غازي الضبع
05/11/2009, 13h42
الأصالة
اختلفت أنا وبعض أصدقائي ذات يوم حول مفهوم الأصالة
هل يفهم من مصطلح الأصالة الأقدمية أم الجودة أم ماذا ؟
وهل تقتصر الأصالة على كل ما هو قديم
وهل معنى ذلك أنه لا توجد أصالة الآن
نحن في منتدانا ندعو للاحتفاظ بكل ما هو أصيل
فما هو هذا الأصيل ؟
وكيف يتم تحديـده ؟
الحقيقة شغلتني هذه التساؤلات ، ودفعتني للبحث عن ماهية الأصالة ، ووضع تعريف لها
وخلصت من هذا البحث بالآتي :
معنى كلمة أصالة في اللغة العربية :
( الأصالة ) في الرأي : الإتيان بفكرة مبتكرة
( أصل ) الشيء : أساسه الذي يقوم عليه .
أصـّل الشيء : جعل له أصلا ثابتاً يبنى عليه
استأصل : نزعه بأصله
( الأصالة ) في الرأي : الإتيان بفكرة مبتكرة ،، وفي النسب : عراقته
وفيما ينسخ : النسخة الأولى المعتمدة
ومنه : أصول الحكم . وأصول الكتب
( الأصول ) – أصول العلوم : قواعدها التي تبنى عليها والأحكام
( الأصيل ) : الوقت حين تصفر الشمس لمغربها ( وجمعه ) آصال
( أصل ) – أصالة : ثبت وقوي . والرأي : جاد واستحكم
والنسب : شرف فهو أصيل
وبهذا يكون مفهوم الأصالة لغوياً هو جذور الشيء وبداياته منذ لحظة ابتكاره
فهل معنى هذا أن أصول أي شيء تكون قديمة أو ترجع للماضي
هنا ينقسم الرد إلى شعبتين
الشعبة الأولى ترد قائلة : نعم من هذا المفهوم للأصالة تكون أصول الأشياء كلها قديمة
والشعبة الثانية تقول : لا .. يبدو ان لفظة (اصالة) يمكن ان تكون صفة تطلق على اي عمل يبرز فيه نوع من أنواع الابداع.
وبذلك يشير البعض إلى أن هذه الاصالة يمكن ان تدل على معنيين .. أحدهما زمني والآخر منهجي أو كلاهما معا ، وحسب تعريف فؤاد زكريا ( وهو أستاذ فلسفة مصري ) مما يتفق مع هذا المفهوم نجد أنه يميز بين هذين المعنيين ، ويستبعد الاشارة الى الزمن ، على أساس أن الأصيل يتجاوز مفهوم الزمن.
ويتفق مع هذا التجاوز لمفهوم الزمن مفكرون آخرون كالجابري وحنفي.
بينما نجد ان كوكبة أخرى من المفكرين تعمد الى ربط هذا المفهوم بالماضي وبالتراث ، مما يعني الاشارة الضمنية الى أن الأصيل ينتمي زمنيا الى الماضي بحيث ان الأصالة تنحصر في القديم وإن كان نسبيا .
.. وهكذا نجد زاويتين مختلفتين لرؤية المفاهيم من خلال اطروحات المفكرين ، وعلى أي حال يمكن أن نجد اتفاقا على بعض الخطوط العامة لمفهوم الاصالة ندرجها فيما يلي :
** أولها : أن الأصالة تحوي صفة الابداع ، وإن كان الابداع يختلف بين أمة وأخرى ، ومجتمع وآخر مما يعني ان الأصالة مرتبطة خصوصياً بالثــقافة ، اذ تستمد قيّمها الداخلية من القيم التي تفرزها الثقافة الواحدة.
** ثانيها: أن الاصالة تحوي ضمن تركيبها الداخلي (حركية) ، بمعنى قابلية التطور والتجديد ، وباعتبار هذه الخصيصة يمكن لنا ان نتبنى الرأي الذي يميل اليه الجابري وحنفي، ان الاصالة تتجاوز مفهوم الزمن ، أي أنها لحظة ابداع لا زمنية ، وفي نفس الوقت تحوي ضمن طياتها بذور التجديد والاستمرار لا الانغلاق.
وإن تتبعنا بعض المقولات والنصوص التي تضمنت مفردة الأصالة فإن ذلك يكشف عن إرادة الدلالة بها على الثبات الذي ينجم عن ذاتية مطلقة وليست نسبية ، سواء استخدمت الأصالة هنا بالمعنى المضاد للتقليد ، وهو الابتكار والذاتية ، أو بمعنى يرادف التقليد ويتماشى معه.
والأصالة أدبياً هي الصدق الفني عند محمد غنيمي هلال ، فالصدق الفني هو أصالة الكاتب في تعبيره ، ورجوعه فيه إلى ذات نفسه ، لا إلى العبارات التقليدية المحفوظة ، ولهذا بدت الذاتية بوصفها شرطاً للأصالة ، عند محمد زكي العشماوي ، مؤدي لوصف الأصالة بأنها سمة من سمات الإبداع والابتكار .
