المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرن على الأغنية البدويّة في الجزائر


بلخياطي
26/06/2010, 09h08
قرن على الأغنية البدويّة في الجزائر
شيوخ رسموا نجوميّة الشباب
http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=215822&stc=1&d=1277542821

مع العام 2010 يمرّ قرن كامل على ميلاد الأغنية البدوية في الجزائر، التي نؤرخ لها مع أولى الإصدارات، التي تعود إلى عام 1910، مع الشيخ محمد السنوسي والشيخان ولد المنور وولد الزاوي ثمن لاحقا وبن حميدة وحمادة، وهي الأغنية التي ولدت من رحمها الأغنية الوهرانية، ثم أغنية الراي.
يعتقد الباحث محمد الحبيب حشلاف أن الموسيقى الجزائرية، بمختلف طبوعها، تنقسم إلى نوعين؛ موسيقى حضرية متصلة بالمدينة، وموسيقى بدوية منتشرة بالأوساط الريفية. تتضمن الموسيقى الحضرية أنماط ''المالوف'' و''المحجوز'' و''الحوزي'' و''العروبي'' و''الحوفي'' و''الزندالي''، وهي أنماط مستنبطة من الموسيقي الكلاسيكية الأندلسية. بينما تتضمن الموسيقى البدوية أنماط ''الصحراوي'' و''الشاوي'' و''القبائلي'' و''الغربي'' الوهراني، حيث تتميز باستخدام آلات موسيقية تقليدية، مثل ''الفلال'' و''البندير''.
من جهته، يذكر الباحث مصطفى بوتفنوشت أن السنوات الأولى من الاستقلال شهدت عودة قوية للمكونات الثقافية الشعبية، في الجزائر، التي اصطدمت، بسرعة، بحواجز السلطات الرسميّة التي حاولت تهميش الموروث الشفوي، إجمالا، والشعر الملحون خصوصا، المميّز لمختلف بقاع الوطن، مع تكريس الآداب الكلاسيكية المكتوبة. ولم يجد الشعر الملحون موطأ قدم وسط الاهتمامات الأكاديميّة، والإعلامية، بصفة فعلية وعلنية، سوى مع نهاية الثمانينات، حيث ظلّ، على مرّ سنوات طوال، مصنفا في خانة أقل شأن من الشعر المكتوب باللغة العربية الفصحى. كما لم يكن يتوانى البعض على نعته جزافا بالنمط الشعري الارتجالي والفاقد لوعي الكتابة. حيث غالبا ما كان يعبر بعض الباحثين، في حالة التطرّق ـ اضطرارا ـ إلى الشعر الملحون، عن حالة عدم استلطاف للموضوع وذلك ما نلاحظه ـ مثلا ـ في مقدمة كتاب ''الشعر الملحون في الجزائر، إيقاعه وبحوره وأشكاله''، حيث يذكر المؤلف: ''الاعتناء بالملحون قد يؤوله المحافظون المتورعون تأويلا زائفا يوهم من بعض ما يوهم أن صاحبها من محبذي ترقية اللهجات العربية العامية إلى مستوى لغات وطنية متعددة للبلاد. والحقّ أنه بعيد كل البعد عن مثل هذه النزعة بل هو يقف موقف المساند لاستعمال العربية الفصحى كأداة مواصلة تستخدم فيما يكتب وفيما يخاطب به معها'' قبل أن يضيف ''اللّهجات العربيّة المحلية (في الجزائر) يمكن أن تعتبر كالمحكوم عليها بالإعدام في حالة وقف التنفيذ''. مع ذلك، حالة الإعدام التي عبر عنها المتحدث نفسه لم تزد أنصار الشعر الملحون سوى تمسّكًا وإصرارًا علـى مواصلـة السّيـر مما قادها إلى بلوغ مبلغ محترم وانتشارا شعبيا ثم وضع أسس تجربة موسيقية هامة تتمثل في الأغنية الوهرانية، ثم الراي، الذي قام في بداياته، على استعادة نصوص أهم شعراء الملحون، ونجاحات الأغنية البدوية.

