المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غريزة الطرب من الغناء


Egypt4eveR
02/05/2010, 17h22
غريزة الطرب من الغناء

الغناء كاللعب ممدود من ظاهر الحركة البدنية وهو يحدث من إهتزاز أوتار الحلق إهتزازا يخرج الصوت خفيفا وشديدا,مرتفعا ومنخفضا بحال تعرف بالنغم والتلحين.والناس يتفاوتون في مبلغ التإثر به,ولذلك تجد البارعين في الغناء يطوفون علي ضروب الأنغام,وينوعون إستعمالها,ويرّجعونها لعلها تهتز الأريحيّة,وتضرب علي الوتر الحساس الذي يطرب النفوس.بهذا يمكننا تعليل نِفار النفس من الصوت الجاري علي وتيرة واحدة كصوت البوق وطنين الذباب وقوْقاء الدجاجة ونقيق الضفاضع في الغدران!!وسقْسقة العصافير علي الأغصان.وربما خلطه رنين موسيقيّ يجعله مصد إرتياح,كهزيز الريح وهدير النهر وزُقاء الديك وصُداح البلبل وهديل الحمام ...وسجع القمريّ إن لم يكون معناه مفهوما يصبح نشازا ومبتذلا. وماذا عسي أن يدل تغريد الطائر وهو في أعماق قفصه ؟أهو يشكو السآمة من وحشة الحبس ؟ أم يسّري به تباريح الحزن ؟ أم يصدح فرحا لأن العادة أنسته حالته الأولي, وجعلت له من القفص موطنا مقبولا ؟
قال المعرّيّ :ابكت تلكم الحمامة أم غن*نت علي فرع غصنها الميَّاد
والغناء يؤّثر في نفس المغنّي أضعاف تأثيره في نفس السامع,فيلهيه عن طعامعه وشرابه وسائر لذّاته .الحيوان كالإنسان يطرب من الغناء؟؟ فالقردة والدببة والفيلة والهوام تهتز عند سماعه هزا يدل علي ارتياح وإطمئنان أنظر إلي ثعبان الكوبرا وهي من شدة جموحها وعدوانها يذلّلها الغناء؟؟ فإذا سمعته وهي في أعماق أجْحارها تخرج متهادية, ثم تنصب درقتها نحو المغنّي!! وتهتز يمنةََ ويسرةََ علي رنين النغمات وأه وألف أه لو غدرت بالمغني وبطانته... والإبل- وهي من أغلظ الحيوان أكباداََ-تضنيها المفاوز, ولولا حُداء الحادي لتقطعّت ظهورها من ثقل الأحمال في الأسفار الطوال. حتي زنوج السودان يتهافتون علي صوت الغناء, آتين إليه من كل حدب, عاقدين له حفلات الرقص, رافعين عقيرتهم منشدة تأثيره في أمزجتهم.
والطفل الرضيع يَدْهمه الحزن وتحنُقُه العَبْرة ويبّرح به البكاء تغنّيه أمّه (نام ياحبيبي بسلام)
والعمَّال يطول بهم زمن العناء البدنيّ فيستأنسون بالغناء ويزدادون به قوّة وإقداما ونشاطا. وقد يلهي الغناء بعض أرباب المهن عن مزاولتها, قال لصّ عن نفسه : انزبقت ذات ليلة في ملهي موسيقيّ لأترقب فرصة السرقة, ولمّا إرتفع صوت الغناء المشجي غاب صوابي وألهاني الإنصات له عن مزاولة مهنتي, فخرجت من الحفل مملوء الأذنين .... صفر اليدين أي خرج من اللصوصية وعاد لنزاهة اليد بفعل النغم الأصيل.
وللأمم في فضل الغناء حكايات متداولة ربّما عزاها السامع إلي مبالغة الخيال, وليس بكثير علي لغة العواطف أن تتسيطر علي النفوس وتفعل بها فعل السحر... وسوف نلقي عليها بعض الضوء لاحقا.

