د أنس البن
29/09/2009, 23h32
هذه ليست أقصوصه وليست حكايه وليست روايه
فإن كان ولابد .. فلنقل خاطره أو خلجات نفس أو زفرات قلب
أو .... حديث نفس لشئ من عالم التمنى
.. لقاء ..
http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=165688&stc=1&d=1254267682
كاد رأسى أن ينفجر بمزاحمات الواقع مع الخيال وصراعات الحقيقة مع الوهم وتشاجر اليقظة مع النوم , لم أعد أفهم شيئا أو أعي شيئا , تداخلت الدوائر جميعا و تشابكت خيوطها , وتلاشت الحدود بين الواقع والخيال والحقيقة والوهم واليقظة والنوم ..
حلم , حقيقه , وهم , خيال , لا أدرى ......
كيف اجتمعنا سويا كل هذا الوقت , أحادثه ويحادثنى , أسمع منه ويسمع منى , علامات أصابعه لا تزال خطوطها على راحتى وأنا أشد على يده أقبلها , أذنى لا تزال تلتقط ترددات أنفاسه فى جنبات المكان على موجات صدى صوته , رائحة ثيابه التى عهدتها لم تبرح مكانه , كيف التقينا وهو هناك فى عالم الأرواح العلوى النورانى المطلق الباقى وأنا هنا فى عالم الأجساد الأرضى الترابى المقيد الفانى ..
إن كان ما حدث حقيقة واقعة , كيف لنا أن نجتمع ,كيف التقينا وتسامرنا زمنا خارج الزمن , وبين عالمينا ما بين الأزل والأبد ..............
تصورته لحظة حلم يقظة أو منام , لكن سرعان ما كذبتنى تلك القصاصة التى طواها ووضعها فى جيبى وأوصانى بعد أن خبط بكفه مرتين عليها كأنه يضع قفلا عليها ,ألا أفتحها حتى تشرق الشمس ....
آه , ها هى .. مكتوب فيها .... مكتوب فيها .... آية قرآنية .. إنها آية من سورة الزمر ... أجل سورة الزمر , بسم الله الرحمن الرحيم .. اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِيمَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُالْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ .. صدق الله العظيم .....
.... من المؤكد أنه يريد تنبيهى إلى أمر من خلال هذا النص القرآنى .. أو من خلال السوره ذاتها , ربما .. فإن بها حرف الواو العجيب .. المعروف بواو الثمانيه ......
على أية حال , يبدو أنه لا سبيل لحل تلك الإشكاليه وفك رموزها إلا أن أرجع إلى الوراء خطوة خطوه , واستعراض أحداث تلك الليلة العجيبة من بدايتها لحظة بلحظه ....
البداية كانت هنا .. فى غرفة المكتبه , على ضوء خافت لمصباح جانبى وأنا أتكئ على وسادة فوق "الكنبه الإسطمبولى" , أواصل فى استغراق ونهم قراءة ما تبقى من فصول كتاب ابن خلدون الأشهر "المقدمه" , قطعت فى قراءته شوطا طويلا حتى بدأت أقترب من منتصفه , وبينا أنا كذلك تناهى إلى أذنى وقع أقدام , أرهفت السمع , صوت هذه الأقدام ليس غريبا على مسامعى , لايمكن لأذناى أن تخطئها أبدا , قلت فى نفسى .. "معقول؟!.." إنتبهت مدهوشا إنها فعلا خطواته .. أجل خطوات أبى رحمه الله , وقبل أن أفيق من سؤالات تزاحمت برأسى فى لحظة مدهشة غمرتها مشاعر الخوف التى تملكتنى فوجئت به , مهيبا جليلا شامخا كما عهدته , يلج من باب الغرفة ويلقى على السلام ...
وثبت من على الأريكة وثبا نحوه وأنا أحتضنه غير مصدق أو فاهم لما أراه , أمسكت بيده بعد أن قبلتها مرارا وأجلسته على الأريكة , مكانه المفضل دائما ....