وإذا كانت الذاتية خصوصية فردية تميز كل أديب على حدة فإن الأصالة في رأي محمد مندور شيء لا يرد إلى غيره ، وهي مجموعة من الخصائص التي تتميز بها روح عن روح .
أما لدى محمد مصطفى هدارة فإن الأصالة تغدو صفة للقدرة الإبداعية على تحويل المادة المنتقـاة أو المقروءة إلى نتاج شخصي للشاعر ، ولذا يفسر ما نجده من أصالة في شعر الشعراء الكبار بقوله " وليس هناك سر في هذه الأصالة اللهم إلا أن هؤلاء الشعراء الكبار لهم طريقة في أخذ ما يقرؤون ، وتمثيله حتى يصير جزءً منهم مرتبطأ بآرائهم وعواظفهم .
ومن هذا الأساس الذاتي دخلت الأصالة إلى معاجم المصطلحات الأدبية لتتصف بالضدية للتقليد والمحاكاة
فيذكر جبور عبد النور في معجمه الأدبي أن الأصالة أدبياً هي فرادة أو ابتكار أسلوباً ومضموناً ، أو تنكب على المناهج المطروقة ، والآراء الشائعة ، والعبارات الرائجة ، والصور المألوفة .
وترد الأصالة في معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب لمجدي وهبة بمعنى مقابل لمعنى محاكاة الكتاب ، إذا يقول : إن الأدب الأصيل في النقد الأدبي هو ذلك الذي يحاكي الطبيعة في أثر أدبي ..
أما من يحاكي غيره من الكتاب فليس بأصيل .
والحقيقة فإن مفهوم الأصالة قد اختلف عند الكثير من المفكرين والعلماء .
وفي تعريفي الشخصي لمفهوم الأصالة أن أصل الشيء هو بدايته منذ لحظة نشأته الأولى وابتكاره
وبالتالي فإن ابتكر أحدهم شيئاً في أيامنا هذه فهي أصالة في حد ذاتها
وبالتالي فالأصالة غير مرتبطة بزمن
فإن ابتكرت أنا شخصياً أي شيء اليوم فسيصبح أصيلا ، وبعد عدة أجيال فإن أفراد هذه الأجيال الجديدة ستنظر لي أن هذا الشيء الذي اخترعته شيء أصيل ..
ومن ابتكر أي شيء زمان ، ننظر له الآن على أنه شيء أصيل وقديم ، بالرغم من أنه وقتها كان حديثاً ..
ومن يمشي على نهج الأصالة فهو أصيل .
ياسين ( غازي الضبع ) - 5 نوفمبر 2009
اختلفت أنا وبعض أصدقائي ذات يوم حول مفهوم الأصالة
هل يفهم من مصطلح الأصالة الأقدمية أم الجودة أم ماذا ؟
وهل تقتصر الأصالة على كل ما هو قديم
وهل معنى ذلك أنه لا توجد أصالة الآن
نحن في منتدانا ندعو للاحتفاظ بكل ما هو أصيل
فما هو هذا الأصيل ؟
وكيف يتم تحديـده ؟
الحقيقة شغلتني هذه التساؤلات ، ودفعتني للبحث عن ماهية الأصالة ، ووضع تعريف لها
وخلصت من هذا البحث بالآتي :
معنى كلمة أصالة في اللغة العربية :
( الأصالة ) في الرأي : الإتيان بفكرة مبتكرة
( أصل ) الشيء : أساسه الذي يقوم عليه .
أصـّل الشيء : جعل له أصلا ثابتاً يبنى عليه
استأصل : نزعه بأصله
( الأصالة ) في الرأي : الإتيان بفكرة مبتكرة ،، وفي النسب : عراقته
وفيما ينسخ : النسخة الأولى المعتمدة
ومنه : أصول الحكم . وأصول الكتب
( الأصول ) – أصول العلوم : قواعدها التي تبنى عليها والأحكام
( الأصيل ) : الوقت حين تصفر الشمس لمغربها ( وجمعه ) آصال
( أصل ) – أصالة : ثبت وقوي . والرأي : جاد واستحكم
والنسب : شرف فهو أصيل
وبهذا يكون مفهوم الأصالة لغوياً هو جذور الشيء وبداياته منذ لحظة ابتكاره
فهل معنى هذا أن أصول أي شيء تكون قديمة أو ترجع للماضي
هنا ينقسم الرد إلى شعبتين
الشعبة الأولى ترد قائلة : نعم من هذا المفهوم للأصالة تكون أصول الأشياء كلها قديمة
والشعبة الثانية تقول : لا .. يبدو ان لفظة (اصالة) يمكن ان تكون صفة تطلق على اي عمل يبرز فيه نوع من أنواع الابداع.
وبذلك يشير البعض إلى أن هذه الاصالة يمكن ان تدل على معنيين .. أحدهما زمني والآخر منهجي أو كلاهما معا ، وحسب تعريف فؤاد زكريا ( وهو أستاذ فلسفة مصري ) مما يتفق مع هذا المفهوم نجد أنه يميز بين هذين المعنيين ، ويستبعد الاشارة الى الزمن ، على أساس أن الأصيل يتجاوز مفهوم الزمن.
