مهيمن الجزراوي
06/03/2010, 22h29
الكوكتيل الغنائي أصله زنجيل بغدادي
الباحث الموسيقي مهيمن إبراهيم الجزراوي
كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد
ارتبطت بعض أسماء أصناف الأطعمة والأشربة بأنواع الموسيقى والغناء مثل انتشار ظاهرة الكوكتيلات الغنائية في الحفلات الغنائية والتسجيلات الصوتية. ومن المعروف أن كلمة كوكتيل بالإنكليزية (Cocktail) تعني شراب مسكر قوي معد من خلط ومزج أصناف معينة من المشروبات الروحية مع بعضها البعض ، تعطي بالنتيجة طعما ومذاقا جديدا ومختلفا. كذلك الحال بالنسبة لخلط أنواع من العصائر أو سلطة الفواكه وغيرها. وقد استخدمت نفس كلمة الكوكتيل للدلالة على مجموعة من الأغاني المتنوعة لعدد من الفنانين جمعت في اسطوانة واحدة ، أو كاسيت واحد.
وتعود فكرة الكوكتيل الغنائي إلى جهاز قديم في أمريكا يدعى مبدلة الاسطوانات (Record Changer) وهو عبارة عن أداة ملحقة بالفونوغراف تقوم بتنزيل الاسطوانات أوتوماتيكيا واحدة إثر واحدة إلى القرص الدائر في جهاز الفونوغراف بحيث يسمع المرء أنغامها على التعاقب من غير ما حاجة إلى إزعاج نفسه بتبديلها وتدعى هذه الخاصية بـ(Continuous Play) أي العرض المستمر.
ظهر الكوكتيل الغنائي في الأغنية العربية بشكل عام والعراقية بوجه خاص مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين ، وخصوصا بعد انتشار ورواج الأغاني الأجنبية والغربية ، وازدياد الإقبال على الاستماع إليها من قبل المستمع والمتلقي العراقي ، وانتشارها وتداولها عن طريق الاسطوانات وأشرطة الكاسيت والتسجيلات الصوتية ، وأشرطة الفيديو كاسيت. وبتاريخ (1/7/1980م) بدأ في بغداد بث برامج إذاعة الـ(F.M) للأغاني الأجنبية والغربية الشائعة فضلا عن الموسيقى الهادئة ، وانتشار قاعات وصالات الحفلات الغنائية والرقص في الفنادق الراقية والمجمعات السياحية ، والتي كانت تعرف في ذلك الوقت بالـ(ديسكوات) ومفردها الـ(ديسكو) وذلك نسبة إلى نوع من الغناء والإيقاعات الغربية الراقصة المعروفة بالـ(Disco) والتي ازداد عدد المستمعين لها والمتأثرين بها وخصوصا من قبل الشباب العراقي في تلك الفترة ، فبرزت ظاهرة مزج الأغاني أو ما كان يعرف بالـ(Mix) ، وخصوصا في تلك الصالات والحفلات التي يرقص فيها الشباب ، والتي دعت الحاجة إلى إفراغ كل طاقاتهم بالرقص المتواصل لفترة أطول ، إذ لم يعد زمن الأغنية الواحدة كافيا للرقص ، وتطلب الأمر وقت أطول للاستماع والاستمتاع والرقص. وكان الشخص المعروف بالـ(D.J) اختصاراً لما يسمى بـ(Disco Jockey) هو الشخص المختص لاختيار الاسطوانات أو أشرطة الكاسيت ، وتشغيلها في صالة الـ(ديسكو) حسب برنامج متسلسل يقوم بإعداده مسبقا ، وقد يضطر إلى تبديل بعض الأغاني حسب رغبة وطلبات الحضور من جمهور المستمعين أو الراقصين. ويعمل الـ(Disco Jockey) على تهيئة الأغاني الواحدة تلو الأخرى مباشرة دون أن يكون هناك أي توقف للأغاني أو الموسيقى وصخبها لكي يكون الرقص متواصلا لأطول وقت ممكن حتى يتبين له أن جمهور الراقصين بدأ بالتعب وعددهم بدأ يقل تدريجيا فيقوم بتغيير الأغاني من السريعة الصاخبة إلى البطيئة الـ(Slow) كي يعطي فرصة لاستراحتهم فيعود مرة أخرى لعرض الأغاني الصاخبة وهكذا...
