بلخياطي
09/06/2010, 18h32
ابن مسايب شاعر الملحون
نشأته وثقافته من خلال نظمه
بقلم الأستاذ: جغلوك عبد الرزاق
أستاذ مادة الفنون الشعبية بمعهد الثقافة الشعبية جامعة أبي بكر بلقايد
أبو عبد الله محمد بن مسايب، اسم تردد على أكثر من لسان، وأسال حبر أكثر من قلم، وأطرب رؤوس كثيرين من عشاق الأغنية الشعبية، عشاق الحوزي والملحون، ظهر بجدارة كأحد أبرز شعراء الغناء الشعبي في منطقة المغرب العربي في القرن الثاني عشر الهجري وحتى الآن.
لم نعثر على دلائل صريحة واضحة كافية عن حياة الشاعر ابن مسايب تنيط النقاب عن مولده ودقائق ظروف حياته الاجتماعية، التي كان لها اثر في صنعه كشاعر شعبي في هذا المستوى، ولا عن الظروف الأخرى التي أثرت في شخصيته وثقافته، وذلك لقلة ما دون عنه، شأنه شأن أقرانه من شعراء الأدب الشعبي أمثال بن سهله وابن التريكي وغيرهم1، جل ما وصلنا عنهم كان متناقلا شفاهيا، وعرف أخيرا في منتصف هذا القرن بعضا من الجمع والتدوين على يد قليل من المهتمين في هذا التراث أمثال محمد بخوشة 2، صاحب الفضل في جمع ونشر بعض منظومات الشاعر على شكل ديوان شعري أتى به بقليل من كثير مما رواه الشاعر ابن مسايب نظما، حيث يذكر أبو علي الغوتي3 أن الشاعر نظم أكثر من ثلاثة آلاف منظومة، حيث قال:" أن منظوماته بلغت ما ينيف على ثلاثة آلاف4.
وعن مولد الشاعر الشعبي ابن مسايب فإن المراجع المكتوبة كلها والشفاهية لم تحدده بدقة، حيث ذكر أنه ولد أوائل القرن الثاني عشر للهجرة دون تحديد اليوم والشهر أو السنة5، ولعل مولده كان في نهاية القرن الحادي عشر الهجري، وهذا على الأغلب في اعتقادنا بدليل نظمه لقصيدة (عمدالي ما وجدت صبرا) أرخ لها عام تسعة عشر بعد المئة والألف (1119 ه) قال فيها:
هذه مني بغير فخرة
سلامي للأشياخ6 ما ناحت7 الأطيار
في التاسع عام بعد عشرة
مية وألف حكيت لكم شيئا صار
واسبابي في المحاين8 عذرا
خطفت عقلي وكوتني كية بلا نار
زورة9 يا عاشقين زورة
إلى مكة بلغو سلامي يا زيار10
في هذه القصيدة يظهر أنه ذو تجربة في الحياة، كابد (المحاين) وانكوى بنار الحب:
يا اله اغفر لي ما فات
واغفر للناظم ذي الابيات
بعد مية وألف مضات11
عام عشرين تكلم بها12
هذه دلائل تدل على أن الشاب رجل بالغ فات عمره العشرين، صاحب تجارب في الحياة، وخاصة في ميدان العشق والغرام، ويعرف من أمور الدنيا الكثير.