اغنية ''المرسم'' صنعت بريق مامي في 1982
لم تكن موسيقى الراي، في بداياتها، مطلع السبعينيات من القرن الماضي، تعتمد على فئة كتّاب الكلمات، حيث ظلّ المغنون، سنوات طويلة، يرددون نصوصا مقتبسة من أعمال مجموعة من الشعراء القدامى، حيث نذكر، في هذا السياق: أغنية ''المرسم''، التي ألفّها الشيخ الميلود، أصيل بوحنيفية (معسكر)، عام 1930، والتي جاء في مطلعها ''يا ذا المرسم عيد لي ما كان وين المرو اللي قبيل هنا... نبيتك بحديث لفظ اللسان بكوش أبكم ما تواجبنا... يا ذا المرسم زدت لي تشطان فيك أنا والريم جمعنا... من عهدك ما ريتها بأعيان حجروا يمينة الحبنانة''. النص نفسه الذي صنع بريق نجم الشاب مامي، عام 1982، وهو لم يتجاوز سنّ السادسة عشر، والذي نال من خلاله، المرتبة الثانية في مسابقة ألحان وشباب التلفزيونية. كما أعاد تأديته الشاب خالد، عبر عديد المناسبات، قبل إدراجه ضمن آخر ألبوماته الغنائية الموسومة ''ليبرتي'' (2009).
تتمثل الصّلة الحقيقية التي جمعت بين مغني الراي ونصوص الملحون، وشيوخ الأغنية البدوية في اشتراكهم في كثير من الصفات الحياتية اليومية، حيث يعتبروا خريجي أوساط اجتماعية بسيطة، عايشوا مختلف تقلبات الحياة، ومارسوا بعض طقوسها وكذا جنونها. أضف إلى ذلك، انتمائهم إلى الرقعة الجغرافية نفسها (الغرب الجزائري) المتميزة بلغة عاميّة مشتركة.
تتفق عديد المصادر التاريخية على التأكيد أن سيدي لخضر بن خلوف، الذي عاش خلال القرن السّادس عشر، بالقرب من مستغانم، يعتبر أول شاعر ملحون في الجزائر. حيث اشتهر بقصائد مندرجة في سياق مديح الرسول (ص) والتغني بخصاله الإنسانية. كما عرف أيضا برجولته وبطولاته، خصوصا بعد مشاركته في معركة مازغران الحربية، التي واجه فيها، بمعية القيادة العثمانية الغزاة الإسبان (أوت 1558) والتي أرخ لها في قصيدة مطوّلة.
الأغنية البدوية.. وسيلة لمواجهة الاحتلال الفرنسي
على غرار سيدي لخضر بن خلوف، الذي عاش حياة تصوف، يعتبر الشاعر مصطفى بن براهيم (1800ـ1867)، أصيل منطقة سيدي بلعباس، أحد الأسماء الهامة التي ميّزت بدايات الملحون، والذي تم اقتباس نصوصه في أغاني، خصوصا منها نصوص يغلب عليها طابعي ''الجرأة'' و''الحماسة''. كما وقع الشاعر نفسه، الذي عاش حياة تروبادور، عديد النصوص ذات الطابع الإيروتيكي، النابعة من علاقته المتعددة، خصوصا مع ''يامينة'' التي خلّدها في نص طويل جاء في مطلعه ''هذا اليوم سعيد مبارك / فيه وافيتك يا يامينة/ يا تاج الخودات أخبارك /المرض اللي بيك هلكنا / مالي طاقة عليك نشوفك / ونسقسي في الناس خيانة'' والتي أعاد تأديتها الشاب خالد.
