المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وفاء عظيم ليس له حدود


مصطفى11
24/08/2009, 15h26
وفــــــاء

ورقة صغيرة كُتبت بخطٍ غير واضح ، تمكنت من قراءتها بصعوبة بالغة ...
فضيلة الشيخ : هل لديك قصة عن أصحاب أو إخوان ... أثابك الله ...
كانت صيغة السؤال غير واضحة ، والخط غير جيد...
سألت صديقي : ماذا يقصد بهذا السؤال ؟
وضعتها جانباً ، بعد أن قررت عدم قراءتها على الشيخ ...
ومضى الشيخ يتحدث في محاضرته والوقت يمضي ...
أذّن المؤذن لصلاة العشاء ...
توقفت المحاضرة ، وبعد الأذان عاد الشيخ يشرح للحاضرين ، طريقة تغسيل وتكفين الميت عملياً ...
وبعدها قمنا لآداء صلاة العشاء ...
وأثناء القيام سلّمت أوراق الأسئلة للشيخ من بينها تلك الورقة التي قررت أن استبعدها ، ظننت أن المحاضرة قد انتهت ...
وبعد الصلاة طلب الحضور من الشيخ أن يجيب على الأسئلة ...
عاد يتحدث وعاد الناس يستمعون ...
ومضى السؤال الأول والثاني والثالث ...
هممت بالخروج ، استوقفني صوت الشيخ وهو يقرأ السؤال ...
قلت : لن يجيب فالسؤال غير واضح ...
لكن الشيخ صمت لحظة ثم عاد يتحدث ...
حضرت في يوم من الأيام جنازة شاب لم يبلغ الأربعين ، ومع الشاب مجموعة من أقاربه ، لفت انتباهي ، شاب في مثل سن الميت يشاركني الغسل وهو يبكي بحرقة ولا يكفّ عن البكاء ،
ولسانه لايتوقف عن قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لاحول ولاقوة إلا بالله ...
وكنت بين لحظة وأخرى أصبّره وأذكّره بعظم أجر الصبر .
بكاؤه أفقدني التركيز ، هتفت بالشاب ...
- إن الله أرحم بأخيك منك ، وعليك بالصبر .
التفت نحوي وقال : إنه ليس أخي
ألجمتني المفاجأة ، مستحيل ، وهذا البكاء وهذا النحيب ؟
- نعم إنه ليس أخي ، لكنه أغلى وأعزعليّ من أخي ...
سكت ورحت أنظر إليه بتعجب ، بينما واصل حديثه ...
- إنه صديق الطفولة ، زميل الدراسة ، نجلس معاً في الصف وفي ساحة المدرسة ، ونلعب سوياً في الحارة ، تجمعنا براءة الأطفال في مرحهم ولهوهم ...
- كبرنا وكبرت العلاقة بيننا ، أصبحنا لا نفترق إلا دقائق معدودة ، ثم نعود لنلتقي ، تخرّجنا من المرحلة الثانوية ثم الجامعة معاً ...
التحقنا بعمل واحد ...
تزوجنا أختين ، وسكنا في شقتين متقابلتين ...
رزقني الله بابن وبنت ، وهو أيضاً رُزق ببنت وابن ...
عشنا معاً أفراحنا وأحزاننا ، يزداد الفرح عندما يجمعنا ، وتنتهي الأحزان عندما نلتقي ...
اشتركنا في الطعام والشراب والسيارة ...
نذهب عليها للعمل سوياً ونعود سوياً ...
واليوم ... توقفت الكلمة على شفتيه وأجهش بالبكاء ...
- يا شيخ هل يوجد في الدنيا مثلنا ؟...
خنقتني العبرة ، تذكرت أخي البعيد عني ، لا .. لا يوجد مثلكما ..
أخذت أردد ، سبحان الله ، سبحان الله ، وأبكي رثاء لحاله ...
انتهيت من غسله ، وأقبل ذلك الشاب يقبّله ...
لقد كان المشهد مؤثراً وهو يكاد ينشق من شدة البكاء ، حتى ظننت أنه سيهلك في تلك اللحظة ...
راح يقبل وجهه ورأسه ، ويبلله بدموعه ...
أمسك به الحاضرون وأخرجوه لكي نصلي على الميّت...
وبعد الصلاة توجهنا مع الجنازة إلى المقبرة ...
أما الشاب فقد أحاط به أقاربه ...
فكانت جنازة تحمل على الأكتاف ، وهو جنازة تدب على الأرض دبيباً ...
وعند القبر وقف باكياً ، يسنده بعض أقاربه ...
سكن قليلاً ، وقام يدعو ، ويدعو ...
انصرف الجميع ...
عدت إلى المنزل وبي من الحزن العظيم ما لا يعلمه إلا الله ، وتقف عنده الكلمات عاجزة عن التعبير ...
وفي اليوم الثاني وبعد صلاة العصر ، حضرت جنازة لشاب ، أخذت اتأملها ، الوجه ليس غريبا ، شعرت بأنني أعرفه ، ولكن أين شاهدته ...
نظرت إلى الأب المكلوم ، هذا الوجه أعرفه ...
تقاطر الدمع على خديه ، وانطلق الصوت حزيناً ...
يا شيخ لقد كان بالأمس مع صديقه ...
يا شيخ بالأمس كان يناول المقص والكفن ، يقلب صديقه ، يمسك بيده ، بالأمس كان يبكي فراق صديق طفولته وشبابه ، ثم انخرط في البكاء ...
انقشع الحجاب ، تذكرته ، تذكرت بكاءه ونحيبه ...
رددت بصوت مرتفع : كيف مات ؟
- عرضت زوجته عليه الطعام ، فلم يقدر على تناوله ، قرر أن ينام ، وعند صلاة العصر جاءت لتوقظه فوجدته ... وهنا سكت الأب ومسح دمعاً تحدر على خديه ، رحمه الله لم يتحمل الصدمة في وفاة صديقه ، وأخذ يردد : إنا لله وإنا إليه راجعون ...
- إنا لله وإنا إليه راجعون ، أصبر وأحتسب ، أسأل الله أن يجمعه مع رفيقه في الجنة ، يوم أن ينادي الجبار عز وجل : أين المتحابّون فيِّ اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي ...
قمت بتغسيله ، وتكفينه ، ثم صلينا عليه ...
توجهنا بالجنازة إلى القبر ، وهناك كانت المفاجأة ...
لقد وجدنا القبر المجاور لقبر صديقه فارغاً ...
قلت في نفسي مستحيل : منذ الأمس لم تأت جنازة ، لم يحدث هذا من قبل ...
أنزلناه في قبره ، وضعت يدي على الجدار الذي يفصل بينهما ، وأنا أردد ، يالها من قصة عجيبة ، اجتمعا في الحياة صغاراً وكباراً ، وجمعت القبور بينهما أمواتاً ...
خرجت من القبر ووقفت أدعو لهما : اللهم اغفر لهما وارحمهما ، اللهم واجمع بينهما في جنات النعيم على سرر متقابليْن ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ومسحت دمعة جرت ، ثم انطلقت أعزي أقاربهما ...
انتهى الشيخ من الحديث ، وأنا واقف قد أصابني الذهول ، وتملكتني الدهشة ، لا إله إلا الله ، سبحان الله ، وحمدت الله أن الورقة وصلت للشيخ وسمعت هذه القصة المثيرة ، والتي لو حدثني بها أحد لما صدقتها ...
وأخذت أدعو لهما بالرحمة والمغفرة ....
قصة ذكرها الشيخ عباس بتاوي مغسل الأموات