Egypt4eveR
02/05/2010, 18h45
(2)

كانت إحدي البلاد تموج بالفئران من صنوف شتي.. تعيث في الأرض وتشارك السكان في أرزاقهم وتكدر عليهم صفاء عيشهم وتزيد متاعبهم فإذا جلسوا مجالس الأنس هالهم دبيبها وسوء منظرها فبُدّلوا بالأنس وحشة وإذا ناموا أزعجهم طيفها في أحلامهم, وإذا قدّمت لهم الموائد أقاموا عليها الحرّاس تقيهم فتكاتها, وترد عنهم هجماتها, وربما خافوها فولّوا مذعورين, وخرجوا علي وجوههم هائمين, ودائما دهشتهم منها ملء قلوبهم و حديث سمرهم. وما سمعوا علاجاَ لإبادة الفئران إلا جربوه, ولا عرفوا فخا إلا نصبوه و قلما صادوا منها شيء يُذكر. إجتمع مندوبون عن كل ناحية من البلدة ليتفاوضوا في أنجع الوسائل لإبادتها, واستئصال شأفتها. وؤبينما هم يطرحون الآراء, إذا بشيخ أشيب طويل القامة نحيف الجسم باشّ الوجه غريب الزي وعلي عنقه مزمار, أقبل وعرض عليهم أن يزيل عنهم هذة الغمة إذ وعدوه بالمكافأة, فأطمعوه في الأجر إذا نجحت حيلته, ومنِّوه بصداقتهم متي تحققت بشارته.
خرج الشيخ من فوره إلي الشارع, وأخذ يعزف بلحن مشج, فما لبثت الفئران أن خرجت من مخابئها مسحورة لا تلوي إلا علي صوته. وكلما مرّ بشارع خرجت أسراب فيرانه تتنافس وثوبا وقفزا في اللحاق به .فسار الرجل ووراءه منها جيش عرمرم إلي أن وصل إلي النهر وهنالك أغرقها..
ذاع هذا الخبر فطار السكان فرحا به, وتبادلوا فيما بينهم عبارات الشكر لله تعالي علي تطهير المدينة من أوضار عدّوهم اللدود.و لما قضي الرجل مهمته عاد إليهم مستنجزا وعدهم, فوجموا وهزئوا بقوله وغمطوا حقّه, فاستشاط غيظا وعمد إلي الإنتقام, فخرج مسرعا وتناول مزماره وأخذ يعزف بتلحين بديع, فما سمعه إنسان حتي إقترب منه وسار معه,فتبعه الأطفال والصبيان والشبّان والشيب والكهول وعلي وجوههم سيمي الفرح والإستبشار, فجاوز بهم حدود البلدة وتغلغل في مجاهل قاحلة وفرّ منهم كأنما ركب جناحَيْ نعامة, وتركهم فتاهوا, وانقطعت عن أهلهم أخبارهم!!

الباشاقمرزمان
04/05/2010, 12h25
موضوع جميل وبديع ورائع سلمت يداك وإنى أنتظر البقية بشغف

Egypt4eveR
05/05/2010, 13h44
(4)

