المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبد اللطيف أحويل : الغناء بلا مُكبِّر صوت


زياد العيساوي
31/03/2009, 16h49
إنّ من أهم المعايير ، التي يُحتكـَم إليها لاستبيان مدى جمال الصوت ، هو أنْ تستمع إلى صاحبه ، و هوّ يؤدي العمل الغنائي من غير استناده إلى المجموعة الصوتية ( الكورال ) و هذه الأخيرة ، ليست كما ( الكومبارس ) المعروف في الفنّ السابع ، إذا تشكـّل على هيأة مجموعات من المارة في خلفية مشهدٍ سينمائي ما ، أو المتجمهرة على هامش مشهدٍ ثان ٍ ، فللمجاميع الصوتية دورٌ فاعل أعمق الفعل ، في إضافة الزخم الصوتي اللازم إلى العمل الغنائي ، و خصوصاً في أداء الملاحم الوطنية ، و الموشحات الأندلسية ، و هي من أبرز طبوع الغناء العربي المُعتـَرف به ، فهي غالباً ما تـُؤدّى بأسلوب جماعي و إنشادي ، و قد يُستمَع في أحايين كثيرة إلى عمل ما ، يبرز فيه صوت ٌ يتميز بجوابٍ عال ٍ ، يُضفي على الغناء حلاوة مُستحسَنة ، تدركها الآذان بيسر و وضوح ، لكون هذا الصوت ، يظهر بين أصواتٍ أخرى متشابهة فيما بينها ، و هوّ من يتباين عنها في حدته و علوه ، كأنْ يكون صوتاً نسائياً بين زحمة أصوات رجال ، المُصطفـَّة حناجرهم على شكل صفين أو أكثر .

و لوعرفنا حقيقة معنى الصوت الجميل ، لأدركنا أنّ من العسر بمكان ، نقد الأصوات الموجودة و استخراج الجميل منها ، أي معرفة الصوت الحقيقي من الرديء ، لأنّ معنى النقد في اللغة ، هو التفريق بين العملات النقدية الحقيقة و المزوّرة ، فالصوت الحسن في فنّ الغناء لا الإلقاء و لا الخِطابة ، هو ذلك الصوت المتكامل الأبعاد ، و الصحيح الطبقات - العُليا و الوسطى و المنخفضة – هو ذلك الصوت السليم النبرات ، و الواسع المساحة ، و الناطق للحروف بشكلها الصحيح ، لجهة مخارجها الفعلية ، بإعطاء كل حرف حقه ، هو ذلك الصوت الذي لا ترتفع فوقه الموسيقا البتـّة ، و إنما يظل محافظاً على نسقه المرتفع على المعزوفات طيلة زمن الأغنية ، حتى من غير استعمال مُكبِّر الصوت .

و ليس بالضرورة أبداً ، أنْ يكون الصوت الجهوري القوي صوتاً جميلاً في فنّ الغناء العربي ، طالما أنه بعد عن الأداء بالإحساس و عن الانغماس في اللحن حتى القاع - كما هو صوت الفنان المصري " علي الحجار " الذي أُشتهـِر بقوة و علو كعب صوته ، غير أنّ ما يُعاب عليه ، هو ضمور نبراته و ضعف الأسر لديه – و إظهار العُرب العربية و محاسن الجمال الكامنة فيه ، فيصبح الصوت إذا تجرّد من هذه الجماليات كلها ، كما صوت الخطيب في وقعه على المسامع ؛ فالصوت الجميل الذي يصل بالمتلقي إلى طبقات الطرب العُليا ، يجب أنْ تجتمع فيه الخصائص المذكورة أنفاً كلها ، و إلا فسوف يغدو صوتاً ناقصاً ، لا نستطيع أنْ نرميه بالصوت الجميل ، لذا نجد من هم على إحدى هذه العـِلل من الفنانين ، و قد اعتمدوا على تقنية ( الكورال ) الذي يستكملون به ما تفتقده أصواتهم غير المتكاملة البهاء ، و خاصة منهم من هو مصاب بتقاصر في الأنفاس و بارتعاش في النبرات ، فنراه من وقت لآخر ، يُريح حباله الصوتية المتراخية ، عندما يُسلّم بالغناء للــ ( الكورال ) .

فثمة أصوات عربية كثيرة ، اشتهرت و حسبها البعض على الأصوات الجميلة ، و هو بذلك يسيء للجيل السابق من زمن الغناء العذب ، الذي كان يُصنّف الأصوات التي ستجيء أسماؤها فيما بعد كأمثلة على ذلك ، على فنّ ( المونولوجست ) لا كما تعتبر الآن ، كالفنان العراقي " كاظم الساهر " الذي أحسبه على فنّ التلحين أكثر مما أحسبه على الغناء ، لانتفاء اكتمال خصائص الجمال في صوته ، الذي يفقد توازنه في الطبقات العليا و يختنق كأنه عند عنق زجاجة ، يتأرجح بين الخروج و الرجوع من حلقه ، و كذلك الفنانة المصرية " أنغام " و الفنان التونسي " صابر الرباعي" و غيرهم المزيد ، و لكي تستجلي صحة ما ذهبت إليه بخصوص هؤلاء الفنانين ، ما عليك أيها القارئ المستمع ، إلا أنْ تـُطبّق عليهم أحد المعيارين ، فإما أنْ تحاول أنْ تجد لهم أغنيات ، قد قدّموها من غير الاتكاء على ( الكورال ) و إنْ وجدتها ، فسوف لن تعثر لنا عن أغنيات أخريات لهم ، أدّوها من دون الاستعانة بتقنية مُكبِّر الصوت .

و في ليبيا هناك صوتٌ مدربٌ و جميلٌ - و صفة الجمال هنا ، تتضمن كما ذكرت في البداية ، قوة الصوت كذلك - لطالما أسعد و أسر بحضوره مستمعيه من الأجيال جميعها ، بأعماله الرائعة و الرائدة ، مثل ( غزال الريم ) و ( الوفاء يا ريدي ) ألا و هوّ صوت الفنان " عبد اللطيف أحويل " الذي عُرِف عنه الغناء من دون مُضخِم و لا ناقل صوت ، و إلى جانب القوة التي يتمتع بها صوته ، الخصائص التي أوردتها أنفاً ، التي مكّنته من أنْ يبرز صوته إلى جانب صوت آخر يناقضه في الطبقات ، هو صوت الفنان الشاب " خالد عبد الله " في فرقة المألوف ، و في برنامج ( أسماء الله الحسنى ) - الذي لحنه الموسيقار العبقري " محمد عطية " - فضلاً عن موهبته اللحنية ، التي اكتملت ، حينما أثمرت عن تلحينه لأغنية ( صبّح عليك الورد ) التي غنّاها له و لنا ، الفنان الراحل "نوري كمال " .
ــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : زياد العيساوي
بنغازي – ليبيا
31 / 3 / 2009
Ziad_z_73@yahoo.com