كما ظهرت في تلك الفترة اسطوانات وأشرطة كاسيت من نوع الـ(Mix) والتي تكون فيها الأغاني ملتصقة ومتداخلة وبشكل متسلسل الواحدة بالأخرى ، وتأثر ذوق المستمع العربي والعراقي بهذه الموجة من الأغاني ، وبدأت محلات التسجيل الصوتي المحلية من إنتاج وتقديم الكوكتيلات المختلفة للبيع في محلاتها بعد أن لاقت رواجا في بيعها للمستمع والمتلقي العراقي أكثر من بيع الألبومات لمطرب أو مطربة معينة فكانت تلك الخلطة في كاسيت واحد لمجموعة من المطربين ، والمطربات ، والفرق الموسيقية أو الغنائية الأجنبية ، أو العربية ، أو العراقية ، تعتمد على ذوق صاحب محل التسجيلات في عملية اختيارها وتنسيقها في كاسيت واحد. حتى ظهرت كوكتيلات خاصة بكل نوع ، أي أما كوكتيلات خاصة فقط بالأغاني الأجنبية ، أو كوكتيلات عربية ، أو كوكتيلات عراقية ، وصولاً إلى إنتاج كوكتيلات تجمع بين كل تلك الأنواع من الغناء كأن تكون تبدأ بأغنية أجنبية ثم أغنية عراقية ثم أجنبية ثم عربية ثم أجنبية وهكذا...(وهذا النسق غالباً ما نجده متبعاً لحد الآن في العديد من الإذاعات مثل إذاعة سوا وغيرها) حتى أصبح كل كوكتيل يحتوي على أنواع أخرى لكل صنف رئيسي فمثلا الأغاني الأجنبية منها الأمريكية ، والفرنسية ، والألمانية ، والإيطالية ، والتركية ، والفارسية ، واليونانية ، والهندية ، والأغاني العربية منها المصرية ، والخليجية ، واللبنانية ، والمغربية ، والجزائرية ، والأغاني العراقية منها البغدادية ، والكردية ، والتركمانية ، والسريانية ، والبصراوية ، والمصلاوية...الخ ، وهكذا بدأت تتوسع دائرة الكوكتيلات شيئا فشيئا...كما ظهرت كوكتيلات لأنواع معينة من الغناء كأن يكون كوكتيل لأغاني الدبكات (الجوبي) فقط ، أو كوكتيل لأغاني الحب ، أو كوكتيل لأغاني المناسبات ، أو حفلات الأعراس ، أو الرقص أو ما يسمى بكوكتيلات (الردح)...الخ ، هذا مع أن العديد من الفرق الغنائية والمطربين والمطربات قاموا بتسجيل الكوكتيلات وتقديمها في ألبوماتهم الغنائية خلال التسجيل في الاستوديوهات ، أو من خلال تسجيل خاص بحفلات معينة. ولم تكن فكرة الكوكتيل معروفة ومنتشرة بكثرة من قبل تلك الفترة إذ كان المتعارف عليه أن ينتج الفنان ألبوما كاملا في كل اسطوانة ، أو كاسيت يحتوي على عدد من الأغاني المتنوعة من حيث الإيقاع والنغم ، وبعد ظهور الكوكتيل بدأ العديد من الفنانين من تقديم وتسجيل أغنية واحدة فقط كي تدرج ضمن احد الكوكتيلات في محلات التسجيلات الصوتية ، وبذلك استطاعوا من خفض تكاليف الإنتاج الفني ، فإن إنتاج أغنية واحدة اقل تكلفة من إنتاج ألبوم غنائي كامل ، لكن الحظ هنا يلعب دوره في أن تشتهر الأغنية وتلاقي رواجاً في غضون فترة قصيرة أو تواجه الفشل والركود أمام أغاني أخرى من قبل فنانين آخرين ضمن أغاني مختلفة تقدم في نفس الكوكتيل...وهنا بدأت المنافسة والسباق الفني بين الفنانين العراقيين من كتاب النصوص الغنائية ، والملحنين ، والمطربين في اختيار ما هو جيد ، ومتميز ، وجديد ، وتقديم أفضل ما تجود به قريحتهم الفنية للمستمع والمتلقي العراقي.
كما انتشرت في تلك الفترة ظاهرة جديدة وهي إعادة تسجيل الفنانين لأغنية من أغانيهم التي لاقت رواج ، وانتشار ، وشهرة واسعة ، بعد ازدياد الإقبال على تلك الأغنية ، فيقومون بإعادة توزيعها وتسجيلها عن طريق ما يعرف بطريقة الـ(Re-mix) وهي عملية إعادة المزج لتلك الأغنية في استوديوهات التسجيل الصوتي ، إذ يقوم مهندس الصوت المختص بإضافة بعض المؤثرات الصوتية على الأغنية ، أو زيادة الفواصل الإيقاعية ، أو اللوازم الموسيقية بين كوبليهات الغناء ، أو بتكرار تلك الكوبليهات ، أو مذهب الأغنية عدة مرات وفي كل مرة تختلف عن الأخرى...وهكذا.
