المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نور الهدى


MUNIR MUNIRG
16/07/2009, 18h16
نور الهدى: من كبيرات المظلومات في عالم الفن العربي
والدها كان رقيبا دائما لها ومنعها من أية علاقة مع رجل
بيروت ـ 'القدس العربي' من زهرة مرعي:المطربة اللبنانية نور الهدى كانت ختام محاضرات الباحث الفني الياس سحاب في مكتبة السبيل في بيروت قبل استراحة تمتد لشهري آب وأيلول. بدأ واصفاً إياها بالكبيرة، إنما حجمها الفني أكبر بكثير من السمعة والشهرة التي تمتعت بها. شهرتها لم تُعمم كما حصل مع السيدتين فيروز وأم كلثوم وكذلك أسمهان. هؤلاء أخذن حقهنّ وبقيت نور الهدى من كبيرات المظلومات في عالم الفن في الوطن العربي، بحسب توصيف سحاب.
يقول سحاب: مجموعتها الغنائية غنية جداً. هي مطربة كلاسيكية شاملة. لديها مئات الأغنيات، ولا أدعي الإلمام بكل ما غنت، ومن المؤكد أني ملم بمعظم أو بكل أغنياتها الكبيرة الدسمة التي أسست مجدها الفني.
في بحثه هذا اعتمد سحاب على ثلاثة لقاءات شخصية أجراها معها أيام عزلتها في فرن الشباك شرق بيروت، وعلى كتاب العميد المتقاعد في الجيش اللبناني أسعد مخول. ولدت نور الهدى في سنة 1924 في مدينة مرسين التركية حيث كان والدها مهاجراً إلى هناك واسمها هو ألكسندار بدران. ولدت من عائلة أرثوذكسية، وتأثرت بالطقس الديني الأورثوذكسي الذي يعتمد على النغم البيزنطي. وفي الكنيسة بدأ وجدانها الموسيقي يتكون. ولاحقاً تربت وترعرعت في كنف المدرسة الفنية لمحمد عبد الوهاب، الذي كانت تسمع صوته يصدح من فونوغراف الجيران، حيث كانت تجلس لتستمع إليه بإنصات تام.
ويقول الباحث الياس سحاب أن نور الهدى كانت مغرمة باثنتين من أغنيات عبد الوهاب الأولى أغنية 'اللي راح راح يا قلبي' التي تعتبر من أصعب مواويله. وهي تحتاج لمطرب كبير كي يتمكن من أداء التنقلات المقامية غيرالعادية الموجودة في هذه الأغنية. ونور الهدى تمكنت من أدائها في طفولتها. وكذلك قصيدة يا جارة الوادي التي تعترف نور الهدى بأنها شكلت وجدانها الفني.
ويتحدث سحاب عن نشأة نور الهدى في منطقة المزرعة في بيروت حيث كان والدها يعمل مقاولاً ويهوى الفنون، وكان مغرما بشكل خاص بعبد الوهاب وفتحية أحمد. وببلوغ نور الهدى عمر الـ9 سنوات تبلورت موهبتها الفنية، لكن والدها كان متعصباً ومحافظاً جداً ورافضاً لاحترافها الفن، على عكس زوج عمتها والد المونولوجيست فريال كريم الذي كان يشجعها على الاحتراف. زوج عمتها وجد فيها موهبة كبيرة وحملها إلى الملحنين الشهيرين في ذلك الحين نقولا المني وسليم الحلو. والثاني كان خبيراً في الموشحات من الدرجة الأولى فتلقت على يديهما بعض التدريب. وقدمت في طفولتها أول حفل دون إذن من والدها. وعندما عرف بحفلها لحق بها إلى المسرح، ولدى انتهائها من الغناء شدها من شعرها، ولم يتح لها أن ترد التحية للجمهور. ومن ثم حملها معه إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان حيث كان يعمل، وسجنها في غرفة لسنة كاملة. وفرض عليها رقابة عسكرية ليتأكد ما إذا كانت تقرأ في الكتب المدرسية التي جلبها لها. وبعد سجن لسنة أعادها إلى بيروت لأنه شعر بأن موهبة ابنته أكبر من أن تُقمع بهذا الشكل الذي مارسه عليها. ولاحقاً وافق أن تغني بشرط أن يكون رفيقها الدائم. وهو انتقل معها إلى مصر عندما صارت في زمن قصير نجمة سينمائية وبقي ملازماً لها كخيالها، وبقي قاسياً عليها حتى آخر حياتها. وحتى بعد مماته بقيت رقابته مفروضة عليها وصارت جزءاً من تكوينها الداخلي ونفسيتها.
