المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموسيقار العظيم «محمد القصبجى»....و صمته العجيب


MUNIR MUNIRG
24/05/2009, 04h23
محمد القصبجى.. ما معنى صمته العجيب
د. سيار الجميل روزاليوسف May 2009



كنت قد وعدت قرائى الأعزاء فى مقالى الأسبوع الماضى، أن أتوقف قليلاً عند الموسيقار العظيم «محمد القصبجى».. ذلك المبدع المصرى الأصيل الذى كان لغزاً محيراً، ولما يزل صندوقاً مقفلاً من الأسرار، وخصوصاً بعد أن أوقف إبداعه، وصمت عن قصد وسبق إصرار! وكنت قد تعرضت لقضيته الإبداعية فى مقال لى كنت أرد فيه على الأخ الدكتور «جلال أمين» بعنوان «سيكولوجية الخوف من نقد الكبار» (الهلال، يوليو 2000) . هنا، أريد أن أتوغل فى فلسفة هذا الرجل العبقرى الذى أعتقد أنه كان فلتة زمان رائع، وسيندر أن يتكرر مثله، وسيسأل التاريخ عن أسراره التى كان يخفيها؟ عن سر صمته الرهيب الذى جعل الدنيا كلها تتساءل عنه، وهو يشخص بهيئته الساكنة وهو يعزف العود وراء الست.
تساؤلات الزمن كان «محمد القصبجى» قد طواه النسيان منذ رحيله، ولما بث مسلسل «أم كلثوم»، تليفزيونيا قبل قرابة السنوات العشر، فقد تذكره الناس القدماء، فى حين لم يعره الجيل الجديد أى أهمية.. بدأت أستعيد أسئلتى عن أسرار هذا العملاق.. ولماذا غاب اسمه طويلاً على مدى خمسين سنة أو أكثر سواء فى حياته أو من بعد مماته.. ببساطة متناهية: كان القصبجى قد غُمِطَ حقه، وتاريخه، وإبداعه طويلاً على امتداد خمسين سنة.. وإن فرصته التى وجد موهبته وصناعته فيها قد اختفت عن المسرح الثقافى، مذ اختفى ذلك العصر الحر الخصب الجميل الذى ازدحمت فيه الطاقات والممارسات والحركات والمنتجات الرائعة، ليس عند اسم معين، أو أسماء محددة، بل عند نخب عدة كانت لها خصالها المتميزة فى جميع مجالات حياة النهضة والإبداع. إن قريحة القصبجى لم تنضب أبدا، كما ادعى بعض المحللين، ولكن الحياة الحرة التى كان القصبجى يعايشها قد نضبت! لقد وجد الرجل نفسه فجأة على أرضية يابسة، هى غير تلك التى كان يتحرك فوقها فى الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين! وإذا قال قائل: إن غيره بقى مستمراً فى عطائه وإبداعه أمثال: رياض السنباطى، ومحمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش وغيرهم، فإننى أقول: إن من يتوغل فى أعماق القصبجى، سيجده مختلفا جداً عن أقرانه فى الحس الاجتماعى والتفكير الموسيقى، إذ لا يمكن للرجل البقاء ضمن حيز واحد فقط من مقامات السلم الموسيقى الشرقى على غرار ما فعله السنباطى الذى كان ينوع ألحانه ضمن حيز مقام واحد من ذلك السلم.. فضلاً عن أن القصبجى لم يقتبس أى لوازم موسيقية عن غيره من المؤلفين الموسيقيين العالميين كالذى فعله كل من عبدالوهاب وفريد وغيرهما.. لم يفعل القصبجى ذلك ليسخرها عربياً، فتذيع وتنتشر إعلامياً وإبداعياً.

