علاء طه ياسين
27/05/2009, 17h25
كان ياما كان ..
عيدان الدرة في الغيطان عالية .. والجو حرارة .. وكأن جهنم فتحت باب من بيبانها .. وعاوزين نجيب كام قنديل درة نشويهم .. ومفيش علي الجسور صريخ ابن يومين .. بس فيه عفريت القيالة .. العفريت اللي مكانشي يطلع إلا علي الجسور التراب اللي وسط الغيطان .. مكانشي فيه جسور مرصوفة أياميها .. عفريت القيالة ده مكانشي يطلع إلا في عز الضهر .. غتاتة بقا ..
وكنا نلم بعضينا شوية عيال اصحاب .. ونشجع بعض .. ونمشي علي الجسر واحنا حافيين .. كانت حالتنا علي قدها .. الفقر والحياة الجافة .. والتراب كان سخن بيلسع ..
نمشي واحنا خايفين من صاحب الغيط ومن العفريت .. وندخل جوه غيط الدرة .. ونبدأ نقطع القناديل .. ولما كانت أي نسمة هوا تلعب في عيدان الدرة .. تميل العيدان علي بعضيها وتعمل صوت .. كنا نطلع نجري وكأن فيه مليون عفريت بيجروا ورانا ..
وطبعا الأخد بالتار كان بيكتر في الأيام دي .. فالبندقية اللي مترصدة .. تلاقيها مدارية ورا عيدان الدرة .. واللي عليه العين راجع من الغيط قرب المغارب .. مش داري باللي مخبياه الأقدار .. مع إنه بيكون حذر جدا .. وفجأة يطلع الطلق الناري المكتوم .. يعني العيار صايب .. وتنقلب البلد .. وتتقلب المواجع .. وتسمع العدودة أو البكائية الجنائزية ..
كنت فين يا وعد يا مقدر
كنت ف خزانة وبابها مِسَتَّر (أي : مستور ومغلق)
وقت الطلوع طلعوا عُزاز وملاح
وقت الرجوع رجعوا علي الألواح
وبعد طلوع الجنازة .. أهل القتيل يشكروا الناس اللي طلعت ورا الجنازة .. وميخدوش عزا .. دليل علي إنهم ناويين ياخدوا التار .. ومتشكرين يا جماعة واجبكم وصل .. وكأن العز معقود علي طلقات الرصاص .. ولو كملت ذكريات الطفولة هيبقي ليا رجوع للتار .. والندب (العديد) .. وكيف كان الناس في مناطق العداوات والتارات اللي في الصعيد الجواني .. ورثنا من النيل الطيبة والوداعة .. وورثنا من الجبل القسوة ..
وكان ياما كان ..
ليالي الصيف وحرارة خنقة .. ماكانشي عندنا تكييف ولا حتي مروحة .. مكانشي فيه كهربا أصلا .. كانت الكهربا بتاعتنا لمض غاز .. وكنا ننام علي سطوح البيت .. نبص للنجوم ونعدها ونعرف أماكنها .. وكان فيه شجرة كافور عاليه جنب البيت .. نستني منها شوية هوا ييجوا فالواحد فينا ينعس .. وكانت جدتي مليانة بحواديت .. كانت دايما لما تبدأ تحكي تقول كان ياما كان .. ولا يحلي الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام .......... وكانت حب الرمان حلوة .. جل الله فيما خلق .. وأسرح انا .. وبعدين يا جدة .. وبعدين قاله عايزك تبني قصر طوبة فضة وطوبة دهب .. واسرح أكتر .. وتروح جدتي تقطع الحدوتة .. وتنادي علي أمي .. وتقولها حوطتي البيت .. فتروح أمي تكلم أشياء مش موجودة .. وتقول مرتين تلاتة .. حابس حابس .. تحت الحيط يابس .. اللي فهمته وقتها إن كلامها ده بيبعد أي تعبان أو عقربة من إنها تقرب من البيت .. أو من أي حد من اهل البيت .. وخلاص نعنست .. بقيت فيه مسافات كبيرة بيني وبين الصحيان .. وصوت جدتي كأنه جاي من بعيد .. توتة توتة .. خلصت الحدوتة .. مش عارف جدتي كانت بتجيب حكاياتها الحلوة الكتيرة دي منين ... ولا غناويها اللي دايما كانت حزينة .. أفتكر منها ..
توب الحرير يا زبيدة شبك في النَبَقَةْ .. (شجرة النبق)
قطع النبق واصحابه .. خلانا بقينا غُرَبَا (أغراب)
ولا عديدها .. كان لها أخ مات مقتول .. كنت دايما أشوفها لابسه السواد .. لغاية ما ماتت .. حزينة علي أخوها .. كانت لما تفتكره تعدد .. والله والله العظيم .. تسمع نغمة العديد والكلام اللي يوجع .. متملكشي نفسك أبدا من البكا ..
وكنت فين يا وعد يا مكتوب ..
كنت ف خزانة وبابها مردود ..
وكانت الله يرحمها دايما تقول .. الدنيا ليها أول وآخر .. صح يا جدتي ..
