MUNIR MUNIRG
14/05/2011, 06h08
بطلات أفلام محمد عبدالوهاب
أقصر حكايات الحب في حياةعبد الوهاب
مع محمد عبد الوهاب لا ينتهي أي حديث..
وأنت، عندما تجلس إلى الموسيقار الكبير الذي تمتلئ صفحات تاريخه الفني بالروائع والعطاء الفني المبدع، فإنك لن تكتفي أو تشبع، بل تظلّ تحسّ أن عندك توقاً إلى الاستزادة من الحديث، وظمأ إلى مزيد من الاستماع إلى الصوت الذي أروع ما فيه أنه شجيّ ولذيذ في الكلام كما هو في الغناء!.
على أنّ الصعوبة في حديث أي صحفي مع عبد الوهاب، هو أن تجد موضوعاً للحديث، أو سؤالاً جديداً لم يطرح ويجيب عليه، وهو الفنان الكبير المطلوب منه دائماً أن يتكلّم في الصحف، في الإذاعة، في التلفزيون وفي مجالسه الخاصة، بحيث لم يعد هناك ما يُسأل عنه، أو ما لا يعرفه الناس عن شخصيته وذكرياته وآرائه!.
وبالرغم من كل هذا، فقد كان عندي التصميم على أن آخذ من عبد الوهاب شيئاً جديداً، ولم يكن هذا من الأمور الصعبة في تصوّري، ذلك أنّ ما أنا على قناعة به هو أنّ الموسيقار الكبير يختزن في ذاكرته فيضاً من الذكريات والآراء والأحاديث، كما يختزن كنوزاً لا تنضب من الأنغام!.
وأجلس إلى عبد الوهاب، ومن حولنا ضيوف وزائرين في منزل السيدة حماته، وعلى مقربة منه شريكة حياته الحلوة الذكية الفرحة دائماً نهلة القدسي، ويترك الجميع يتحدّثون، وأغرق أنا معه في حديث قد لا يكون طويلاً، ولكنه ممتع وشهي، لأنه يتحوّل إلى شريط من الذكريات عن اللواتي وقفن أمام عبد الوهاب ومثّلن في الأفلام السينمائية التي كان هو البطل الأول فيها، وأغلبهن أصبحن الآن متقاعدات أو بعيدات عن أضواء الشهرة وبريق الشباب، وهو الذي أحببنه كلهن أمام الكاميرا، ما زال “شباب على طول”.. بفضل رضى الله والوالدين، وحرصه على البعد عن كل ما يقرب منه مظاهر الشيخوخة!.
* ممثلة ومترجمة..
وفيلم “الوردة البيضاء” كان أول الأفلام التي مثّلها محمد عبد الوهاب في العام 1935..
ويقول الموسيقار الكبير:
ـ عندما بدأنا أنا والمخرج محمد كريم، ندرس قصة الفيلم، استقرّ رأينا أن تكون البطلة التي تمثّل أمامي دور الحبيبة في هذا الفيلم، واحدة من بنات العائلات وليس واحدة من الفنانات المحترفات اللواتي اعتاد الناس رؤيتهن في كل مكان، ذلك أن محمد كريم “المخرج” كان فناناً حساساً وصادقاً، ويريد للعمل الفني أن يكون مقنعاً للجمهور، ومن هنا صمّم على أن تكون البطلة من عائلة حتى يقتنع مَن يشاهد الفيلم بقصته، فلا يختلط الموضوع في ذهنه عندما يرى فنانة محترفة يعرف الناس كل أخبارها ومشاكلها ومغامراتها، وهي تمثّل دور بنت العائلة التي يمنعها الأهل من الزواج بالبطل الذي هو أنا!.
ويكمل الموسيقار الحكاية:
ـ ووضعت الصدف في طريقنا سميرة خلوصي، وكانت فتاة حسناء ذات وجه مصري ومعبّر، ووالدها هو المرحوم حامد بك خلوصي، من كبار الوجهاء المصريين في تلك الأيام، وكانت في رعاية والدتها الفرنسية الأصل، وكون الأم من أصل فرنسي هو الذي جعلها تقتنع بأن تتحوّل ابنتها إلى ممثلة، وهو الأمر الذي كانت ترفضه معظم العائلات المصريات في ذلك الحين!.
وقال:
ـ وفي سنة 1935 كان لا بدّ من تصوير الفيلم وتحميضه في باريس، لأن ستديو مصر لم يكن قد أُنشئ بعد، وكانت سميرة خلوصي بمثابة فرصة رائعة لنا، لأنها في باريس لم تكن ممثلة فقط، بل كانت أيضاً مترجمة، لأن معظم أفراد البعثة التي سافرت معي للعمل في الفيلم لم يكونوا يعرفون الفرنسية، باستثناء الممثل المرحوم سليمان نجيب..
