المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بدر شاكر السياب


محمود
09/04/2007, 20h56
أول كلامي سلام ..

شاعر من أهم شعراء الألم والمعاناة هو العراقي بدر شاكر السياب. تفيض قصائده رقة ومعانيه عذوبة تنساب رقراقة من بين براثن الألم وقسوة المكابدة. له قصيدة هي الأثيرة عندي كتبها قبل وفاته بوقت قصير. قرأتها وأنا في الثانوي أو ربما في أوائل دراستي الجامعية فحفظتها من شدة جمالها وقوة التصوير فيها. حين غابت أمي وبدأ ولدي- الذي كان شديد الإرتباط والتأثر بها- في السؤال عنها وعن سبيل إلى التواصل معها ، عادت تلك القصيدة من ثنايا النسيان إلى جلاء الذاكرة وما فتئت أرددها منذ ذلك الحين بين الفينة والأخرى كلما نزع بي الحنين إلى أمي




الباب تقرعه الرياح


الباب ما قرعته غير الريح في الليل العميق
الباب ما قرعته كفك
أين كفك و الطريق
ناء بحار بيننا مدن صحارى من ظلام
الريح تحمل لي صدى القبلات منها كالحريق
من نخلة يعدو إلى أخرى و يزهو في الغمام
الباب ما قرعته غير الريح
آه لعل روحا في الرياح
هامت تمر على المرافيء أو محطات القطار
لتسائل الغرباء عني عن غريب أمس راح
يمشي على قدمين و هو اليوم يزحف في انكسار
هي روح أمي هزها الحب العميق
حب الأمومة فهي تبكي:
"آه يا ولدي البعيد عن الديار
ويلاه كيف تعود وحدك لا دليل و لا رفيق!!!"
أماه, ليتك لم تغيبي خلف سور من حجار
لا باب فيه لكي أدق, و لا نوافذ في الجدار
كيف انطلقت على طريق لا يعود السائرون
من ظلمة صفراء فيه كأنها غسق البحار!!!
كيف انطلقت بلا وداع فالصغار يولولون
يتراكضنون على الطريق و يفزعون فيرجعون
و يسائلون الليل عنك و هم لعودك في انتظار!!!
الباب تقرعه الرياح لعل روحا منك زار
هذا الغريب هو ابنك السهران يحرقه الحنين
أماه ليتك ترجعين
شبحا و كيف أخاف منه و ما امحت رغم السنين
قسمات وجهك من خيالي
أين أنت أتسمعين
صرخات قلبي و هو يذبحه الحنين إلى العراق
الباب تقرعه الرياح تهب من أبد الفراق
من ليالي السهاد

مع تحياتي للجميع

محمود

MAAAB1
16/04/2007, 22h25
mrezk العزيز
حس شاعري جميل تمتلكه هو الذي دعاك لاختيار هذا الشاعر ، فشكرا لك

بدر شاكر السياب (24 ديسمبر 1926-1964م) شاعر عراقي ولد بقرية جيكور جنوب شرق البصرة
درس الابتدائية في مدرسة باب سليمان في أبي الخصيب ثم انتقل إلى مدرسة المحمودية وتخرج منها في 1 أكتوبر 1938م. ثم أكمل الثانوية في البصرة ما بين عامي 1938 و 1943م. ثم انتقل إلى بغداد فدخل جامعتها دار المعلمين العالية من عام 1943 إلى 1948م، والتحق بفرع اللغة العربية، ثم الإنجليزية. ومن خلال تلك الدراسة أتيحت له الفرصة للإطلاع على الأدب الإنجليزي بكل تفرعاته.

من دواوينه:


أزهار ذابلة 1947م.
أساطير 1950م.
حفار القبور 1952م.
المومس العمياء 1954م.
الأسلحة والأطفال 1955م.
أنشودة المطر 1962.
المعبد الغريق 1962م.
منزل الأقنان 1963م.
شناشيل ابنة الجلبي 1964م.
نشر ديوان إقبال عام 1965م،

وله قصيدة بين الروح والجسد في ألف بيت تقريبا ضاع معظمها. وقد جمعت دار العودة ديوان بدر شاكر السياب 1971م، وقدم له المفكر العربي المعروف الأستاذ ناجي علوش. وله من الكتب مختارات من الشعر العالمي الحديث، ومختارات من الأدب البصري الحديث.

توفي عام 1964م بالمستشفى الأميري في الكويت، ونقل جثمانه إلى البصرة دفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير
من أشهر قصائده انشودة المطر النهر والموت غريب على الخليج



أنشودة المطر


عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
.أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء .. كالأقمار في نهر
يرجه المجداف وهنا ساعة السحر
... كأنما تنبض في غوريهما النجوم


وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف
و الموت و الميلاد و الظلام و الضياء
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
.كنشوة الطفل إذا خاف من القمر


كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
.. وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكركر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر
مطر
مطر
تثاءبي المساء و الغيوم ما تزال
.تسح ما تسح من دموعها الثقال
:كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه - التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال
قالوا له : " بعد غد تعود" -
لابد أن تعود
و إن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
،تسف من ترابها و تشربي المطر
كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
المطر
المطر
أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
،بلا انتهاء_ كالدم المراق، كالجياع
كالحب كالأطفال كالموتى - هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم و المحار
كأنها تهم بالبروق
.فيسحب الليل عليها من دم دثار


اصح بالخيلج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
".. يا واهب المحار و الردى


أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
و يخزن البروق في السهول و الجبال
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
.في الواد من اثر
أكاد اسمع النخيل يشرب المطر
و اسمع القرى تئن ، و المهاجرين
،يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع
:عواصف الخليج و الرعود ، منشدين
مطر"
مطر
مطر
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحى تدور في الحقول … حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا - خوف أن نلام - بالمطر
مطر
مطر
و منذ أن كنا صغارا، كانت السماء
تغيم في الشتاء
،و يهطل المطر
وكل عام - حين يعشب الثرى- نجوع
ما مر عام و العراق ليس فيه جوع
مطر
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
.حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على ف الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
مطر
مطر
مطر
".. سيعشب العراق بالمطر


أصيح بالخليج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
" يا واهب المحار و الردى


وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال ، رغوه الاجاج ، و المحار
و ما تبقى ن عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج و القرار
و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
. من زهرة يربها الرفات بالندى
و اسمع الصدى
يرن في الخليج
مطر"
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي ، واهب الحياة
ويهطل المطر

MAAAB1
16/04/2007, 22h28
قصيدة انشودة المطر باللغة الانكليزية


RAIN SONG


Your eyes are two palm tree forests in early light,
Or two balconies from which the moonlight recedes
When they smile, your eyes, the vines put forth their leaves,
And lights dance . . . like moons in a river
Rippled by the blade of an oar at break of day;
As if stars were throbbing in the depths of them . . .

And they drown in a mist of sorrow translucent
Like the sea stroked by the hand of nightfall;

The warmth of winter is in it, the shudder of autumn,
And death and birth, darkness and light;
A sobbing flares up to tremble in my soul
And a savage elation embracing the sky,
Frenzy of a child frightened by the moon.

It is as if archways of mist drank the clouds
And drop by drop dissolved in the rain . . .
As if children snickered in the vineyard bowers,

The song of the rain
Rippled the silence of birds in the trees . . .
Drop, drop, the rain
Drip

Dropthe rain

Evening yawned, from low clouds

Heavy tears are streaming still.
It is as if a child before sleep were rambling on
About his mother (a year ago he went to wake her, did not find her,
Then was told, for he kept on asking,
"After tomorrow, she'll come back again . . .
That she must come back again,

Yet his playmates whisper that she is there
In the hillside, sleeping her death for ever,
Eating the earth around her, drinking the rain;
As if a forlorn fisherman gathering nets
Cursed the waters and fate
And scattered a song at moonset,
Drip, drop, the rain
Drip, drop, the rain
Do you know what sorrow the rain can inspire?

Do you know how gutters weep when it pours down?

Do you know how lost a solitary person feels in the rain?
Endless, like spilt blood, like hungry people, like love,
Like children, like the dead, endless the rain.
Your two eyes take me wandering with the rain,
Lightning's from across the Gulf sweep the shores of Iraq
With stars and shells,
As if a dawn were about to break from them, But night pulls over them a coverlet of blood. I cry out to the Gulf: "O Gulf,
Giver of pearls, shells and death!"
And the echo replies,
As if lamenting:
"O Gulf,
Giver of shells and death .


I can almost hear Iraq husbanding the thunder,
Storing lightning in the mountains and plains,
So that if the seal were broken by men
The winds would leave in the valley not a trace of Thamud.
I can almost hear the palmtrees drinking the rain,
Hear the villages moaning and emigrants
With oar and sail fighting the Gulf
Winds of storm and thunder, singing
"Rain . . . rain . . .

Drip, drop, the rain . . .
And there is hunger in Iraq,

The harvest time scatters the grain in-it,

That crows and locusts may gobble their fill,
Granaries and stones grind on and on,

Mills turn in the fields, with them men turning . . .
Drip, drop, the rain . . .

Drip
Drop
When came the night for leaving, how many tears we shed,

We made the rain a pretext, not wishing to be blamed
Drip, drop, the rain

Drip, drop, the rain

Since we had been children, the sky

Would be clouded in wintertime,

And down would pour the rain,
And every year when earth turned green the hunger struck us.
Not a year has passed without hunger in Iraq.
Rain . . .
Drip, drop, the rain . . .
Drip, drop . . .
In every drop of rain
A red or yellow color buds from the seeds of flowers.
Every tear wept by the hungry and naked people
And every spilt drop of slaves' blood
Is a smile aimed at a new dawn,
A nipple turning rosy in an infant's lips
In the young world of tomorrow, bringer of life.




Drip.....
Drop..... the rain . . .In the rain.
Iraq will blossom one day '

I cry out to the Gulf: "O Gulf,
Giver of pearls, shells and death!"

The echo replies
As if lamenting:
'O Gulf,
Giver of shells and death."
And across the sands from among its lavish gifts
The Gulf scatters fuming froth and shells
And the skeletons of miserable drowned emigrants

Who drank death forever
From the depths of the Gulf, from the ground of its silence,
And in Iraq a thousand serpents drink the nectar
From a flower the Euphrates has nourished with dew.

I hear the echo
Ringing in the Gulf:
"Rain . . .
Drip, drop, the rain . . .
Drip, drop."

In every drop of rain
A red or yellow color buds from the seeds of flowers.
Every tear wept by the hungry and naked people
And every spilt drop of slaves' blood
Is a smile aimed at a new dawn,
A nipple turning rosy in an infant's lips
In the young world of tomorrow, bringer of life.

And still the rain pours down.

Translated by:
Lena jayyusi and Christopher Middleton

MAAAB1
16/04/2007, 22h31
النهر و الموت

1
بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قارة البحر
الماء في الجرار، و الغروب في الشجر
وتنضج الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
" بويب .. يا بويب"
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر

أود لو عدوت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و اسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر؟
و السمك الساهر هل ينام في السحر؟
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلاف من الإبر ؟

و أنت يا بويب
أود لو غرقت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصغار
وبابه الخفي كان فيك يا بويب

2
بويب .. يا بويب
عشرون قد مضين كالدهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام
و استقر في السرير دون أن أنام
و ارهف الضمير دوحة إلى السحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحس بالدماء و الدموع كالمطر
ينضحهن العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزؤام
أعماق ، كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
اشد قبضتي ثم أصفع القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
.و أبعث الحياة ، إن موتي انتصار


DEATH AND THE RIVER


Buwayb
Buwayb
Bells of a tower lost in the sea bed
dusk in the trees, water in the jars
spilling rain bells
crystals melting with a sigh
`Buwayb ah Buwayb,"
and a longing in my blood darkens
for you Buwayb

river of mine, forlorn as the rain.
I want to run in the dark
gripping my fists tight
carrying the longing of a whole year
in each finger, like someone bringing you
gifts of wheat and flowers.
I want to peer across the crests of the hills,
catch sight of the moon
as it wades between your banks, planting shadows filling baskets
with water and fish and flowers.
I want to plunge into you, following the moon,
hear the pebbles hiss in your depths,
sibilance of a thousand birds in the trees.
Are you a river or a forest of tears?
And the insomniac fish, will they sleep at dawn?
And these stars, will they stop and wait
feeding thousands of needles with silk?
And you Buwayb .
I want to drown in you, gathering shells,
building a house with them, where the overflow
from stars and moon
soaks into the green of trees and water,
and with your ebb in the early morning go to the sea. For death is a strange world fascinating to children, and its door was in you, mysterious, Buwayb . Buwayb ah Buwayb.
twenty years have passed each one a lifetime.
And this day when the dark closes in,
when I lie still and do not sleep,
and listen with my conscience keen-a great tree reaching toward first light, sensitive
its branches, birds, and fruit-
I feel like rain the blood, the tears shed
Shed by the sad world;
my death bells ring and shake my veins,
and in my blood a longing darkens
for a bullet whose deadly ice
might plow through my soul in its depths, hell
setting the bones ablaze.
I want to run out and link hands with others in the struggle,
clench my fists and strike Fate in the face.
I want to drown in my deepest blood
that I may share with the human race its burden
and carry it onward, giving birth to life
My death
shall be a victory.

Translated by
and Christopher Middleton
Lena Jayyusi

محمود
29/04/2007, 10h39
أول كلامي سلام ..

وهذه قصيدة أخرى للسياب. التعبير عن معاناته فيها غاية في الرقي


سفر أيوب

لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟

شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولة. هاتها

أشد جراحي وأهتف
بالعائدين:
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل أصداء يوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء:
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء

مع تحياتي

محمود

محمود
13/05/2007, 22h34
أول كلامي سلام ..

مجددا، المشاركة السابقة لا علاقة لها بالسياب ويبدو أن الراحل من الزمان يريد ترك ذكرى قبل رحيله. وليتها كانت في مكانها الصحيح. إذا كنا هنا نقدم السياب لمن لا يعرفه ونوفر قصائده لمحبيه فلماذا الخلط بأعمال لغيره تنشر غير منسوبة لأصحابها مع ما يسببه هذا من تشتت.

المهم، نعود إلى السياب. المقال التالي منقول عن جريدة الشرق الأوسط 24/12/2004: -


السياب: قصائد قليلة أطلقت الشعر العربي في أفق فسيح

رحل عن 38 عاما في نفس العمر الذي غاب فيه بوشكين ولوركا وديلان توماس


فاضل السلطاني

اليوم، الرابع والعشرون من ديسمبر /كانون الأول، رحل الشاعر العراقي بدر شاكر السياب قبل أربعين عاماً، وحيداً إلا من نفر من الأصدقاء، ودفن في مقبرة الحسن البصري شبه وحيد ومهجور ومعدم تماماً. لقد امتلأت حياة رائد الشعر العربي الحديث بالمفارقات العجيبة، لكن موته كان المفارقة الكبرى، وكأنه بعث من جديد، بينما خفتت أصوات كثيرة ارتفعت لحين حتى غطت على صوته. من أين تستمد قصيدة السياب أسباب قوتها، وعلى ماذا يستند حضور السياب القوي حتى بعد أربعين سنة من غيابه المفجع؟ ثم ماذا بقي من السياب، وسيبقى؟

هنا مساهمات تحاول الإجابة على هذه الأسئلة الأساسية.

قال أدونيس مرة: ان بيت شعر من السياب يعادل ديواناً كاملاً للبياتي. واذا نزعنا صيغة المبالغة عن هذا القول، ووسعناه بقولنا ان قصائد للسياب تعادل دواوين كاملة لشعراء جايلوه، وآخرين أتوا بعده، لصح هذا القول، وربما على صاحبه ايضاً.

على مدى اربعين سنة منذ رحيلة المبكر عن ثمانية وثلاثين عاماً وهو عمر رحل فيه عمالقة آخرون مثل بوشكين ولوركا وديلان توماس وآخرين، وهو موضوع محير، بحاجة ربما الى دراسة خاصة. صدرت آلاف آلاف الدواوين الشعرية، ثم اختفت، ربما هي واصحابها، من ذاكرتنا، لكن بقيت قصائد مثل «انشودة المطر» و«النهر والموت»، و«غريب على الخليج» و«الأسلحة والأطفال»، وغيرها شواهد خاصة في الذاكرة، ولنسمها الذاكرة الشعرية وكأنها كتبت في الأمس فقط.

كان اوكتافيو باث، الغزير الانتاج، يقول انه سيكون ممتناً لله لو بقيت منه خمس أو ست قصائد. ولا شك ان السياب يشكر الله مرتين. فترة أربعين سنة هي اختبار اكثر من كاف لقوة القصيدة، في فترة عربية تعددت فيها الاتجاهات والمدارس، وكثرت فيها الانقلابات الشعرية وغير الشعرية، وسادت الفوضى وكثر المدعون والمتطفلون. لكن القصيدة ـ القصيدة تبقى عادة دائماً كرغيف الخبز الذي خرج لتوه من التنور حتى لو كانت مكتوبة قبل آلاف السنين. القصيدة ـ القصيدة لا تختمر، وليست محكومة مثل اصحابها بقوانين الزمن. كأن مطر السياب لا يزال يهطل لحد الآن، وكأن عراقه لا يزال هو هو، ونهيره «بويب» ما زال حزيناً كالمطر، و«مومسه العمياء» لا تزال «المومس العمياء» و«المسيح» لا يزال يجر صليبه في المنفى.

لكن من أين تنبع قوة القصيدة؟ هل تستطيع قصيدة ان تحفر نخاعك العظمي، بينما لا تصل أخرى حتى إلى قشرة جلدك؟ من الصعب الاجابة عن هذا السؤال، فلا أحد يعرف، عن ارشيبالد مكليش، اميركيا، الذي كتب عن هذا الموضوع في كتابه الرائد «الشعر والتجربة» الى يوسف اليوسف، عربياً، الذي خصص كتاباً كاملاً عن الموضوع نفسه بعنوان «ما الشعر العظيم!»، ما الذي يجعل الشعر العظيم عظيماً، ولا أحد يمكن أن يكشف لنا سرّ بقاء، إن لم نقل خلود الأعمال الأدبية والفنية. من الممكن بالطبع مقاربة بعض جوانب الموضوع، غير انه من المستحيل القبض على السر ذاته.

أهو زواج التناقضات المستحيل كما يذهب مكليش، أم تلك القدرة، النادرة على ابتكار «الصورة المفكرة»، حيث تتزاوج الفكرة مع الصورة، والصورة مع الفكرة، ويصبح المجرد حساً، والحس تجريداً، كما يذهب هيغل، وهو شيء لم يحققه سوى شعراء معدودين عبر التاريخ، هم الشعراء ـ الشعراء! حقق السياب شيئاً من ذلك في قصائده الباقية وهي قليلة كما عند اغلب الشعراء العظام، ولم تسعفه حياته العاصفة لتطوير عناصره التي كانت جديدة فعلاً على الشعر العربي الذي ادخله في افق فسيح، بعدما ضاق به حتى عنق الزجاجة.

ومن الملاحظ ان بزوغ عبقريات فنية وأدبية عديدة قد حصل في المنعطفات البشرية الحادة، أو الانتقالات الاجتماعية الكبرى، والأمثلة كثيرة في تاريخ الابداع الانساني.

لقد اغتنت الحياة العربية بمضامين واشكال جديدة بعد الحرب العالمية الثانية، ونكبة فلسطين. وتزعزعت القيم التقليدية السابقة في المجتمع العربي لتحل محلها قيم جديدة آخذة بالتشكل على المستوى الاجتماعي والسياسي، وعلى مستوى البناء الفوقي وتعبيراته، ومنها التعبير الثقافي.

وكان لا بد لهذه المتغيرات من حساسية فريدة لالتقاطها، وتمثلها، وبالتالي عكسها فنياً. وهذا ما فعله السياب، هذا الجسر الذهبي الذي ربط بين القديم والجديد، كما يقول الجواهري، بموهبته الشعرية الفذة.

كان السياب هو المفجر الحقيقي لهذه الثورة في الشعر العربي بشكله ومضمونه، وهذا لا يعني، بالطبع، نفي الرواد الآخرين: نازك الملائكة ـ التي تكون قد كتبت قصيدتها «الكوليرا» قبل قصيدة «هل كان حباً» للسياب ـ أو البياتي أو بلند. ان ما يميز السياب هي شاعريته الفذة التي ساهمت، كما قلنا، عوامل كثيرة في تكوينها، منها سيرة حياته نفسها، وهي سيرة تبدو، من نواح كثيرة، كسير كثير من العظماء في تاريخ الأدب الانساني.

لم يكن السياب في مرحلته الأولى التي يسميها نقاده بالمرحلة الرومانسية متميزا عن مجايليه، بل اننا لو قارنا قصائده في هذه المرحلة بقصائد كتبت في الفترة نفسها ـ ونعني قصائد «أباريق مهشمة» للبياتي ـ لوجدنا الاخيرة متقدمة عليها من الناحية الفنية والفكرية، وتمثلها لمفاهيم الشعر العربي الجديدة، وقد نستثني من ذلك قصائد مثل «في السوق القديم» و«اتبعيني» و«اساطير». ولو قارنا، ايضا، قصيدته الأولى «هل كان حباً»، بقصيدة «الكوليرا» للملائكة، لوجدنا الاخيرة اقرب لروح الشعر الحديث.

ولكن السياب قفز قفزته الكبرى، وقفز بالشعر العربي، في مجموعته «انشودة المطر».

مثلت هذه المجموعة نموذجا رائعا لما ندعوه بالالتزام ـ بالمعنى الواسع للكلمة ـ الالتزام النابع من الذات حين تتوافق مع الموضوع. اختلفت اللغة، هنا، عن لغة قصائده في مراحله الاخرى. الفن العظيم حقا هو تعبير عن الموضوع من خلال الذات، تعبير عن الحركة الخفية لمجتمع ما، تراها عين الفنان وحده، في لحظة صعوده أو انكفائه.

اعاد السياب الى القصيدة العربية ارتباطها بالناس من خلال تحشيده الهائل لتفاصيل حيواتهم. ودخلت الحياة بكل نبضها الحي في جسد قصيدته، وحتى البحور التي استخدمها السياب في تلك الفترة، خاصة «الكامل» جاءت متوافقة مع طبيعة تلك المرحلة، وتشابكها، وجلالها، وتحولاتها الضخمة: «غريب على الخليج» و«انشودة المطر»، و«النهر والموت» و«حفار القبور» و«المخبر» و«المومس العمياء» و«الأسلحة والأطفال»... الخ.

كانت لغة السياب في هذه المرحلة لغة حديثة فعلا، ونعني باللغة الحديثة اقترابها من لغة الناس اليومية، وابتعادها عن المفردة القاموسية الميتة، وادخال احاديث الناس البسطاء الى الشعر، وتناول قضاياهم بالفاظهم هم، ولعل هذا هو اثمن ما جاء به الشعر العربي الحديث، اعادة الشعر الى الناس الذين يكتب من اجلهم هذا الشعر، فلم تكن ثورة الشعر الحديث ثورة جمالية فقط، ولذلك سرعان ما انتشر انتشارا كبيرا.

واكتنزت هذه اللغة، وتعددت دلائلها باستخدام السياب الواسع للأسطورة، وهي ظاهرة جديدة ايضا ادخلها السياب الى القصيدة الحديثة متأثرا بالشعر الغربي الحديث، خاصة اليوت. ولكن هذا الاستخدام لم يكن، في رأينا، موفقا. فقد ظلت الاسطورة في شعره «اطارا خارجيا» ولم تصبح جزءا من نسيج القصيدة العضوي، اضافة الى ان معظم الاساطير التي استخدمها لم تكن اساطير محلية لها دلالاتها الرمزية والنفسية في ذهن القارئ العربي، ونعتقد ان خليل حاوي قد نجح في تلافي ذلك وكذلك ادونيس في بعض محاولاته.

أما على مستوى البنية الايقاعية، فقد ظل السياب ملتزما، عموما، بما تسميه نازك الملائكة في كتابها «قضايا الشعر المعاصر» بـ «البحور الصافية» اي التي تتكون من تفعيلة واحدة. هذه التجارب الجريئة في شكل الشعر العربي الحديث، وهو ما زال في بدايته، تعكس موهبة السياب الكبيرة، وتمكنه من عمود الشعر، الأمر الذي أتاح له تطويره في ما بعد. والغريب ان هذه التجارب في ايقاع الشعر العربي ماتت بموت السياب، ما عدا المزاوجة بين بحرين كما عند ادونيس وسعدي يوسف الذي استخدم، ايضا، بحر الطويل في قصيدة واحدة هي «الألوية الأربعة عشر» حسب ما نتذكر، فقد اقتصرت القصيدة الحديثة عموما على وزنين أو ثلاثة هي المتقارب والمتدارك وحمار الشعراء الرجز على امتداد خمسة اجيال تقريبا. أما الكامل الذي ساد في فترة الخمسينات في معظم القصائد ـ بتأثير من السياب نفسه ـ فقلما نرى انفسنا نخوض الآن في هذا البحر الجليل باستثناء محمود درويش، وهذا يصح ايضا على «الرمل».

حققت كل هذه الانجازات، وما قلنا في البداية انه سر الشعر، مكانة متميزة للسياب في خريطة شعرنا الحديث، ونعتقد ان قصائد كثيرة منه ستبقى لأمد طويل لأنها تلبي حاجة روحية عميقة في دواخل اي انسان بغض النظر عن المكان والزمان: الحاجة الى الشعر.

المصدر:
http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issue=9523&article=273102

والآن مع واحدة من روائع السياب


إتبعيني

أتبعيني

فالضحى رانت به الذكرى على شط بعيد

حالم الأغوار بالنجم الوحيد

وشراع يتوارى واتبعيني

همسة في الزرقة الوسنى وظل

من جناح يضمحل

في بقايا ناعسات من سكون

في بقايا من سكون

في سكون !


هذه الأغوار يغشاها خيال

هذه الأغوار لا يسبرها إلا ملال

تعكس الأمواج في شبه انطفاء

لونه المهجور في الشط الكئيب

في صباح ومساء

وأساطير سكارى ... في دروب

في دروب أطفأ الماضي مداها

وطواها

فاتبعيني .. إتبعيني


اتبعيني ... ها هي الشطآن يعلوها ذهول

ناصل الألوان كالحلم القديم

عادت الذكرى به ساج كأشباح نجوم

نسي الصبح سناها والأفول

في سهاد ناعس بين جفون

في وجوم الشاطيء الخالي كعينيك انتظار

وظلال تصبغ الريح وليل ونهار

صفحة زرقاء تجلو في برود

وابتسام غامض ظل الزمان

للفراغ المتعب البالي على الشط الوحيد

اتبعيني في غد يأتي سوانا عاشقان

في غد حتى وإن لم تتبعني

يعكس الموج على الشط الحزين

والفراغ المتعب المخنوق أشباح السنين


أمس جاء الموعد الخاوي وراحا

يطرق الباب على الماضي على اليأس عليا

كنت وحدي .. أرقب الساعة تقتات الصباحا

وهي ترنو مثل عين القاتل القاسي إليا

أمس.. في الأمس الذي لا تذكرينه

ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينته

واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا

وتناءت في ارتخاء وتوان

غمغمات مجهدات وأغاني

وتلاشت تتبع الضوء الضئيلا

أقبلي الآن ففي الأمس الذي لا تذكرينه

ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينته

واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا



وهذه قصيدة أخرى


سوف امضي

سوف أمضي أسمع الريح تناديني بعيداً

في ظلام الغابة اللفّاء .. والدّرب الطويل

يتمطي ضجراً، والذئب يعوي، والأفول

يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك

فاتركي أقطعلا اللليل وحيدا

سوف أمضي فهي ما زالت هناك

في انتظاري


سوف أمضي. لا هدير السيل صخّبا رهيبا

يغرق الوادي، ولا الأشباح تلقيها القبور

في طريقي تسأل الليل إلى أين أسير

كل هذا ليس يثنيني فعودي واتركيني

ودعيني أقطع اللليل غريبا

إنها ترنو إلى الأفق الحزين

في انتظاري


سوف أمضي حوّلي عينيك لا ترني إليّا

إن سحراً فيهما يأبى على رجلي مسيرا

إن سراً فيهما يستوقف القلب الكسيرا

وارفعي عني ذراعيك ... فما جدوى العناق

إن يكن لا يبعث الأشواق فيّا ؟

اتركيني ها هو الفجر تبدى، ورفاقي

في انتظاري

مع تحياتي

محمود

السيد حنفي
22/05/2007, 08h28
بدر شاكر السياب.. هذا الرائع هو أول من تفتحت معه أفكاري, وعشت معه الكلمات رنينا وعشقا, وأول قصيدة حفظتها كانت { رسالة من شمال الشمال } والتي مطلعها
بعمر من الشوك مخشوشن
بعرق من الصيف لم يسكن
بتجويف حب به كاهن صامت الأرغن
أعيش هنا.. لا.. هنا..
إنني جهلت بكينونتي مسكني

عشقت هذا الساحر, وعشت مع ضي نغماته حتى قبل ما أفقه ماذا تعني كلمة { شعر }
وفي هذه المناسبة العظيمة أرجو أن تسعدكم مساهمتي بقصيدة من أروع ما أنشد ساحر الكلمات { بدر شاكر السياب }

سوف أمضي

سوف أمضي.. أسمع الريح تناديني بعيدا
في ظلام الغابة اللفاء.. والدرب الطويل
يتمطى ضجرا, والذئب يعوي, والأفول
يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك
فاتركيني, أقطع الليل وحيدا
سوف أمضي.. فهي مازالت هناك
في انتظاري

سوف أمضي.. لا هدير الليل صخابا رهيبا
يغرق الوادي.. ولا الأشباح تلقيها القبور
في طريقي تسأل الليل إلى أين أسير
كا هذا ليس يثنيني, فعودي واتركيني
ودعيني أقطع الليل غريبا..
انها ترنو إلى الأفق الحزين
في انتظاري

سوف أمضي. حوًلي عينيك لا ترني إليا !!
إن سحرا فيهما يأبى على رجلي مسيرا
إن سرا فيهما يستوقف القلب الكسيرا
وارفعي عني ذراعيك.. فما جدوى العناق
إن يكن لا يبعث الأشواق فيًا ؟
اتركيني.. ها هو الفجر تبدى.. ورفاقي
في انتظاري

مع فائق احترامي وحبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أضنتني الرؤى.. والعزف الموصول أضناني
هل أكف عن مداعبة أوتار الزمان
أم أكف عن عزف الناي
أم أغض يصري لأرى ملامحك تتشكل جنينا داخل رحم أفكاري
الأديب
السيد حنفي

محمود
26/11/2007, 22h14
أول كلامي سلام ..

نعاود القاء مع شاعرنا السياب ومع معاناته وأوجاعه ، وأوجاعنا ، في رائعة أخرى ... أقرأ ، وأتساءل : أتراه كان ينظر في كرة من البلور يستشرف منها نوائب المقبل من الأيام ؟

وصية من محتضر

يا صمت يا صمت المقابر في شوارعها الحزينه
أعوي أصيح أصيح في لهفٍ فأسمع في السكينه
ما تنثر الظلماء من ثلجٍ وقار
تصدي عليه خطىً وحيداتٍ و تبتلع المدينة
أصداءُهُنَّ كأن وحشا من حديد من حجار
سف الحياة فلا حياة من المساء إلى النهار
أين العراق ؟ و أين شمس ضحاه تحملها سفينة
في ماء دجلة أو بويب ؟ و أين أصداء الغناء
خفقت كأجنحة الحمام على السنابل و النخيل
من كل بيت في العراء
من كل رابية تدثرُها أزاهير السهول
إن مت يا وطني ففبرٌٌ في مقابرك الكئيبة
أقصى مناي و أن سلمت فإن كوخا في الحقول
هو ما أريد من الحياة فدى صحاراك الرحيبة
أرباض لندن و الدروب و لا أصابتك المصيبة

أنا قد أموت غدا فإنّ الداء يقرض غير وانٍ
حبلا يشدُّ إلى الحياة حطام جسم مثل دار
نخرت جوانبها الرياح و سقفها سيل القََََطار
يا إخوتي المتناثرين من الجنوب إلى الشمال
بين المعابر و السهول و بين عالية الجبال
أبناءَ شعبي في قراه و في مدائنه الحبيبة
لا تكفروا نِعمَ العراق
خير البلاد سكنتموها بين خضراء و ماء
الشمس نور الله تغمرها بصيف أو شتاء
لا تبتغوا عنها سواها
هي جنة فحذار من أفعى تدب على ثراها
أنا ميت لا يكذب الموتى و أكفر بالمعاني
إن كان غير القلب منبعها
فيا ألق النهار
أغمر بعسجدك العراق فإنّ من طين العراق
جسدي و من ماء العراق


مع تحياتي

محمود

محمود
20/12/2007, 15h18
أول كلامي سلام ..

هذه قصيدة أخرى جميلة من إبداعات السياب ، وكل إبداعه جميل. أرجو أن تعجبكم



القصيدة والعنقاء

جنازتي في الغرفة الجديدة
تهتف بي أن أكتب القصيدة
فأكتب
ما في دمي وأشطب
حتى تلين الفكرة العنيدة
وغرفتي الجديدة
واسعة أوسع لي من قبري
إذا اعتراني تعب
من يقظة فالنوم منها أعذب
ينبع حتى من عيون الصخر،
حتى من المدفأة الوحيدة
تقوم في الزاوية البعيدة.
***

وترفع الجنازة اليابسة المهدمة
من رأسها ترنو إلى الجدران
والسقف والمرآة والقناني.
ما للزوايا مظلمة
كأنهن الأرض للإنسان
تريد أن تحطمه
بالمال والخمور والغواني.
والكذب في القلب وفي اللسان،
تريد أن تعيده
للغابة البليدة؟
وصفحة المرآة ما لها تطل خاوية
ما أثمرت بغانية،
بالشفة المرجان
تنيرها كالشفق العينان
كهذه المرآة
ستصبح الأرض بلا حياة.
وفي الليالي الداجية،
في ذلك السكون ليس فيه
إلا الريح العاوية
***
وهكذا الشاعر حين يكتب القصيدة
فلا يراها بالخلود تنبض،
سيهدم الذي بني، يقوض
أحجارها ثم يمل الصمت والسكونا.
وحين تأتي فكرة جديدة،
يسحبها مثل دثار يحجب العيونا
فلا ترى. إن شاء أن يكونا
فليهدم الماضي فالأشياء ليس تنهض
إلا على رمادها المحترق
منتثرا في الأفق...
وتولد القصيدة
======================================



مع تحياتي

محمود


ومن كل كف قد رُميت بصخرة .. وفي راحتي لو أمكن الرأي أحجارُ

علي بن عبد الغني الحصري القيرواني

محمود
02/01/2008, 12h47
أول كلامي سلام ..