وكان ياما كان ..
علاء ياسين
عيدان الدرة في الغيطان عالية .. والجو حرارة .. وكأن جهنم فتحت باب من بيبانها .. وعاوزين نجيب كام قنديل درة نشويهم .. ومفيش علي الجسور صريخ ابن يومين .. بس فيه عفريت القيالة .. العفريت اللي مكانشي يطلع إلا علي الجسور التراب اللي وسط الغيطان .. مكانشي فيه جسور مرصوفة أياميها .. عفريت القيالة ده مكانشي يطلع إلا في عز الضهر .. غتاتة بقا ..
وكنا نلم بعضينا شوية عيال اصحاب .. ونشجع بعض .. ونمشي علي الجسر واحنا حافيين .. كانت حالتنا علي قدها .. الفقر والحياة الجافة .. والتراب كان سخن بيلسع ..
نمشي واحنا خايفين من صاحب الغيط ومن العفريت .. وندخل جوه غيط الدرة .. ونبدأ نقطع القناديل .. ولما كانت أي نسمة هوا تلعب في عيدان الدرة .. تميل العيدان علي بعضيها وتعمل صوت .. كنا نطلع نجري وكأن فيه مليون عفريت بيجروا ورانا ..
وطبعا الأخد بالتار كان بيكتر في الأيام دي .. فالبندقية اللي مترصدة .. تلاقيها مدارية ورا عيدان الدرة .. واللي عليه العين راجع من الغيط قرب المغارب .. مش داري باللي مخبياه الأقدار .. مع إنه بيكون حذر جدا .. وفجأة يطلع الطلق الناري المكتوم .. يعني العيار صايب .. وتنقلب البلد .. وتتقلب المواجع .. وتسمع العدودة أو البكائية الجنائزية ..
كنت فين يا وعد يا مقدر
كنت ف خزانة وبابها مِسَتَّر (أي : مستور ومغلق)
وقت الطلوع طلعوا عُزاز وملاح
وقت الرجوع رجعوا علي الألواح
وبعد طلوع الجنازة .. أهل القتيل يشكروا الناس اللي طلعت ورا الجنازة .. وميخدوش عزا .. دليل علي إنهم ناويين ياخدوا التار .. ومتشكرين يا جماعة واجبكم وصل .. وكأن العز معقود علي طلقات الرصاص .. ولو كملت ذكريات الطفولة هيبقي ليا رجوع للتار .. والندب (العديد) .. وكيف كان الناس في مناطق العداوات والتارات اللي في الصعيد الجواني .. ورثنا من النيل الطيبة والوداعة .. وورثنا من الجبل القسوة ..
وكان ياما كان ..
ليالي الصيف وحرارة خنقة .. ماكانشي عندنا تكييف ولا حتي مروحة .. مكانشي فيه كهربا أصلا .. كانت الكهربا بتاعتنا لمض غاز .. وكنا ننام علي سطوح البيت .. نبص للنجوم ونعدها ونعرف أماكنها .. وكان فيه شجرة كافور عاليه جنب البيت .. نستني منها شوية هوا ييجوا فالواحد فينا ينعس .. وكانت جدتي مليانة بحواديت .. كانت دايما لما تبدأ تحكي تقول كان ياما كان .. ولا يحلي الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام .......... وكانت حب الرمان حلوة .. جل الله فيما خلق .. وأسرح انا .. وبعدين يا جدة .. وبعدين قاله عايزك تبني قصر طوبة فضة وطوبة دهب .. واسرح أكتر .. وتروح جدتي تقطع الحدوتة .. وتنادي علي أمي .. وتقولها حوطتي البيت .. فتروح أمي تكلم أشياء مش موجودة .. وتقول مرتين تلاتة .. حابس حابس .. تحت الحيط يابس .. اللي فهمته وقتها إن كلامها ده بيبعد أي تعبان أو عقربة من إنها تقرب من البيت .. أو من أي حد من اهل البيت .. وخلاص نعنست .. بقيت فيه مسافات كبيرة بيني وبين الصحيان .. وصوت جدتي كأنه جاي من بعيد .. توتة توتة .. خلصت الحدوتة .. مش عارف جدتي كانت بتجيب حكاياتها الحلوة الكتيرة دي منين ... ولا غناويها اللي دايما كانت حزينة .. أفتكر منها ..
توب الحرير يا زبيدة شبك في النَبَقَةْ .. (شجرة النبق)
قطع النبق واصحابه .. خلانا بقينا غُرَبَا (أغراب)
ولا عديدها .. كان لها أخ مات مقتول .. كنت دايما أشوفها لابسه السواد .. لغاية ما ماتت .. حزينة علي أخوها .. كانت لما تفتكره تعدد .. والله والله العظيم .. تسمع نغمة العديد والكلام اللي يوجع .. متملكشي نفسك أبدا من البكا ..
وكنت فين يا وعد يا مكتوب ..
كنت ف خزانة وبابها مردود ..
وكانت الله يرحمها دايما تقول .. الدنيا ليها أول وآخر .. صح يا جدتي ..
وكان ياما كان ..
علاء ياسين