واستمر عبد الوهاب يتحدّث:
ـ وسافرت إلى باريس، وكان مفروضاً أن أنزل أنا في فندق لوحدي، وينزل باقي أفراد أسرة الفيلم في فندق آخر متواضع يقوم على مقربة من الاستديو الذي يتم فيه التصوير، ولكن محمد كريم طلب مني أن أنزل مع الجميع في الفندق المتواضع لكي يجتمع الشمل، ولا يعود أحد من العاملين معنا يفكر بالسهر، والسكر، ولعب القمار، ونزلت عند طلب الصديق المخرج، وطوال مدة إقامتنا فيه كان المرحوم الممثل محمد عبد القدوس، والد الكاتب المعروف إحسان عبد القدوس، يصرّ على أن ينصب نفسه وصيّاً على سميرة خلوصي وحامياً لها، وهي كانت في السادسة عشرة من عمرها، حتى أنه كان يطلب منها أن تناديه بـ”ماما”.. حتى يشعر بأنها فعلاً في رعايته وحمايته!.
* “الرومبا” الأولى..
وقلت للموسيقار:
* في هذا الفيلم كانت لك أغنية “جفنه علّم الغَزَل”.. وكانت من الأغاني المتطورة، والتي استعملت فيها لأول مرة إيقاع “الرومبا”!؟.
أجاب وهو يبتسم:
ـ هذه الأغنية كان لها قصة عندما سجّلتها في باريس، هناك كان الفرنسيون يعتقدون أنّ الأغاني العربية كلها عبارة عن طبل وزمر ودبكة، وعندما بدأت في ستديو “توبس كلانك” أسجّل أغنية “جفنه علّم الغزَل” لأنها من نغم “الرومبا”.. وهو نغم كان ما زال وليداً جديداً في أوروبا، خيّل إلى الذين كانوا يستمعون إلى الأغنية من الفرنسيين أنّ “الرومبا” قد وصلت إلى الشرق بسرعة ودخلت إلى موسيقانا العربية!.
* وهل كان الأمر كذلك فعلاً؟
ـ أبداً، كل الذي حصل انني سمعت “الرومبا” وأنا في باريس، ووضعت نغماً منها لأغنية ثم أبرقت إلى صديقي الشاعر اللبناني بشارة الخوري “الأخطل الصغير” أطلب منه قصيدة قلت له انني سوف أسجّلها على اسطوانة، فبعث إليّ بقصيدة “جفنه علّم الغزَل” فلحّنتها في باريس، وجعلتها من ضمن أغنيات الفيلم..
وقلت لـ: عبد الوهاب:
* وماذا عن سميرة خلوصي؟
ـ منذ أن انتهت من تمثيل الفيلم لم أعد أراها، ولم تظهر في أي عمل آخر، وهي ما زالت موجودة ولكنني لا أعرف مكانها ولا أي شيء عنها، كما أنها لم تبقَ طويلاً في العالم السينمائي!..
* الجوع الكافر!
وإلى فيلم عبد الوهاب الثاني “دموع الحب” وكانت بطلته يومئذٍ المطربة نجاة علي..
ويقول الموسيقار الكبير:
ـ في الفيلم الثاني والذي تمّ تصويره أيضاً في باريس، استقرّ رأينا أنا والمخرج محمد كريم على أن تكون البطلة أمامي من المطربات حتى يمكن أن أسجّل معها حواراً غنائياً، وفي تلك الأيام كانت نجاة علي مطربة جديدة، وكان فيها الكثير من المزايا التي تلفت النظر وترشّحها لأن تكون بطلة الفيلم، فهي جميلة الشكل، عذبة الصوت ووجهها فيه الملامح الشرقية الأصيلة، فقط كانت على شيء من السمنة وتفتقد الرشاقة المفروضة في بطلة الفيلم!.
قلت له:
* وهل مثّلت أمامك وهي بالوزن الثقيل؟
ضحك واستمر في الحديث:
ـ يومها كان العقد الذي وقّع مع نجاة علي ينصّ على أن تُنقص من وزنها عشرة كيلو غرامات قبل البدء بالتمثيل، وعلى أن يحسم من أجرها الذي لم يكن يزيد عن خمسمائة جنيه، مبلغ عشرة جنيهات عن كل كيلو يزيد على وزنها المتّفق عليه والمحدّد في العقد!..