ذروة فى الأعماق كان القصبجى وأعماله شاهدة على مقدرته العليا على صياغة لوازم موسيقية أصيلة، وقوية، وصعبة.. فضلاً عن إبداعه فى بناء جملة ألحان جديدة ومتماسكة مطوراً فى الألحان العربية ومجدداً فى الموسيقى الشرقية. وأعتقد أنه الوحيد الذى طور الموسيقى العربية بأصالة واقتدار.. وكان من قبله الموسيقار سيد درويش الذى سبقه بجيل! فالقصبجى فى موسيقاه من الصعوبة بمكان أن يجد الأصوات التى يمكنها أن تصدح بها، وإذا كان الرجل قد وصل ذروته مع الست أم كلثوم فى رائعة «رق الحبيب»،. فقد كانت ذروته أيضاً مع ليلى مراد فى «أنا قلبى دليلى..» تلك الأغنية الراقصة الرائعة الخالدة.. ووصل إلى قمة الإبداع فيما لحنه للفنانة أسمهان فى رائعة «يا طيور» الساحرة.. ولقد أبدعت كل منهن فى ترجمة التفكير الموسيقى الخصب للقصبجى.. ولما رحلت أسمهان ذات الصوت الأوبرالى الواسع إلى السماء قبل أن يبدأ النصف الثانى من القرن العشرين صفحاته، فإن القصبجى - كما أعتقد - اعتبر ذلك الرحيل علامة شؤم كبيرة لما سيحدث من متغيرات تاريخية فى الحياة. فرحل بموهبته الخصبة فى أعماقه، التى لم تستطع أم كلثوم أن تنشلها، كى تترجمها بفعل تأقلمها مع الصفحات الجديدة التى خلقتها عوامل وظروف عقد الخمسينيات، فسببت محنة نفسية وإبداعية حقيقية للقصبجى.. علماً بأنه لم يبخل على فنانات أخريات بأرق الألحان الرائعة، ومنهن: سعاد محمد، ونور الهدى وغيرهما.. ولم يكسر صمته إلا فى تلحين ثلاث قصائد وطنية غنتها كل من شهر زاد، ونازك، وفايدة كامل، ولكن بألحان عادية.. فماذا حدث؟ لقد بقى جسمه شاخصاً أمامنا مع كل معاناته، ولكنه أبقى نفسه عن عمد وسبق إصرار عظيماً، ولم يهمه أبدا أن يجلس عازفاً على عوده فى فرقة الست على امتداد السنوات المتبقية من حياته! ولا ندرى كيف كان يفكر موسيقياً فى تلك المرحلة الأخيرة من حياته، وهو يعزف بهدوء على أوتار عوده تلك الألحان الشجية المؤطرة التى كان يضعها زملاؤه وطلبته الفنانون الكبار، ومنهم، السنباطى وعبدالوهاب وبليغ؟؟ نعم، كان يتقبلها ليس على مضض بل على استحياء كونه احتفظ لنفسه بموهبته وقريحته فى أعماقه، وربما كان الرجل يبكى فى أعماقه ليس على ما يسمع من شدو الست الكبيرة أمامه، بل على ما حدث من انقلاب فاضح فى مفاصل الحياة كاملة! ولكن هل كان من السهل عليه أن يتقبل الجمل اللحنية والموسيقية التى كان ينسجها غير السنباطى؟ وإذا كان يتقبل كلمات شوقى وبيرم ورامى وأخيرهم ناجى فى القصائد الرائعة التى شدت الست بها، فهل كان يتقبل منها كلمات بقية أغانيها بكل تجرد؟

الافتراق عند طريقين إننى أعتقد أن الرجل كان يكظم آلامه فى أعماقه ليخزنها إلى جانب ما كان يخزنه من الألحان! وأقول: حسنا جاء رحيله قبل رحيل الست أم كلثوم بسنوات عدة، لأنه لن يسمع أغنياتها الأخيرة التى غنتها بعد الأطلال!! كما وأعتقد، أن الرجل كان يتمنى فى محنته السيكلوجية، لو توقفت الست واحتفظت بموهبتها فى أعماقها أيضاً منذ سنوات على رحيله؟ أو بالأحرى، أنها رحلت فى أعماقها بعد رحيله هو نفسه فى أعماقه.. ولكن ليس فى اليد حيلة، مادام الأمر يتوقف على رزقه الذى يقوم بسد متطلبات حياته وأسرته! إن الفرق المدهش بين هذا الرجل وهذه المرأة أنهما يختلفان فى تفكيرهما حقا! لقد كان يريد لنفسه من خلال موهبته أن تسمو متجلية فى الأعالى، فيسبح من يسمع موسيقاه فى عالم ملكوتى صعب غير موجود.. فى حين أرادت الست لنفسها أن تنزل من عليائها التى كانت عليها فى الأربعينيات، لتسيطر على عالم سهل موجود، فعلا كالذى توفر عندها ببساطة وبين يديها فى عقدى الخمسينيات والستينيات! لقد أراد القصبجى أن يبقى مجده معلقاً فى السماء.. فى حين أرادت أم كلثوم، أن تبقى مجدها على الأرض، فتسيطر على الأخضر واليابس! ومن خلال عقد مقارنة بين الست وخمسة من أعظم الملحنين لها، اكتشفت منذ زمن طويل، أن الشيخ زكريا أحمد جعلها تنطلق مغردة على هواها كما فى رائعته «الأولى فى الغرام..» .. فى حين جعلها القصبجى تطرب سارحة فى حديقة غناء وهى تقطف زهورها.. أما السنباطى، فلقد خلق لها مسرحاً معيناً لا تخرج منه فى تلك الحديقة الغناء.. وإذا كان بليغ قد ضيق حجم المسرح عليها كثيراً، فإن عبدالوهاب قد جعلها، تغرد فى قفص لم تستطع الخروج منه حتى رحيلها!

