زياد العيساوي
18/07/2009, 14h51
بقلم : زياد العيساوي
إنّ ما يمرُّ به الغناء العربي في هذه الأيام من انحطاط ، زاد وضاعة ًعمّا كان عليه في العقدين المنصرمين ، و بوتيرة متسارعة ، لأمراً يدعونا إلى القلق و الاستشعار بالخطر الداهم ، و يدفعنا من ثم ، إلى سبر غور هذا الوضع المزري الذي بات عليه ، فحتى بداية ثمانينيات القرن المنقضي ، كانت حال الأغنية العربية لا بأس بها نوعاً ما ، على الرغم ممّا أصابها من وهن و هوان ، نتيجة ً لفقدان ثلاثة أصوات قامت عليها دعائم بنيانها في السبعين السنة الأخيرة منه ، و ذلك في سبعينياته تحديداً ، و هي أصوات كل من الموسيقار ' فريد الأطرش ' المتوفى في عام 1974 و سيدة الغناء العربي ' أم كلثوم ' في سنة 1975 ثم لحق بها بعد عامين فقط ، الفنان ' عبد الحليم حافظ ' فجاءت بداية الثمانينيات مختلفة المستوى ، و أضحت الأصوات الشابة تبحث لها عن مكانة طليعية ، بعد رحيل هذا الثالوث ، و شهد هذا العقد بروز أصوات لا يستهان بها ، مثل الفنانة ' ميادة الحناوي ' و ' سميرة سعيد ' و ' عزيزة جلال ' كما شهد مرحلة مخاض عسيرة ، خصوصاً و أنّ جلَّ الملحنين العباقرة ، ممّن أسهموا في لمعان الراحلين ' أم كلثوم ' و ' عبد الحليم حافظ ' كانوا ما يزالون على قيد الحياة ، بزعامة موسيقار الأجيال ' محمد عبد الوهاب ' و الملحنين المجددين ، أمثال ' محمد الموجي ' و ' كمال الطويل ' و ' بليغ حمدي ' و ' سيد مكاوي ' و من الجيل اللاحق ' محمد سلطان ' و ' حلمي بكر ' و ' عمّار الشريعي ' .
http://www.alzawraa.net/home/images/arts/arts%203/farid_191.jpg
فريد الأطرش
لكنّ وجود هذه الكوكبة من الملحنين ، لم تمنع من تدهور حال الغناء العربي ، ذلك لعدم توافر الأصوات الجميلة على النحو المطلوب ، فتمخض الجبل و ولد فأراً ، حيث إنّ عملية المخاض التي حدثت مع أول الثمانينيات ، أسفرت عن ولادة غير طبيعية و غير شرعية ، بظهور الموجة الهابطة ، التي ركبها كل من ركب رأسه ، و ارتكب جرماً بحق الغناء ، ممّن ليس لهم علاقة بفنّ الغناء إطلاقاً ، فعصفت هذه الموجة بتاريخ الأغنية العربية الصحية ، و مزقت صفحاته المشرفة و المشرقة ، و أساءت لجهود هؤلاء الفنانين العمالقة الذين خطّوه بحروف نوتاتهم ، خاصة ًو أنّ هذه الموجة طفحت على سطح نهر النيل في عاصمة الغناء العربي ( القاهرة ) التي كان لها فضل السبق في ازدهار الغناء العربي المتقن ، لعقود طوال على أيدي ثلة من الملحنين و الموسيقيين الروّاد ، منهم ' محمد عثمان ' و ' المسلوب ' و ' سلامة حجازي ' و ' سيد درويش ' و ' زكريا أحمد ' و غيرهم ، فقد تنكرت هذه الموجة لمجهودات و أمجاد هؤلاء جميعاً ، لكأنها من جيل مصاب برذيلة نكران الجميل ، و مفرِّط في إنجازاته و مكتسباته التي ورثها عن الرعيل الأول من الفنانين ، ما نجم عنه اختفاء أصحاب الأصوات الجميلة - التي هي على درجة معقولة و مقبولة من الحسن و البهاء ، و انجرار بعضها وراء هذا الغناء المائع الذي عُرفت به هذه الموجة - و الاحتفاء بأنصاف المغنين و أرباع المغنيات ، و القائمين على الشعوذة السحرية المسماة بالتوزيع الموسيقي ، إلى الحدّ الذي اضمحل معه الاستماع إلى الأداء بواسطة الصوت الجميل ، و شيئاً فشيئاً ، بتنا نرى غياب عنصر ثان ٍمن عناصر الغناء ، و هو الكلمة الملتزمة ذات المضمون الهادف ، حتى أصبحنا نسمع بعناوين لأغانٍ ، هي من السخف لدرجة أنني أتحرج من كتابتها لكم .