لم يكن كل شعر السياب سوداوية وألما ونحيبا. فهو من قبل ومن بعد إنسان يعتريه الحزن والفرح والغضب والثورة والعشق والروحانية ، وهو في كل هذا كان يكتب وينثر زهور أشعاره علينا. وهذه قصيدة رقيقة للسياب. يبرز فيها من ذاته جوانب أخرى ..

أغنية الراعي
دعي أغنامنا ترعى حيال المورد العذب
و هيا نعتلي الربوة يا فاتنة القلب
فنلقى تحتنا الوديان في ليل من العشب
خيالانا به طيف من الآمال و الحب
خطايا تبعث الذكرى بقلب الورد و الزهر
سيبقى في غد منها صدى ينساب في النهر
و في الأنداء ما ذابت على وقع خطى الفجر
و في أغنية الرعيان ما بين الربى الخضر
سئمنا العالم الفاني و الناس و مرعانا
لقد سجنوا بأغلال من الأنظار نجوانا
سننشد في أمان من عيون الناس مأوانا
ضعي يدك الجميلة في يدي و لنذهب الآنا
و من أثواب قطعانك يا ريحانة العمر
نحوك شراع زورقنا و نطوي لجة العمر
نغني الموج أغنية الرعاة على الربى الخضر
لقيثار روى أنغامه عن ربه الشعرا
نؤم جزيرة منسية في بحرها النائي
طوى الموج بشطيها جناحيه بأعياء
إليها أومأ المجداف لما ضلها الرائي
و أضحى دمعه يرسم أقمارا على الماء
سنبني كوخنا تحت الغصون بجانب النبع
و نملؤه بما شئناه من زهر و من شمع
و أنغام رواها الوتر السكران بالدمع
و عطر قطفت أزهاره من ذلك الجذع
ستهوي شفتانا فيه نحو القبلة الأولى
فيصغي في صداها خافق ما زال مبتولا
إلى همس المجاديف طواها الليل تقبيلا
إلى نجوى الينابيع بروض بات مطلولا
تعالي نهجر الآثام و الناس و دنيانا
لأرض سبقتنا نحوها بالسير روحانا
هناك نرى المنى و الحب و الأحلام ترعانا
ضعي يدك الجميلة في يدي و لنذهب الآنا


======================

مجرد اقتراح..

كانت للسياب محاولات متعددة لتجديد بناء القصيدة العربية ، وهو رائد من رواد التجديد في الشعر بل لعله الرائد الأول للشعر الحديث (على خلاف في ذلك).

أقترح على شعرائنا الأفذاذ في المنتدى وهم كثر أن يتفضلوا فيشرحوا لنا جوانب التجديد في تجارب السياب الشعرية وكم أثمرت من نجاحات ، ومدى تأثيرها في الشعر المعاصر.

تحياتي

محمود

Sami Dorbez
27/10/2008, 15h08
أقداح و أحلام

أنا ما أزال وفي يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب
ما زلت اشربها واشربها حتى ترنح أفقك الرحب
الشرق عفر بالضباب فما يبدو فأين سناك يا غرب؟
ما للنجوم غرقن ، من سأم في ضوئهن وكادت الشهب ؟
أنا ما أزال وفي يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب ؟
******

الحان بالشهوات مصطخب حتى يكاد بهن ينهار
وكأن مصاحبيه من ضرج كفان مدهما لي العار
كفان ؟! بل ثغران قد صبغا بدم تدفق منه تيار
كأسان ملؤهما طلى عصرت من مهجتين رماهما الحب
أو مخلبان عليهما مزق حمراء تزعم أنها قلب
******

يا ليل ، أين تطوف بي قدمي ؟ في أي منعطف من الظلم
تلك الطريق أكاد أعرفها بالأمس عتم طيفها حلمي
هي غمد خنجرك الرهيب ، وقد جردته ومسحت عنه دمي
تلك الطريق على جوانبها تتمزق الخطوات أو تكبو
تتثاءب الأجساد جائعة فيها كما يتثاءب الذئب
******

حسناء يلهب عريها ظمأي فأكاد أشرب ذلك العريا
وأكاد أحطمه ، فتحطمني عينان جائعتان كالدنيا
غرست يد الحمى على فمها زهرا بلا شجر فلا سقيا
إن فتحته بحرها شفة ظمأى يعربد فوقها ندب
رقص اللهيب على كمائمه ومشى الطلاء يهزه الوثب
******

عين يرنح هدبها نفسي وفم يقطع همسه الداء
ويد على كتفي مجلجلة واخجلتاه أتلك حواء
لا كنت آدمها ولا لفحت فردوسي الخمري صحراء!
صوت النعاس يرن في أفقي فتذوب ناعسة له السحب
وانثال ، من سهري على سهري ينبوعه المتثائب الرطب
******

يا نوم بين جوانحي أمل لم أدر ، قبلك أنه أمل
مثل الفراشة بات يحبسها دوح بذائب طله خضل
لولا خفوق جناحها غفلت بيض الأزاهر عنه والمقل
أنا من ظلالك بين أودية عذراء كل مهادها عشب
هام الضباب على رفارفها طل الوشاح ... كنجمة تخبو
******

ماذا أراه ؟! أطيفها مسحت عنه التراب أنامل الغسق؟
هو يا فؤادي غيرها ، رفة هو من دمائك أنت من حرقي
هو ما نحن إليه بادلني حبي وفتح بالسنا أفقي
فإذا لثمت فغير خادعة باتت لكل مخادع تصبو
أفكان سورا قام بينهما بين الخيانه والهوى _ هدب ؟
******

خفقت ذوائبها على شفتي وسنى فأسكر عطرها نفسي
نهر من الاطياب ارشفني ريحا تريب مجابر الغلس
فكان ناديا ضمخته يدا آذار غرد ليلة العرس
فغفا وما زالت ملاحنة ملء الفضاء يعيدها الحب
أو أن سوسنة يراقصها رجع الغناء بشعرها تربو
******

يا جسم طيفك ، انت يا شبحا من ذكرياتي يا هوى خدعا
لعناتي الحنقيات ما برحت تعتاد خدرك والظلام معا
خفقت بأجنحة الغراب على عينيك تنشر حولك الفزعا
الصبح ، صبحك ، ضحك شامته والليل ليلتك مضجع ينبو
وإذا هلكت غدا ، فلا تجدي قبرا ومزّق صدرك الذئب ؟
******

والبوم يملأ عشه نتفا من شعرك المتعفر النّخر
ويعود ثغرك للذباب لقي ويداك مثقلتان بالحجز
لا تدفعان أذاه عن شفة بالأمس اخرس لغوها وترى
وليسق من دمك الخبث غدا دوح تعشش فوقه الغرب
تأوي الصلال الى جوانبه غرثي ويعوي تحته الكلب



هوى واحد !

على مقلتيك ارتشفت النجوم وعانقت آمالي الآيبة
وسابقت حتى جناح الخيال بروحي إلى روحك الواثبة
أطلت فكانت سناً ذائباً بعينيك في بسمة ذائبة
*
أأنت التي رددتها مناي أناشيد تحت ضياء القمر
تغني بها في ليالي الربيع فتحلم أزهاره بالمطر
ويمضي صداها يهز الضياء ويغفو على الزورق المنتظر
*
خذي الكأس بلي صداك العميق بما ارتج في قاعها من شراب
خذي الكأس لا جف ذاك الرحيق
و إلا صدى هامس في القرار ألا ليتني ما سقيت التراب
*
خذي الكأس إني زرعت الكروم على قبر ذاك الهوى الخاسر
فأعراقها تستعيد الشراب وتشتفه من يد العاصر
خذي الكأس اني نسيت الزمان فما في حياتي سوى حاضر
*
وكان انتظار لهذا الهوى جلوسي على الشاطيء المقفر
وإرسال طرفي يجوب العباب ويرتد عن أفقه الأسمر
إلى أن أهل الشراع الضحوك وقالت لك الأمنيات : أنظري
*
أأنكرت حتى هواك اللجوج وقلبي وأشواقك العارمة
وضللت في وهدة الكبرياء صداها .. فيا لك من ظالمة
تجنيت حتى حسبت النعاس ذبولا على الزهرة النائمة
*
أتنسين تحت التماع النجوم خطانا وأنفاسنا الواجفة
وكيف احتضنا صدى في القلوب تغني به القبلة الراجفة
صدى لج احتراق الشفاة وما زال في غيهب العاطفة
*
ورانت على الأعين الوامقات ظلال من القبلة النائية
تنادي بها رغبة في الشفاة ويمنعها الشك .. والواشية
فترتج عن ضغطة في اليدين جكعنا بها الدهر في ثانية
*
شقيقة روحي ألا تذكرين نداء سيبقى يجوب السنين
وهمس من الأنجم الحالمات يهز التماعاتها بالرنين
تسلل من فجوة في الستار إليك وقال ألا تذكرين
*
تعالي فما زال في مقلتي سنا ماج فيه اتقاد الفؤاد
كما لاح في الجدول المطمئن خيال اللظى والنجوم البعاد
فلا تزعمي أن هذا جليد ولا تزعمي أن هذا رماد؟



أساطير

أساطير من حشرجات الزمان
نسيج اليد البالية
رواها ظلام نم الهاوية
وغنى بها ميتان
أساطير كالبيد ماج سراب
عليها وشقت بقايا شهاب
وأبصرت فيها بريق النضار
يلاقي سدى من ظلال الرغيف
وأبصرتني والستار الكثيف
يواريك عني فضاع انتظار
وخابت منى وانتهى عاشقان
**
أساطير مثل المدى القاسيات
تلاوينها من دم البائسين
فكم أومضت في عيون الطغاة
بما حملت من غبار السنين
يقولون : وحي السماء
فلو يسمع الأنبياء
لما قهقهت ظلمة الهاوية
بأسطورة بالية
تجر القرون
بمركبة من لظى في جنون
لظى كالجنون !
**
وهذا الغرام اللجوج
أيريد من لمسة باردة
على اصبع من خيال الثلوج
وأسطورة بائدة
وعرافة أطلقت في الرمال
بقايا سؤال
وعينين تستطلعان الغيوب
وتستشرقان الدروب
فكان ابتهال وكانت صلاة
تغفر وجه الآله
وتحنو عليه انطباق الشفاة
**
تعالي فما زال نجم المساء
يذيب السنا في النهار الغريق
ويغشى سكون الطريق
بلونين من ومضة واطفاء
وهمس الهولء الثقيل
بدفء الشذى واكتئاب الغروب
يذكرني بالرحيل
شراع خلال التحايا يذوب
وكف تلوح يا للعذاب
**
تعالي فما زال لون السحاب
حزينا .. يذكرني بالرحيل
رحيل
تعالي تعالي نذيب الزمان
وساعة في عناق طويل
ونصبح بالأرجوان شراعا وراء المدى
وننسى الغدا
على صدرك الدافئ العاطر
كتهويمة الشاعر
تعالي فملء الفضاء
صدى هامس باللقاء
يوسوس دون انتهاء
**
على مقلتيك انتظار بعيد
وشيء يؤيد
ظلال
يغمغم في جانبيها سؤال
وشوق حزين
يريد اعتصار السراب
وتمزيق أسطورة الأولين
فيا للعذاب
جناحان خلف الحجاب
شراع ..
وغمغمة بالوداع !!



اللقاء الأخير

والتف حولك ساعداي ومال جيدك في اشتهاء
كالزهرة الوسني فما أحسست إلا والشفاة
فوق الشفاة وللمساء
عطر يضوع فتسكرين به وأسكر من شذاه
في الجيد والفم والذراع
فأغيب في أفق بعيد مثلما ذاب الشراع
في أرجوان الشاطيء النائي وأوغل في مداه
***
شفتاك في شفتي عالقتان والنجم الضئيل
يلقى سناه على بقايا راعشات من عناق
ثم ارتخت عني يداك وأطبق الصمت الثقيل
يا نشوة عبرى وإعفاء على ظل الفراق
حلواَ كإغماء الفراشة من ذهول وانتشاء
دوما إلى غير انتهاء
***
يا همسة فوق الشفاة
ذابت فكانت شبه آه
يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات
رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء
غرقي إلى غير انتهاء
مثل النجوم الآفلات
لا لن تراني لن أعود
هيهات لكن الوعود
تبقى تلحّ فخفّ أنت وسوف آتي في الخيال
يوما إذا ما جئت أنت وربما سال الضياء
فوق الوجوه الضاحكات وقد نسيت وما يزال
بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء
هذا الفراغ أما تحس به يحدق في وجوم
هذا الفراغ أنا الفراغ فخف أنت لكي يدوم !
***
هذا هواليوم الاخير ؟!
واحسرتاه! أتصدقين؟ ألن تخفّ إلى لقاء؟
هذا هو اليوم الأخير فليته دون انتهاء !
ليت الكواكب لا تسير
والساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق!
خلفتني وحدي أسير إلى السراب بلا رفيق

***
يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون
عنا فماذا يصنعون
لو أنني حان اللقاء
فاقتادني نجم المساء
في غمرة لا أستفيق
ألا وأنت خصري تحت أضواء الطريق ؟!

***
ليل ونافذة تضاء تقول إنك تسهرين
أني أحسّك تهمسين
في ذلك الصمت المميت ألن تخف إلى لقاء
ليل ونافذة تضاء
تغشى رؤاي وأنت فيها ثم ينحل الشعاع
في ظلمة الليل العميق
ويلوح ظلك من بعيد وهو يومئ بالوداع
وأظل وحدي في الطريق



أهواء


أطلي على طرفي الدامع خيالا من الكوكب الساطع
ظلا من الأغصن الحالمات على ضفة الجدول الوادع
وطوفي أناشيد في خاطري يناغين من حبّي الضائع
يفجّرن من قلبي المستفيض ويقطرن في قلبي السامع
******

لعينيك للكوكبين اللذين يصبان في ناظريّ الضياء
لنبعين، كالدهر، لا ينضبان ولا يسقيان الحيارى الظماء
لعينيك ينثال بالأغنيات فؤاد أطال انثيال الدماء
يودّ، إذا ما دعاك اللسان على البعد لو ذاب فيه النداء
******

يطول انتظاري، لعلي أراك لعلي، ألاقيك بين البشر
سألقاك. لا بد لي أن أراك وإن كان بالناظر المحتضر
فديت التي صوّرتها مناي وظل الكرى في هجير السهر
أطلي على من حباك الحياة فأصبحت حسناء ملء النظر!
******

اطلي فتاة هواي والخيال على ناظر الرؤى عالق
بعشرين من ريقات السنين عبرن المدرات في خافقي
بعشرين كلاّ وهبت الربيع وما فيه من عمري العاشق
فما ظل إلا الربيع صغير أخبّيه للموعد الرائق
******

سأروي على مسمعيك الغداة أحاديث سمّيتهن الهوى
وأنباء قلب غريق السراب شقيّ التداني ، كئيب النوى
أصيخي .. فهذي فتاة الحقول وهذا غرام هناك انطوى
اتدرين عن ربة الراعيات ؟ عن الريف ؟ عما يكون الجوى
******

هو الريف هل تبصرين النخيل ؟ وهذي أغانيه هل تسمعين
وذاك الفتى شاعر في صباه وتلك التي علمته الحنين
هي الفنّ من نبعت المستطاب هي الحبّ من مستقاه الحزين
رآها تغني وراء القطيع كـ( بنلوب ) تستمهل العاشقين
*****

فما كان غير التقاء الفؤادين في خفقة منهما عاتية
وما كان غير افترار الشفاة بما يشبه البسمة الحانية
وكان الهوى ، ثم كان اللقاء لقاء الحبيبين في ناحية
فما قال : أهواك ، حتى ترامى عياء على ضفة الساقية
******

وأوفى على العاشقين الشتاء ويوم دجا في ضحاه السحاب
خلا الغاب ما فيه إلا النّخيل وإلا العصافير فهو ارتقاب
وبين الحبيبين في جانبيه من السّعف في كل ممشى حجاب
فما كان إلا وميض أضاء ذرى النخل وانحل غيم وذاب
******

ويا سدرة الغاب كيف استجارا بأفنانك الناطفات المياه
رآها وقد بلّ من ثوبها حيا زخ فاستقبلتها يداه
على الجدع يستدفئان الصدور على موعد كل آه بآه
سلي الجدع كيف التصاق الصدور بهزّاتها، وابتعاد الشفاه ؟
******

أشاهدت يا غاب رقص الضياء على قطرة بين اهدابها ؟
ترى أهي تبكي بدمع السماء أساها وأحزان أترابها ؟
ولكنّها كل نور الحقول ودفء الشذى بين اعشابها
وأفراح كلّ العصافير فيها وكلّ الفراشات في غابها
******

وذاك الخصام الذي لو يفدّي لفديت ساعته بالوئام
أفدّيه من أجل يوم ترفّ يد فيه أو لفتة بالسلام
ومن أجل عينين لا تستطيعان ان تنظرا دون ظل ابتسام
تذوب له قسوة في الأسارير كالصحو ينحل عنه الغمام
******

خصاماً ولما نعلّ الكؤوس ؟ أحطّمتها قبل أن نسكرا ؟
خصاماً ، وما زال بعض الربيع نديّاً على الصيف مخضوضرا ؟
خصاماً ؟ فهل تمنعين العيون إذا لألأ النّور أن تنظرا؟
وهل توقفين انعكاس الخيال من النهر، أن يملك المعبرا ؟
******

أغاني شبابتي تستبيك وتدنيك مني، ففيم الجفاء ؟
كأن قوى ساحر تستبدّ بأقدامك البيض، عند المساء
ويفضي بك الدّرب حيث استدار، إلى موعدي بين ظلّ وماء
على الشطّ، بين ارتجاف القلوع وهمس النخيل، وصمت السماء
******

وحجبت خدّيك عن ناظري بكفيك حينا وبالمروحات
سأشدو وأشدو فما تصنعين اذا احمر خدّاك للأغنيات ؟
وأرخيت كفيك مبهورتين وأصغيت، واخضل حتى الموات
إلى أن يموت الشعاع الاخير على الشرق، والحب، والأمنيات
******

وهيهات، إن الهوى لن يموت ولكنّ بعض الهوى يأفل
كما تأفل الأنجم الساهرات كما يغرب الناظر المسبل،
كما تستجمّ البحار الفساح ملّيا، كما يرقد الجدول
كنوم اللظى، كانطواء الجناح كما يصمت الناي والشمأل !
******

أعام مضى والهوى ما يزال كما كان، لا يعتريه الفتور
أهذا هو الصيف يوفي علينا فناقااه ثانية، كالزهور
ولكنهمن زهور الخلود فلا اظمأت ريّهنّ الحرور
ولا نال من لونهمن الشتاء ولا استترفت عطرهن الدهور
******

أغانيّ ، والغاب قفر الوكون حبيس النسائم تحت الدوالي
ترى ماؤه، لاتّقاد الهجير حريقا بما فوقه من ظلال
وفوق التعاشيب، حيث الغصون ينئون بافيائهن الثقال
لها مضجع هدهدته العطور أأبصرت كيف اضطجاع الجمال؟
******

أأمسيت استحضر الذكرات وما كان بالامس كل الحياة؟
أضاعت حياتي ؟ أغاب الغرام أماتت على الاغنيات الشفاه؟
أنمسي، ومازال غاب النخيل خضيلا وما زال فيه الرعاه،
حديثا على موقد لسامرين : أحبّا، وخابا فوا حسرتاه؟
******

أناديك لو تسمعين النداء وأدعوك أدعوك! يا للجنون
إذا رن في مسمعيك الغداة من المهد صوت الرضيع الحنون
ونادى بك الزوّج أن ترضعيه ونادى صدى أخفتته السنون
فما نفعها صرخة من لهيب أدوّي بها ؟ من عساني أكون؟
******

أعفّرت من كبرياء النداء؟ وأرجعت آمادي القهقرى؟
نسيت التي صورتها مناي وناديت انثى ككل الورى ؟
واعرضت عن مسمع في السماء إلى مسمع في تراب القرى !
أتصغي فتاة الهوى والخيال وأدعو فتاة الهوى والثرى؟
******

وودعت سجواء بين الحقول ودنيا عن الشر في معزل
وخلفت في كل ركن خصيل من الريف ذكرى هوى أول
قصاصات أوراقي الهامسات بشعري على ضفه الجدول
وجذعا كتبت اسمها الحلو فيه ونايا يغني مع الشمأل
******

فمن هذه المسترق القلوب صبى ملؤها روحة الطافره
أما كنت ودعت تلك العيون الظليلات والخصله النافرة؟
كأني ترشفت قبل الغداة سنى هذه النظرة الآسرة !
أما كان في الريف شيء كهذا ؟ اما تشبة الربة الغابرة؟!
******

مشى العمر ما بيننا فاصلا فمن لي بأن أسبق الموعد ؟
ولكنه الحبّ منه الزمان ثوان ومما احتواه المدى
أراها فانفض عنها السنين كما تنفض الريح برد الندى
فتغدو وعمري أخو عمرها ويستوقف المولد المولدا
******

وهل تسمع الشعر إن قلته وفي مسمعيها ضجيج السنين
أطلت على السبع من قبل عشر ين عاما وما كنت الا جنين ؟
وأمسى ولم تدر أنت الغرام هواها حديث الورى أجمعين
لقد نبّأوها بهذا الهوى فقالت : وما أكثر العاشقين ؟!
******

أمن قلبه انثان هذا النشيد إليها، إلى الذئبة الضاريه ؟
ولو لم يكن فيه طعم الدماء ما استشعرت رنة القافية
وما زالت تسبيه غمّازتان تبوحان بالبسمة الخافية
وما زالتا تذكران الخيال بما كان في الأعصر الخالية
******

وبالحب والغادة المستبد صباها به ، يلعبان الورق
وكيف استكان الإله الصغير فألقى سهام الهوى والحنق
رهان، رمى فيه غمّازتيه وورد الخدود، ونور الحدق
لك الله ، كيف اقتحمت القرون ولم يخب في وجنتيك الألق ؟
******

كأن ابتسامتها والربيع شقيقتان ، لولا ذبول الزهر
أآذار ينثر تلك الورود على ثغرها ؟ أم شعاع القمر ؟
ففي ثغرها افترّ كل الزمان وما عمر آذار إلا شهر
وبالروح فديت تلك الشفاه وان أذكروني بكاس القدر !
******

أطلي على طرفي الدامع خيالا من الكوكب الساطع
وظلا من الأغصن الحالمات على ضفة الجدول الوادع
وطوفي أناشيد في خاطري يناغين من حبي الضائع
يفجرن من قلبي المستفيض ويقطرن في قلبي السامع

اتبعيني

أتبعيني
فالضحى رانت به الذكرى على شط بعيد
حالم الأغوار بالنجم الوحيد
وشراع يتوارى واتبعيني
همسة في الزرقة الوسنى وظل
من جناح يضمحل
في بقايا ناعسات من سكون
في بقايا من سكون
في سكون !
**
هذه الأغوار يغشاها خيال
هذه الأغوار لا يسبرها إلا ملال
تعكس الأمواج في شبه انطفاء
لونه المهجور في الشط الكئيب
في صباح ومساء
وأساطير سكارى ... في دروب
في دروب أطفأ الماضي مداها
وطواها
فاتبعيني .. إتبعيني
**
اتبعيني ... ها هي الشطآن يعلوها ذهول
ناصل الألوان كالحلم القديم
عادت الذكرى به ساج كأشباح نجوم
نسي الصبح سناها والأفول
في سهاد ناعس بين جفون
في وجوم الشاطيء الخالي كعينيك انتظار
وظلال تصبغ الريح وليل ونهار
صفحة زرقاء تجلو في برود
وابتسام غامض ظل الزمان
للفراغ المتعب البالي على الشط الوحيد
اتبعيني في غد يأتي سوانا عاشقان
في غد حتى وإن لم تتبعني
يعكس الموج على الشط الحزين
والفراغ المتعب المخنوق أشباح السنين
**
أمس جاء الموعد الخاوي وراحا
يطرق الباب على الماضي على اليأس عليا
كنت وحدي .. أرقب الساعة تقتات الصباحا
وهي ترنو مثل عين القاتل القاسي إليا
أمس.. في الأمس الذي لا تذكرينه
ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينته
واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا
وتناءت في ارتخاء وتوان
غمغمات مجهدات وأغاني
وتلاشت تتبع الضوء الضئيلا
أقبلي الآن ففي الأمس الذي لا تذكرينه
ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينته
واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا

رنة تتمزق

الداء يثلج راحتي، ويطفيء الغد ... في خيالي
ويشل أنفاسي ويطلقها كأنفاس الذبال
تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال
مشدودتين إلى ظلام القبر بالدّم والسعال ..
**
واحسرتا ؟! كذا أموت ؟ كما يجف ندى الصباح ؟
ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق والأقاحي
فتضوع أنفاس الربيع تهزّ أفياء الدوالي
حتى تلاشى في الهواء كأنه خفق الجناح !
**
كم ليلة ناديت باسمك أيها الموت الرهيب
وودت لا طلع الشروق علي إن مال الغروب
بالأمس كنت أرى دجاك أحب من خفقات آل
راقصن آمال الظماء ... فبلها الدم واللهيب !
**
بالأمس كنت أصيح : خذني في الظلام إلى ذراعك
وأعبر بي الأحقاب يطويهن ظل من شراعك
خذني إلى كهف تهوم حوله ريح الشمال ..
نام الزمان على الزمان به وذابا في شعاعك
**
كان الهوى وهما يعذبني الحنين إلى لقائه
ساءلت عنه الأمنيات وبت أحلم بارتمائه
زهراَ ونوراَ في فراغ من شكاة وابتهال ..
في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه
**
واليوم حببت الحياة إلى وابتسم الزمان
في ثغرها وطفا على أهدابها الغد والحنان
سمراء تلتفت النخيل المساهمات إلى الرمال
في لونها وتفر ورقاء ويأرج أقحوان
**
شع الهوى في ناظريها فاحتوانب واحتواها
وارتاح صدري وهو يخفق باللحون على شذاها
فغفوت استرق الرؤى والشاعرية من رؤاها
وأغيب في الدفء المعطر كالغمامة في نداها
**
عينان سوداوات أصفى من؟ أماسي اللقاء
وأحب من نجم الصباح إلى المراعي والرعاء
تتلألأ عن الرجا كليلة تخفي دجاها
فجراَ يلون بالندى درب الربيع وبالضياء
**
سمراء يا نجما تألق في مسائي أبغضيني
واقسي علي ولا ترقى للشكاة وعذبيني
خلي احتقار في العيون وقطبي تلك الشفاها
فالداء في صدري تحفز لافتراسك في عيوني !
**
يا موت يارب المخاوف والدياميس الضريرة
اليوم تأتي ؟! من دعاك ؟ ومن أدراك أن تزوره ؟
أنا ما دعوتك أيها القاسي فتحرمني هواها
دعني أـعيش على ابتسامتها وان كانت قصيرة
**
لا ! سوف أحيى سوف أشقى سوف تمهلني طويلا
لن تطفيء المصباح لكن سوف تحرقه فتيلا
في ليلة في ليلتين سيلتقي آها فآها
حتى يفيض سني النهار فيغرق النور الضئيلا !!
**
يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل
بين السعال على الدماء فيختم الفصل الطويل
والحفرة السوداء تفغر بانطفاء النور فاها
إني أخاف أخاف من شبح تخبئه الفصول !!
**
وغدا إذا ارتجف الشتاء على ابتسامات الربيع
وانحل كالظل الهزيل وذاب كاللحن السريع
وتفتحت بين السنابل وهي تحلم بالقطيع
والناي زنبقة مددت يدي إليها في خشوع
**
وهويت أنشقها فتصعد كلما صعد العبير
من صدري المهدوم حشرجة فتحرق العطور
تحت الشفاه الراعشات ويطفأ الحقل النضير
شيئا فشيئا .. في عيوني ثم ينقلب الأسير !!



سوف أمضي

سوف أمضي أسمع الريح تناديني بعيداً
في ظلام الغابة اللفّاء .. والدّرب الطويل
يتمطي ضجراً، والذئب يعوي، والأفول
يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك
فاتركي أقطعلا اللليل وحيدا
سوف أمضي فهي ما زالت هناك
في انتظاري
**
سوف أمضي. لا هدير السيل صخّبا رهيبا
يغرق الوادي، ولا الأشباح تلقيها القبور
في طريقي تسأل الليل إلى أين أسير
كل هذا ليس يثنيني فعودي واتركيني
ودعيني أقطع اللليل غريبا
إنها ترنو إلى الأفق الحزين
في انتظاري
**
سوف أمضي حوّلي عينيك لا ترني إليّا
إن سحراً فيهما يأبى على رجلي مسيرا
إن سراً فيهما يستوقف القلب الكسيرا
وارفعي عني ذراعيك ... فما جدوى العناق
إن يكن لا يبعث الأشواق فيّا ؟
اتركيني ها هو الفجر تبدى، ورفاقي
في انتظاري


في السوق القديم

الليل والسوق القديم
خفتت به الأصوات ،إلا غمغمات العابرين
وخطى .. الغريب
وما تبثّ الريح من نغم حزين
في ذلك الليل البهيم
والنور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب
مثل الضباب على الطريق
من كل حانوت عتيق
بين الوجوه الشاحبات
كأنّه نغم يذوب
في ذلك السوق القديم
****
كم طاف قبلي من غريب
في ذلك السوق الكئيب
فرأى وأغمض مقلتيه ، وغاب في الليل البهيم
و ارتجّ في حلق الدخان
خيال نافذة تضاء
والريح تعبث بالدخان ......
الريح تعبث ، في فتور واكتئاب ، بالدخان
وصدى .. غناء
يذكّر بالليالي المقمرات... وبالنخيل
وأنا .الغريب أظل أسمعه... وأحلم بالرحيل
في ذلك السوق القديم
***
وتناثر الضوء الضئيل على البضائع .. كالغبار
يرمي الظلال ..على الظلال
كأنّها اللحن الرتيب
ويريق ألوان المغيب الباردات ، على الجدار
بين الرفوف الرازحات ، كأنها سحب المغيب
الكوب يحلم بالشراب وبالشفاه
ويدٍ تلونها الظهيرة... والسراج
أو النجوم
ولربما بردت عليه ، وحشرجت فيه الحياة
في ليلة ظلماء.. باردة الكواكب والرياح
في مخدع سهر السراج به
وأطفأه .. الصباح
***
ورأيت من خلل الدخان ، مشاهد الغد ..كالظلال
تلك المناديل الحيارى... وهي توميء بالوداع
أو تشرب الدمع الثقيل .. وما تزال
تطفو .. وترسب في خيالي
هوّم العطر المضاع فيها
وخضّبها ..الدم الجاري
لون الدّجى ... وتوقّد النار
يجلو الأريكة ثم تخفيها الظلال الراعشات
وجه أضاء ... شحوبه اللهب
يخبو ... ويسطع ... ثم يحتجب
ودم
يغمغم وهو يقطر ثم يقطر
مات ... مات
***
الليل، والسوق القديم، وغمغمات العابرين
وخطى الغريب
وأنت أيتها الشموع ستوقدين
في المخدع المجهول في الليل الذي لن تعرفيه
تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف
حقل تموج به السنابل تحت أضواء الغروب
تتجمع الغرباء فيه
تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف
في ليلة قمراء سكرى بالأغاني في الجنوب
نقر [الداربك] من بعيد
يتهامس السعف الثقيل به ويصمت من جديد !
***
قد كان قلبي مثلكن، وكان يحلم باللهيب
نار الهوى ويد الحبيب
ما زال يحترق الحياة، وكان عام بعد عام
يمضي، ووجه بعد وجه مثلما غاب الشراع
بعد الشراع وكان يحلم في سكون، في سكون
بالصدر، والفم، والعيون
والحب ظلله الخلود .. فلا لقاء ولا وداع
لكنه الحلم الطويل
بين التمطي والتثاؤب تحت أفياء النخيل
***
بالأمس كان وكان ثم خبا، وأنساه الملال
واليأس، حتى كيف يحلم بالضياء- فلا حنين
الصيف يحتضن الشتاء ويذهبان وما يزال
كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الرياح
كالسلم المنهار، لا ترقاه في الليل الكئيب
قدم ولا قدم ستهبطه إذا التمع الصباح
ما زال قلبي في المغيب
ما زال قلبي في المغيب فلا أصيل ولا مساء
حتى أتيت هي والضياء!
***
ما زال لي منها سوى أنا التقينا منذ عام
عند المساء، وطوقتني تحت أضواء الطريق
ثم ارتخت عني يداها وهي تهمس والظلام
أتسير وحدك في الظلام
أتسير والأشباح تعترض السبيل بلا رفيق
فأجبتها والذئب يعوى من بعيد من بعيد
أنا سوف أمضي باحثا عنها سألقاها هناك
عند السراب وسوف أبني مخدعين لنا هناك
قالت ورجع ما تبوح به الصدى أنا من تريد
أنا من تريد فأين تمضي ؟ فيم تضرب في القفار
مثل الشريد أنا الحبيبة كنت منك على انتظار
أنا من تريد وقبلتني ثم قالت والدموع
في مقلتيها غير أنك لن ترى حلم الشباب
بيتا على التل البعيد يكاد يخفيه الضباب
لولا الأغاني وهي تعلو نصف وسنى والشموع
تلقى الضياء من النوافذ في ارتخاء في ارتخاء
أنا من تريد وسوف تبقى لا ثواء ولا رحيل
حب إذا أعطى الكثير فسوف يبخل بالقليل
لا يأس فيه ولا رجاء
***
أنا أيها النائي القريب
لك أنت وحدك غير أنى لن أكون
لك أنت أسمعها وأسمعهم ورائي يلعنون
هذا الغرام أكاد أسمع أيها الحلم الحبيب
لعنات أمي وهي تبكي أيها الرجل الغريب
إني لغيرك بيد أنك سوف تبقى لن تسير
قدماك سمرتا فما تتحركان ومقلتاك
لا تبصران سوى طريقي أيها العبد السير
أنا سوف أمضي فاتركيني : سوف ألقاها هناك
عند السراب
فطوقتني وهي تهمس : لن تسير
***
أنا من تريد، فأين تمضي بين أحداق الذئاب
تتلمس الدرب البعيد
فصرخت : سوف أسير ما دام الحنين إلى السراب
في قلبي الظامي دعيني أسلك الدرب البعيد
حتى أراها في انتظاري : ليس أحداق الذئاب
أقسى على من الشموع
في ليلة العرس التي تترقبين، ولا الظلام
والريح والأشباح أقسى منك أنت أو الأنام !
أنا سوف أمضي ! فارتخت عني يداها والظلام
يطغي ...
و لكني وقفت وملء عيني الدموع !
في ليلة العرس التي تترقبين، ولا الظلام
والريح والأشباح أقسى منك أنت أو الأنام !
أنا سوف أمضي ! فارتخت عني يداها والظلام
يطغي ...
و لكني وقفت وملء عيني الدموع !



