المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثورة 1917 للموسيقي والغناء في مصر


MUNIR MUNIRG
17/05/2009, 04h37
روزاليوسفMAY 2009

د. سيار الجميل
دوما أسأل نفسى: ما أسرار تألق مصر إبان زمن شدو العمالقة؟ ما سر تلك «النهضة» الموسيقية والإبداعية والغنائية التى عاشتها مصر إبان النصف الأول من القرن العشرين؟ لماذا تلاشت تلك النخبة الرائعة التى جمعت مكوناتها كل العناصر الناجحة فى تأسيس تلك البنية الثقافية المبدعة، وكانت متكاملة إلى درجة متفوقة سبقت فيها كل مجتمعات الشرق الأوسط قاطبة؟ صحيح إنها نهضة موسيقية ولحنية وغنائية ليس لها مثيل، ولكنها لم تكن قد برزت لوحدها فى الميدان، بل رافقتها تطورات سادت كل مجالات الحياة الثقافية والأدبية والفنية الأخرى.

ففى الوقت الذى انبثق فى مصر المسرح الغنائى بكل خصبه ومؤثراته وبالرغم من بدائيته الأولى، إلا أن تفوق عناصره كانت مثارا للمنافسة فى ميادين أخرى، وازدحمت مصر بفنانين من كل الأشكال، وتميز أغلبهم بثقافته العامة وتخصصه، بل اختار كل مبدع طريقه الذى تميز به عن الآخرين، وعندما ولدت السينما بعد المسرح، أبدع الفنانون المصريون بتقديم إبداعاتهم بالصوت والصورة.. فكان أن انتقل الفن الموسيقى والغنائى إلى مرحلة متطورة جديدة فى زمن العمالقة. دعونى أجيب عن بعض الأسئلة التى افترضتها هنا فى مقالتى هذا الأسبوع، وهى بضع أسئلة أتمنى على كل إنسان يعيش تجربة التاريخ المعاصر سواء كان هاويا، أو مهتما، أو حتى مختصا.. ناهيكم عن كل الفنانين اليوم أن يفكروا مليا فيما افترضته من أسئلة.. ومحاولة إيجاد أجوبة حقيقية عنها؟ من خلال دراستى لتاريخ العالم المعاصر وتجارب المثقفين لدى شعوب ومجتمعات عديدة فى هذا العالم، لم أقف أبدا على ما يشبه البنية المصرية الإبداعية على مدى النصف الأول من القرن العشرين! إن المؤسسين الأوائل لما قبل عام 1917 «أى العام الذى اعتلى فؤاد الأول عرش مصر» قادوا أعظم ثورة فنية للموسيقى والغناء.. أنجبت عمالقة فى الموسيقى والطرب العربيين حتى أفولهم ويا للأسف الشديد! بحيث لم يتواصل ذلك التطور أبدا! لقد قادت النهضة مجموعة من الشيوخ المبدعين، أمثال: محمد العقاد، وحسن الجاهل وأحمد الليثى ومحمد الشامى وعثمان الموصلى وسلامة حجازى وعبده الحامولى وأبوالعلا محمد والسيد درويش، والمطربة ألمظ، وإبراهيم الرفاعى وأحمد الشعار وعبدالحى حلمى والشيخ المسلوب والشيخ درويش الحريرى والشيخ على محمود وأحمد بن جنيد وأحمد العطار وأبوخليل القبانى وكامل الخلعى.. وغيرهم من الذين كانوا أساتذة كبارا فى تأسيس زمن سوف لا ينجب التاريخ مثله أبدا!
