المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفدية " بقلم : أحمد عطية "


أحمد عطية
19/07/2009, 08h51
غياب

بعد مرور الساعات الطوال على موعد عودة الحاج عبد الرحمن شرع أبنه الأكبر محمود فى إجراء عدة اتصالات تليفونية بزملاء أبيه ومعارفه .. وحين أكد التجار له أن والده غادر المحل الذي يمتلكه بالسوق فى سيارته وحده فى الموعد المعتاد ، طلبت الأم من محمود وأخوته الذكور الأربعة ، أن يتوجه كل منهم إلى الأماكن التي يحتمل أن يكون والدهم قد قصدها بعد خروجه من العمل .. وفى ساعة مبكرة من الصباح عاد الخمسة إلى أمهم دون أن يعثروا لأبيهم على أثر .. وهنا اضطرت العائلة إلى إبلاغ قسم البوليس عن واقعة الاختفاء .

عثرت الشرطة على السيارة فى موقع مهجور ، فانتفت بذلك شبهة وقوع حادث .. وحين أكدت العائلة أن الحاج كان صبيحة يوم اختفائه فى حالة نفسية عادية ، وأنه لم تكن بينه وبين أحد يعرفونه عداوة من القوة بحيث تثير شبهة قتله ، انتهى التحقيق إلى أن الاحتمال الغالب هو أن يكون بعض الأشقياء العارفين بثراء الحاج قد اختطفوه من أجل المطالبة بفدية كبيرة فيما بعد ، حين تكون حملة التفتيش قد هدأت .


*****

تحرر

مر شهران شهدت خلالهما حياة أسرة الحاج عبد الرحمن تغيرات شاملة .. فبعد أن استقر لدى أفرادها الاعتقاد بأن احتمال عودته ضئيل ، بدأوا فى ترتيب أمورهم على افتراض أن غيبته دائمة .. وقد حل الأبن الأكبر مكان أبيه فى سوق الفاكهة ، غير أنه لم يسلك مسلك أبيه بالتشدد فى أمور الأسرة .. فوسع فى الإنفاق عليها بإسراف .. واشترى لأخيه الأصغر الدراجة النارية التي يحلم بها منذ أمد بعيد ، والتي كان أبيه يأبى فى إصرار أن يبتاعها له ، خوفاً عليه .. ولم يعترض بكلمة واحدة ، ولا حتى بتعبير على وجهه ، حين رأى أمه وأخته يتخليان عن الحجاب ، وتعودان إلى الملابس العصرية.. ولم يعترض محمود على أخويه حين كانا يصرحان من وقت لآخر بأن لديهما إحساساً قوياً أن أباهما المختفي موجود بالأسكندرية ، أو فى مرسى مطروح أو مارينا أو فى شرم الشيخ .. وأن من واجبهما السفر إلى هذه المدينة أو تلك لعدة أيام ، مع عدد من الأصدقاء للبحث عنه .



*****

اللهم لا اعتراض

بعد مرور ثلاثة أشهر ، كانت الشرطة قد كفت عن البحث والتحقيق .. وفى إحدى أمسيات الأسبوع الأول من الشهر الرابع ، كانت العائلة مجتمعة أمام الدش يشاهدون روبى وهيفاء حين دق جرس التليفون وطلب المتحدث أن يكلم محمود .........



محمود .. والدك الحاج عبد الرحمن عندنا فى الحفظ والصون يا ولدى .. وأن أحببتم أن نرده لكم ، فتعال وحدك فى الثامنة من مساء الخميس القادم ومعك ربع مليون جنيه فدية له .. فى نفس المكان الذي عثرت فيه الشرطة على السيارة .. وإياك إياك اللجوء إلى أي تحايل أو إبلاغ البوليس بأمر هذه المكالمة ، وإلا قتلنا والدك .


أعاد محمود السماعة إلى مكانها وقد أصفر وجهه .. وأتجه إلى جهاز التليفزيون يطفئه ، ثم إلى مقعده بين أفراد العائلة يخبرهم بفحوى المكالمة .



