المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الملحون نوع موسيقي يتميز به المغرب


starziko
15/01/2011, 14h29
الملحون طرب يرتبط بطقوس الحياة اليومية في المغرب
الباحث : الملحون نوع موسيقي يتميز به المغرب عن باقي البلدان العربية
الرباط : «الشرق الأوسط»
بزيهم التقليدي، جلباب وطربوش أحمر، تراهم وآلاتهم الموسيقية باختلافها: الكمان و«التعريجة» (أداة صغيرة للايقاع) والعود والوتار يتوسطون المجمع في احتفال بهيج أو مناسبة عرس عزيزة. وبإيقاعاتهم الخاصة وحركات رؤوسهم المتمايلة وأنظامهم ومواويلهم الأصيلة تراهم يشدون أنظار الحضور إليهم، إنهم مجموعة أجواق طرب الآلة من أندلسي وغرناطي ملحون تميز بها المغرب عن باقي البلدان العربية. ويبقى الاقبال عليها والاستمتاع بجديد شرائطها دليلا قاطعا على تشبث المغاربة بموروث أجدادهم.
الملحون طرب يعتبر رافدا أساسيا من روافد الذاكرة الفنية المغربية بحكم تجذره في تاريخ الحضارة المغربية وارتباط مضامينه وأشكاله بطقوس الحياة اليومية في المغرب منذ أكثر من ستة قرون. لمعرفة تقنيات هذا الفن وأهم رجالاته وقضاياه ورهاناته المستقبلية التقت «الشرق الأوسط» مع عبد المجيد فنيش باحث في الملحون ومسؤول عن الجمعية السلاوية لنهضة الملحون وأحد المسؤولين عن هذا الفن في المسرح المغربي.
* الملحون، طرب مغربي أصيل فما هي قواعده وضوابطه؟
ـ الملحون نوع موسيقي يتميز به المغرب عن باقي البلدان العربية، وهو شعر عامي قريب إلى العربية الفصحى لكن من غير احترامه لقواعد الاعراب فقط. وقد سمي بهذا الاسم لأنه يلحن في اللغة العربية، أي أنه لا يحترم كل قواعدها وضوابطها، كما قيل إن أصل تسميته يعود إلى كونه شعراً يصدر عن صاحبه ملحنا بحكم وجود ضوابط عروضية وميزانية تحتم على الشاعر أن يقول على منوالها كلاما ملحنا منذ الوهلة الأولى.
والملحون هو فن قول أساسا قبل أن يكون فن غناء، فالجانب الموسيقي فيه بحكم أن قصيدته تؤدى في أحسن الأحوال على ثلاث جمل موسيقية، ولذا فإن الذي يؤدي قصيدة الملحون لا يسمى مغنيا وإنما منشدا.
بحور هذا الشعر الشعبي كثيرة من أبرزها المسمى المشرقي وهو الأقرب ببحوره إلى الشعر العربي الفصيح لأنه يبنى على صدر وعجز. في حين هناك بحور أخرى ذات جذور أندلسية قريبة في بنياتها إلى بنيات الموشحات، وأخرى تشابه في بنياتها بنيات المقامة النثرية المسجوعة، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين، الأول يسمى مكسور الجناح والثاني يسمى السوسي الذي قد يكون اسمه الحقيقي هو السلوسي أي الكلام المتسلسل السلس الذي كما سبق شبيه بتسلسل كتابة المقامة العربية.
* من هي الأسماء التي طبعت مسيرة الملحون؟
ـ نشأ طرب الملحون في جنوب المغرب وبالضبط في منطقة تارودانت ثم عرف مرحلة ازدهاره ونموه الكبير في كل من مراكش وفاس ومكناس لينتقل بعد ذلك إلى الرباط وسلا. ومن أكبر شعرائه الذين تتم تسميتهم في حضيرة الملحون بالشيوخ فهناك التهامي المدغري وسيدي قدور العلمي والجيلالي متيرد ومحمد بن علي ولد الرزي ومحمد بن سليمان وأحمد الغربلي ومحمد الگندوز وإدريس بن علي.
* ما هي الأغراض التي نظم فيها شعراء هذا الطرب الأصيل؟
ـ شاعر الملحون ككل شاعر نظم في كل الاغراض مع اختلاف في تسمية هذه الأغراض حيث أنه عمد إلى تجزيء الغرض الشعري الواحد إلى أغراض متعددة، ففي الشعر الديني مثلا نجد شاعر الملحون قد ابتدع فرعا سماه «التوسل» وآخر «المحمديات» وآخر «صاح آل البيت».
وفي الغزل الذي سماه شاعر الملحون «العشاقي» (لفظ مشتق من العشق) نجد فروعا لهذا الغرض، منها ما أصبح يحمل اسم أنثى ذاعت قصيدة في اسمها وانتشرت في الارجاء، ومنه ما يحمل اسم مكان أو حتى زمان ارتبط بهما حدث مع ضرورة التأكيد على أن شاعر الملحون قد تفنن كثيرا في تفريع أغراض عن الغرض الرئيسي المشهور بشعر الطبيعة حيث وجدناه يخصص فروعا لمغيب الشمس وسماها بـ«الذهبية» وفروعا لحلول الربيع وسماها بـ«الربيعيات».. وهلم جرا.
