المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النقاط المهمة في تاريخ الأغنية الكويتية


بو بشار
24/04/2011, 20h09
البحر كان المعلم الأول للمغنين والملحنين

مرت الموسيقى الكويتية بأطوار كثيرة تنوعت منذ بدء موسيقى البحر، الملهم الأول، وسادت تواريخها محطات مهمة منذ قرنين من الزمان. في التحقيق التالي نلقي الضوء على هذه التطورات في استعراض لهذا التاريخ الثري من خلال لقاء أكاديميين ومتخصصين في الموضوع تحدثوا إلى «الوسط»: الدكتور فهد الفرس، الدكتور صالح حمدان، الدكتور بندر عبيد والدكتور عامر جعفر.

الدكتور فهد الفرس المتخصص في الموسيقى والاكاديمي تحدث عن محطات مضيئة في تاريخ الموسيقى الكويتية واتخذ الأغنية مثالا قائلا: ارتبطت بدايات الأغنية الكويتية بعدد من الفنانين الذين كان لهم الدور الكبير والاسهام الفعال في إبراز الأغنية وتطورها في الكويت، وقد ساهموا في تثبيت وتطوير ووضع خصائص وقواعد وأسس للأغنية سار عليها الفنانون الذين أتوا من بعدهم.

ولو عدنا الى الماضي، أي الى تاريخ الكويت، لوجدنا أن تلك المنطقة كانت تعتبر منطقة مرور للقبائل، وتغلب عليها عيشة البداوة شأنها شأن سائر مناطق الجزيرة العربية.

كان الغناء السائد في تلك الفترة هو الحداء، الذي يعتبر النواة الأولى لظهور الغناء عند العرب بشكل عام، والحداء كما هو معروف مجموعة من الأشعار يؤديها الحادي على ظهر الجمل، وتكون موزونة وفق خطوات الإبل من حيث السرعة، وذلك لتنشيط الإبل وحثها على المسير، وذكرت الروايات أن أول من فطن الى هذا النوع من الغناء هو مضر بن نزار.

في أواخر القرن الثامن عشر ظهر فنان مبدع هو الشاعر محمد بن لعبون 1779 - 1831م، الذي لقب بأمير شعراء النبط، ويمكن أن نطلق عليه مؤسس المدرسة الإيقاعية في الاغنية الكويتية

وابن لعبون يعتبر الباعث الأول لأغاني البادية وصاحب «اللعبونيات». بما أدخله على أغاني البادية من تطوير في الأوزان الشعرية والألحان الغنائية، ووضع الضوابط الفنية للأغنية البدوية. فهو مؤسس فن السامري، الفن المعروف، إذ لم يكتمل تطوره وتهذيبه من حيث الغناء إلا عندما أدخل عليه الرقصات والكوبلية، والضربات الإيقاعية، والغناء الجماعي، حيث كان يؤدى فرديا في السابق من قبل عازف الربابة.

وكذلك ينسب إلى ابن لعبون الفن المعروف في الكويت وهو «اللعبوني» وسمي هذا الفن نسبة الى محمد بن لعبون، وقد ظهرت أغنيات كثيرة وفق هذا الايقاع وأشهرها أغنية «يا علي صوت» بالصوت الرفيع.

مؤسس الأغنية الكويتية الموسيقية
أما مؤسس الأغنية الكويتية (الموسيقية) فهو الفنان الشاعر عبد الله الفرج 1836 هـ، 1901 م، إذ أسهم في انطلاقة الأغنية الكويتية الحديثة ووضع لها أصولها الموسيقية، ويرجع إليه الفضل في إحياء فن الصوت بعد موتة، ولكن بخبرته وثقافته الموسيقية أحيا هذا الفن.

والمعروف عن عبدالله الفرج أنه درس وتثقف في الهند، درس اللغة العربية والموسيقى على أيدي أساتذة متخصصين، وقد استفاد من وجوده في الهند، حيث كان يحضر مناظرات الأدباء والفنانين المهاجرين من حضرموت وسائر مناطق اليمن، ويستمع منهم الى ألوان الغناء.

استطاع عبدالله الفرج أن يحيي هذا الفن الأصيل بعد اندثاره، من خلال ثقافته الأدبية والموسيقية، ويرجع إليه الفضل أيضا في إدخال آلة العود وآلة المرواس الإيقاعية الى الكويت، وهي الآلات الرئيسة لغناء فن الصوت.

ومن النقاط المضيئة في تاريخ الأغنية الكويتية هي فترة العام 1927، خصوصا أنه العام الذي وثقت فيه الأغنية الكويتية. يذكر أنه قبل هذا العام قد جاءت الى الكويت شركة لتسجيل الاسطوانات، وتعاقدت مع عدد من الفنانين الكويتيين، ولكن لظروفهم وعملهم في البحر لم يتم التسجيل لهم.