بعد أن زال الروع عنى سألته متجاوزا عشرات علامات الإستفهام ....
"أبى .. هل أصنع لك فنجان القهوة الذى تحبه من يدى ؟"
إبتسم قائلا ... "ألا زلت تذكر ... لا .. لا .. لا أستطيع .. فقط كوب من الماء البارد" .....
أسرعت إلى زجاجة ماء بارد , صببت منها كوبا ناولته إياه , كان يرشف الماء رشفة رشفة حتى ظننته أتى عليه , أخذته من يده ووضعته على المنضده دون أن أنتبه إلى أن الكوب على حاله , لم ينقص منه قطرة واحده .....
حمد الله ثم سألنى ...
"ماذا كنت تقرأ ؟" ...
"كنت أكمل ما بدأت قراءته فى مقدمة ابن خلدون , من تلك النسخة القديمة التى كانت فى مكتبتك" ....
"آه .. فى أى باب تقرأ ؟"
"إنتهيت إلى الفصل الثامن عشر , حيث يبين ابن خلدون أن نهاية العمران وبداية فساده يحدث إذا بلغ الغايه وهو ما يعرف بالحضاره"
"آه , تمام يا ابنى .. ما بعد الكمال إلا النقصان ، إنها موسوعة قيمه" .........
أشرق وجهه بابتسامته الوقورة الهادئة وأردف قائلا ...
" أتعرف بكم اشتريتها آنذاك ؟ , بثلاثة قروش من مكتبة الخانجى ودفعت قرشان لتجليدها , وقت أن كنت طالبا فى الأزهر , أظنها لا تزال على حالها ؟."
"نعم يا أبى , الحمد لله كما هى , متانة و نضارة , ليت أيامكم دامت"
مرت لحظات من الصمت قبل أن يقطعه بقوله .....
"شوف عندك فى مجموعة ابن القيم كتاب الروح , عايزك تقرأ لى فيه فقره"
قلت وأنا أبحث فى المكتبه .....
"آه موجود طبعا , دا حضرتك لم تترك أى كتاب لابن القيم إلا جمعته , يا سلام على مجموعة مدارج السالكين اللى بيفسر فيها كتاب الإمام الهروى منازل السائرين .... ,"
تعمدت أن أسترسل فى حديثى كسبا للوقت حتى أعثر على الكتاب وسط هذه الفوضى والعشوائية فى المكتبه , كنت أنتظر أن يحين الوقت الذى أستجمع فيه قواى وأعيد ترتيبها بعد النقلة الأخيرة للسكنى , لكنى فوجئت وأنا مستغرق فى حديث كسب الوقت بما هالنى وارتعدت له فرائصى , قاطعنى أبى وهو يشير بسبابته اليمنى إلى أحد الأرفف حتى أنها كادت تلامسه على بعد المسافه , ....
"الكتاب هنا ..."
تمالكت نفسى حتى لا أفقد توازنى وأنا أقف على أحد المقاعد , لم تكن المفاجأة فى معرفته لمكان الكتاب وسط هذه الفوضى , ولا فى يده التى رأيتها بعينى رأسى وهى تكاد تلامس الأرفف , وأظنه كان رفيقا بى فلم يمسك الكتاب بيده ويناوله لى , إنما كان وجه العجب والذهول أن أبى عاش عمره أعمى , كف بصره وهو دون الخامسة مع أطفال كثيرين فى زمنه إثر وباء مجهول لفيروس كان من مضاعفاته تدمير العصب البصرى , وربما كان هذا هو سبب إلحاقه بالكتاب ثم الأزهر بعد ذلك , فلم يكن يرجى من مثله أى نفع لأهله فى فلاحة أو صيد , ولا حيلة لهم أمام مثل هذا الإبتلاء إلا بإلحاقه بالكتاب ثم الأزهر بعد ذلك ......
تمالكت نفسى ونزلت وأنا أتصبب عرقا وبيدى كتاب الروح وقلت ....