ومن الجدير بالذكر أن يعود الفضل في تقديم الأغاني المختلفة بطريقة الكوكتيل الغنائي إلى البغداديون حيث كانوا يقومون بأداء أكثر من أغنية مرافقه للمقام العراقي (بسته) من قبل فرقة الجالغي البغدادي وبمشاركة الحضور في تلك الحفلات ، إذ يطلق البغداديون على هذه المجموعة من الأغاني المرافقة للمقام العراقي (البستات) لفظ (الزنجيل) وهو لفظ عامي يستخدمه البغداديون ، وأصله من الفارسية والتركية ، وتعني الزنجير أي السلسلة المعدنية المعروفة ومنها السلاسل الذهبية ، ويعرف الزنجيل باللبنانية بالـ(سنسال) ، وتؤدى هذه الأغاني (البستات) الواحدة تلو الأخرى بشكل متسلسل ومن دون انقطاع بحيث يغنى من كل أغنية المذهب فقط أو المذهب مع الكوبليه الأول أحياناً ثم تغنى الأغنية التالية مباشرة ومن دون فاصل موسيقي ، وقد يصل عدد الأغاني (البستات) من الزنجيل الواحد إلى عشر أغاني (بستات) تقريباً تزيد أو تنقص بحسب المناسبة ، كما يمكن أن يكون هناك تغيير في مقامات الأغاني (البستات) ويكون الانتقال في الأغاني (البستات) بين المقامات المتقاربة. أما بالنسبة للنموذج الإيقاعي المصاحب لها فكان يفضل أن يكون وزنه واحد ولا يتغير ، كأن يكون زنجيل من وزن الجورجينه ، أو من وزن المقسوم ، أو الوحدة وهكذا...، ومن هنا جاءت تسميتها بـ(الزنجيل) تشبها بحلقات السلسلة المترابطة الواحدة بالأخرى ، وصولا إلى أداء أغاني مختلفة الأنغام والإيقاعات بصورة متواصلة الواحدة تلو الأخرى وبذلك أصبحت عبارة عن كوكتيل كما هو متعارف عليه بشكله الحالي.
الباحث الموسيقي مهيمن إبراهيم الجزراوي
كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد
ارتبطت بعض أسماء أصناف الأطعمة والأشربة بأنواع الموسيقى والغناء مثل انتشار ظاهرة الكوكتيلات الغنائية في الحفلات الغنائية والتسجيلات الصوتية. ومن المعروف أن كلمة كوكتيل بالإنكليزية (Cocktail) تعني شراب مسكر قوي معد من خلط ومزج أصناف معينة من المشروبات الروحية مع بعضها البعض ، تعطي بالنتيجة طعما ومذاقا جديدا ومختلفا. كذلك الحال بالنسبة لخلط أنواع من العصائر أو سلطة الفواكه وغيرها. وقد استخدمت نفس كلمة الكوكتيل للدلالة على مجموعة من الأغاني المتنوعة لعدد من الفنانين جمعت في اسطوانة واحدة ، أو كاسيت واحد.
وتعود فكرة الكوكتيل الغنائي إلى جهاز قديم في أمريكا يدعى مبدلة الاسطوانات (Record Changer) وهو عبارة عن أداة ملحقة بالفونوغراف تقوم بتنزيل الاسطوانات أوتوماتيكيا واحدة إثر واحدة إلى القرص الدائر في جهاز الفونوغراف بحيث يسمع المرء أنغامها على التعاقب من غير ما حاجة إلى إزعاج نفسه بتبديلها وتدعى هذه الخاصية بـ(Continuous Play) أي العرض المستمر.