أفيدوني برأيكم : نبلغ البوليس لنصب الكمين لهؤلاء الأشرار ، أم نستجيب للمطلب ونسلم المبلغ ..؟


تفرست الأم فى وجوه أولادها .. فلما لم يبد على أحدهم نية الرد قالت :



نحمد الله أولاً على أن والدكم حي يرزق .. كان الله معه فى محنته .. فأما عن إبلاغ الشرطة فأمر مستبعد أصلاً خشية أن يشعر المختطفون بالفخ المنصوب لهم فيصيبوا والدكم ـ والعياذ بالله ـ بمكروه من قبل أن تتمكن الشرطة من إنقاذه من براثنهم .. وأما عن الفدية المطلوبة فمبلغ فى مقدورنا دفعه ، وليست بالمبلغ الكبير.. غير أن لي اعتراضين على دفع هذه الفدية .. أولهما : أن أمر اختفاء الحاج بات معروفاً عند الكثيرين ونشرته الصحف ، ومن الجائز أن تكون المكالمة التليفونية مجرد حيلة من البعض من أجل الحصول على المال دون أن تكون له صله باختطاف ولا يكون قد شاهد والدكم قط .. والاعتراض الثاني قائم على مبدأ وهو أن الاستسلام لابتزاز المجرمين وإجابة مطالبهم ليسا فى مصلحة أحد منا .


أنصت الأولاد إلى حديث أمهم وفى أعينهم نظرات الإعجاب والفخر والفخار والتقدير العظيم لمنطقها وحكمتها .. وكان أن أيد جميعهم دون استثناء رأيها .. وكان أن مر اليوم الذي حدده المختطفون موعداً لتبادل الفدية بالأب دون أن يفعل الأولاد شيئاً .



*****

ولا حياة لمن تنادى

وفى صباح الجمعة جاءت المكالمة التليفونية الثانية :



محمود ..؟ ماذا حدث ..؟ لماذا لم تحضر فى الموعد الذي حددناه لك ..؟ أبوك بخير ويهديكم السلام ، ويطلب منكم التعجيل بافتدائه ، وسنكون فى نفس المكان يوم الأثنين القادم فى الثامنة مساء .. وهذا آخر إنذار منا .. وحذار من إبلاغ الشرطة .


وفى صباح الثلاثاء جاءت المكالمة الثالثة :



محمود ..؟ ما هذا ..؟ تريد أن يكلمك والدك لتطمئن إلى أنه معنا حقاً ..؟ هو الآن بجانبي أن أحببت أن تحادثه .. لا ..؟ هل المبلغ غير جاهز ..؟ هل هو أكبر مما يمكنكم جمعه ..؟ سنخفضه إلى عشرين ألفاً إكراماً لكم .. وآخر موعد هو الخميس , فى نفس المكان .. فإن لم تحضر تركنا لكم جثة الحاج فيه .


وفى صباح الجمعة :



محمود ..؟ ما هذا العبث ..؟ أهان عليكم والدكم إلى هذا الحد ..؟ لم نقتله هذه المرة إكراماً لكم .. غير أن صبرنا لن يطول .. وسنخفض المبلغ إلى عشرة آلاف .. موعدنا هو الثلاثاء القادم فى نفس المكان ونفس الوقت .. وقد أعذر من أنذر .


وفى صباح الأربعاء مجرد كلمتين فى نغمة حادة :



يا ولاد الكلب .!!!........




*****

تحريات

توقفت المكالمات مدة شهر .. والظاهر أن المختطفين أجروا خلاله تحرياتهم الخاصة عن مسلك أفراد الأسرة فى غياب الأب ، وراقبوا تحركاتهم ، حتى علموا بكل شيء .. وجاءت المكالمة التليفونية :



محمود ..؟ أنا عوضين .. أحد مختطفي والدك .. إسمعنى جيداً .. احضر مبلغ نصف مليون جنيه يوم الخميس القادم ، فى نفس المكان ونفس الوقت .. وإما اضطررنا إلى إخلاء سبيله .. وإن فضلتم أن يبقى فى ضيافتنا فلتدفعوا شهرياً مبلغ عشرة آلاف جنيه ولا أظن أن هذا المبلغ فيه مبالغة خاصة إن رأيتم أن نوسع الإنفاق عليه .


أعاد محمود السماعة إلى مكانها وقد أصفر وجهه واتجه إلى جهاز التليفزيون يطفئه ويخبر العائلة الكريمة بفحوى المكالمة .



*****

العرض

تفرست الأم فى وجوه أولادها ثم قالت :



نحمد الله أولاً على أن والدكم فى أكمل صحة وسعادة كما يقولون .. وفى ظني انه من العدل ، بل إن ذلك فيه مصلحة للحاج نفسه .. أن ندفع لهم .. فإن نحن لم ندفع لهم فقد يدفعهم الغضب والغيظ إلى إلحاق الأذى به .. بل وقد يقتلونه من قبيل الانتقام .. أرى من وجوهكم أنكم تؤيدون هذا الرأي .. حسناً .. نأتي إلى العرض الثاني .. وهو أن نترك الحاج فى ضيافتهم مقابل مبلغ .. ومن حيث المبدأ المبلغ غير كبير إذ أخذنا أمرين فى الاعتبار : ارتفاع تكاليف المعيشة ، ورغبتنا فى أن يلبوا للحاج كل مطالبه واحتياجاته المادية .. وإحاطته بالرعاية الكاملة ............




