. فإذا نظرنا فيها بعيد التبصر والتمحيص أمكننا أن نتوصل إلى النتائج التالية:



1- أنه باستثناء الحاج علال البطلة , الذي تجمع أغلب المصادر على صحة هويته كفنان ينتمي إلى حاشية السلطان السعدي محمد الشيخ , تظل باقي الأسماء الواردة في القائمة مجهولة يشق-بل يستحيل-الاهتداء إلى تحديد هوية أصحابها.



2- أن كثيرا من الأخبار ا لمنقولة عن مخترعي الطبوع تحمل طابع الغرابة ولايمكن الاطمئنان بسهولة إلى صحتها مثال ذلك مايروى عن مبتكر الحسين والغريبة المحررة. فهو أحيانا ملك مغرم بجارية له تدعى الغريبة وهو أحيانا أخرى الجارية نفسها.



3-أن ما قبل عن بعض الطبوع مهزوز من أساسه لأنه ينطوي على مزاعم متضاربة. مثال ذلك ما قيل عن طبع الحجاز الكبير الذي تزعم رواية الحايك أن أهل ا المشرق لا حجاز عندهم ثم تضيف أن مستخرجه رجل من اليمن كان نزيلا ببلاد سنان إحدى مدن العراق.



4- أن كثيرا من البلدان التي ينسب إليها ظهور الطبوع يصعب تحديد مواقعها «على الخريطة مثال ذلك بلاد سنان بالعراق. وقد تنبه إلى ضعف أقوال الحايك في هذا الموضوع المؤرخ ا لمغربي أحمد الناصري فقال: »وقد وقفت على تأليف صغير منسوب إلى محمد بن الحسن الحايك , فرأيت له في بيان من استنبط هذه الطبوع ووجه تسميتها بهذه الأسماء كلاما لا يصدر إلا عن الحاكة , وقلده في ذلك أناسألفوا بزعمهم في هذا الفن .



والواقع أنه لا داعي إلى تحمل عناء الانسياق وراء البحث عما يؤكد مدى سلامة أقوال الحايك عن نسبة الطبوع إلى أشخاص معينين فإن ا لمقامات ا لمتداولة في ألحان ا لموسيقا الأندلسية لا تعدو أن تشكل في بنائها وتركيبها خلاصة ما أسفر عنه التلاقح الذي . على أرض الجزيرة الأبيرية بيت معارف نظرية و .ارسات عملية مختلفة ا لمشارب والذي تعانقت فيه خصائص السلم العربي القد . مع خصائص السلالم اليونانية والغريغورية والإفريقية.



ترتيب الطبوع: سلك أصحاب الترتيبات ا لموسيقية في تصنيف الطبوع الأندلسية مسارين متباينين:



أولهما: تصنيف يعتمد الطبوع الأصول محورا أساسيا الذيل وا لماية وا لمزموم والزيدان تتفرع منها الطبوع الباقية باستثناء طبع المحررة الذي يعتبر أصلا بلا فرع. وقد أقر محمد بن الحسين الحايك هذا التصنيف , ورتب على أساسه مجموعه الذي حوى ما كان متداولا من ا لميازين حتى عهده. وتكريسا لهذا التصنيف وضع الحايك شجرة الطبوع , مراعيا نسبتها إلى أصولها ونسبة هذه الأصول إلى الطبائع الأربع , وهي السوداء للذيل , والبلغم للزيدان , والدم للماية , والصفراء للمزموم. والواقع أن ترتيب الحايك للطبوع على هذا النحو جاء تكريسا لنظرية نسبة الطبوع إلى الطباع , وبذلك ظل بعيدا عن أن يخدم النظرية الموسيقية التي تعتمد نوعية السلالم وطبيعة أجناسها وارتكازاتها كقاعدة أساسية لدراسة المقامات دراسة علمية صرفة.



ثانيهما: ويبدو أن رجال الفن انتبهوا إلى عقم التصنيف الذي أعتمده الحايك للطبوع , فاقترحوا ترتيبا جديدا لها ينطلق من تقارب النغمات الأساسية للمقامات .اما كتقارب مخارج الحروف بالنسبة لبعضها. وقد أصبح هذا الترتيب المحدث وحده المعول عليه عند أصحاب الفن دون سواه وخصوصا .مدينة فاس كما أصبح العمل به جاريا في أوساط الآلييين و المسمعين وقد أفضى تبني النظام الجديد للطبوع إلى عدول أصحاب الترتيبات الموسيقية عن نظام شجرة الطبوع الذي وضعه الحايك ومن سبقه وأصبحت الطبوع تقتضى ذلك تشكل مجموعات مستقلة عن بعضها بعض يربط بين أجزائها تقارب نغمات قراراتها.