"نعم يا مولانا , (هكذا كنا نخاطبه أحيانا كما كانت تفعل أمى وأحيانا نقول له من باب التدلل .. يا سى الشيخ أو يا سيدنا) ,
ماذا أقرأ لك ؟" ............
"قبل أن تقرأ , أود أن أخبرك بشئ عجيب" ........
مرت لحظات صمت , قلت فى نفسى ..."عجيب !! وهل هناك أعجب مما أنا فيه الآن , والله لكأنه منام" ...
"إسمع يا ابنى ... قبل أن آتيك زارنى جدك .. لم أره من قبل , فقد مات وأنا دون الثالثه .. العجيب أنه ظهر أمامى فى اللحظة التى كان يملك فيها كل مشاعرى , ولما ظهر أمامى عرفته حتى قبل أن يتكلم .. تحدثنا طويلا فى أمور شتى , ما علينا , إقرأ على ما كتبه ابن القيم حول تلاقى أرواح الموتى وتزاورها" ...
" نعم ... يقول الشيخ ... الأرواح قسمان .. أرواح معذبة .. فى شغل بما هى فيه من العذاب عن التزاور والتلاقى .....
وأرواح منعمه , وهى مرسلة غير محبوسة , تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها فى الدنيا ... وما يكون من أهل الدنيا ... فتكون كل روح مع رفيقها الذى هو على مثل عملها ... قال تعالى .. "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَاللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءوَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا" ... وهذه المعية ثابتة في الدنيا , والبرزخ , ودار الجزاء .....
كنت أقرأ وعيناى تترددان ما بين سطور الكتاب ووجه أبى لأراه يتهلل بشرا وسرورا وابتسامة رضا على شفتيه بينما يتسامى شيئا فشيئا ويشف إلى ذرات من هباء وشعاعات من نور أخذت تخفت رويدا رويدا حتى اختفى تماما من أمامى وأنا أنظر إليه مثبتا عيناى عليه غير خائف ولا وجل , ساكنا سكون عقارب الساعة التى توقفت عن حركتها ....
............. تمت ............
فإن كان ولابد .. فلنقل خاطره أو خلجات نفس أو زفرات قلب
أو .... حديث نفس لشئ من عالم التمنى
.. لقاء ..
http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=165688&stc=1&d=1254267682
كاد رأسى أن ينفجر بمزاحمات الواقع مع الخيال وصراعات الحقيقة مع الوهم وتشاجر اليقظة مع النوم , لم أعد أفهم شيئا أو أعي شيئا , تداخلت الدوائر جميعا و تشابكت خيوطها , وتلاشت الحدود بين الواقع والخيال والحقيقة والوهم واليقظة والنوم ..
حلم , حقيقه , وهم , خيال , لا أدرى ......
كيف اجتمعنا سويا كل هذا الوقت , أحادثه ويحادثنى , أسمع منه ويسمع منى , علامات أصابعه لا تزال خطوطها على راحتى وأنا أشد على يده أقبلها , أذنى لا تزال تلتقط ترددات أنفاسه فى جنبات المكان على موجات صدى صوته , رائحة ثيابه التى عهدتها لم تبرح مكانه , كيف التقينا وهو هناك فى عالم الأرواح العلوى النورانى المطلق الباقى وأنا هنا فى عالم الأجساد الأرضى الترابى المقيد الفانى ..
إن كان ما حدث حقيقة واقعة , كيف لنا أن نجتمع ,كيف التقينا وتسامرنا زمنا خارج الزمن , وبين عالمينا ما بين الأزل والأبد ..............
تصورته لحظة حلم يقظة أو منام , لكن سرعان ما كذبتنى تلك القصاصة التى طواها ووضعها فى جيبى وأوصانى بعد أن خبط بكفه مرتين عليها كأنه يضع قفلا عليها ,ألا أفتحها حتى تشرق الشمس ....