شيخ آخر وضع بصمة مميّزة على بدايات الأغنية البدوية، حيث يتعلق الأمر بالشيخ عبد القادر الخالدي (1896ـ1964)، أصيل منطقة معسكر، والذي اشتهر بالقصائد الغزلية، وعلاقته مع محبوبته المسماة ''بختة'' والتي كتب فيها ما لا يقل عن خمسين قصيدة مختلفة، شكّلت إحداها إحدى أهم نجاحات الشاب خالد، والتي جاء فيها ''يا معظم يومًا جات/ منيتي صابغة النجلات/ بختة زينة لـــنعات/ والوجاب الهوارية/ فاتت نجمة لوقات / في الطبع ذا المازوزات/ بختة عنق العرّاض/ زينها ما كسبوه غياد/ مطرودة في لوهاد/ ضيقوا بيها حيحاية/ ما ترجاش الصياد/ قارية علم الحكوية/ بختة عارم لحداب''. من الطرائف، يذكر أن أحد الأصدقاء طلب يوما من الشاعر عبد القادر الخالدي تعريفه بشخص المحبوبة ''بختة''، معتقدا أنها امرأة كاملة الأوصاف، وآية في جمال، كما جاء ذكرها عبر القصائد، وهناك كانت الدّهشة كبيرة، بعدما اكتشف أنها امرأة سمراء، داكنة البشرة، تفتقد صفات الجاذبيّة والإغراء، مما أثار فيه علامات الاستغراب، قبل أن يردّ عليه عبد القادر وبثقة قائلا ''لازم نعطيك عيني باش تشوف اللي نحبها''.
يبقى الشيخ حمادة (اسمه الحقيقي الحاج محمد الغوايشي 1886ـ1968)، أصيل منطقة مستغانم، أحد الشعراء القلائل والمهمين الذين ساهموا في تطوير الشعر الملحون، وكذا الأغنية البدوية، حيث استفاد كثيرا من حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى التي عرفت انتشار ظاهرة أقراص ,45 وقام بتسجيل بعض أعماله في عواصم أوروبية مختلفة منها باريس وبرلين، حيث سّجل أكثر من مائة أغنية، من أهمها؛ ''خيار النشوة'' و''بالحمر غلا الشأن'' و''بنت البهجة'' و''يالرومية''، وهي أعمال تمّ، لاحقا، اقتباسها من طرف بعض مغنيّ الراي. وتذكر بعض المصادر التاريخية أن الشيخ حمادة سجل، سنوات الثلاثينات، في برلين، أغنية بمعية الموسيقي المصري محمد عبد الوهاب، كما ربطته علاقة جد وطيدة مع الحاج محمد العنقى وفضيلة الدزيرية التي كانت تنزل في بيته كلما زارت مدينة مستغانم. إضافة إلى الأسماء سابقة الذكر، هنالك شعراء آخرون تركوا بصمة واضحة في مسيرة الملحون والأغنية البدوية، من أمثال الشيخ الجيلالي عين تادلس والهاشمي بسمير وبن مسايب ابن مدينة تلمسان، صاحب القصيدة الشهيرة ''يالوشام'' والتي جاء فيها: ''الوشام دخيل عليــــك/ كن حاذر فاهم نوصيك/ اخفض والخفض يواتيك/ منيتي بالك تاذها يا الوشام''
كما شكّلت الأغنية البدوية، في بداية القرن الماضي، وسيلة لمواجهة الاحتلال الفرنسي، حيث نشير، في هذا السياق، إلى أغنية ''بي ضاق المور''، عن نص من توقيع الهاشمي بسمير، من أداء الشيخ عبد القادر بوراس، والتي منعتها السّلطات الكولونيالية باعتبارها أغنية محرضة على الانتفاضة ضد الحكومة المحتلة. مع العلم أن الهاشمي بسمير، بسبب نصوصه المتمردة، تمّ الزج به، مرات عديدة، في السّجن، كما يذكر أنه كان يرفض تسجيل أعماله في أسطوانات. في السياق نفسه، نشير إلى نص قصيدة ''أصحاب البارود''، التي كتبها شاعر الملحون الوهراني، هواري هناني، ردا على احتفالات فرنسا بمرور مائـة سنــة عــن احتـلال الجزائـر، والتـي جاء في مطلعها ''أصحاب البارود بالكرابيلا/ رافدين البارود مشعلين الفتيلة''.
سعيد خطيبي
عن جريدة الخبر
السبت 26 جوان 2010