لن نفترق !

هبت تغمغم : سوف نفترق روح على شفتيك تخترق
صوت كأن ضرام صاعقة ينداح فيه ... وقلبي الأفق
ضاق الفضاء وغام في بصري ضوء النجوم وحطم الألق
فعلى جفوني الشاحبات وفي دمعي شظايا منه أو مزق
فيم الفراق ؟ أليس يجمعنا حب نظل عليه نعتنق ؟
حب ترقرق في الوعود سنا منه ورف على الخطى عبق
*
أختاه، صمتك ملؤه الريب ؟ فيما الفراق ؟ أما له سبب ؟
الحزن في عينيك مرتجف واليأس في شفتيك يضطرب
ويداك باردتان : مثل غدي وعلى جبينك خاطر شجب
ما زال سرك لا تجنحه آه مأججة : ولا يثب
حتى ضجرت به وأسأمه طول الثواء وآده التعب
إني أخاف عليك وأختلجت شفة إلى القبلات تلتهب
*
ثم إنثنيت مهيضة الجلد تتنهدين وتعصرين يدي
وترددين وأنت ذاهلة إني أخاف عليك حزن غد
فتكاد نتتثرالنجوم أسى في جوهن كذائب البرد
لا تتركي لا تتركي لغدي تعكير يومي ما يكون غدي
وإذا ابتسمت اليوم من فرح فلتعبسن ملامح الأبد
ما كان عمري قبل موعدنا إلا السنين تدب في جسد
*
أختاه لذّ على الهوى ألمي فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقا تلقفني نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضيء بها جذلان يرقص عاري الفدم
هاتي لهيبك إن فيه سناً يهدي خطاي ولو إلى العدم

Sami Dorbez
27/10/2008, 15h34
صياح البط البري

و ذرّى سكون الصباح الطويل
هتافٌ من الديكِ لا يصدأُ
وهزّ الصدى سعفات النخيل
وأشرق شباكنا المطفأ .
هتافٌ سمعناهُ منذ الصغر
سمعناهُ حتى نموت
يمرُّ على عتباتِ البيوت
فيرسم أبوابها و الحُجَر
ولا يهدأُ
إلى أن تسير الحقول
إلينا فنقطف منها الثمر
وعند الضحى و انسكاب السماء
على الطينِ و العشبة اليابسة،
يشقُّ إلينا غصون الهواء
صياحٌ ، بكاءٌ ، غناءٌ ، نداء
يبشر شطآننا اليائسة
بأن المطر
على مهمه الريح مدّ القلوع
هو البطُّ .. فلتهنأي يا شموع
بموتٍ بهِ تعرفين الحياة
بهِ تعرفين ابتسامَ الدموع :
نذوراً تذوبين ، للأولياء .
صياحٌ .. كأن الصياح
ينشّل مما انطوى من رياح ،
سهولا وراء السهول
أزاهيرها في الدجى من نباح
وعند النهار حزاما لقاح
وختمية ما لها من ذبول
ينشّر في شاطئ مشمس
من القي الكثّ غاب له عذبات تطول.
صياح كأجراس ماء ..
كأجراس حقلٍ من النرجس
يدندن و الشمس تصغي، يقول
بأن المطر
سيهطل قبل انطواء الجناح
وقبل انتهاء السفر …

18 - 3 - 1962


خطاب والهه

أنت تدري ان في قلبي جرحي

الف آه تتترى دون بوح

أنت تدري صار مثل الليل صبحي

انت تدري ايها الجاني فنح

ودع الآلام واقبل بعض نصحي

يا عذابي خلني وحدي اضحي

دع أغاني اللواتي صغتهن

في اسار مبهم بين الدجنه

دع اماني فأني عفتهن

يا عذابي دع رؤى عاودتهن

ودع الآه فلن تجديك أنه

ثم دعني فأنا أشتات محنه


حب وشاعر

سالتني ذات يوم عابره عن غرامي وفتاتي الساحره
لم تكن تعلم أني شاعر ملهم أهوى فتون الطاهره
وحبيب لست أهوى عاتبا أنما أهوى العيون الآسره
وقواما أهيفا جلفني ساهما خلف روحي سادره
ووفاء لم أكن أنكره أترى ينكر غصن طائره
سألتني والربى مزدانة في شروق والأماني زاهره
ليتها تدرك أني ها هنا شاعر لابد لي من شاعره
قلت يا أختاه لا لا تسالي أنا ذاك الصب أهوى نادره

ثورة 14 رمضان

االف لسان جاء عندك يشكر...... لأيفاء ما اسديت هيهات يقدر
بعثت حيلة من رداها و نفضت.... أياديك عنها كل ما كان يوقر
جزاك الأله الخير عن أم صبية... أعدت لها البعل الذي كاد يقبر
فصار اليتامى من جداك ذوي أب. فداك الأب الفاديه در و جوهر
أسير فيكسو شارق الشمس جبهتي. فيعلو دعائي ظللت بالله تنصر
ألست الذي أحيا وقد ثار شعبه فصاح ابتهاجا منه الله اكبر
وقام الكسيح المبتلى من فراشه يسير على ساق يعدو ويطفر
تقحمت أو كان المنيات والسنا يئن وآلاف الشاياطين تصفر
فما هي ألا ضربة الثأر وانجلى ظلام من البلوى وبغداد تنظر
فمن ير بغداد التى أنت نورها يقل عاد هارون وقد مات جعفر
ثأرت لشواف وأمطرت ناظما بما قد روى القبر الذي كاد يطمر
وسد من التهريج أعلاه قاسم وما كان كاسمه فهو يشطر
يحن ألى النيل الفرات ودونه صحارى وقد قالوا لنا تلك كوثر
ألوف الضحايا سامها الخسف والأذى غلوم ورقاع وبخش وقنبر
ولولاه ما عاد الشيوعي حاكما كما شاء أو كان الشيوعي ينحر
فكنت الجواب المرتجى من دعائه وكنت لنا النور الذي فيه نبصر
فيا جيش لا نلت الأذى دونك الذي هبطنا ألى الأعماقأذ كبان يهذر
يمن بمال الشعب أعطاه عاجزا ومن ظلمة الداء الذي فيه ينخر
لقد جاع حتى حطم الجوع جسمه وطورد حتى ما على المشي يقدر
لك الحمد أذ أرويت بالثأر أرضنا فسرنا على الدرب الذي كاد يطمر

يوم ارتوى الثأر

بشراك هذا الذلة انقشعا وانفك عن ساعيك القيد وانقطعا
ازلزل الشر ما خلفت زاوية يندس فيها ولا أبقيت منتجعا
يا أمة ما انهوى عن صدرها صنم الا وأوصى لدانمنه فافترعا
من كل جازي يد بالزاد تطعمه غلا ومن آكل الثدي الذي رضعا
هاك اسمعي الصور والموتى اذا انبعثوا فاليوم كل سيجزى بالذي صنعا
الله أكبر ما أمهلت طاغية الا لكي يحصد النار التى زرعا
جيل من الأعين الغضبى وقافلة من غيظ جيلين في ميعادك اجتمعا
وانحط منها على الباغي وزمرته ظل تخطى اليه السور والقلعا
كالسيل من حمم والنار من ظلم والموت لو كان يحوي ذلك الفزعا
ما رعب قابيل اذ يعدو فتتبعه عينا أخيه المسجى حيثما نزعا
شق الثرى عنه من لحظيهما شبح أزجى عليه الدم المطلول فاتسعا
يوما بأوفى من الرعب الذي فجأت نكبأؤه الصرصر الطاغوت فامتقعا
يوم اشتفى كل قلب كان فاجمعه وزلزل القصر حتى مال وانصدعا
وامتد من حيث ولى باع محتجز واسود من حوله الفولاذ والتمعا
في موقف تنفس الشحاذ ذلتها فيه الأمير الذي من جوعها شبعا
وزمرة من لصوص كل ما جمعت ما رد عنها قضاء الشعب أو دفعا
أنزلت بالثورة البيضاء عاليها سفلا وعاجلت منها الرأس فاقتطعا
لم يرتو الثأر من جلاد أمته حتى وان جندلته النار وانصرعا
فاقتض من جيفة الجلاد مجتزيا منها عداد الضحايا من دم دفعا
هذا الذي كل ثكلى فهو مشكلها والمستحل الضحايا ليته ارتعدا
والسارق النور من عيني أطفأه والجاعل النوم في مهد ابنني وجعا
بالأمس كنا سبايا دون سدته فاليوم نعطيه ما أعطى وما منعا
ما قطعته الجموع الثائرات ولا أدمته الا بما أدمى وما قطعا
لم يكذب الجيش الا ظن شرذمة خالته في كل ما تبغى له تبعا
والجيش ما كان الا سور أمته والرافع الجور عنها كلما وقعا
ان تعل وان تمس بنائبة مسته أدهى وان نادت به سمعا
والجيش ما كان الا سر قائده هذا الذي حرر الأعناق اذ طلعا
عبد الكريم الذي أجرى بثورته ماء ونورا كغيم ممطر لمعا
أمسرى وبغداد تحت الليل غافية في سجنها وسهيل بعد ما طلعا
فما تنفس أو كاد الصباح نها الا وقد حطم الأوثان واقتلعا
في ثورة عاد منها الشعب منتصرا والحق مزدهرا والبغي منصرعا
حتى ازدهى كل شبر في العراق ففي مينائه اليوم نور الفجر قد سطعا

الهديه

يقول المحبون ان الهدايا طعام الهوى ذاك ما أسمع
واني لأهواك حتى لأقسو بحبي وتدمي به الأضلع
وأهواك حتى اللقاء اشتياق وحتى يضيق المدى الأوسع
فماذا سأهديك يوم اللقاء وماذا سأهديك يوم النوى
أيرضيك ما يشتريه انحداري الى حيث يأبى علي الهوى
فما المال الا دماء تباع كعرض البغايا لدرء الطوى
سأصحو مع الفجر قبل الطيور ولمسة كفيك في خاطري
ألم الندى حقول الربيع وأشدو مع القبر الطائر
وأجمع من زهرها باقة لعينك يا زهرة الشاعر
وهيهات هيهات ان الرياح يذرين أزهاري الذابله
ويبقين في مقلتيك انكسارا كمن يتبع الأنجم الآفله
سأهديك أغنية كنسيم المدينة يستقبل القافله
وماذا أغنيك والحشرجات وعصف اللظى كل ما اسمع
كأن البرايا دم في عروقي تصدى له الخنجر المشرع
فيا قبضة من رماد الحريق على سلم دكه المدفع
سأهديك من ساعدي الحياه ومن قلبي الضحكة الصافية
سأهديك ما في عبوس السحاب من النور للدوحة العاريه
سأهديك أن لا تكوني رمادا على مدرج الزعزع العاتيه
سأهيد دنيا يرين السلام عليها كحشد من الأنجم
تنامين فيها وتستيقظين بلا ريبة في الغد المبهم
ولا خوف من أن يعز الرغيف وأن تستباحي وأن تهرمي

وحي النيروز

طيف تحدى به البارود و النار ما...... حاك طاغ و ما استبناه جبار
ذكرى من الثورة الحمراء و شحها.... بالنور و القانيء المسفوك آذار
مرت على القمة البيضاء صاهرة...... عنها الجليد فملء السفح أنهار
في كل نهر ترى ظلا تحف به أشباح ( كاوا ) و يزهو حوله الفار
يا شعب ( كاوا ) سل الحداد كيف هوى صرح على الساعد المفتول ينهار
و كيف أهوت على الطاغي يد نفضت عنها الغبار و كيف انقض ثوار
و الجاعل ( الكير ) يوم الهول مشعلة تنصب منه على الآفاق أنوار
قف عند ( شيرين ) واهتف ربما نطقت وحدثتك بما تشتاق أحجار
و ربما ارتجت الأصداء و انفجرت قيثارة في يد الراعي و مزمار
و الفارس الثائر المغوار هل بقيت من خيله الصافنات البلق آثار
تكاد تسمع في الآفاق صيحة كأنها في سماء الحق إعصار
مرت على الظلم فاهتزت دعائمه و جلجلت فهي للباغين انذار
و ساء مستعمرا أن يستفيق على أصدائها جائع في الحقل منهار
و أن يهب إلى الأغلال يحطمها شعب و تنشق عن عينه أستار
كم أيتم البغي من طفل و سار على بيت هوى جحفل للبغي جرار
و استؤسر الجائع العريان و اغتصبت عذراؤه و استبيح الحقل و الدار
و شردت في صحارى الثلج أفئدة من فوقها أعظم تدمى و أطمار
و كشر السجن عن بابيه و ارتفعت حمر المشانق يغذوهن جزار
كيعرب مظلوم يمد يدا إلى أخيه فما أن يهدر الثار
و المستغلان في سهل و في جبل يدميها بالسياط الحمر غدار
سالت دماؤهما في السوط فامتزجت فلن يفرقها بالدس أشرار
و أغمد الظلم في الصدرين مخلبه فجمعت بالدم الجرحين أظفار
ووحد الجوع عزم الجائعين على أن يوقدوها و ألا تخمد النار
و كدس العري أجساد العراة على درب إلى النور قد أفضى بمن ساروا
وقرب القيد من شعبين شدهما ووجهت من خطى الشعبين أفكار
يا فرحة العيد ما في العيد من مرح حتى تحرر من محتاهلها الدار
يا فرحة العيد ما في العيد من مرح حتى تحرر من محتاهلها الدار


يا أبا الأحرار

هب في الفجر هبوب العاصفات قدر حطم أبواب الطغاة
قدر من سدة الله سعى يزرع الزيتون في الأرض الموات
يا لها من قبضة في حدها يكمن الموت و أسباب الحياة
حررت أعناقها من نيرها و أنارت في الليالي المظلمات
يا كريما ما رأينا مثله من كريم يا نجي المكرمات
لم تلح لولاك في ذاك الدجى شمسنا أو تهو أصنام البغاة
يا أبا الأحرار يا رافعها رابة تزهو على شط الفرات
دم لشعب عاش من تموزه في نعيم فوق أشلاء الطغاة

صحيفة الأحرار

يا حابسين صحيفة الأحرار هل يمنع القيد استعار النار
إن تحجبوها فهي حقد كامن بين الضلوع و صرخة استنكار
بنت الكفاح و كل سطر خالد عرق يفور به دم الثوار
ضم الشتات بها ( فكاوا ) يجتلي من عين ( يعرب ) ضحكة استبشار
و ( القدس ) تشهد كل جرح أنها برء يثير مخاوف الأشرار
لم تكب في ساح الجهاد و لا ارتضت ذلا و لا غفلت عن استعمار
إن تحجبوها فالليالي شأنها ألا يدوم بها سنا الأقمار
ما إن نخور فليس فينا جاهل إن الحياة عطية الأخطار
إنا لنغمد في اللظى أقدامنا هيهات نشكو سطوة الأحجار
واحر قلبي يا بلادي أنني جردت فيك سوى من الأشعار
ماذا ظننت بصادق في حبه لو كان يملك قوة الأقدار
هل كان ينفض من نضال كفه أو كان يتركها على القيثار
و لو استطعت لكنت حزبا ثانيا مثل التحرر صادق الآثار
أو عدت أجعل من دمائي ثورة تجلو غشاوة هذه الأبصار
الشعب يعلم عن يقين أنها بوق النضال و منبر الأحرار
حان الكفاح فأنزلتها طعنة حمراء في صدر الحليف الصاري
الجو فيك لكل نسر ضيق رحب لكل ملون المنقار
قصوا جناح النشر فيه و أطلقوا لليوم أجنحة الخنا و العار
و من المهازل أن أوفى صفحة للشعب تطويها يدا غدار
ما راش جود الكادحين جناحها حتى يراه مقص الاستعمار
أن يحجبوها فهي في أرواحنا و ضحاه تنشرها يد التذكار
أو طاب يوم ( الخائنات ) بيومها فالخائنات قصيرة الأعمار
إن المصاب و إن خلا من فرحة لم يخل من عظة و من انذار
فالطاعن الصدر الأبي بسيفه سق الستار بطعنة استهتار
فإذا العيون ترى و في أهدابها لمح الدماء خبيثة ( الثرثار )
يجثو على فرش الحرير و دونه جسم الطعين على التراب العاري
فالطرف يمسك بالكؤوس و رجله بالطرس و الكغان بالدينار
لو باركته يدا ( سفير ) ساعة باع النضال بحلفة ( استيزار )
يا من يشيد لكل حر محبسا خوفا على كرسيه المنهار
إن الظلام إذا تناهى غيه زاد العيون صدى إلى الأنوار
و الحابس الأبطال عن أن يزأروا ظن الزئير قضى قتل إسار
حتى تكشف عن سراب ظنه و انفض جوف الصمت عن إعصار
فإذا الحناجر و الزمازم تنبري غضبى تجوز عليه عقر الدار
هيهات تغلب كل كف شأنها لمس الحرير تدفق التيار
هيهات يصرع كل فكر ملؤه همس الطغاة صوارخ الأنكار
ما دام بعض دم الضحية دافقا فيها فلا ركنت إلى الأظفار
يا شعب أنت غد فإن لم يؤمنوا بالكادحين فلست للكفار
إن الطغاة نجوم ليل ترتدي ثوب المغيب و أنت شمس نهار
أنت اندفعت إلى العلاء و غلغلوا في هوة لا تنتهي بقرار
لا يستوي الجيلان هذا مقبل نحو الحياة و ذاك في إدبار
ظنونك سخرية الزمان و نهزه للطامعين و لعبة الأغرار
حتى أبنت عن اللظى في ملمس و كشفت في شرب عن الأكدار
أنت العباب سجا و أغفى حاجبا خلف السجو منية البحار
أنت الزمان صفا ليهوي سيفه بعد الصفاء على يدي جبار
إن الشعوب شكون داء واحدا رغم التنائي و اختلاف الدار
أغلالهن مجمعات في يد رعناء تنشرها على الأقطار
فإذا حطمت فلست وحدك حاطما تلك القيود غنيت بالأنصار
لاوفق الأشرار في أن يخرقوا قلب النضال بكاذب الأخبار
هل يأمن المطعون من جلاده إلا لقاء الصارم البتار
و الأرض ليس لها من غاسل رجس الطغاة سوى دم الثوار


مأساة الميناء

سل الميناء لو سمع الخطابا فروي غلة الصادي جوابا
و ابطال ( النقابة ) كيف باتوا يذوقون المذلة و العذابا
أذنب أن يقال لنا حقوق أبي أصحابهن لها اغتصابا
و عدل أن تجرع كل حر يد المستعمرين قذى و صابا
حلال لابن ( لندن ) في حمانا دم ابن الرافدين فلا عتبا
وجور أن نمد يدا إليه و حق أن يمد لنا حرابا
جموع الكادحين و جمعتنا مصائب ست أدركها حسابا
و حقد إن ذممت سواه حقدا فلا ألقاه إلا مستطابا
على المستعمرين بصب نارا و أبناء الثراء لظى مذابا
و رثناه الأبوة و هو باق سنورثه البنين منى عذابا
و دنيا لا يغيب العدل عنها إذا هو عن سواها كان غابا
بربك حدثيني أي جان تصيد منك أبناء نجابا
و أمسى منك دون حمى أمين تحد جنوده ظفرا و نابا
أطل على النقابة منه طرف مغيظ كاد يلتهب التهابا
و أزجى مثقلين بنافثات لهيب النار يحملن الحرابا
يذيقون المهانة كل حر دعاه هوى النقابة فاستجابا
و ما غير المطارق من سلاح و قد كرمت إلى الحق انتسابا
لك الفخر المخلد من جيوش على الجمع القليل تجوز بابا
وصانك من عدوك ( مستشار ) و حسبك أن غدوت له ذنابى
رضاه بأن تريعي كل دار تضم الكادحين و قد أصابا
فما كالكادحين له عدو إذا استرضاه مرتزق و حابى
أبالأغلال يخنق صوت شعب تهزأ بالحمام لقد تغابى
دع الآفاق تزخر بالضحايا و سمع الريح يمتليء انتحابا
و غذ بنا السجون و من دمانا فرو البيد أو فاسق السرابا
فيا غير الجلاء لك انتهاء فإن الشعب قد هتك الحجابا
و ألوى بالطغاة فما توانى و بالمستعمرين فما أنابا
جموع الكادحين و جل عارا رضانا بالهوان وخس عابا
دعاك إلى النضال شقاء شعب تحمل من مذلته الصعابا
خذي يالثأر خصمك لا تليني وجدي غير قاصرة طلابا
و سار لك الغد الزاهي فسيري وزيدي من محياه اقترابا
و أصمي في جوانح كل طاغ فؤادا كان للشر استجابا
يكاد الظامئون من الضحايا يصيحون اجعلي دمه شرابا
تطل عليك أحداق العذارى من الأكفان حانقة غضابا
دم الأعراض عاد بها اصفرارا و عاد على يد الجاني خضابا
و أجسام الطغاة حجين عنا ضياء لا نريد له احتجابا
ستنصب الأشعة من خروق رصاص الشعب زاذ بها انصبابا
لك الغد و الحياة و للأعادي معاول تحفرين بها الترابا
فصيحي ( بالحليف إليك عنا فلا حلفا نريد و لا انتدابا

دجلة الغضبى

ذوب الليل يا شعاع النهار تلمح العين ما وراء الستار
ذوب الليل يبصر الشعب صرعاه فما زال واقفا بانتظار
يبصر القوم بين هاو الى اللحد وغرقان دائب في احتظار
ما غضبة المياه الحبيبات تدفقن بعد طول الأسار
زمزم الموج في السهول النديات مغيطا وصاح في كل دار
سائل الكوخ والربى والصجارى كيف أرعش في يد التيار
أيها النائمون في الضفة السكرى على الجوع والضنى والصغار
كيف بالله كيف تغفو عيون في حمى كل ظالم غدار
علموا دجلة الظلامات والغدر فعادت ولا تفي عهد جار
أيها الضاربون في ظلمة الليل الى غير منتهى أو قرار
يسرقون الخطى على ضوء نجم يسرق الخطو في قصي المدار
كيف خلفتم الديار الحبيبات ألا لفتة لتلك الديار
ضرب الماء ما بنى كل بان وطوى كل مأمل بالثمار
فاشتكى صاحب القطيع من الموج لذئب رآه أو جزار
واشتكى الحاصد المعنى الى الشيخ فما كان منه غير ازورار
وهو بالأمس واهب القائد الغربي زلفى اليه سيف النضار
صيغ من أضلع الجياع العريا تحت أنظار كل جوعان عاري
وهوبالأمس من حبا لندن الشوهاء ما شاء منه حب الفخار
وهو من يبخل الغداه على الشعب ويلقى انتحابه بافترار
ليت لي قوة المياه فاقتض من الشيخ للدموع الغزار
ليتني أهدم القصور وأبنيهن بيتا لشارد في القفار
ليتني أبدل القلوب التى تغفو على الذل بالحصى والحجار
أيها الشعب واحتماك عار على الحر دونه كل عار
طالما قد صبرت يا شعبي المظلوم فانهض كفاك طول اصطبار
أيها المرسل الأنين الى الآذان يلبسن قرط الاستعمار
حق ما ترسل الأنين اليهن اجتزازا بصارم بتار
فهي صماء حين تدعو وصغواء اذا اهتز شارب المستشار
ضلة للنيام والثلعب الرعديد يسطو بمخلب مستعار
رب ناج من الردى خلف الأبناء صرعى في المائج الهدار
مثقل الظهر بالسنين الطويلات وأشلاء بيته المنهار
لاح لي فانطلقت أزجي اليه الشعر حران قاذفا بالشرار
أيها المبتلى وأدعو بك الشعب وقد هم غيظه بانفجار
ذلك النهر فاض بعد احتباس عاصفا بالسدود عصف اقتدار
نبني أي ساعة أبصر الشعب وقد فاض بعد طول الأسار
ساحقا في اندفاعه ما أقام الظلم في دره من الأسوار
قل لمن ثبت العروش على الماء فقال امتلكت كل البحار
سوف تأتيك ساعة توقظ الأمواج فيها انتفاضة الاعصار
أيها الشعب يعصب الداء عينيه فلا تبصران ضوء النهار
الدواء الذي ترجي سيأتيك اسمه من حناجر الثوار
تعصف الصيحة المدماة بالتاج على كل مفرق مستطار
يوم لا الظالم الغشوم بمنجيه من الثائرين وشك الفرار
لا ولا القيد مستطيع حيال النار صبرا ودونه ألف نار
الردى واالهوان خط الأذلاء وكل الحياة للأحرار

أعاصير

أصبح الكون وهو نور ونار أيها الظالمون أين الفرار
الأعاصير تملأ الشرق والغرب وقد جاش حولهن الشرار
كلما حاقت المنايا باعصر نزا فوق نعشه اعصار
فالتهاب خبا فكان التهاب وانفجار مضى فجاء انفجار
فاعصفي يا شعوب فالكون لا يرضيه الا أن يعصف الأحرار
واحطمي القيد فوق هام الطواغيت وثوري فالفائز الثوار
همسة فانتباهة فهتاف فانتفاض فثورة وانتصار
هذه قصة الشعوب رواها للولرى تاج قيصر المنهار
حرك الشرق عقرب الساعة الوسنى فهبت تقول لاح النهار
فامض يا ليل ما عيون الجماهير بعمياء أو عليها ستار
أيها الواقفون في زحمة الدنيا وقد عصب الرؤوس الدوار
ان وقفتم فما أرى موقف التاريخ يعتاق من خطاه انتظار
فاجعلوا في اليمين عرشا من الظلم فما يعرف العرش اليسار
يا وجوه الجياع يا قصة أضحى لها من مواطني أسفار
حاك أحداثها الرهبيات جلاد زها سيفه الدميم اقتدار
أنت للجوع لاح اصفرار وهو للتبر في يديه اصفرار
خيب المستبد لا يكتب التاريخ ناب له ولا اظفار
انما نحن وارثو هذه الدنيا لنا المجد كله والفخار
ان في صفرة الخريف انتفاضا كلن من معجزاته أيار
قل لمن فض روحه الرعب واستل السنا من عيونه الاندحار
نقل الطرف بين شرق وغرب يحمد الطرف قلبك الستطار
تلق كأس الطغاة في كف ساقيها حطاما تجف فيه العقار
في غد تسحق القيود ويهوي فوق أشلاء تاجه استعمار
لألأ الصبح يا بلادي أيبقى في حماك السفير والمستشار
ابعثي صرخة الجلاء ابعثيها مثلما ترسل الهدير البحار
شبعك الحر ما انثنى عن نضال لا فهيهات أن يدوم الأسار
وهو لو كان كوكبا يذرع الآفاق ما حد من خطاه المدار
عالم الظالمين قد هدم المظلوم ركنيه فاحتواه انهيار
فهو ان ظل واقفا كان للموت وان سار فالمسير انتحار
موضع القيد بعد حين سيمسي فوق انحانه الجريحات غار

مفضوحة لم تبق طي خفاء

الاسخياء له بغير بلادهم الباخلون بها على الضعفاء
بالقادرونعلى اغتصابك عنوة فاليوم هب الشعب من اغفاء
يا شعب ليس القدس تشكو وحدها هول الجراح من اليد الرعناء
ما زال جرحك وهو دام دافق رغم انتهاء الطعنة النجلاء
والحر أبعد غاية من أن يرى في الدمع تخفيفا من البرحاء
فالحكم للدم والسلاح المنتظى والحرب لا للدمعة الخرساء
والنصر للشعب الذي لا ينثني عن عزمه والصولة النكراء
أجل الطغاة بكل حد صارم ما أن يزيل العار كالأجلاء
حتى أراك وأنت راض هانىء حر برغم الأعين الزرقاء
وأرى الجزيرة وهي روض مونق محمية الأبناء بالأبناء
والقدس يسكن كل حر ربعها بالعاملين وضيئة الأنحاء
ياشعب ناد بكل ساه غافل عما تذوق القدس من بأساء
ما أشرع الأعداء فيها حرية الا لشل يد وسفك دماء
ما نفع جنتك التى نضرتها والنار حول الجنة الخضراء
يا شعبي المظلوم هذا موقف بان الوفي به من الحرباء
ما بال رهطك وهو باق وحده لم يخش بأس القوة العمياء
عاش التحرر كل رهط غائب الاه يوم الجد والأعياء
وغدا فداء الكادحين وجمعهم أصحاب تلك الشارة السوداء
يا شعب هذا أنت جأش رابط ان حان يوم الثورة الحمراء

في يوم فلسطين

يا راقصين على دم الصحراء قد آن يوم الثورة الحمراء
تلك الشرارة بعد حين تنجلي عن زاخر بالنار والأضواء
اليوم يحطم كل شعب ثائر سود القيود بضحكة استهزاء
ويد يفر البغي من هزاتها حمراء ضرجها دم الشهداء
فضت فم المستعمرين بلطمة لا غير قاتلة ولا شلاء
واليوم يصرخ كل حر غاضب في وجه كل مهوس الآراء
تلك الواطن أين عنها أهلها فتروح تعرضها على الغرباء
والقدس ما للقدس يمشي فوقها صهيون بين الدمع والأشلاء
ما هتلر السفاح أقسى مدية يوم الوغى من هتلر الحلفاء
يا أخت يعرب لن تزالي حرة بين الدم المسفوك والأعداء
ثارت أهلك في دمانا تلتظي هيهات ليس لهن من اطفاء
حتى يضم ثرى الجزيرة أهلها أو يلبسون مطارف العلياء

عرب الثأر فاهتفي يا ضحايا

بسمت النور في ثغور الجراح أنت قبل الصباح نجم الصباح
كلما لحت في خيال الطواغيت وألهت مرقد السفاح
ذاب قيد على اللظى وتراخت قبضات على حطام السلاح
واختفت كالاظلام تنحل في النار وجوه تحف بالأقداح
كلما لحت هلل الشعب أسوان يبث ابتهاجه في النواح
وتحدى الطغاة بالساعد المفنول من عامل ومن فلاح
كان في غفوة فلما ملأت النوم في مقلتيه بالأشباح
هب غضبان يهمز الثأر بالثأر ويمشي على لهيب الكفاح
يا عيون الجراح لولاك ما امتدت عيون الى الستار المزاح
تبصر الظلم عاريا ةالطواغيت كأوراق دوحة في الرياح
جرد البغي خنجرا في دجى الليل وأهوى على الحمى المستباح
فاهتدت أمة على لمعة النصل وقد عب من دماء الأضاحي
واستضاءت بسمة من شهيد ومشت فوق معبر من جراح
عربد الثأر فانهضي يا ضحايا واطرحي عنك باردات الصفاح
كلما ألهب الدجى حزن بغداد فغصت بدمعها النضاح
وانظري هل ترين الا ثكالي وأيامي يضربن راحا براح
وانظري ما يزال جلاك السكران فوق الثرى طليق الجناح
واسألي قبر جعفر النارد المحزون ما ذنب هذه الأرواح
جعفرالحق يا نشيد البطولات تغنيه تحت ظل الصفاح
مد من قبرك المدمى بيمناك فما زلت حامل المصباح
أنت مزقت ظلمة الليل بالنور فلا تهن مقلة السفاح


اللعنات

1 الى النار

لا ترجفي يا بنان القارىء الأنا لا انشق باب ولا صافحت شياطانا
لا ترجفي وانشري سفرا صحائفه درب الى النار لولا هن ما كانا
أفضى الى عالم ناء الى ظلم كانت حياة على الدنيا وأزمانا
حاك الخيال المدمى بعضها قصصا والواقع المر انباء وألحانا
عذراء ما وطئت رجل مدراجها كالبحر قاعا وغيب الله شطآنا
واد من النار داج لا ألم به شيخ المعرة يستوحيه غفرانا
ولا تخطى بدانتي بابه بصر خاض الجحيم دما يغلي ونيرانا
وادي حزانا ومظلومين تملؤه أطياف أحيائنا الغضبى وموتانا
ضجوا لدى الله بالشكوى فرق لها قلبا وهز النجوم الزهر غضبانا
وانثال كالغيث لو أن لظى صوت سرى زعزعا وانشق بركانا
ويل الطغاة السكارى من عقاب غد ان زلزل الكوكب المنكود ايذانا
فزمزم الحشد والنكباء تنشره حينا وتطويه كف الله أحيانا
رباه لو أن في طول انتظار غد جدوى لما أسمعتك الريح شكوانا
ما كان حتما علينا أن يعذبنا طاغ وان يشهد الرحمن بلوانا
النار أشهى فهات النار تصهرنا يوم الحساب ومتعنا بدنيانا
ان كان لا يدخل الجنات داخلها الا شقيا على الأواى وغرثانا
وكان أمرك أن نرضى بما صنعوا فاحفظ عبيدك فالشيطان مولانا