آه , ها هى .. مكتوب فيها .... مكتوب فيها .... آية قرآنية .. إنها آية من سورة الزمر ... أجل سورة الزمر , بسم الله الرحمن الرحيم .. اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِيمَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُالْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ .. صدق الله العظيم .....
.... من المؤكد أنه يريد تنبيهى إلى أمر من خلال هذا النص القرآنى .. أو من خلال السوره ذاتها , ربما .. فإن بها حرف الواو العجيب .. المعروف بواو الثمانيه ......
على أية حال , يبدو أنه لا سبيل لحل تلك الإشكاليه وفك رموزها إلا أن أرجع إلى الوراء خطوة خطوه , واستعراض أحداث تلك الليلة العجيبة من بدايتها لحظة بلحظه ....
البداية كانت هنا .. فى غرفة المكتبه , على ضوء خافت لمصباح جانبى وأنا أتكئ على وسادة فوق "الكنبه الإسطمبولى" , أواصل فى استغراق ونهم قراءة ما تبقى من فصول كتاب ابن خلدون الأشهر "المقدمه" , قطعت فى قراءته شوطا طويلا حتى بدأت أقترب من منتصفه , وبينا أنا كذلك تناهى إلى أذنى وقع أقدام , أرهفت السمع , صوت هذه الأقدام ليس غريبا على مسامعى , لايمكن لأذناى أن تخطئها أبدا , قلت فى نفسى .. "معقول؟!.." إنتبهت مدهوشا إنها فعلا خطواته .. أجل خطوات أبى رحمه الله , وقبل أن أفيق من سؤالات تزاحمت برأسى فى لحظة مدهشة غمرتها مشاعر الخوف التى تملكتنى فوجئت به , مهيبا جليلا شامخا كما عهدته , يلج من باب الغرفة ويلقى على السلام ...
وثبت من على الأريكة وثبا نحوه وأنا أحتضنه غير مصدق أو فاهم لما أراه , أمسكت بيده بعد أن قبلتها مرارا وأجلسته على الأريكة , مكانه المفضل دائما ....
بعد أن زال الروع عنى سألته متجاوزا عشرات علامات الإستفهام ....
"أبى .. هل أصنع لك فنجان القهوة الذى تحبه من يدى ؟"
إبتسم قائلا ... "ألا زلت تذكر ... لا .. لا .. لا أستطيع .. فقط كوب من الماء البارد" .....
أسرعت إلى زجاجة ماء بارد , صببت منها كوبا ناولته إياه , كان يرشف الماء رشفة رشفة حتى ظننته أتى عليه , أخذته من يده ووضعته على المنضده دون أن أنتبه إلى أن الكوب على حاله , لم ينقص منه قطرة واحده .....
حمد الله ثم سألنى ...
"ماذا كنت تقرأ ؟" ...
"كنت أكمل ما بدأت قراءته فى مقدمة ابن خلدون , من تلك النسخة القديمة التى كانت فى مكتبتك" ....
"آه .. فى أى باب تقرأ ؟"
"إنتهيت إلى الفصل الثامن عشر , حيث يبين ابن خلدون أن نهاية العمران وبداية فساده يحدث إذا بلغ الغايه وهو ما يعرف بالحضاره"
"آه , تمام يا ابنى .. ما بعد الكمال إلا النقصان ، إنها موسوعة قيمه" .........
أشرق وجهه بابتسامته الوقورة الهادئة وأردف قائلا ...
" أتعرف بكم اشتريتها آنذاك ؟ , بثلاثة قروش من مكتبة الخانجى ودفعت قرشان لتجليدها , وقت أن كنت طالبا فى الأزهر , أظنها لا تزال على حالها ؟."
"نعم يا أبى , الحمد لله كما هى , متانة و نضارة , ليت أيامكم دامت"
مرت لحظات من الصمت قبل أن يقطعه بقوله .....
"شوف عندك فى مجموعة ابن القيم كتاب الروح , عايزك تقرأ لى فيه فقره"
قلت وأنا أبحث فى المكتبه .....