http://www.star-ee.net/vb/uploaded/8_1236859428.jpg
أم كلثوم
ثم أطلّ علينا عقد التسعينيات ، و مع بدايته ، فـُجـِعنا برحيل هرم الموسيقا العربية ' محمد عبد الوهاب ' بُعيد تقديمه للقائمين على الموجة الهابطة و من يجري في ركبها ، أخر نفائسه ، و هي رائعة ( من غير ليه ) كبارقة أمل في نهوض الأغنية العربية من سُباتها ، و كأنصع برهان على أنّ الأغنية العربية ، تستطيع أن تعود لأمجادها إذا ما أريد لها ذلك ، بتوافر جيل من الملحنين الحريصين عليها ، و زادت مصيبتنا بلحاق الملحن ' محمد الموجي ' به ، ثم توالت الأحزان برحيل الموسيقار ' كمال الطويل ' و ' بليغ حمدي ' فأصيبت الأغنية العربية في مقتل لم تستطع النهوض منه إلى يومنا هذا .
http://i135.photobucket.com/albums/q132/ocianacafe/abdelhalim1.jpg
عبد الحليم حافظ
http://www.mo5ayyam.com/vb/imgcache/43066.imgcache.jpg
محمد عبد الوهاب
فالأنهيار الكلي الذي أجهز على أخر ما تبقى لنا من زمن الغناء الجميل ، و دكّ أخر معاقل الأغنية العربية و عجّل في اندحارها أمام الموجة الهابطة التي عاثت فساداً فينا ، حدث جراء رحيل الملحنين ذوي الدراية بالموسيقا العربية ، و صعود جيل جديد ممّن يُحسبون عليها بالخطأ ، فلم يستكملوا ما لم ينجزه الأولون ، بل انجرفوا بالغناء العربي إلى مسالك ملتوية أدت به إلى المهالك ، فمع أواخر العقد الأخير من القرن الماضي ، خلت الساحة أمام عرّابي التطوير المزيف ، الذين أدّعوا التحديث في الموسيقا العربية ، عن جهل ، مع أن أحداً لم يطلب منهم ذلك ، فلو حافظوا على ما أنجزه الأولون و كفّوا عنا موسيقاهم ، لما وصلنا إلى هذه الحال ، نتيجة ً لعبثهم بحجة التطوير ، فاحتوت الموجة الهابطة ، حتى من يمتلكون الأصوات المدربة على الغناء العربي السليم ، و ضمتهم لطابور الواقفين على أبوابها ، لعدم وجود الملحنين الأكفاء الذين يحتضنون مواهبهم ، و منذ ذلك الأوان و إلى آننا هذا ، لم يقـُـم للغناء العربي قائمة ، و لن تقوم ، ما لم يأتِ موسيقي بارع يبعثه من كبوته .
إنّ ما يمرُّ به الغناء العربي في هذه الأيام من انحطاط ، زاد وضاعة ًعمّا كان عليه في العقدين المنصرمين ، و بوتيرة متسارعة ، لأمراً يدعونا إلى القلق و الاستشعار بالخطر الداهم ، و يدفعنا من ثم ، إلى سبر غور هذا الوضع المزري الذي بات عليه ، فحتى بداية ثمانينيات القرن المنقضي ، كانت حال الأغنية العربية لا بأس بها نوعاً ما ، على الرغم ممّا أصابها من وهن و هوان ، نتيجة ً لفقدان ثلاثة أصوات قامت عليها دعائم بنيانها في السبعين السنة الأخيرة منه ، و ذلك في سبعينياته تحديداً ، و هي أصوات كل من الموسيقار ' فريد الأطرش ' المتوفى في عام 1974 و سيدة الغناء العربي ' أم كلثوم ' في سنة 1975 ثم لحق بها بعد عامين فقط ، الفنان ' عبد الحليم حافظ ' فجاءت بداية الثمانينيات مختلفة المستوى ، و أضحت الأصوات الشابة تبحث لها عن مكانة طليعية ، بعد رحيل هذا الثالوث ، و شهد هذا العقد بروز أصوات لا يستهان بها ، مثل الفنانة ' ميادة الحناوي ' و ' سميرة سعيد ' و ' عزيزة جلال ' كما شهد مرحلة مخاض عسيرة ، خصوصاً و أنّ جلَّ الملحنين العباقرة ، ممّن أسهموا في لمعان الراحلين ' أم كلثوم ' و ' عبد الحليم حافظ ' كانوا ما يزالون على قيد الحياة ، بزعامة موسيقار الأجيال ' محمد عبد الوهاب ' و الملحنين المجددين ، أمثال ' محمد الموجي ' و ' كمال الطويل ' و ' بليغ حمدي ' و ' سيد مكاوي ' و من الجيل اللاحق ' محمد سلطان ' و ' حلمي بكر ' و ' عمّار الشريعي ' .