وقد اتفقت الشركة مع المطرب عبداللطيف الكويتي الذي يعتبر أول من سجل الأغنية الكويتية في هذا العام، وسجل ما يقارب 10 الى 12 اسطوانة بمختلف الفنون الكويتية من «أصوات» و«سامريات» و«فنون».

وبعدها انطلق الفنانون الكويتيون في تسجيل الاغنية الكويتية، منهم الفنانون عبد الله فضاله، محمود الكويتي، سعود المخايطة، وغيرهم... وكانت الآلات الموسيقية التي تعزف الألحان الكويتية مقتصرة على آلتي العود والكمان، وبمصاحبة الآلة الإيقاعية: «المرواس». واستمرت تلك التسجيلات، وقد أدخلت في بعض التسجيلات آلة القانون لتشارك الفنان الكويتي في توثيق الأعمال الكويتية.

وقد شارك مع الفنانين الكويتيين عازفان ماهران على آلتي العود والكمان وهما الأخوين صالح وداود الكويتي، وهما من الجماعات اليهودية التي سكنت في الكويت في بدايات القرن العشرين، وتميزوا بمهارة العزف وإعطاء التسجيل إثراء وقيمة موسيقية في الاغنية الكويتية بمصاحبة الفنانين الكوتيين.

شركة «طه فون»
وكذلك سجل الأخوان الكويتي عددا من الأغاني الكويتية وتغنيا بالأصوات الكويتية بطريقتهما الخاصة التي تميزا بها. وفي النصف الثاني من الأربعينات، افتتحت شركة في الكويت لتسجيل الاسطوانات، وكانت تحمل اسم «طه فون»، نسبة الى صاحب الشركة طه علي صبري. وقد سجل الفنانون الكويتيون والخليجون في تلك الشركة.

وفي أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات اشترى السيد علي الصقعبي حقوق الشركة من السيد طه صبري، وتغير الاسم الى شركة «بو زيد فون»، وهي الشركة التي سجلت الكثير من الأعمال الكويتية والخليجية لمختلف المطربين، وقد حافظت على الأغنية الكويتية من خلال هذه التسجيلات.

وفي تلك المرحلة، وبالتحديد في العام 1951 افتتحت إذاعة الكويت، وكونت فرقة موسيقية مصغرة مكونة من آلة العود والكمان والقانون، والايقاعات (كالتخت الشرقي) المعروف في الأغنية العربية القديمة. وقد شارك في هذا التخت أو الفرقة المصغرة الفنانون عبد الله فضالة ومحمود الكويتي، وأحمد الزنجباري، وعواد سالم وعبد العزيز البصري على الإيقاعات، والفنان المصري فوزي ناجي على آلة القانون.

ومن النقاط المهمة في تاريخ الأغنية الكويتية: - في العام 1952 سجل المؤرخ أحمد البشر الرومي تسجيلات عدة للفنان الكويتي القديم يوسف البكر، الذي يعتبر تلميذا لمدرسة مؤسس الأغنية الكويتية الفنان عبد الله الفرج، إذ سجل له وهو رجل طاعن في السن، ولكن بهذه التسجيلات حفظت الألحان والأصوات الكويتية القديمة وطريقة أدائها من خلال هذا التسجيل الموثق للفنان يوسف البكر، إذ غنى في هذه التسجيلات ألحان الفنان عبدالله الفرج.
ومن المراحل المهمة في مسيرة الأغنية الكويتية نذكر أيضا: - في العام 1956 تم افتتاح مركز الفنون الشعبية، وكان له الأثر الأكبر في المحافظة على تراث الأغنية الكويتية.

لجنة الفنون الشعبية
وقد شكلت لجنة للفنون الشعبية من الاساتذة والفنانين منهم: الاستاذ عبدالعزيز حسين، والمؤرخ أحمد البشر، والشاعر أحمد العدواني، والفنان السفير حمد الرجيب، والاستاذ عبدالعزيز محمود وعدد من الأدباء والفنانين، فقد كان هذا المركز ملتقى للفنانين والأدباء الكويتيين، إذ سجلت كثير من الألحان والأعمال الكويتية في مركز الفنون الشعبية بوجود عدد من الفنانين والعازفين الكويتيين.

وفي العام 1957 سافر الفنان سعود الراشد الى القاهرة وسجل عددا من الأغاني الكويتية، منها الأصوات والسامريات، وسهّل له المهمة آنذاك الفنان والسفير حمد الرجيب، وسجلت تلك الأعمال بمصاحبة فرقة موسيقية متكاملة، ما أضاف قيمة فنية جمالية إلى الأغنية الكويتية بعدما كانت تؤدى بالإيقاعات الشعبية، أو بمصاحبة آلتي العود والكمان. وبعد ما استمع المسؤولون آنذاك في الإذاعة والشعب الكويتي الى الأعمال الكويتية بمصاحبة الفرقة الموسيقية، فكر المسؤولون باستقطاب فرقة موسيقية متكاملة للإذاعة لعزف الألحان الكويتية.