إننى أعتبر الخديو إسماعيل هو الجذر الأول لتأسيس النهضة الفنية الموسيقية والغنائية المصرية بعنايته ورواتبه للفنانين وانفتاحه على الموسيقى التركية وإكرام كل مبدع ومبتكر.. ومع تطور الحياة الفنية تأسست العديد من الفرق الفنية كفرقة سلامة حجازى وفرقة بديعة مصابنى وفرقة فاطمة رشدى وفرقة الريحانى وغيرها من الفرق الفنية التى دفعت بالفن المصرى إلى آفاق رحبة فى فضاء واسع من الحريات والانفتاح والتقبل. فكان أن ولد جيل فنى رائع، أمثال: منيرة المهدية، وأم كلثوم ومحمد القصبجى والشيخ زكريا أحمد ورياض السنباطى وفتحية أحمد وعلى عبدالهادى وزكى مراد وأحمد فريد وعبداللطيف البنا وصالح عبدالحى ومحمد عبدالمطلب ومحمد عبدالوهاب وعمر خيرت وفريد الأطرش وأسمهان ونجاة على ومنير مراد وليلى مراد.. وجاء من بعدهم: عبدالغنى السيد ومحمد فوزى وسعاد محمد وهدى سلطان ونور الهدى ومحمد الكحلاوى وسعاد مكاوى وسيد مكاوى وشهرزاد ونازك وكارم محمود وعبدالعزيز محمود وشادية وحورية حسن ومحمود الشريف.. ثم جاء من بعدهم شافية أحمد ونجاح سلام ورفيقة شكرى وصباح والسيد إسماعيل وفايزة أحمد ومحرم فؤاد وفائدة كامل ودنيا زاد ونجاة الصغيرة وإبراهيم حمودة ومحمد قنديل وإسماعيل شبانة وعباس البليدى وشكوكو وزوجته ثريا حلمى وعبدالحليم حافظ وأحمد صدقى وكمال الطويل وبليغ حمدى ومحمد رشدى وشريفة فاضل ومحمد الموجى ومحمد سلطان وفؤاد حلمى ووردة الجزائرية وأحمد عبدالقادر وعائشة حسن وسلوى فهمى وعبدالعظيم محمد ورءوف ذهنى وعبداللطيف التلبانى وعادل مأمون ومها صبرى وكروان ومحمد طه وعلى فراج ورياض البندك وكمال حسنى وشفيق السيد وعبدالمنعم البارودى، وعصمت عبدالعليم ومحمد العزبى وشفيق جلال وخليل المصرى وعلى إسماعيل والحفنى أحمد حسن وأحلام وماهر العطار ورجاء عبده وأحمد صبره وعفيف رضوان ومحمد ضياء الدين وأحمد سامى وأحمد غانم وغيرهم. ومن الشعراء بدءا بـ بيرم التونسى وعلى الجارم وأحمد شوقى وأحمد رامى ومرورا بصالح جودت وحسين السيد ومأمون الشناوى وعبدالفتاح مصطفى وعبدالرحمن الأبنودى وإمام الطنطاوى وعبدالوهاب محمد وأحمد شفيق كامل وعلى إسماعيل ومرسى جميل عزيز وفتحى قورة وحسن محمد حاحا وإمام الصفطاوى وصلاح جاهين ومحمد عبدالنبى وكمال منصور وعلى الفقى ومصطفى الضمرانى وكامل الإسناوى وحيرم الغمراوى وصلاح فايز وسيد القطان ومحمد على ماهر ومحمود إسماعيل جاد وانتهاء بفاروق شوشة.. وغيرهم. لا أدرى إن فاتتنى أسماء أخرى من خضم هذا اليم الكبير الذى لم نشهد له مثيلا فى أى تجربة فنية أخرى وعلى امتداد زمن صعب، هذه النخب التى تنوعت أسماؤها، وأثمرت جهودها أروع المقاطع، وأسمى الألحان، وأنفس العبارات.. وكل اسم من هذه الأسماء له قصة طويلة من كفاح رائع وتاريخ ملىء بالتجارب.. كانوا يعملون خلية نحل، وقد أخذ جيل عن آخر، ولعل أنبل ما قرأت مدى التواضع الذى تحلى به الجميع إزاء الآخرين.. وبالرغم من خلافات شخصية مصدرها التنافس الخفى أو العلنى بين هذا أو ذاك.. وبالرغم من تموج المستويات من عمالقة كبار إلى فنانين حقيقيين إلى اختفاء آخرين.. إلا أن هذا التشكيل الذى استطاع أن يمر بزمن من التكوين الصعب أنتج أروع ما يمكن أن يتخيله المؤرخ الذى سيتوقف بعد زمن طويل ليرى عظمة ذلك الزمن مقارنة بما تلاه من أزمنة تختلف جملة وتفصيلا عن ذلك الزمن بكل تجلياته الرائعة.. ونشهد أن مصر كانت حاضنة للإبداع الفنى، بحيث ينخرط فيها كل مبدع عربى، كى ينافس غيره ليفوز بتفوق باهر.

