المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دوائر النمل


Tarek Elemary
31/03/2009, 17h11
كل صباح، كانت (النملة) الصغيرة تصل إلى مقر عملها مبكرا لتبدأ العمل بهمة ونشاط دون تلكؤ أو إضاعة للوقت، وكانت سعيدة جدا لأنها تقوم بواجباتها على أكمل وجه من تلقاء نفسها ودون ضغوط من أحد، يدفعها إلى ذلك حبها للعمل أولا، ثم للمكان الذي تعمل به وتشعر فيه بالراحة والألفة.
كان رئيسها (الأسد) مبهورا وهو يراها تعمل بكل هذا النشاط والحيوية دون إشراف أو مراقبة من أحد، لكنه قال بعد أن فكر طويلا: إذا كانت هذه النملة تستطيع أن تعمل بكل هذه الحيوية، وأن تنتج بكل هذا الزخم دون إشراف أو مراقبة، فمن المؤكد أن إنتاجها سيتضاعف كثيرا فيما لو كان هناك من يراقبها، لذلك قرر أن يعين لها مشرفا، ووقع اختياره على (صرصور) ذي خبرة واسعة وشهرة كبيرة في كتابة التقارير الممتازة، وقد كان له ما أراد ووافق (الصرصور) على القيام بهذه المهمة بعد أن أغراه (الأسد) وقدم له راتبا مجزيا.
تسلم (الصرصور) مهام عمله وكان أول قرار يتخذه هو وضع نظام صارم للحضور والانصراف، وقد احتاج لتطبيق هذا النظام إلى جهاز حديث للبصمة فطلب شراءه، ثم شعر بحاجته إلى سكرتير يساعده في ضبط المواعيد وكتابة التقارير فعين (عنكبوتا) كي يقوم بتنظيم الأرشيف ومراقبة المكالمات الهاتفية، وأشياء أخرى هي من طبيعة عمل السكرتارية المعروفة.
كان (الأسد) سعيدا بالتقارير التي أخذ يرفعها له (الصرصور) عن سير العمل، فطلب منه أن يُعِدَّ له رسوما توضيحية تبين معدلات الإنتاج، وتحلل أوضاع السوق واتجاهاته لاستخدامها في اجتماعات مجلس الإدارة خلال العروض التي عادة ما يقدمها لأعضاء المجلس موثقة بالأرقام والرسوم البيانية والإحصائية، الأمر الذي اضطر (الصرصور) إلى شراء جهاز حاسوب جديد وبرنامج «بور بوينت» وطابعة ضوئية «ليزر» واستحداث قسم خاص لتقنية المعلومات «آي تي» وتعيين «ذبابة» معروفة بإمكاناتها التقنية العالية للإشراف عليه.
لم تستسغ (النملة) هذه الأعمال الورقية الزائدة عن الحد، وكرهت الاجتماعات التي كان يعقدها (الصرصور) لهم وتستهلك أغلب الوقت وتعطلها عن العمل، أما (الأسد) فقد كان سعيدا بما يجري، لذلك رأى أنه قد حان الوقت لتعيين مدير للإدارة بعد أن تشعب العمل فيها وأصبح بحاجة إلى من يضبط إيقاعه فوقع اختياره على (دبور) يحمل شهادات عليا من أعرق الجامعات الغربية في الإدارة الحديثة.