ويعلق سحاب: نور الهدى ونتيجة سطوة والدها ورقابته لم تعرف رجلاً في حياتها. والرجل الوحيد الذي قبلها من فمها كان محمد عبد الوهاب لأن الحب بينهما كان متبادلاً. ويقول سحاب: هذا ما أخبرتني به في لقاءاتي معها.
قسّم سحاب حياة نور الهدى إلى ثلاث مراحل. الأولى ما قبل سنة 1943 والتي أمضتها بين لبنان وحلب، والثانية بين 1943 و1953 والتي أمضتها في القاهرة والتي شكلت سنوات اللمعان السينمائي في حياتها. وكانت حينها تقف رأساً برأس مقابل ليلى مراد. والثالثة من سنة 1953 حتى وفاتها في بيروت في سنة 1998.
في الجانب التحليلي السماعي من هذا اللقاء حول صوت نور الهدى كان السماع الأول مع الموال البغدادي 'يا مدبر الكون'. وصفه سحاب بالموال البيروتي وبالتحديد هو مرتبط بحيي المزرعة والمصيطبة الشهيرين في بيروت. وقال سحاب: شعر هذا الموال يذكرنا بالعتابا لكنه أكثر تعقيداً منه. وهو من أجمل أشكال الموسيقى اللبنانية المحلية.
في أواخر سنة 1942 انتقلت نور الهدى إلى القاهرة وكانت فتحية أحمد مُعجبة بها وبصوتها. ويقول سحاب: في ذلك الحين انتقل يوسف وهبي من نجم مسرحي إلى نجم سينمائي ومنتج وكان يبحث عن بطلات لأفلامه التي كان يقدمها بغزارة كبيرة. فعمل مع نور الهدى وصباح وكارم محمود، في حين كانت ليلى مراد محتكرة من قبل أنور وجدي. وهو قصد حلب لسماع صوت نور الهدى بعد أن لفتت فتحية أحمد نظره إلى موهبتها. وقد ذهل بصوتها. كما كانت لديها مسحة جمال.
وفي وصفه لصوتها قال سحاب: صوت نور الهدى بديع يشبه آلة الكمان لشدة حنانه، وهو يتساوى بأنغام تلك الآلة في بعض المقاطع. هو صوت رقيق في عذوبته ومصقول وقد قلّ نظيره. وعندما طلبها يوسف وهبي للتمثيل غادرت لبنان بالقطار عن طريق فلسطين برفقة والدها.
ويقول في مسألة اختيار اسمها الفني أن مجموعة من الأسماء من بينها نور الهدى وصباح وضعت في قبعة وقد اختارت نور الهدى بالقرعة أحدها وكان اسمها الذي لا زمها حتى نهاية حياتها. وهي كانت فخورة بهذا الاسم الذي يجمع بين الديانتين السماويتين نور السيد المسيح والهدى الذي جاء مع الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم).
في أفلام نور الهدى يقول سحاب بأن أولها كان فيلم 'جوهرة'. وكرت من بعده السبحة بحيث قدمت 30 فيلماً بين سنتي 1943 و1953، وهي لم تكن جميعها بنفس السوية على صعيد القصة والإخراج. ويعلق سحاب: تحولت نور الهدى إلى نجمة غناء كبيرة لكنها لم تتحول إلى نجمة سينمائية كبيرة. وهذا لم يكن عيباً فنياً لديها. فشادية كانت ممثلة كبيرة لكنها كانت مغنية بحجم صغير.
أولى أغنيات أفلامها كانت 'يا أتوموبيل يا جميل محلاك من ورا صاحبك أنا راكباك'. أدتها في فيلم 'جوهرة' وكانت بعمر ال19 سنة وتميز صوتها بالنضوج. وقد ظهرت وهي تبيع الذرة واليانصيب، ومن ثم يظهر يوسف وهبي بسيارته فتعربش عليها وتبدأ الغناء. وهذه الأغنية شكلت الاستماع الثاني في الجلسة المخصصة لسيرة نور الهدى.
