المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموسيقار والشاعر عثمان الموصلي


مهيمن الجزراوي
19/03/2009, 22h25
الشاعر الموسيقار عثمان الموصلي


بقلم الأستاذ الدكتور عمر الطالب


ولد عثمان الموصلي عام 1854م ، وكان والده الحاج عبد الله سقاء توارث المهنة عن أجداده. توفي والده وهو في السابعة من عمره ، وما لبث أن أصيب بفقد بصره متأثرا بمرض الجدري الذي أصيب به وضمه جاره محمود بن سليمان العمري إلى أولاده وجعله موضع عنايته وعين له معلماً حفظه القرآن وقد أعجب محمود أفندي بصوت عثمان فخصص له معلماً يعلمه الموسيقى والألحان ، فنبغ بها وحفظ الأشعار والقصائد ، وشرع عثمان في تعلم علوم العربية على علماء عصره كالشيخ عمر الأربيلي وصالح الخطيب وعبد الله فيضي الخضري وغيرهم ، وكان مولده في محلة باب العراق بالموصل.
وعندما توفي محمود أفندي العمري عام 1865م ترك عثمان مدينة الموصل إلى بغداد وكان في العقد الثالث من عمره ، وتلقاه بالتكريم احمد عزة باشا العمري ابن محمود أفندي. واسكنه عنده ، واشتهر هناك بقراءة المولد فحّف الناس به ، ودرس عثمان صحيح البخاري على داود أفندي وبهاء الحق أفندي الهندي. وذهب إلى الحج ثم عاد إلى الموصل عام 1886 ، وتتبع الدرس فيها على يد الشيخ محمد بن جرجيس الموصلي الشهير بالنوري. وأخذ عنه الطريقة القادرية ، وهي إحدى الطرق الصوفية الشهيرة في الموصل. وقرأ القراءات السبع على الطريقة الشاطبية على المقرئ الشيخ محمد بن حسن وأجازه فيها.
وسافر إلى اسطنبول حيث تلقاه احمد عزة باشا العمري ، وعرّفه على مشاهير الناس وعلمائهم ، وأخذ عن الشيخ مخفي أفندي القراءات العشر والتكبيرات وأجازه فيها. ورأى الملا عثمان أن يوسع معارفه فسافر إلى مصر وأخذ عن الشيخ يوسف عجور إمام الشافعية القراءات العشر والتهليل والتحميد وأجازه فيها. وعاد من مصر إلى الموصل ، وكان قد درس في بغداد على الشيخ محمود شكري الآلوسي وسافر الملا عثمان إلى استانبول أكثر من مرة واستمع إليه الناس في جامع (أيا صوفيا) وأعجبوا به وأصبح مقصداً للمجتمع الأدبي والفني. وأهم الشخصيات التي تعرف بها في استانبول محمد أبو الهدى الصيادي وأخذ عنه الطريقة الرفاعية ، وفتح أمامه آفاقاً بتقديمه إلى السلطان عبد الحميد. وقربه السلطان وسمح له دخول قصوره وقصور الحريم متى شاء ، وظل الملا عثمان مقرباً من البلاط في استانبول وكان موضع عناية الخليفة العثماني ، وكان يعتمد عليه شخصياً في إيفاده إلى بعض أنحاء الإمبراطورية العثمانية لأغراض سياسية ، وكان يخطب في الحج باسم السلطان عبد الحميد بتخويل منه.
والتقى عند ذهابه إلى مصر عام 1895 بالموسيقار عبده الحمولي وغيره من رجال الموسيقى والفن ودرسوا عليه فنون الموشحات ، والتقى عام 1909 بسيد درويش في الشام ، ودرس عليه سيد درويش الموشحات وفنون الموسيقى ، وقام بتخميس لامية البوصيري وأطلق عليها (الهدية الشامية على القصيدة اللامية).
وقد أرسله السلطان عبد الحميد إلى ليبيا لمعرفة المقاصد السياسية للسنوسي فأكرمه أجل إكرام.