http://illiweb.com/fa/prosilver/arrow_up.gif (http://elfaric.yoo7.com/montada-f16/topic-t1641.htm#top) http://illiweb.com/fa/prosilver/arrow_down.gif (http://elfaric.yoo7.com/montada-f16/topic-t1641.htm#bottom)

abuzahda
26/08/2009, 03h05
أخي الكريم ، :emrose:الأستاذ مصطفى:emrose:

الأوفياءُ كـُثرٌ ، يعز حصرهم في هذا الزمان ، يراهم أمثالك من ذوي الأرواح الشفيفة

* * *

شاكرك ، شيخنا الجليل ، الأستاذ الوالد
:emrose:امحمد شعبان:emrose:

على إضاءاتك الرصينة

أقول ، أن هذه اللطيفة التي تفضلت بنقلها إلينا قد أثارت في نفسي سؤالاً ، و إن كان على هامش الموضوع ، إلا أنه تصدّر خاطري و أنا أقرأها - بعد عودتي من ميلودراما الأستاذ ياسين (http://www.sama3y.net/forum/showthread.php?t=72042)-

لماذا نحزن ؟

و لماذا الشرقيون أكثر مخلوقاتِ الله ، قدرة على الحزن ؟

فبينما نجد هذا الصديق الصدوق يلحق بصاحبه ، في تراجيديا ربّانيّة بليغة ، نجد الغربيين يدربون أبناءهم على تحمل صدمة الفقد ، باقتناء الحيوانات و الطيور - قصيرة العمر نسبياً - فيعتاد الطفل على فقد قطته أو ببغائه ، مرة تلو أخرى . حتى يكون موت أحد مقربيه حدثاً عادياً !


لماذا نحزن؟

لأننا قادرون على الحزن ، و هذه القدرة أعدّها من المواهب الربانية . نعم !
فهل يحزن إلا ذوو الأرواح الشفيفة؟
لكن الله بعدله ، قد منحنا - مع هذه القدرة – توأمتها ، وهي القدرة على الفرح . نحن نصل إلى مواطن الفرح بطرقٍ تعز على الملايين من ذوي الأرواح الصدئة البليدة . أولائك الـّذين ينفقون من المال و الوقت و الصحة ، ما يتصورون أنه يمنحهم السعادة . تلك السعادة البلاستيكية المعلبة ، المرهونة بلذةٍ زائفةٍ سرعان ما تزول .
هل يصل شارب خمرٍ إلى تلك النشوةِ التي تهدينها القصيدة أو الموسيقى ؟!
هل يعود من حانته بما نعود نحن به من متحفٍ أو مسرحٍ أو أمسية شعرية ؟!