يوضح سحاب بأن نور الهدى تحولت إلى نجمة شباك وعملت مع منتجين آخرين خاصة وأن صوتها أقنع كبار الملحنين الذين كانوا في عز نضوجهم وحيويتهم الفنية. لم يبق ملحن لم تتعامل معه منهم محمد القصبجي، زكريا أحمد، عبد العزيز محمود ومحمد عبد الوهاب.
الاستماع والتحليل الثالث كان مع أغنية 'إيدوا الشموع وإسقوا الشربات' للملحن الكبير محمد القصبجي. وفي هذه الأغنية يقول سحاب إن نور الهدى تظهر في مشهد فرح وحفل في صالة مندمجة تغني للعروسين. وفي وسط الأغنية تتذكر حالها وواقعها فتنتقل إلى مقطع غريب درامي وحزين. وقد اعتبره سحاب من أبرز المقاطع الموسيقية في تاريخ الموسيقى العربية.
يتوقف سحاب عند علاقة نور الهدى بمحمد عبد الوهاب ويقول: هو أكثر فنان أُفتتنت به نور الهدى وبقيت لآخر عمرها تسمعه بذهول. كانت مأخوذة بفنه كملحن وكمغن باعتباره من نجوم السينما الغنائية في الثلاثينيات. وقد مثلت فيلماً معه واعتبرته من أحلام حياتها التي تحققت وذلك في سنة 1946 وهو فيلم 'لست ملاكاً' وكان آخر أفلام عبد الوهاب. وقد تضمن الفيلم عدة ألحان من أجملها 'ما تقولي مالك محتار يا قلبي'. كذلك ترك عبد الوهاب لنور الهدى أن تغني مقطعاً من أغنية 'شبكوني ونسيوني أوام' وهو غنى الباقي. وقد عرض عليها تسجيلها لكنها رفضت وقالت له ليسجلها بمفرده لأنه شديد الإعجاب بها.
ومن ثم كان استماع لأغنية 'الدنيا ساعة وصال' من فيلم 'قبلني يا أبي'. ويصف سحاب صوتها في هذه الأغنية بالكمان العادي والأغنية من ألحان عبد الوهاب. ووصفها من أجمل ما غنت ومن أجمل ما لحن عبد الوهاب.
سنة 1953 غادرت نور الهدى القاهرة لمشاكل مع الضرائب المصرية، ونتيجة سيطرة والدها الذي لم ير الأجواء الفنية مناسبة لابنته. وعندما كانت أم كلثوم نقيبة الفنانين استصدرت قراراً سمحت فيه لنور الهدى بالتمثيل والغناء في الأفلام وليس بالحفلات في مصر. وقال سحاب: كانت أم كلثوم جبارة في مثل تلك الأمور، كما وكانت تضيق صبراً من المنافسة. ووصف سحاب عودتها إلى لبنان بأنها كانت شبه نهاية للماعيتها الفنية، لأنها غادرت مدارها المؤلف من ذكريا أحمد، رياض السنباطي، محمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي.
وفي لبنان قدمت فيلما لم ينجح في سنة 1958. ولمعت لها ألحان مع الفنان خالد أبو النصر. ومن ثم أدت بعد أدوار محمد عبد الوهاب التي ليس لها تسجيل محفوظ ومنها 'لو كان فؤادك يصفالي'. وعندما سمعه عبد الوهاب قال أن أحداً لا يمكنه تسجيله بهذا النقاء سوى نور الهدى وسعاد محمد. وقد برزت مقدرتها الصوتية في الآهات التي يتضمنها هذا الدور. فنور الهدى عندما تصل لذروة نضجها الفني تقول ما هو معجزة بحسب وصف الباحث الياس سحاب.
وختم سحاب بأن أجمل ما سجلته نور الهدى في لبنان كانت قصيدة 'يا جارة الوادي' على المسرح لمدة ساعة من الزمن قالت خلالها الكثير من الارتجالات برفقة فرقة عبود عبد العال. كما سجلتها للإذاعة اللبنانية بدون مصاحبة موسيقية في منزلها في بحمدون.

hossam yehia
05/09/2009, 23h46
لكم جميعا 1000 شكر على مجهودكم الرائع