القراءات والموسيقى:
ازدهرت مدن العراق بالمقرئين المجيدين وكانت الموصل في مقدمة هذه المدن منذ العهد العباسي واشتهرت بمدارس القرآن الكثيرة التي تدرس فيها علوم التجويد والإقراء حسب القراءات المشهورة مع التدريب على أصولها ، وكان التدريس فيها على أئمة القراءة وأساتذة التجويد المشهورين حيث يجاز على أيديهم عدد كبير من الطلاب يمنحون إجازاتهم في حفل كبير كل عام وقد ظهر في الموصل قراء مشهورون توارثوا القراءة عن بعضهم كالملا سعد الدين بن محمد أمين بن سعد الدين شيخ القراء وأحد أدباء الموصل المعروفين ، ومحمود حموشي الموصلي المتوفى عام 1337هـ. والملا عثمان الذي كان قارئاً ومقرئاً أي أستاذا في القراءات ، وكان الطلبة ينهلون من علمه ومعرفته. ودرّس في بغداد في جامعي الخفافين والمرادية وأشهر من درس عليه محمد بهجة الأثري ومحمد صالح الجوادي الذي تخرج عليه جيل من القراء.
وينصرف الملا عثمان في أشعاره وقصائده إلى مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) وآل البيت وألف كتباً في ذلك ، وقد ساعده ذلك أن يكون من شعراء الموالد النبوية والموشحات ، ويعد مدرسة كاملة في الموشحات ومن أبرزهم في العراق. وذكر أن له خمسين موشحاً جميعها ذات الحان رائعة تناقلت ما بين العراق والشام ومصر.
ومنها على نغم الحجاز مطلعها (من لصب بالهجر مرمى) و(يا عترة طه بكم الصب متيم) ومنها على نغم صبا مطلعها (خفت البلوى دوم نفرح) وعلى نغم بياتي ديوان (ويحك يا نفس أطيعي) و(طه يا مالكي رفقاً يا مدركي) وعلى نغم حجاز كار(لي فؤاد منّ لعلي) و(خلي ملامك يا عاذلي) وغير ذلك عشرات الموشحات ذات الألحان الجميلة ، التي كانت تنظم وتحفظ وتنشر في البلاد ، وكانت قراءة الموشحات والأذكار النبوية تلتزم وجود فرقة كاملة من المنشدين الذين يساعدون في أداء النغم ، يمرنهم الملا عثمان ، ويتخرج على يديه عدد من المنشدين الجيدين باستمرار ومنهم من نال شهرة مثل الحافظ ملا مهدي الذي انتهت إليه رئاسة الأذكار النبوية في بغداد فترة من الزمن. والشيخ محمد الملاح في الموصل. والحاج محمد بن سرحان وهو قارئ وعالم من علماء الموصل.
واتصل عثمان الموصلي عندما كان في مصر بأقطاب المولوية ويحضر معهم جلسات الذكر بدافع حبه للموسيقى وانتسب بعدئذٍ إلى هذه الطريقة كما انتسب إليها ابنه احمد فكلفه أبوه بتعمير مسجد شمس الدين في الموصل ليكون تكية مولوية ، ومركزاً لتجديد هذه الطريقة ونشرها في العراق. وافتتحها عام 1910 وشكل عثمان فرقة موسيقية تكون نواة لجماعة المولوية في الموصل ، إلاّ أنها اضمحلت بعد الحرب العالمية الأولى.
يعد الملا عثمان من أقطاب الموسيقى في الشرق خلال الربع الأول من هذا القرن ، وله فضل في تطويرها وإدخال التجديد عليها ، ودرس الموسيقى على (شلتاغ) المشهور بغناء المقامات وعلى (عبد الله الكركوكلي) وغيرهما من أساتذة الفن ، وكان صوت عثمان حلواً دافئاً من طبقة غليظة يشبه صوتي محمد رفعت ومحمود صبح بل هو أضخم من صوتيهما وأجمل ولازم صوته الجميل قدرته الموسيقية العالية وكان للقائه بعبده الحمولي في مصر الأثر الكبير في تطوير قدرته الموسيقية وأخذ عبده الحمولي عن عثمان الموصلي الموشحات ومزجها بالأدوار المصرية ، وقد أدخل عثمان الموصلي إلى مصر نغمات (الحجاز كار والنهاوند وفرعهما) وكانت مجهولة في مصر.