تري السبع وهو سيّد الحيوان يركن إلي الحيل عند لقاء عدوّه , فيخشع أو يتقهقر حتي يستجمع قوَّته ,ثم يتحيّن الفرص للإفتراس. وقد جاء في المثل: مُحَزْ نْبِقُُ لِيَنْبَاع أي ساكن لداهية يريدها..
إن الشجاع إذا فاجأه الخوف لا تَفتُر همَّته ولا تتزعزع عزيمته بل يتريَّث ليوازن بين قوَّته وقوَّة خصمه, ويعالج الأمر لعله يجد مجلا للفوز, وإلا إلتمس طريق الفرار صونا لحياته ولا عار عليه, فقد قرأت في أحد الكتب بأن أحد السائحين رأي رجلا فارَّا من أسد يحاول إفتراسه, وفي أثناء فراره تسلق جدارا عاليا, ولمّا زال الخطر عاد هذا الرجل إلي تسلُّق الجِدار فشقَّ عليه؟! وربما لايحدث الهرب وإنما يقوم مقامه اللطراب إذا اشتدَّت وطئة الخوف, كالذهول الذي يحسُّه المستيقظ وقد شبت النيران بمنزله. وربما برق شعاع من نور عقله يثير فيه النشاط إلي إخماد النار أو الفرار طلبا للمساعدة. وكالفزع الذي ابتأست به أحدي الدول العظمي من الحدث الجلل الذي دبرته عصابة مجرمة من بني جلدتهم في الخريف ونسبوه ظلما وعدوانا لأبناء عمومتنا.فقد كانت البلاد آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان, وتكتظّ أرجاؤها بالقصور الضخمة والشوارع المعبدة, وأهلها مسوقون بالمطامع, يدخرون الأموال لعمر مديد, وعيش سعيد, وفي غضون دقائق معدودة إندكت تلك الصروح, وغارت في الأرض تلك الأبنية,فاتخذها قائدهم النازي في أخلاقه و الهتلري في تصرفاته حجة واهية فجّر بحماقته من الويلات والمصائب علي مدي عشرة أعوام ماجرّته تلك الحرب الضروس علي العالم المتحضر من مصائب فقد مادت المباني وانشقت طرقاتها فابتلعت الغادين والرائحين وخرّت المباني علي رءوس الساكنين, واندلعت ألسن النيران, وهاجت أمواج البر, فهلع القوم من شر ما رأوا , وانطلقوا علي غير هدي يحاولون الخلاص, وكلما خرجوا من خطر تلقاهم غيره, ومن نجا من هذا وذاك بات عرضة للجوع والعطش والعري. هكذا ازدحمت عوامل الهلاك, فأطارت لبّ العاقل, وروّعت قلب الشجاع, وخرجت البلاد من هذا المصاب دامية الجروح مَهيضة الجناح. ولولا صدور رجال مفعمة بالشجاعة وقلوب يملؤها الإيمان ولم يتسرب إليها اليأس لباتت البلاد أثرا بعد عين.
فالخيال الموسيقي يصون الصنعة من الأبتذال, وينفخ في القول والعمل روحا فياضة, ويشحذ الهمم ويدعو إالي الامعان وترداد النظر, ولو جفَّ المعين من الكتابة أو الشعر أو التلحين لذهبت مسحة البلاغة, ولتجردت من العوامل الحيَّة في تحريك الهمم وإثارة الخواطر فالخيال هو الحقيقة بعينها عند العازفين يحرصون عليها في مدوناتهم, وينتقون لمدلولاتها العبارات والجمل الموسيقية المتينة التي لا تدع للبس مجالا فالتاجر لا ينصف المشتري إذا بالغ في وصف سلعته و جاوز بها حدود قيمتها, والطبيب يسيء إلي المريض إذا استعار للدواء اسم دواء يشبهه, وتضيع الثقة من المؤرّخ الذي يمجّد ولم ترفعهم أعمالهم. وكم تثور الفتن و يضطرب بين الحلفاء حبل الولاء إذا راج سوق الخيال في نصوص المعاهدات وأخرجها عن أرض الواقع, فإنه يخرج مدلولات الألفاظ عن سياج المعاجم اللغوية, وإليها وحدها يرجع الأمر عند ما تستحكم حلقات النزاع
وصف المتنبي الصبر حيث قال:
رماني الدهر بالأرزاء حتي*** فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام***تكسَّرت النصال علي النصال

الباشاقمرزمان
06/05/2010, 13h46
مازلت أتابع والانتظار يقلقتي

Egypt4eveR
06/05/2010, 21h28
(5)

