المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : همس للنساء أولا


أحمد بارود
14/10/2009, 12h09
قد لا يستطيع المرء طوال عقود من عمره يقضيها في القراءة , أو النظر الى الأشياء بعيونٍ مفتوحة أن يعرف نفسه,أو يفتح لعقلة نافذة يطل منها على تلك النفس.. بينما تظهر أمامه , في لحظة إغفاء, صورة مضيئة لحقيقة بحث عنها طويلا, فيطبق عليها بجفنيه يقرأ في وهجها أو يعيد ,في هذا الوهج, قراءة نفسه من الداخل ,فيما قد يظن الذين يرونه مغمضا على هذا النحو بأنه نائم أو يحلم في أحسن تقدير.....
لذا فإني أحب اسأل عن النفس والحياة اولئك الذين نظنهم لا يرونها.. فالذي رأيته لم يكن حلما بل وحشا حقيقيا يركض نحوي ..تسلقت ,هربا منه, سفح الجبل حتى وصلت إلى القمة وإذا بي اتدحرج على السفح من الجهة الأخرى لترتطم رأسي بصخرة في القاع .. دارت بيَ الأرض وأظلم الفضاء.
أحسست ,بعد برهة, بشيئ ما دافئ خشن ورطب يمر على جبيني ,فتحت عيني لأرى نفس الوحش يلعقه ثم يقول لي..
.. انا الحياة يارائده وليس بوسعك الهروب مني ,لكن ستظلين في صراع معي مستمر..
عرفت حينها ان الحياة توجز حقيقتها وتبعثها بطرفة عين للذين يطبقون اجفانهم , كما وجدت في هذا سببا أفسّر به حبي لذلك الرجل الضرير .. ولعله لم يكن حبا بقدر ما كان ,في حينه, احساسا مبهما بأنه ,لسبب ما لا أدركه, يبدو قريبا مني.. ولم اكن اطمئن إلى ظنون , أعترف اليوم بأنها دفعتني,في احيانٍ كثيرة, الى تفسير ذلك الإحساس بأنه مجرد افتتانٍ بجمال وجهه وروعة قوامه بتضاريسه الجسدية اللافتة, وأنه ليس أبعد من تعبير ,شعوريٍ, عن رغبتي بامتلاك ذلك الجسد لدوافعٍ شهوانية.
حتى عرفت, أخيرا, أنني أحببته ولكن لأسبابٍ أخرى جعلتني انتصر على مثيرات ومنبهات الرغبة.. فقط لأنه يأخذني, بحديثه, من سطح الحياة الملوثة بتعدد الأشكال وتداخل الألوان الى أعماق بعيدة صافية ونقية .. واتأكد,في كل مرة استمع إليه, أن ما يقوله يشرح لي حقائق ظننتها كوابيس من قبل, بعد أن أوهمني غيره من الرجال المبصرين أنها كوابيس بالفعل.. وذلك عندما أوقعتني علاقاتي الجسدية بهم أسيرة لمعرفة وهمية مشوهة ترى ما على السطح الحقيقة بعينها حتى جاءني هذا الضرير ليقول لي..
- ان الليل ليس سباتا كما قد يتوهم المبصرون بل مسرحا لليقظة اتوجه فيه الى عالمٍ آخر غير عالمكم لأرى مشاهد يحجبها نور النهار عن اعين المبصرين.. ارى رجال ونساء صدقوا أنفسهم يانسون للعتمة ويتعجلون هبوط الظلام لينطلقوا ,في سباقٍ مع دوران الأرض, للحصول, قبل طلوع النهار, على حرية لا يحصلون عليها بعد طلوعه, فيلقي الرجال عن انفسهم أردية الصلابة المزيفة وينخرطون أبرياء,كالاطفال, في بكاءٍ عاصفٍ وسخي.. وتتعرّى النساء من ثياب نسجها الفقر والحرمان يحلمن بالحب يأتي هادرا وأعمى, مثلي, لكن حاملا معه الأمان ليجرف ,كالطوفان, كل السدود والقيود... يتبع بأمر الله

بديع الزمان1
15/11/2009, 21h12
اخ احمد بارود
رائع ما كتبت وقد اعجبتني الفكرة التي تظمنت موضوعك فهي توضع اوجه الحياة الغائبه عن المبصرين وتغوص في اللاوجود برحيلها الي عالم خلف المرئيات يراه الانسان وهو مغمض العينين وكما قلت تصعد الي اجل ثم تاخذ في الانحدار الذي قد ينسيك الصعود لقد احسست بصورة رائعة في كلماتك ويبقي كل له وجهة نظر وهذا جزء من ما استطعت ان استشفه من نصك
كل الود ونحن في الانتظار للبقيه كما وعدت