"آه موجود طبعا , دا حضرتك لم تترك أى كتاب لابن القيم إلا جمعته , يا سلام على مجموعة مدارج السالكين اللى بيفسر فيها كتاب الإمام الهروى منازل السائرين .... ,"
تعمدت أن أسترسل فى حديثى كسبا للوقت حتى أعثر على الكتاب وسط هذه الفوضى والعشوائية فى المكتبه , كنت أنتظر أن يحين الوقت الذى أستجمع فيه قواى وأعيد ترتيبها بعد النقلة الأخيرة للسكنى , لكنى فوجئت وأنا مستغرق فى حديث كسب الوقت بما هالنى وارتعدت له فرائصى , قاطعنى أبى وهو يشير بسبابته اليمنى إلى أحد الأرفف حتى أنها كادت تلامسه على بعد المسافه , ....
"الكتاب هنا ..."
تمالكت نفسى حتى لا أفقد توازنى وأنا أقف على أحد المقاعد , لم تكن المفاجأة فى معرفته لمكان الكتاب وسط هذه الفوضى , ولا فى يده التى رأيتها بعينى رأسى وهى تكاد تلامس الأرفف , وأظنه كان رفيقا بى فلم يمسك الكتاب بيده ويناوله لى , إنما كان وجه العجب والذهول أن أبى عاش عمره أعمى , كف بصره وهو دون الخامسة مع أطفال كثيرين فى زمنه إثر وباء مجهول لفيروس كان من مضاعفاته تدمير العصب البصرى , وربما كان هذا هو سبب إلحاقه بالكتاب ثم الأزهر بعد ذلك , فلم يكن يرجى من مثله أى نفع لأهله فى فلاحة أو صيد , ولا حيلة لهم أمام مثل هذا الإبتلاء إلا بإلحاقه بالكتاب ثم الأزهر بعد ذلك ......
تمالكت نفسى ونزلت وأنا أتصبب عرقا وبيدى كتاب الروح وقلت ....
"نعم يا مولانا , (هكذا كنا نخاطبه أحيانا كما كانت تفعل أمى وأحيانا نقول له من باب التدلل .. يا سى الشيخ أو يا سيدنا) ,
ماذا أقرأ لك ؟" ............
"قبل أن تقرأ , أود أن أخبرك بشئ عجيب" ........
مرت لحظات صمت , قلت فى نفسى ..."عجيب !! وهل هناك أعجب مما أنا فيه الآن , والله لكأنه منام" ...
"إسمع يا ابنى ... قبل أن آتيك زارنى جدك .. لم أره من قبل , فقد مات وأنا دون الثالثه .. العجيب أنه ظهر أمامى فى اللحظة التى كان يملك فيها كل مشاعرى , ولما ظهر أمامى عرفته حتى قبل أن يتكلم .. تحدثنا طويلا فى أمور شتى , ما علينا , إقرأ على ما كتبه ابن القيم حول تلاقى أرواح الموتى وتزاورها" ...
" نعم ... يقول الشيخ ... الأرواح قسمان .. أرواح معذبة .. فى شغل بما هى فيه من العذاب عن التزاور والتلاقى .....
وأرواح منعمه , وهى مرسلة غير محبوسة , تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها فى الدنيا ... وما يكون من أهل الدنيا ... فتكون كل روح مع رفيقها الذى هو على مثل عملها ... قال تعالى .. "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَاللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءوَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا" ... وهذه المعية ثابتة في الدنيا , والبرزخ , ودار الجزاء .....
كنت أقرأ وعيناى تترددان ما بين سطور الكتاب ووجه أبى لأراه يتهلل بشرا وسرورا وابتسامة رضا على شفتيه بينما يتسامى شيئا فشيئا ويشف إلى ذرات من هباء وشعاعات من نور أخذت تخفت رويدا رويدا حتى اختفى تماما من أمامى وأنا أنظر إليه مثبتا عيناى عليه غير خائف ولا وجل , ساكنا سكون عقارب الساعة التى توقفت عن حركتها ....
............. تمت ............