*****

الاتفاق

أقتنع كل أفراد الأسرة بمنطق الأم وحجتها .. وفى الساعة الثامنة من مساء الخميس كان محمود فى المكان المحدد يحمل حقيبة بها المبلغ المطلوب جميعه وشهر مقدم ..........




*****

الصفعة

وفى ليلة من ليالي العام التالي ، أستيقظ أفراد أسرة الحاج على جرس باب الشقة يرن رنيناً متواصلاً .. وحين هرع الجميع إلى الصالة فى ملابس النوم واتجه محمود لفتح الباب ، إذا بهم يرون والدهم الحاج ، لاهثاً يتصبب عرقاً , وقد علا وجهه الأحمر العريض تعبير أرتعد لمرآه الجميع .

بادرت الأم بعد أن أفاقت من ذهولها بالترحيب بزوجها .........

ـ ألف حمد الله على السلامة يا عبد الرحمن !!

ـ ألف حمد الله على السلامة يا بابا !

قال الحاج وهو يتفرس فى وجوههم :

ـ سلامة يا ولاد الكلب ..؟ سلامة يا ولاد ستين فى سبعين ..؟ طيب .. نؤجل الكلام إلى الغد .. هاتوا لي شيئاً آكله قبل أن أنام .

وهرعت الأم تجهز العشاء له .. وحاولت هي والأولاد استدراجه في الحديث وهو يلتهم الطعام لمعرفة ما حدث ، فلم يفهموا غير أنه تمكن فى غفلة من مختطفيه من أن يلوذ بالفرار ..........




*****

تليفون ضروري

دخل الحاج حجرته بعد العشاء فألقى بنفسه على الفراش دون أن يغير ملابسه ، ودون أن يشير عليه أحد بذلك .. وسرعان ما وصل غطيطه إلى أهله المجتمعين فى الصالة .

وساد الصمت الرهيب بينهم ربع ساعة ، فربع ساعة آخر .. ثم نظر محمود إلى أمه وأخوته يتفحص وجوههم ، ثم إذا به يتجه على أطراف أصابع قدميه إلى مكان التليفون ليطلب رقماً ويقول هامساً :



ألو !! عوضين ..؟ أنا محمود يا عوضين ........... !!!!!

Tarek Elemary
19/07/2009, 22h17
الأستاذ / أحمد عطية
القصة صادمة و خارج سياق المألوف لكنها تصلح لهذا الزمان، وكثير من الأسر المصرية (زوجة و أبناء) الذين إعتادوا غياب الأب للعمل بالخليج يتأففون من طول أجازته و يهتمون بهمٍ بالغ حين يدور له حديث عن العودة النهائية لحضن الأسرة الذى يفتقده و يطلبون من والدتهم التأثير عليه بمتطلبات الحياة و الشقق و السيارات و التجهيزات التى لا سبيل لتوفيرها إلا بسفره
نعم القصة مضمونها واقعى و متكرر بأشكال و صور مختلفة
قراءة أولية سريعة أحسست معها بالمتعة و الدهشة و سأعود لاحقاً

أحمد عطية
03/08/2009, 00h30
الأستاذ / أحمد عطية
القصة صادمة و خارج سياق المألوف لكنها تصلح لهذا الزمان، وكثير من الأسر المصرية (زوجة و أبناء) الذين إعتادوا غياب الأب للعمل بالخليج يتأففون من طول أجازته و يهتمون بهمٍ بالغ حين يدور له حديث عن العودة النهائية لحضن الأسرة الذى يفتقده و يطلبون من والدتهم التأثير عليه بمتطلبات الحياة و الشقق و السيارات و التجهيزات التى لا سبيل لتوفيرها إلا بسفره
نعم القصة مضمونها واقعى و متكرر بأشكال و صور مختلفة
قراءة أولية سريعة أحسست معها بالمتعة و الدهشة و سأعود لاحقاً

أخى الفاضل / طارق العمرى
السلام عليكم ورحمة الله
بالفعل كما تفضلت وذكرت محتوى القصة صادم ولكنه موجود وبكثرة هذه الأيام خاصة بعد أن طغت المادة على مناحى الحياة المختلفة وأصبح الكل يتسابق للحصول عليها بشتى الطرق والأساليب ، أسعدنى أنك تقرأ لى وأن أعمالى تروق لك .
خالص شكرى وتقديرى لشخصك الكريم