بين الروح والجسد

قصة شاعرين
يستفاد من مختلف المصادر أن بين الروح والجسد ملحمة للشاعر تقع في
ألف ونيف من الأبيات وكان قد أرسلها كاملة مع السيد فيصل جري
السامر وهو يستعد للدكتوراه فسلمها بمصر كما ذكر الى المرحوم الشاعر
المصري علي محمود طه المهندس ولم يعرف مصيرها بعد
وفيما يلي مائة وعشرون بيتا متها جمعت من مسودة للشاعر ومن مجموعة
اقبال التي صدرت له بعد وفاته ثم من احدى الصحف العراقية التي كانت

تصدر يومئذ

أوحى اليه الشعر من آياته سحرا تحل به النفوس وتعقد
باتت تلحق في الأعالي روحه نشوى وبات خياله يتصعد
واهي الكيان كأن خطبا هذه ذاوي الشفاه لطول ما يتنهد
وهو المعطل من قوام فارع يسبي العيون ووجنة تتورد
لم يعط من مال سوى أحلامه وكفى بها من ثروة لا تنفد
ما زوال صرف الدهر أبقى أمه تأسو الجراح بكفها أو تضمد
كم بات يلتمس الحنان فما رأى طيف الحنان وفاته ما ينشد
وأحب من جاراته فتانة ما زال صائد طرفها يتصيد
عف الغرام بحسبه من حبه نظر يعف عن الآثام ويبعد
شاعر الشهوة

غض الاهاب تظل تبرق عينه سحرا تلوذ به القلوب وتحتمي
جم الثراء سبى العذارى بالغنى والحسن حتى ما يجدن لمغرم
قد كان يحسبها مثالا للتقى والطهر والخلق الرفيع الأكرم
ما زال يروي الشعر عن شيطانه متحلبا شرا صبيغا بالدم
وأحب غانية فهيأ سمه سرا وخبا صارما في المبسم
المحبوبة

حسناء تسفر عن محيا شاحب ما زال يغلب كل طرف غالب
رمقت صباها وهي في ريعانه بنواظر عبرى وقلب ناصب
في الريف بين نخيله المتعانق وعلى جوانب كل نهر دافق
عسب يجاذبه النسيم ظلاله وندى يصفق بالأريج العابق
وأزهر غيناء رف نديها فرحا بأجنحة الفراش العاشق
شاعر الروح

حيتك أنفاس الربيع الباكر ورعتك آلهة الهوى من شاعر
مرت ليال كنت فيها غائبا عني فأظلمت الحياة بناظري
لم يلق شعري منك قلبا راضيا فلقد سقته مآثمي حتى ارتوى
فلتهتفن بكل نغم ساحر مما تفيض عليك أيام النوى
أو ما تفيض عليك ساعدات اللقا بين النخيل وعند ذاك الملتوى
شاعر الروح

أتحب صاحبتي وحبي طاهر وهواك حب فاجر لم يشرف
نزهتها عن قول هجر قلته كادت تغص به لهاة المعزف
شاعر الشهوة

هيهات لست بتارك هذا الهوى لا الصد يورثني السلو ولا النوى
مالي ومالك أن تظل رفيقها ان نلت بعد سويعة تطويقها
أهوي على تلك الشفاه فأرتوي حينا وأرشف كيف شئت رحيقها
وأمد كفي أينما شاء الهوى فأعود أقطف نورها وشقشقها
شاعر الروح

زورا لعمرك ما نطقت وخدعة تأبى علي محبتي تصديقها
شاعر الشهوة

وأطوع الخصر النحيل بضمة من ساعد ما خلته ليطيقها
شاعر الروح

لا تفجعن فؤاد باك موجع بتصورات زوقت تزويقها
شاعر الروح

رحماك ما أبقيت لي من ملجأ ان كنت تطمح أن تكون رفيقها
شاعر الشهوة

طال الثواء وحان أن نتفرقا فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح

لا تقسون ورحمة يا صاحبي فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة

لو كان في وسع المشوق العاشق ترك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح

لا تقسون ورحمة يا صاحبي فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة

لو كان في وسع المشوق العاشق ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح

لا تقسون ورحمة يا صاحبي فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة

لو كان في وسع المشوق العاشق ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح

لا تقسون ورحمة يا صاحبي فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة

لو كان في وسع المشوق العاشق ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح

لا تقسون ورحمة يا صاحبي فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة

لو كان في وسع المشوق العاشق ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي

والأمس شعرها شعري

مرت فلامس شعرها شعري فاذا الهوى بجوانحي يسري
مرت ولم أرها سوى نبأ عذب البشائر ذاع في صدري
القلب يعرفها بمشيتها بالظل بالأنفاس بالعطر
يا ليت شعرينا اذ اعتنقا عقدا فما انفرطا مدى الدهر
بل ليت مسرعة الخطى وقفت ووقفت حتى ساعة الحشر
أشكو الغرام لها فتبسم لي وتلين ان أسمعتها شعري
أدعوك واسمك لست أعرفه دعوات حر ضاق بالأسر
آنست منك تطلعا ملكت نظراته الجماح من فكري
أفغن هوى ما كان من تظرء أم كان لهوا عاجل المر
بوحي بسرك لا بل اتئدي أخشى الأسى ان بحت بالسر
فدعي الفؤاد يعيش مغتبطا جذلان ما بين الرؤى الزهر
يا ليتني وقد ابتعدت مدى قبلت ما لامست من شعري
بل ليت ما لامست منه غدا حمراء مشرقة من الزهر
تكسين شعرك من مفاتنها ثوبا من الألاء والنشر


يا نهـر

يا نهر عاد اليك بعد شتاته صب يفيض الشوقمن زفراته
حيران يرمق ضفتيك بلوعة فيكاد يصرع شوقه عبراته
كم رافقتك فآنستك خطاه في غدواته للحب أو روحاته
أفانت تذكره وتحفظ عهده أم قد نسيت عهوده وسماته
قد أنكرته فتاته وتبعتها وهو الذي يفديكما بحياته
ليود من شغف بمائك لو غدا ظلا يداعب فيه جنياته
متعلقا بشراع كل سفينة ليجاذب الملاح اغنياته
وتلوذ أنوار النجوم بصدره وتراقص الأمواج من ضحكاته
يا نهر أين مضى الزمان بأنسه والمترع المعسول من كاساته
وهل اهتدى الزمن الحقود فغال ما قد أودع المفؤود في خلواته
قبلاته في ضفتيك صريعة أفهل حفظت له صدى قبلاته
أمواجك الائي شهدن غرامه وسمعن لوعته وبث شكاته
عبثت بهن من الليالي غدرة وأضاعهن الجزر في سفراته
والدوح أسلم للبلى ورقاته وثمالة القبلات في ورقاته
والريح أسامها انتظار ايابه وأملها ترديد أغنياته
فرمت لطول عيائها مزماره وعفا بمسمعها صدى نغماته
يا ساقي الشجرات ما لك لا ترى الا كئيبا لج في حسراته
وتطوف ما بين الرياض أباحثا عن غائب حجب البعاد سماته
ما للروابي أرمتك شكاتها والمرج ألقى فيك شباباته
فسل الربى عن نورها وزهورها والمرج عن شعرائه ورعاته
ذهبوا فما في الروض الا نائح متفرد بدموعه وأذاته
حلو الخرير ملاذ كل معذب ظميء الفؤاد وأنت بعض سقاته

أراها غدا

أراها غدا هل أراها غدا وأنسى النوى أم يحول الردى
فؤادي وهل في ضلوعي فؤاد لقد كدت أنساه لولا الصدى
كأني به خاذلي ان تمر على بعد ما بيننا من مدى
مشى العمر ما بيننا فاصلا فمن لي بأن اسبق الموعدا
ومن لي بطي السنين الطوال ستمضي دموعي وحبي سدى
أراها فأذكر أني القريب وأنسى الفتى الشارد المبعدا
أراها فأنفض عنها السنين كما تنفض الريح برد الندى
فتغدو وعمري أخو عمرها ويستوقف المولد المولدا
أغض اذا ما بدت ناظري فهيهات تلعم كم سهدا
ولو أنها نبئت بالغرام غرامي لقربت المنشدا
وقالت أيعصى ندا الحب حرمت الهوى ان عصيت الندا
سأنسى الجراحات والامنيات سوى أن عيني تراها غدا

Sami Dorbez
27/10/2008, 15h56
ثورة الأهلة

أما زلت تصبو إلى قربها رويدا فما أنت من صحبها
تخطيت سبعا من المثقلات بما لست تدري إلى حبها
تركت الأهلة عن جانبيك حيارى تشكى إلى ربها
أكانت سدى كل تلك السنين و قد هدنا السير في دربها
أيطوي مداها إلى حبه فتى ما رأيناه في ركبها
تخطيت سبعا فكم من ضحى و كم من مساء و ليل بها
و كم نبضة من فؤاد التي تشوقت للعطف من قلبها
أما زلت مستسلما للأنين رويدا فعهدي بها لا تلين
و هل تسمع الشهر إن قلته و في مسمعيها ضجيج السنين
أطلت على السبع من قبل عش رين عاما و ما كنت إلا جنين
و أمسى و لم تدر أنت الغرام هواها حديث الورى أجمعين
لقد نبأوها بهذا الهوى فقالت و ما أكثر العاشقين
أما زلت في غفلة يا حزين أحبت سواك ففيم الحنين
حرام عليها هنيء الرقاد أتغفو و ما أنت في النائمين


العش المهجور


بمنحى من مراقبة العيون و منأى عن متابعة الظنون
و في ظل النخيل حطام عش تلفع بالأزاهر و الغصون
ترحل طائراه فبارت خلوا عميق الحزن متصل السكون
يكاد نسيجه عشبا وزهرا يبوح بما يسر من الأنين
يحن إلى الجداول و الروابي و ضاكة السهول و الحزون
لقد ذهب الذي سلاه عنها فعاد إلى التشوق و الحنين
كأن العش حين خلا و أقوى و متا به صدى النغم الحنون
غدير جف غاربه و ماتت أغاني موجه المرح المعين
كأن قشاشة أوتار عود مكفنة بها جثث اللحون
و أبدل من ظعين قد تولى بما لم يسله حب الظعين
إذا متع النهار أوت إليه ظلال النخل ناعسة الجفون
و يطرقه شعاع النجم و هنا و ضوء البدر حينا بعد حين
طروق الذكريات فؤاد صب كثير الشجو منقطع الوتين
تمر به النسائم هامسات فتنشر فيه عطر الياسمين
و توقظ في جوانبه الأغاني عذاب الجرس فاتنة الرنين
و كم غمرته أنفاس الخزامى قد امتزجت بدمع ندي هتون
و ربة وحشة تأوي إليه إذا أوت الطيور إلى الوكون
ليشبهني مثل حالي و شأن في الغرام حكى شؤون
فقلبي لا يزال قرين شجو متى هفت القلوب إلى قرين
إذا الأحلام زرن عيون غيري تزور العبرة الحرى عيوني
يكاد العش إن هتفت صدوح يبادلها غناء شج حزين
و ليل نام سامره اكتئابا أثار له الخفي من الشجون
و أذكره ليالي ذاهبات فغص من الكآبة بالدجون



ذبول أزهار الدفلى

لذع الأوام أزاهر الدفل فذوت كما يذوي سنا المقل
كانت تعير النهر حمرتها فيضيء فيه الموج كالشعل
كانت تعير النهر حلتها فيسير في وشى من الحلل
كم زينت بالأمس لبته بقلائد المرجان و القبل
و اليوم أطفىء نورها و خبا فكأنها لم تند أو تمل
و اليوم أصبح عقدها بددا فرأيت جيد النهر في عطل
و لكم مررت بزهرة ذبلت فبكيت حين بكيتها أملي
و سقيتها بالراحتين كما تسقي السحابة تربة الطلل
فتراعشت في غصنها و هوت و مضى النسيم بها على عجل
يا عين أين أزاهر الدفل مري بجانب نهرها و سلى
لرجوت لو دامت غضارتها وصل التي وعدت فلم تصل
قد كان وشك ذبولها أجلا للملتقى ففجعت بالأرجل
و لكنت آمل أن أقبلها واعب خمرة حسنها الثمل
أما و قد ذبلت فلا أمل لي باللقاء فكيف بالقبل



فجر السلام

لا شهوة الموت في أعراق جزار تقوى عليها ولا سيل من النار
الموت أزهى سدا من أن يشابكها وهي التي مدت الموتى بأعمار
وهي التى لمت الأحقاب واعتصرت مما انطوى في دجاها فيض أنوار
ومست الصخر فاخضلت جوانبه بالسيل الغض والريحان والنار
هذي اليد السمحة البيضاء كم مسحت جرحا وكم أزهت أنفاس جبار
وأطلقت في الدجى الأعمى حمامتها بيضاء كالمشعل الوهاج في غار
كأنما فجرت ماء لظامئة أو أطلعت كوكبا يأتمه الساري
سل تاجر الموت كيف اصطك من فزع لما رآها وكم أودت بتجار
وسمرت نعش طاغوت بما شرعت كفاه من خنجر يدمى وأظفار
أما كفاه الذي امتصت على مهل أنيابه من دم الغرثان والعاري
وما طفا عن شفاه الطفل من لبن أو حلمة المومس الشوهاء من عار
فانقض من كهفه الداجي ليبعثها شعواء كالبحر ان دوى باعصار
حتى اذا امتار من أعمار مددا واقتات مما ستحيا عمره الهاري
أهوى على ظهر لم يقض يعصره عن سلعة تعبر سلعة الدنيا فدولار
عيون وراء المدى تنام و ترجو الغدا
دفوق السنا باسطا لأحلى رؤاها يدا
ستجبلها ولقعا نقيا كذوب الندى
يكفر عما جنت عصور طواها الردى
أيفزعها المجرمون بما أشرعوا من مدى
كأن سياجا يقام ليحجز عنها الغدا
و في الحقل بين الظلال عذارى حملن السلال
لهن الهوى و الغناء و للظالمين الغلال
فبعد الشقاء المرير وغب الليالي الطوال
دنا موعد للحصاد فغنينه للرجال
أيحسدهن الطغاة على منه للخيال
على ضحكة للربيع و أنشودة للتلال
و شيخ يرب الحفيد بأنباء قطر بعيد
تحدى حراب الغزاة و غيبها في الجليد
فأنبت منها سنابل ضوء الصباح الوليد
هنالك يبني الحياة كما شاء جيل سعيد
عمالقة بالفعال ورواد كون جديد
و آلهة يخلقون آلهة من عبيد
هنالك يرن السلام كأهداب طفل ينام
و يضحط ملء الحقول و في أغنيات الغرام
و ينبض حيث المعامل يجرحن قلب الظلام
و في المدن الضاحيات يندس وسط الزحام
و حيث التقت و هي ترنو عيون الورى في وئام
برغم اللظى و الحديد نمت زهرة للسلام
و انداح من لجة الليل التي شحبت شدق يزيد اتساعا كلما اقتربا
كأن مقبرة طال الزمان بها وازلزت فهي تبدي جوفها الخربا
تعلقت أعظم الموتى به ورنت ألحظها الحور فيما يشبه الغضبا
كأنما صرت الأسنان من حنق شيئا و سخرية منها بمن نكبا
كأن كل قتيل رغم سكرته بالصمت يسأل أما أثكلت وأبا
وزوجة و بنين استقتلوا و أخا من كان فيما لقينا من ردى سببا
شدق يزيد اتساعا كلما رفعت ستر الدجى خفقت من كوكب غربا
آلى على الأرض أن يجتث عاليها سفلا و يصفع من يأتي بمن ذهبا
و لا يريق دما إلا و أضرمه نارا و ذرى رمادا منه أو لهبا
تسعى به الريح في الآفاق ناسجة للشمس من جذوة أو من دم حجبا
فالجو مقبرة كبرى معلقة تستعرض الشمس في ذراتها الحقبا
و الأرض كالأبرص المنبوذ هرأة داء و عانى عليه الجوع و التعبا
تكدست فوقها الأجساد ناضحة قيحا ودوى عويل الناس و اصطخبا
من كل رافعة جيدا كأن يدا جبارة جاذبيه الطول فانجذبا
وانمط مثل عجين الرخو مرضعها لصق الثرى و اكفهر الوجه و انقلبا
و هي التي بالأمس كانت كما رجى خيال للهوى الأول
يموج في مرآتها ظلها سوسنة بيضاء في جدول
و كان نهداها إذا رنحت ريح الصبا من ثوبها المخمل
يشف تكويراهما عن سنا يطفو بطوقيها إلى المجتلى
كم عاشق كانت أمانيه أن يرتشف النور على جيدها
كان يغذيها إذا قطبت بالروح و الآمال في عيدها
يا زهرة عاشقها لم يذد من زعزع هبت لتبديدها
لو كان يهواك ارتمي دونها سدا و نجاك بتصعيدها
ظل لقابييل ألقى عبء ظلمته فحما يسود البرايا حوله القلق
فحما تصدى له الباغي بمقلته يذكيه منها لظى يخبو و يأتلق
إذا تضرم فاندك الفضاء جذى غضبى و نش الدم الفوار و العرق
وانقض من حيث تهوى الشمس غاربة ليل من القاصفات السود أو شفق
جن الرضيع الذي يحبو وهب على رجليه يعدو ويلوي جسمه اعنق
من فرط ما طال و استرخى و قد صهرت أعراقه الزرق نارا فيه تختنق
كأن كفيه مذراتا ثرى و دم لا ما يمد ابن عام لفه الغسق
و لألأ البدر فاستدناه و انبسطت يمناه بالشوق حتى أظلم الأفق
و أزلزت لثة الشيخ التي هرئت من شدقه الأدرد المغفور تندلق
تنساح كاللعنه السوداء يطلقها بعد الردى نسله المطموس و الحنق
يا ربما سرت الموتى بأن هلكوا قذائف كعيون الجن تنطلق
شدت عليها يد عجفاء يدفعها حقد ويقتات من أعصابها فرق
شلت يدا طالما التفت أصابعها ثم ارتخت عن وليد بات يختنق
و استجهضت كل أنثى و هي تعضبها و استدفأت باللظى و المدن تحترق
و قوست من ظهور كي يطاولها قزح يلج ارتفاعا و هي تنسحق
و تطل من أفق يفتحه الشروق إلى الحافي
أيد تشير إلى الرقاب المشرئبة لا تخافي
لن يفصد الجلاد عرقا من عروقك لارتشاف
أيد تلوح بالسلام كأن موشكه الضحايا
تكتال منهن البقاء كأن أحضان الصبايا
أودعتها الأطفال لما ينطفوا حذر المنايا
و لكم تناقلت المعابر و الدروب صدى نداء
تتشابك الرغبات مثب الغاب فيه على رجاء
هو معبر الأجيال من خطر يهم إلى نجاء
تعوي الذئاب و ما يزال يجيش كالدم في العروق
يند العواء و يدفع المقل الغضاب عن الطريق
و يظل يطفئها كما انطفأت بقايا من حريق
و يظل يخفق بالسلام كأنما نشرت جناحا
فيه الحمامة يلطم الظلماء فانفرطت و لاحا
من شقها الألق الحبيس و ظل ينطف ثم ساحا
صور لنفسك في الخيال أباك في وسط الحريق
يدعوك بالصوت الأبح وقد تخبط كالغريق
و يمد من خلل الدخان يديه يبحث عن طريق
و انظر لأمك و هي ترقد في التراب على قفاها
تتجاذب العقبان ثديي ها و يفقا ناظراها
و تلق من دمها الكلاب و ينخر الدود الشفاها
و تمل زوجك و هي تركض بين أشباح الجياع
شعثاء تلهث و الرياح تصكها دون انقطاع
حملت قميصك في ذراع و الرضيعة في ذراع
أو جثة ابنك و هي تزحف دون رأس في الدماء
أو مرضع ابنتك الممزق و هو يسحق بالحذاء
ورفات موتاك الرميم وقد تناثر في الهواء
و إذا رأيت عيون جير تك الرضية المحار
ترتج غضبى في قرارة جدول ضحل القرار
أفلا تطاردك العيون أما تبصك في احتقار
صور لنفسك في الخيال أباك في ليل الشتاء
و كأنما ردت عليه صباه أخيلة الصلاء
ما زال يقرأ و الصغار يضاحكونك في الخفاء
و انظر لأمك وهي تنصت أي عجب يزدهيها
عادت إلى الصوت الرتيب إلى الغوابر من سنيها
و تمثلته فتى يجمع ساعديه و يحتويها
و ابسط لزوجك و انتشلها و هي تلهث في الرخام
كفا ستختم إذ تو قع بالمداد على السلام
فرج الجراح فتوقف ال دم و الدموع عن انسجام
الشاطيء الضحاك و الأ صداء و القمر الطروي
سكران يغرق في جدا ئلها و تهمسه الطيوب
و تضمها و يطل من خلل العيون مدى رحيب
تتنفس الأضواء فيه كأنما سمعت غناء
حلو الرنين فراقصته هناك أجنحة اراءى
بيضاء يتبعها الص غار بأعين تندى أخاء
ليل العبودية النكراء صدعه مهوى طواغيت و استبسال ثوار
حتى إذا شمر الباغي ليرأبه شقا بأن يصهر الأجساد بالنار
هبت أعاصير تذرو ما تؤججه في وجهه الراعب النضاح اللعار
و استيقظ الشرق عملاقا تموج على عينيه دنيا من الأحقاد و الثار
يرمي و يرمي و يسعى نحو غايته في لجة من دجى غضبى و أنوار
تطفو عليها الضحايا أو تغوص إلى أعماقها بين تيار و تيار
راياته الداميات الظافرات كوى حمراء ينشق عنها سجنه الضاري
ألقى بها السلم في وجه الطغاة ردى و في صعيد الضحايا حمر أزهار
و حطموا أفوق الغل الذي سحبوا كي يطرقوا منه تابوتا لجبار
حيث اشرأبت على جرف الردى أمم شدت إلى الصخر إلا بعض أحرار
و ابتاع بالدرهم المجبول من دمها فيض الدم الثر منها شر تجار
و استأجروها لصنع الموت منه لها بالزاد يبقى دما فيها لجزار
أعمارها مثل بئر للدم ابتلعت جيلا سواها بهن ابتاعه الشاري
و تطل من أفق يفتحه الشروق إلى الحفافي
أيد تشير إلى الرقاب المشرئبة لا تخافي
لن يفصد الجلاد عرقا من عروقك لارتشاف
و لكم تناقلت المعابر و الدروب صدى نداء
تتشابك الرغبات مثل الغاب فيه على رجاء
هو معبر الأجيال من خطر يهم إلى نجاء
ما زال يخفق بالسلام كأنما نشرت جناحا
فيه الحمامة يلطم الظلماء فانفطرت و لاحا
من شقها الألق الحبيس و ظل ينعطف ثم ساحا



ظلال الحب

والعصر مخضوب البنان و أزهار الحقل الحسان
و الصبح يملأ بالندى عطرا سلال الأقحوان
و البدر و هو مظله لليل تمتلك افتناني
إن الفؤاد لفي ضلال من هواه و في هوان
ما داخل الحب الفؤا د فعاد بيتا للأماني
أو بات في روض و أص بح باسما نضر المجاني
هبط النعيم و ساكنيه فرده خلو المغاني
سل عنه أزهار الحقول على جداولها حواني
سل زهرة التفاح ضا حكة الأسرة و المعاني
يا زهرة التفاح هلا تخبرين عن الجنان
يوم استفز بها الهوى فلبين باتا يخفقان
اروي لنا نبأ ( الطريد ) فأنت راوية الزمان
أغوته ( حواء ) فمد يديه نحو الأفعوان
ثمر يحرمه الإله عليهما و يحللان
ذاقا فكانا ظالمين فكيف يجزي الظالمان
وبدا الموارى منهما فإذا هنالك سوءتان
و عليهما طفقا من الو رق المهدل يخصفان
يا بؤس من فضح الإله و لم يزده سوى الهوان
لم يعرف الدوح الخريف و نزع أوراق حسان
حتى نضى ورقاته العاشقان الآثمان


من أغاني الربيع

حلم بآفاق السرور رسمته أجنحة الطيور
و بشائر فوق الربى بين الخمائل في الصدور
و نسائم رقصت على زهر الجنائن و الغدير
و فراشة قد روحت عن زهرة الحقل النضير
تعلو و تهبط في الرياض كأنها نغم الحبور
الفجر يبني للندى و كنا جميلا في الزهور
فلنبن من قبلاتنا للحب عشا في الثغور


حورية النهر

نفوس معذبه هائمة تخبط في الظلمة القاتمة
أجد لها الليل أحزانها و تذكار أيامها الباسمة
فسارت تفتش عن حبها و تنشد لذاتها الدائمة
و أسرى بها تحت جنح الظلام زوارق في اللجة الغائمة
إذا ما تلوث على الشاطئين من النهر أمواجه اللاطمه
و أرسى على مائه زورق تؤرجحه النسمة الحالمة
أطلت على النهر حورية فأغوته بالنظرة الساهمة
فأغواره و هي أوطانها بواك على فقدها نادمة
و أمواجه و هي أترابها جئت تحت أقدامها لاثمه
أحورية النهر غضي العيون و كوني بملاحة راحمه
تسيرين في زورق من ظلال فتدفعه النسمة الناعمة
و مجدافك اخترته من ضي اء النجوم على اللجة القاتمة
و أطربت النهر و الضفتين أغان و قيثارة ناغمة
لقد حق أن تسحر الكائنات وتستل آهاتها الجاثمة
فأوتارها شعرك العسجدي و أنت الموقعة الباسمة
رأى النهر مصرع ملاحه بعينيك أيتها الظالمة
رآك فهيأ مجدافه و أسلم زورقه للظلام
يثير إذا سار عزم الميا ه فتطلق عن جانبيه السهام
طغى الموج و ارتد يطوي الظلال فلم يبق للعين إلا القتام
فيا زورقا من ظلال تلاشى بحورية ليس ترعى الذمام
أخلفت ملاحنا وحده و للموج في الشاطئين احتدام
و حورية النهر ما خلفت سوى أغنيات تثير الغرام
يجاري اختلاجاتها زورق و موج و قلب حواه الهيام
و نهر تمازج أمواهه و يحملها رغوة إذ تنام
و نجم يعشى الدجى ضوءه كنبع على ثغره العشب نام
و يقتاف آثارها زورق و ملاحه الشارد المستهام
يطالعه طيف حورية من الموج يختال في الابتسام
فمن كل صوب سرى خالها هناك و إن سار ألفى الظلام
أوهما يرى لا فذا صوتها ينتهي فتعيد المياه الكلام
و لاحت له أعين مشفقات محدقة من وراء الغمام
تنادي به ظللتك الخطوب و قادتك نحو الردى و الحمام
و لكن أذنيه لم تسمعا حديث السماوات حيث السلام
جرى وهو ليس له غاية سوى أن يجدف حتى الصباح
و يقفو على الماء ضوء النجوم و يصرع أشجانه بالنواح
لقد حطم الليل مجدافه و هيض الشراع بعصف الرياح
وقد أطفأ الموج مصباحه فصاح و لم يجد ذاك الصياح
تبرمت يا ليل بالبائسين فزل و اترك الصبح يأسو الجراح
و نادى وقد مد كلتا يديه لقد حان يا أرض عنك الرواح
فيا شاطئا كان مأوى الغريب إذا مل طول السرى فاسترح
وداعا وداع الشقي الحزين سيسر إلى الموت بعد الكفاح
و يا زمج الماء خدن السفين سمير الشراع الطروب الصداح
كلانا يحن إلى تربه فطر لي فإني مهيض الجناح
و يا أنجم الليل يا عودي إذا القلب في الليل بالداء طاح
إذا ما خبا نوركن الوضيء أسى و تألق نجم الصباح
فحدثنه عن فتى في الدجى طواه العباب وحب الملاح
رأى -ويح عينيه- حورية فجن بها ساعة ثم راح
فقد يخبر النجم عنه الرعاة فيبكون حزنا و تبكي البطاح
و مات الشقي الحزين فعادت تكفنه بالشراع الرياح



رثاء القطيع

لقد حدثوني بموت القطيع فشدت على القلب كف الألم
رأيتك تبكين بين الثرى و تستصرخين رعاة الغنم
و حولك سرب من الراعيات يخففن عنك الضنى و السأم
أما أرقت عين هذا التراب دموع لها فوقه منسجم
من الأعين الحور ينبوعها فهل تصبح اليوم تحت القدم
لقد زوقت تحت أيدي الأصيل سفوح الروابي بظل القمم
و قد حوم النوم حول الغدير فما بال أزهاره لم تنم
و أمواجه أخلدت للسكون فمات على ضفتيه النغم
و كانت تغني بحجر النسيم إذا لفها موهنا و استجم
أحزنا على ما أصاب القطيع رفيق هواها عراها السقم
و مالك لا تملأين المروج ابتساما فإن الربيع ابتسم
و فوق الثرى ذاب قوس السحاب فبادت على جانبيه الظلم
رياض كما يشتهي العاشقون و ما صور الفن منذ القدم
و نور سها شفاه الزهور و نهر عليه الذهول ارتسم
أحزنا على ما أصاب القطيع أليف الروابي اعتراك الألم
سأبكي وقد كنت تستضحكين إذا الدمع من ناظري انسجم





؟؟؟


و أي خير في الهوى كله إن كنتما بالحب لا تعلمان

يا زهرتي قد مت يا زهرتي آه على من يعشق الأقحوان

لولا التي أعطيت سحر اسمها ما بت استوحيك سحر البيان

شاعر

كفن بالأوراق آهاته وارتد يرثيها بآياته
واستأسرت أبياته روحه فطاف يبكي حول أبياته
غنى ليصطاد حبيباته فاصطاد أسماء حبيباته
إن تبك عينيه صباباته أبكي عيونا بصباباته
ساعاته في شعره خلدت ما باله يندب ساعاته
و هو إذا ما أن من لوعة رجع كل الكون أناته
إن دس تحت الترب جثمانه وكف قلب بين طياته
خلف قلبا بين أشعاره يسمع من في الأرض دقاته



المساء الأخير

برب الهوى يا شمس لا تتعجلي لعلي أراها قبل ساع الترحل
سريت فأفق الغرب يلقلك باسما طروبا و أفق الشرق بادي التذلل
كأن السنا إذ فارق الأرض و اعتلى رؤوس الروابي و النخيل المسبل
أحاسيس أخفاها الفؤاد وصانها زمانا ففاضت من عيون و مقول
و صفصافة مخضوبة الرأس بالسنا تراع بزفزاف من الريح معول
تبين كعذراء من الريف أقبلت بجرتها من دافق الماء سلسل
نعى لي و للناس النهار ( مؤذن ) وقد كان ينعي لي قؤادي و مأملي
تمنيته لا يسمع الصوت أخرسا تمنيت لو يهوي إلى الأرض من عل
ألا وقرت آذان من يسمعونه بأشلاء قلب في ضلوعي مقتل
ألا نثرت من تحت أقدامه أسى حجارة ذاك المسجد المتبتل
أطرت عصافير الربى حين غادرت كأن بتغريد العصافير مقتلي
رأيت بها بدهر مجنح فأبغضت أشباه العدو المنكل
كأنى به لما يمد جناحه يمد لأكباد الورى حد فيصل
ألا ليت عمر اليوم يزداد ساعة ليزداد عمر الوصل نظرة معجل



خيالك



لظلك لو يعلم الجدول على العذب من مائه منزل

يمر به القلب مر الغريب و يهفو له الحب و المأمل

بأفيائه تحلم الذكريات و يشدو الخيال و يسترسل

وقفت حزينا لدى الضفتين و حولي زهور المنى تذبل

وقد رف ظلك فوق المياه وجالت بأعطافه الشمأل

ففي الموج مما رأى هزة يحار لها الشاطيء الممحل

و سرحت عيني في مقلتين يسدد سهميها الجدول

غرام فهل تنكرين الغرام وحب و هل منه لي موئل

تمنيت لو كنت ريحا تمر على ظل و لهى فلا تعذل

و يستأسر الموج إغراؤها و ترديدها النائح المرسل

فتمضي و يمضي به للسماء غماما بأرجائها يرفل

فأخلو بظلك بين النجوم وقد جال فيها الدجى المسبل

ففي كل تقبيلة نجمه تغور أو كوكب يذهل

خيالك من أهلي الأقربين أبر و إن كان لا يعقل

أبي منه قد جردتني النساء و أمي طواها الردى طواها الردى المعجل

و ما لي من الدهر إلا رضاك فرحماك فالدهر لا يعدل




يا ليل

ليت الليالي تنسي قلبي الألما و النجم ينبئها عني بما علما
لعينيك يا ليل سر لا تبوح به أغمضت عنه عيون الناس فانكتما
إلا عيوني ما أغمضت ساهدها فبتن يرقبن منك النوء و الظلما
قد اتقيت أذاها فاستثرت لها دمعا لهت فيه عما فيك منسجما
صحبت فيك سرى الأحلام مفزعها و عذبها فطويت الغور و الأكما
فما التقتيت بمن أهوى أتحسبها يقظى لديك فما أهدتها حلما
و هل نعمت من الدنيا برؤيتها أما احترقت فأفزعت النجوم أما
ألم تخنك الدراري مذ شغفن بها و كيف وارين غرب الدمع حين هما
ترى هل الأرض مأواها و موطنها أم السماء نمتها فهي بنت سما
من السنا و الندى و الزهر منزلها على الثرى من ندي الغيم قد رسما
إن الأهلية شيء من أرائكها و الفجر مرآتها ما رف مبتسما
و ساءلتك و غرب الدمع سامرها عني فألفتك قد أوليتها صمما
فردت الطرف نحو الغيم حائرة فارتد بارقة يجلو لها الظلما
وهزت الأفق السهران باحثة عني وبت أهز القلب مضطرما
فما نجومك و هي النيرات سوى آثار أقدامها تروي لك الألما
و ما أغانيك و هي الخالدات سوى أشتات قلبي تروي حبه نغما
أما سئمت من الآهات نرسلها نارا و قلبك من قلبي أما سئما
ضم الفؤادين لم تبق النوى بهما ما يستطيع حياة إن هما انصرما