كان هذا في حاضرة من أهم حواضر المغرب العربي في ذلك الوقت، المدينة الجميلة (تلمسان) مقر الباي التركي، وفي أعرق أحيائها الشعبية المعروف بـ(باب زير)13 (تلمسان) المدينة التي استقبلت وفود النازحين من الفردوس المفقود الذي ينتمي الشاعر إلى إحدى عائلاته هناك، والتي هاجرت الأندلس واستقرت بهذه المدينة التي يصفها الشاعر ببعض قصائده، قال في احداها وهي بعنوان (أراد كيف يفعل):
جات ما بين الصحرا والتل مجتمع
فارحين مواليها14 بصيد البر والبحر
جات ما بين عطار وقبة المنار
مع الصفيف وعين الحوت وأزروان15
والخنادق والقلعة وحنيف كيف دار
والجنح الأخضر والعباد والعيون16
لعله بهذا الوصف حدد لنا الجغرافية القريبة لمدينة تلمسان، تلك المدينة التي تقع في الناحية الغربية من الجزائر، وتبعد عن الحدود المغربية بحوالي ستين كيلو متر تقريبا، وعن البحر بحوالي خمسين كيلو متر تقريبا، على سفوح جبل الأطلس الغربي، المدينة الحصينة ذات التاريخ المعروف، عاصمة الزيانيين ورغبة المرابطين والمرينيين والوحدين، بلد الآثار والتاريخ، بلد الثقافة والفنون أيام الممالك، بلد الأولياء والعلم والعلماء17.
قال فيها الشاعر في قصيدته (أراد كيف يفعل):
كانت البهجة عند سلاطين العرب
في المقام العالي والمنزل الرفيع
عاشقتها ملوك الزهو18 والانطراب19
والمعاني20 والحسن الفايق21 البديع22
ولعلها لم تعد كما كان يعرف عنها أيام الشاعر هذا حتى قال عنها في قصيدته بعنوان (ربي قضى):
كانت بلديا حسرتها
مطبوعة23 بالباس والهمة
ملوك عارفة قيمتها
بني مرين وأهل الحكمة
حازت24 مع العرب دنياتها
عند الأمم شأن وهمة25
وكما يبدو أنها لم تعد كما كانت بالماضي وقد دار بها الزمان، قال عنها في قصيدته (أراد كيف فعل):
غافلة26 ما نبهت للفلك كيف دار
وين بني وطاس27 وفاق الفنون
والمرينيين وبنو زيان الجدار28
عاندت بهم من جا طالب الفتون2930
كما قال عنها في قصيدته (ربي قضى):
عدمت31 واك فسدت والظلم خلاها32
مدينة الجدار بلد تلمسان33
وفي نفس القصيدة قال عنها:
بين المدن عادت34 تسوا
درهم إذا غلات ونفذت3536
كما قال عنها في نفس القصيدة:
لبست من الحزن ثوب الذل كساها
تنكر37 عسلها راه ولى قطران38
لعل هذا من جور بايات الأتراك _ حكام الجزائر آنذاك _ وظلمهم وتعسفهم وأتباعهم الذين لم يكن الشاعر يرغب بهم، حيث قال عنهم في قصيدته بعنوان (ربي قضى):
هما سبب كل فسد 39 وعفناها40
تهوي ولا قرا حد فيها أمان
طلقوا41 البلد فسدت حتى شفناها42
هيهات لا حكم فيها لا ديوان
هما سبب كل مشقة
والخلق صابرة لبلاهم
طلقوا البلد هذي الطلقة
وانسبات وهمها يركبهم
راها انعمات43 واش بقى
غرقوا أولادها ونساهم
من القلوب زالت الشفقة
ما يرفقو يا ويلالهم44
لم يكن شاعرنا سياسيا أو من الطامعين في حكم او جاه أو سلطان، انه عامل بسيط يحترف ويبني من الخيوط الأشكال والجمال، أحب الجمال وهام فيه، له معشوقة معروفة شهر بها في أكثر من قصيدة ملمحا تارة ومعلنا أخرى، قال عنها في قصيدته (سلطان الحب):
غرامك يا عائشة
سر قلبي فشا4546
وفي نفس القصيدة قال ايضا:
ما ننساك يا عائشة
حتى في النعاش4748
وقد عرفت عايشة بصاحبة السالف الطويل، حيث قال عنها في قصيدته (نار ولفي)
غزيلي من درب الشول49
كحل50 السالف عايشة51
وفي قصيدته (لمن نشكي) قال:
