المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدكتور عبد الحميد سليمان(آفة التوريث ومغبات التزوير والتدليس)


عبد الحميد سليمان
27/02/2011, 18h36
بسم الله الرحمن الرحيم
أعزائى وأحبائى فى منتدى سماعى الأصيل... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
.. تحية النصر وانجلاء الحق وتبرأ الأذلاء الحقراء مما فعلوا وتلاومهم وتنابذهم . أولئك الذين كانوا أسودا على ذوى أرحامهم وفى الميدان نعامة, فتخاء تجفل من صفير الصافر, لقد تهاووا كقطع الدومينو وهم من استياس الكثير من تغير أحوالهم وقنطوا من روح الله فأتاهم جميعا من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوب الوضعاء الخونة السفلة الرعب,وكان الله عزيزا حكيما,لقد كتبنا أحبائى منذ عامين منصرمين (المتسحبون) لنحيى آملا ذاوية ونيقظ همما أقعدها الخوف وأسلمت أنفسها وعزائمها الى الخوار والوهن وغوى منهم من غوى واصطبر من اصطبر, وهزأ منا ومما كتبنا من هزأ واعتبره ضربا من الوهم و الجنون وانتظار ما لا يجيئ ,وفجأ الشباب الذين أثخناهم إضعافا وإذلالا وعز عليهم المثال وندر الدليل وغابت القدوة
....أحبائى فى غمرة الفرح والتوجس والترقب نسوق اليكم ما نعلم أن مكانه ليس هنا وما نشر فى إحدى المجلات وآلمتنا خيانتنا بالنشر فى غير هذا المنتدى الحاضن الحبيب, واستلهمنا روح الثورة من الثائرين فى كل مكان على الأرض العربية وعزمنا على نشره هنا فى هذه الصفحات على غير ما اعتادت ورتبت ,حتى نعفى أنفسنا من لوم قاس وإحساس بنكران الجميل,
.... أحباءنا هو مقال يشخص أصل الداء ويكتمل به الدواء وتئوب أمتنا به وبأمثاله الى الشفاء والانطلاقة المكملة لحضارتنا وأمجادنا ,وهو يرتبط بما نكتب وبما نعلق وأرجو أن يسهم فى كشف وتشخيص عللنا وما حاق بنا من ذور وبهتان وما دفعنا ثمنه غاليا مريعا من دمنا وراحتنا وكرامتنا ودورنا وحقوقنا لننطلق به من حالة الثورة الى الوعى التام وندرأ به مخافات الالتفاف وكيد الكائدين وزيف المتقلبين الأدعياء ونتأهب به الى ما نستحقه من مكانة ودور ونفيد به من درس التاريخ...شكرا جزيلا وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