وفي العام 1959 ضمت هذه الفرقة عددا من العازفين المعروفين على مستوى الوطن العربى (مصر)، حيث كان يرأسها الفنان نجيب رزق الله.

إنطلاقة الأغنية الكويتية
وفي بداية الستينات وهي فترة استقلال الكويت في العام 1961 انطلقت الأغنية الكويتية، وتطورت الألحان وظهرت روائع خالدة في تاريخ الأغنية الكويتية على يد كثير من الفنانين الكويتيين، وأول باكورة هذه الانطلاقة كانت للأغنية المعروفة «لي خليل حسين - يعجب الناظرين» وهذه الكلمات للشاعر الشعبي مدحي اليماني. وهذا اللون كان يغنى لدى البحارة في الكويت، واسمه «الشبيثي»، وهو أحد ألوان الغناء البحري من أغاني الترفيه.وقد تطورت هذه الأغنية الشعبية البحرية الى أغنية كويتية تأخذ الطابع الكويتي الشرقي، حيث أضاف إليها الشاعر أحمد العدواني عددا من الأبيات. وأضاف إليها الفنان الملحن المبدع الاستاذ احمد باقر عددا من الكوبليهات، بالاضافة الى المذهب الرئيس وهي الجملة الرئيسة الشعبية، وقد ظهرت هذه الأغنية في العام 1961. وهي انطلاقة الأغنية الكويتية الحديثة، بمصاحبة فرقة موسيقية، حيث ظهرت معالم الأغنية العربية، مثل المقدمة الموسيقية، والكورس النسائي، واللزم الموسيقية، وعدد من الكوبليهات ولكل كوبلية مقام موسيقي معين.

وبعد هذه الأغنية ظهر كثير من الأعمال الكويتية الخالدة التي تجمع ما بين الاسلوب والروح الكويتية والاسلوب الشرقي، مثل الأعمال التالية: «جودي لا تهجريني»، «صوت الهادي»، «صوت السهارى»، «كفي الملام»، «فرحة العودة»، «يللي شغلت البال»، «تقول نسيت»... وغيرها كثير من الأعمال.

وقد شهدت تلك الفترة المهمة تطوير كثير من الأعمال الكويتية مثل الأغنية الدينية على يد الفنان عبد الحميد السيد، وتطوير أغاني الليلوه والطنبوره على يد الفنان الدكتور يوسف دوخي، وتطوير فن الصوت بأنواعه، على يد الفنانين أحمد باقر، وسعود الراشد، والأخوين عوض ويوسف دوخي، وعبدالله فضالة، وغيرهم.

جمعية الفنانين الكويتيين
في فترة الستينات أنشئت جمعية الفنانين الكويتيين، وكان لهذه الجمعية دور كبير في التقاء الفنانين وإحياء الحفلات في المناسبات.

وفي فترة السبعينات تطورت الأغنية وباتت تأخذ الطابع والأسلوب الشرقي من حيث الصياغة اللحنية وأسلوب الأداء وكذلك الإيقاع، وأدخلت الآلات الغربية في بعض الأعمال مثل البيانو، والاكورديون، وآلات النفخ، ما أعطى الأغنية الكويتية الانتشار خارج حدود منطقة الخليج.

ومن النقاط المهمة كذلك في مسيرة الغناء الكويتي عندما جاء الى الكويت عدد من الفنانين العرب، بالاضافة الى الفنانين الخليجيين، بتسجيل أغانيهم في فرقة الإذاعة في الكويت، في فترة الستينات. ومن الفنانين العرب الذين أتوا الى الكويت أمثال الفنانة الكبيرة كوكب الشرق أم كلثوم، حيث أحييت حفلات عدة خصوصا في العامين 1963 و1968.وكذلك الفنان فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، حيث غنى ألحانا كويتية منوعة من صوت وسامريات، والفنانة فايزة أحمد وغنت الأغنية المعروفة «صوت السهارى»، والفنانة نجاة الصغيرة غنت الأغاني الكويتية، والفنانة نجاح سلام، والفنان وديع الصافي وعدد كبير من الفنانين العرب الذين سجلوا أعمالهم وغنوا أغنيات كويتية وخليجية، الأمر الذي جعل الحركة الفنية في الكويت تتقدم بشكل مستمر حتى بداية الثمانينات، حيث ظهرت نقلة في مسيرة هذه الأغنية تجسدت في استخدام الايقاعات اليمنية في كثير من الأعمال الموسيقية الكويتية، وظهور عدد من الفنانين الكويتيين، واللجوء الى شركات الانتاج لتسجيل أعمالهم، والتي تفرض عليهم شروطا في تنفيذ هذه الأعمال، وتدريجيا فقدت الأغنية الكويتية هويتها حتى وصلنا الى ما وصلنا إليه الآن، باستثناء بعض الفنانين الذين ما زالوا محافظين على تاريخهم الفني الطويل ومحاولاتهم في المحافظة على التراث الكويتي العريق، مثل حفلات وزارة التربية التي تقدم فقرات من التراث الكويتي من فنون كويتية قديمة وأدخل عليها بعض التطور لتتناسب مع الوقت الحالي، كالملحن القدير غنام الديكان والفنان الكبير شادي الخليج، والتعاون مع الشعراء والكبار مثل الدكتور عبد الله العتيبي، والدكتور يعقوب الغنيم.