ظهر الكوكتيل الغنائي في الأغنية العربية بشكل عام والعراقية بوجه خاص مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين ، وخصوصا بعد انتشار ورواج الأغاني الأجنبية والغربية ، وازدياد الإقبال على الاستماع إليها من قبل المستمع والمتلقي العراقي ، وانتشارها وتداولها عن طريق الاسطوانات وأشرطة الكاسيت والتسجيلات الصوتية ، وأشرطة الفيديو كاسيت. وبتاريخ (1/7/1980م) بدأ في بغداد بث برامج إذاعة الـ(F.M) للأغاني الأجنبية والغربية الشائعة فضلا عن الموسيقى الهادئة ، وانتشار قاعات وصالات الحفلات الغنائية والرقص في الفنادق الراقية والمجمعات السياحية ، والتي كانت تعرف في ذلك الوقت بالـ(ديسكوات) ومفردها الـ(ديسكو) وذلك نسبة إلى نوع من الغناء والإيقاعات الغربية الراقصة المعروفة بالـ(Disco) والتي ازداد عدد المستمعين لها والمتأثرين بها وخصوصا من قبل الشباب العراقي في تلك الفترة ، فبرزت ظاهرة مزج الأغاني أو ما كان يعرف بالـ(Mix) ، وخصوصا في تلك الصالات والحفلات التي يرقص فيها الشباب ، والتي دعت الحاجة إلى إفراغ كل طاقاتهم بالرقص المتواصل لفترة أطول ، إذ لم يعد زمن الأغنية الواحدة كافيا للرقص ، وتطلب الأمر وقت أطول للاستماع والاستمتاع والرقص. وكان الشخص المعروف بالـ(D.J) اختصاراً لما يسمى بـ(Disco Jockey) هو الشخص المختص لاختيار الاسطوانات أو أشرطة الكاسيت ، وتشغيلها في صالة الـ(ديسكو) حسب برنامج متسلسل يقوم بإعداده مسبقا ، وقد يضطر إلى تبديل بعض الأغاني حسب رغبة وطلبات الحضور من جمهور المستمعين أو الراقصين. ويعمل الـ(Disco Jockey) على تهيئة الأغاني الواحدة تلو الأخرى مباشرة دون أن يكون هناك أي توقف للأغاني أو الموسيقى وصخبها لكي يكون الرقص متواصلا لأطول وقت ممكن حتى يتبين له أن جمهور الراقصين بدأ بالتعب وعددهم بدأ يقل تدريجيا فيقوم بتغيير الأغاني من السريعة الصاخبة إلى البطيئة الـ(Slow) كي يعطي فرصة لاستراحتهم فيعود مرة أخرى لعرض الأغاني الصاخبة وهكذا...
كما ظهرت في تلك الفترة اسطوانات وأشرطة كاسيت من نوع الـ(Mix) والتي تكون فيها الأغاني ملتصقة ومتداخلة وبشكل متسلسل الواحدة بالأخرى ، وتأثر ذوق المستمع العربي والعراقي بهذه الموجة من الأغاني ، وبدأت محلات التسجيل الصوتي المحلية من إنتاج وتقديم الكوكتيلات المختلفة للبيع في محلاتها بعد أن لاقت رواجا في بيعها للمستمع والمتلقي العراقي أكثر من بيع الألبومات لمطرب أو مطربة معينة فكانت تلك الخلطة في كاسيت واحد لمجموعة من المطربين ، والمطربات ، والفرق الموسيقية أو الغنائية الأجنبية ، أو العربية ، أو العراقية ، تعتمد على ذوق صاحب محل التسجيلات في عملية اختيارها وتنسيقها في كاسيت واحد. حتى ظهرت كوكتيلات خاصة بكل نوع ، أي أما كوكتيلات خاصة فقط بالأغاني الأجنبية ، أو كوكتيلات عربية ، أو كوكتيلات عراقية ، وصولاً إلى إنتاج كوكتيلات تجمع بين كل تلك الأنواع من الغناء كأن تكون تبدأ بأغنية أجنبية ثم أغنية عراقية ثم أجنبية ثم عربية ثم أجنبية وهكذا...(وهذا النسق غالباً ما نجده متبعاً لحد الآن في العديد من الإذاعات مثل إذاعة سوا وغيرها) حتى أصبح كل كوكتيل يحتوي على أنواع أخرى لكل صنف رئيسي فمثلا الأغاني الأجنبية منها الأمريكية ، والفرنسية ، والألمانية ، والإيطالية ، والتركية ، والفارسية ، واليونانية ، والهندية ، والأغاني العربية منها المصرية ، والخليجية ، واللبنانية ، والمغربية ، والجزائرية ، والأغاني العراقية منها البغدادية ، والكردية ، والتركمانية ، والسريانية ، والبصراوية ، والمصلاوية...الخ ، وهكذا بدأت تتوسع دائرة الكوكتيلات شيئا فشيئا...