ودرس على عثمان الموصلي في مصر كل من (كامل الخلعي) الذي أخذ منه الموشحات المقامة على الأوزان التركية والشامية. و(الشيخ علي محمود) وهو أستاذ زكريا احمد. وأخذ (سيد درويش) عن عثمان الموصلي أصول الموشحات التركية والعربية. و(احمد أبو خليل قباني) الذي أدخل الفن إلى سوريا. وأخذ عنه كذلك في تركيا (سامي بيك) رئيس أكبر فرقة موسيقية تركية. والمغنية (نصيب) وقد أخذوا عنه الموشحات والغزل التركي.
ومزج عثمان الموصلي بين الموسيقى العربية والتركية بإدخاله المقامات العراقية بالغناء التركي فكان يقرأ مقام البياتي والعشاق الترك على أسلوب مقام المنصوري الموصل. وقد لحّن كثيراً من الأغاني وسجلها على اسطوانات.
وقد بقيت أربع اسطوانات في حالة جيدة. الأولى من مقام الراست والثانية من مقام المنصوري والثالثة من مقام الشهري ويغني فيها أغنية من نظمه وتلحينه. مطلعها (للعاشق في الهوى دلائل). والرابعة من مقام السيكاه.
ثم يعقبها بقوله: (يا أهل الحدباء يا أغاتي يا عيوني هذا القوان اسمعوه بعد موتي وأنا الملا عثمان والسلام عليكم).
ونقل الملا عثمان إلى المقامات العراقية عن الموسيقى التركية مقام الديوان ، ونقل عن موسيقى الجيش التركي نغمة تسمى (سيد هواسي) من مقام الرست ونظم عليها التنزيلة المشهورة (يا آل طه فيكم قد هام المضنى يرجوكم). ورفع من شأن الموسيقى في العراق وأدخل التجديد في أساليبها. وكان يميز بين الأنغام ويضبط المقام ويجيد العزف على آلتي العود والقانون بشكل متقن. وهو يعزف ويحفظ حروفها بالسماع ويخرجها عند العزف بأنصافها وأرباعها ، وله أسلوبه الخاص في غناء الأدوار المصرية ، وهو في غنائه معبر يعطي صورة صادقة للكلمة عند غنائها ويجعلها تنبض بالحياة.
ومن الذي تلقوا فن الغناء والموسيقى على يديه في العراق (محمد علي خيوكه) والد المغني حسن خيوكه ، و(حسين علي الصفو) وهو من قراء المقامات في الموصل و( عبد الرزاق القبانجي) والد محمد القبانجي و(الحاج سلو الجزمجي) و(سيد احمد الموصلي) وأخذ عنه قصيدة:
للعاشق في الهوى دلائل لو يسمع من كلام عاذل
ومن ألحانه على نغم السيكاه الزهيري الذي مطلعه:
نار المحبة بنات ضمائري فاطمة ورضيع صبري تعنّد بالهوى فاطمة
من حيث سحب التجافي وسيولها فاطمة أصبحت كالحائر المبهوت في كربلا
ولحن على نغم السيكاه قصيدة عبد الباقي العمري التي مطلعها:
وأفتك يا موسى بن جعفر تحفه منها بلوغ لنا الطراز الأول
ومن ألحانه الذائعة (يا خشوف على المكريه) وهي من نغم السيكاه. وقد أنشدت في المؤتمر الدولي للموسيقى العربية المنعقد في بغداد عام 1964 تكريماً له.
وكان عثمان الموصلي عالماً بالفلك وخطيباً شارك في المناسبات الوطنية والدينية ويخطب ارتجالا لساعات.
وقد برع الملا عثمان في التشطير وتخميس القصائد حتى لا يكاد المرء يفرق بين الشطر الأصلي من البيت والشطر الجديد.
وللملا عثمان شعر من لزوم ما لا يلزم التزمه بوضع أسماء السور القرآنية حسب ترتيبها في القرآن الكريم مضمنا فيها أبيات قصيدة يمتدح فيها الرسول الكريم وهي على نهج قصيدة البردة وقد أجاد فيها ولاسيما في اشتقاق المعاني من أسماء السور للحصول على معنى يمتدح به الرسول الكريم وقد نشرها في كتابه (سعادة الدارين) في عام 1318 هـ.