إن ما نحصده من نشوةٍ متبتلة بقراءة ما قاله الأولون من فِكرٍ و فن ، لا يعود به خارجٌ من أحضانِ عشيقةٍ مؤقتة .

إذن فالأمر عبارة عن "باكج" – بتعطيش الجيم – علينا أن نقبله مكتملاً ، قدرة مزدوجة (ملك و كتابة) من نفس العملة : الإحساس .

و نحن لا نحب الحزن لهذا السبب ، لنواصل ادعاءنا رقة الروح ، و نحن لا نكره الحزن ، لأنه إحالة من البسطِ إلى القبض.
نحن قبلناه كما قبلنا أشكالنا ، هو سمة كلون العين و جرس الصوت ، هو قدرنا
حاجة كده زي الرزق . و "الأحزان بيد الله" !

أدعو الله لصديقي الوفاء ، بالرحمة و المغفرة
و للجميع بطول العمر و السعادة
أراك يا حبيبي - أبو زهدة - قد حلّقت بهذا الولد بعيدا بعيدا ...
ربما لي عودة لتبسيط هذه الفلسفة المتعدّدة الجوانب .

رائد عبد السلام
26/08/2009, 08h44
أخي الكريم ، :emrose:الأستاذ مصطفى:emrose:



الأوفياءُ كـُثرٌ ، يعز حصرهم في هذا الزمان ، يراهم أمثالك من ذوي الأرواح الشفيفة

* * *

شاكرك ، شيخنا الجليل ، الأستاذ الوالد
امحمد شعبان:emrose:

على إضاءاتك الرصينة

أقول ، أن هذه اللطيفة التي تفضلت بنقلها إلينا قد أثارت في نفسي سؤالاً ، و إن كان على هامش الموضوع ، إلا أنه تصدّر خاطري و أنا أقرأها - بعد عودتي من ميلودراما الأستاذ ياسين (http://www.sama3y.net/forum/showthread.php?t=72042)-

لماذا نحزن ؟

و لماذا الشرقيون أكثر مخلوقاتِ الله ، قدرة على الحزن ؟

فبينما نجد هذا الصديق الصدوق يلحق بصاحبه ، في تراجيديا ربّانيّة بليغة ، نجد الغربيين يدربون أبناءهم على تحمل صدمة الفقد ، باقتناء الحيوانات و الطيور - قصيرة العمر نسبياً - فيعتاد الطفل على فقد قطته أو ببغائه ، مرة تلو أخرى . حتى يكون موت أحد مقربيه حدثاً عادياً !


لماذا نحزن؟

لأننا قادرون على الحزن ، و هذه القدرة أعدّها من المواهب الربانية . نعم !
فهل يحزن إلا ذوو الأرواح الشفيفة؟
لكن الله بعدله ، قد منحنا - مع هذه القدرة – توأمتها ، وهي القدرة على الفرح . نحن نصل إلى مواطن الفرح بطرقٍ تعز على الملايين من ذوي الأرواح الصدئة البليدة . أولائك الـّذين ينفقون من المال و الوقت و الصحة ، ما يتصورون أنه يمنحهم السعادة . تلك السعادة البلاستيكية المعلبة ، المرهونة بلذةٍ زائفةٍ سرعان ما تزول .
هل يصل شارب خمرٍ إلى تلك النشوةِ التي تهدينها القصيدة أو الموسيقى ؟!
هل يعود من حانته بما نعود نحن به من متحفٍ أو مسرحٍ أو أمسية شعرية ؟!

إن ما نحصده من نشوةٍ متبتلة بقراءة ما قاله الأولون من فِكرٍ و فن ، لا يعود به خارجٌ من أحضانِ عشيقةٍ مؤقتة .

إذاً فالأمر عبارة عن "باكج" – بتعطيش الجيم – علينا أن نقبله مكتملاً ، قدرة مزدوجة (ملك و كتابة) من نفس العملة : الإحساس .

و نحن لا نحب الحزن لهذا السبب ، لنواصل ادعاءنا رقة الروح ، و نحن لا نكره الحزن ، لأنه إحالة من البسطِ إلى القبض.
نحن قبلناه كما قبلنا أشكالنا ، هو سمة كلون العين و جرس الصوت ، هو قدرنا
حاجة كده زي الرزق . و "الأحزان بيد الله" !

أدعو الله لصديقي الوفاء ، بالرحمة و المغفرة

و للجميع بطول العمر و السعادة




ياأستاذ :emrose:
ربنا يفتح عليك كمان وكمان
والله مالاقي كلام اقوله
بعد هذا (الدرس البليغ)

جزاك الله خيراً عن كل من قرأه
وأعمل فيه الفكر