أقف إجلالا وإكبارا، وأنا أسير ألحان غاية فى السمو لموسيقار قلما تنجب أمة العرب مثله.. ذلك هو الفنان محمد القصبجى ذو السحنة الفرعونية الأصيلة الجادة الذى كتبت ونشرت عنه فى مجلة «الهلال» المصرية قبل سنوات طوال.. هذا الذى استلهم من جيل المؤسسين الأوائل، وعلم الجيل الذى رافقه وتلاه، فكان معلم العود للسنباطى ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش.. وانقطع عن الإبداع لأسباب سيكولوجية سأخصص له مقالة خاصة أعالج فيها أزمته الإبداعية كى يغدو عازفا للعود فى فرقة الأعوام الست الطويلة، وكأنه يسجل بصمته رسالة تقول: لقد رحل زمن العمالقة! إنه عملاق فن أصيل لن أجد حلا بتواضعه، بالرغم من امتلاكه بحرا واسعا من الإبداع.. وهكذا بالنسبة إلى كل أقرانه الذين قدموا أبدع الألحان التى شدا بها الشادون فى أعياد شم النسيم، أو فى خمائل الأزبكية فى الأيام الجميلة. إن من يسمع لهؤلاء جميعهم سيندهش حقا، وقد تربينا نحن جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية على كل إبداعاتهم الجميلة.. أجد من بينهم مطرب حى السيدة، ومطربة مجتمع مخملى بصوت أوبرالى، وكوكب الشرق التى بقيت وضيئة مضيئة.. وطرب الأيام القديمة، ومطرب الموال المصرى، ومطرب الحياة الشعبية من قلب القاهرة، وأغنيات قومية، وأناشيد وطنية، وتسابيح دينية، ومطولات قصائد بالفصحى، وأغنيات خفيفة، ومنولوجات ساخرة، وغناء صعيدى، وغناء البحر وأغنيات الحفلات وأغنيات الأفلام.. وتنوعت الألحان تنوعا مذهلا بتنوع الأصوات والحناجر التى لا يمكن أن نعثر بمثلها.. وإن عثرنا على خامة صوت جميل، فلم نجد لا الكلمة ولا اللحن المناسبين، كما كان التكامل زاخرا، لقد تلاشت تلك النخب المبدعة، ورحل العمالقة المتكاملون من دون بدائل بوزنهم لأسباب انغلاق الحياة السياسية والنكسات المريرة والهجمة على الحداثة والتمدن من أحزاب وجماعات معينة.
إنها ظاهرة تاريخية لابد أن يتوقف عندها المؤرخون ليقولوا كلمة حق.. ويحاولوا الإجابة معى عن جملة الأسئلة التى طرحتها فى بداية هذا المقال.. وليكن معلوما، أن تكوين كل هؤلاء كان فيما بين الحربين العظميين.. وأخيرا، هل باستطاعتنا أن نشهد تجربة زاخرة مماثلة فى قابل الأيام؟ الجواب: نعم ولكن مع ولادة ظروف تاريخية جديدة.

Islam Eidrisha
17/05/2009, 07h15
أشكر أستاذي منير على طرح هذا الموضوع الهام وإن كان طرحه جالبا للهموم والحديث فيه ذو شجون
من رأيي أن وجود ثورة فنية من عدمها يرجع إلى صلاح أو فساد الذوق العام للحكام والشعوب في آن واحد فالمنظومة الجيدة لا بد وأن تثمر عن أعمال جيدة والعكس صحيح كمثال الشجرة اليافعة اليانعة لا بد لها أن تخرج جيد الثمر رضيت بذلك أم أبت ولذلك يمكن القول أن الثورة الفنية التي بدأت مع بدايات القرن العشرين كان سببها إهتمام الحكام والولاة والشعب أيضا بالفن لسلامة الذوق العام وبعده التلقائي عن التدني فالموهبة وقتها لم تكن وحدها قائمة بذاتها كفيلة بقيام ثورة فنية إن لم تجد الرعاية من الراع والتشجيع من الرعية وهذا ما نفتقده بشده في عصرنا الحالي لعموم فساد الأمزجة على معظم نواحي الحياة في الملبس والمأكل والمشرب والمواد المرئية والمسموعة وما يزيد الصورة قتامة هو تقارب إنعدام هوية وذوق البنية التحتية البشرية من النشئ والشباب.
يا إخواني الكرام الأمة كالجسد الواحد والجسد الواهن الضعيف لن يتستطيع العطاء إلا بالشفاء أولا من كل داء بعدها وبعدها فقط يمكن أن نسأل أين نحن من الفن أما الآن فلا يجدر ولا يحق لنا أن نسأل هذا السؤال لأن مقومات الفن غائبة لحين إشعار آخر.