http://www.alzawraa.net/home/images/arts/arts%203/farid_191.jpg
فريد الأطرش
لكنّ وجود هذه الكوكبة من الملحنين ، لم تمنع من تدهور حال الغناء العربي ، ذلك لعدم توافر الأصوات الجميلة على النحو المطلوب ، فتمخض الجبل و ولد فأراً ، حيث إنّ عملية المخاض التي حدثت مع أول الثمانينيات ، أسفرت عن ولادة غير طبيعية و غير شرعية ، بظهور الموجة الهابطة ، التي ركبها كل من ركب رأسه ، و ارتكب جرماً بحق الغناء ، ممّن ليس لهم علاقة بفنّ الغناء إطلاقاً ، فعصفت هذه الموجة بتاريخ الأغنية العربية الصحية ، و مزقت صفحاته المشرفة و المشرقة ، و أساءت لجهود هؤلاء الفنانين العمالقة الذين خطّوه بحروف نوتاتهم ، خاصة ًو أنّ هذه الموجة طفحت على سطح نهر النيل في عاصمة الغناء العربي ( القاهرة ) التي كان لها فضل السبق في ازدهار الغناء العربي المتقن ، لعقود طوال على أيدي ثلة من الملحنين و الموسيقيين الروّاد ، منهم ' محمد عثمان ' و ' المسلوب ' و ' سلامة حجازي ' و ' سيد درويش ' و ' زكريا أحمد ' و غيرهم ، فقد تنكرت هذه الموجة لمجهودات و أمجاد هؤلاء جميعاً ، لكأنها من جيل مصاب برذيلة نكران الجميل ، و مفرِّط في إنجازاته و مكتسباته التي ورثها عن الرعيل الأول من الفنانين ، ما نجم عنه اختفاء أصحاب الأصوات الجميلة - التي هي على درجة معقولة و مقبولة من الحسن و البهاء ، و انجرار بعضها وراء هذا الغناء المائع الذي عُرفت به هذه الموجة - و الاحتفاء بأنصاف المغنين و أرباع المغنيات ، و القائمين على الشعوذة السحرية المسماة بالتوزيع الموسيقي ، إلى الحدّ الذي اضمحل معه الاستماع إلى الأداء بواسطة الصوت الجميل ، و شيئاً فشيئاً ، بتنا نرى غياب عنصر ثان ٍمن عناصر الغناء ، و هو الكلمة الملتزمة ذات المضمون الهادف ، حتى أصبحنا نسمع بعناوين لأغانٍ ، هي من السخف لدرجة أنني أتحرج من كتابتها لكم .
http://www.star-ee.net/vb/uploaded/8_1236859428.jpg
أم كلثوم
ثم أطلّ علينا عقد التسعينيات ، و مع بدايته ، فـُجـِعنا برحيل هرم الموسيقا العربية ' محمد عبد الوهاب ' بُعيد تقديمه للقائمين على الموجة الهابطة و من يجري في ركبها ، أخر نفائسه ، و هي رائعة ( من غير ليه ) كبارقة أمل في نهوض الأغنية العربية من سُباتها ، و كأنصع برهان على أنّ الأغنية العربية ، تستطيع أن تعود لأمجادها إذا ما أريد لها ذلك ، بتوافر جيل من الملحنين الحريصين عليها ، و زادت مصيبتنا بلحاق الملحن ' محمد الموجي ' به ، ثم توالت الأحزان برحيل الموسيقار ' كمال الطويل ' و ' بليغ حمدي ' فأصيبت الأغنية العربية في مقتل لم تستطع النهوض منه إلى يومنا هذا .
http://i135.photobucket.com/albums/q132/ocianacafe/abdelhalim1.jpg
عبد الحليم حافظ
http://www.mo5ayyam.com/vb/imgcache/43066.imgcache.jpg
محمد عبد الوهاب
فالأنهيار الكلي الذي أجهز على أخر ما تبقى لنا من زمن الغناء الجميل ، و دكّ أخر معاقل الأغنية العربية و عجّل في اندحارها أمام الموجة الهابطة التي عاثت فساداً فينا ، حدث جراء رحيل الملحنين ذوي الدراية بالموسيقا العربية ، و صعود جيل جديد ممّن يُحسبون عليها بالخطأ ، فلم يستكملوا ما لم ينجزه الأولون ، بل انجرفوا بالغناء العربي إلى مسالك ملتوية أدت به إلى المهالك ، فمع أواخر العقد الأخير من القرن الماضي ، خلت الساحة أمام عرّابي التطوير المزيف ، الذين أدّعوا التحديث في الموسيقا العربية ، عن جهل ، مع أن أحداً لم يطلب منهم ذلك ، فلو حافظوا على ما أنجزه الأولون و كفّوا عنا موسيقاهم ، لما وصلنا إلى هذه الحال ، نتيجة ً لعبثهم بحجة التطوير ، فاحتوت الموجة الهابطة ، حتى من يمتلكون الأصوات المدربة على الغناء العربي السليم ، و ضمتهم لطابور الواقفين على أبوابها ، لعدم وجود الملحنين الأكفاء الذين يحتضنون مواهبهم ، و منذ ذلك الأوان و إلى آننا هذا ، لم يقـُـم للغناء العربي قائمة ، و لن تقوم ، ما لم يأتِ موسيقي بارع يبعثه من كبوته .