هيهات خلاص52 غيرها ما يحلى لي
مولات السالف الطويل
إلا أن الشاعر كان عائقا للجمال حيث صرح بهذا علنا في قصيدته بعنوان (نار ولفي)
بلا فخر ننجم54 ونقول بلساني
ابن مسايب من يعشق الزين55 كيفو56
ولربما كان هذا مدعا لإثارة غضب بعض من مسهم بنظمه هذا من قريب أو من بعيد، وكان مدعا لكرهه والابتعاد عنه ومراقبة تصرفاته فقد شعر بهذا فقال بقصيدته (لمن نشكي):
أنا مالي صديق ما عندي والي
كرهوني ناس القبيل57
خالي وعمي ورجل أختي وابن خالي
عني ما غفلوا غفيل58
كما أن نظمه وكلامه عرضه لغضب وسخط حكام البلاد حيث يروي لنا الشيخ أبو علي الغوثي صاحب القناع عن الآلات السماع بكتابه هذا عن الشاعر ابن مسايب قصة مختصرة إليك اياها:" الشيخ أبو عبد الله محمد بن امسايب رحمه الله، له منظومات شتى هزلية وجدية، عاش طرف القرن الثاني عشر وكانت منظوماته في بداية أمره في التشبب بمحاسن الناس، إلى أن جرت له واقعة على ما قيل وهي أن عامل تلمسان بوقته أمر بقتله لشهرته بالتشبب بمحارم الناس، فلما خرج به السياف للقتل، طلب الشيخ في امهاله ساعة الوضوء والصلاة فأمهله فتوضأ وصلى ركعات وشرع من حينئذ في نظم قصيدة توسل فيها للمولى عز وجل للطف بحاله يقول في طالعها:
يا أهل الله غيثو الملهوف59
قبل أن لا يتمرمد60 فكوه61
فلما ختمها، قدم من جانب الوالي خيال يأمر السياف بإطلاق الشيخ والاعفاء عن قتله فتركوه، فمضى الشيخ رحمه الله وتاب إلى الله من حينه وهام في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وصار يفدي كل قصيدة قالها في الهزل بقصيدة في الجد على وزنها ورويها، حتى قيل أن منظوماته بلغت ما ينيف عن ثلاثة آلاف، من أحسنها قصيدة على قافية القاف وهي:
هاجت بالفكر اشواقي
وتهول63 بحري ما وريح وتقلقوا64
حقيقة أن تبدلا هاما وقع لنظم الشاعر وسيرته بدل نظمه وموضوعاته، فقد مال إلى المدح الديني وكتب بهذا قصائد رائعة منها (الحرم يا رسول الله) يقول في طالعها:
الحرم يا رسول الله
الحرم يا رسول الله
خيفان جيت عندك قاصد
الحرم يا رسول الله65
لاحظ الرنة الموسيقية من جراء تكرار العبارة التي استهل بها الشاعر قصيدته.
وفي قصيدته (أبو علام) يعرج على أسلوب الرجاء والتوبة والتبرك بالأولياء يقول في طالعها:
أبو علام عبد القادر
يا شيخ علي بادر 66
من كل جهة راه تكاثر
هم الزمان وجاني
عقلي متهول طاير
قلبي ما هناني 67
وقال في قصيدة أخرى بعنوان (يا أهل الله) يطلب التوبة والغفران وقد بلغ من العمر ستين سنة، وهي قصيدة مطولة وأبياتها رباعية الأشطار قال في بدايتها:
يا أهل الله غيثو الملهوف
قبل ان تشعل نار الجوف
كيف يهنى من سكنه الخوف
وانزحم68 طلابه لحقوه69
وقد أرخ لها قبيل نهايتها فقال:
بعد الستين وميا والف
يوم يب70 وافى نظمه71
ملاحظة: الأرقام بالأحمر هوامش سوف تاتي لاحقا
...يتبع
نشأته وثقافته من خلال نظمه
بقلم الأستاذ: جغلوك عبد الرزاق
أستاذ مادة الفنون الشعبية بمعهد الثقافة الشعبية جامعة أبي بكر بلقايد
أبو عبد الله محمد بن مسايب، اسم تردد على أكثر من لسان، وأسال حبر أكثر من قلم، وأطرب رؤوس كثيرين من عشاق الأغنية الشعبية، عشاق الحوزي والملحون، ظهر بجدارة كأحد أبرز شعراء الغناء الشعبي في منطقة المغرب العربي في القرن الثاني عشر الهجري وحتى الآن.