وما أن تسلم (الدبور) مهام عمله حتى أمر بشراء سجادة تليق بالمكتب الفخم الذي سيدير العمل منه، كما طلب كرسيا ذا مواصفات خاصة تناسب ساعات العمل الطويلة التي سيقضيها في المكتب، وكان طبيعيا أن يحتاج أيضا إلى جهاز حاسوب، وإلى مساعد اختاره بعناية كي يعينَه على القيام بأعباء الإدارة الجديدة، وأوكل إليه مهمات عديدة؛ من بينها وضع ميزانية للخطة الإستراتيجية المتكاملة التي بدأ العمل عليها فور توليه مهام منصبه الجديد، وهكذا تحول مقر العمل الذي كانت (النملة) تشعر بالسعادة والألفة فيه إلى مكان كئيب، واختفت البسمة من على وجوه العاملين الذين كانوا يتبعون شتى الطرق لإرضاء رؤسائهم، وأصبح القلق وسرعة الانفعال عاملا مشتركا بينهم.
لاحظ (الأسد) أنّ إنتاج الإدارة قد انخفض كثيرا، وأن التكاليف قد زادت بنسبة لا تتوافق مع كمية الإنتاج التي تراجعت بشكل ملفت، فقرر أن يجري دراسة على بيئة العمل ليعرف موضع الخلل، ولأن دراسة من هذا النوع تحتاج إلى مختص ذي خبرة طويلة فقد قرر أن يسند هذه المهمة إلى (بومة) ذات مكانة مرموقة وشهرة واسعة في هذا المجال، فأصدر قرارا بتعيينها "مستشارة" للإدارة براتب خيالي وعمولة مغرية نظرا للطلب الشديد عليها، وكلفها بعملية التدقيق هذه، وطلب منها اقتراح الحلول المناسبة لمعالجة هذا الأمر.
لم يكن الأمر سهلا، هكذا صورت (البومة) للأسد مهمتها، وكما هي عادة الخبراء والمستشارين الذين يضخمون الأمور ويفلسفونها ويقضون الكثير من الوقت في البحث والدراسة والتحليل قبل أن يخرجوا بالحلول التي عادة ما نتوقع أنها سحرية للقضايا التي عادة ما يصورونها لنا صعبة ومعقدة.
لذلك قضت (البومة) فترة قاربت العام تنقّب في دفاتر الدائرة، وتفحص خطوط الإنتاج والمداخل والمخارج قبل أن تخرج بتقرير ضخم يحتاج المرء إلى ساعات طويلة لقراءته وفهمه، لكنها توصلت في النهاية إلى أن هناك تضخما وظيفيا في الدائرة، وأن العلاج الوحيد لهذا التضخم هو التخلص من بعض الموظفين الذين يشكلون عبئا على الدائرة.
لم يكن أمام (الأسد) بعد هذه الدراسة ذات الكلفة العالية التي تكبدتها المؤسسة سوى الخضوع للحل الذي اقترحته (البومة) في تقريرها، ولكن من تراه أول من قرر أن يطيح به ويفصله من المؤسسة؟
لقد كانت (النملة) التي قال التقرير إن الحافز للعمل قد انعدم لديها، وأنها وقفت موقفا سلبيا من التغيرات التي حدثت في المؤسسة التي كانت أكثر إنتاجا وأفضل بيئة قبل أن تطرأ عليها كل هذه الأحداث وتحولها إلى بيئة طاردة لا تشجع على العمل والإنتاج!
ملاحظة:
هذه الحكاية منقولة بتصرف عن البرتغالية، شخصياتها وأحداثها كلها من نسج الخيال، وأي تشابه بينها وبين بعض البشر أو ما يحدث داخل بعض المؤسسات والدوائر ليس إلا من باب الصدفة البحتة.
علي عبيد-كاتب إماراتي
عن صحيفة البيان الإماراتية