تحية القرية

شفني من ربوعك النضرات فتنة تستعيدها نظراتي
في رياض النخيل يجمع فيها الفجر شمل الضياء بعد شتات
فإذا الروض فتنة تتجلى من صناع الأنامل المبدعات
أخذت جليها الطبيعة فيه وبدت في غلائل عطرات
توجت بالزهور مفرقها الجدول رب الخمائل الهامسات
و انثنت تستحث ماشطة الريح و تبدي النجيل للماشطات
و المروج الحسان هامت عليها حرق من تنهدات الرعاة
و العذارى بين الربى يتهادين ندي النوار و الزهرات
و الغدير الوسنان ظلله الكرم و اصبى امواجه الموهنات
منظر تستخف ألوانه الطير فتزجي ألحانها الساحرات
و هدوء الحقول تلقى لديه النفس ما ترتجيه من غايات
فهو نور يهدي سفائن فكاري ألى ما وراء بحر الحياة
قترى المبدع المصور فيما حولها من جنائن موثقات
في ابتسام الرياض للمد و الجزر لطوفان عذبى النغمات
يحملان الحديث عن مرقص البحر و حور الشواطىء اللاعبات
و عن الشط و النخيل السكارى في الليالي القمراء و المظلمات
رنحتها الأنسام لما سقتها العطر في أكؤس الندى المترعات
وقروط الأغداق تهتز أغراق لفلك شوارع جاريات
صور تسجد النفوس لديها وتضج القلوب بالصلوات
أينما دار ناظري طالعتني فتنة تستعيدها نظراتي


تنهدات

سعف النخيل على الممر تهدل و أحجب بظلك ما يراه المجتلى
من كنت أحذر أن تحجب طيفها عن ناظري نزلت بأبعد منزل
سيان عندي اليوم قفر موحش و ظلال روض مستطاب المنهل
فسل النسائم أن تكف عن السرى ما للفؤاد بسيرها من مأمل
إن أقبلت بشذى الزهور و لم يكن عطر الحبيبة فيه فلتتحول
أبدا تذكرني المروج بمن نأت وربابة الراعي تهيج الشوق لي
في كل زاوية نظرت رأيت من آثارها ما خلفته لمقلتي
فإذا سهوت على ثغاء قطيعها يشكو أساه بلوعة و تذلل
قد ودعته فما شفاه وداعها من حرقة في صدره لم ترحل
ألقت بمسمعه ثمالة شدوها فرنا بغرب دموعها المترسل
حففت لو ودعتها بعض الأسى و مسحت بعض دموع قلب مثقل
و الدوح عصفره الخريف ورده كالعاشق المتحرق المتذلل
نشر الأصيل عليه عمق سكونه فمضى يحن لأغنيات البلبل
فكأنما الورقات مرآة له تجلو اصفرار سمائه للمجتلي
أأروح و هو يظلني و حبيبتي و أعوذ وحدي وهو غير مظللي
سعف النخيل سواك خان مودتي و بقيت تحفظها لمن لا ينسلي
أشكو إليك أذى الفؤاد و إن تكن لا ترجع الشكوى لصب مبتلى
تمضي الحبيبة و الزمان كلاهما و أظل أندبها و تصغي أنت لي


الذكرى

أطللت من نافذة الذكريات على رياض القدم الحالمات
و لي زمان عرضت لي به أجمل حلم أبدعته الحياة
أركض في أمحائها لاهيا مع الفراشات بمس النبات
وأسهر الليلة مع جدول مرتعش للنسم الفاترات
يا لهفي إن وراء الربى صوتا دعاني هو صوت الرعاة
و كيف آتيك جنان الهوى يوما ودوني حجب مانعات
دعا صباباتي لضفاته غدير ذكرى مائج الأمنيات
حدقت في أمواجه ساعة مستطلعا أغواره المبهمات
أرى ظلال السحب تقبيله مرت على جبهته في أناة
و السحب هل أنكرتها إنها كانت نهيرا شاعري اللهاة
ملء فروع الدوح ألحانه سكرى على قرع كؤوس الحصاو
نمنا على أعشاب ضفاته مختلسين القبل المسكرات
نحو الغدير العذب مدت يدي تلمس فيه السحب العائمات
فانفجرت منها فقاعاته في إثر أتراب لها سابقات
إني سمعت الحور في همسة مسحورة أصداؤها عاتبات
تلك عقود الحور بعثرتها فهل أتتك المتع الذاهبات
و صرخة الأطفال من غوره يا أيها القاسي فجرت الكرات
ودوحة الذكرى تسلقتها مجتذبا أغصانها المزهرات
مستقصيا ما بينها فجوة تمر منها النسم الهائمات
أبصرت منها ذكريات الصبا على نجيل المرج مستلقيات
و البحر يسعى دونها زافرا فالموج آهات حطمن الصفاة
يا مرج هل تذكرني راعيا أعبد فيك الله و الراعيات
و البحر ما كان سوى جدول ينير في الليل سبيل الرعاة
فما دهاه اليوم حتى غدا ملحا أجاجا بعد عذب فرات
أحقبة نضجر من طولها و إنها طرفة عين الحياة
قالت الدوحة لا تبتئس ستهبط المرج ففيم الشاكاة
هاك جناحين فطر وائته و استوح فيه المتع الطارئات
و قدمت بين دموع الندى فرعين من أغصانها المورقات
غنى الخريف الغاب ألحانه فانتثرت أوراقه راقصات
وقبل أن أدرك ما أبتغي ذوي جناحاي مع الذاويات




أغنية السلوان

تباعدنا فلا حزن على ما ضاع من قرب
و ليس الحب إلا الرحلة استلت قوى القلب
و هل يلقي انتهاء السفر الملاح في كرب
إذا ما راح يطوي اليم نحو الشاطيء الخصب
نفضنا قطرات الوصل بين الورد و العشب
إذا ما اهتزت الزهرة ألقت بالندى العذب
و أفردنا و في الإفراد بعض الخير للصب
تعيش الزهرة الفيناء في المنبسط الرحب
و تقضي وحشة الأيام بالتحديق في السحب
تنام على وسادة الشوك نائة عن الترب
و لا ترمقها عين فتنجو من أذى العطب
و إما زهرتان استوتا جنبا إلى جنب
سرت نجواهما تنسل بين العطر في السهب
فتسمعها الفراشات وراء التل و الشعب
فتضرب في الفضاء الرحب نحو المنبت الرطب
إذا ما ركض الطفل وراء فراشة السرب
فلاذت بصدور الزهر بعد الحوم و الجوب
فشأن الزهرتين القطف و الإذعان للخطب
عناق الحب فاجأه هوي المنجل الغضب
فيا للقبلة المشلولة الأصداء بالرعب
و كنا لوحتى نافذة في هيكل الحب
فلو لم نقترق لم ينقذ النور إلى القلب
و كنا كجناحي طائر في الأفق الرحب
فلولا النشر و التفريق لارتد إلى الترب
و لولا لم نبتعد لم تسم نفسانا عن الذنب
و كنا شفتي هذا القضاء مفرق الصحب
فلو ننفرج لم تضحك الأقدار من كربي


همسك الهاني

خيالك أضحى لابسا من فؤاديا رداء موشى بالرؤى البيض حاليا
و كنت كذاك الطائر الخادع الذي يراه رعاة البهم في المرج هاويا
فيعدون بين العشب و الزهر نحوه و إن رعاة قاربوه طار جذلان شاديا
فما زال في إسفافه و انطلاقه فلا هو بالنائي و لا كان دانيا
و ما زال يلهي راعيا عن قطيعه و مزماره حتى يضل المساريا
و إنك قد أشغلتني صانك الهوى عن الشعر لما أن تبعتك راضيا
و إن على مرآة شعري سحابة لأنفاسك الولهى تغشى المرائيا
و إن رغب الروح انطلاقا أعاقه صدى روحك الرخو الجناحين داعيا
و همسك ألهاني فما بت سامعا لحون إله الشر أو بت واعيا
و قيثارتي ما شأنها و أناملي بشعرك باتت عابثات لواهيا
ألا يتسنى يا ابنة الحب ساعة لروحي أن ترقى النهود العواريا
فتلمح من عليائها أفق فتنة يوافيه إشعاع من الحب زاهيا
سأهتف بالأشعار إما رأيته و أستقبل الإلهام سهلا مواتيا
متى حومت في أفق ثغرك قبلة يصعدها ثغري فقد زال ما بيا
و عدت لرب الشعر جذلان سامعا حفيف جناحيه ينادي خياليا



يوم السفر

من لقلبي على اقدر قضي الأمر بالسفر
آه لو أنه مضى معهم يتبع الأثر
أترى كان ينثني عن محبيه لو قدر
من معيبي على الغرام إذا ضج أو زخر
زحم القلب موجة فعنا القلب و انقهر
أسفا زورق المنى وسط أمواجه اندثر
أقبلت فتنة الفؤاد و في عينها الخبر
عبرات على التراب تهاوين في ضجر
إنها خمرة الغرام سقينا بها الحجر
يوم أن لاح انها لحرام على البشر
إنه يومنا الأخير عن الفرقة انحسر
خلديه بقبلة تصرف الهم و الكدر
لذة تنتقي و ذكرى ستبقى مدى العمر
لن أرى جنة الهوى لا ولن أقطف الثمر
من شفاه حوالم برؤى اللثم كالزهر
و بعيد عن البلوغ لقاء و إن قصر
قد جلت ساعة الوداع شتاتا من الصور
أدمع فابتسامتان فيأس فمصطبر


إليك شكاتي

لغيرك لم يخفق فؤادي و لا هفا بجنبي فلب ضارب في التفجع
ولا ذرفت عيناي دمعا إذا جرت بوادره طاف اشتياقي بمدمعي
فرحماك لا تستترفي دمع ناظري فدمعي إذا ما هاجني الشوق مفزعي
يسير بأحلامي لوديان حبها فترتد بالطيف الحبيب لمضجعي
به أذكر الحب القديم فإن نأى تبينت في فقد الحبيبين مصرعي
ولولا خيال في الدجى منك عادني لذاب مع الأنفاس قلب بأضلعي
فيا نفحة للحب ملء جوانحي و يا نبأة للوحي طافت بمسمعي
إليك شكاتي فامسحي من أضالعي سطور جوى فوق الفؤاد بأدمع
إلى أفق أحلامي ففي سرحاته لنا موعد يحلو فخفي له معي
هناك لروحنا على الحب ملتقى يزوقه طهر الهوى المتضوع
و ما الحب إلا يقظة بعد هجعة فلا تجعليه صحوة المتفجع

Sami Dorbez
27/10/2008, 16h21
قبس من نور قلبي

قبس من نور قلبي مشرق في ناظريك فهما مهد الهوى إن الهوى غاف لديك
و هما نبع المنى إن المنى في مقلتيك كل ما يغري و يصبي هاتف في نظرتيك
فاذكريني و اذكري قلبا بكى بين يديك شعلة من دم حبي كمنت في شفتيك
فاجعليني لفظة بينهما تحنو عليك و لنعانق ذكريات الحب دوما أصغريك
كم نهلنا من أقداحه في وجنتيك وصدى القبلة تخفيه جنان ذات أيك
قد محا أيامنا الدهر فهل تبقى لديك آه لو كنت بقربي إنني أصبو إليك


شهداء الحرية

شهيد العلا لن يسمع اللوم نادبه و ليس يرى باكيه من قد يعاتبه
طواه الردى فالكون للمجد مأتم مشارقه مسودة و مغاربه
فتى قاد أبناء الجهاد إلى العلا و قد حطمت بأس العدو كتائبه
فتى همه أن يبلغ العز موطن غدا كل باغ دون خوف يواثبه
فتى يعرف الأعداء فتكة سيفه قد فتحت فتحا مبينا مضاربه
فتى ما جنى ذنبا سوى أنه انتضى حساما بوجه الظلم ما لان جانبه
إذا ذكروا في جحفل الحرب يونسا مشى الموت للأعداء حمرا سبائبه
لقد باع للعرب النفوس ثلاثة فقروا و دمعي لا تقر غواربه
فآة على من ودع الصحب و اغتدى على يونس فليطلق الدمع حاجبه
و آه على نسر أهيض جناحه و كم ملأت أفق العراق عصائبه
لئن غيبوا جثمان محمود في الثرى فما غيبوا المجد الذي هو كاسبه
و لهفي عى فهمي و ما كان خطبه يهون و إن هانت لديه مشاربه
شهيد رأى الطغيان يغزو بلاده فهب وقاد العزم جندا يحاربه
أيشنق من يحمي الديار بسيفه و تغدو على كسب المعالي ركائبه
رجال أباه عاهدوا الله أنهم مضحون حتى يرجع الحق غاصبه
أراق عبيد الإنكليز دماءهم فيا ويلهم ممن تخاف جوالبه
أراق عبيد الإنكليز دماءهم و لكن دون الثأر من هو طالبه
أراق ربيب الأنجليز دماءهم و لكن في برلين ليثا يراقبه
رشيد و يا نعم الزعيم لأمة يعيث بها عبد الإله و صاحبه
لأنت الزعيم الحق نبهت نوما تقاذفم دهر توالت نوائبه


على الشاطيء

بين رفات أحلامي التي تكسرت أجنحتها و أحرقتها نار الخيبة و بين ضباب من الأوهام من الأوهام يكتنفني ووسط سكون رهيب لا يعكره إلا أنات قلبي الجريح جلست على الشاطيء أترقب عودتك و لكن ... هيهات

على الشاطيء أحلامي طواها الموج يا حب
و في حلكة أيامي غذا نجم الهوى يخبو
عزاء قلبي الدامي

و ذا الفجر بأنواره رمى الليل و أطيافه
شذا الطير بأوكاره و هز الورد أعطافه
و في غمرة أوهامي

و في يقظة آلامي
بكى محبوبه القلب
عزاء قلبي الدامي

و عن بعد سرى زورق فهل فيه التي أهوى
و ذا قلبي جوى يحرق عسى أن يجد السلوى
و من آهات أنغامي

أتتني رمية الرامي
مضى الزورق يا رب
عزاء قلبي الدامي

و في موكب أحلامي تسير الشمس للغرب
فيشكو فلبي الظامي إليها لوعة الحب
فيا ربه إلهامي

و يا تسبيح أيامي
لك القلب مضى يصبو
فردي بعض أحلامي

تقضي الليل فالفجر و لكن هل أتت هند
خلا من طيفها النهر فأين الحب و العهد
سدى قضيت أعوامي

على شطآن أوهامي
و لا صفو و لا قرب
فردي بعض أحلامي


سراج

أراع يطويي بحار الظلام أو سراج في غرفة المستهام
شاحب الضوء يرقب الشاعر السهران تبكيه نائبات الغرام
خافق مثل فلبه حين يطغى راعش مثل دمعه في انسجام
أعليه لنجمة الصبح وعد بلقاء فبات نضو سقام
فهو نبع تحت الظلام فريد لو روى قلب ظاميء من أوام
و هو أرجوحة الظلام و ظل حركته أنامل الأنسام
و جناح يبيت ينتظر الفجر خفوق بغصنه المتسامي
مر طيف من الحبيبة يهفو للقاء المعذب المستضام
فطواه اللظى وبات دخانا يطرق الليل نفحة من قتام
فرويدا كفى السراج اعتسافا انه غال رائع الأحلام
بأسى الليل باحتراق الفراشات بدمع من النفوس الظوامى
بسهاد الفتى بما بين جنبيه بما للنجوم من آلام
رحمة أيها السراج بمن أحص يت آهاته وراء الظلام
لا تسامره إنه شاعر ضل بدنيا الخيال و الأوهام
أذان الصبح أن يلوح فدعه يسعد الطرف لحظة بمنام


على الرابية


وحيدا هناك على الرابية جلست أبث الدجى ما بيه
أعدد أيامي الذاهبات فأبكي لأيامي الباقية
و جددت الحزن لي دمعة محيرة بين أهدابية
عرفت بها قصتي في الحياة و تضليل روحي و آمالية
لها بين عيني و بين الثرى مسيل على زجنة ذاوية
فلي مثلها سفرة في غد و لي مثلها قصة دامية
شكوت إلى الليل جور الح اة فارتد يشكو أذاها ليه
فقال و إني أسير و تلك النجوم المضيئات أغلاليه
فقلت و روحي بذل الأسار رمتها قوى الجسد العاتية
فما خفقات فؤادي سوى رنين سلاسلها القاسية
شكوت إلى الليل جور الغرام فأرسل آهاته الباكية
فقال و أني أحب النهار و يعشق أطرافي الساجيه
كلانا يفتش عن إلفه و كل تفرق في ناحية
فقلت و في القلب من حبه نواظر تحلم بالراعية
قسيمي بما أشتكيه الدجى فهيهات أن أشتكى ثانية
و مرت على و جنتي الصبا مكفكفة أدمعي الجارية


ليلى


قرب بعينيك مني دون اغضاء و خلني أتملى طيف أهوائي
أبصرتها كادت الدنيا تفجر في عينيك دنيا شموس ذات الاء
أبصرت ليلى فلبنان الشموخ على عينيك يضحك أزهار لأضواء
إني سألثمها في بؤبؤيك كمن
ليلى هواي الذي راح الزمان به و كاد يقلت من كفي بالداء
حنانها كحنان الأم دثرني فأذهب الداء عن قلبي و أعضائي
أختي التي عرضها عرضي و عفتها تاج أتيه به بين الأخلاء
عرفتها فعرفت الله عن كثب كأن في مقلتيها درب إسرائي
ليلى هواي مناي شعري
روحي الأعز علي من روحي و آمالي و عمري
حملت ضفيرتها هواي كأنها أمواج نهر
حملته نحو مدى السماء
نحو المجرة و النجوم و نحو جيكور الجميلة
فأنا فتى أتصيد الأحلام يا لك من فراشات خضيلة
أتصيد الأشعار فيها و القوافي و الغناء
أو تذكرين لقاءنا في غرفة للداء فيها
ظل كظل الليل يخنق ساكنيها
لكننا بالشعر حولناه زرعا من ضياء
بالحب أزهر و اللقاء
ما كان أحلى حبنا العربي حبي كثير و جنون قيس
التبغ صحرائي أهيم على رفارفها الحزينة
و هناك نبني خيمتين من التأسي
ليلى مناد دعا ليلى فخف له نشوان في جنبات القلب عربيد
كسا النداء اسمها سحرا وحببه حتى كأن اسمها البشرى أو العيد
هل المنادون أهلوها و إخوتها أم المنادون عشاق معاميد
إن يشركوني في ليلى فلا رجعت جبال نجد لهم صوتا و لا البيد
ليلى تعالي نقطع الصحراء في قمراء حلوة
متماسكين يدا إلى يد من نحب
و ترن في الأبعاد غنوة
للرمل همس تحت أرجلنا بها للرمل قلب
يهتز منها أو ينام و للنخيل با أنين
و تهرعن بعد كلاب يا لغيم من نباح
هيهات يعشقه سوى غبش الصباح
فأنا و أنت نسير حتى تتعبين
ماء أريد أليس في الصحراء غير صدى و طين
و تكركر الصحراء عن ماء وراء فم الصحور
فأظل بالكفين أسقيك المياه فترتوين
أسقي صداك فترتوين
أو تذكرين لقاءنا في كل فجر
و فراقنا في كل أمسية إذا ما ذاب قرص
الشمس في البحر العتي
تأتين لي و عبير زنبقة يشق لك الطريق فأي عطر
و تودعين فتهبط الظلماء في قلبي و يطفيء نوه القمر الوضي
فكأن روحي ودعتني و استقلت عبر بحر
و أظل طول الليل أحلم بالزنابق و العبير
و حفيف ثوبك و الهدير
يعلو فيغرق ألف زنبقة و ثوب من حرير



إقبال و الليل

و ما وجد ثكالي مثل وجدي إذا الدجى تهاوين كالأمطار بالهم و السهد
أحن إلى دار بعيد مزارها وزغب جياع يصرخون على بعد
و أشفق من صبح سيأتي و أرتجي مجيئا يجلو من اليأس و الوجد
الليل طار و نهاري حين يقبل بالقصير
الليل طال نباح آلاف الكلاب من الغيوم
ينهل ترفعه الرياح برن في الليل الضرير
و هتاف حراس سهارى يجلسون على الغيوم
الليل و اعشاق ينتظرون فيه على سنا النجم الأخير
يا ليل ضمخك العراق
بعبير تربته و هدأة مائه بين النخيل
إني أحسك في الكويت و أنت تثقل بالأغاني و الهديل
أغصانك الكسلى و يا ليل طويل

ناحت مطوقة بباب الطاق في قلبي نذكر بالفراق
في أي نجم مطفأ الأنوار يخفق في المجرة
ألقت بي الأقدار كالحجر الثقيل
فوق السرير كأنه التابوت لولا أنه ودم
يراق
في غرفة كالقبر في أحشاء مستشفى حوامل
بالأسة
يا ليل أين هو العراق
أين الأحبة أين أطفالي وزوجي و الرفاق
يا أم غيلان الحبيبة صوبي في الليل نظرة
نحو الخليج تصوريني أقطع الظلماء وحدي
لولاك ما رمت الحياة و لا حننت إلة الديار
حببت لي سدف الحياة مسحتها بسنا النهار
لم توصدين الباب دوني بالجواب القفار
وصل المدينة حين أطبقت الدجى و مضى النهار
و الباب أغلق فهو يسعى في الظلام بدون قصد
و خوض في الظلماء سمعي تشده بجيكور آهات تحدرن في المد
بكاء و فلاحون جوعى صغارهم تصبرهم عذراء تحنو على مهد
يغني أساها خافق النجم بالأسى و تروي هواها نسمة الليل بالورد
أين الهوى مما ألاقي و الأسى مما ألاقي
يا ليتني طفل يجوع يئن في ليل العراق
أنا ميت ما زال يحتضر الحياة
و يخاف من غده المهدد بالمجاعة و الفراق
إقبال مدي لي يديك من الدجى و من الفلاه
جسي جراحي و امسحيها بالمحبة و الحنان
بك ما أفكر لا بنفسي مات حبك في ضحاه
و طوى الزمان بساط عرسط و الصبي في
العنفوان


نفس و قبر


نفسي من الآمال خاوية جرداء لا ماء و لا عشب
ما أرتجيه هو المحال و ما لا أرتجيه هو الذي يجب
قدر رمى فأصاب صادية في الجو خرت و هي تنتحب
من ذا يعيد إلى قوادمها أفق الصباح تضيئه السحب
صلب المسيح فأي معجزة تأتي و أي دعاء ملهوف
ستزيح أبواب السماء له أغلاقها حبل من الليف
هيهات يرقى للسماء به ليهز عرش الله تخريفي
مولاي مشلول فتحدجني عين الملاك و أي ملهوف
لا يشتكي لله محنته إرجع لبيتك دون إبطاء
فبأي آمال أعيش إذن و أدب حيا بين أحياء
لولا مخافة أن يعاقبني عدل السماء لعنت آبائي
و لعنت ما نسلوا و ما ولدوا من بائسين و من أذلاء
الدودة العمياء يلسعها برد يقلصها و يطويها
أواه لو ترضى تبادلني عيشي بعيش كاد يفنيها
و لو استجاب الله صرخة ذي بلوى لصحت و خير ما فيها
موت يجيء كأنه سنة و يمس آلامي فينهيها
كم ليلة قمراء يطفئها ليل النجوم و دورة الشهر
محسوبة ويلاه من عمري و هي التي ضاعت على عمري
و ثلاثة خضراء أربعة نثرت أزهارها و ما أدري
يا ليتها بغد تعوضني فتمر باكية على قبري



ليلة انتظار

يد القمر الندية بالشذى مرت على جرحي
يد القمر الندية مثل أعشاب الربيع لها إلى الصبح
خفوق فوق وجهي كف طفلتي الصغيرة كف آلاء
و همس حول جرحي كف الكبيرة كف غيداء
تدغدغني و نحن على السرير معا على السطح
هناك و آه من ذاك المدى النائي
لأقرب منه مجمرة الثريا و هي تلتهب
بعيد يوم فيه أمشي دون عكاز على قدمي
يئست من الشفاء يئست منه و هدني التعب
و حل الليل ما أطويه من سهر إلى سهر و من ظلم إلى ظلم
و لكن اليد النديانة الكسلى ترش سنابل القمح
على درب من الهمسات في حلم
بلا نوم يرف على جفوني ثم يحشوهن بالملح
غدا تأتين يا إقبال يا بعثي من العدم
و يا موتي و لا موت
و يا مرسى سفينتي التي عادت و لا لوح على لوح
و يا قلبي الذي إن مت أتركه على الدنيا ليبكيني
و يجأر بالرثاء على ضريحي و هو لا دمع و لا صوت
أحبيني إذا أدرجت في كفني أحبيني
ستبقى حين يبلى كل وجهي كل أضلاعي
و تأكل قلبي الديدان تشربه إلى القاع
قصائد كنت أكتبها لأجلك في دواويني

أحبيها تحبيني

رسالة منك كاد القلب يلثمها لولا الضلوع التى تثيه أن يثبا
رسالة لم الورد مشتعلا فيها ولم يعبق النارنج ملتهبا
لكنها تحمل الطيب الذي سكرت روحي به ليل بتنا نرقب الشهبا
في غابة من دخان التبغ أزرعها وغابة من عبير منك قد سربا
جاءت رسالتك الخضراء كالسعف
بل الحيا منه و الأنسام و المطر
جاءت لمرتجف
على السرير وراء الليل يحتضر
لولا هواك وبقيا فيه من أسف
أن لم يرو هواه منك فهو على الطين ينتظر
سفينة يتشهى ظلها النهر
فيها الشفاء هو الربان و القدر
فيها المغني
لكان مما عراه الداء ينتحر
جاءت تحدثني عني
عن شهقة الصيف في جيكور يحتضر
عن صوت أغربة تبكي و أصداء
تذر الظلمة الصفراء في السعف
و عن بنات لآوى خلف منعطف
تعوي فتهتف أم أين أبنائي
و تنفض الدرب عيناها و تهتف
يا محمود علوان
لا رد و لا خبر
و يا حديثك عن آلاء يلذعها
بعدي فتسأل عن بابا أما طابا
أكاد أسمعها
رغم الخليج المدوي تحت رغوته
أكاد ألثم خديها و أجمعها
في ساعدي
كأني أقرع البابا
فتفتحين
و تخفي ظلنا الستر



في غابة الظلام

عيناي تحرقان غابة الظلام
بجمرتيهما اللتين منهما سقر
ويفتح السهر
مغالق الغيوب لي فلا أنام
وأسير الأرض الى قرارها السحيق
ألم في قبورها العظام
فطالعتني كالسراج في لظى الحريق
تكشيرة رهبية رهبية
تليحها جمجمتي الكتيبه
سخرية الاله بالأنام
عيناي من سريري الوحيد
تحدقان في المدى البعيد
الليل وحش تطعنانه مع النجوم
بخنجريهما وخنجر السحر
الليل خترير الردى العنيد
يشق خنجراهما اهابه الغشوم
لأامح العراق مرغ القمر
على ترابه البليل ضوءه الحزين
وقلتا غيلان تومضان بالحنين
يرقب من فراشه ذوائب الشجر
أمضه السهاد عذبته زحمة الفكر
أين من الطفولة السهاد والفكر
عيناه في الظلام تسريان كالسفين
بأي حقل تحلمان أيما نهر
بعودة الأب الكسيح من قرارة الضريح
أميت فيهتف المسيح
من بعد أن يزحزح الحجر
هلم يا عازر
عيناه لظى وريح
تحرق في أضالعي مضارب الغجر
أليس يكفي أيها الآله
أن الغناء غابي الحياه
فتصبغ الحياة بالقتام
تحلني بلا ردى حطام
سفينة كسيرة تطفو على المياه
هات الردى أريد أن أنام
بين قبور أهلي البعثره
وراء ليل المقبره
رصاصة الرحمة يا اله



المعمول الحجري

رنين المعمول الحجري في المرتج من نبضي
يدمر في خيالي صورة الأرض
ويهدم برج بابل يقلع الأبواب يخلع كل آجره
ويحرق من جنائنها المعلقة الذي فيها
فلا ماء ولا ظل ولا زهره
وينبذني طريدا عند كهف ليس تحمي بابه صخره
لا تدمي سوادالليل نار فيه يحييني وأحييها
يا كواسر يا أسود ويا نمور ومزقي الانسان
اذ أخذته رجفة ما يبث الليل من رعب
فضحجي بالزئير وزلزلي قبره
دماغي وارث الأجيال عابر لة الأكوان
سيأكل مته داء شل من قدمي وشديدا على قلبي
كلام ذاك أصدق من نبؤة أي عراف
تريه مسالك الشهب
حمى الأسرار تطلعه على المتربص الخافي
اذا نطق الطبيب فأسكتوا العراف والفوال
رنين المعول الحجري يزحف نحو أطرافي
سأعجز بعد حين عن كتابة بيت شعر في خيالي جال
فدونك يا خيال مدى وآفاق وألف سماء
وفجر من نجومك من ملايين الشموس من الأضواء
وأشعل في دمي زلزال
لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الاعياء
خوالج كل نفسي ذكرياتي كل أحلامي
وأوهامي
وأسفح نفسي الشكلى على الورق
سيقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا
وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق
ورغم الفقر أن يحيا
ويا مرضي قناع الموت أنت وهل ترى لو أسفر الموت
أخاف ألا التكشير الصفراء والثقبين
حيث امتصت العينين
جحافل من جيوش الدود يجثم حولها الصمت
تلوح لناظري ودع الدماء تسح من أنفي من الثقبين
فأين أبي وأمي أين جدي أين آبائي
لقد كتبوا أساميهم على الماء
ولست براغب حتى بخط اسمي على الماء
وداعا يا صحابي يا أحبائي
اذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراء
ولا فهو محض اسم تبد بين اسماء
وداعا يا أحبائي


حميد

حميد أخي في البلاء الكبير
فقد كان مثلي كسيحا
يدب بكرسيه مستريحا
تساءلت عنه فقالوا يسير
على قدميه فقد عاد روحا
لقد مات
يا ويلنا للمصير
ينام ورجلاه مطويتان
شهوودا على الداء في قبره
إذا ما رأى الله رأي العيان
وقد سار زحفا على صدره
فأي انسحاق و أي انكسار
يشعان من عينه الضارعة
سيبكى له الله من رحمة و اعتذار
و في الساعة السابعة
إذا ذرت الريح ورد الغروب
سأجلس في الشرفة الخالية
و من تحتي الدرب يخفق مأى يذوب
ألوف من الأرجل الماشية
إلى أي مبغى وراء الدروب
و خمارة في الدجى نائية
إلى اللغو و القهقهات الكذوب
و ألمح فيما وراء الظلال
حميدا و كرسية في الخيال
فتخنقني اللوعة الباكية
فأواه لو توقدين الشموع
لدى مسجد القرية المترب
تمد من النور خيطا تعلق فيه الدموع
و لو تضرعين مع المغرب
إلى الله يا رب رفقا بطفلي الصغير
و ابق أباه
و جنبه يا رب هذا المصير
و لكنني مت واحسرتاه


لوي مكنيس

أتى نعيه اليوم جاب الديار
و جاب المحيطات حتى أتاني
فلم تجر بالأدمع المقلتان
فقد غاغلت من دمي في القرار
أبي مات لم أبك حزنا عليه
و إن جن قلبي
من الهم و انهد شوقا إليه
نعته إلينا مجله
نهاة مقال حزين
نعته لنا آدميا مؤله
سماواته الشعر يصرخ بالغافلين
و أحسست بالشوق ( المدمنين
إلى جرعة من طلى ظامئين
إلى شعره
لأحرق قربان وجد و حب
فؤادي في جمرة
و لكن ديوانه
دفينا غدا بين أكداس كتب
تلص العناكب ألوانه
و يقرأه الصمت للآخرين
و من لي بإخراج كنز دفين
تهاوى عليه الحجار
كسيح أنا اليوم كالميتين
أنادي فتعوي ذئاب الصدى في القفار
كسيح
كسيح و ما من مسيح
و تقرع للصدى في الضباب
أمن بعد عشرين مثل الحراب
يمزقن جنبي مثل النضال
ارجى ادكارا لأبياته
وهل يتذكر طفل ملامح أمواته
وقد بعثرتها صروف الليالي
و بين المحبين زوجين عادا
يدحرج شاي الصباح
صحارى يضيع الصدى في دجاها الفساح
و عند المساء تقوم الجريدة
جدارا يدقانه بالأكف الوحيدة
فتضحك إذ يضربان الرياح
و ما بين زوجي و بيني خواء
فليت الصحارى و ليت الجدار
توحد ما بين زوجي و بيني ببرد الشتاء
وصمت الحجار
و يا ليتي مت إن السعيد
من اطرح العبء عن ظهره
وسار إلى قبره
ليولد في موته من جديد