للاستزادة ينظر في كتاب (الملا عثمان الموصلي الموسيقار والشاعر المتصوف) ، 1966م ، وكتاب موسوعة الموصل الثقافية ، عثمان الموصلي ، 1992م ، عادل البكري.

مهيمن الجزراوي
26/03/2009, 07h43
الملا عثمان الموصلي مقرئا
بقلم الدكتور عبد الستار فاضل

الملا عثمان بن الحاج عبد الله الموصلي المولود في الموصل (سنة 1271هـ -1854م) والمتوفى في بغداد سنة (1341هـ - 1923م) من أشهر مقرئي الموصل خاصة والعالم الإسلامي عامة ، تبوأ مكانة سامية بين معاصريه من العلماء ولاسيما شيخ علماء الموصل في زمانه العلامة محمد أفندي الرضواني المتوفى سنة (1357هـ - 1938م) الذي كان من أقرانه في الدراسة على العلامة الشيخ صالح الخطيب ، وكانت له صلة وثيقة بالعلامة الشيخ عبد الله النعمة (ت 1396هـ -1949م).
كان – رحمه الله – درة كيفما أديرت أضاءت ، وبحثنا الذي هذا ملخصه يتناوله من حيث كونه مقرئا ، والمقرئ هو العالمُ بالقراءات القرآنية أداء الراوي لها مشافهة أي سماعاً من لفظ شيخ ضابط متقن ، وهو أعلى مرتبة من القارئ المبتدئ الذي هو من أفرد إلى ثلاث روايات ، والمتوسط إلى أربع أو خمس ، والمنتهي من عرف من القراءات أكثرها وأشهرها ولذا سمى ابن القاصح شرحه للشاطبية بـ(سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي).
بدأت رحلة الملا عثمان في رحاب القرآن الكريم بعد وفاة والده الحاج عبد الله وهو لم يبلغ السابعة من عمره ، وفقد بصره بعد ذلك بقليل ، لينشأ في كنف أحد وجهاء الموصل (محمود أفندي بن سليمان العمري) الذي خصه بمعلم يحفظه القرآن الكريم حتى استظهره تعلم مبادئ العلوم ثم درس على أفاضل علماء زمانه ومنهم العلامة الحاج عمر الأربيلي ، والعلامة صالح الخطيب ، والعلامة عبد الله الفيضي وغيرهم.
وفي عام (1282هـ - 1486م) توفي كافله العمري مما اضطره إلى ترك الموصل متوجها إلى بغداد ليقيم عند ابن محمود العمري وهو الأديب العلامة أحمد عزت باشا العمري. فدرس في بغداد صحيح البخاري على الشيخ داود أفندي وحفظ نصفه , ثم أكمل حفظه على الشيخ بهاء الحق أفندي الهندي. وفي أثناء مكوثه في بغداد كان محلقا في إجادته لتلاوة القرآن الكريم ، والموشحات ، والموالد النبوية حتى ملأت شهرته الأفاق.
وفي سنة (1304هـ - 1886م) قصد الموصل راجعاً من أداء فريضة الحج ، ليواصل دراسته في مدينته الحدباء ، فلازم الشيخ محمد بن جرجيس الموصلي الشهير بالنوري (ت 1305 هـ - 1887م) وأخذ عنه الطريقة القادرية ، وكان يقرأ قبل وبعد مجالس وعظ شيخه المذكور ، والتي كان يقيمها بعد صلاة العصر على عادة أهل الموصل في ذلك الوقت. وفي هذه المدة قرأ القراءات السبع على الطريقة الشاطبية على يد الشيخ المقرئ محمد بن الحاج حسن (رحمه الله) وأجازه بها.
بعد ذلك توجه إلى استانبول عاصمة الخلافة العثمانية التي كانت تعج بالعلماء ، حيث كان يقيم أحمد عزت باشا العمري الذي تلقاه وأكرمه ، وهناك التقى – رحمه الله – بالشيخ السيد مصطفى مخفي أفندي مفتي أزميد فدرس عليه وتلقى عنه القراءات العشر مع أوجه التكبير وأجازه بها.
