المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمس كان يوماً حافلاً


lotlatif
05/05/2011, 15h26
الأمس كان يوماً حافلاً .. بقلم أ. د. لطفي أحمد عبد اللطيف
مرت بالأمس الأربعاء الرابع من مايو 2011 م الموافق ‏02‏ جمادى الثانية‏، 1432هـ .. ذكرى عزيزة على أنفس المصريين والعرب .. ألا وهي ذكرى رحيل موسيقار الأجيال .. يوم صعدت روحه الطاهرة .. إلى السماء ليلاقي بارئه .. بعد سنوات طويلة .. منحها الله إياه كي يشنف آذاننا .. ويهدهد عواطفنا .. واحتفت التلفازات والإذاعات العربية بذكراه العاطرة .. فمنها من أذاع أحد أفلامه السبعة .. ومنها من أذاع أغانيه بصوته .. وألحانه بصوت مطربي ومطربات الوطن العربي .. وبالطبع لم يحتار عشاق الموسيقار الكبير كثيراً .. فكلهم قرر تثبيت المحطة .. التي حددها .. ليستمتع بأغانيه وأحاديثه .. واحتار كثير من العشاق كيف يقدمون عملاً جديداً من أعماله الخالدة .. فمعظم أعماله المسجلة في الأستوديو أو المسجلة في حفلات .. أو تلك التي قدمها غلى عوده في جلساته الخاصة .. وما أكثر أعماله .. وأحاديثه .. التي تميز الموسيقار فيها بخفة الظل .. والثقافة العالية .. قد قدمت بالفعل ..ولكي واثق أنه ما زال هناك كنوز محتفية ستتيح لنا الأيام التعرف عليها ..
فكما تميز عبد الوهاب في أغانيه التي غناها بصوته .. وكما تفوق في ألحانه التي قدمها لكوكب الشرق .. وغيرها من المطربات .. والمطربين .. تفوق في أحاديثه .. لما لا فقد تعلم حلو الحديث من معلمه .. وأستاذه . وأبيه الروحي شوقي بك أمير الشعراء .. الذي تبناه .. وسانده طوال مشواره حتى تركه بعد أن فارق الحياة .. ولم يتوقف عطاء عبد الوهاب .. بعد رحيل معلمه الأول .. بل استمر ينهل من بحور الثقافة .. وظل يشترك في صالونات الأدباء والشعراء .. أيام كانت هذه الصالونات تجتمع بصفة دورية .. وتجمع إليها لفيف من المثقفين .. الذي أثروا الحياة الأدبية .. والموسيقية للوطن العربي .. ولم يكتف عبد الوهاب بالصالونات العربية التي تقام في القاهرة .. أو في أحدى مدن مصر .. ولكنه كان يذهب إلى لبنان وسوريا .. حيث أدباؤها الخالدون .. ونهل عبد الوهاب من ثقافة هؤلاء الأدباء والشعراء العرب كما نهل من أمير الشعراء أحمد شوقي بك من قبل .. وتكونت صداقات كثيرة بينه وبين أعظم الشعراء العرب في مختلف الأقطار .. من المحيط إلى الخليج .. ولم تكن من قبيل المصادفة أن يصنع عبد الوهاب ألحاناً لكلمات نظمها الشعراء العرب .. فهو صنع ألحاناً خالدة لشعراء كبار من لبنان .. وسوريا .. والسودان .. والمهجر .. بجانب الشعراء المصريين. ومؤلفي الكلمات .. وقدمها لكوكب الرق وللمطربين والمطربات الآخرين ..
ومن النادر أن يكون هناك مؤلف أغاني أو شاعر مصري إلا وأعطى عبد الوهاب كلمات له ليصوغ عليها لحناً .. إنها حياة مديدة لم يهدأ فيها موسيقار الأجيال همسة واحدة .. وكان يحرص على الدوام أن يقدم لحناً جديداً فيه التجديد .. وفيه الأصالة .. لقد كان عبد الوهاب يحس أثناء تقديم لأعماله بمتعة روحانية .. وكن يحرص على سماع آراء الأصدقاء .. ولما كانت أذناه يستمعان للحديث .. كانت يرشح هذه الكلمات .. فيترك منها ما يراه نشازاً .. ويركز على الجيد منها .. ويبلوره في خلجات نفسه .. ليخرج لنا أي شيء جديد ..
وكانت تربية عبد الوهاب في بيئته دينية الأصل .. والمنهج .. دافعاً قوياً له .. كي يدقق ويتأنى في اختياره للكلمات .. ويبدع لها الألحان التي تتناسب معها .. وكان عبد الوهاب سباقاً لأن يشارك العالم العربي أفراحه .. وأتراحه .. وكثيراً ما حرص عبد الوهاب على تقديم أغاني مرحة ليفرح بها الشعب .. وقدم ألحاناً ثائرة ليقدح بها عزيمة الشباب العربي أثناء فترات الانكسار .. ويشحذ هممهم ..كي لا يتطرق اليأس إلى نفوسهم .. .. وقدم ألحانا شجية تصور كل المناسبات .. ليشارك بها الشعب في جميع صنوف حياته .. خلوها ومرها ..