لم نعثر على دلائل صريحة واضحة كافية عن حياة الشاعر ابن مسايب تنيط النقاب عن مولده ودقائق ظروف حياته الاجتماعية، التي كان لها اثر في صنعه كشاعر شعبي في هذا المستوى، ولا عن الظروف الأخرى التي أثرت في شخصيته وثقافته، وذلك لقلة ما دون عنه، شأنه شأن أقرانه من شعراء الأدب الشعبي أمثال بن سهله وابن التريكي وغيرهم1، جل ما وصلنا عنهم كان متناقلا شفاهيا، وعرف أخيرا في منتصف هذا القرن بعضا من الجمع والتدوين على يد قليل من المهتمين في هذا التراث أمثال محمد بخوشة 2، صاحب الفضل في جمع ونشر بعض منظومات الشاعر على شكل ديوان شعري أتى به بقليل من كثير مما رواه الشاعر ابن مسايب نظما، حيث يذكر أبو علي الغوتي3 أن الشاعر نظم أكثر من ثلاثة آلاف منظومة، حيث قال:" أن منظوماته بلغت ما ينيف على ثلاثة آلاف4.
وعن مولد الشاعر الشعبي ابن مسايب فإن المراجع المكتوبة كلها والشفاهية لم تحدده بدقة، حيث ذكر أنه ولد أوائل القرن الثاني عشر للهجرة دون تحديد اليوم والشهر أو السنة5، ولعل مولده كان في نهاية القرن الحادي عشر الهجري، وهذا على الأغلب في اعتقادنا بدليل نظمه لقصيدة (عمدالي ما وجدت صبرا) أرخ لها عام تسعة عشر بعد المئة والألف (1119 ه) قال فيها:
هذه مني بغير فخرة
سلامي للأشياخ6 ما ناحت7 الأطيار
في التاسع عام بعد عشرة
مية وألف حكيت لكم شيئا صار
واسبابي في المحاين8 عذرا
خطفت عقلي وكوتني كية بلا نار
زورة9 يا عاشقين زورة
إلى مكة بلغو سلامي يا زيار10
في هذه القصيدة يظهر أنه ذو تجربة في الحياة، كابد (المحاين) وانكوى بنار الحب:
يا اله اغفر لي ما فات
واغفر للناظم ذي الابيات
بعد مية وألف مضات11
عام عشرين تكلم بها12
هذه دلائل تدل على أن الشاب رجل بالغ فات عمره العشرين، صاحب تجارب في الحياة، وخاصة في ميدان العشق والغرام، ويعرف من أمور الدنيا الكثير.