ثم رحل إلى مصر ليزداد من علم القراءات فالتقى بكبير قرائها آنذاك الشيخ يوسف عجور إمام الشافعية في جامع السيد العدوي فأكمل عليه القراءات العشر مع التهليل والتحميد وأجازه بذلك.
وقد ذكر ذلك في إحدى إجازته لطلابه وفيها: (تلقيت الرواية وأحرزتها بالدراية عن ... شيخي السيد مصطفى مخفي أفندي ... قرأت عليه طريق التجير والتيسير بمسالك يوسف أفندي صاحب (الائتلاف) وأجازتي أن أقرئ (بالطيبة) بلا خلاف ، وإن صاحب الائتلاف ليس له من أوجد التكبيرات غير التكبير ، وقراءتي بالموصل من طريق السبعة فيها التهليل ، والتكبير ، والتحميد لأجل ذلك عزمت على الرواح إلى مصر بعد أخذ الإجازة لأتم أوجه التكبيرات هناك فسرت إلى طندة وأتيت إلى شيخ قرائها ... الشيخ يوسف عجور قرأت عليه ... فأجازني بالقراءة والإقراء وأخذت الإجازة عليه).
ثم عاد إلى الموصل فبغداد لتتعدد رحلاته إلى استانبول ، وبلاد الشام ، ومصر ليستقر بعد ذلك في بغداد حتى وفاته ، لينشر هذا العلم في الأفاق ، ويكون له تلامذة في علم القراءات أصبحوا أعلاما فيها.
ومن أشهر تلامذته في القراءات السبع الشيخ العلامة محمد صالح الجوادي الذي اخذ القراءات على الملا عثمان الموصلي ونال منه الإجازة بها وقد ختم إجازته مؤرخا إياها ببيتين فقال: (ولما تمت منه ربي علي ، ومدت موائد إحسانه إلي َ بإجازة هذا الورع التقي المرجو له الاستقامة ، أرختها لتكون لوقتها علامة):
أجزت بالعشرة عبداً صالحاً بما رويته وإني رابح
موائد الذكر له أرخت: أجيز بالعشرة صفح صالح

ومن أشهر تلامذته في مصر الشيخ محمد رفعة (رحمه الله) شيخ قراء مصر ، وقد ذكر الدكتور عادل البكري قال: (أخبرني بذلك المرحوم الدكتور احمد عبد الستار الجوادي وقال إنه سمع من المرحوم الشيخ محمد رفعة نفسه أنه درس على الشيخ عثمان الموصلي وأنه ذكر ذلك في مناسبات عديدة).
ويذكر الدكتور البكري انه سأل الشيخ محمد صالح الجوادي قائلاً: (لقد سمعتم تلاوة الملا عثمان ومن بعده تلاوة شيخ قراء مصر المرحوم محمد رفعة فأيهما يجيد القراءة أكثر؟ فقال: الملا عثمان يجيد القراءة أكثر ولكنه لم يتفرغ لها).
ومن تلامذته في بغداد الحافظ مهدي ، والحاج محمود عبد الوهاب ، وعبد الفتاح معروف ، ومحمد وحيد الدين الهندي ، وعبد القادر الخطيب وغيرهم رحمهم الله جميعاً.
أما طريقته في القراءة فهي الطريقة الموصلية المتوارثة شيخا عن شيخ ، والتي قل نظيرها في العالم الإسلامي من حيث دقة الأداء ومراعاة معاني الآيات من نفي ، ونهي ، واستفهام ، ودعاء ، وأمر وغير ذلك , تلك القراءة التي حافظ عليها محمد صالح الجوادي (رحمه الله) ثم تلميذه شيخنا الشيخ يونس إبراهيم الطائي (رحمه الله) ، قال الزركشي في البرهان: (فحق على كل امرئ مسلم قرأ القرآن أن يرتله وكمال ترتيله تفخيم ألفاظه والإبانة عن حروفه ، والإفصاح لجميعه بالتدبر حتى يصل بكل ما بعده .. فمن أراد أن يقرأ القرآن بكمال الترتيل فليقرأه على منازله ، فإن كان يقرأ تهديدا لفظ به لفظ المتهدد ، وإن كان يقرأ لفظ تعظيم لفظ به على التعظيم).