عكاز في الجحيم

و بقيت أدور
حول الطاحونة من ألمي
ثوارا معصوبا كالصخرة هيهات تثور
لكني أعجز عن سير ويلاه على قدمي
و سريري سجني تابوتي منفاي إلى الألم
و إلى العدم
و أقول سيأتيني يوم من بعد شهور
أو بعد سنين من السقم
أو بعد دهور
فأسير على قدمي
عكاز في يدي اليمنى
عكاز بل عكازان
تحت الإبطين يعينان
جسما من أوجاع يفنى
طللا يغشاه مسيل دم
و أسير أسير على قدمي
لو كان الدرب إلى القبر
الظلمة و الدود الفراس بألف فم
يمتد أمامي في أقصى أركان الدنيا في نحر
أو واد أظلم أو جبل عال
لسعيت إليه على رأسي أو هدبي أو ظهري
و شققت إلى سقر دربي و دحورت الأبواب السودا
و صرخت بوجه موكلها
لم تترك بابك مسدودا
و لتدع شياطين النار
تقتص من الجسد الهاري
تقتص من الجرح العاري
و لتأت صقورك تفترس العينين و تنهش القلبا
فهنا لا يشمت بي جاري
أو تهتف عاهرة مرت من نصف الليل على داري
بيت المشلول هنا أمسى لا يملك أكلا أو شربا
و سيرمون غدا بنتيه وزوجته دربا
و فتاه الطفل إذا لم يدفع مترا كم إيجار
انثرني ويك أباديدا
و افتح بابك لا تتركه أمام شقائي مسدودا
و لتطعم جسمي للنار



القن و المجرة


و لولا زوجتي و مزاجها الفوار لم تنهد أعصابي
و لم ترتد مثل الخيط رجلي دونما قوة
و لم ترتج فهو يسحبني إلى هوه
و لا فارقت أحبابي
و لا خلفت اودسيوس يضرب في حبي الغاب
و تقذفه البحار إلى سواها دونما مرسى
هناك تركته و طويت عنه كتابي المهجور
سأكمل سفرتي معه ستحملني إلى جيكور
سيفته و لن أنسى
بأن وراء رغو البحر قلبا هده القلق
و عينا كلما زرع الغروب حدائق الديجور
بأنجمها الصبايا شد من حملاقها الشفق
على الأفق البعيد لعل خفقا من شراع أو سنا مصباح
على اللجج الضواري لاح
فأه لو كبنلوب الحزينه زوجتي تترقب الأنسام
لعل جناح طياره
كمحراث من الفولاذ شقق بينها الأثلام
ليزره ثم أزهاره
ألا تبا لحب هذه الآلام من عقباه
كأن شفاهنا حين التقت رسمت من القبل
سريرا نمت فيه أنث منه الآه بعد الآه
و عكازا عليه مشيت ثم هويت من ثقل
كأن حجارة السور الذي ما بيننا قاما
لها من هذه القبلات طين شدها شدا
أدهرا كان أم سبعا من النكبات أعواما
و لكن ما عليها من جناح كنت معتدا
بذهني أو شبابي
سوف أصهرا أغيرها كطين في يد الفنان
و قد غيرت لكن الذي غيرت ماذا كان
فؤادا ضيقا كاللحد كيف أوسع اللحدا
و نفسا حدها بين السرير و بين قائمة الحساب كأنها قن
من الأقنان
مداه يمد بين البيت و الحقل
حبالا قيدت قدميه و هو يردد الألحان
و لم يك يفهم الكلمات ( ليس لقطرة الطل
مكان إذ يجوع البطن يا لتلهف الظمآن
أترويه المجرة و هي بحر هكذا زعموا على الشطآن
منه تناثرت كسر الكواكب فهي كالرمل
هنالك و المحار أكل هذا يشبع الجوعان
و لكني أحن فهل أعود غدا إلى أهلي
نعم سأعود
أرجع لا إليها بل إلى غيلان


أظل من بشر

يا رب لو و جدت على عبدك بالرقاد
لعله ينسى
من عمره الأمسا
لعله يحلم أنه يسير دونما عصا و لا عماد
ويذرع الدروب في السحر
حتى تلوح غابة النخيل
تنوء بالثمر
بالخوخ والرمان والاعناب فيها يعصر الأصيل
رحيقه المشمس أو تألق القمر
يدخلها فيختفي تحت ذوائب الشجر
ويقطف الجنى
علق في رمانة عصاه وانثنى
يأكل أو يجمع الزهر
حتى أذا ما انطلقا
وراح يطوي الطرقا
أحس أو ذكر
بأنه بلا عصا سار وما شعر
يا رب لو جدت على عبدك بالرقاد
لأنه يذكره السهر
بأنه أقل من بشر



سلوى

ظلام الليل أوتار
يدندن صوتك الوسنان فيها و هي ترجف
يرجع همسها السعف
و ترتعش النجوم على صداه يرن قيثاره
بأعماق السماء ظلام هذا الليل اوتار
و كم عبر الخليج ألي و الأنهار و الترعا
يدغدغ بيض أشرعة يهيم وراءها القمر
و ينشج بينها المطر
وأوغل في شعاب البرق يرجف كلما لمعا
ليحمل من قرارة قلبك ا لآلام و الفزعا
أشم عبيرك الليلي في نبراتك الكسلى
يناديني و يدعوني
ألى نهدين يرتعشان تحت يدي و قد حلا
عرى الأزرار من ذاك القميص و يملأ الليلا
مشاعل في زوارق في عرائش في بساتين
شذى الليمون يصرع كل ظل في دواليها
أراك على السريسر و أنت بين الليل و الفجر
يكاد النجم في الشباك و المصباح في الخدر
يمسها النعاس و أنت رنبقة حواشيها
ينبهها هتاف الديك يعبر ضفة النهر
و يهمس بي صدى سلوى
تغني كل سلوى في خيالي تكشف الأضواء عنها
و هي تبتسم
صديقة كل فحل من سدوم في يد قلم
يسطر في الجريدة انها تهوى و لا تهوى
هي امرأتان في امرأه و يسرب في دمي ضرم
و جارتنا الصببية في حرير النوم تنسرب
يشف الثوب عن نهديت طو ديين كم رجفا
من الأحلام تحت يد تعصر بردها لهب
لها من فورة العذراء عطر يرتخي يثب
يمازج نفخ ما نفخ الحشيش يسيل مرتجفا
وألمح في سماء الصيف عبر تماوج الشجر
سماوة لندن المنهل فيها الثلج كالمطر
و نافذة تعلق في الظلام زجاجها الألق
و مدفأة وراء الليل تحترق
و أسمع من يحدث عن هوى سلوى و يرقب طلعة السحر
و أشعلت الظهيره نارها في الشارع الممتد بين حدائق
النارج و العنب
و أصدت في رحاب المترل الخالي
خطى سلوى و أرخيت الستائر يا لشلال
من الألوان و الخدر البرود
و مسها لهبي
فارعش كل عرق في صباها كل ما عصب
و يزرع ألف غاب للنخيل غناؤك المكسال
ترقرقت الجداول بينهن و أزهر الليمون
و أنسام الربيع تمر تنثر زهره في مائها السلسال
كما حمل الوجوه ألي ماء غنائك المكسال
و يحملني النعاس ألى جزائر في مدى محزون


في المستشفى


كمستوحد أعزل في الشتاء
و قد أوغل الليل في نصفه
أفاق فأوقظ عين الضياء
و قد خاف من حقنه
أفاق على ضربة في الجدار
هو الموت جاء
و أصغى أذاك انهيار الحجار
أم الموت يحسو كؤوس الهواء
لصوص يشقون دربا إليه
مضوا ينقبون الجدار
و ظل يعد انهيار التراب
ووقع الفؤوس على مسمعيه
يكاد يحس التماع الحراب
و حزاتها فيه يا للعذاب
و ما عنده غير محض انتظار
هو الموت عبر الجدار
كذاك انكفأت أعض الوساد
و أسلمت للمشرط القارس
قفاي المدمى بلا حارس
بغير اختياري طبيبي أراد
لقد قص مد المجس الطويل
لقد جره الآن أواه عاد
و لا شيء غير انتظار ثقيل
ألا فاخرقوا يا لصوص الجدار
فهيهات هيهات مالى فرار

محمد العمر
20/03/2009, 00h12
الشاعر بدر شاكر السياب
نبذه عن حياته وقصائده ومؤلفاته
بدر شاكر السياب 1926-1964 ولد في قرية جيكور واقعه على نهر ابو فلوس تقع ضمن قضاء ابي الخصيب ضمن لواء البصره سابقاً محافظة البصره حالياً
فهذه القرية عامرة بأشجار النخيل التي تظلل المسارح المنبسطة ويحلو لأسراب الغربان أن تردد نعيبها فيها، و عند أطراف هذه القرى مسارح أخرى منكشفة تسمى البيادر، تصلح للعب الصبيان ولهوهم في الربيع والخريف، وتغدو مجالا للنوارج في فصل الصيف، فكل شخص يعمل في الزراعة ويشارك في الحصاد و الدراس، ويستعين على حياته بتربية الدجاج والأبقار، و يجد في سوق البصرة مجالا للبيع أو المقايضة، ويحصل على السكر و البن و الشاي وبعض الحاجات الضرورية الأخرى لكي ينعم في قريته بفضائل الحضارة المادية، وإذا كان من الطامحين إلى (الوجاهة) فلا بأس أن يفتح ديوانا يستقبل فيه الزائرين من أهل القرية أو من الغرباء ليشاركوه في فضائل تلك الحضارة المادية .
والبلدة التي ولد الشاعر في إحدى قراها و أكمل دراسته الأولى فيها والتي بقي يتردد إليها طيلة عمره القصير،
وكلمة سياب بتشديدها بضم السين أو فتحها : اسم يطلق على البلح أو البسر الأخضر. لكن قصة تروى في العائلة تزعم أنه دعي بهذا الاسم لأنه فقد جميع أقربائه وسيب وحيدا.
دخل السياب في أول مراحله الدراسية مدرسة باب سليمان الابتدائية في أبي الخصيب، ثم انتقل إلى المحمودية الابتدائية التي أسسها المرحوم محمود باشا العبدالواحد في سنة 1910 في العهد العثماني، وبقيت تحمل اسمه حتى الآن
و تخرج من هذه المدرسة في تاريخ 1-10-1938
عاش بدر طفولة سعيدة غير إنها قصيرة سرعان ما تحطمت إذ توفيت أمه عام 1932 أثناء المخاض لتـترك أبناءها الثـلاثة وهى في الثالثة والعشرين من عمرها. وبدا بدر الحزين يتساءل عن أمه التي غابت فجأة، وكان الجواب الوحيد: ستعود بعد غد فيما يتهامس المحيطون به: أنها ترقد في قبرها عند سفح التل عند أطراف القرية

وغابت تلك المرأة التي تعلق بها ابنها الصغير، وكان يصحبها كلما حنت إلى أمها، فخفت لزيارتها، أو قامت بزيارة عمتها عند نهر بويب حيث تملك بستانا صغيرا جميلا على ضفة النهر، فكان عالم بدر الصغير تلك الملاعب التي تمتد بين بساتين جيكور ومياه بويب وبينها ما غزل خيوط عمره ونسيج حياته وذكرياته .

ويذهب بدر إلى المدرسة، كان عليه أن يسير ماشيا إلى قرية باب سليمان غرب جيكور لينتقل بعدها إلى المدرسة المحمودية الابتدائية للبنين في أبي الخصيب التي شيدها محمود جلبي العبد الواحد أحد أعيان أبي الخصيب، وكان بالقرب من المدرسة البيت الفخم الذي تزينه الشرفات الخشبية المزججة بالزجاج الملون الشناشيل و التي ستكون فيما بعد اسما لمجموعة شعرية متميزة هي شناشيل ابنة الجلبي- الجلبي لقب للأعيان الأثرياء- وفى هذه المدرسة تعلم أن يردد مع أترابه أهزوجة يرددها أبناء الجنوب عند هطول المطر، ضمنها لاحقا في إحدى قصائده
يا مطرا يا حلبي عبر بنات الجلبي
يا مطرا يا شاشا عبر بنات الباشا

وفى هذه المرحلة المبكرة بدأ ينظم الشعر باللهجة العراقية الدارجة في وصف الطبيعة أو في السخرية من زملائه، فجذب بذلك انتباه معلميه الذين شجعوه على النظم باللغة الفصيحة، وكانت العطلة الصيفية التي يقضيها في جيكور مجلبة لسروره وسعادته إذ كان بيت العبيد الذي غدا الآن مهجورا، المكان المحبب للعبهم برغم ما يردده الصبية وخيالهم الفسيح عن الأشباح التي تقطنه
وكانت محبة جدته تمنحه العزاء والطمأنينة والعطف غير انه سرعان ما فقدها إذ توفيت في أيلول 1942 ليكتب في رثائها قصيدة

جدتي من أبث بعدك شكواي؟
طواني الأسى وقل معيني
أنت يا من فتحت قلبك بالأمس لحبي
أوصدت قبرك دوني
فقليل على أن اذرف الدمع
ويقضى على طول أنيني
بعدها ذهب السياب الى مدينة بغداد صيف 1943 أنهى بدر دراسته الثانوية، وقـبل في دار المعلمين العالية ببغداد (كلية التربية) وكان في السابعة عشرة من عمره ليقضى فيها أربعة أعوام

كتب السياب خلال تلك الفترة قصائد مترعة بالحنين إلى القرية والى الراعية هالة التي احبها بعد زواج وفـيقة ويكتب قصائده العمودية أغنية السلوان و تحية القرية.. الخ
ويكسب في بغداد ومقاهيها صداقة بعض من أدبائها وينشر له ناجي العبيدي قصيدة لبدر في جريدته الاتحاد هي أول قصيدة ينشرها بدر في حياته
تكونت في دار المعلمين العالية في السنة الدراسية 1944-1945 جماعة أسمت نفسها أخوان عبقر كانت تقيم المواسم و الحفلات الشعرية حيث ظهرت مواهب الشعراء الشبان، ومن الطبيعي تطرق أولئك إلى أغراض الشعر بحرية وانطلاق، بعد أن وجدوا من عميد الدار الدكتور متى عقراوي، أول عميد رئيس لجامعة بغداد و من الأساتذة العراقيين والمصريين تشجيعا كان السياب من أعضاء الجماعة، كما كانت الشاعرة نازك الملائكة من أعضائها أيضا، بالإضافة إلى شاعرين يعتبران المؤسسين للجماعة هما الأستاذان كمال الجبوري و الدكتور المطلبي،

ويتعرف بدر على مقاهي بغداد الأدبية ومجالسها مثل مقهى الزهاوي ومـقـهى ا لبلدية و مقهى البرازيلية وغيرها يرتادها مع مجموعة من الشعراء الذين غدوا فيما بعد (رواد حركة الشعر الحر) مثل بلند الحيدري وعبد الرزاق عبد الواحد ورشيد ياسين وسليمان العيسى وعبد الوهاب البياتي وغيرهم ويلتقي امرأة يحبها وهي لا تبادله هذا الشعور فيكتب لها
أبي.. منه جردتني النساء
وأمي.. طواها الردى المعجل
ومالي من الدهر إلا رضاك
فرحماك فالدهر لا يعدل

ويكتب لها بعد عشرين عاما- وكانت تكبره عمرا- يقول
وتلك.. لأنها في العمر اكبر
أم لأن الحسن أغراها
بأني غير كفء
خلفتني كلما شرب الندى ورق
وفتح برعم مثلتها وشممت رياها؟
وتزداد شـهرة بدر الشاعر النحـيل القادم من أقصى قـرى الجنوب، وكانت الفتيات يستعرن الدفتر الذي يضم أشعاره ليقرأنه، فكان يتمنى أن يكون هو الديوان
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
أنفاسي الحرى تهيم على
صفحاته والحب والأمل
وستلتقي أنفاسهن بها
وترف في جنباته القبل
وفى قصيدة أخرى يقول
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفر من صدر إلى ثان
قد بت من حسد أقول له
يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس ولى ثمالتها
ولك الخلود وأنني فاني؟
ويتعرف على فتاة أضحت فيما بعد شاعرة معروفة غير أن عائق الدين يمنع من لقائهما فيصاب بإحباط آخـر، فيجـد سلوته في الانتماء السياسي الذي كانت عاقبته الفـصل لعـام دراسي كامل من كليته ومن ثم سجنه عام 1946 لفترة وجيزة
أطلق سراحه بعدها ليسجن مرة أخرى عام 1948 بعد أن صدرت مجموعته الأولى أزهار ذابلة بمقدمة كتبها روفائيل بطي أحد رواد قصيدة النثر في العراق
وقد قام بتجربة جديدة في الوزن والقافية تجمع بين بحر من البحور ومجزوءاته أي أن التفاعيل ذات النوع الواحد يختلف عددها من بيت إلى آخر.
وقد كتب روفائيل بطي مقدمة للديوان قال فيها نجد الشاعر الطليق يحاول جديدا في إحدى قصائده فيأتي بالوزن المختلف وينوع في القافية، محاكيا الشعر الإفرنجي، فعسى أن يمعن في جرأته في هذا المسلك المجدد لعله يوفق إلى أثر في شعر اليوم، فالشكوى صارخة على أن الشعر الربي قد احتفظ بجموده في الطريقة مدة أطول مما كان ينتظر من النهضة الحديثة
إن هذه الباكورة التي قدمها لنا صاحب الديوان تحدثنا عن موهبة فيه، وان كانت روعتها مخبوءة في اثر هذه البراعم - بحيث تضيق أبياته عن روحه المهتاجة وستكشف الأيام عن قوتها، و لا أريد أن أرسم منهجا مستقبلا لهذه القريحة الأصيلة تتفجر وتفيض من غير أن تخضع لحدود و القيود، ولكن سير الشعراء تعلمنا أن ذوي المواهب الناجحين، هم الذين تعبوا كثيرا، وعالجوا نفوسهم بأقصى الجهد، وكافحوا كفاح الأبطال، حتى بلغوا مرتبة الخلود
ويتخرج السياب ويعين مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية في مدينة الرمادي التي تبعد عن بغداد تسعين كيلومترا غربا، تقع على نهر الفرات. وظل يرسل منها قصائده إلى الصحف البغدادية تباعا، وفى يناير 1949
ألقي عليه القـبض في جـيكور أثناء عطلة نصف السنة ونقل إلى سجن بغداد واستغني عن خدماته في وزارة المعارف رسميا فى25 يناير 1949 وافرج عنه بكفالة بعد بضعة أسابيع ومنع إداريا من التدريس لمدة عشر سنوات، فعاد إلى قريته يرجو شيئا من الراحة بعد المعاملة القاسية التي لقيها في السجن
ثم توجه إلى البصرة ليعمل (ذواقة) للتمر في شركة التمور العراقية، ثم كاتبا في شركة نفط البصرة، وفى هذه الأيام ذاق مرارة الفقر والظلم والشقاء ولم ينشر شعرا قط، ليعود إلى بغداد يكابد البطالة يجتر نهاراته في مقهى حسن عجمي يتلقى المعونة من أصحابه اكرم الوتري ومحي الدين إسماعيل وخالد الشواف، عمل بعدها مأمورا في مخزن لإحدى شركات تعبيد الطرق في بغداد.
وهكذا ظل يتنقل من عمل يومي إلى آخر، وفى عام 1950 ينشر له الخاقاني مجموعته الثانية (أساطير) بتشجيع من أكرم الوتري مما أعاد إلى روحه هناءتها وأملها بالحياة، وقـد تصدرتها مقدمة لبدر أوضح فيها مفهومه للشعر الجديد الذي يبشر به ويبدأ بدر بكتابة المطولات الشعرية مثل أجنحة السلام و اللعنات وحفـار القـبور و المومس العمياء وغيرها
ويضطرب الوضع السياسي في بغداد عام 1952 ويخشى بدر أن تطاله حملة الاعتقالات فيهرب متخفيا إلى إيران ومنها إلى الكويت بجواز سفر إيراني مزور باسم (على آرتنك) على ظهر سفينة شراعية انطلقت من عبادان في يناير 1953، كتب عنها فيما بعد قصيدة اسمها فرار 1953 وهناك وجد له وظيفة مكتبية في شركة كهرباء الكويت حيث عاش حياة اللاجئ الذي يحن بلا انقطاع إلى أهله ووطنه، وهناك كـتب أروع قصائده غريب على الخليج يقول فيها
مازلت اضرب، مترب القدمين أشعث
في الدروب تحت الشموس الأجنبية
مـتخافق الأطمار
أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل وحمى
ذل شحاذ غريب بين العيون الأجنبية
بين احتقار، وانتهار، وازورار.. أوخطيه
والموت أهون من خطيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبية
قطرات ماء.. معدنية
ويعود إلى بغداد بعد انقضاء عدة اشهر ويقطع صلته بالحركة السياسية التي كان ينتمي إليها .
تنشر له مجلة الآداب في يونيو 1954 أنشودة المطر تتصدرها كلمة قصيرة جاء فيها من وحي أيام الضياع في الكويت على الخليج العربي ويكتب بعدها المخبر تليها الأسلحة والأطفال وفي المغرب العربي و رؤيا فوكاي و مرثية الآلهة و مرثية جـيكور وينشغل بالترجمة والكتـابة، وتحل سنة1955 حـيث يتزوج من معلمة في إحدى مدارس البصرة الابتدائية.

في العام نفسه نشر ترجماته من الشعر المعاصر في كتاب سماه قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث يحتوى على عشرين قصيدة لأليوت وستويل وباوند سبندر ودي لويس، ودي لامير و لوركا ونيرودا ورامبو وبريفير، وريلكه طاغـور وناظم حكمت وغيرهم
وتقوم حرب السويس اثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ليكتب بعـدها السـيـاب قصيدته بور سعيد ألقاها في اجتماع عقد في دار المعلمين العالية ببغداد تضامنا مع شعب مصر

ويتعرف في شتاء1957 على مجلة جديدة ستلعب دورا هاما في مرحلته الفنية الجديدة تلك هي مجلة (شعر) اللبنانية كان محررها يوسف الخال وسرعان ما أصبح السياب أحد كتابها العديدين من دعاة التجديد في الشعر العربي مثل أدونيس وأنسي الحاج وجبرا إبراهيم جبرا وتوفيق صايغ، لتبدأ قطيعته مع مجلة الآداب التي تبنت نتاجه المدة السابقة
وبدعـوة من المجلة الجديدة يسافر إلى بيروت لاحياء أمسية شعرية تعرف خلالها على أدونيس و أنسي الحاج وشوقي أبى شقرا وفؤاد رفقه ويوسف الخال، ويعود إلى بغداد أشد ثقة بشاعريته. واكثر إحساسا بالغبن في بلده حيث يجابه وعائلته مصاعب الحياة براتب ضئيل
وتستهويه الأساطير التي دلها عليه (الغصن الذهبي) لجو فريزر والذي ترجم جبرا فصلا منه، فيكتب قصائد مثل المسيح بعد الصلب و(جيكور والمدينة) و(سربروس في بابل) و (مـدينة السندباد) وهى قصائد تمتلئ بالرموز مثل المسيح ويهوذا وتموز وعشتار وسربروس والسندباد، ويجئ يوم 23 نوفمبر 1957 لتكتحل عينا الشاعر بابنه غيلان وقد كثف بدر فرحه بمولوده في قـصيـدته مرحى غيلان و فيها يقول
بابا .. بابا
ينساب صوتك في الظلام إلى كالمطر الغضير
ينساب من خلل النعاس وأنت ترقد في السرير
من أي رؤيا جاء؟ أي سماوة؟ أي انطلاق؟
وأظل أسبح في رشاش منه، أسبح في عبير
أن أودية العراق
فـتـحت نوافـذ من رؤاك على سهادي
كل واد
وهبته عشتار الأزاهر والثمار
كأن روحي
في تربة الظلماء حبة حنطة
وصداك ماء أعلنت بعثي
يا سماء
هذا خلودي في الحياة
تكن معناه الدماء
وتأتى صبيحة 14 يوليو 1958 لتعلن عن نهاية الحكم الملكي على يد الجيش وتنسحب الجمهورية الوليدة من حلف بغداد تركيا، إيران، باكستان، العراق وتخرج من كتلة الإسترليني وتعلن قانون الإصلاح الزراعي وتطلق سـراح السجناء السياسيين، ويحس بدر أن ما تمناه طويلا قد تحقق، غير أن آمال بدر قد تهاوت اثر الانقسامات والاحترابات التي عصفت بالمجتمع آنذاك .
وفى السابع من أبريل 1959 فصل من الخدمة الحكومية لمدة ثلاث سنوات بأمر وزاري لتبدأ من جديد رحلة التشرد والفقر، كان نتاجها عدد من القصائد مثل العودة لجيكور و رؤيا في عام 1956 و المبغى
في يوليو 1960 يذهب إلى بيروت لنشر مجموعة من شعره هناك، وتوافق وجوده مع مسابقة مجلة شعر لأفضل مجموعة مخطوطة فدفع بها إلى المسابقة ليفوز بجائزتها الأولى (1000 ل. ل) عن مجموعته أنشودة المطر التي صدرت عن دار شعر بعد ذلك
وعاد إلى بغداد بعد أن ألغي فصله وعين في مصلحة الموانئ العراقية لينتقل إلى البصرة ويقطن في دار تابعة للمصلحة في الوقت نفسه بدأت صحته تتأثر من ضغط العمل المضني والتوتر النفسي، غير انه اعتقل ثانية في 4 فبراير 1961 ليطلق سراحه في 20 من الشهر نفسه، و أعيد تعيينه في المصلحة نفسها، غير أن صحته استمرت بالتدهور وحملته حالة العوز إلى ترجمة كتابين أمريكيين لمؤسسة فرانكلين، جرت عليـه العـديد من الاتهامـات والشكوك.
ثم تسلم دعوة للاشتراك في (مؤتمر للأدب المعاصر) ينعقد في روما برعاية المنظمة العالمية لحرية الثقافة
ويعود إلى بفداد و من ثم إلى البصرة- محلة- المعقل- حيث الدار التي يقطنها منذ تعين في مصلحة الموانئ، يكابد أهوال المرض إذ لم يعد قادرا على المشي إلا إذا ساعده أحد الناس ولم يعد أمامه سوى السفر وهكذا عاد إلى بيروت في أبريل 1962 في 18 أبريل 1962 أدخل مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت، وبعد محاولات فاشلة لتشخيص مرضه غادر المستشفى بعد أسبوعين من دخوله إليه بعد أن كتب قصيدته الوصية يخاطب فيها زوجته
إقبال، يا زوجتي الحبيبه
لا تعذليني، ما المنايا بيدي
ولست، لو نجوت، بالمخلد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما وارحمي نحيبه

ويزوره اكـثر من طبيب في مرضه الميؤوس منه، وتنفد النقود التي تبرع بها أصدقاؤه له، وينشر له أصحابه ديوانه المعبد الفريق عن دار العلم للملايين لكن الدخل الضئيل الذي جناه منه لم يسد نفقات علاجه، وازدادت حاله سوءا وابتدأت فكرة الموت تلح عليه وهو ما نراه في قصيدة نداء الموت ليعود بعدها مدمرا نهاية سبتمبر 1962 تلاحقه الديون إلى البصرة، وتكفلت المنظمة العالمية لحرية الثقافة بنفقاته لعام كامل بعد أن رتبت له بعثة دراسية
وقد كانت الفكره ان ينخرط طالبا في جامعة إنكليزية للدراسة من أجل الدكتوراه وفي أثناء ذلك ينصرف أيضا لمعالجة مرضه.
وقد ساعده صديقه الاستاذ جبرا ابراهيم جبرا من خلال صديق له المفكر العربي الأصل، الأستاذ ألبرت حوراني، الأستاذ في جامعة أكسفورد لقبوله بأسرع ما يمكن، وكان التأكيد على السرعة .
فأبدى الأستاذ حوراني حماسة للفكرة، و حاول أن يجد له مكانا في الجامعة غير أن قبوله لم يكن ليتم في الحال - والذين حاولوا أيجاد مكان لهم في أكسفورد يعلمون بالمدة الطويلة التي لابد من انقضائها أحيانا بين تقديم الطلب و القبول النهائي- ولما لم يكن ثمة مجال للانتظار
ومرض بدر في تصاعد سريع أخذ يعيق عليه سيره، استطاع الأستاذ حوراني أن يجد له قبولا في جامعة درم وهي من جامعات شمال إنكلترا، المعروفة بدراساتها الشرقية وفي أوائل خريف 1962 سافر بدر إلى إنكلترا لأول مرة والمرض يكاد يقعده، وتوجه إلى مدينة درم، وهو شديد القلق و المخاوف على حالته الصحية
درم مدينة جبلية صغيرة، ابتنت شهرتا على وجود جامعة فيها هي من أفضل الجامعات البريطانية. بيد أنها رغم جمالها الطبيعي، وجمال كلياتها التي يتباهى بعضها بروائع هندستها المعمارية، مدينة يلفها الضباب في معظم أيام السنة، ولقربها من مناجم الفحم المحيط بها من كل صوب، يشتد فيها الضباب قتاما أيام الخريف و الشتاء لدرجة الكآبة
وهي في مثل هذا القتام الكئيب أدركها بدر وهو ينوء بعبء سقامه. ويبدو أنه أقام فيها بضعة أيام كانت له أيام خيبة ومرارة، كتب في كل يوم منها. ولم يستطع أن ير أحدا، ولم يره أحد. واستقل القطار بعدها عائدا إلى مستشفي في لندن، حيث نظم شعرا كثيرا يحمل بعض ما أحس به من كآبة في تلك المدينة الصغيرة التي لم تتح له أن يرى فيها شيئا من فتنة كان يتوقعها
ويقول الاستاذ جبرا ابراهيم
في نهاية عام 1968، إذ كنت في جولة بين بعض الجامعات الإنكليزية أحاضر عن الأدب العربي، ذهبت إلى درم لأول مرة، وألقيت فيها محاضرة على جمهور جامعي، وكان التجاوب بيننا حارا، طيبا. وتحدثت عن بدر، وذكرت كيف انه انخرط طالبا في درم، ولو لأيام قلائل، وتوقعت أن يكون بين الأساتذة على الأقل من يعلم بذلك
وكانت الدهشة كبيرة : السياب طالب في درم
لم يعلم بذلك أحد. لم يكن قد سمع بذلك أحد، حتى من المعنيين بالدراسات المعاصرة. دهشة طيبة، ولكن، رحماك يا بدر، لم تعلم الجامعة حتى بمجيئك
لكنت ضحكت ولا ريب، غير أنها الآن تعلم، وتفخر بأنك قضيت فيها عدة من أيام في مستشفى لندن كتب السياب العديد من القصائد لعل من أهمها سفر أيوب لك الحمد مهما استطال البلاء
و مهما استبد الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وان المصيبات بعض الكرم
وفي درم كتب قصيدة الليلة الأخيرة وكانت زيارته إلى درم تجربة مريرة في الوحدة والبرد والمرض، وهناك اسـتعان بعكاز اصطحبه إلى لندن حيث لزم غرفته فقيرا وحيدا بانتظار تحويل مصرفي من المنظمة العالمية لحرية الثقافة في باريس
وبين الأمل واليـأس والمراسلات المستمرة انقضت أيامه في المستشفى موحشة باردة حتى صدرت مجموعته منزل الأقنان في بيروت- مارس 1963 بعد أن غادر بدر المستشفى بأيام قليلة، ليكتب بعدها مجموعة قصائد اشهرها شناشيل ابنة الجلبي مستذكرا كعادته طفولته وصباه في جيكور وأبي الخصيب وبين أفياء النخيل الوارفة وظلال البساتين ومجارى الأنهار

وفى15 مارس 1963 طار إلى باريس في طريق العودة إلى الوطن تحت إلحاح زوجته ورسائلها التي تصف الحالة المزرية التي ترزح تحت وطأتها العائلة، وفى باريس عرفه أصحابه بلا جـدوى على عـدد من الأطباء الفرنسيين، وفى 23 مارس 1963 غادر باريس على كرسي متحرك من مطار أورلي
وعندما جاءت المضيفة لتأخذه إلى ذلك الجانب الغامض من المطار حيث لا يسمح بدخول أحد غير المسافرين، وعندما دفعت كرسيه الدراج إلى الباب فانفتحت دفتاه ثم أغلقتا مثل فخ، شعرنا بقلبنا يتوقف
فقد اختفى بدر وهو عالق بابتسامة المضيفة بتجلد. كان قد التفت نحونا وهز يده ولكننا كنا نعلم أنه كان يغور في الفراغ. كان بدر يموت للمرة الأولى بالنسبة لنا، بينما ابتسامة الموت ترتسم على شفتي امرأة
ولم يمر أسبوعان على وصول بدر إلى البصرة، حتى فصل من الخدمة الحكومية لمدة ثلاث سنوات ابتداء من 4 نيسان 1963 بناء على مقتضيات المصلحة العامة، واستنادا لأحكام المادة 2-أ من قانون تطهير الجهاز الحكومي رقم 2 لسنة 1958
كانت هذه صدمة شديدة زادت من هموم بدر/ فكتب رسالة إلى لجنة الاعتراضات الخاصة بالمفصولين و المعزولين، وأرسلها إلى بغداد وفيها يحتج لبراءته و يؤكد ولاءه للعهد الجديد. ولكنه قبل النظر في أمره كان بلا عمل وبلا دخل وكانت أول قصيدة كتبها بعد رجوعه إلى البصرة هي ليلة في العراق
وعدت إلى بلادي، يالنقالات إسعاف
حملن جنازتي، ماتمدد فيها أثن رأيت غيلانا
يحدق ، بانتظاري، في السماء وغيمها السافي
و ما هو غير أسبوعين ممتلئين أحزانا
ويفجأني الن1ير بأن أعواما من الحرمان و الفاقة
ترصد بهي هنا، في غابة الخوذ الحديدية
بعد ذلك بدأ بدر يعمل كمراسل أدبي لمجلة حوار في العراق، بعد أن نال موافقة جون هنت، سكرتير المنظمة العالمية لحرية الثقافة في بباريس. وبدأ يرسل إلى توفيق صايغ محررها في بيروت، تقارير فصلية عن الحركة الأدبية في العراق،وكان يدفع له أربعين دولارا على التقرير
وصار ينشر شعره كذلك في هذه المجلة التي كانت تدفع لكتابها مبالغ طيبة. و كانت الأوساط الفكرية القومية قد بدأت ترتاب بها و تهاجمها على أنها أداة من أدوات الاستعمار الغربي وتسلله الثقافي
ولم تتحسن صحته بدر على الرغم من أنه واصل اخذ الدواء الذي وصفه له الدكتور في باريس، وسال سيمون جارجي أن يرسل له المزيد منه. وكان يستصعب المشي الآن حتى بعكاز، وقد وقع على الأرض مرارا وهو يحاول المشي مجررا قدميه. و عندما مات أبوه في أوائل 1963 ، في عيد الأضحى، لم يستطع أن يذهب إلى المسجد لحضور جنازته. وكان يقضي معظم وقته في البيت
ولم يكتب شعرا مدة طويل، ولكنه عمل على ترجمة فصول عينها له جبرا من كتاب الشعر و النثر الأمريكيان الذي كان سينشر في بيروت بتكليف من مؤسسة فرنكلين في بغداد باشتراك مترجمين آخرين
وفي هذا الوقت قبل بدر أن يعالجه بدوي من الزبير، فكوى ساقيه وظهره بالنار ثم أعطاه بعض المراهم ليدهن بها أطرافه المشلولة. لم يكن لهذا (العلاج) فائدة وقبل بل بدر في يأسه كذلك أن يعالجه سادات البصرة من الرفاعية الذين كانوا يدعون العلم بالعلاج الروحاني
فحل عندهم يومين تحسنت صحته بعدهما، ربما بفعل الإيحاء الذاتي، لكن التحسن كان قصير الأجل. ولم يعد تعيين بدر في وظيفته السابقة في مصلحة الموانئ العراقية إلا في 11 تموز 1963
وكان مجرى الأحداث السياسية في العراق يسوء فحيث كان بدر يأمل أن يرى جبهة متضامنة تؤيد العهد الجديد الذي أطاح بقاسم، كان هناك صراع على السلطة. وكان البعثيون يحاولن السيطرة على البلاد، لكن الرئيس عبد السلام عارف والجيش أحبطا خططهم في تشرين الثاني 1963
وكان الصراع على السلطة يعتبر أهم من الوحدة الوطنية و تنفيذ الإصلاحات الواسعة التي وعدت بها ثورة 14 تموز 1958، وأعادت تأكيدها ثورة 41 رمضان 1382 8 شباط 1963
لكن بدرا كان قد بلغ به المرض حدا ما عاد به يقوى على الاهتمام. بل أنه كان يشعر كأنه أسير في سفينة قراصنة، أزيل ربانها وقام ثان طموح مكانه لن يلبث أن يزال أيضا، وهكذا باستمرار
وفي 29 تشرين الثاني 1963 كتب قصيدة أسير القراصنة يصف فيها حسرته لأنه مشلول، ويتمنى لو كان يستطيع المشي ويفضل ذلك على كونه شاعرا يعزف القيثار باسم الجراح ، ثم يقول لنفسه
و أنت في سفينة القرصان عبد أسير دونما أصفاد تقبع في خوف وإخلاد تصغي إلى صوت الوغى والطعان
سال دم
اندقت رقاب ومال
ربانها العملاق
وقام ثان بعده ثم زال
فامتدت الأعناق
لأي قرصان سيأتي سواه
و أي قرصان ستعلو يداه
حينا على الأيدي ؟
وليأت من بعدي
من بعدي الطوفان
تسمعها تأتيك من بعد
يحملها الإعصار عبر الزمان
وبدأت تنتابه، بالإضافة إلى ذلك، حالات إغماء وفقدان الوعي كانت تدوم ساعات فإذا صحا كان كامل الوعي متمالكا لقواه العقلية لا ينقصه شيء سوى قواه الجسدية. و أخيرا، وفي يوم الخميس الموافق للرابع و العشرين كانون الأول 1964 وقع في غيبوبة وفاضت روحه في الساعة الثالثة بعد الظهر.