* اهتمامات المنظمات الثقافية والفنية المغربية متعددة فأين الملحون منها؟ وما موقع الأصوات النسائية داخله؟
ـ عرفت العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين حركة داخل الجمعيات والمنظمات الثقافية والفنية التي تهتم بالتراث الشعبي عامة وبالملحون خاصة.
وقد بادرت هذه التنظيمات إلى تأسيس فرق للملحون إلى جانب الجهد المتواضع الذي بذلته الدولة في بعض معاهد تكوين الموسيقى حيث خصصت برامج لتعليم الملحون، خاصة في مدينة مكناس. أما في الوسائل الإعلامية العمومية فإن الإذاعة الوطنية لعبت دورا كبيرا في صيانة هذا الثراث من خلال جوقها الذي يعود له الفضل في توفير كم هائل من الأشرطة الصوتية لهذا الفن. لكن للأسف لقد تم حل هذا الجوق بعد أن توفي جل أعضائه أو أحيلوا على المعاش، لكن من غير أن يتم التفكير في بعث هذا الجوق بطاقات شابة وما أكثرها.
ولقد دخل الملحون كمادة أدبية إلى الجامعة المغربية حيث ينجز الطلبة منذ عشرين سنة في مجموع كليات الآداب المغربية ما يفوق العشرين بحثا سنويا حول الملحون لنيل شهادة الإجازة أو الدكتوراه. ولقد ساهمت أكاديمية المملكة المغربية في توفير مرجع أساسي للملحون وهو كتاب «المعلمة» للأستاذ الكبير الراحل محمد الفاسي أكبر الباحثين في الملحون والمشجعين له والمدافعين عنه خاصة عندما كان وزير الشؤون الثقافية في الستينات.
ومواكبة لهذا الزخم النظري فإن مجموعة من التجارب حاولت الارتقاء بنوعية الأداء الفني للملحون حيث ظهرت مجموعة جيل جيلالة في بداية السبعينات والتي أعطت دفعة قوية للملحون من خلال إعادة تركيب الجمل الموسيقية واعتماد آلات عزف غير المستعملة تقليديا في الملحون، إضافة إلى اعتمادها الانشاد الجماعي والفصاحة في الالقاء. وقد تعززت هذه التجربة بالاضافات التي حققتها مجموعة ناس الغيوان في هذا المجال. وكان لعودة المرأة لإنشاد قصيدة الملحون أثر إيجابي في علاقته بالمتلقي، إذ شهدت فترة السبعينات اقدام المطربة بهيجة الإدريسي والمطربة المرحومة لطيفة أمل على إنشاد قصيدة الملحون في الوقت الذي كان فيه هذا النوع من الفن حكرا على الرجال. وجاءت التسعينات بأصوات نسائية جديدة منها على الخصوص ماجدة اليحياوي وثريا الحضراوي وغيرهما.
ويمكن اعتبار مدن مكناس وسلا وفاس ومراكش الآن مزودة أساسية للساحة الوطنية بأصوات جديدة خاصة أن هذه المدن لا تتوفر على مجموعة موسيقية بأصوات جديدة، خصوصا انها لا تتوفر على مجموعة موسيقية مختصة في هذا النوع من الطرب.
* ازدهر الملحون مع ظاهرة «نزهة شعبانة». هل مازال سكان العدوتين (الرباط وسلا) يحافظون على هذه العادة؟
ـ من مظاهر الاعتناء بالملحون حاليا إصرار بعض الجمعيات والمنظمات على تنظيم ملتقيات ومهرجانات خاصة بهذا الفن، سواء كانت ذات طابع رسمي كمهرجان سجلماسة للملحون الذي تنظمه سنويا وزارة الثقافة المغربية أو حفلات ولقاءات شعبية تقليدية كتلك الأمسيات الأسبوعية التي ينظمها المولعون بهذا الفن في بيوتهم بالتناوب ليلة كل جمعة. والسبب في اختيار ليلة الجمعة هو أن كل المنتمين لعائلة هذا الفن كانوا في الماضي من الحرفيين والصناع التقليديين الذين كان يوم عطلتهم الأسبوعية يوم الجمعة.
وتعتبر «نزهة شعبانة» تتويجا سنويا مهما لأنشطة عائلة الملحون في المغرب حيث دأبت هذه العائلة على استقبال شهر رمضان الكريم بتنظيم حفلات في الأسبوع الأخير من شعبان تسمى «شعبانة» قد تدوم يومين أو أكثر، وغالبا ما كانت تنظم خارج البيوت وخاصة في البساتين حيث يتفرغ المشاركون للغناء والترفيه والتمتع بملذات العيش في اشارة منهم إلى توديع هذه الملذات واستعدادهم لاستقبال رمضان بما يقتديه من صفاء ونقاء. وبحكم أن مدينتي الرباط وسلا تقعان على ضفتي نهر أبي رقراق فقد تميز حفل «شعبانة» بتنظيم خرجات في القوارب وقضاء يوم شعبانة فوق سطح الماء وإنشاد القصائد في جو طبيعي.