وقد ذكر الدكتور البكري إن الدكتور مصطفى شريف العاني اخبره عن بعض المشايخ أن عثمان الموصلي قبل أن يقرأ في محافل مصر للمرة الأولى كان قد أشار إليه بعض المحتضين به أن يستأذنوا شيخ قراء مصر ليسمح له بالقراءة ، وما كاد الملا عثمان الموصلي يتلو البسملة حتى نهض إليه شيخ القراء وقبله من جبينه وهو يعتذر ويبدي المجابة بصوته وحسن قراءته.

وسام الشالجي
26/03/2009, 18h58
اخي العزيز مهيمن الجزراوي
تحية طيبة
اود ان اشكرك كثيرا على هذه الدراسات العلمية العالية التي ترفعها عن مختلف الوان التراث الفني العراقي سواء الغنائي منه او الموسيقي . ان ما تقدمه يمكن ان يكون بحق مرجعا للباحثين في هذا التراث , علاوة على كونه مفيدا لكل من يريد ان يستوثق بمعلومة تخص الفن العراقي . وبصفتك اكاديمي مختص ارى من الضروري ان تعزز هذا الباب بموضوع متخصص بذكر اسماء الكتب والمراجع التي يمكن ان تفيد الباحث في هذا المجال . ان هذا المعلومات يمكن ان تغني اي شخص يريد ان يبحث في المجال الفني , وانا اعرف فائدة ذلك جيدا بصفتي باحث علمي في مجال اختصاصي .
بوركت اخي العزيز , ودمت لنا في تقديمك لهذه المشاركات القيمة .

hasanh
02/04/2009, 15h20
انقل هنا دراسة اخرى قيمة جدا ايضا للاستاذ مروان حبيب ظاهر عن الدكتور حبيب ظاهر نشرت في مجلس العلوم بهذا المنتدى فنشكرهما على هذه الدراسة . ومما ذكر فيها ان الملا عثمان التقى الملحن سيد درويش في الشام وتدارسا الانغام وتبادلا المعلومات . وهذا يفسر الجدل الدائر حول من هو مؤلف (زوروني بالسنة مرة حرام).
هذا وقد قمت انا بتأشير النقاط البارزة باللون الاحمر للتسهيل على الزوار الكرام ولكونها (رغم اهميتها الخارقة كلها ) دراسة طويلة.
كما اود القول ان القراءات السبع للقرآن الكريم ليست تجويدية كما ذكر هنا، وانما تخص النص الطاهر ( كقوله تعالى في سورة الفاتحة "السراط المستقيم" في قراءة و"الصراط "في أخرى، وكذلك قوله جل جلاله "مالك يوم الدين" أو "ملك" يوم الدين ).. وهكذا فقد انزل القرآن الكريم على سبعة احرف.
.
الدراسة





أضواء على حياة وإنجازات الملا عثمان الموصلي


(الدينية والدنيوية)*


حبيب ظاهر العباس **


ظهرت بوادر العلوم والآداب والفنون في مدينة الموصل في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة، وازدهرت تلك النهضة في القرنين الثاني والثالث عشر للهجرة، وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي، إذ تقع الموصل القديمة مدينة الربيع والجمال على الساحل الأيمن من نهر دجلة، وترتبط في التقاءات طرق رئيسية برية بين القسطنطينية ( استانبول) وحلب وبغداد، ويسكن فيها مئات الآلاف من البشر بقوميات واديان ولغات متنوعة، ينتظمون في قرى محفوفة بالبساتين ومطوقة بالآثار القديمة التي تؤرخ وتوثق تلك البقعة من الأرض، ولعل هؤلاء الناس الذين من نسل أشور على الأرجح قد احتفظوا ببعض المهارات الثقافية والفنية التي توارثتها الأجيال اللاحقة، فكانت تلك الثقافات المتنوعة والحال هذا تأتيها( أي الموصل) من كل صوب وجانب، فالثقافة الشامية تأتيها عن طريق حلب، والعراقية تأتيها عن طريق بغداد، والتركية تأتيها عن