آفة التوريث ومغبات التزوير والتدليس

.... بعد سنوات ضئيلات تفيأ فيها المسلمون ظلال الخلافة الراشدة ابتلوا بمصيبة استئثار أفراد بالـسـلـطـة التي انتزعوها وتوارثوها عنوة انطلاقا مـن واقع قـوتهم وتمكن نـفـوذهم وصولة أدواتهم زمن الأمويين والعباسيين وصولا إلى العثمانيين,ولأن الليالي كعادتها من الزمان حبالى, مثقلات يلدن كل عجيبة,فقد جدت مسببات وأدوات لذلك الإهدار والاستئثار والتسلط ,كان جلها وليد أداء أدوار وربيبة إغواء وتورم ذوات لم يخدم إلا أعداء متلمظين حيث سيقت مشاريعها ومناهجها ومسيراتها على رفات ضحايا وأشلاء قيم ودين، وبات أولئك الحكام البغاة يسعون إلى حفظ ملك الآباء والأجداد الذي آل إليهم بـحـكـم الوراثة أو بمقتضى الإغواء والطاعة العمياء،
... إن مثل هذا النوع من الحكم يمنح أهله سلطة مطلقة، تضعهم فوق القانـون وفوق حـريـات الأفـراد ولا يعبأ بحقوق أمة ولا يكترث لمستقبلها, ويتيح لأهله ومن دار في معيتهم, مجالات غير محدودة من التوسد ,تنأى بهم عن النقد ومغباته, وقد أدّى ذلك في أحايين كثيرة عبر التاريخ لا مجال لتفاصيلها إلـى ثورات دعـا أصـحـابـها إلـى إلـغـاء الـدولـة القـائـمـة عـلـى شـقـاء الـفـرد وإذلاله واستغلاله ، بـدلا من أن تـكـون فـي خـدمـتـه وعلى ذلك الطريق كانت ثورات الخوارج زمن الأمويين رفضا للانحراف الكبير في نظرهم عن النظرية الإسلامية فى الحكم وما أعقبها من ثورات المهمشيين كالزنج والقرامطة في بلاد المشرق وثورات فلاحى دلتا مصر وثورة عمر ابن حفصون في الأندلس,التي شبت احتجاجا على تسلط الارستقراطية العربية الحاكمة المستأثرة وعلى نيران الظلم الاجتماعي والاستبداد وإهدار الكرامات وهى ثورة سكت المؤرخون عن التأريخ لها تحقيرا لشأنها وقتلا لفكرتها ومخافة لانتشارها وذيوعها.
.... على أن ذلك الانحراف في حقيقة أمره ليس وليد ثغرة في النظرية الإسلامية التي أسست عقدا اجتماعيا بين الحكام والمحكومين لا لبس فيه, حين قضت أن الولاية والحكم في المجتمع الإسلامي ليست مطلقة وإنما تقيدها الشريعة الإسلامية وتضع أطرها وضوابطها ومقتضيات بقائها وأسباب انقضائها ,في عقد اجتماعي إسلامي فريد ,غير مسبوق في التاريخ الإنساني كله ، سبق بقرون عددا إعلان المجنا كارتا في بريطانيا الذي أسس للحقوق المدنية في القرن الـ١٣ الميلادي، وسبق الثورة الفرنسية التي كانت أهدافها ومبادئها الإنسانية الكبرى (الحرية والإخاء والمساواة) دستور لها وحلما دائما بعيدا منيعا يشق على الحالمين به والمتحسسين له أن يصلوا إليه رغم ما يبذلونه ويحلمونه وعلى نفس النسق جاء إعلان الاستقلال الأمريكي الذي رسخ لمبادئ الحريات المدنية العامة,لقد تجاوزت تلك المبادئ على تنوع مراجعها الحدود الجغرافية لتصوغ وتشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبات لكل ذي عقل ووعى وأمانة وصدق أن العقد الاجتماعي الإسلامي قد سبق ذلك كله وكان الملهم الأساس له وللمفاهيم التي قدمها جون لوك. وجان جاك روسو للعقد الاجتماعي.
.... وقد سجلت مكونات ذلك العقد معالم النظرية الإسلامية الجوهرية الضابطة للعلاقة المفترضة الواجبة بين الحكام والمحكومين فـي أول خـطـاب لأبى بكر الصديق في سقيفة بني ساعده بعد اختياره كأول خـلـيـفـة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذي جاء فيه: (أيّـهـا الـنـاس إنـي وُلّـيـتُ عـلـيـكـم ولـسـت بـخـيـركـم ,فـإن أحـسـنـتُ فـأعـيـنـونـي وإن أسـأت فـقـومـونـي، الـصـدق أمـانـة والـكـذب خـيـانـة والـضـعـيـف فـيـكـم قـوي عـنـدي حـتـى أخذ الحق له إن شـاء الـلـه والـقـوي فـيـكـم ضـعـيـف عـنـدي حني أخـذ الـحـق مـنـه إن شـاء الـلـه، لايـدع قـوم الـجـهـاد فـي سـبـيـل الـلـه إلاّ ضـربـهـم الـلـه بـالـذّلّ ولا تـشـيـع الـفـاحـشـة فـي قـوم إلاّ عـمَّـهـم الـلـه بـالـبـلاء.أطـيـعـونـي مـا أطـعـت الـلـه ورسـولـه، فـإن عـصـيـت فـلا طـاعـة لـي عـلـيـكـم. )

... والـقـراءة الـبسيطة لـذلك الـخـطـاب وما يعنيه من المعاني الواضحات الجليات التي يسمو وضوحها على التأويل وينأى جوهرها عن التوظيف, تصدع بالحقيقة وتؤكد بجلاء أن الحكم فـي الإسلام لا يعطى الـحـاكـم حـقًـا فـوق حـقـوق أي فـرد مـهـمـا كـان، وأن الـنـقـد والـتـوّجـيـه أدوات للمجتمع والأفراد وسبيل إلى التقييم والتغيير والتقويم, وبنصاعة لا تعتورها مغبات الالتفاف ومغريات التبرير تؤكد هذه القراءة أن لاّ طـاعـة لولى أمر إلا إذا أطاع الله في مجتمعه ورعيته ,وحتى لا يترك الأمر على عواهنه فإن طاعة الله هنا نعنى تحقيق سننه وأوامره المؤكدة الصارمة على مسئولية الحاكم التامة الكاملة عن رعيته, ولعل إحدى أهم ما في تلك المسئولية ومناطها هي الـحـرّيـة بــمـفـهـومها الاجـتـمـاعـي ولـيـسـت الـحـريـة الـمـطـلـقـة ,و حفظ حقوق وكرامات ومصالح وأعراض الناس وحمايتهم من غواية الهوى الفردي والأنانية وتضخم الذوات والتسلط والاستغلال , وإهدار ذلك كله أو بعضا من قيمه أو التقاعس عنه, يعنى بجلاء لا لبس فيه إهدارا تاما للنظرية التي لا يمكن تفتيتها أو ترتيبها أو الأخذ ببعضها وتأجيل أو إلغاء باقيها .
.... لكن داهية كبرى لحقت تلك النظرية الناصعة حين انبرى فقهاء السلطة وهم ظاهرة نشأت في العصر الأموي ثم سرت مسرى النار في الهشيم في العصر العباسي حتى بات على منتقديها أن يقدحوا زناد مخاوفهم ويتحسسوا رقابهم قبل أن يبتدروها حتى لو كان ذلك الإبتدار والنقد على استحياء , لقد قامت تلك الظاهرة بما أثخن النظرية الإسلامية للحكم وأنهكها وناء بها من تبرير للاستبداد وانزواء لقيم العدل والشورى والمسئوليات المترابطة المتبادلة ، وضيعة لحقوق المجتمع في نقد ومساءلة الحكام الظالمين ,لقد سيق ذلك كله بتأويل متعسف ظالم يقيد مطلقات ,ويطلق مقيدات من بعض آيات القرآن الكريم، وسيقت معه أحاديث صادمة وضعيفة أوموضوعة تدعو إلى الخضوع للحكام والأئمة على ظلمهم وتوجب طاعتهم والصبر عليهم حتى ولو سرقوا أموال الناس وجلدوا ظهورهم على نحو ما جاء في حديث حذيفة بن اليمان الذي رواه البخاري ومسلم : (أسمع وأطع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) .