ويتفق مع هذا التجاوز لمفهوم الزمن مفكرون آخرون كالجابري وحنفي.
بينما نجد ان كوكبة أخرى من المفكرين تعمد الى ربط هذا المفهوم بالماضي وبالتراث ، مما يعني الاشارة الضمنية الى أن الأصيل ينتمي زمنيا الى الماضي بحيث ان الأصالة تنحصر في القديم وإن كان نسبيا .
.. وهكذا نجد زاويتين مختلفتين لرؤية المفاهيم من خلال اطروحات المفكرين ، وعلى أي حال يمكن أن نجد اتفاقا على بعض الخطوط العامة لمفهوم الاصالة ندرجها فيما يلي :
** أولها : أن الأصالة تحوي صفة الابداع ، وإن كان الابداع يختلف بين أمة وأخرى ، ومجتمع وآخر مما يعني ان الأصالة مرتبطة خصوصياً بالثــقافة ، اذ تستمد قيّمها الداخلية من القيم التي تفرزها الثقافة الواحدة.
** ثانيها: أن الاصالة تحوي ضمن تركيبها الداخلي (حركية) ، بمعنى قابلية التطور والتجديد ، وباعتبار هذه الخصيصة يمكن لنا ان نتبنى الرأي الذي يميل اليه الجابري وحنفي، ان الاصالة تتجاوز مفهوم الزمن ، أي أنها لحظة ابداع لا زمنية ، وفي نفس الوقت تحوي ضمن طياتها بذور التجديد والاستمرار لا الانغلاق.
وإن تتبعنا بعض المقولات والنصوص التي تضمنت مفردة الأصالة فإن ذلك يكشف عن إرادة الدلالة بها على الثبات الذي ينجم عن ذاتية مطلقة وليست نسبية ، سواء استخدمت الأصالة هنا بالمعنى المضاد للتقليد ، وهو الابتكار والذاتية ، أو بمعنى يرادف التقليد ويتماشى معه.
والأصالة أدبياً هي الصدق الفني عند محمد غنيمي هلال ، فالصدق الفني هو أصالة الكاتب في تعبيره ، ورجوعه فيه إلى ذات نفسه ، لا إلى العبارات التقليدية المحفوظة ، ولهذا بدت الذاتية بوصفها شرطاً للأصالة ، عند محمد زكي العشماوي ، مؤدي لوصف الأصالة بأنها سمة من سمات الإبداع والابتكار .
وإذا كانت الذاتية خصوصية فردية تميز كل أديب على حدة فإن الأصالة في رأي محمد مندور شيء لا يرد إلى غيره ، وهي مجموعة من الخصائص التي تتميز بها روح عن روح .
أما لدى محمد مصطفى هدارة فإن الأصالة تغدو صفة للقدرة الإبداعية على تحويل المادة المنتقـاة أو المقروءة إلى نتاج شخصي للشاعر ، ولذا يفسر ما نجده من أصالة في شعر الشعراء الكبار بقوله " وليس هناك سر في هذه الأصالة اللهم إلا أن هؤلاء الشعراء الكبار لهم طريقة في أخذ ما يقرؤون ، وتمثيله حتى يصير جزءً منهم مرتبطأ بآرائهم وعواظفهم .
ومن هذا الأساس الذاتي دخلت الأصالة إلى معاجم المصطلحات الأدبية لتتصف بالضدية للتقليد والمحاكاة
فيذكر جبور عبد النور في معجمه الأدبي أن الأصالة أدبياً هي فرادة أو ابتكار أسلوباً ومضموناً ، أو تنكب على المناهج المطروقة ، والآراء الشائعة ، والعبارات الرائجة ، والصور المألوفة .
وترد الأصالة في معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب لمجدي وهبة بمعنى مقابل لمعنى محاكاة الكتاب ، إذا يقول : إن الأدب الأصيل في النقد الأدبي هو ذلك الذي يحاكي الطبيعة في أثر أدبي ..
أما من يحاكي غيره من الكتاب فليس بأصيل .
والحقيقة فإن مفهوم الأصالة قد اختلف عند الكثير من المفكرين والعلماء .
وفي تعريفي الشخصي لمفهوم الأصالة أن أصل الشيء هو بدايته منذ لحظة نشأته الأولى وابتكاره
وبالتالي فإن ابتكر أحدهم شيئاً في أيامنا هذه فهي أصالة في حد ذاتها
وبالتالي فالأصالة غير مرتبطة بزمن
فإن ابتكرت أنا شخصياً أي شيء اليوم فسيصبح أصيلا ، وبعد عدة أجيال فإن أفراد هذه الأجيال الجديدة ستنظر لي أن هذا الشيء الذي اخترعته شيء أصيل ..
ومن ابتكر أي شيء زمان ، ننظر له الآن على أنه شيء أصيل وقديم ، بالرغم من أنه وقتها كان حديثاً ..
ومن يمشي على نهج الأصالة فهو أصيل .
ياسين ( غازي الضبع ) - 5 نوفمبر 2009