طريق استانبول، فضلا عن الفنون الموصلية المختلفة التي اجتاحت البلاد منذ العصور العباسية المتأخرة الى حين الاحتلال العثماني رغم أن الحياة الثقافية والاجتماعية أبان الحكم العثماني للعراق لم تكن تضاهي ما عرفه العراق خلال العصور الذهبية بسبب قلة الدراسات والبحوث، إذ أن أكثر الذين كتبوا عن تاريخ العراق الحديث يقفزون فترة الحكم العثماني بذريعة إنها فترة انحطاط أو إنهم يكتفون بالإشارة إلى بؤسها وهذا لا يعني إن تلك الفترة قد خلت من بعض الدراسات الثقافية والنشاطات الفنية، إذ إن الدراسات الحديثة للباحثين المعاصرين قد ساعدت على الكشف عن أنماط لعلاقات موسيقية وثقافية كانت قائمة خلال العصر العثماني الأخير في العراق حافظت على الأساليب المحلية لتلك الثقافات ، يضاف إلى ذلك اتساع رقعة الإمبراطورية العثمانية وسعة نفوذها في الوطن العربي والذي ساعد على التبادل الثقافي والتلاقح الفني بين الشعوب المحتلة وخاصة ( بغداد، والقاهرة، وحلب)0
بهذا التاريخ الحافل بالأمجاد الثقافية أنجبت مدينة الموصل فيالق من الأدباء والمفكرين والفنانين حيث يطل علينا في العصر العثماني الأخير (1850م – 1917م) فنانٌ ألمعيُ هو الملا عثمان الموصلي يقدم لنا نماذج فنية فريدة من نوعها ليختصر لنا السرد في الغرائب والعجائب من الأنباء والحكايات والنوادر التي شهدتها تلك الحقبة الزمنية ويسجل لنا أيضاً عبر تاريخه الفني إنجازات فنية وثقافية وفكرية ودينية تنوعتْ و ارتبطت بثقافات الدول المجاورة مضافاً إليها الثقافات المحلية.
في خضم هذه الأجواء ولد عثمان الحاج عبد الله بن الحاج فتحي بن عليوي المنسوب إلى بيت الطحان في مدينة الموصل سنة (1271هـ الموافق 1854م)(1) من عائلة فقيرة، فقد بصره على أثر مرض الجدري
وهو صغير, وتوفى أبوه وهو في نحو السابعة من عمره، فأخذه جاره محمود أفندي ألعمري (وهو من الشخصيات الثقافية والاجتماعية المعروفة في الموصل) وخصص له من يحفظه القرآن الكريم وحفظ السيرة النبوية الشريفة والأحاديث الصحيحة وجانباً كبيراً من الشعر، ثم رتب له من يدربه على الموسيقى ودراسة قواعدها وأصولها.
لقد عرف الملا عثمان بعشقه للتجوال والترحال بين المدن (بغداد – حلب – استانبول – مصر – الحجاز) إذ شكلت تلك الأسفار حيزاً كبيراً من تكوين شخصيته الفنية والثقافية، حيث كان كثير اللقاءات مع شخصيات البلدان التي يحط بها إذ مكنته هذه اللقاءات من إقامة علاقات واسعة مع رجال الأدب والثقافة والفن والدين جامعاً بين التعلم والتعليم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
*بحث مقدم بمناسبة انعقاد مهرجان الملا عثمان الموصلي للفترة من 15 – 18 أيلول 2006 في اربيل
** ماجستير علوم موسيقية رئيس اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى، نائب رئيس اتحاد الموسيقيين العراقيين، عضو المكتب التنفيذي وممثل العراق للمجمع العربي للموسيقى مدير عام في وزارة الثقافة له عدة كتب وبحوث ودراسات موسيقية
(1) تضاربت الآراء والمصادر في ميلاده حيث يقول الشيخ جلال الحنفي في كتابه ص88 انه ولد عام 1256م بينما يثبت تاريخ ميلاده كل من الأثري والواعظ والعلاف في سنة 1271م.