* وذهبتم إلى باريس؟
قال عبد الوهاب:
ـ فعلاً، ولكن المفاجأة التي لم نكن نتوقّعها عند وصولنا إلى باريس هو أنّ الاستديوهات كانت مقفلة بسبب إجازة الصيف، وهكذا وجدت أنّ الفرصة سانحة لترك الجميع في الفندق والذهاب إلى إحدى مدن المياه المعدنية لمداواة مصاريني التي كنت أحسّ بأنها متعبة، وهي بلد مثل “فيشي”!..
وقال عبد الوهاب:
ـ وعدت إلى باريس بعد انتهاء إجازة الصيف، وبدأنا نعمل، ولاحظ المخرج محمد كريم أنّ نجاة علي لا تأكل إلاّ معي ومعه، تقيّداً منها بالريجيم، أي أنها لم تكن تأكل إلاّ ما آكله أنا، قطعة من اللحمة مع سَلطة عند الظهر، وفاكهة فقط على العشاء، ولكن ومع تقيّد نجاة علي بالريجيم، فقد كان المخرج يلاحظ أنّ وزنها لم يكن ينقص بل يزيد!.
* كيف؟
ـ مرة وكنت نائماً بعد الظهر فوجئت بضجة في الغرفة المجاورة لي، خناق وصراخ وضرب، ثم اقتحم محمد كريم غرفتي وهو يجر نجاة علي أمامه، وفهمت أنه فاجأها وهي تتسلّل إلى “باتيسري” بجوار الفندق وتلتهم كمية لا بأس بها من الجاتو الشهي، فاعتقلها بالجرم المشهود، وجاء بها إليّ لمحاكمتها، ولم أملك عندئذٍ إلاّ أن أستعمل اللهجة الهادئة معها، وأقنعها بأنه لا بدّ من التضحية بأية متعة من أجل العمل، وأنه إذا كان الجوع كافر والأكل نعمة، فإن النجاح ممتع ولذيذ أيضاً.. وبعد ذلك أقنعت نجاة علي ولم تعد تتسلّل إلى الباتيسري، واستراح أخي وصديقي محمد كريم من مراقبتها ووزنها كل يوم!.
وللحديث بقية مع عبد الوهاب.. فإلى الأسبوع المقبل!!
الراحل محمد بديع سربيه "الموعد" 1979
أقصر حكايات الحب في حياةعبد الوهاب
مع محمد عبد الوهاب لا ينتهي أي حديث..
وأنت، عندما تجلس إلى الموسيقار الكبير الذي تمتلئ صفحات تاريخه الفني بالروائع والعطاء الفني المبدع، فإنك لن تكتفي أو تشبع، بل تظلّ تحسّ أن عندك توقاً إلى الاستزادة من الحديث، وظمأ إلى مزيد من الاستماع إلى الصوت الذي أروع ما فيه أنه شجيّ ولذيذ في الكلام كما هو في الغناء!.
على أنّ الصعوبة في حديث أي صحفي مع عبد الوهاب، هو أن تجد موضوعاً للحديث، أو سؤالاً جديداً لم يطرح ويجيب عليه، وهو الفنان الكبير المطلوب منه دائماً أن يتكلّم في الصحف، في الإذاعة، في التلفزيون وفي مجالسه الخاصة، بحيث لم يعد هناك ما يُسأل عنه، أو ما لا يعرفه الناس عن شخصيته وذكرياته وآرائه!.
وبالرغم من كل هذا، فقد كان عندي التصميم على أن آخذ من عبد الوهاب شيئاً جديداً، ولم يكن هذا من الأمور الصعبة في تصوّري، ذلك أنّ ما أنا على قناعة به هو أنّ الموسيقار الكبير يختزن في ذاكرته فيضاً من الذكريات والآراء والأحاديث، كما يختزن كنوزاً لا تنضب من الأنغام!.
وأجلس إلى عبد الوهاب، ومن حولنا ضيوف وزائرين في منزل السيدة حماته، وعلى مقربة منه شريكة حياته الحلوة الذكية الفرحة دائماً نهلة القدسي، ويترك الجميع يتحدّثون، وأغرق أنا معه في حديث قد لا يكون طويلاً، ولكنه ممتع وشهي، لأنه يتحوّل إلى شريط من الذكريات عن اللواتي وقفن أمام عبد الوهاب ومثّلن في الأفلام السينمائية التي كان هو البطل الأول فيها، وأغلبهن أصبحن الآن متقاعدات أو بعيدات عن أضواء الشهرة وبريق الشباب، وهو الذي أحببنه كلهن أمام الكاميرا، ما زال “شباب على طول”.. بفضل رضى الله والوالدين، وحرصه على البعد عن كل ما يقرب منه مظاهر الشيخوخة!.