وكذلك فرقة التلفزيون لا تزال محافظة على تراث الأغنية الكويتية مع محاولات التطوير في الأداء، ومشاركتها وتمثيل الكويت في المحافل الدولية وتقديم التراث الكويتي، وكذلك وجود الفرق الشعبية الكويتية لها دور كبير في المحافظة على التراث الفني بمختلف بيئاته، من البادية الى المدينة والبحر، وكثير من الباحثين والهواة يلجأون الى هذه الفرق الشعبية لتدوين هذا التراث وسماعه.

وكذلك محاولات بعض الفنانين الملحنين في المحافظة على تراث الأغنية، أمثال مرزوق المرزوق رحمه الله، وابراهيم الصولة، ويوسف المهنا، وعبدالله بوغيث، وخالد الزايد، إذ لم يلاقوا الدعم اللائق لاستمرار أعمالهم من الجهات الرسمية.

ويجب ألا ننسى سببا آخر أدى الى توقف عدد كبير من الفنانين اللامعين في الفترات السابقة في تاريخ الأغنية الكويتية ألا وهو عدم وجود فرقة موسيقية في الإذاعة لتنفيذ أعمالهم، التي تتطلب منهم اللجوء الى شركات انتاجية في الخارج فرضت عليهم شروطا مادية باهظة لم يكن بمقدورهم تلبيتها.

موسيقى وغناء البحر
الدكتور صالح حمدان تناول جانب موسيقى البحر، وبالتحديد موسيقى الخليج، فقال عنها: موسيقى الخليج هي موسيقى عربية أخذت شكلا آخر نتيجة ظروف بيئية اجتماعية، جغرافية انسانية، فكان الشكل مختلفا عن الأشكال الموجودة في مكان آخر.

الموسيقى أو الغناء هنا ينقسم الى جزأين أساسيين: الغناء البحري والطقوس المصاحبة
الأساس الأول هو غناء العمل ويأتي من البحارة. وما يعرف بالغناء البحري ذي العلاقة الاساسية يصحبه اتجاه روحاني وعلاقة أساسية بالبحر تتصف بالعظمة. لدرجة أن الانسان يعامل البحر ويعتقد بأنه يعامل نوعا آخر من الانسان. أو شكلا له روح، الحكاية تشير الى أن البحارة (الغواصون بالذات لصيد اللؤلؤ) وعندما كانت تطول بهم الغيبة لمدة أكثر من أربعة أشهر كان الجميع من نسوة وأطفال وشباب ينتظرونهم على ساحل البحر لمشاهدة رحلة العودة من الغوص. وكانت الطقوس المصاحبة لهذا الحدث تبدأ بتحضير نوع من «الهيب» الحديد ويسخن الحديد على النار ثم يقومون بكي البحر حتى يتألم ويحضر لهم أبناءهم وأزواجهم. ونستطيع أن نطلق على هذه الطقوس علاقة روحانية، والبحر لم يكن أبدا جمادا. وعليه فقد شكل الأزرق الجزء الأكبر من موسيقانا وكان له العامل الأكبر والاجمل في تركيبات فننا الموسيقي وعالمنا الغنائي بوجه عام.

وتناول الدكتور حمدان مشكلات الموسيقى في الكويت مشيرا الى أن هناك مشكلة رئيسة، هي عدم الاهتمام بدراسة التراث الموسيقي الكويتي، فمعظم مطربي هذه الأيام لا توجد لديهم معرفة بالتراث الموسيقي، وبدأت هذه الظاهرة منذ منتصف التسعينات. لذلك نجد أن معظم الألحان هي في الشكل الخارجي كويتية. أما في حقيقتها فهي إما يمنية أو هندية، وكذلك فإن 90 في المئة من الملحنين كانت تعوزهم المعرفة بالتراث الموسيقي الخليجي وتاريخ الموسيقى في الكويت.