NAHID 76
31/03/2009, 19h54
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ طارق
زكرتنى حكايه النمله بقصص كليله ودمنه التى كانت تقع أحداثها على لسان الحيونات فنخرج منها بالحكمه والموعظه
ولكن أختلف الامر الان
ودى حاااااال
هههههههه
تحياتى

Tarek Elemary
01/04/2009, 08h04
شكرا للعزيزة ناهد
مرورك يسعدنى و تعليقك يبهجنى و يدخل السرور على نفسى
و جميل منك عمل الإسقاط على كليلة و دمنه و هى من أوائل الرمزيات فى تاريخ الأدب
و ما أردت أن أنظر له فى هذه الحكاية أو الحدوتة الشيقة هو حالنا فى جميع مناحى حياتنا و هذه القصة
فهذا الذى يحدث نراه دوما فى العمل و فى البيت و الأهل و فى بلادنا تحديدا (كل البلاد العربية سواء)
المواطن الكادح البسيط هو النملة
و جميع الأجهزة الرقابية تطحنه من شرطة و مخابرات و رقابة إدارية و سياسيين و وزراء و هلم جرة
و هذا المواطن الكادح يذكرنى بقول المبدع مظفر النواب:
سبحانك كل الأشياء رضيت ... سوى الذل و أن يوضع قلبى فى قفص فى قصر السلطان
و رضيت نصيبى من الدنيا كنصيب الطير ... لكن سبحانك حتى الطير لها أوطان
و تعود إليها ... فالوطن الممتد من البحر إلى البحر سجون متلاصقة سجان يمسك سجان
و هذا ما يجعلن أردد قول المبدع أيضا نزار قبانى :
يا سيدى الجمهور إنى مستقيل
فدور مهرج السلطان دور مستحيل
و تقبلوا منى أطيب المنى و ارق تحياتى

NAHID 76
01/04/2009, 09h09
بسم الله الرحمن الرحيم
استاذ طارق
انا كنت عيزه أكتب أكثر مما شرحت أنت وكتر
فى جميع دوائر حياتنا
التى عشعش فيها الفساااااااد
ولكنى أثرت السكينه
وقلت أن كل لبيب بالاشاره يفهم
وحضرتك حتفهم ما بين السطوررررر
لما قلت ده حالنا الان
وكتبت قهقه خفيفه تدل على المغزى
سبونى اكتب واكتب
طيب معلهش كلمتى المره دى تنزل الالرض لجل خاطرك استاذ طارق
تقديرى

abuzahda
02/04/2009, 02h25
الرجل الرائع ، الأستاذ
طارق العمري
قبل الدخول في "دوائر علي عبيد" ، أود أن أرحب بكَ عضواً فاعلاً بعشيرتنا الرائعة ، سماعي
و قد تأكد لنا أنك من الـَّذين نُحـِبُهُم (و الجمع هنا للجمع ، لا لي)
* * *
بالأمس قرأت مقال "دوائر النمل" و استغرقني - على ما به من مباشرة ، تبدو مقصودة - حتى أتممت قراءته لأكتشِف أن الكاتب هو "علي عبيد" - الذي أعرفه منذ منتصف التسعينيات الفائتة - و الذي أراه ما قصد بالنملة إلا "علي عبيد" نفسه.
فقد كان وكيلاً لوزارة الثقافة و الإعلام بالإمارات ، في عهد معالي خلفان الرومي الوزير آنذاك.
كما كان يشغل منصب مدير تليفزيون "أبو ظبي" . و كان سبباً في إحداث طفرة حقيقية في ذلك الجهاز ، لكنها كانت طفرة تقنية فقط ، حيث أنشأ ستوديو الأخبار الجديد بكلفة باهظة . و قد كان من قبل مجرد غرفة في المبنى (كان مبنى التليفزيون من طابق واحد)
و لست في حِلٍ لذِكر تفاصيل "الجزاء" الذي ناله على ذلك (...)
لعلّه قد ذكره في حديث النمل.
* * *
قبل البدء في كتابة هذه المشاركة - التي أرجو قبولها - حدثتني نفسي بعد التشرف بقراءة مشاركاتك ، بأننا سنكون أصدقاء. فما أن سجلت للدخول و جدتك قد منحتني هذا الشرف ، صداقتك
فشكراً على مبادرتك النبيلة ، و شكراً على اختياراتك التي تنم عن حـُسنِ ذوق ، و شكراً لأنك اخترت سماعي لتهبه حضورك البهي.
أخوك سيّد أبو ذهدة

Tarek Elemary
02/04/2009, 07h18
و الله يا سيدى لقد اغدقت على بما أنت أهل له و ما أنا بأهل له
و أعوذ بالله من أن أصدق أننى أهل ليكون مثلك و مقامك الرفيع يكتب هذه الكلمات لمثلى
أنا ممكن يصيبنى الغرور و يتلفنى و يفسد اخلاقى هذا الإطراء
و مع كل هذا يكفينى من الشرف أن أشغل حيز من تفكير رجل بمقامك و قدرك و كفى
و الله المستعان