كما ظهرت كوكتيلات لأنواع معينة من الغناء كأن يكون كوكتيل لأغاني الدبكات (الجوبي) فقط ، أو كوكتيل لأغاني الحب ، أو كوكتيل لأغاني المناسبات ، أو حفلات الأعراس ، أو الرقص أو ما يسمى بكوكتيلات (الردح)...الخ ، هذا مع أن العديد من الفرق الغنائية والمطربين والمطربات قاموا بتسجيل الكوكتيلات وتقديمها في ألبوماتهم الغنائية خلال التسجيل في الاستوديوهات ، أو من خلال تسجيل خاص بحفلات معينة. ولم تكن فكرة الكوكتيل معروفة ومنتشرة بكثرة من قبل تلك الفترة إذ كان المتعارف عليه أن ينتج الفنان ألبوما كاملا في كل اسطوانة ، أو كاسيت يحتوي على عدد من الأغاني المتنوعة من حيث الإيقاع والنغم ، وبعد ظهور الكوكتيل بدأ العديد من الفنانين من تقديم وتسجيل أغنية واحدة فقط كي تدرج ضمن احد الكوكتيلات في محلات التسجيلات الصوتية ، وبذلك استطاعوا من خفض تكاليف الإنتاج الفني ، فإن إنتاج أغنية واحدة اقل تكلفة من إنتاج ألبوم غنائي كامل ، لكن الحظ هنا يلعب دوره في أن تشتهر الأغنية وتلاقي رواجاً في غضون فترة قصيرة أو تواجه الفشل والركود أمام أغاني أخرى من قبل فنانين آخرين ضمن أغاني مختلفة تقدم في نفس الكوكتيل...وهنا بدأت المنافسة والسباق الفني بين الفنانين العراقيين من كتاب النصوص الغنائية ، والملحنين ، والمطربين في اختيار ما هو جيد ، ومتميز ، وجديد ، وتقديم أفضل ما تجود به قريحتهم الفنية للمستمع والمتلقي العراقي.
كما انتشرت في تلك الفترة ظاهرة جديدة وهي إعادة تسجيل الفنانين لأغنية من أغانيهم التي لاقت رواج ، وانتشار ، وشهرة واسعة ، بعد ازدياد الإقبال على تلك الأغنية ، فيقومون بإعادة توزيعها وتسجيلها عن طريق ما يعرف بطريقة الـ(Re-mix) وهي عملية إعادة المزج لتلك الأغنية في استوديوهات التسجيل الصوتي ، إذ يقوم مهندس الصوت المختص بإضافة بعض المؤثرات الصوتية على الأغنية ، أو زيادة الفواصل الإيقاعية ، أو اللوازم الموسيقية بين كوبليهات الغناء ، أو بتكرار تلك الكوبليهات ، أو مذهب الأغنية عدة مرات وفي كل مرة تختلف عن الأخرى...وهكذا.
ومن الجدير بالذكر أن يعود الفضل في تقديم الأغاني المختلفة بطريقة الكوكتيل الغنائي إلى البغداديون حيث كانوا يقومون بأداء أكثر من أغنية مرافقه للمقام العراقي (بسته) من قبل فرقة الجالغي البغدادي وبمشاركة الحضور في تلك الحفلات ، إذ يطلق البغداديون على هذه المجموعة من الأغاني المرافقة للمقام العراقي (البستات) لفظ (الزنجيل) وهو لفظ عامي يستخدمه البغداديون ، وأصله من الفارسية والتركية ، وتعني الزنجير أي السلسلة المعدنية المعروفة ومنها السلاسل الذهبية ، ويعرف الزنجيل باللبنانية بالـ(سنسال) ، وتؤدى هذه الأغاني (البستات) الواحدة تلو الأخرى بشكل متسلسل ومن دون انقطاع بحيث يغنى من كل أغنية المذهب فقط أو المذهب مع الكوبليه الأول أحياناً ثم تغنى الأغنية التالية مباشرة ومن دون فاصل موسيقي ، وقد يصل عدد الأغاني (البستات) من الزنجيل الواحد إلى عشر أغاني (بستات) تقريباً تزيد أو تنقص بحسب المناسبة ، كما يمكن أن يكون هناك تغيير في مقامات الأغاني (البستات) ويكون الانتقال في الأغاني (البستات) بين المقامات المتقاربة. أما بالنسبة للنموذج الإيقاعي المصاحب لها فكان يفضل أن يكون وزنه واحد ولا يتغير ، كأن يكون زنجيل من وزن الجورجينه ، أو من وزن المقسوم ، أو الوحدة وهكذا...، ومن هنا جاءت تسميتها بـ(الزنجيل) تشبها بحلقات السلسلة المترابطة الواحدة بالأخرى ، وصولا إلى أداء أغاني مختلفة الأنغام والإيقاعات بصورة متواصلة الواحدة تلو الأخرى وبذلك أصبحت عبارة عن كوكتيل كما هو متعارف عليه بشكله الحالي.