محمد العمر
20/03/2009, 00h44
الشاعر بدر شاكر السياب
مؤلفاته
1-الكتب الشعريه

أزهارذابلة

أساطـير

حفار القبور

المومس العمياء

الأسلحة والأطفال

أنشودة المطر

المعبد الغريق

منزل الأقنان

أزهار وأساطير

شناشيل ابنة الجلبي

إقبال

إقبال وشناشيل ابنة الجلبي

الريح

أعاصير

الهدايا

البواكير

فجر السلام


2-الترجمات الشعرية

عيون الزا أو الحب و الحرب

قصائد عن العصر الذري

قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث

قصائد من ناظم حكمت



3-الترجمات النثرية



ثلاثة قرون من الأدب



الشاعر و المخترع و الكولونيل، مسرحية من فصل واحد لبيتر أوستينوف،

محمد العمر
20/03/2009, 14h06
الشاعر بدر شاكر السياب


انطباعات بعض الشعراء والنقاد عن بدر شاكر السياب


الشاعر
محمد مهدي الجواهري

لقد كنت يا بدر جسرا ذهبيا حيا يعبر عليه بثقة و إعجاب، ولطف و اعتزاز كل هذا الموكب الساحر من دنيا السعر العربي الفخم الضخم الخالد المنحدر عبر العصور إلى الضفة المقابلة من الأرض الجديدة التي تجاورت، وتفاهمت مع القمر في أجرأ محاولة، و أخصب تجربة حاولها الموهوبون للتدليل على أن الموسيقى في الحداء العربي وانسياب النغم ورقة الصياغة ومتانة السلاسل الذهبية إلى جانب نعومتها يمكن أن تنصب كلها في قوالب جديدة متطورة مستساغة دون أن نقصد أي شيء من خصائصها، ودون أن ترتج بها، وتتنافر معها، وتفيض عليها أو تتقلص عنها تلكم القوالب، و دون أن ترفضها الأرض الجديدة التي تحط عليها


الشاعر
بلند الحيدري - بسيطا مثل مدينته


عرفته واحدا بسيطا كمدينته، واضحا لكل شئ فيها. وكان من أكثر شعراء جيلنا قربا من الناس فأحبوه لحد العبادة و كرهوه لحد اللعنة. ولأنه كان واحدا منهم فقد أحب نفسه وكرهها من خلالهم، و من أجل ذلك يظل بدر شاعرا كبيرا.
انه لم يكن معنيا بالثقافة على نحو ذهني وتأملي منظم. إذ كانت شذرات منها تكفي لاستحثاث وجدانه وعندما اقرأ لبعض النقاد، وخصوصا من هم خارج العراق، أن ثقافة السياب كانت غزيرة، استغرب لهذا الحكم فالسياب لم يكن مفكرا، بقدر ما كان شاعرا جيدا


الناقد
نجيب المانع


لم يكن الفكر يحتل عنده مكان الصدارة، إذ لم يشكل عن العالم رؤيا منهجية أو موقفا تأمليا خالصا يتناول الملامح الواعية من الوجود المنهج و النظام لديه حسيان فقط، وميدانهما شكل القصيدة. وهذا أمر لا يجب أن يكون عيبا فهناك شعراء عظام، ثقافتهم بسيطة وأبرزهم بطبيعة الحال شكسبير، الذي هو أكبر شعراء الإنسانية
المقصود بالثقافة ليست القراءة وحدها و إنما التأمل المستند على القراءة و التجربة، ولم يكن السياب ذا أفكار كثيرة بل كان يمتلك حساسية شعرية فذة كانت قراءات السياب في الشعر بالدرجة الأولى وكان أسلوبه في الحديث انطباعيا وليس أسلوب المناظر الطويل النفس المستند إلى كشوفات وبناءات ذهنية.

الشاعر
أدونيس


بدر شاكر السياب من شهودنا الأول على الحضور: ولادة محتوى جديد، وولادة تعبير جديد من دلائل هذه الشهادة رفض الفصل بين التعبير و الحياة، الشكل و المحتوى
تجربة السياب مع ذلك، ريادة، بدءا منها ومعها أخذ ينشأ للشعر العربي الجديد وسط تعبيري جديد
هذه المفاجأة في شعر السياب، فعالة،. فشعره مسكون بهاجس التواصل مع الآخر بهاجس التغيير. يلتزم ويكافح، يريد أن يحقق وعيه الجديد، في الإنسان و الحياة يريد أن يعيد الزمن الذي أوقفه التقليد إلى مسيرته، أن يطلق في مجاري إيقاعه الجديد
هذه الفطرة هي التعويذة التي يحملها السياب في حياته وشعره لكي يتغلب على الفقر والجوع و العبودية والظلم كان السياب في بداياته يطلب الموت، وهو في نهاياته ينتظره، يدعوه بشيء من اليأس، خاضعا للسعادة الأبدية التي سميها القبر .


الشاعر
محمد الماغوط
ما يحز في قلبي أيضا و أيضا، هو أنني أستطيع التحدث طويلا عن بدر، و لكنني لا أستطيع كتابة كلمة نقد واحدة عن شعره، لأن النقد عندنا هو أكثر من مد الإصبع المملحة إلى مناطق النزف في العمل الفني

و لو افترضنا أن قيمة العمل الشعري تتوقف مثلا على ما سيلقيه الشاعر على قبر صغير في الصحراء لوجدنا أن السياب يلقي زهرة وغيره يلقي فراشة أما البعض من شعرائنا المرموقين فيلقون قاموسا

ولو اعتبرنا الفن ضريبة يدفعها الفنان عن حبه وكراهيته وسخطه وغبطته وغربته ووطنه، لكان السياب من أكبر دافعي الضرائب في شعرنا الحديث.


الشاعر والمسرحي والناقد
عصام محفوظ
لقد استحق السياب - مع قلة غيره- لقب الرائد في الحقل الشعري الجديد في السنوات العشر الماضية بقصائد (المسيح بعد الصلب) و(جيكور) و (المدينة) وغيرها حيث كان يسعف - على غير ما اعتاده شعراء النهضة- تجسده الرمز الأسطوري الذي كان يتخذه منطلقا للنظر إلى عالمه، وكان يكتسب صورة مزدوجة ذات مفتاح واحد للوصل في قلب هذا العالم وكان نجاحه الفني يتوقف على مقدرته في دمج الرمز بالواقع الحي المتفتح، مما كان يفتح الطريق أماه رحبة للدخول في ملكوت الشعر، حيث الشاعر محور العالم
لكن السياب ظل طرفا آخر مع العالم وبقي في شعره هذا الفاصل الذي يحاول الشاعر الحديث أن يتخلص منه ليوحد العالم فيه، الخارج بالداخل، اللانهائي بالنهائي
عالم الشاعر الحديث شامل وكلي وداخل في عناصر كل شيء، منها عناصر القصيدة، وعالم السياب جزئي ومقسم إلى موضوعات ذات نظام معين وبالرغم من اختلاف هذه الأجزاء وهذه الموضوعات مع إرادة السياب الشعرية إلا أن هذا الاختلاف يظل اختلافا على الأجزاء، ويظل شعر السياب وعالمه متقابلين ومتضادين معا
قصيدة السياب تراكم صور وانفعالات والقصيد الحديثة تكامل صور وانفعالات، ولكن السياب يدخل قلب الشعر عندما يتوحد مع رمزه أو عندما يصل بغنائيته إلى حد من الصفاء يخلق بعدين لوجه مزدوج يضع على مستوى واحد خلال حاجز واحد شفاف : العالم الواقعي وعالم ما بعد الموت، كما فعل في قصائد : (وفيقة) وهكذا تغتني العملية الشعرية البسيطة بالسير وبالحركة و النغم المتناوبين.

الشاعره
لميعه عباس عماره


لأول مرة التقيت به عند التحاقي بكلية دار المعلمين العالية السنة الدراسية (1947 - 1948) وامتدت علاقتي معه حتى صيف 1950 بعدها انقطعت حتى الرسائل بيننا.
ولأن حضوري في أي مكان كان يثير لدى البعض شيئاً من الفضول أو التباهي بما يعرفون عن الشاعر، كانت أخباره تأتيني من دون أن أسأل عنها.
ولا أقول أنني أتابع كل ما يكتب عنه، لأنه كثير، أحياناً ألمس بعض الأخطاء ولا أعلق عليها لأن بدر مادة غنية وربما صار أسطورة تحتمل الإضافات، ويضحكني أحياناً أن بعض من كانوا يحقدون عليه حسداً وغيرة يدعون أنهم كانوا أصدقاءه.
بدر شاكر السياب شعلة انطفأت قبل أن ينفد الزيت وثمرة قطعت قبل أن يتم نضجها.
ولم تنقطع متابعتي لما يكتب من جديد، وبخاصة مقالاته في الجريدة على الأقل لأرى موقعي من شتائمه.
وللحق، لم تكن كل مقالاته شتائم، كانت أحياناً ترجمات عن الأدب الانكليزي، عرفت أخيراً ان المترجم هو أخو صديقة لي هي الست بدور مدرِّسة لغة عربية قديرة، وأخوها يشتغل مترجماً في السفارة الأميركية اسمه عبد المسيح، سمعت هذا على لسانه بحضور شقيقته، ذكر ان مكافأة المقالة الواحدة كانت مئة دينار عراقي نظراً لأهمية توقيع بدر.

المؤلف والناقد والرسام
جبرا ابراهيم جبرا


لعل بدر شاكر السياب كان أول من يرضى بأن تبدأ أسطورته بموته. فالأسطورة فيما يخص كبار المبدعين نوع من استنباع المعاني الحية من الشتات الذي يملأ حياته، وطريقة تتم، على مر السنين دونما إرادة من أحد لجمع هذه المعاني في كل متصل، مبلور
يقول الشاعر الإنكليزي جون كيتس في إحدى رسائله : حياة شكسبير قصة رمزية و ما كتاباته إلا الشرح و التعليق عليها.
وهذا القول ينطبق على السياب. فنحن قد نعرف الكثير عن حياته، ولكن لابد لنا، لإدراك أغوارها، من استخلاص وقائع تجربته الداخلية، تجربته الذهنية و النفسية، من قصائده، التي هي ولاريب تعليق وشرح مستمران عليها. وإذا فعلنا ذلك وجدنا أنه لا يبقى ثمة تناقض يذكر في حياته، ذلك التناقض الذي يخيل إلى البعض أنهم يرونه فيه.
كان في حياة السياب من الدرامة شيء كثير دراسته، صباه في جيكور فقره غرامياته سياسياته اعتقالاته خيباته، فدائياته، عذابه الأيوبي الأخير، كلها درامه متصاعدة يحتل هو فيها بؤرة ملتهبة وقصائده
لذلك قد تؤخذ كلها معا كمأساة درامية متكاملة تسترسل، وتنمو، وتتصاعد، نحو ذروة من ذرى التجربة الإنسانية الرامزة إلى الحياة البشرية: في ظرف معين من التاريخ في ربع قرن من زمان مفعم بالأحداث و التفجرات، وفي ظرف مطلق، هو ظرف الحياة العربية الجديدة، أو ظرف الحياة الإنسانية في أي زمان .
هنا يكمن السر في عبقرية بدر، ذلك السر الذي يغرينا، وسيغري الأجيال القادمة، بالبحث و التقول والتأويل في اتجاهات كثيرة. انه السر الذي يلازم الكتابات العظيمة، فيجعلها في توهج دائم. وهو السر الذي يجمع بين أناس غدو بعد موتهم أشبه بالأساطير .

محمد العمر
20/03/2009, 14h18
الشاعر بدر شاكر السياب

جيكور أمي

تلك أمي و إن أجئها كسيحا

لأثما أزهارها و الماء فيها و الترابا
و نافضا بمقلتي أعشاشها و الغابا
تلك أطيار الغد الزرقاء و الغبراء يعبرن السطوحا
أو ينشرن في بويب الجناحين كزهرة يفتح الأفوافا
ها هنا عند الضحى كان اللقاء
و كانت الشمس على شفاهها تكسر الأطيافا
و تسفح الضياء
كيف أمشي أجوب تلك الدروب الخضر فيها و أطرق
الأبوابا
أطلب الماء فتأتيني من الفخار جره
تنضح الظل للبرود الحلو قطرة
بعد قطره
تمتد بالجرة لي يدان تنشران حول رأسي الأطيابا
هالتي تلك أم (وفيقة ) أم ( إقبال )
لم يبق لي سوى أسماء
من هوى مر كرعد في سمائي
دون ماء
كيف أمشي خطاي مزقها الداء كأني عمود
ملح يسير
أهي عامورة الغوية أو سادوم
هيهات إنها جيكور
جنة كان الصبي فيها و ضاعت حين ضاعا
آه لو أن السنين السود قمح أو ضخور
فوق ظهري حملتهن لألقيت بحملي فنفضت جيكور
عن شجيراتها ترابا يغشيها و عانقت معزفي ملتاعا
يجهش الحب به لحنا فلحنا
و لقاء فوداعا
آه لو أن السنين الخضر عادت يوم كنا
لم نزل بعد فتيين لقبلت ثلاثا أو رباعا
و جنتي ( هالة ) و الشهر الذي نشر أمواج الظلام
في سيول من العطور التي تحمل نفسي إلى بحار عميقة
و لقبلت برعم الموت ثغرا من وفيقة
و لأوصلتك يا ( إقبال ) في ليلة رعد و رياح وقتام
حاملا فانوسي الخفاق تمتد الظلال
منه أو تقصر إذ برعش في ذاك السكون
ذلك الصمت سوى قعقعة الرعد
سوى خفق الخطى بين التلال
و حفيف الريح في ثوبك أو وهوهة الليل مشى بين
الغصون
و لعانقتك عند الباب ما أقسى الوداع
أه لكن الصبى و لى و ضاع
الصبى و الزمان لن يرجعا بعد
فقري يا ذكريات و نامي

محمد العمر
20/03/2009, 14h22
الشاعر بدر شاكر السياب

إقبال و الليل

و ما وجد ثكالي مثل وجدي إذا الدجى
تهاوين كالأمطار بالهم و السهد
أحن إلى دار بعيد مزارها
وزغب جياع يصرخون على بعد
و أشفق من صبح سيأتي و أرتجي
مجيئا يجلو من اليأس و الوجد
الليل طار و نهاري حين يقبل بالقصير
الليل طال نباح آلاف الكلاب من الغيوم
ينهل ترفعه الرياح برن في الليل الضرير
و هتاف حراس سهارى يجلسون على الغيوم
الليل و اعشاق ينتظرون فيه على سنا النجم الأخير
يا ليل ضمخك العراق
بعبير تربته و هدأة مائه بين النخيل
إني أحسك في الكويت و أنت تثقل بالأغاني و الهديل
أغصانك الكسلى و يا ليل طويل
ناحت مطوقة بباب الطاق في قلبي نذكر بالفراق
في أي نجم مطفأ الأنوار يخفق في المجرة
ألقت بي الأقدار كالحجر الثقيل
فوق السرير كأنه التابوت لولا أنه ودم
يراق
في غرفة كالقبر في أحشاء مستشفى حوامل
بالأسة
يا ليل أين هو العراق
أين الأحبة أين أطفالي وزوجي و الرفاق
يا أم غيلان الحبيبة صوبي في الليل نظرة
نحو الخليج تصوريني أقطع الظلماء وحدي
لولاك ما رمت الحياة و لا حننت إلة الديار
حببت لي سدف الحياة مسحتها بسنا النهار
لم توصدين الباب دوني بالجواب القفار
وصل المدينة حين أطبقت الدجى و مضى النهار
و الباب أغلق فهو يسعى في الظلام بدون قصد
و خوض في الظلماء سمعي تشده
بجيكور آهات تحدرن في المد
بكاء و فلاحون جوعى صغارهم
تصبرهم عذراء تحنو على مهد
يغني أساها خافق النجم بالأسى
و تروي هواها نسمة الليل بالورد
أين الهوى مما ألاقي و الأسى مما ألاقي
يا ليتني طفل يجوع يئن في ليل العراق
أنا ميت ما زال يحتضر الحياة
و يخاف من غده المهدد بالمجاعة و الفراق
إقبال مدي لي يديك من الدجى و من الفلاه
جسي جراحي و امسحيها بالمحبة و الحنان
بك ما أفكر لا بنفسي مات حبك في ضحاه
و طوى الزمان بساط عرسط و الصبي في
العنفوان

محمد العمر
20/03/2009, 14h27
الشاعر بدر شاكر السياب

أم كلثوم و الذكرى

و أشرب صوتها فيغوص من روحي إلى القاع
و يشعل بين أضلاعي
غناء من لسان النار يهتف سوف أنساها
و أنسى نكبتي بجفائها و تذوب أوجاعي
و أشرب صوتها فكأن ماء بويب يسقيني
و أسمع من وراء كرومه و رباه ها ها هو
ترددها الصبايا السمر من حين إلى حين
و أشرب صوتها فكأن زورق زفة و أنين مزمار
تجاوبه الدرابك يعبران الروح في شفق من النار
يلوح عليه ظل وفيقة الفرعاء أسود يزفر الآها
سحائب من عطور من لحون دون أوتار
و أشرب صوتها فيظل يرسم في خيالي صف أشجار
أغازل تحتها عذراء أواها
على أيامي الخضراء بعثرها وواراها
زواج ليت لحن العرس كان غناء حفار
و قرعا للمعاول و هي تحفر قبري المركوم منه القاع بالطين
و أذكرها و كيف ( و جسمها أبقى على جسمي
عبيرا منه دفئا غلف الأضلاع ) أنساها
أأنساها أأنسى ضحكة رعشت على لحمي
و أعصابي و كفا مسحت وجهي برياها
قساة كل من لاقيت لا زوج ولد
و لا خل و لا أب أو أخ فيزيل من همي
و لكن ما تبقى بعد من عمري و ما الأبد
بعمري
أشهر و يريحني موت فأنساها

محمد العمر
20/03/2009, 14h31
الشاعر بدر شاكر السياب



أغنية بنات الجن


شعورنا بللها المطر
و أشعل القمر
فيها فوانيس فيا قوافل الغجر
بشعرنا اهتدى
سيري إلى السحر
سيري إلى الغد
نحن بنات الجن لا ننام
نهيم في الظلام
على ذرى التلال أو نركض في المقابر
نعشق كل عابر
نسمعه أغاني الشباب و الغرام
إن نزلت صبية فيها من البشر
و أوحشتها وحدة القبور أو دجنة الحفر
سرت أغانينا إليها تعبر التراب
تقول إن عريت فالثياب
تنسجها عناكب الشجر
و كل خيط من خيوطها يرن كالوتر
نامي إلى أن يؤذن القدر
و يحشر الموتى إلى الحساب
حبيبك الوفي مس ثغره ابتسام
فقد رأى سواك
بل رآك في قوامها الندي كالزهر
و هدبها و مقلتيها أشعل الهيام
في عينه السهر
رآك فيها فاشتهاك ليته انتظر
نلوح للطفل فراشات من الشعاع
تخفق في ذوائب الشجر
و يلمح العاشق في عيوننا الوداع
إذ يصفر القطار أو يصفق الشراع
و نحن للشاعر إن شعر
نلوح في الدخان و العقار
ننشد فلك سندباد ضل في البحر
حتى أتى جزيرة يهمس في شطآنها المحار
يهمس عن مليكة يحبها القمر
فلا يغيب عن سماء دارها النضار
فيهتف الشاعر خذنني إلى حماها
لأنني أهواها
لأنني القمر
و جن و انتحر
شعورنا بللها المطر
و يرشف القمر
منها إلى أن يقبل السحر
نركض في المقابر
نضل كل شاعر
و كل من عبر

محمد العمر
20/03/2009, 14h34
الشاعر بدر شاكر السياب

شناشيل ابنة الجلبي

و أذكر من شتاء القرية النضاح فيه النور

من خلل السحاب كأنه النغم
تسرب من ثقوب العزف ارتعشت له الظلم
و قد غنى صباحا قبل فيم اعد طفلا كنت
ابتسم
لليلي أو نهاري اثقلت اغصانه النشوى عيون الحور
و كنا جدنا الهدار يضحك او يغني في ظلال الجوسق
القصب
و فلاحيه ينتظرون غيثك يا اله و أخوتي في
غابة اللعب
يصيدون الأرانب و الفراش و أحمد الناطور
نحدق في ظلال الجوسق السمراءفي النهر
و نرفع للسحاب عيوننا سيسيل بالقطر
و أرعدت السماء فرن قاع النهر و ارتعشت ذرى السعف
وأشعلهن و مض البرق أزرق ثم أاخضر ثم تنطفئ
و فتحت السماء لغيثها المدرار بابا بعد باب
عاد منه النهر و هو ممتلئ
تكلله الفقائع عاد أخضر عاد أاسمر عص
بالأنعام و اللهف
و تحت النخل حيث تظل تمطر كل ما سعفه
تراقصت الفقائع و هي تفجر انه الرطب
تساقط في يد العذراء و هي تهز في لهفه
بجذع النخلة الفرعاء تاج و ليدك الانوار ال الذهب
سيصلب منه حب الاخرين سيبرئ الاعمى
و يبعث في قرار القبر ميتا هذه التعب
من السفر الطويل الى ظلام الموت يكسو عظمه اللحما
و يوقد قلبه الثلجي فهو بحبه يثب
و ابرقت السماء فلاح حيث تعرج النهر
و طاف معلقا من دون اس يلثم الماء
شناشيل ابنة الجلبي نور حوله الزهر
عقود ندى من اللبلاب تسطع منه بيضاءا
و اسية الجميلة كحل الاحداق منها الوجد و السهر
يا مطرا يا حلبي
عبر بنات الجلبي
يا مطرا يا شاشا
عبر بنات الباشا
يا مطرا من ذهب
تقطعت الدروب مقص هذا الهاطل المدرار
قطعها و وراها
و طوقت المعابر من جذوع النخل في الأمطار
كغرقى من سفينة سندباد كقصة خضراء ارجأها و خلاها
الى الغد أحمد الناطور وهو يدير في الغرفة
كؤوس الشاي يلمس بندقيته و يسعل ثم يعبر طرفه
الشرفه
و يخترق الظلام
و صاح يا جدي أخي الثرثار
انمكث في ضلام الجوسق المبتل ننتظر
متى يتوقف المطر
و ارعدت السماء فطار منها ثمة انفجرا
شناشيل ابنة الجلبي
ثم تلوح في الافق
ذرى قوس السحاب و حيث كان يسارق النظر
شناشيل الجميلة لا تصيب العين الا حمرة الشفق
ثلاثون انقضت و كبرت كم حب و كم وجد
توهج في فؤادي
غير اني كلما صفقت يدا الرعد
مددت الطرف ارقب ربما ائتلق الشناشيل
فأبصرت ابنة الجلبي مقبلة الى وعدي
و لم ارها هواء كل اشواقي اباطيل
و نبت دونما ثمر و لا ورد

محمد العمر
20/03/2009, 14h40
الشاعر بدر شاكر السياب

أنشودة المطر

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء .. كالأقمار في نهر
يرجّه المجداف وهنا ساعة السّحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف
و الموت و الميلاد و الظلام و الضياء
فتستفيق ملء روحي رعشة البكاء
.كنشوة الطفل إذا خاف من القمر
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
.. وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكركر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر
مطر
مطر
تثاءب المساء و الغيوم ما تزال
تسح ما تسحّ من دموعها الثقال
كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه - التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لج ّفي السؤال
قالوا له : ' بعد غد تعود' -
لابد أن تعود
و إن تهامس الرفاق أنّها هناك
في جانب التلّ تنام نومة اللحود
تسفّ من ترابها و تشرب المطر
كأن صيادا حزينا يجمع الشّباك
ويلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
المطر
المطر
أتعلمين أيّ حزن يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع؟
بلا انتهاء_ كالدّم المراق، كالجياع
كالحبّ كالأطفال كالموتى - هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم و المحار
كأنها تهمّ بالبروق
فيسحب الليل عليها من دم دثار
أصيح بالخيلج : ' يا خليج
'يا واهب اللؤلؤ و المحار و الرّدى
فيرجع الصدى
كأنه النشيج
يا خليج'
' يا واهب المحار و الردى
أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
و يخزن البروق في السهول و الجبال
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرّجال
لم تترك الرياح من ثمود
في الواد من اثر
أكاد اسمع النخيل يشرب المطر
و اسمع القرى تئن و المهاجرين
يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع
عواصف الخليج و الرعود منشدين
مطر
مطر
مطر
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشّوان و الحجر
رحى تدور في الحقول … حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا - خوف أن نلام - بالمطر
مطر
مطر
و منذ أن كنا صغارا، كانت السماء
تغيم في الشتاء
و يهطل المطر
وكل عام - حين يعشب الثرى- نجوع
ما مرّ عام و العراق ليس فيه جوع
مطر
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنّة الزّهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على ف الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
مطر
مطر
مطر
. سيعشب العراق بالمطر
أصيح بالخليج يا خليج
'يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
كأنّه النشيج
يا خليج
يا واهب المحار و الردى
وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال رغوه الاجاج و المحار
و ما تبقى من عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج و القرار
و في العراق ألف أفعى تشرب الرّحيق
من زهرة يربها الرفات بالنّدى
و اسمع الصدى
يرنّ في الخليج
مطر'
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنّة الزّهر
وكل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حُلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
ويهطل المطر

محمد العمر
20/03/2009, 14h43
الشاعر بدر شاكر السياب


المسيح بعد الصلب
بعدما أنزلوني سمعت الرياح
في نواح طويل تسف النخيل
و الخطى و هي تنأى إذن فالجراح
و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
لم تمتني و أنصتّ كان العويل
يعبر السهل بيني و بين المدينة
مثل حبل يشدّ السفينة
و هي تهوي إلى القاع كان النواح
مثل خيط من النور بين الصباح
و الدجى في سماء الشتاء الحزينة
ثم تغفو على ما تحسّ المدينة
حينما يزهر التوت و البرتقال
حيت تمتدّ جيكور حتى حدود الخيال
حين تخضرّ عشبا يغنّي شذاها
و الشموس التي أرضعتها سناها
حين يخضرّ حتى دجاها
يلمس الدفء قلبي فيجرى دمي في ثراها
قلبي الشمس إذ تنبض الشمس نورا
قلبي الأرض تنبض قمحا وزهرا و ماء نميرا
قلبي الماء قلبي هو السنبل
موته البعث يحيا بمن يأكل
في العجين الذي يستدير
ويدحى كنهد صغير كثدي الحياه
متّ بالنار أحرقت ظلماء طيني فظلّ الإله
كنت بدءا و في البدء كان الفقير
متّ كي يؤكل الخبز باسمي لكني يزرعوني مع الموسم
كم حياة سأحيا ففي كل حفرة
صرت مستقبلا صرت بذره
ذرت جيلا من الناس في كل قلب دمي
قطرة منه أو بعض قطرة
هكذا عدت فاصفرّ لما رآني يهوذا
فقد كنت سره
كأن ظلا قد اسود مني و تمثال فكره
جمّدت فيه و استلّت الروح منها
خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه
عيناه صخرة
راح فيها يواري عن الناس قبره
خاف من دفنها من محال عليه فخبّر عنها
أنت أم ذاك ظلي قد أبيضّ وارفضّ نورا
أنت من عالم الموت تسعى هو الموت مرّه
هكذا قال آباؤنا هكذا علمونا فهل كان زورا
ذاك ما ظنّ لما رآني و قالته نظرة
قدم تعدو قدم قدم
القبر يكاد بوقع خطايا ينهدم
أترى جاءوا من غيرهم
قدم قدم قدم
ألقيت الصخر على صدري
أو ما صلبوني أمس فها أنا في قبري
فليأتوا إني في قبري
من يدري أني من يدري
ورفاق يهوذا من سيصدق ما زعموا
قدم قدم
ها أنا الأن عريان في قبري المظلم
كنت بالأمس ألتف كالظن كالبرعم
تحت أكفاني الثلج يخضل زهر الدم
كنت كالظل بين الدجى و النهار
ثم فجرت نفسي كنوزا فعرّيتها كالثمار
حين فصلت جيبي قماطا و كمّي دثار
حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار
حين عريت جرحي و ضمدت حرجا سواه
حطم السور بيني و بين الإله
فاجأ الجند حتى جراحي و دقات قلبي
فاجأوا كل ما ليس موتا و إن كان في مقبرة
فاجأوني كما فاجأ النخلة المثمرة
سرب من الطير في قرية مقفرة
أعين البندقيات يأكلن دربي
شرع تحلم النار فيها بصلبي
إن تكن من حديد و نار فأحداق شعبي
من ضياء السماوات من ذكريات و حب ّ
تحمل العبء عني فيندى صليبي فما أصغر
ذلك الموت موتي و ما أكبره
بعد أن سمّروني و ألقيت عينيّ نحو المدينة
كدت لا أعرف السهل و السور و المقبرة
كان شيء مدى ما ترى العين
كالغابة المزهرة
كان في كلّ مرمى صليب و أم حزينة
قدس الربّ
هذا مخاض المدينة

محمد العمر
21/03/2009, 19h27
الشاعر بدر شاكر السياب


ها ها هو

تنامين أنتِ الآن و الليل مقمرُ
أغانيهِ أنسامٌ وراعيهِ مزهرُ
و في عالم الأحلام من كلِ دوحةٌ
تلقاك معبرُ
و بابٌ غفا بين الشجيرات أخضرُ
لقد أثمر الصمت الذي كان يثمرُ
مع الصبح بالبوقات أو نوحِ بائعِ
بتينً من الذكرى و كرمً يقطرُ
على كلِ شارعِ
فيحسو و يسكرُ
برفقٍ فلا يهذي و لا يتنمرُ
رأيتُ الذي لو صدقَ الحلمُ نفسهُ
لمد لكِ الفما
و طوقَ خصراً منكِ و احتازَ معصما
لقد كنتِ شمسهُ
و شاء احتراقاً فيكِ فالقلبُ يصهرُ
فيبدو على خديكِ و الثغر أحمرُ
و في لهفً يحسو و يحسو فيسكرُ
لقد سئِمَ الشِعر الذي كان يكتبُ
كما مل أعماق السماء المذنبُ
فأدمى و أدمعا
حروبٌ و طوفانٌ بيوتٌ تدمرُ
و ما كان فيها من حياةً تصدعا
لقد سئِم الشعر الذي ليس يذكرُ
فأغلق للأوزانِ باباً وراءهِ
و لاحَ له ُبابٌ من الآس أخضرُ
أرادَ دخولاً منهُ في عالم الكرى
ليصطاد حلماً عينيكِ يخطرُ
و هيهات يقدرُ
من النفس من ظلمائها راحَ ينبعُ
و ينثال نهرٌ سالَ فانحل مئزرُ
من النور عن وضاءَ تخبو و تظهرُ
وفي الضفةِ الأخرى تحسينَ صوتهُ
فما كان يسمعُ
كما يشعُر الأعمى إذ النور يظهرُ
يناديكِ
ها هو هوه
ماءٌ و يقطرُ
من السعفة النشوى
بما شربت من غيمةٍ نثها نجوى
و أصداءُ أقدامٍ إلى الله تعبرُ
و ناديتِ ها هو هوه لم ينشر الصدى
جناحيهِ أو يبكِ الهواء المثرثرُ
و نادى ورددا
ها هو هوه
و فتّحتِ جفناً و هو ما زالَ ينظرُ
ينادي و يجأرُ

القصيده بصوت شاعرنا
ملاحظة:الملف الصوتي مرفوع مسبقاً
من قبل الأخ هاني حازم فحق الرفع يرجع لهُ

محمد النوري
06/05/2009, 18h49
حبيبي أستاذ محمد العمر.....كفيت ووفيت ...والله موضوع رائع وعاشت إيدك يامبدع ورحم الله شاعرنا الكبير أبا غيلان..