كان هذا في حاضرة من أهم حواضر المغرب العربي في ذلك الوقت، المدينة الجميلة (تلمسان) مقر الباي التركي، وفي أعرق أحيائها الشعبية المعروف بـ(باب زير)13 (تلمسان) المدينة التي استقبلت وفود النازحين من الفردوس المفقود الذي ينتمي الشاعر إلى إحدى عائلاته هناك، والتي هاجرت الأندلس واستقرت بهذه المدينة التي يصفها الشاعر ببعض قصائده، قال في احداها وهي بعنوان (أراد كيف يفعل):
جات ما بين الصحرا والتل مجتمع
فارحين مواليها14 بصيد البر والبحر
جات ما بين عطار وقبة المنار
مع الصفيف وعين الحوت وأزروان15
والخنادق والقلعة وحنيف كيف دار
والجنح الأخضر والعباد والعيون16
لعله بهذا الوصف حدد لنا الجغرافية القريبة لمدينة تلمسان، تلك المدينة التي تقع في الناحية الغربية من الجزائر، وتبعد عن الحدود المغربية بحوالي ستين كيلو متر تقريبا، وعن البحر بحوالي خمسين كيلو متر تقريبا، على سفوح جبل الأطلس الغربي، المدينة الحصينة ذات التاريخ المعروف، عاصمة الزيانيين ورغبة المرابطين والمرينيين والوحدين، بلد الآثار والتاريخ، بلد الثقافة والفنون أيام الممالك، بلد الأولياء والعلم والعلماء17.
قال فيها الشاعر في قصيدته (أراد كيف يفعل):
كانت البهجة عند سلاطين العرب
في المقام العالي والمنزل الرفيع
عاشقتها ملوك الزهو18 والانطراب19
والمعاني20 والحسن الفايق21 البديع22
ولعلها لم تعد كما كان يعرف عنها أيام الشاعر هذا حتى قال عنها في قصيدته بعنوان (ربي قضى):
كانت بلديا حسرتها
مطبوعة23 بالباس والهمة
ملوك عارفة قيمتها
بني مرين وأهل الحكمة
حازت24 مع العرب دنياتها
عند الأمم شأن وهمة25
وكما يبدو أنها لم تعد كما كانت بالماضي وقد دار بها الزمان، قال عنها في قصيدته (أراد كيف فعل):
غافلة26 ما نبهت للفلك كيف دار
وين بني وطاس27 وفاق الفنون
والمرينيين وبنو زيان الجدار28
عاندت بهم من جا طالب الفتون2930
كما قال عنها في قصيدته (ربي قضى):
عدمت31 واك فسدت والظلم خلاها32
مدينة الجدار بلد تلمسان33
وفي نفس القصيدة قال عنها:
بين المدن عادت34 تسوا
درهم إذا غلات ونفذت3536
كما قال عنها في نفس القصيدة:
لبست من الحزن ثوب الذل كساها
تنكر37 عسلها راه ولى قطران38
لعل هذا من جور بايات الأتراك _ حكام الجزائر آنذاك _ وظلمهم وتعسفهم وأتباعهم الذين لم يكن الشاعر يرغب بهم، حيث قال عنهم في قصيدته بعنوان (ربي قضى):
هما سبب كل فسد 39 وعفناها40
تهوي ولا قرا حد فيها أمان
طلقوا41 البلد فسدت حتى شفناها42
هيهات لا حكم فيها لا ديوان
هما سبب كل مشقة
والخلق صابرة لبلاهم
طلقوا البلد هذي الطلقة
وانسبات وهمها يركبهم
راها انعمات43 واش بقى
غرقوا أولادها ونساهم
من القلوب زالت الشفقة
ما يرفقو يا ويلالهم44
لم يكن شاعرنا سياسيا أو من الطامعين في حكم او جاه أو سلطان، انه عامل بسيط يحترف ويبني من الخيوط الأشكال والجمال، أحب الجمال وهام فيه، له معشوقة معروفة شهر بها في أكثر من قصيدة ملمحا تارة ومعلنا أخرى، قال عنها في قصيدته (سلطان الحب):
غرامك يا عائشة
سر قلبي فشا4546