* أية علاقة تربط الملحون بالشعر والمسرح؟
ـ لقد تمت الاشارة إلى أن الملحون هو شعر شعبي، وأنه أقرب فنون القول الشعبي إلى الشعر العربي الفصيح، ورأينا كذلك أن له أغراضه وبحوره، كما أن له ارتباطاً وثيقاً بالمسرح حيث أنه تضمن من بين أغراضه غرضا يسمى «المحاورات»، أي القصائد التي تقوم على أساس الحوار بين شخصين أو أكثر. بل لقد توفق شاعر الملحون في أن يجعل هذا الحوار في قصيدته يتم بين عناصر غير أنسية حيث وجدنا قصائد المحاورات بين مظاهر الطبيعة كالليل والنهار، والشمس والقمر، وبين النبتات كمحاورات الورود والزهور وبين الحيوانات وخاصة الطيور.
وهناك محاورات بين الانسان ونفسه المجسدة في صورة شيء ما، غالبا ما يكون شمعة، وفي هذا المجال فقط أعطى فن الملحون روائع قصائد الشمعة الكثيرة والتي تعد قصيدة محمد بن علي ولد الرازين أفضلها وهي نفس القصيدة التي قدمتها مجموعة جيل جيلالة في السبعينات.
أما أقصى درجات المسرح في قصيدة الملحون وأروعها فإننا سنجدها في القصائد المسماة «الحراز» والتي تحكي قصة رجل تزوج من امرأة هي في نفس الوقت مغرمة بآخر، وهذا الآخر يعمل جاهدا لانتزاعها من زوجها بكل الوسائل والحيل. وقد سبق للطيب الصديقي أن أنجز عملا مهما في السبعينات وظف فيه كل أشكال الحراز في الملحون.
وهناك فرق مسرحية كثيرة استثمرت الملحون في تجاربها المسرحية سواء كمواضيع أو كمقامات موسيقية وإنشادات وخاصة في مدن سلا من خلال فرقة مسرح المبادرة ومراكش من خلال فرقة الوفاء المراكشية.
* الاندلسي الملحون في استقطاب الجمهور هل هو علاقة تكامل أو منافسة؟
ـ يجب التأكيد على أن دخول الطرب الأندلسي إلى المغرب ارتبط بدخول الموريسكيين، وقد تزامن مع ظهور شعر الملحون، وأن الطرب الأندلسي كان فن العائلات الارستقراطية ذات الأصول الموريسكية خصوصا في فاس وتطوان. أما الفئات المتوسطة المكونة من الحرفيين داخل المدن أساسا فقد كان الملحون هو فنهم. والعلاقة بين الفنين كانت علاقة تأثير وتأثر ولم تكن قطعا علاقة تنافر.
أما الآن فإن ظهور منشدين في الطرب الأندلسي يتمكنون بأصوات جميلة ويتقنون المواويل الشرقية التي ليست أندلسية طبعا، فقد ساعد على عودة الروح إلى هذا الفن وذيوعه أكثر وانتقاله نسبيا من فن العائلات التقليدية الأرستقراطية إلى فئات أوسع. أما الملحون فيمكن القول إنه لم يستفد من التكنولوجيات الحديثة في التسجيلات حيث مازال طابعه التقليدي في الإنشاد والعزف يحد من عينة جمهوره، مما يعني أن هذا الفن في حاجة ماسة الآن إلى تطوير شامل يأخذ بعين الاعتبار كل العناصر من عزف وصوت وإيقاعات.
* ماذا عن موقع الملحون داخل المعاهد الموسيقية؟
ـ يجب الاعتراف في البداية أن عدد المعاهد الموسيقية في المغرب قليل جدا وأنه من الصعب الحديث عن هذه المعاهد. وإن اختصاصات المعاهد ليست هي تعليم فن دون آخر وإنما تعليم المبادئ العامة للموسيقى. وبحكم أن الملحون هو كلام قبل كل شيء فإن المطلوب هو صيانة هذا الموروث وتوفيره في مطبوعات مرفوقة بتحقيقات وشروحات وتفسيرات. كما أنه من الضروري تقوية دور الجمعيات الأهلية في تعليم هذا الفن إلى جانب دور الدولة عموما.
* الملحون يدخل الألفية الثالثة، فماذا عن مناعته ومقاومته لاكتساح الأصناف العصرية الأخرى؟
ـ أعتقد أن الملحون الذي صمد أكثر من ستة قرون، لا يمكن إلا أن يواصل صموده قرونا أخرى. فهو جزء من الذاكرة المغربية والذاكرة بطبيعتها متواصلة، ولكن البقاء ليس هو الأهم وإنما الأهم هو البقاء بقوة وبتأثير كذلك ولضمان هذه القوة والتأثير فإن الملحون مطالب بأن يعصرن ذاته ويطورها ويجعلها قادرة على استيعاب الجديد تكنولوجياً ومعرفياً وأن يساير مجتمعه ويعبر عن قضاياه بأشكال ووسائل تتناسب مع كل ظرف على حدة