عاشق رفعت
02/09/2010, 11h35
ابن الشــــــــــهيد

و تراجع الطوفان لملم كل أذيال المياه
و تكشف قمم التلال سفوحها و قرى السهول
أكواخها و بيوتها خرب تناثر في فلاه
عركت نيوب الماء كل سقوفها و مشى الذبول
فيما يحيط بهن من شجر فآه
آه على بلدي عراقي : أثمر الدم في الحقول
حسكا و خلف جرحة التتري ندبا في ثراه
يا للقبور كأن عاليها سفلا و غار إلى الظلام
مثل البذور تنام ظلم الثمار و لا تفيق
يتنفس الأحياء فيها كل وسوسة الرغام
حتى يموتوا في دجاها مثلما اختنق الغريق

جثث هنا ودم هناك
وفي بيوت النمل مد من الجفون
سقف يقرمده النجيع و في الزوايا
صفر العظام من الحنايا
ماذا تخلف في العراق سوى الكآبه و الجنون
أرأيت أرملة الشهيد
الوزج مد عليه من ترب لحافا ثم نام
متمددا بأشد ما تجد العظام
من فسحة سكنت يداه على الأضالع
و العيون
تغفو إلى أبد الإله إلى القيامة في سلام
رمت الرداء العسكري و نشرته على الوصيد
لثمته فانتفض القماش يرد برد الموت
برد المظلمات من القبور
يا فكرها عجبا ثقبت بنارك الأبد البعيد
يا فكر شاعرة يفتش عن قواف للقصيد
ماذا وجدت وراء أمسي و عبر يومّك من دهور
الثأر يصرخ كل عرق كل باب
في الدار يا لفم تفتّح كالجحيم من الصخور
من كل ردن في الرداء من النوافذ و الستور
من عيني ابنك يا شهيد تسائلان بلا جواب
عنك الأسرة و الدروب و تسألان عن المصير
مذ ألبسته الأم ثوبك في معاركك الأثير
و يداه في الردنين ضائعتان و الصدر الصغير
في صدرك الأبوي عاصفة تغلف بالسحاب
ورنا إلى المرآة
أبصرت فيه شخصك في الثياب
أبني كان أبوك نبعا من لهيب من حديد
سوراً من الدم و الرعود
ورماه بالأجل العميل فخر واها كالشهاب
لكن لمحا منه شع وفض اختام الحدود
و أضاء وجه الفوضوي ينز بالدم و الصديد
و كأن في أفق العروبة منه خيطا من رغاب
و تنفس الغد في اليتيم و مد في عينيه شمسه
فرأى القبور يهب موتاهن فوجا بعد فوج
أكفانها هرئت
و لكن الذي فيها يضم إليه أمسه
ويصيح يا للثار يا للثار
يصدى كل فج
و ترنّ أقيبة المساجد و المآذن بالنداء
و ينام طفلك و هو يحلم بالمقابر و الدماء
ربيــــــــع الجـــــــزائر


سلاما بلاد اللظى و الخراب
و مأوى اليتامى و أرض القبور
أتى الغيث و انحلّ عقد السحاب
فروى ثرى جائعا للبذور
و ذاب الجناح الحديد
على حمرة الفجر تغسل في كل ركن بقايا شهيد
و تبحث عن ظامئات الجذور
و ما عاد صبحك نارا تقعقع غضبي و تزرع ليلا
و أشلاء قتلى
و تنفث قابيل في كلّ نار يسفّ الصديد
و أصبحت في هدأة تسمعين نافورة من هتاف

لديك يبشّر أن الدّجى قد تولى
و صبحت تستقبلين الصباح المطلاّ
بتكبيرة من ألوف المآذن كانت تخاف
فتأوي إلى عاريات الجبال
تبرقع أصداءها بالرمال
بماذا ستستقبلين الربيع ؟
ببقيا من الأعظم البالية
لها شعلة رشّت الدالية
تعير العناقيد لون النجيع
وفي جانبي كل درب حزين
عيون تحدّق تحت الثرى
تحدق في عورة العاجزين
لو تستطيع الكلام
لصبّت على الظالمين
حميما من اللعنات من العار من كل غيظ دفين
ربيعك يمضغ قيح السلام
بيوتك تبقى طوال المساء
مفتّحة فيك أبوابها
لعل المجاهد بعد انطفاء اللهيب و بعد النوى و العناء
يعود إلى الدار يدفن تحت الغطاء
جراحا يفرّ إليه الصغار ترفرف أثوابها
يصيحون بابا فيفطر قلب المساء
و ماذا حملت لنا من هديّة
غدا ضاحكا أطلعته الدماء
و كم دارة في أقاصي الدروب القصيّة
مفتحة الباب تقرعه الريح في آخر الليل قرعا
فتخرج أو الصغار
و مصباحها في يد أرعش الوجد منها
يرود الدجى ما أنار
سوى الدرب قفر المدى و هي تصغى و ترهف سمعا
و ما تحمل الريح إلا نباح الكلاب البعيد
فتخفت مصباحها من جديد
و لما استرحنا بكينا الرفاق
هماس لأنبييس عبر القرون
وها أنت تدمع فيك العيون
و تبكين قتلاك
نامت وغى فاستفاق
بك الحزن عاد اليتامى يتامى
ردى عاد ما ظنّ يوما فراق
سلاما بلاد الثكالى بلاد الأيامى
سلاما
سلاما
قصـــــــيدة إلى العـــــــراق الثــــــــائر



عملاء قاسم يطلقون النار آه على الربيع
سيذوب ما جمعوه من مال حرام كالجليد
ليعود ماء منه تطفح كل ساقية يعيد
ألق الحياة إلى الغصون اليابسات فتستعيد
ما لص منها في الشتاء القاسمي فلا يضيع
يا للعراق
يا للعراق أكاد ألمح عبر زاخرة البحار
في كل منعطف و درب أو طريق أو زقاق
عبر الموانئ و الدروب
فيه الوجوه الضاحكات تقول قد هرب التتار
و الله عاد إلى الجوامع بعد أن طلع النهار

طلع النهار فلا غروب
يا حفصة ابتسمي فثغرك زهرة بين السهوب
أخذت من العملاء ثأرك كف شعبي حين ثار
فهوى إلى سقر عدو الشعب فانطلقت قلوب
كانت تخاف فلا تحن إلى أخ عبر الحدود
كانت على مهل تذوب
كانت إذا مال الغروب
رفعت إلى الله الدعاء ألا أغثنا من ثمود
من ذلك المجنون يعشق كل أحمر فالدماء
تجري و ألسنة اللهيب تمد يعجبه الدمار
أحرقه بالنيران تهبط كالجحيم من السماء
و اصرعه صرعا بالرّصاص فإنّه شبح الوباء
**
هرع الطبيب إليّ آه لعلّه عرف الدواء
للداء في جسدي فجاء
هرع الطبيب إليّ و هو يقول ماذا في العراق
الجيش ثار و مات قاسم أيّ بشرى بالشّفاء
و لكدت من فرحي أقوم أسير أعدو دون داء
مرحى له أي انطلاق
مرحى لجيش الأمة العربية انتزع الوثاق
يا أخوتي بالله بالدم بالعروبة بالرجاء
هبّوا فقد صرع الطغاة و بدّد الليل الضياء
فلتحرسوها ثورة عربيّة صعق الرّفاق
منها وخر الظالمون
لأن تموز استفاق
من بعد ما سرق العميل سناه فانبعث العراق


يـــــــوم الطــــــغاة الأخــــــــير


إلى الملتقى و انطوى الموعد
و ظل الغد
غد الثائرين القريب
يدا بيد من غمار اللهيب
سنرقى إلى القمة العالية
و شعرك حقل حباه المغيب
أزاهير القانية
نرى الشمس تنأى وراء التلال
و بين الظلال
قد رف مثل الجناح الكسير
على كومة منحطام القيود

على عالم بائد لن يعود
سناها الأخير
تقولين لي هل رأيت النجوم
أأبصرتها قبل هذا المساء
لها مثل هذا السّنا و النّقاء
تقولين لي هل رأيت النجوم
و كم أشرقت قبل هذا المساء
على عالم لطخته الدماء
دماء المساكين و الأبرياء
تقولين لي هل رأيت النجوم
تطل على أرضنا و هي حرّه
لأول مرّة
نعم أمس حين التفتّ إليك
تراءين كالهجس في مقلتيك
و إذ يستضيء المدى بالحريق
فيندكّ سجن و يجلى طريق
و يذكي بأطيافه الدافئة
محيّاك باللهفة الهانئة
تقولين نحن ابتداء الطريق
و نحن الذين اعتصرنا الحياة
من الصّخر تدمى عليه الجباه
و يمتص ريّ الشفاه
من الموت في موحشات السجون
من البؤس من خاويات البطون
لأجيالها الآتية
لنا الكوكب الطالع
و صبح الغد الساطع
وآصاله الزاهيه

عاشق رفعت
02/09/2010, 11h58
نســـــــــيم من القــــــــبر

نسيم الليل كالآهات من جيكور يأتيني
فيبكيني
بمب نفثته أمي فيه من وجد و أشواق
تنفس قبرها المهجور عنها قبرها الباقي
على الأيام يهمس بي تراب في شراييني
ودوزد حيث كان دمي و أعراقي
هباء من خيوط العنكبوب و أدمع الموتى
إذا ادكروا خطايا في ظلام الموت ترويني
مضى أبد و ما لمحتك عيني
ليت لي صوتا
كنفح الصور يسمع وقعه الموتى هو المرض

تفك منه جسمي وانحنت ساقي
فما أمشي و لم أهجرك إني أعشق الموتا
لأنك منه بعض أنت ماضي الذي يمض
إذا ما اربدت الآفاق في يومي فيهديني
أما رن الصدى في قبرك المنهار من دهليز مستشفى
صداي أصيح من غيبوبة التخدير أنتقض
على ومض المشارط حين سفت من دمي سفا
و من لحمي أما رن الصدى في قبرك المنهار
و كم ناديت في أيام سهدي أو ليلليه
أيا أمي تعالي فالمسي ساقي و اشفيني
يئن الثلج و الغربان تنعب من طوى فيه
و بين سريري المبتل حتى القاع بالأمطار
و قبرك تهدر الأنهار
و تصطخب البحار إلى القرار يخضها الإعصار
أما حملت إليك الريح عبر سكينة الليل
بكاء حفيدتيك من الطوى و حفيدك الجوعان
لقد جعنا و في صمت حملنا الجوع و الحرمان
و يهتك سرنا الأطفال ينتحبون من ويل
أفي الوطن الذي آواك جوع ؟ أيما أحزان
تؤرق أعين الأموات
لا ظلم و لا جور
عيونهما زجاج للنوافذ يخنق الألوان
هناك لكل ميت منزل بالصمت مستور
و لكنا هنا عصفت بنا الأقدار من ظل
إلى ظل و من شمس إلى شمس يغيب النور
على شرفات بيت ضاحكات ثم يشرق و هي أطلال
و يخفق حيث كركر أمس أطفال
صرير للجنادب هامسات إنه المقدور
تصدع برج بابل منه و انهدمت صخور السور
أما حملت إليك الريح عبر سكينة الليل
بكاء حفيدتيك من الطوى يعلو من السهل


رســــــــالة من مقــــــــــــبرة

من قاع قبري أصيح
حتى تئن القبور
من رجع صوتي و هو رمل و ريح
من عالم في حفرتي يستريح
مركومة في جانبيه القصور
و فيه ما في سواه
إلا دبيب الحياه
حتى الأغاني فيه حتى الزّهور
و الشمس إلا أنها لا تدور
و الدّود نخار بها في ضريح
من عالم قي قاع قبري أصيح

لا تيأسوا من مولد أو نشورا
النور من طين هنا أو زجاج
قفل على باب سور
النور في قبري دجى دون نور
النور في شباك داري زجاج
كم حدّقت بي خلفه من عيون
سوداء العار
يجرحن بالأهدالب أسراري
فاليوم داري لم تعد داري
و النور في شبّاك داري ظنون
تمتص أغواري
و عند بابي يصرخ الجائعون
في خبزك اليومي دفء الدّماء
فاملأ لنا في كل يوم و عاء
من لحمك الحي الذي نشتهيه
فنكهة الشمس فيه
و فيه طعم الهواء
و عند بابي يصرخ الأشقياء
أعصر لنا من مقلتيك الضياء
فأننا مظلمون
و عند بابي يصرخ المخبرون
و عر هو المرقى إلى الجلجلة
و الصخر يا سيزيف ما أثقله
سيزيف إن الصخرة الآخرون
لكنّ أصواتا كقرع الطبول
تنهلّ في رمسي
من عالم الشمس
هذي خطى الأحياء بين الحقول
في جانب القبر الذي نحن فيه
أصداؤها الخضراء
تنهلّ في داري
أوراق أزهار
من عالم الشمس الذي نشتهيه
أصداؤها البيضاء
يصدعن من حولي جليد الهواء
أصداؤها الحمراء
تنهل في داري
شلال أنوار
فالنور في شبّاك داري دماء
ينضحن من حيث التقى بالصخور
في فوهة القبر المغطاه سور
هذا مخاض الأرض لا تيأسي
بشراك يا أجداث حان النشور
بشراك في وهران أصداء صور
سيزيف ألقى عنه العبء الدّهور
و استقبل الشمس على الأطلس
آه لوهران التي لا تثور
لأنّــــــــي غريــــــب


لأنّي غريب
لأنّ العراق الحبيب
بعيد و أني هنا في اشتياق
إليه إليها أنادي : عراق
فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجر عنه الصدى
أحسّ بأني عبرت المدى
إلى عالم من ردى لا يجيب
ندائي
و إمّا هززت الغصون
فما يتساقط غير الردى

حجار
حجار و ما من ثمار
و حتى العيون
حجار و حتى الهواء الرطيب
حجار يندّيه بعض الدم
حجار ندائي و صخر فمي
و رجلاي ريح تجوب القفار

عاشق رفعت
02/09/2010, 12h23
مدينة بلا مطر


مدينتنا تؤرّق ليلها نار بلا لهب
تحمّ دروبها و الدّور ثم تزول حمّاها
و يصبغها الغروب بكل ما حملته من سحب
فتوشك أن تطير شراره و يهب موتاها
صحا من نومه الطينيّ تحت عرائش العنب
صحا تموز عاد لبابل الخضراء يرعاها
و توشك أن تدق طبول بابل ثم يغشاها
صفير الريح في أبراجها و أنين مرضاها
و في غرفات عشتار
تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار
و يرتفع الدعاء كأن كل حناجر القصب
من المستنقعات تصيح
لاهثة من التعب
تؤوب إله الدم خبز بابل شمس آذار
و نحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار
لنسأل عن هداياها
جياع نحن و اأسفاه فارغتان كفّاها
و قاسيتان عيناها
و باردتان كالذهب
سحائب مرعدات مبرقات دون إمطار
قضينا العام بعد العام بعد العام نرعاها
وريح تشبه الإعصار لا مرّت كإعصار
و لا هدأت ننام و نستفيق و نحن نخشاها
فيا أربابنا المتطلعين بغير ما رحمه
عيونكم الحجار نحسّها تنداح في العتمة
لترجمنا بلا نقمة
تدور كأنهن رحى بطيئات تلوك جفوننا
حتى ألناها
عيونكم الحجار كأنّها لبنان أسوار
بأيدينا بما لا تفعل الأيدي بنيناها
عذارانا حزاني ذاهلات حول عشتار
يغيض الماء شيئا بعد شيء من محيّاها
و غصنا بعد غصن تذبل الكرمة
بطيء موتنا المنسلّ بين النور و الظلمة
له الويلات من أسد نكابد شدقه الأدرد
أنار البرق في عينيه أم من شعله المعبد
أفي عينيه مبخرتان أوجرتا لعشتار
أنافذتان من ملكوت ذات العالم الأسود
هنالك حيث يحمل كل عام جرحة الناريّ
جرح العالم الدوار فاديه
و منقذه الذي في كل عام من هناك يعود بالازهار
والأمطار تجرحنا يداه لنستفيق على أياديه
و لكن مرّت الأعوام كثرا ما حسبناه
بلا مطر و لو قطرة
و لا زهرة و لو زهرة
بلا ثمر كأنّ نخيلنا الجرداء أنصاب أقمناها
لنذبل تحتها و نموت
سيدنا جفانا آه يا قبره
أما في قاعك الطيني من جرّة
أما فيها بقايا من دماء الرب أو بذره
حدائقه الصغيرة أمس حعنا فافترسناها
سرقنا من بيوت النمل من أجرانها دخنا و شوفانا
و أوشابا زرعناها
فوفّينا و ما وفى لنا نذره
و سار صغار بابل يحملون سلال صبّار
و فاكهة من الفخّار قربانا لعشتار
و يشعل خاطف البرق
بظل من ظلال الماء و الخضراء و النار
و جوههم المدوّرة الصغيرة و هي تستسقي
فيوشك أن يفتّح و هي تومض حقل نوار
ورفّ كأنّ ألف فراشة نثرت على الأفق
نشيدهم الصغير
قبور إخوتنا تنادينا
و تبحث عنك أيدينا
لأن الخوف ملء قلوبنا و رياح آذار
تهز مهودنا فنخاف و الأصوات تدعونا
جياع نحن مرتجفون في الظلمة
و نبحث عن يد في الليل تطعمنا تغطّينا
نشد عيوننا المتلفتات بزندها العاري
و نبحث عنك في الظلماء عن ثديين عن حلمة
فيا من صدرها الأفق الكبير و ذديها الخيمة
سمعت نشيجنا و رأيت كيف نومت فاسقينا
نموت و أنت واأسفاه قاسية بلا رحمة
فيا آباءنا من يفتدينا من سيحيينا
و من سيميت يولم لحمه فينا
و أبرقت السماء كأن زنبقة من النار
تفتح فوق بابل نفسها و أضاء وادينا
و غلغل في قراره أرضنا


دجلة الغضبى


ذوب الليل يا شعاع النهار تلمح العين ما وراء الستار
ذوب الليل يبصر الشعب صرعاه فما زال واقفا بانتظار
يبصر القوم بين هاو الى اللحد وغرقان دائب في احتظار
ما غضبة المياه الحبيبات تدفقن بعد طول الأسار
زمزم الموج في السهول النديات مغيطا وصاح في كل دار
سائل الكوخ والربى والصجارى كيف أرعش في يد التيار
أيها النائمون في الضفة السكرى على الجوع والضنى والصغار
كيف بالله كيف تغفو عيون في حمى كل ظالم غدار
علموا دجلة الظلامات والغدر فعادت ولا تفي عهد جار
أيها الضاربون في ظلمة الليل الى غير منتهى أو قرار
يسرقون الخطى على ضوء نجم يسرق الخطو في قصي المدار
كيف خلفتم الديار الحبيبات ألا لفتة لتلك الديار
ضرب الماء ما بنى كل بان وطوى كل مأمل بالثمار
فاشتكى صاحب القطيع من الموج لذئب رآه أو جزار
واشتكى الحاصد المعنى الى الشيخ فما كان منه غير ازورار
وهو بالأمس واهب القائد الغربي زلفى اليه سيف النضار
صيغ من أضلع الجياع العريا تحت أنظار كل جوعان عاري
وهوبالأمس من حبا لندن الشوهاء ما شاء منه حب الفخار
وهو من يبخل الغداه على الشعب ويلقى انتحابه بافترار
ليت لي قوة المياه فاقتض من الشيخ للدموع الغزار
ليتني أهدم القصور وأبنيهن بيتا لشارد في القفار
ليتني أبدل القلوب التى تغفو على الذل بالحصى والحجار
أيها الشعب واحتماك عار على الحر دونه كل عار
طالما قد صبرت يا شعبي المظلوم فانهض كفاك طول اصطبار
أيها المرسل الأنين الى الآذان يلبسن قرط الاستعمار
حق ما ترسل الأنين اليهن اجتزازا بصارم بتار
فهي صماء حين تدعو وصغواء اذا اهتز شارب المستشار
ضلة للنيام والثلعب الرعديد يسطو بمخلب مستعار
رب ناج من الردى خلف الأبناء صرعى في المائج الهدار
مثقل الظهر بالسنين الطويلات وأشلاء بيته المنهار
لاح لي فانطلقت أزجي اليه الشعر حران قاذفا بالشرار
أيها المبتلى وأدعو بك الشعب وقد هم غيظه بانفجار
ذلك النهر فاض بعد احتباس عاصفا بالسدود عصف اقتدار
نبني أي ساعة أبصر الشعب وقد فاض بعد طول الأسار
ساحقا في اندفاعه ما أقام الظلم في دره من الأسوار
قل لمن ثبت العروش على الماء فقال امتلكت كل البحار
سوف تأتيك ساعة توقظ الأمواج فيها انتفاضة الاعصار
أيها الشعب يعصب الداء عينيه فلا تبصران ضوء النهار
الدواء الذي ترجي سيأتيك اسمه من حناجر الثوار
تعصف الصيحة المدماة بالتاج على كل مفرق مستطار
يوم لا الظالم الغشوم بمنجيه من الثائرين وشك الفرار
لا ولا القيد مستطيع حيال النار صبرا ودونه ألف نار
الردى واالهوان خط الأذلاء وكل الحياة للأحرار

عاشق رفعت
02/09/2010, 18h56
منزل الأفنـــــــــان


في جيكور
منازل فانزع الأبواب عنها تغد أطلالا
خوالٍ قد تصكّ الريح نافذة فتشرعها إلى الصبح
تطل عليك منها عين بوم دائب النوح .
وسلّمها المحطم ، مثل برج دائر ، مالا
يئن إذا أتته الريح تصعده إلى السطح ،
سفين تعرك الأمواج ألواحه

وتملأ رحبة الباحه
ذوائب سدرة غبراء تزحمها العصافير
تعد خطى الزمان بسقسات ، و المناقير
كأفواه من الديدان تأكل جثة الصمت
وتملأ عالم الموت
بهسهة الرثاء ، فتفزع الأشباح تحسب أنه النور
سيشرق ، فهي تمسك بالظلال وتهجر الساحه
إلى الغرف الدجية وهي توقظ ربة البيت :
"لقد طلع الصباح". وحين يبكي طفلها الشبح
تهتهده وتنشد : " يا خيول الموت في الواحه
تعالي و احمليني ، هذه الصحراء لا فرح
يرفّ بها ولا أمن ولا حب ولا راحه " .

ألا يا منزل الأفنان، كم من ساعد مفتول
رأيت ومن خطى يهتز منها صخرك الهاري
وكم أغنية خضراء طارت في الضحى المغسول
بالشمس الخريفية ،
تحدث عن هوىً عاري
كماء الجدول الرقراق ! كم شوقٍ و أمنيه !!
وكم ألم طويت وكم سقيت بمدمعٍ جاري !!
وكم مهد تهزهز فيك : كم موت وميلاد
ونار أوقدت في ليلة القرّ الشتائية !!
يدندن حولها القصاص : " يحكى أن جنية …"
فيرتجف الشيوخ ويصمت الأطفال في دهش و إخلاد
كأن زئير آلاف الأسود يرنّ في واد
وقد ظلوا حيارى فيه ، ثم ترنّ أغنيه :
" أتى قمر الزمان .. " ودندن القصاص : "جنيه"
وبؤسهم المرير : الجوع و الأحزان و السقم
وطفل مات لما جفّ درّ - ماتت المعزى
وجاعت أمه فالثدي لا لبن ولا لحم .
سمعت صراخها و الليل ينظر نجمه غمزا،
وولولة الأب المفجوع يخنق صوته الألم.

ولو خيّرت أبدلت الذي ألقى بما ذاقوا
ممضّ ما أعاني : شلّ ظهر و انحنت ساق .
على العكاز أسعى حين أسعى، عاثر الخطوات مرتجفا
غريب غير نار الليل ما واساه من أحد
بلا مال، بلا أمل ، يقطع قلبه أسفا.
ألست الراكض العدّاء في الأمس الذي سلفا ؟
أأمكث في ديار الثلج ثم أموت من كمد
و من جوع ومن داءٍ و أرزاء ؟
أأمكث أم أعود إلى بلادي ؟ آه يا بلدي
و ما أمل العليل لديك شحّ المال ثم رمته بالداء
سهام في يد الأقدار ترمي كل من عطفا
على المرض وشدّ ضلوع الجائعين بصدره الواهي
وكفكف أدمع الباكين يغسلها بما وكفا
من العبرات غفي عينيه ، إلا رحمة الله ؟؟

ألا يا منزل الأفنان ، سقتك الحيا سحب
تروّي قبري الظمآن ،
تلثمه وتنسحب !

الأم والطفلة الضائعة


قفي ، لا تغربي ، يا شمس،
ما يأتي مع الليل
سوى الموتى. فمن ذا يرجع الغائب للأهل
إذا ما سدت الظلماء
دروباً أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل ؟
وأن الليل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء
من الشهب اللوامح فيه، مما لاذ بالظل
من الهمسات و الأصداء.
شعاعك مثل خيط اللابرنث، يشده الحب
إلى قلاب ابنتي من باب داري، من جراحاتي
و آهاتي.

مضى أزل من الأعوام : آلاف من الأقمار، والقلب
يعد خوافق الأنسام ، يحسب أنجم الليل،
يعد حقائب الأطفال ، يبكي كلما عادوا
من الكتّاب و الحقل.
ويا مصباح قلبي ، يا عزائي في الملمات،
منى روحي، ابنتي : عودي إليّ فهاهو الزاد
وهذا الماء. جوعى ؟ هاك من لحمي
طعاماً. آه !! عطشى أنت يا أمي ؟
فعبي من دمي ماء وعودي .. كلهم عادوا.
كأنك برسفون تخطفتها قبضة الوحش
وكانت أمها الولهى أقل ضنىً و أوهاماً
من الأم التي لم تدر أين مضيت !
في نعش ؟

على جبل ؟ بكيت ؟ ضحكتِ ؟ هبّ الوحش أم ناما ؟
وحين تموت نار الليل، حين يعسعهس الوسن
على الأجفان،/ حين يفتش القصاص في النار
ليلمح من سفينة سندباد ذوائب الصاري
ويخفت صوته الوهن،/
يجن دمي إليك، يحنّ ، يعصرني أسىً ضارٍ .
مضت عشر من السنوات، عشرة أدهر سود
مضى أزل من السنوات، منذ وقفت في الباب
أنادي ، لا يرد علىّ إلا الريح في الغاب
تمزق صيحتى وتعيدها .. و الدرب مسدود
بما تتنفس الظلماء من سمر و أعناب
و أنت كما يذوب النور في دوامة الليل،
كأنك قطرة الطل
تشربها التراب .. أكاد من فرق و أوصاب
أسائل كل ما في الليل من شيح و من ظل،
أسائل كل ما طفل :
" أأبصرت ابنتي ؟ أرأيتها؟ أسمعت ممشاها؟"
وحين أسير في الزحمة
أصغّر كل وجه في خيالي : كان جفناها
كغمغمة الشروق على الجداول تشرب الظلمة،
وكان جبينها .. و أراك في لبد من الناس
موزعة فآه لو أراك و أنت ملتمّة !
و أنت الآن في سحر الشباب، عصيرها القاسي
يغلغل في عروقك، ينهش النهدين و الثغرا
وينشر حولك العطرا،
فيحلم قلبك المسكين بين النور و العتمة
بشيء لو تجسد كان فيه الموت و النشوة!
و أذكر أن هذا العالم المنكود تملأ كأسه الشقوة
و فيه الجوع و الآلام، فيه القفر و الداء.

أأنت فقيرة تتضرع الأجيال في عينيك، فهي فم
يريد الزاد، يبحث عنه و الطرقات ظلماء ؟
أحدق في وجوه السائلات أحالها السقم
ولوّنها الطوى، فأراك فيها، أبصر الأيدي
تمد، أحس أن يدي .. معهن تعرض زرقة البرد
على الأبصار وهي كأنهن أدارها صنم
تجمّد في مدى عينيه أدعية وسال دم
فأصرخ في سبيل الله، تخنق صوتي الدمعه
تحيط الملح و الماء.
وأنت على فمي لوعه
وفي قلبي ، وضوء شع ثم بلا رجعه
وخلّفني أفتّش عنه بين دجىً وأصداء .


الوصية


من مرضي
من السرير الأبيض
من جاري انهار على فراشه و حشرجا
يمص من زجاجة أنفاسه المصفره ،
من حلمي الذي يمد لي طريق المقبره
والقمر المريض و الدجى ..؟
أكتبها وصية لزوجتي المنتظره
وطفلي الصارخ في رقاده : " أبي ، أبي"
تلم في حروفها من عمري المعذب
لو أن عوليس وقد عاد إلى دياره
صاحت به الآلهة الحاقدة المدمره
أن ينشر القلاع ، أن يضل في بحاره
دون يقين أن يعود في غد لداره
ما خضه النذير و الهواجس
كما تخض نفسي الهواجس المبعثره
اليوم ما على الضمير من حياء حارس
أخاف من ضبابة صفراء
تنبع من دمائي
تلفني فما أرى على المدى سواها
أكاد من ذلك لا أراها
يقص جسمي الذليل مبضع
كأنه يقص طينة بدون ماء
ولا أحس غير هبة من النسيم ترفع من طرف الستائر الضباب
ليقطر الظلام ، لست أسمع
سوى رعود رن في اليباب
منها صدى وذاب في الهواء …
أخاف من ضبابة صفراء

أخاف أن أزلق من غيبوبة التخدير
إلى بحار ما لها من مرسى
و ما استطاع سندباد حين أمسى
فيهن أن يعود للعود وللشراب والزهور،
صباحها ظلام
وليلها من صخرة سوداء
من ظل غيبوبتي المسجور
إلى دجى الحمام
ليس سوى انتقالة الهواء
من رئة تغفو ، إلى الفضاء
أخاف أن أحس بالمبضع حين يجرح
فاستغيث صامت النداء
أصيح لا يرد لي عوائي
سوى دم من الوريد ينضح
وكيف لو أفقت من رقادي المخدر
على صدى الصور ، على القيامة الصغيرة
يحمل كل ميت ضميره
يشع خلف الكفن المدثر ،
يسوق عزرائيل من جموعنا الصفر إلى جزيره
قاحلة يقهقه الجليد فيها ،
يصفر الهواء في عظامنا ويبكي
ماذا لو أن الموت ليس بعه من صحوه ،
فهو ظلام عدم ، ما فيه من حس ولا شعور ؟
أكل ذاك الأنس ، تلك الشقوه
و الطمع الحافر في الضمير
والأمل الخالق من توثب الصغير
ألف أبي زيد تفور الرغوه
من خيله الحمراء كالهجير
أكلها لهذه النهايه ؟
ترى الحمام للحياة غايه ؟
إقبال يا زوجتي الحبيبه
لا تعذليني ما المنايا بيدي
ولست، لو نجوت ، بالمخلد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما و ارحمي نجيبه
وعلميه أن يذيل القلب لليتيم و الفقير
وعلميه

ظلمة النعاس
أهدابها تمس من عيوني الغريبه
في البلد الغريب ، في سريري
فترفع اللهيب عن ضميري
لا تحزني إن مت أي بأس
أن يحطم الناي ويبقى لحنه حتى غدي ؟
لا تبعدي
لا تبعدي
لا …

نور عسكر
24/12/2014, 19h07
الذكرى الــ 50 ــ لرحيل الشاعر بدر شاكر السياب
1964-2014م
:rolleyes:
من قصائده والتي كتبها أثناء فترة مرضه في لندن 9-3-1963م
أم كـلثـــــوم والـذكــــرى
وأشربُ صَوتها ..فيغوص من روحي إلى القاعِ
ويُشعل بين أضلاعي
غناءً من لسان النار ، يهتف سوف أنساها
وأنسى نكبتي بجفائها وتذوب أوجاعي
وأشرب صوتها ..فكأن ماءَ بُويبَ يسقيني

( القصيدة بخط يد الشاعر بدر شاكر السياب )

http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=349399&stc=1&d=1419451459

( من أرشيفي .. قصائد بخط يد السياب ، مع التحيات )