المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جُحا ....جسر التواصل بين الشعوب.


ليلى ابو مدين
16/05/2011, 20h47
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2011/01/09/190935_204_small.jpg (http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2011/01/09/190935_204.jpg)


جمعت شخصية جحا صفات عدة أهّلتها للمكانة التي تربعت بها في قلوب الجميع... فجحا الذكي والمتغابي والمتحامق دوماً للحصول على حقه في مواجهة من يفوقه قوة. ويظهر في الحكايات الشعبية كأب الأسرة الذي يكافح ظروف الحياة للعيش بكرامة، وحكاياته مع زوجته من أطرف ما يكون وبعدها الواقعي والاجتماعي واضح.
على عكس جميع أبطال السير الشعبية والحكايات التراثية، يظل جحا الأقرب إلى صورة الإنسان العربي بعيوبه ومميزاته، بخيره وشره، فقلما تقرأ إحدى قصص جحا إلا وترى جزءاً من نفسك فيها، فالقرب من الناس والتعبير عنهم بفن النكتة والحكاية المسلية ضمنا لجحا حضوراً متجدداً على الدوام، وحجزا له مقعد الخلود في ذاكرة الشعوب العربية، فصارت حكاويه حكماً تُروى هنا وهناك.
اليوم، عاد جحا الضاحك المضحاك إلى الحياة ليؤدي دوراً في تواصل الحضارات، ذلك عندما انعقدت ورشة عمل مشتركة بين فرقة «ومضة لخيال الظل» ببيت السحيمي والمركز الثقافي الإيطالي في القاهرة، ممثلاً بفرقة «فانتولين» الإيطالية، لتقديم شخصية جحا التراثية بالمفهوم الثقافي لكل من الشعبين المصري والإيطالي عبر فن خيال الظل وفن العرائس.
يأتي هذا العرض لإعطاء مفهوم جديد لتفاعل الحضارات عن طريق البحث عن المشترك الثقافي بين الحضارات المختلفة، فجحا الشخصية العربية الساخرة انتشرت في عالم البحر المتوسط متحدية اللغة واختلاف الأمزجة، ووصلت إلى إيطاليا لتعرف مكانها في الفولكلور الإيطالي.
جاءت فكرة العرض غير تقليدية، قامت على مقابلة طريفة بين جحا المصري وجحا الإيطالي في أيامنا المعاصرة لتبدأ المفارقات القائمة على اختلاف الثقافات، وتنطلق رحلة نقد الشخصيتين للمجتمع بأنماطه الاستهلاكية المختلفة، وتتجهان إلى محاولة إصلاح هذه العيوب بالفكاهة والسخرية المبطنة بالحكمة.
شخصيّة حقيقيّة
على عكس الشائع من أن شخصية جحا أسطورية جاءت نتيجة القريحة العربية ولم يكن لها وجود أبداً، يؤكد د. محمد رجب النجار في كتابه الرائد «جحا العربي- شخصيته وفلسفته في الحياة والتعبير» أن جحا شخصية حقيقية وكان يكنى بأبي غصن واسمه كاملاً هو دجين بن ثابت اليربوعي البصري المعروف بجحا، تُوفي سنة 160هـ/ 776م، كذلك كان أحد أصحاب النوادر والفطنة وسرعة البديهة، ويذهب النجار في كتابه إلى أن هذا الوجود التاريخي لجحا لا يعني أن كل ما يروى عنه ينسب إليه بل إن عملية التطور الحكائي لميراث جحا خرجت على إطار الشخصية الحقيقية وتعدتها، لتنقل الشخصية الأصلية من عالم الواقع إلى عالم الخيال، وليضيف إليها كل من شاء القصص التي يراها تتماشى مع الميراث الجحوي، فشخصية جحا وإن كان لها أصل تاريخي إلا أنها في تطوّرها قد أصبحت ملكنا جميعاً.
جحا التركي
عندما أصبحت شخصية جحا منتشرة في العالم الإسلامي ودخلت كمكوّن في أدبه الفكاهي، واكب ذلك امتزاج الأجناس العربية والفارسية والتركية تحت مظلة الإسلام وحدث احتكاك أكيد وتبادل معرفي بين الأعراق الثلاثة وتم تداول الثقافات الشعبية بينها، لذلك لم يكن غريباً أن تنتشر شخصية جحا بين الأقطار الإسلامية المختلفة باعتباره رمزاً للفكاهة والحكايات المسلية المبطنة بالحكمة، لذلك دخل جحا كل بيت دخلته الثقافة الإسلامية، وكما طوعت بلدان كثيرة الثقافة العربية الإسلامية على حسب مزاجها وشخصيتها، كذلك حدث مع جحا فكل بلد يمثل جحا في الإطار الذي يراه، فتعددت النماذج الجحوية، إلا أن أشهرها بعد نموذج جحا العربي كان جحا التركي نصر الدين.
وجحا التركي شخصية حقيقية معروفة باسم نصر الدين خوجة الرومي من بلاد الأناضول، ولد في مدينة سيوري حصار وتوفي في مدينة «آق شهر» سنة 836هـ/1432م، وتولى مناصب رسمية عدة أبرزها في القضاء، واستغل قدرته على الحكي في الوعظ، فكان يأتي بالموعظة الحسنة في قلب القصة المسلية، وضريح نصر الدين خوجة موجود يزار ويعتقد أهالي المنطقة أن من يزور جحا ولا يضحك تصيبه نائبة.
ولا تبدأ احتفالات الزفاف في تلك المدينة إلا بعد زيارة العروسين للضريح وتقديم الدعوة لنصر الدين، ففي اعتقادهم أن من لم يفعل ذلك يتعرض زواجه لمصائب كثيرة... كذلك، زاد الأتراك في قصص جحا ميراثاً سياسياً عندما جعلوا من جحاهم بطلاً يقف أمام الطغاة أمثال تيمور لنك، ويسخر منه لينتقم لشعبه من الطاغية بوسيلته المفضلة: السخرية.
جحا المصري
ما كادت شخصية جحا الفكاهية الأدبية تهبط في مصر حتى اكتسبت بعداً جديداً هو بعد النقد السياسي، فعشق المصري للسخرية من حكامه بالنكتة قديم منذ ألف ابن مماتي كتابه الشهير «الفاشوش في أحكام قراقوش» للسخرية من حاكم القاهرة في عصر صلاح الدين الأيوبي، ومنذ كتب ابن سودون «ديوان نزهة النفوس ومضحك العبوس» اللذين أضافا أبعاداً جديدة وغنية إلى شخصية جحا.
انتشرت شخصية جحا في بلدان عدة تتواءم مع شعوبها وتعبر عن احتياجاتها، لكنه لم يفقد شخصيته المميزة على رغم البعد، فحتى اختلاف الاسم لم يقدر على تغيير شخصية جحا، والأخير يُعرف في المغرب العربي والسودان بـ «سي جحا» وفي مالطة حرِّف إلى «جهان»، ناهيك بانتقال هذا التراث وحكاياته إلى أوروبا والصين وروسيا ليكتسب من هذه البلدان قصصاً جديدة تسير على منوال القصص الأصلية، وتتحول حكايات جحا إلى ميراث إنساني اجتمع عليه الكبار والصغار من مختلف البلدان والأقطار.
تجارب
عشق الجميع جحا ببساطته، لذلك ما كادت فنون السينما تعرف طريقها إلى بلادنا حتى ظهرت شخصية جحا على الشاشة فكان فيلم «مسمار جحا» سنة 1952 بطولة إسماعيل يس - الذي يتقارب مع شخصية جحا في أفلام عدة. كذلك، قدم النجم سمير غانم مسرحية «جحا يحكم المدينة»، بالإضافة إلى مسلسل «جحا المصري» بطولة النجم يحيى الفخراني.
بدوره، أصدر عباس محمود العقاد كتاباً عن حجا بعنوان «جحا الضاحك المضحاك»، وهو يعد أول دراسة عن جحا بالعربية، ذلك بالإضافة إلى أعمال كرتونية كثيرة استلهمت تراث جحا.
يبقى جحا تلك الشخصية الغنية بتفاصيلها القادرة على تقديم الجديد دائماً دليلاً على غنى القريحة العربية وقدرتها الإبداعية المتطورة.
منقول بتصرف