وفي نفس القصيدة قال ايضا:
ما ننساك يا عائشة
حتى في النعاش4748
وقد عرفت عايشة بصاحبة السالف الطويل، حيث قال عنها في قصيدته (نار ولفي)
غزيلي من درب الشول49
كحل50 السالف عايشة51
وفي قصيدته (لمن نشكي) قال:
هيهات خلاص52 غيرها ما يحلى لي
مولات السالف الطويل
إلا أن الشاعر كان عائقا للجمال حيث صرح بهذا علنا في قصيدته بعنوان (نار ولفي)
بلا فخر ننجم54 ونقول بلساني
ابن مسايب من يعشق الزين55 كيفو56
ولربما كان هذا مدعا لإثارة غضب بعض من مسهم بنظمه هذا من قريب أو من بعيد، وكان مدعا لكرهه والابتعاد عنه ومراقبة تصرفاته فقد شعر بهذا فقال بقصيدته (لمن نشكي):
أنا مالي صديق ما عندي والي
كرهوني ناس القبيل57
خالي وعمي ورجل أختي وابن خالي
عني ما غفلوا غفيل58
كما أن نظمه وكلامه عرضه لغضب وسخط حكام البلاد حيث يروي لنا الشيخ أبو علي الغوثي صاحب القناع عن الآلات السماع بكتابه هذا عن الشاعر ابن مسايب قصة مختصرة إليك اياها:" الشيخ أبو عبد الله محمد بن امسايب رحمه الله، له منظومات شتى هزلية وجدية، عاش طرف القرن الثاني عشر وكانت منظوماته في بداية أمره في التشبب بمحاسن الناس، إلى أن جرت له واقعة على ما قيل وهي أن عامل تلمسان بوقته أمر بقتله لشهرته بالتشبب بمحارم الناس، فلما خرج به السياف للقتل، طلب الشيخ في امهاله ساعة الوضوء والصلاة فأمهله فتوضأ وصلى ركعات وشرع من حينئذ في نظم قصيدة توسل فيها للمولى عز وجل للطف بحاله يقول في طالعها:
يا أهل الله غيثو الملهوف59
قبل أن لا يتمرمد60 فكوه61
فلما ختمها، قدم من جانب الوالي خيال يأمر السياف بإطلاق الشيخ والاعفاء عن قتله فتركوه، فمضى الشيخ رحمه الله وتاب إلى الله من حينه وهام في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وصار يفدي كل قصيدة قالها في الهزل بقصيدة في الجد على وزنها ورويها، حتى قيل أن منظوماته بلغت ما ينيف عن ثلاثة آلاف، من أحسنها قصيدة على قافية القاف وهي:
هاجت بالفكر اشواقي
وتهول63 بحري ما وريح وتقلقوا64
حقيقة أن تبدلا هاما وقع لنظم الشاعر وسيرته بدل نظمه وموضوعاته، فقد مال إلى المدح الديني وكتب بهذا قصائد رائعة منها (الحرم يا رسول الله) يقول في طالعها:
الحرم يا رسول الله
الحرم يا رسول الله
خيفان جيت عندك قاصد
الحرم يا رسول الله65
لاحظ الرنة الموسيقية من جراء تكرار العبارة التي استهل بها الشاعر قصيدته.
وفي قصيدته (أبو علام) يعرج على أسلوب الرجاء والتوبة والتبرك بالأولياء يقول في طالعها:
أبو علام عبد القادر
يا شيخ علي بادر 66
من كل جهة راه تكاثر
هم الزمان وجاني
عقلي متهول طاير
قلبي ما هناني 67
وقال في قصيدة أخرى بعنوان (يا أهل الله) يطلب التوبة والغفران وقد بلغ من العمر ستين سنة، وهي قصيدة مطولة وأبياتها رباعية الأشطار قال في بدايتها:
يا أهل الله غيثو الملهوف
قبل ان تشعل نار الجوف
كيف يهنى من سكنه الخوف
وانزحم68 طلابه لحقوه69
وقد أرخ لها قبيل نهايتها فقال:
بعد الستين وميا والف
يوم يب70 وافى نظمه71
ملاحظة: الأرقام بالأحمر هوامش سوف تاتي لاحقا
...يتبع