كان عبد الوهاب حريصاً على التعرف على ما يروق للشعب .. شيوخه .. وشبابه .. وصغاره .. كي يقدم له الألحان التي تتناسب مع كل الأذواق .. بل كان لا يضيره أن يقدم ألحاناً ترضي الأذواق .. ولكنه كان حريصاً ألا يهبط بمستوى الألحان إلى الإسفاف الذي عم من بغده ..
إن عبد الوهاب كان بعرف أنه جاء لهذه الحياة كي يقدم للناس أغنية أو أنشودة تساعدهم على الخروج من همومهم .. أو لحناً يطربون له .. فيسبب لهم حالة من الفرح .. لقد كان رحمه الله مرآة لمشاعر الشعب العربي .. وكانت هذه المرآة تعكس ما ينعكس عليها من أحداث .. لقد كان بكل صدق صادقاً في مشاعره .. مخلصاً في عمله .. محباً لجماهيره .. يعشق الإتقان حتى الثمالة .. لذا أحبته الجماهير .. وكانت تطرب لسماع أحدى ألحانه أو أغانيه
رحم الله عبد الوهاب .. وسخر لنا من عنده خليفة له .. وسبحان الله .. فبرغم التقدم العلمي في العالم .. فنجد أننا لا نجيد استخدام هذا التقدم .. ولا أدري هل يساعد التقدم الناس .. أم يطفئ فيهم ومضات الإبداع .. أو أن الإبداع لا يأتي فقط إلا في العصور التي لا يكون فيها العلم متقدماً .. إنه لشيء محير .. فكثير من المبدعين ينشئون في جو صعب مليء بالتحديات .. وفي إعتقادي أن الفن الحقيقي ينبع من لحظات معاناة للفنان لعل أصعبها لحظات هبوط الأفكار إليه .. وبدء عملية تحويلها من إلهام روحي إلى نوتة موسيقية مكتوبة على الورق ..
بلا شك إن الأحوال الصعبة تساعد الإنسان .. وتجعله قادراً أن يبدع فيها . .أكثر مما يمكنه أن يبدع في حالات الغنى والترف .. أو ربما ًان تغير السياسات الحاكمة تأثير على قلة الإبداع في أيامنا الحالية.. فإذا كان الحاكم مشجعاً للفن .. ومحترماً للفنانين .. ينتج عن هذا نتاج فني عالي المستوى .. وربما كتب لنا في هذه الأيام أو نشهد هبوطاً على جميع المستويات .. في مستوى الحكام .. والشعوب .. فحتى الأغاني التي نسمعها الآن لم تعد تتميز بحسن اختيار الكلمات .. أو برقتها . .أو على الأقل بمراعاة مشاعر الآخرين .. وعدم جرح مشاعرهم ..
لعلي أرى أن كل شيء حولتا تحول بقدرة قادر .. من عصر عبد الوهاب وأم كلثوم .. إلى عصر "كمننه" .. و"السح الدح أمبو" وأغاني كثيرة هابطة .. وتغيرنا فأصبحنا لا نجيد الاستماع .. أو أننا نستمع إلى ما يقدم .. وأغلبه غث .. وليس فيه من الثمين إلا القدر اليسير .. نستمع وأذهاننا غائبة .. تفكر في مشال الحياة .. فنسمعها فقط لمضيعة الوقت .. أو لإصدار أي أصوات مزعجة .. تلهينا عما جولنا من مشاكل وإسفاف .. وهبوط على كافة المستويات حولنا .. أحياناً كثيرة نضطر لسماعها .. كي يظل فكرناً مشغولاص عما يحاط حولنا من مؤامرات ضد الروحانية .. والإتقان ..
وأصبح الفن الذي كان مصدراً للإلهام .. وكان مقوياً للعزم والإرادة .. أصبح الفن .. بكل أسف .. عبارة عن تفاهات .. لم تعد قادرة على شد أذن المستمع .. ونتعرف على ذلك بإصرار الأذن النظيفة على سماع الأغاني الأصيلة فقط .... ولا نجد الأذن الشيء الفني الصحيح ؟؟الذي تتوق لسماعه من بين أغاني اليوم الهابطة . وكلماته النبتذلة الجارحة للمشاعر .. والمثيرة للغضب .. والرافعة لضغط الدم .. أو ما يسمى مجازاً بـ :أغاني" ..

رحم الله عبد الوهاب .. وعوضنا الله عنه خيراً ..
أ. د. لطفي أحمد عبد اللطيف