... هكذا نشأ فقه الاستبداد ونمى وترعرع واستغلظ على سوقه وحمى وطيسه بعد أن تحولت الخلافة إلى ملك جبري عضوض بعيدا عن الشورى، وبمعزل عن مشاركة الأمة في الحياة السياسية. وقد أدى ذلك الفقه الاستبدادي إلى تخلف المسلمين، ووقوعهم تحت براثن الطغيان والاستبداد ومظاهر متواترات من حركات احتجاجية وثورات اصطبغت بالعنف الدموي والتصفيات الجسدية والثورات المسلحة المتعاقبة جيلا بعد جيل.
...وفي مستهل الصحوة المعاصرة استمر رفاعة الطهطاوي رغم ما يكال له من تقريظ وريادة مزعومة للتنوير, في نهج استسلامي نهجه سابقوه كالماوردى والشيرزى وغيرهم من فقهاء السلطة ,الذين كانوا يقرون الحكم الفردي الاستبدادي ويذبون عنه, وعند الطهطاوي أن أهلية المُلك مقصورة على طبقة مخصوصة مثلما أقرت الفلسفة اليونانية وأن الوزارة لا تصلح إلا لأهلها الذين خُلقوا لها وأن النظام ينبغي أن يكون ملكيا وراثيا لدوام الحال و ضمان الاستقرار وأن الخروج على الحاكم حتى لو كان فاسقا أو جاهلا أ معتديا ظالما تمردا لا يجوز.
... لكن جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد رشيد رضا والإمام محمد عبده الذين فجعهم ما يحاك للعرب والمسلمين على يد الغرب الأوربي الذي كان يتقدم حثيثا إلى سيادة العالم على حين كان العرب يتراجعون إلى حيث الخروج من التاريخ على حد التعبير الشهير المؤلم المفجع للدكتور فوزي منصور ,لقد أيقنوا في تشخيصهم الواعي الأمين لما أثقل كاهل العرب والمسلمين من الحكم الفردي المطلق والتوارث رديف الجهل والتخلف ,أن العودة إلى النظرية الأصيلة الإسلامية المرتكزة على نظام الشورى أصلح للأمة وأقوم سبيل لاستعادة عافيتها ,مع صوغ ذلك في شكل جديد يناسب متغيرات الزمان والمكان عبر الديمقراطية الدستورية , وأنه على المسلمين أن يقلدوا الغرب في هذا المضمار جملة وتفصيلا وذلك فى حقيقته لا يمثل ثورة فكرية تجديدية بقدر ما يمثل أوبة للأصول الضائعة والقيم المهدرة التي نبه إلى خطورتها ابن خلدون حينما أكد على أن الترف المادي،وطغيان الأفراد يؤديان إلى الدمار والخراب، مثلما نبه وحذر وأنذر مالك بن نبي بعد قرون عددا أن الأمة عندما تدور في عالم الأشياء والأشخاص فإنها حتماً ستنهار حضارياً.

... غاية قولنا ومنتهاه أنه لقد آن أوان تطبيق فاعل وحازم ونابه لفكرة سيادة الدستور، الذي يقوم مقام الحاكم، ويسد مسده وهو ما توسدت به أمم الغرب المعاصرة وأرهقتنا إضعافا واستغلالا وإذلالا بقوتها وجبروتها ومعطيات تفوقها العلمي والسياسي والاقتصادي ,لقد كانت صولتها تلك ومكنتها وتوسدها وأطماعها وليدة نظرية الحكم التي ابتدرنا نحن المسلمين الإنسانية بها ,بعدما أهدرناها وأقصيناها لمصلحة من تمكنت منهم الأنانية وأخذوا بها على الناس كل مأخذ , لقد بات حتما لا مناص ولا مفر منه وسبيلا وحيدا للنجاة والأوبة إلى سياق التاريخ بدلا من الخروج المريع منه وذلك لا يكون إلا عبر تطبيق و تطوير وإعلاء لمفاهيم الديمقراطية بمدارسها المختلفة، برلمانية أورئاسية أوملكية دستورية شرفية بروتوكولية،