http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2011/01/09/190935_205_smaller.jpg (http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2011/01/09/190935_205.jpg)

ساري الليل
14/06/2011, 21h45
موضوع ثري وغني
وقد أثار أكثر من نقطة هامة ، وحدا بالمعرفة صوب الاستزادة
سعيد لحضوري بين هذا النص الهام
سلم البنان
والبيان

تحيتي وتقديري

ليلى ابو مدين
18/06/2011, 11h53
موضوع ثري وغني
وقد أثار أكثر من نقطة هامة ، وحدا بالمعرفة صوب الاستزادة
سعيد لحضوري بين هذا النص الهام
سلم البنان
والبيان

تحيتي وتقديري

جزاك الله خيراً أخي الكريم ساري الليل
ولقد تعطرت الصفحات بحضورك الطيب وإزدادت تألقاً وبهاءاً
جزيل شكري وامتناني مع خالص تحياتي واحتراماتي
ليلى ابو مدين

hassan nasri
23/02/2012, 11h45
شكرا الموضوع جميل جدا و غني و أعتقد ان قليل منا يعرف هذه المعلومات عن جحا مع انه شخصية معروفة للجميع

حنايا الروح
25/02/2012, 06h18
جزاك الله خيراً أخي الكريم ساري الليل
ولقد تعطرت الصفحات بحضورك الطيب وإزدادت تألقاً وبهاءاً
جزيل شكري وامتناني مع خالص تحياتي واحتراماتي
:emrose::emrose::emrose: