المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحمد مستجير ..العالم الشاعر


MOHAMED ALY
12/11/2006, 19h56
احمد مستجير ... أديب يتنكر فى صورة عالم


أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر.. وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في الـ نحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة؛ فأنا مطمئن أرنو إلى القلق" هذا هو أحمد مستجير كما يعرف نفسه، وكما لا يستطيع أحد غيره أن يعرفه.
ولد مستجير في ديسمبر 1934 بقرية الصلاحات - محافظة الدقهلية - شمال مصر، وفي المرحلة الثانوية اهتم مستجير بكتب البيولوجيا؛ لأنه أحب مدرسها "خليل أفندي" الذي تخرج في كلية الزراعة، فأحب مستجير أن يلتحق بنفس الكلية، افتتن بأستاذه في الكلية عبد الحليم الطوبجي أستاذ علم الوراثة، فسلك ذات التخصص، وبلغت ثقة "الطوبجي" في مستجير "الطالب" أنه لما احتاج أن يكتب مذكرة للطلاب ولم يكن وقته يسمح بذلك أعطى الطلاب ما كتبه أحمد في المحاضرات!
مؤثرات في تكوينه: الخضرة ووالده
أحب من صغره هذا اللون المبهر، وعن ذلك يقول: "أنحاز إلى الأرض الريفية؛ لأني ابنها، وربما كان تفوقي في كلية الفلاحين (الزراعة) بسبب عشقي للزراعة والخيال واللون الأخضر، والريف هو عشقي الأبدي ومنبع الرومانسية المتأججة بداخلي".
كما أثر فيه والده تأثيرا كبيرا، فقد كان والده قارئا نهما، ملأ المنزل بالكتب، فشابهه في حب القراءة كما شابهه في ملامحه الخلقية، وكان الأديب "كامل الكيلاني" صديقا لوالده فزوده بعشرات الكتب يشتريها له من المنصورة (إحدى المدن القريبة من قريته).
حين كان في العاشرة من عمره نهر مدرس اللغة الإنجليزية "شفيق أفندي" أحد التلاميذ قائلا: "روح موت"، ومضت ثلاثة أيام ولم يظهر يوسف وفي اليوم الرابع وصل للأطفال خبر موته، فبكى مستجير طويلا، واعتقد أن شفيق أفندي قتل زميله (!!)، ولم يكتف بالاعتقاد بل كتب خطابا لرئيس الوزراء أحمد ماهر باشا، لكن الناظر توفيق أفندي عفيفي حاول أن يقنعه بما حدث، ولكنه يقول عن نفسه: "لم أقتنع ساعتها أبدا"
.مستجير الإنسان
بعد أن تخرج مستجير الملقب بـ"الأديب المتنكر في صورة العالم"؛ نظراً لتعدد إسهاماته في أكثر من ميدان علمي وأدبـي وإنسانـي عام 1954، عمل مهندسا زراعيا لمدة 55 يوما فقط، تركت في نفسه أثرا كبيرا حيث تعامل مع الأرض بحب جارف. يذكر مستجير أنه أثناء إشرافه على الأرض لفت نظره طفل يجمع القطن، يقول إنه: "قرأ في وجهه وجه مصر؛ بهجة غامرة، وحزن بعيد وغامض وعميق"، فأعطاه قرشين، بعدها جاء مفتش من القاهرة وعلم ما فعله مستجير فعنفه وأوصاه أن يعامل الفلاحين بقسوة حتى يهابوه، ليلتها لم ينم وكتب في مفكرته: "هل تستلزم الوظيفة الجديدة قتل الإنسان داخلي؟.. هل يستكثرون أن يحظى الفلاح مني ببسمة؟ يكرهون أن يربت إنسان على كتف إنسان، أمن أجل 15 جنيها أحتاجها يقتلون فيَّ الإنسان؟"، ومن فوره ترك مستجير العمل.
بداية طريق العلم
التحق مستجير بالمركز القومي للبحوث عام 1955 ليحصل على الماجستير في تربية الدواجن من كلية الزراعة جامعة القاهرة سنة 1958 ويعمل معيدا بنفس الكلية، وفي هذه الفترة عرف من خلال قراءاته "آلان روبرتسون" أستاذ علم الوراثة البريطاني، فراسله وطلب منه مساعدته للالتحاق بمعهد الوراثة جامعة أدنبرة وقد كان.
ومن المواقف الطريفة التي أوقعته فيها جرأته أنه أثناء دراسته في المعهد ذهب إلى رئيس المعهد بروفيسور "وادنجتون" يشتكي من عدم فهمه شرح أحد الأساتذة؛ فاستدعاه على الفور وواجههما معا، وكانت النتيجة عقوبة قراءة كتاب إضافي مكون من 400 صفحة!".
حصل عام 1961 على دبلوم وراثة الحيوان بامتياز، وكانت المرة الأولى في تاريخ المعهد أن يحصل طالب على هذا التقدير.. ثم بدأ العمل للدكتوراة مع أستاذه "آلان روبرتسون"، وعنه يقول مستجير: "ذلك الرجل الذي سافرت كي أتتلمذ على يديه، أصبح عندي بعد أن عرفته المثال الحق لرجل العلم! تواضعا وحبا للخير، كان أذكى من قابلت في حياتي".
ولا ينسى مستجير يوم أن ذهب إلى سكرتيرة المعهد لتكتب له رسالة الدكتوراة، فاعتذرت عن كتابتها لأن بها جزءًا كبيرًا من المعادلات الجبرية، فخرج حزينا، وعلى باب مكتبها قابله روبرتسون، ولما عرف سبب حزنه أخبره أنه سيجعل زوجته تكتب رسالته، ونظرًا لهذه العلاقة الراقية التي نشأت بين أستاذ وتلميذه فبعد حصوله على الدكتوراة عام 1963 وعودته إلى وطنه لم تنقطع صلته بأستاذه، "بعد عودتي من أدنبرة كنت أتلقى منه في كل عيد بطاقة تهنئة بخطه الجميل، إلى أن توفي في أغسطس 1990".

http://www.islamonline.net/Arabic/famous/2003/01/article02.shtml (http://www.islamonline.net/Arabic/famous/2003/01/article02.shtml)

MOHAMED ALY
12/11/2006, 20h37
احمد مستجير ... أديب يتنكر فى صورة عالم ( 2 )



القرية الصغيرة الظالمة!!
حين كان يتابع نشرة الأخبار، ويسمع كيف أصبح العالم قرية صغيرة، كان يصرخ –بحسه الشاعري- ما أظلمها من قرية تلك التي تدع أطفالا تحولوا بفعل الجوع إلى هياكل عظمية؛ ولذا كان الأمل الذي يرفرف بين ضلوعه أن يقوم العلم بدوره الحقيقي في إنقاذ أرواح ملايين البشر، وتوفير الغذاء لمن يموتون جوعا، فحشد جهوده في تطوير مفهوم الزراعة واستنباط أنواع جديدة من المحاصيل والإنتاج الحيواني فأسس مركز علوم الوراثة وأصبح رائد علم الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي.
يردد مستجير دائمًا: "في عالمنا الآن أطفال يولدون للشقاء، لليل طويل بلا نهاية! في جعبة العلم الكثير الكثير، في جعبته طعام وبسمة لكل فم".
يرى أن البيوتكنولوجيا تستطيع إسعاد الفقراء، فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية - وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، والبشر يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، من هنا بدأ د. مستجير في استنباط سلالات من القمح و الأرز تتحمل الملوحة و الجفاف .. يقول مستجير: "إننا نتبنى حاليا التكنولوجيات التي تصلح لحل مشاكلنا الخاصة ببلادنا، فلو عرفنا الاستغلال الأمثل لمياه البحر في الري، لتمكننا من إنتاج أصناف من المحاصيل الزراعية التي تتحمل الملوحة والجفاف".
وتبرز أهمية هذه التجربة بعد قيام الشركات الأمريكية بإنتاج بذور عقيمة صالحة للإنتاج، ولكن لا تصلح للاستنبات مرة أخرى، وهو ما يحرم الفلاح من حقه الأزلي في الاحتفاظ بكمية من البذور لزرعها في الموسم القادم، ويجعل أمريكا تتحكم في المستقبل الغذائي للبشرية، وقد أطلق مستجير على هذه البذور ( يذور الشيطان ) محذرا من خطرها على زراعتنا واقتصادنا.. ولمستجير تاريخ حافل سواء في مسيرته العلميه او مؤلفاته او الجوائز التى حصل عليها.
مستجير.. شاعرًا مجيدًا
كان أحمد محمود أعز أصدقاء مستجير صديقا للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، تزاملا بمدرسة الزقازيق الثانوية، وكانت قصيدة "الملك لك" لصلاح عبد الصبور هي أول قصيدة من الشعر الحر يقرؤها مستجير، بعدها أحبهما (الشعر الحر وصلاح عبد الصبور). وكتب مستجير أول مرة في حياته قصيدة من الشعر الحر بعنوان "غدا نلتقي"، وطلب من صديقه أحمد أن يصطحبه ليقرأها أمام صلاح.
قرأ مستجير القصيدة فى خجل متخوفا أن يكون قد أصاب عبد الصبور بالملل، أما الشاعر فقد ظل صامتا إلى أن وصل مستجير لقوله "... فأصل المياه بكاء المحبين منذ القدم"، هنا نظر عبد الصبور إلى صديقه وقال: "كاتب هذه القصيدة شاعر" يومها طار مستجير فرحا، وبدأ يكتب الشعر وقد أصدر ديوانين هما: "عزف ناي قديم"، و"هل ترجع أسراب البط؟.
ومن أبرز جهوده الأدبية كتاباته في عروض الشعر، وضع في إحداها نظرية علمية رياضية لدراسة عروض الشعر العربي وإيقاعاته الموسيقية أودعها في كتابه "مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي"، قدم فيها رؤية مختلفة في موسيقى الشعر، من شأنها أن تبسط أمره لكل من يود معرفته، عوضًا عن الطريقة التقليدية التي تعتمد على التفعيلات والتي تقوم على الذوق أساسًا.
زوجتي.. عميدة حياتي
يقول الدكتور أحمد مستجير: لحسن حظي أن زوجتي امرأة عظيمة تعرف كيف تدفعني للأمام، رغم أنها أوربية التقيت بها أثناء دراستي هناك وتزوجتها عام 1965، فإنها لم تتردد لحظة في ترك بلادها من أجلي، إن من أسرار نجاحي وجود مثل هذه الزوجة في حياتي، فإذا كانت عمادتي لكلية الزراعة استمرت 9 سنوات فإن زوجتي عميدة حياتي لأكثر من 35 عاما.
لدى مستجير 3 أبناء: طارق مهندس يعمل في الكمبيوتر والبرمجة، وسلمى معها ماجستير في اللغة الألمانية، ومروة تعمل في البيولوجيا الجزئية، وقد اكتشفت مع فريق الباحثين معها في فيينا أحد الجينات الوراثية التي تزيد من احتمال إصابة الإنسان بسرطان القولون والرئة.. فهل تكون مروة وريثة أبيها في كنزه العلمي؟ هذا ما قد تثبته الأيام.

http://www.islamonline.net/Arabic/famous/2003/01/article02.shtml (http://www.islamonline.net/Arabic/famous/2003/01/article02.shtml)

MOHAMED ALY
12/11/2006, 20h42
احمد مستجير ... أديب يتنكر فى صورة عالم ( 3 )


مسيرته العلمية
عمل مستجير مدرسا بكلية الزراعة جامعة القاهرة سنة 1964، ثم أستاذا مساعدا عام 1971، ثم أستاذا سنة 1974، ثم أصبح عميدا للكلية من سنة 1986 إلى سنة 1995، ثم أستاذا متفرغا بها حتى الآن، كما أنه عضو في 12 هيئة وجمعية علمية وثقافية، منها: مجمع الخالدين، والجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيواني، والجمعية المصرية للعلوم الوراثية، واتحاد الكتاب، ولجنة المعجم العربي الزراعي، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، حصل على العديد من الجوائز، منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وجائزتَـيْ الدولة التشجيعية والتقديرية.

بعض مؤلفات مستجير

كتب مؤلفة فى التحسين الوراثي للحيوان:
1- مقدمة في علم تربية الحيوان.
2- دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن.
3- التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة.
4- النواحي التطبيقية في تحسين الحيوان والدواجن.

كتب مترجمة في العلوم والفلسفة:
1- قصة الكم الكثيرة.
2- المشاكل الفلسفية للعلوم النووية.
3- الربيع الصامت.
4- صراع العلم والمجتمع.
5- صناعة الحياة.
6- التطور الحضاري للإنسان.
7- طبيعة الحياة.
8- البذور الكونية.
9- هندسة الحياة.
10- لغة الجينات.
11- الشفرة الوراثية للإنسان.
12- عصر الجينات والإلكترونات.
13- طعامنا المهندس وراثيا.
14- الجينات والشعوب واللغات.

كتب مؤلفة في الأدب والثقافة العلمية:
1- في بحور الشعر - الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي.
2- عزف ناي قديم (ديوان شعر).
3- مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي.
4- هل ترجع أسراب البط؟ ( ديوان شعر).
5- أحاديث الإثنين.
6- في بحور العلم.
7- القرصنة الوراثية.

كتب مترجمة في الأدب:
1- ثلاثة رجال في قارب.
2- أفكار تافهة لرجل كسول.


بعض الجوائز التي حصل عليها
- جائزة الدولة التشجيعية للعلوم والزراعة 1974م.
- وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1974م.
- جائزة أفضل كتاب علمي مترجم 1993م.
- جائزة الإبداع العلمي 1995م.
- جائزة أفضل كتاب علمي عام 1996م.
- جائزة الدولة التقديرية لعلوم الزراعة عام 1996م.
- وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1996م.
- جائزة أفضل كتاب علمي لعام 1999م.
- جائزة أفضل عمل ثقافي لعام 2000م.
- جائزة مبارك في العلوم والتكنولوجيا المتقدمة لعام 2001م.
http://www.islamonline.net/Arabic/famous/2003/01/article02.shtml (http://www.islamonline.net/Arabic/famous/2003/01/article02.shtml)

MOHAMED ALY
13/11/2006, 21h27
د. أحمد مستجير... عالم إحترف الدهشة

حارب الخرافة وإنتصر للفقراء وكتب الشعر وجعل الهندسة الوراثية فى خدمة البسطاء.

- بكى على أطفال لبنان وقال لإبنه "دول فى عمر أحفادى" قبل أن تنفجر شرايين مخه.
- فى إحدى رحلاته للفيوم إكتشف سر زراعة الأرز فى المياه المالحة.
* "دول فى عمر أحفادى" آخر جملة قالها د.أحمد مستجير أمام التليفزيون وهو يبكى على ضحايا الحرب اللبنانية، قالها لإبنه طارق قبل أن تنفجر شرايين المخ وينتقل صديقى وأستاذى العزيز العظيم عالم الهندسة الوراثية إلى العناية المركزة بإحدى مستشفيات النمسا مكبلاً بأجهزة التنفس الصناعى ليموت بعدها ويرحل عنا هذا الرجل الجميل الذى لابد أن أحكى لكم عنه، وتحكون أنتم عنه لأولادكم وأشقائكم، عن رجل عشق مصر حتى النخاع، عشقها بالعمل والعلم وليس بالأغانى والأناشيد.
"إنه الحكيم الذى يشبه الطفل " هذا هو ماقاله الشاعر وليام كاوبر عن العالم الإنجليزى نيوتن، وهى عبارة تنطبق ربما بصورة أكبر وأدق على عالمنا المصرى الكبير د. أحمد مستجير، هذا الرجل الذى برغم إكليل الشعر الأبيض الذى يتوج رأسه إلا أن قلبه مازال يحمل شقاوة الأطفال ودهشتهم وبراءتهم، وهو قد إستفاد من هذا الطفل الكامن فى بناء صرحه العلمى الشامخ، فقدرة هذا الطفل الفذة واللامحدودة على الدهشة هى التى دفعته دوماً للتساؤل.
* الطفل إبن الثانيه والسبعين عندما كان يتسلم أرفع جائزة مصرية ، ألمح غلالة دموع تغلف إبتسامته التى دوماً تنضح تفاؤلاً أراه أنا فى أحيان كثيرة غير مبرر ، وكأننى أسمعه يهمس بعد أن أنهكته المسيرة الطويلة " ياه معقول لسه فيه حد فى مصر بيقدر العلم والعلماء!! "، أرى قامته الطويلة التى لم تنحنى إلا للرب ولميكرسكوب المعمل، أراها تنبض بالمهابة وأيضاً بالخجل، ويده القوية الضخمة التى تصافحك فتتعطر بفتوتها إحتضنت الجميع بحميمية، وبشرته التى لفحتها شمس الوادى قرأ الكل عليها حروف العشق لهذا الوطن الذى مازال فى القلب برغم أن الكثيرين من حوله قد حولوه إلى مجرد ورقة بنكنوت وصفقة سمسرة، للحظة تجسدت ملامح الوطن فى ملامح وجهه وإختلطت تضاريس المحروسة بخطوط الزمن على لوحة جدارية ضخمة إسمها أحمد مستجير.
* غلالة الدموع التى لمحتها تغلف المآقى يوم الجائزة لم تكن هى الأولى فى حياته، فالدموع والشجن لهما قصة طويلة مع د.مستجير، والبكاء كما أنه يغسل القلب فإنه أيضاً يحدد المسار ويرسم المسيرة، كان اللقاء الأول مع الدموع فى العاشرة من عمره وفى مدرسة المطرية دقهلية نهر شفيق أفندى مدرس اللغة الإنجليزية صديقه يوسف شطا عندما أخطأ فى إجابة أحد الأسئلة وزجره قائلاً " روح موت "، ومضت ثلاثة أيام ولم يظهر يوسف، وفى اليوم الرابع وصله خبر موته، وأيقن الصبى مستجير أن شفيق أفندى قد قتل صديقه فبكى بحرقة وقرر فى الفسحة أن يكتب خطاباً لأحمد ماهر باشا رئيس الوزراء شاكياً هذا القاتل، وفى جنازة صديقه كانت السماء تمطر، وشارك الطفل السماء فى بكائها على يوسف، ليظل د.مستجير طوال عمره على يقينه الثابت بأن الكلمات من الممكن أن تقتل، ولهذا فإنه يحمل للكلمات نفس القدر من الإحترام وأيضاً الخوف.
واللقاء الثانى مع الدموع كان عندما إلتقى الشاب أحمد مستجير إبن قرية الصلاحات بدكرنس بأطفال عزبة "الربعمية " المجاورة لقريته، كان حينها قد عين فى الإصلاح الزراعى بعد تخرجه من الكلية، وفى مشاويره اليومية كان يشاهد الأطفال وهم يجمعون القطن وكان يداعبهم بحب، يشم فى عرقهم عطر الوطن وقسوته أيضاً، نفح أحد هؤلاء الأطفال قرشين، ولم يعرف أن هذين القرشين يمثلان كارثة، فقد علم المفتش بهذه الحادثة وعنف الشاب مستجير قائلاً " لايصح أن تعامل الفلاحين هكذا لابد أن يخشاك الناس هنا حتى تحفظ هيبتك، لايجوز أن يحسوا أن لك قلباً رحيماً، ولاأحب أن أسمع أنك كررتها ثانية!!!!"، وبكى الشاب اليافع البرئ وصرخ " ياأيتها الشمس الغاربة، لماذا تكون الحياة هكذا؟، أيستكثرون أن يحظى منا فلاح ببسمة؟!، أو بكلمة حلوة، يكرهون أن يربت إنسان على كتف إنسان، يريدون أن يقتلوا فينا الطيبة وحب الناس" وتساءل "من نحن سوى الآخرين، بدونهم لسنا بشراً، لايصح أن نكون، أمن أجل خمسة عشر جنيهاً يقتلون فىّ الإنسان؟ "، وقرر الشاب أن يهجر هذا العمل وأن يدوس على تلك الجنيهات الملوثة بآهات هؤلاء البسطاء وأن يشترى نقاء روحه، وعرف كما قال فى إحدى مقالاته أن الإنسانية قبل العلم وقبل الشعر.
وبعد أن حزم حقائبه إلى أدنبرة فى أواخر سبتمبر 1960 لإستكمال دراسته فى معهد الوراثه، كان هناك موعد آخر مع الدموع، ولكنها هذه المرة دموع الفرح عندما حصل على الدكتوراه فى 14 نوفمبر 1963، وبرغم أنه قبلها حصل على الدبلومة بشهادة الإمتياز لأول مرة فى تاريخ المعهد، وحصل أيضاً على ثقة أستاذه ألان روبرتسون، ولكن طعم العناد ورائحة التعب التى إنبعثت من حبر الرسالة التى لم يصوب فيها المشرف إلا ثمان كلمات فقط، كل هذا جعل الفرح مغموساً فى ملح الدمع والشجن، ولكن الدموع كانت أقوى وأغزر حين عاد بعدها إلى أدنبرة بحوالى ربع قرن مع زوجته وقاما بزيارة منزل أستاذه، وعرف منها قصة موته الميلودرامية حين كان يلقى بمحاضرته وفجأة صمت وصرخ فى الحضور من أنتم؟وأين أنا؟، وإنقلب طفلاً صغيراً يتصرف برعونة الصغار وحمقهم، إنه أصيب بمرض وراثى خطير، بكى أمام زوجة أستاذه وصرخ مردداً كلمات قصيدة فاروق شوشة: كم أنت قاسٍ أيها الموت 00كم أنت قاسٍ أيها الموت، ومن يومها قرر أن تكون أهم سطور رسالة حياته هى دراسة الأمراض الوراثية للإنسان.
د. خالد منتصر
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/170376.htm (http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/170376.htm)

MOHAMED ALY
13/11/2006, 21h30
د. أحمد مستجير... عالم إحترف الدهشة ( 2 )



لأنه يحب البشر أحب علم الوراثة، ولأنه يعشق الحياة فقد جعل علم الوراثة عشقه ومهنته، ولم ينس د.مستجير طوال رحلته أن داخله شاعر، وظلت أصداء قصيدة الشاعر أودن تتردد داخله:
العلم كالفن.. لهو.. لعب بالحقائق
وليس لأية لعبة
أن تدعى القدرة على حل أحجية الأحاجى:
"ماهى الحياة الحقة؟"
ويظل اللغز يكبر ويكبر، وعلامة الإستفهام تخرج لسانها لعالمنا الجليل وتستفزه، وتستدعى كلمات "جوته" فى رائعته "فاوست":
إن من يصف ويدرس ماهو حى
يفتش عن الروح أولاً
فلايبقى بين يديه غير شظايا
تفتقر - يالوعتى –إلى رباط الروح.
وتقف هذه القامة العملاقة أمام أسئلة الحياة فى حيرة وقلق، ولكن برغم كل شئ وأى شئ لايفقد أبداً تواضعه الجم و دهشته الطفولية التى تجعله يردد كلمات نيوتن " لست أدرى كيف أبدو بالنسبة للعالم، ولكنى أبدو لنفسى كطفل يلهو على شاطئ البحر، يتسلى بين الحين والآخر بإكتشاف حصاة أنعم أو صدفة أجمل، بينما يقف محيط الحقيقة بأكمله غامضاً غير مكتشف أمام ناظرى ".
ولكى يسبح د.مستجير فى محيط الحقيقة كان عليه أن يتزود بزاد يكفيه فى رحلته المنهكة المليئة بالأنواء والأمواج، وكان فى كل محطاته "الألفة " دائماً، بداية من حصوله على بكالوريوس كلية الزراعة 1954، إلى أن حصل على جائزة مبارك، مروراً بعمادته لكلية الزراعة من 1986 حتى 1995، وجائزة الدولة التشجيعية 1974، ووسام العلوم والفنون 1974، وجائزة أفضل ترجمة علمية 1993، وجائزة الإبداع العلمى 1995، وجائزة الدولة التقديرية 1996، ثم وسام العلوم والفنون للمرة الثانية 1996، وجائزة أفضل عمل ثقافى 2000.
وكما سرق برومثيوس نار المعرفة ليهديها للبشر، أعطانا الحكيم الطفل شعلة الثقافة العلمية التى نذر لها حياته، أعطاها لنا فى عشرات الألاف من الصفحات التى خطها قلمه وأبدعتها قريحته، فقد بدأ د.مستجير مشوار التأليف والترجمة فى 1966 بكتابه مقدمة فى علم تربية الحيوان، ثم توالت الجواهر فى عقد فريد مازال يتلألأ على جيد الزمن، بداية من كتبه الجامعية حتى كتابه المترجم عن السوبرمان، مروراً بالربيع الصامت وصناعة الحياة وطبيعة الحياة وهندسة الحياة وعقل جديد لعالم جديد ولغة الجينات وبحثاً عن عالم أفضل والشفرة الوراثية للإنسان، والطريق إلى دوللى ومن يخاف إستنساخ الإنسان وهمس من الماضى 000الخ.
أتذكر جيداً رده المفحم على أحد الأرستقراطيين عندما شتم الهندسة الوراثية وأخذ عليها إنتاج طماطم جامدة مش زى بتاعة زمان، رد عليه العالم بحسم إحنا عايزين نأكل الناس الفقرا اللى بيزيدوا بالملايين فلازم نعمل طماطم تستحمل حتى ولو كان طعمها مش زى زمان، رد إنسانى قبل أن يكون رداً علمياً، فهو يبحث ويكتشف لكى يأكل الغلابة لالكى يجعل علمه مطية لرفاهية أغنياء الحرب وأثرياء العصر الجديد ، وحتى تأملاته أخضعها لمصلحة الناس البسطاء ففى إحدى سفرياته على الطريق الصحراوى إلى الأسكندرية لاحظ كثافة الغاب والبوص فى الملاحات ونموه برغم نسبة الملح المرتفعة، فلمعت فى ذهنه الفكرة التى ينفذها الآن فى الفيوم بإمكانية زراعة القمح والأرز فى الأرض المالحة بالتهجين الخضرى مع الغاب، وحلمه الذى أراد تنفيذه بأسرع وقت هو إثراء الفول البلدى بحامض الميثونين الأمينى لتقترب قيمته الغذائية من اللحم أى أنه يريد تحويل طبلية الغلابة والحرافيش إلى سفرة البهوات والمستورين، وكان من أحلامه أيضاً إدخال جين مقاومة فيروس الإلتهاب الكبدى أكبر عدو لأبناء المحروسة إلى الموز، وغيرها من الأحلام التى هاجسها الوحيد فقراء هذا الوطن الذى يتخلى عنهم الجميع بمن فيهم العلماء الذين فضلوا تكييفات الخليج وريالاته على غيطان الفلاحين، وقطعوا حبالهم السرية لكى يرضعوا الهامبورجر والكاتشاب!!!.
يقول د.مستجير " فى جوف كل عالم شاعر هو الذى يأخذه إلى طريق الأحلام والأوهام ليخلق منها علماً حقاً، لاعلم بلاخيال، ولاشعر بلاخيال، وشطحات الشاعر هى نفسها شطحات العالم "، وعاش الشاعر بداخل العالم د.مستجير يداعبه من حين إلى آخر، وظل الشعر الرومانسى هو الجزيرة التى يتمدد العالم مسترخياً على رمالها، خالعاً كل طبقات التكلس التى تريد خنق مشاعره، ومن فرط حبه فى الشعر إبتكر وزناً جديداً فى كتاباته العروضية التى أزعجت التقليديين ممن يتبنون نظرية ليس فى الإمكان أبدع مماكان، أثبت لهم الحكيم الطفل بأحلامه العريضة التى تسع الكون أنه فى الإمكان دوماً أبدع مما كان، وأظن أن دهشتكم لن تقل عن دهشتى إذا تخيلتم هذا العالم الجليل وهو فى معمله يتعامل مع الخلية بكل غموضها وجلالها وهو يردد فى نفس الوقت هذه الأبيات الشعرية البديعة:
لورمنا نبكى كل الأزهار الذابلة
بدرب العمر لماإسطعنا
لكن هناك لكل منا زهرة
يرويه سره
يخشى لماتذبل أن تذروها الريح
يحضنها.. يندبها.. يذرف دمعه
يشعل شمعه
ويرتل من أنغام الناى صلاته
ثم يوسدها فى صمت قلبه
ويعيش بقية عمره يحمل جثته فى صدره.

بكيت بعد قراءة قصيدتك يا د.مستجير وتمنيت أن تصل دموعى إلى نفس درجة نقاء وصدق دموعك، ولك منى كل الحب وأعدك ألا تذبل زهرة الأمل أو تنطفئ شمعة الأمنيات فقد تعلمنا منك حرفة التفاؤل حتى ولو كان الواقع مريراً.

د. خالد منتصر
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/170376.htm (http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/170376.htm)

أيمن الباشا
14/11/2006, 20h39
فعلا موضوع قيم
انا قرأت له بعض الترجمات في سلسلة مكتبة الأسرة
ولا حظت ان اسلوبه في الترجمة متميز وفيه حس أدبي عالي
دون التقيد بحرفية الترجمة المملة

شكرا جزيلا

MOHAMED ALY
14/11/2006, 21h21
زهرة العمر


لو رُمْنا نبكي كلَّ الأزهارِ الذابلة بدرب العمرِ، لما اسطعنا
لكنَّ هناك لكل منَّا زهره..
يرويها سرَّهْ..
يخشى - إذ تذبلُ - أن تذروها الريحْ
يحضنُها
يندبُها..
يذرفُ دمعهْ...!
يُشعل شمعه..
ويرتّلُ من أشجان النايِ صلاتَهْ..
ثم.. يوسّدها، في صمتٍ، قلبَهْ
ويعيش بقيّةَ عمرِهْ
يحملُ جُثَّته في صدرِهْ!.

د . احمد مستجير

MOHAMED ALY
14/11/2006, 21h30
غدا نلتقى

أخي اعشق، وغنِّ، وهات الدموع!
وعش في الحياة!
فلا كان عيش كدود القبور!
***
ولا تسأل يا صاحبي من أحب؟
ستعشق يا صاحبي واحدة
ككل النساء!
ولكنها لن تكون لديك ككل النساء!
سترنو إليها كأصل الجمال
كنبع الجمال
وننسى جذور الجمال هناك بعيدا بجوف الطبيعة
فتنسى المياه وعطر المروج
وتنسى السماء وسحر النجوم
وتنسى القمر
أخي انظر إليها وحيِّ الجمال!
وخلِّ الطبيعة أصل الجمال!
***
أخي اجلس بليل عميق السواد
يجلله لؤلؤ من نجوم
لتصغى إلى همسات النسيم
وهذي الضفادع حين تنادي
وتلك الجنادب حين تصيح!
وغنِّ مع الناي يا صاحبي
لتسمع صوت الحياة ينادي
وصوت الحبيبة يا صاحبي
أتهتف...... إني أهيم به؟
أصوت الحبيبة يا صاحبي
سيعلو على همسات الحياة؟
***
أخي انظر لهذي السماء طويلا
وكيف تزغرد فيها الطيور
لهذي الشجيرات حين تميل
وهذي الزوارق حين تسير
وهذي المياه!
فأصل المياه بكاء المحبين منذ القدم
تجمع في مثل هذا الغدير
ليجري، فيملأ أرضا بزرع نضير
وزهر يضوع!
هدوء الحبيبة يا صاحبي
أتهتف.. إني أهيم به؟
وهذا الجلال.. هدوء الطبيعة..
أما فيه يا خل كل الجمال؟
***
أخي يا رفيق
لتشهد يوما هياج المياه
وكيف ستقذف بالزورق؟
فيصرخ يا صاحبي صرخة
تضيع بعيدا
أخي انظر إلى الريح حين تثور
وكيف تبعثر هذي الطيور..
فتسمع أناتها في الفضاء
وهذا الشجر
ستسقط أوراقه الذابلات
لتشدو -على الأرض- لحنا حزينا
يضيع مع الريح حين تروح!
أخي ابك هنا!
اهجر الحبيبة يا صاحبي
يزيد الدموع..
وهذي الطبيعة
أما تستحق عصي الدموع؟
***
ولكنك يا صديقي عشقت!
وكان الجمال جمال الحبيب
ولم يشجني غير صوت الحبيب
وكان الهدوء هدوء الحبيب
ولم أبك إلا على هجره..
أيا صاحبي، وعشقت البكاء!
وسالت دموعي..
لتنعى معي عهد هذا الغرام
.. فلما أفقت...
.. وجدت القمر!
أخي والشجر!
وصوت الجنادب والضفدع!
وهمس الشجيرات قرب الغدير
وشدو وريقاتها الذابلة!
شدوت أنا..
أنا مثلها.. ذابل يا رفيق!
حنوت عليها..
قبضت على حفنة في يدي
وألقيتها في مياه الغدير
وقلت.. سلاما
غدا نلتقي!

د . احمد مستجير

MOHAMED ALY
16/11/2006, 19h44
د. مستجير: أعشق الروايات البوليسية وأخجل من نشر أشعاري


دكتور أحمد مستجير يبهر الكثيرين بتعدد اهتماماته وإجادتها بشكل مذهل.. فهو بالأساس أستاذ لعلم الوراثة بكلية الزراعة جامعة القاهرة، وله اسهامات كثيرة فى أبحاث الهندسة الوراثية لدى الحيوان والنبات.. ود.مستجير يكتب فى مجال الثقافة العلمية بأسلوب سهل ممتنع.. وخاصة مقالاته المتميزة عن الجينوم أو المادة الوراثية الموجودة فى نواة خلايا الكائن الحي، وتحمل جينات الصفات الكائنات الحية.. د.مستجير عالم ومفكر وشاعر وباحث فى علم اللغة ومترجم.. وإضافة لذلك له ما يزيد على 57 كتابا بين مترجم ومؤلف، فى العلوم والفلسفة، والأدب.. أحدثها كتاب سلسلة أقرأ بعنوان علم اسمه الضحك وكتاب صدر أول أمس بعنوان الطريق إلى السوبر مان عن مؤسسة سطور.. د.أحمد مستجير هو أحد جهابذة العربية الأجلاء.. إضافة لامتلاكه ناصية الشعر له ديوانان عزف ناى قديم صدر عام 1980وهل ترجع أسراب البط صدر عام 1989. كذلك له كتاب شديد الأهمية فى علم العروض.. كتبه بقلم مستجير العالم، استخدم فيه المنهج الرياضى وتقنيات الكومبيوتر.. ود.مستجير عضو بمجمع اللغة العربية وعضو بالمجمع العلمي، فضلا عن مشاركاته الدائمة فى المؤتمرات والمحافل الثقافية والعلمية فى مصر والعالم العربي.. حصل عام 1997 على جائزة الدولة التقديرية باعتباره عالما بارزا متخصصا فى أبحاث الهندسة الوراثية.. كما حصل على وسام العلوم والفنون مرتين عام 1974 وعام 1996 كما حصل على جائزة مبارك للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة عام 2001 والحديث مع عالم ومفكر ومبدع بقامة د.مستجير مشوق لأى محاور لأن هناك عشرات المواضيع يمكن التطرق إليها.. من العلم إلى اللغة إلى المشاعر الإنسانية..
ولأن العصر هو عصر المعلومات والتفكير العلمى وتكنولوجيا الاتصال والهندسة الوراثية.. ولأننا لا نعرف بعد موقع أقدامنا من هذا العصر الذى تهب علينا رياحه بعنف تكتسح الأمم الخاملة.. لذلك بادرته قائلة:
- د.مستجير أين نحن من الثورة العلمية الحديثة؟
-- العلم يتطور بشكل كبير ونحن نلوك ونكرر ما قلناه..
- ماذا تقصد؟!
-- الثورة العلمية الآن هى ثورة الإلكترونات والجينات ونحن مازلنا بعيدين عن هذا المجال.. ومن دخلوا منا فيه قليلون جدا.
- إذن كيف يمكن الدخول فى هذا المجال بشكل أوسع؟
-- هذه عملية صعبة جدا..
- وما صعوبتها إذا كان لدينا علماء أجلاء وأنت واحد منهم؟
-- الصعوبة تكمن فى أن علينا تغيير المجتمع.. لنعرف كيف نفكر بشكل علمى فى مشاكلنا.. خاصة أن مشاكل مصر أصبحت أعقد من أن تحل بالعلم التقليدي.. لهذا نحن بحاجة إلى جيل جديد من الباحثين.
- إذن كيف يمكن نخرج مثل هذا الجيل من الباحثين؟
-- علينا عمل ثورة بعثات علمية مثلما حدث أيام عبد الناصر فى الستينات.. نبعث ثلاثة آلاف باحث لتعلم الجديد فى العلوم الحديثة.. لو خرج من بينهم خمسمائة عالم وباحث فسيغيرون الدنيا..
- ألا يوجد لدينا أبحاث علمية جيدة؟
-- حتى فترة قريبة كان البحث يسير بشكل جيد إلى أن زادت كمية الباحثين دون إنتاج حقيقي.. وأصبح بينهم صراع على الماديات والمراكز، وأصبح الكثيرون منهم لا يفكرون فى العلم بل فى مشاكلهم الخاصة.. ونتيجة لذلك كثرت المجلات العلمية، التى ينشر فيها أى كلام.. ومع الوقت يتصور أنها أبحاث، لهذا تدهور المستوى العلمى للبحوث المصرية..
- ألا ترى أن الدولة مسئولة عن هذا التدهور؟
-- طبعا الدولة مسئولة.. فتدهور المستوى العلمى للبحوث المصرية، بدأ منذ أن خرج للوجود قانون الجامعات.. وتم فتح باب الترقيات.. وأصبح الباحث يعمل بحثه من أجل الترقية، وليس من أجل النتيجة العلمية، إضافة إلى أن الباحث صار يرقى إلى درجة الأستاذية فى سن الأربعين.. وبعد ذلك يتوقف عن الأبحاث لأنه لم يعد بحاجة لترقية..
- إذن ما الحل.. هل نوقف مثل هذه الأبحاث أما ماذا؟
-- أرى أنه يجب إرسال أبحاثنا للخارج لنشرها فى المجلات والمراجع الأجنبية المشهورة.. بعد ذلك يمكن اعتمادها فى مصر..
- وماذا عن المجلات العلمية المصرية؟
-- تغلق..
- تغلق؟
-- نعم يجب أن نغلق جميع المجلات العلمية فى مصر، ولمدة خمس سنين.. إلى أن نصعد بمستوى الأبحاث..
- كنا فى بداية القرن فى طريقنا للتفكير العلمي.. الآن تراجع التفكير العلمي.. وسيطرت الخرافة فما السبب؟
-- هذا سؤال صعب جدا.. أتصور أن السبب هو عقلية الزحام التى تسيطر على تفكيرنا، إضافة إلى انحطاط مستوى التعليم بشكل مخيف.. فما معنى أن يحصل الطالب على 99% ويدخل إحدى كليات القمة ثم يخطيء فى الإملاء.. إضافة لذلك القيم التى تنقلها وسائل الإعلام تزيد من جهل الناس وتعمق الخرافة والدجل.. وأنا لا أفهم كيف يكون لدينا قناة ثقافية وليس فى مجلسها واحد له فى العلم! إنهم يتصورون أن الثقافة هى الأدب والفنون فقط!!
- د.مستجير أنت سافرت عام 1960 إلى إدنبره فى أسكتلندا وفى عام 1961 حصلت على دبلوم وراثة الحيوان من معهد الوراثة جامعة إدنبره، ثم حصلت على دكتوراه فى نفس التخصص عام 1963، مما يؤكد تفوقك، بعض ممن يحصلون على مثل هذه الشهادات يظلون فى الخارج ألم تفكر فى ذلك؟
-- فعلا هم عرضوا على أن أظل هناك لكنى رفضت..
- لماذا رفضت؟
-- أنا من قرية اسمها الصلحات بجوار مدينة المنصورة، وحتى الثانوية كنت أعيش فى المنصورة ثم حضرت القاهرة بعد حصولى على الدكتوراه..
- وما علاقة المنصورة والصلحات بأن تظل فى أسكتلندا؟
-- أقصد أنى مرتبط بالأرض والوطن مانفعش.. لايمكن أتخيل نفسى فى مكان آخر غير مصر.. مصر دى بلدى ومكاني.. ولا فكاك من عشقها ولا أريد فكاكا!
-هل هذا خيال الشعراء..؟
-- بل حب العلماء
- وهل العلماء يحبون؟
-- غريب سؤالك.. أليسوا بشرا.. ثم إن الحب أساس العلم..
- د.مستجير.. دعنا ننحى الحب جانبا بعض الوقت لنعود له بعد قليل.. لكن الآن أنا مندهشة من جمعك بين تخصصك الدقيق فى العلم.. وبين الأدب وعلم اللغة!
-- وما المدهش فى ذلك.. العلم والأدب ابداعات بشرية.. وأنا عاشق للعلم وأعمل فيه، أما الشعر فهو يمنحنى الراحة النفسية..
- أتذكر متى بدأت كتابة الشعر؟
-- كتبت الشعر فى فترة مبكرة.. لكن أول قصيدة مكتملة كتبتها كانت 25 أغسطس 1954
- أمازلت تذكر هذه القصيدة؟
-- نعم.. أذكرها كانت بعنوان غدا نلتقي..
- ألا يحدث بداخلك صراع بين عقل العالم وخيال الشاعر؟
-- لا أبدا لأن العلم أصله خيال.. ويجب أن يكون لدى العالم ملكة التخيل، ويجب أن تعرفى أن العالم لا يستطع أن يكون عالما جيدا، إلا لو كانت لدية هذه الملكة.. والشاعر بالضرورة عنده خيال لهذا فالاثنان مربوطان ببعضه.. ويجب أن يكون لدى العالم من صفات الشاعر.. القدرة على الخيال والقدرة على الحب.. أن يستطيع العالم أن يحب هذا موضوع مهم دائما أتكلم عنه.. لأنه لا يمكن أن يكون الإنسان عالما، وليس لديه قدرة على الحب.. يجب أن يحب الناس الذين حوله.. يحب بلده.. المهم أن يحب.. ويحب..ويحب..



حوار : وفاء حلمى - جريدة العربى

http://www.al-araby.com/articles/1005/060416-1005-pnp03.htm (http://www.al-araby.com/articles/1005/060416-1005-pnp03.htm)

MOHAMED ALY
16/11/2006, 19h50
د. مستجير: أعشق الروايات البوليسية وأخجل من نشر أشعاري ( 2 )

- لماذا الخيال والحب بالتحديد ضرورى للعالم؟
-- الخيال يمنح العالم القدرة على تخيل النتائج.. والعالم المتميز هو الذى يحول خيالاته وأحلامه إلى علم.. أما الحب فهو دافع للبحث.. العلم يجب أن يكون غرضه إنسانيا.. يوجه لخدمة الإنسانية وإلا لن يكون له معني.. خاصة فى هذا الزمن.. فإذا لم يكن العالم يحب بلده.. ويحب الناس فلن يقدم شيئا مفيدا، ولن يكون عالم كويس.. لازم.. يملك.. الاثنين.. القدرة على الخيال والقدرة على الحب.. ليكون عالما جيدا.. وإلا سيكون عالما كالذين نتخبط فيهم فى الطريق، يعمل فى العلم لكنه ليس عالما.. ويعمل أبحاثا مثل فلان، لايمكن أن تخرج منها نظرية أو فكرة كبيرة..
- لكنى أفهم أن العلم بلا قلب.. والعالم يجب أن يكون صارما.. عقلانيا!
-- من قال لك ذلك..!! الباحث فى المعمل يتعامل بالحقائق الجامدة، إنما هذه الحائق الجامدة يخرج منها ما يمكن أن يحل مشاكل الناس ويسعدهم..
- حبك للناس والوطن معروف.. فماذا عن حب المرأة؟
-- طبعا مررت بتجارب حب مندفع كأى شاب.. ثم علاقة الحب الناضجة كانت لزوجتي.. وهى نمساوية.. تركت بلادها الجميلة لتعيش فى مصر مع شخص فقير من العالم الثالث..
- وماذا عن أولادك وعن ابنتك التى حققت كشفا فى النمسا؟
-- مروة حاصلة على دكتوراه فى البيولوجيا الجزيئية فى الهندسة الوراثية.. وهى التى اكتشفت جين سرطان المثانة فى فينا.. وابنتى سلمى حاصلة على ماجستير فى اللغة الألمانية من جامعة فيينا أيضا.. وابنى الأكبر مهندس حاصل على ماجستر، ويعمل فى مجال الكومبيوتر..
- كيف بدأت علاقتك بالأدب؟
-- بدأت بقراءة مجلة آخر ساعة، وكانت تصدر يوم الأربعاء، وكانت كل أسبوع تقدم قصيدة يرسمها الفنان العظيم بيكار.. وكنت أحفظها..
- هل تذكر بعض هذه القصائد؟
-- نعم ما زلت أحفظ منها الكثير.. قصائد لناجى وأخرى لحافظ والكثير من أشعار شوقي.. وخاصة أجزاء من مسرحية شوقى مصرع كليوباترا.. كما أحببت شعراء المهجر وخاصة إيليا أبو ماضي، وفى كتبى العلمية كنت آخذ أبيات أشعار فى بداية كل فصل فى كتب الوراثة، كنت أكتب بيتا من أشعار إيليا أبو ماضي..
- ما أهم الأعمال الأدبية التى قرأتها وأثرت فيك؟
-- قرأت روايات مهولة.. وتربيت على روايات الجيب.. وكات فيها كل شيء بغض النظر عن أرسين لوبين، كانت تنشر لكل الأدباء العالميين، وروائع الأدب الغربى قرأتها فى روايات الجيب.. لكنى أفضل الروايات البوليسية.. فعندى جميع روايات أجاثا كريستى بالانجليزية لأن لها أسلوبا رائعا لا يترجم، ويجب قراءته بلغته.
- لماذا تفضل هذا النوع من الروايات؟
-- لأن فيها علم.... تجمع البيانات، ونستخلص منها النتائج.. ليصل للقاتل.. هذا هو العلم.. وفيها أيضا شيء هام جدا.. وهو التأكيد على حرمة الحياة البشرية، الإنسان فى أعمالها له قيمته، من يقتل روح يجب أن يعاقب، هذا أهم ما فى الرويات البوليسية..
- هل تعجبك الروايات البوليسية العربية؟
-- لا.. لا.. هذه ناحية يفتقدها أدبنا تماما.
- لماذا.. هل لأن الشخصية العربية شخصية مسالمة أم ماذا؟
-- لا لسبب آخر.. وهو أن عندنا كثيرًا ما نسمع عن جريمة قيدت ضد مجهول.. لكن فى الخارج لا يوجد شيء اسمه قيدت ضد مجهول.. من قتل لازم يعاقب، ونادرة جدا حكاية المجهول دي.. ثم إننا للأسف ليس لدينا كاتب بوليسي.. ربما لأننا نعتبر هذا النوع من الروايات أقل أهمية..
- هل تنصح الشباب بقراءة هذه النوعية من الروايات؟
-- بغض النظر عن هذه النوعية.. القراءة أساس لمعرفة ما يحدث فى العالم.. وأنا بشكل عام أنصح تلامذتى بأن يقرأوا.. أقول لهم اهم شيء أن تقرأ لغرض القراءة.. أن تدرب نفسك أن تجلس على قراءة كتاب 400 صفحة وتنتهى منه.. بغض النظر عن المضمون.. وهذا يجب أن يحدث فى الصغر..
- ولماذا فى الصغر؟
-- لأنه لو لم يقرأ الشخص فى الصغر، فإنه عندما يكبر لن يستطع القراءة.. فأنا أرى أستاذا فى تخصص معين يحضر كتابا عاما، يبحث فى الفصل الذى يضم المادة التى تخصه، ثم يترك الكتاب، لأنه لم يتعلم القراءة.. أما أنا فقد تعلمت من الصغر أن أقرأ..
- من علمك؟
-- والدى هو من علمني.. كان مدرس لغة عربية.. وكان يأتى لنا بكتب مصطفى صادق الرافعي، ولطفى المنفلوطي، وروايات جرجى زيدان عن العرب.. كلها كانت فى البيت ونحن أطفال، وكنت أجد والدى يقرأ فأقرأ مثله.. بعد ذلك قرأت كل أعمال يوسف إدريس، ونجيب محفوظ..
- والآن هل مازلت تقرأ ابداعا؟
-- الآن لا أقرأ رواية إلا إذا قرأت فى الجرائد أن هناك عملا جيدا..
- ما أحدث كتاب أدبى قرأته؟
-- اشتريت منذ أيام مجموعة يوسف إدريس لغة الأى أي.
- ما الذى ذكرك به؟
-- ذكرنى به كتاب عن الألم أكتبه الآن.. ودائما أحب أن أطعم كتبى بمقاطع أدبية..
- هل مازلت تكتب الأدب؟
-- لم أعد أكتب أدبًا الآن.. لأن هناك الجيد فى العلم كل يوم يحتاج إلى متابعة مستمرة، والأدب يحتاج إلى تفرغ وروقان..
- هل نشرت فى ديوانيك كل ما كتبته من أشعار؟
-- لا.. لدى الكثير مما خجلت من نشره..
- ولماذا خجلت من نشره؟
-- لأنى كتبته لنفسي.. لا من أجل النشر..
- متى تكتب لنفسك؟
-- عندما يكون بداخلى مشاعر ما أرغب فى إخراجها لأستريح.
- لك كتاب فى علم العروض.. استخدمت فيه نظرية جديدة فما دافعك وراء تأليف هذا الكتاب؟
-- نشأت الفكرة فى البداية من علاقتى مع الكومبيوتر لأنى كنت أريد أن أجد نظاما رياضيا لبحور الشعر يستطع أن يتعامل الكومبيوتر معه، ثم اكتشفت أن هذه الطريقة تلغى الكثير من مشاكل علم العروض، وتبسط أمره لكل من يود معرفته.
- ما رأيك نختم الحديث بقصيدة من أشعارك؟
سأقول بضعة أبيات من قصيدة طويلة بعنوان:كتابات على ظهر مقعد فى الحديقة المظلمة..
تغربت ياما تغربت يا ظالمة..
تغربت من أجل حبك..
ومن أجل عينيك يا قاسية..
غريبا كما كنت..
ها قد رجعت إليك..
فلابد لى أن أعود..
واسندت رأسى على ركبتيك..
وأجهشت يافتنتى بالضحك..
- من هى فتنتك هذه؟
-- تبدو قصيدة رومانسية جدا لكنها عن مصر..
- أنا لا أصدق ذلك!!.. لكن ليس هناك مانع أن نمشيها مصر..
-- أحب أنا أقول لك إن الحب شعور جميل يغلف كل شيء.. وأنا أدعو الجميع لأن يحبوا

حوار : وفاء حلمى - جريدة العربى

http://www.al-araby.com/articles/1005/060416-1005-pnp03.htm (http://www.al-araby.com/articles/1005/060416-1005-pnp03.htm)

CarameLLa
20/12/2006, 21h47
تحياتى ليك
و رحم اللة العالم المصرى العبقرى
الاستاذ أحمد مستجير