عذرا سيدي عن التأخير

خُيّل إلي أبي إسحاق الموصليّ أنه سمع غناء الشيطان في اليقظة , ذّلك أنه خرج في ليلة ممطرة يتحسس عن مغنّ يشاركه في إحياء حفلة, فقابله ضرير استدعاه إلي منزله... ثمِّ شرع أبو إسحاق يغني معجبا بصوته فاستخِّف به الضرير , وقال له : لقد قاربت أن تكون مغنّيا ؟
وتناول الضرير العود فجسِّه , وضرب علي أوتاره في نغمة ليس لأبي إسحاق عهد بسماعها , فدهش ممِّا سمع... ولما خرج الأعمي ودعه أبو إسحاق فإذا هو قد غاب , ولم يدر أفي السماء صَعِد , أم في الأرض هبط ؟,فخيَّل إلي أبي إسحاق أن هذا الضرير شيطان تنكّر له في هذة الصورة, لينزله من عالي غلوائه.
وربَّما اشترك العازفون والمغنُّون والعازفون, واستعملوا من آلات العزف البَرْبط(1) والمِزْهَر (2) والقيثارة (3) والرقّ والناي, فيخرج من صوتها مزيج ذو نبرات بديعة تفعل في النفس فعل السحر الحلال. ولم يكن الغناء مقصورا علي مجالس اللهو , بل اتّسع له الجال كذلك في مجالس العبادة منذ زمن داود عليه السلام. ومنه استعير نوع من الترتيل والأنشاد في المساجد والكنائس, وتصدي له قراء القرآن بالإجادة, فاجتذبوا به السامع وشنّفوها بحِكَمِه و أحكامه ... زيّنوا القرآن بأصواتكم.
يجمل بنا أن نحبّب إلي الأطفال ترتيل أناشيد الجدود أثناء اللعب فإن اجتماعهما معا ينشّط الجسم, وينعش الروح, ويبرز حب الفن الأصيل في أجمل حلة, ويقوّم فيهم آلة النطق, ويذهب عنهم سآمة القراءة المجرّدة من رخامة الصوت وحلاوة الأداء والإنفصال عن الأصل وهي منتشرة في أيامنا الحالية.... نريد ونتمني وما نيل المطالب بالتمني أن ندخل تدريس الغناء والألحان الخالدة طوال تاريخنا الفني الخالد في ناهج التدريس لنعيد مادرس من صناعة أسلافنا, ولنستخدم قوته الروحّانية في تذليل مصاعب الحياة وعبور حاجز اليأس والملل المسيطر علي أنفاسنا والمتسلط علي رقابنا و فإنّ نفوسنا كثيرا ما تعروها السآمة فتحتاج إلي من ينبهها. ونحن إذا أدركنا هذة الغاية فقد حقّ لنا أن نجّرد سيف عزيمتنا لمحاربة الوصمة التي دهمت الغناء, فقد تناوله أهل البطالة, واتخذوه ذريعة لرواج الخلاعة والمجون و الهزل وسخيف النطق, فشوَّهوا اللغة العربية واستاعضوا عن ألفاظها وأصولها وألفاظها الأصيلة تراكيب أجنبية لا ضرورة لها. ولا سبيل لتعويد المسامع مانرغب فيه من رواج الألفاظ الفذة والألحان الشجية والأصوات الموهوبة والتراكيب الجزلة إلّا بجودة الترتيل و حسن الغناء. فليمدّ الأدباء والمغنون والملحنون أيديهم للأخذ بناصرها , فالآمال معقودة بمساعدتهم.
وقد تحركت في النفوس رغبة صادقة في الإقبال علي الغناء والضرب علي آلات الطرب, ويبشرنا أنه تولدت بمصر نهضتان : نهضة هواة الفن لتشييد أندية الموسيقي والطرب وفيها تحيا الأغاني وتتجدد أنغامها بما يبتكره البارعون ونهضة لعزف الحفلات حية في الشوارع لشد أذن السميعة من المارة وإن كانت طريقة تعليم الغناء والضرب علي آلات الطرب لا تخرج عن نوع الطريقة الساذجة التي يتعلم بها الأميون لغتهم , وجلّ الأعتماد في تلقينها علي السماع و الممارسة والمحاكاة , ويظهر السبق و التفوق لمن ركزت عنده ملكة الفنّ و صحّت ليه قوة التقليد. أما من لم يوهب تلك القوة وقد صحت عنده العزيمة علي تعلم الغناء فلا يجد من يأخذ بيده و يسير به علي التدريج من المقاطع إلي الأدوار, وأين يجد المدوّنات لنماذج الأصوات الجميلة التي كان المجيدون يتغنون بها ؟
وقد يرجع إلي أسطوانات الحاكي, وقد يرجع إلي أهل الفن فيسمع منهم النغمات, ولكن إذا اختلت الأسطوانات أو مات حفّاظ الأصوات أو ضعفت ذاكرتهم ضاعت الصنعة وانعدمت الثقة بما احتفظوا به من أدوار الغناء وطرق أدائها وكانت عرضة للضياع أو للتشويه والمسخ, كما ضاع كثير من من فنون وأدبيات وأساطين الأعصر الخالية....

(1)العود
(2)العود كذلك
(3)الكمنجة