* ممثلة ومترجمة..
وفيلم “الوردة البيضاء” كان أول الأفلام التي مثّلها محمد عبد الوهاب في العام 1935..
ويقول الموسيقار الكبير:
ـ عندما بدأنا أنا والمخرج محمد كريم، ندرس قصة الفيلم، استقرّ رأينا أن تكون البطلة التي تمثّل أمامي دور الحبيبة في هذا الفيلم، واحدة من بنات العائلات وليس واحدة من الفنانات المحترفات اللواتي اعتاد الناس رؤيتهن في كل مكان، ذلك أن محمد كريم “المخرج” كان فناناً حساساً وصادقاً، ويريد للعمل الفني أن يكون مقنعاً للجمهور، ومن هنا صمّم على أن تكون البطلة من عائلة حتى يقتنع مَن يشاهد الفيلم بقصته، فلا يختلط الموضوع في ذهنه عندما يرى فنانة محترفة يعرف الناس كل أخبارها ومشاكلها ومغامراتها، وهي تمثّل دور بنت العائلة التي يمنعها الأهل من الزواج بالبطل الذي هو أنا!.
ويكمل الموسيقار الحكاية:
ـ ووضعت الصدف في طريقنا سميرة خلوصي، وكانت فتاة حسناء ذات وجه مصري ومعبّر، ووالدها هو المرحوم حامد بك خلوصي، من كبار الوجهاء المصريين في تلك الأيام، وكانت في رعاية والدتها الفرنسية الأصل، وكون الأم من أصل فرنسي هو الذي جعلها تقتنع بأن تتحوّل ابنتها إلى ممثلة، وهو الأمر الذي كانت ترفضه معظم العائلات المصريات في ذلك الحين!.
وقال:
ـ وفي سنة 1935 كان لا بدّ من تصوير الفيلم وتحميضه في باريس، لأن ستديو مصر لم يكن قد أُنشئ بعد، وكانت سميرة خلوصي بمثابة فرصة رائعة لنا، لأنها في باريس لم تكن ممثلة فقط، بل كانت أيضاً مترجمة، لأن معظم أفراد البعثة التي سافرت معي للعمل في الفيلم لم يكونوا يعرفون الفرنسية، باستثناء الممثل المرحوم سليمان نجيب..
واستمر عبد الوهاب يتحدّث:
ـ وسافرت إلى باريس، وكان مفروضاً أن أنزل أنا في فندق لوحدي، وينزل باقي أفراد أسرة الفيلم في فندق آخر متواضع يقوم على مقربة من الاستديو الذي يتم فيه التصوير، ولكن محمد كريم طلب مني أن أنزل مع الجميع في الفندق المتواضع لكي يجتمع الشمل، ولا يعود أحد من العاملين معنا يفكر بالسهر، والسكر، ولعب القمار، ونزلت عند طلب الصديق المخرج، وطوال مدة إقامتنا فيه كان المرحوم الممثل محمد عبد القدوس، والد الكاتب المعروف إحسان عبد القدوس، يصرّ على أن ينصب نفسه وصيّاً على سميرة خلوصي وحامياً لها، وهي كانت في السادسة عشرة من عمرها، حتى أنه كان يطلب منها أن تناديه بـ”ماما”.. حتى يشعر بأنها فعلاً في رعايته وحمايته!.
* “الرومبا” الأولى..
وقلت للموسيقار:
* في هذا الفيلم كانت لك أغنية “جفنه علّم الغَزَل”.. وكانت من الأغاني المتطورة، والتي استعملت فيها لأول مرة إيقاع “الرومبا”!؟.
أجاب وهو يبتسم:
ـ هذه الأغنية كان لها قصة عندما سجّلتها في باريس، هناك كان الفرنسيون يعتقدون أنّ الأغاني العربية كلها عبارة عن طبل وزمر ودبكة، وعندما بدأت في ستديو “توبس كلانك” أسجّل أغنية “جفنه علّم الغزَل” لأنها من نغم “الرومبا”.. وهو نغم كان ما زال وليداً جديداً في أوروبا، خيّل إلى الذين كانوا يستمعون إلى الأغنية من الفرنسيين أنّ “الرومبا” قد وصلت إلى الشرق بسرعة ودخلت إلى موسيقانا العربية!.
