المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لنا ما لهم من ميراث الغناء العربي


زياد العيساوي
01/04/2009, 17h58
إنـّي لأستغرب أشد الاستغراب ، ممّن يُحسبون على الأغنية المحلية ، إنْ فنانين أو جمهوراً سواءً بسواء ، حينما أراهم ينادون عالياً بضرورة الحفاظ على هويتها ، لكأنّ هناك خطراً يتهددها ، فكلما ظهرت لأسماعنا أغنية ليبية ، تقترب في نمطها من النمط المشارقي ، و لست أقول المغاربي ، ثارت عصبية هؤلاء على الملحن بالدرجة الأولى ، للتمييع الذي يتحسّسونه و يبدو لهم في موسيقاها ، لظنِّهم - إذا حسن ظنّي بهم - بأنّ ذلك الغناء ، إنما هو ناتج من عملية ( توالد عُذري ) و لم يكـُن بفعل تأثره بغناءٍ سابق ، أي بقصد ، أنه وليد تلك الناحية الوافد إلينا من اتجاهها ، فهو من ثم ، غناءٌ دخيلٌ ، نخشى من مزاحمته لفنِّنا ، و ليس لنا كليبيين ، ما لأهل تلك الجهة من نصيب فيه .

و هم إذ يمتعضون من هذا النحو الغنائي ، الذي ينتهجه بعض فنانينا ، لا نجدهم ينتقصون من جودة هذا الغناء ، بل إنهم يقرّون بالمستوى الرفيع الذي هو عليه ؛ و ربما لإحساسهم بصعوبة اللحاق بالنهضة الموسيقية ، التي عُرفت بها تلك المنطقة العربية منذ أواخر القرن الأسبق ، و من حيث لا يحتسبون ، يصرّون على اتساع الهوّة بين الغناء هنا و هنالك ، حالما لا يُحسنون التعامل بإيجابية مع التجارب المنادية بلزوم الانخراط مع هذا الفن الجميل ، الذي أقرّوا برفعته و بهائه ؛ و هذه الحالة تشابه إلى حدٍّ بعيدٍ حالة أخرى ، غالباً لا نراها تحدث ، لكننا نقدر أنْ نتخيلها ، حينما يقوم محام ٍ ما بتوزيع تركة موّكله على مستحقيها من بعده ، فيقوم أحدهم بالتنازل عن حصته من الميراث ، بعدما يستكثرها على نفسه بنفسه ، هكذا من تلقاء ذاته ؛ فالغناء المشارقي المُتقن ، هو أقرب ما يكون إلى الغناء العربي السليم - بموسيقاه و مقاماته و أدائه - منه إلى المغاربي ، ذلك لقيام الخلافة العربية و الإسلامية في المشرق العربي ؛ و الحال هذه ، علينا أنْ نقبل به و بصياغة ألحان الأغنية المحلية وفقاً للطريقة نفسها ، التي يصيغ بها المشارقة العرب في ( مصر و الشام ) أغنياتهم ، من دون أي تحسّس بالدونية و لا الجميل ، ذلك أنّ الغناء العربي الصحي ، هو ميراث ثقافي للعرب كلهم ، و لا تقتصر أحقيته على منطقة بعينها من دون سواها .

و لما نسبر غور الأغنيات الليبية الناجحة و العائشة في ذاكرة الليبيين مما أنتج فنانونها ، نجدها قد قـُدَّت على طراز الغناء العربي المُتقن ، و لكم في أغنيتي : ( طيرين في عش الوفا ) و ( هذه الأرض هي العرض لنا ) للملحن و الموسيقار الكبير ' يوسف العالم ' أصدق برهانين على ما ذهبت إليه في هذه السطور ، مع أنني أملك ( بنكاً ) من البراهين الأخرى لهذا الملحن ، ما لا تغفلون أنتم أنفسكم عنه ، مثل قصيدة ( يا لا ئمي ) التي نظمها الشاعر ' أحمد الشارف ' و غنّاها المطرب ' محمد نجم ' التي تقول مفرداتها :

يا لائمي و اللوم لا يُجدي على العشاق شيء .. رفقاً بقلبٍ لم يزل يطوي كتاب الصبر طيّاً
رفقاً بقلب مُدنفٍ يكوى بنار الشوق كيّاً .. شوق إلى ذكر الحبيب فليته شوقاً إليّ
شوقاً إليّ مؤبداً و مسرمداً ما دمت حيّاً .. لم أسعَ في تبديليه فكأنه وقفٌ عليّ
يا من لحسن حديثه ألوي عنان السمع ليّ .. و سقيت كأس عذابه فوجدته عذباً لديّ
و به سُقيت من الهوى كأس العنا و رويت ريّاً .. كم فُهت عنك بلفظة و الله يعلمها لأي ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زيــاد العـيـسـاوي
بنغازي – ليبيا
Ziad_z_73@yahoo.com (Ziad_z_73@yahoo.com)ِ