وأخيراً: من سبق الآخر؟ لا أعتقد أن «القصبجى الموسيقار قد سبق عصره» - كما ذكر ذلك فكتور سحاب نقلاً عن توصيف الست للرجل - ، بل أعتقد أنه كان ضحية تاريخ جديد، فالعصر هو الذى سبقه، ولم يكن هو الذى سبق عصره.. فلقد كان محمد القصبجى ابنا حقيقياً لعصر العظمة الفنية الراقية والثقافية المصرية خصوصاً والعربية عموماً.. وكنت أتمنى لو طال المطال به، وبذلك الزمن الجميل، لكنا اليوم فى عالم آخر من الخلق والإبداع والأمجاد، ولأخذتنا الحياة المتخيلة إلى عالم كبير من جمال العظماء ورقى الحياة.. وليعذرنى أصحاب النصف الثانى من القرن العشرين، إن قلت لهم، إنه زمنهم كان متدنياً جداً مقارنة بما كان عليه الإبداع الموسيقى والطرب المصرى فى النصف الأول منه! وبعد هذا وذاك، هل عرفنا حقاً سر صمت القصبجى.. الفنان والإنسان؟ دعونى أحيى ذكراه الطيبة بحرارة شديدة.

زهير فتحي
25/05/2009, 18h32
فعلا الصمت العجيب ... لا ادري سببا لتوقفه عن التلحين لام كلثوم بعد رائعته رق الحبيب ( اظنه لحن لها بعد ذلك احد الافلام ) و ان ذكر البعض الغيرة الفنية بين ام كلثوم و اسمهان ... بغض النظر عن السبب فقد حرمنا ابداع ملحن بقامة المرحوم محمد القصبجي مع مطربة بقدرات ام كلثوم . و لا ارى مبررا لرفض الست التعامل مع القصبجي رغم مجازفتها بالتعامل مع ملحنين كانوا وقتها ليسوا بقامة القصبجي كبليغ حمدي مثلا ..!!
و الاسئلة كثيرة ولا نملك الا الترحم على ارواحهم جميعا .

مصطفى سلمان
25/05/2009, 19h16
مقال رائع وتحليل منطقي لشخصية عملاقة كشخصية القصبجي
الشئ المؤكد والذي لا يختلف عليه اثنان ان هذا الجبل الشامخ رحل من دنيانا ولم يقدم الا النزر اليسير مما يكتنزه
وفي نفس الوقت رحل وهو الشخص المظلوم الذي م ينل حتى 1% مما يستحقه كأحد ابرز مجددي الموسيقى العربية
شكراً

عادل محمد
25/05/2009, 21h45
الأخ الكريم منير ، مساك الله بالخير
دعنى أحيى معك زكرى هذا الفنان الرائد والأستاذ والعبقرى ، محمد القصبجى
تعليقا على ما كتبت :
فى أغانى : ياما ناديت من طول اسايا فى وحدتى - وهى فى رأيى من أحلى اغانى ام كلثوم ، واغانى : يامجد ، ويامابنيت ، فى هذه الاغانى ومعهم ياطيور لأسمهان وأنا قلبى دليلى لليلى مراد وغيرهم ، نلحظ ولع القصبجى بالقالب الاوروبى ، ثم السقوط الفادح لفيلم لأم كلثوم - لا اذكر اسمه الآن - أظن فيلم عايدة وهو كله من تلحين القصبجى ،
وهى الفنانة التى لا تعرف الفشل ولا تتحمله .
أعطى الشيخ زكريا والسنباطى ما تريده أم كلثوم وما يريده جمهورها
فى أغنية رق الحبيب وهى درة اعمال القصبجى وأم كلثوم ، حينم تستمع لها ، تجد تصرفات أم كلثوم قليلة وغير منسجمة مع اللحن الأصلى
هناك شاعر فرنسى ، أظن أسمه رامبو ، بدأ فى كتابة الشعر فى عمر 17 سنة وتوقف عن الابداع الشعرى فى سن 21 سنة ومات فى سن 39 وقد تمكن هذا الشاعر من احداث ثورة هائلة فى الشعر الفرنسى - كان ذلك فى القرن ال17 أو ال 18
إذن أن تنضب الطاقة الفنية - خاصة مع العباقرة ، امر وارد
لم يكن هناك تعمد من ام كلثوم فى رفض الحان اخرى للقصبجى بعد رق الحبيب ، فقد كانت على استعداد لقبول أى لحن لأى ملحن تنسجم فيه وتعيشه بإحساس
تحياتى لك ولجميع الأصدقاء .