وهكذا انتظمت النوبات الإحدى عشرة بطبوعها , وضمن بعضها صنائع الطبوع التي ضاعت نوباتها. وإلى هذا النظام الجديد يشير أبو الربيع سليمان الحوات المتوفى عام ١٢٣١ ه في أرجوزة له جاء فيها:


فصل وعند أهل علم ا لموسيقا *** ترتيب آخر بديع ينتقى

على وفاق ما اقتضى قرب النغم *** كقرب مخرج الحروف في الكلم

وهو الذي اليوم عليه العمل ***** عند الغناء , وسواه مهمل

وهو بفاس وهي أم الامصار***** مستعمل في ليلها وفي النهار

قامت به بآلة أوغيرها ***** طوائف اختلفت في سيرها

وها أنا رتبتها منظمة ***** نظم لآل في سلوك محكمه

عشاق , ذيل , رملة , لرصد ذيل*** عراق عجم , ثم عرب , فاستهل

ماية ان صكت , غريبة الحسين *** حررها , حجاز شرق , دون مين

فيحمد الزيدان , رصدا حاصره *** زوركند , زم , حجاز أكبره

ان جنب , المشرق لاصبهان ثم *** لرملها , انقلابه,الحسين ثم

فهذه الخمسة والعشرون **** جمعتها من حيث لاتدرون



وقد تعرض ترتيب النبرات الى المراجعة ومعاودة النظر على يد نخبة من رجال الفن على عهد السلطان محمد بن عبد الرحمن , ثم على عهد السلطان الحسن الاول. غير أن هذا العمل اتجه على الاخص إلى اعادة ترتيب النوبات الاحدى عشرة والصنعات الملحقة بها , قصد تيسير حفظها على الرواد , دون أنس جانب الطبوع الموسيقية.



وما زال موضوع النظر في ترتيب النوبات وصنائعها الأصلية والملحقة محور اهتمام كثير من رجال فن الموسيقا الأندلسية ا لمعاصرين , وذلك ما يفسر ظهور كناش الحايك في طبعات جديدة كان أسبقها إلى ارتياد دور الطبع التحقيق الذي أنجزه:

• الاستاذ عبد اللطيف بن منصور: الذي أصدر كناشا له في السبعينات ,


• الحاج ادريس بن جلون: ثم تلاه كتاب(التراث العربي المغربي في
الموسيقا). وهو عبارة عن دراسة وتنسيق وتصحيح لكناش الحايك من انجاز المرحوم الحاج ادريس بن جلون


• الحاج عبد الكريم الرايس: نحا فيه نحوا جديدا حيث عمل على تصحيحه ورده إلى أصله, ثم كتاب »من وحي الرباب «الذي جمع فيه الفنان الحاج عبد الكريم الرايس رئيس جوق البريهي بفاس أشعار وأزجال الموسيقا الأندلسية طبق اﻟﻤﺨتصر الذي أنجز في عهد السلطان الحسن الأول.
غير أن كتابي ابن منصور وابن جلون يبقيان أكثر اهتماما لاحتوائهما مقدمة الحايك.



ونعود إلى الطبوع . فنقف على محاولة جديدة لتصنيفها تنطلق من الوحدة النغمية لقرار السلم. وقد قام بها الفنان المعاصر مولاي العربي الوزاني في مقالة نشرها عام ١٩٦٦ , حيث عمد إلى ترتيب الطبوع في ست مجموعات تنتمي على التوالي إلى النغمات الستة التالية:ضو – ري – مي – فا – صول - لا


اﻟﻤﺠموعة الأولى: ستة طبوع قائمة على نغمة ضو , وهي: الذيل - رصد الذيل- ا الماية -الاستهلال - انقلاب الرمل-غريبة الحسين.



اﻟﻤﺠموعة الثانية: اثنا عشر طبعا قائمة على نغمة ري , وهي: رمل الماية - الاصبهان-الحجاز المشرقي - الرصد - الغريبة المحررة - المشرقي الصغير- الزوركند – الزيدان -الحجاز الكبير-الحصار-رمل الذيل- المشرقى.



اﻟﻤﺠموعة الثالثة: طبعان قائمان على نغمة مي , وهما الصيكة وعراق العرب.



اﻟﻤﺠموعة الرابعة: طبع واحد قائم على نغم فا , وهو حمدان.



اﻟﻤﺠموعة الخامسة: أربعة طبوع على نغمة صول , وهي: المزموم-عراق العجم -
مجنب الذيل - العشاق.



اﻟﻤﺠموعة السادسة: طبع واحد قائم على نغم لا , وهو الحسين.



ويلاحظ أن الوزاني ينطلق في الدعوة لهذا الترتيب من تشابه نغمات القرار , ولكنه لا يقيم أي اعتبار دلالة ا المفاتيح ولا للدور الذي تلعبه علامات التحويل القارة والعارضة في تشخيص وتلوين السلم وإعطائه هويته الحقيقية.


وبذلك تبقى محاولته قاصرة عن أن ترقى إلى صف التصنيفات العلمية الصرفة.
وبعيدا عن الترتيبات التي اعتمدها المغاربة القدماء والمعاصرون لطبوع الموسيقا الأندلسية تعمد بعض الدراسات الحديثة إلى تصنيفها انطلاقا من مقابلتها مع السلالم المنتمية إلى موسيقا الشعوب التي تساكنت في الأندلس. أو أثرت فيمن سكنوها قبل حلول العرب بها.