* وهل كان الأمر كذلك فعلاً؟
ـ أبداً، كل الذي حصل انني سمعت “الرومبا” وأنا في باريس، ووضعت نغماً منها لأغنية ثم أبرقت إلى صديقي الشاعر اللبناني بشارة الخوري “الأخطل الصغير” أطلب منه قصيدة قلت له انني سوف أسجّلها على اسطوانة، فبعث إليّ بقصيدة “جفنه علّم الغزَل” فلحّنتها في باريس، وجعلتها من ضمن أغنيات الفيلم..
وقلت لـ: عبد الوهاب:
* وماذا عن سميرة خلوصي؟
ـ منذ أن انتهت من تمثيل الفيلم لم أعد أراها، ولم تظهر في أي عمل آخر، وهي ما زالت موجودة ولكنني لا أعرف مكانها ولا أي شيء عنها، كما أنها لم تبقَ طويلاً في العالم السينمائي!..
* الجوع الكافر!
وإلى فيلم عبد الوهاب الثاني “دموع الحب” وكانت بطلته يومئذٍ المطربة نجاة علي..
ويقول الموسيقار الكبير:
ـ في الفيلم الثاني والذي تمّ تصويره أيضاً في باريس، استقرّ رأينا أنا والمخرج محمد كريم على أن تكون البطلة أمامي من المطربات حتى يمكن أن أسجّل معها حواراً غنائياً، وفي تلك الأيام كانت نجاة علي مطربة جديدة، وكان فيها الكثير من المزايا التي تلفت النظر وترشّحها لأن تكون بطلة الفيلم، فهي جميلة الشكل، عذبة الصوت ووجهها فيه الملامح الشرقية الأصيلة، فقط كانت على شيء من السمنة وتفتقد الرشاقة المفروضة في بطلة الفيلم!.
قلت له:
* وهل مثّلت أمامك وهي بالوزن الثقيل؟
ضحك واستمر في الحديث:
ـ يومها كان العقد الذي وقّع مع نجاة علي ينصّ على أن تُنقص من وزنها عشرة كيلو غرامات قبل البدء بالتمثيل، وعلى أن يحسم من أجرها الذي لم يكن يزيد عن خمسمائة جنيه، مبلغ عشرة جنيهات عن كل كيلو يزيد على وزنها المتّفق عليه والمحدّد في العقد!..
* وذهبتم إلى باريس؟
قال عبد الوهاب:
ـ فعلاً، ولكن المفاجأة التي لم نكن نتوقّعها عند وصولنا إلى باريس هو أنّ الاستديوهات كانت مقفلة بسبب إجازة الصيف، وهكذا وجدت أنّ الفرصة سانحة لترك الجميع في الفندق والذهاب إلى إحدى مدن المياه المعدنية لمداواة مصاريني التي كنت أحسّ بأنها متعبة، وهي بلد مثل “فيشي”!..
وقال عبد الوهاب:
ـ وعدت إلى باريس بعد انتهاء إجازة الصيف، وبدأنا نعمل، ولاحظ المخرج محمد كريم أنّ نجاة علي لا تأكل إلاّ معي ومعه، تقيّداً منها بالريجيم، أي أنها لم تكن تأكل إلاّ ما آكله أنا، قطعة من اللحمة مع سَلطة عند الظهر، وفاكهة فقط على العشاء، ولكن ومع تقيّد نجاة علي بالريجيم، فقد كان المخرج يلاحظ أنّ وزنها لم يكن ينقص بل يزيد!.
* كيف؟
ـ مرة وكنت نائماً بعد الظهر فوجئت بضجة في الغرفة المجاورة لي، خناق وصراخ وضرب، ثم اقتحم محمد كريم غرفتي وهو يجر نجاة علي أمامه، وفهمت أنه فاجأها وهي تتسلّل إلى “باتيسري” بجوار الفندق وتلتهم كمية لا بأس بها من الجاتو الشهي، فاعتقلها بالجرم المشهود، وجاء بها إليّ لمحاكمتها، ولم أملك عندئذٍ إلاّ أن أستعمل اللهجة الهادئة معها، وأقنعها بأنه لا بدّ من التضحية بأية متعة من أجل العمل، وأنه إذا كان الجوع كافر والأكل نعمة، فإن النجاح ممتع ولذيذ أيضاً.. وبعد ذلك أقنعت نجاة علي ولم تعد تتسلّل إلى الباتيسري، واستراح أخي وصديقي محمد كريم من مراقبتها ووزنها كل يوم!.
وللحديث بقية مع عبد الوهاب.. فإلى الأسبوع المقبل!!
الراحل محمد بديع سربيه "الموعد" 1979