خالد القثامي
29/05/2009, 03h59
أعمال القصبجي تدل على عبقرية ألحانه و تجددها و عصريتها و تطورها المستمر و تنوعها

ملحوظة بسيطة: القصبجي لم يعتزل التلحين كما روّج لذلك مسلسل أم كلثوم فالرجل حتى عام 1965 كان يلحن و قدم في تلك السنة لحنا وحيدا للتلفزيون المصري كان مقررا أن تغنيه فايزه أحمد إلا إن ظروفا إدارية خاصة بالتفزيون حالت دون أن تغنيه فايزه أحمد و لكن غنته ناديه نور و للأسف ظل حبيسا في أرشيف التلفزيون.........نقلا عن كتاب "القصبجي" لمحمود كامل "صديق القصبجي المقرب جدا..........و بالنسبة لأغنية "الله عالحب" فهي في عام 1960 و التي شدت بها سعاد محمد و قد ذكر لها محمود كامل قصة طريفة في كتابه!!!!!!!!!!

أحمد الخراز
30/05/2009, 08h10
تحية للجميع من منبر العشق الأبدي لعالم الموسيقى الحالم الجميل....
لعل الأعلام ركيزة حتمية لابد من الفنان أن يستعين بها لتصل أعماله بشكلٍ لايُقبعها في أرشيفات أو ماشابه...
ولعل الأستاذ محمد القصبجي رحمه الله لم يكن له لقاءات حقيقية لتكشف لنا عن أغطيةٍ كثيرة ...حولت حياته لنا إلى لغز مبهم ....~~~~وأهمها انقطاعه عن التلحين لمن صنعها قبل أن تقترب من الفن~~أم كلثوم~~~~~
الحديث لايتوقف عن هذه الخافة الخفية ....وولكن من يستمع إلى ((ذكرياتي)) لايمكن ألاّ يكتشف سحرل الموسيقى على يدي هذا الحالم...
...من قلل من ظهوره إعلامياً....يخلق خنادقاً تائهة لمن يريد أن يعرف عن أمره شيء

أحبابي دمتم حالمين وعاشقين للموسيقى كما تحب الموسيقى أن تكون هي عليه

فاتن فؤاد
05/10/2012, 17h39
اشكرك أخى الكريم على هذا المقال الرائع

بارك الله فيكم وتسلم الأياااادي

ماشاء الله تميز ومجهود واضح

تقبلواااا مروري وشكري

hussien dawoud
16/01/2013, 13h11
مقال ممتاز ومفيد و اضافه لكل محبى القصبجى....بارك الله فيكم جميعا

د يوسف النحاس
05/06/2013, 19h36
شكرا على هذا التحليل الرائع

و إن كنت أحسب أن الست قد ظلمته قليلا و هي تصعد سلم المجد و تستقر على القمة لسنوات

مقال رائع

Rossigno
04/10/2020, 21h12
أعتقد أنه كان ضحية تاريخ جديد، فالعصر هو الذى سبقه، ولم يكن هو الذى سبق عصره.. فلقد كان محمد القصبجى ابنا حقيقياً لعصر العظمة الفنية الراقية والثقافية المصرية خصوصاً والعربية عموماً.. وكنت أتمنى لو طال المطال به، وبذلك الزمن الجميل، لكنا اليوم فى عالم آخر من الخلق والإبداع والأمجاد، ولأخذتنا الحياة المتخيلة إلى عالم كبير من جمال العظماء ورقى الحياة..

سعد البازعي
30/10/2020, 16h01
عاش رامبو في النصف الثاني من القرن التاسع عشر