في عام 1865م وبعد وفاة مربيه محمد أفندي ألعمري شد الملا عثمان الرحال متوجهاً إلى بغداد حيث حل ضيفاً على الشاعر والأديب (أحمد عزت باشا ألعمري)1) ، و بعد أن حلق طائر صيته في سماء بغداد التي كانت تعج بالعلماء والأدباء والمغنين والموسيقيين ورجال الدين والطرق الصوفية، وعندما حل ركبه في بغداد أصبح حديث المحافل والمجالس الدينية والدنيوية، وأخذت الأكف تتهاداه من مجلس إلى مجلس والناس يتهادون سراعا من كل حده وصوب لسماع ما يقدمه من فنون متنوعة وبموهبة قل نظيرها في تاريخ العراق المعاصر ، وبهذا وجد الملا عثمان في بغداد متسعاً من الوقت للدراسة على علمائها كالشيخ بهاء الدين وغيره واخذ من الآخرين علم الحديث وزاد علماً في الموسيقى وفنونها 0 وبعد إن قضى زمناً في بغداد عزم على السياحة في العالم الإسلامي ، إذ شد الرحال إلى الحجاز لأداء فريضة الحج المقدسة
في عام 1886 رجع بعدئذ إلى مدينته الموصل ليكمل تعليمه على كبار شيوخها وعلمائها وكالشيخ محمد بن جرجيس ألنوري شيخ الطريقة القادرية النورية والشيخ محمد بن الحاج حسن0
لم يتوقف طموح الملا عثمان بهذا الحد من العلوم والمعرفة والتي توفرت له في البيئتين الموصلية والبغدادية، فعقد العزم بالتوجه إلى عاصمة الخلافة العثمانية ( استانبول) حيث توفرت له هناك ظروف حسنة اتاحت له فرصة الاتصال بأهل الطرق الصوفية ( المولية والقادرية) والتي انتعشت في عهد السلطان عبد الحميد(2) وربما لجأ للطريقة المولية أكثر من غيرها كونها تجيز استعمال الآلات الموسيقية عند قيام الذكر والمولد النبوي.وفي استانبول برز الملا عثمان بعد أن وجد شهرته قد سبقته، حيث احتفى به رجال الثقافة والسياسة وخصص له راتب يستعين به من قبل الدولة العثمانية أثناء إقامته في عاصمتها.
في عام 1895م غادر الملا عثمان استانبول إلى سوريا حيث التقى هناك السيد درويش والذي اخذ من الملا عثمان الكثير من الموشحات والتنزيلات والأناشيد الدينية ووضعها في قوالب غنائية حسبت له فيما بعد. ومن سوريا غادر إلى مصر فأقام بها مدة تقارب الخمس سنوات نال فيها تكريماً كبيراً بعد إن تعرف على كبار فنانيها وعلمائها كالشيخ محمد العباسي المهدي المصري وعبده الحمولي وتتلمذ عليه كثيرون في الموسيقى وقد أنشأ في مصر مجلة باسم (المعارف) إضافة إلى مساهماته في التلحين والتجويد والعلوم الأخرى.
في عام 1913م عاد من مصر إلى بغداد بعد مروره باستانبول التي تغيرت الأوضاع السياسية فيها وظهرت المشاكل والاضطرابات يضاف إلى ذلك شوقه إلى العراق وأهله الأمر الذي جعله مضطراً على مغادرة استانبول والعودة إلى العراق عن طريق الشام.
ومن خلال تجواله في هذه البلدان وهو يحمل مواهب متنوعة نعته تلامذته ومحبوه بألقاب تتفق جميعها لتعكس مجمل تلك المواهب التي عرف بها والفنون التي مارسها وأتقن أدائها ومن هذه الألقاب الملا عثمان لقراءة القرآن والحافظ عثمان لأنه حفظ القرآن وعلمه، وعثمان دده أفندي بعد انتسابه إلى المولوية وهو اصطلاح بمعنى الجد يطلق على شيوخ الطريقة المولوية والبكتاشية وهذا الاسم الذي عرف به في تركيا.كما ولقبوه بألقاب أخرى منها الموسيقار والشاعر المتصوف عثمان الموصلي وذلك لشاعريته ونبوغه في الموسيقى والعملاق الأعمى وعبقرية الموصل إلى أخره من الألقاب التي تنطبق على ما أنجزه من إبداعات فنية متنوعة. لقد كان هذا الرجل آية زمانه في سعة أدبه وعلمه وفرط ذكائه وفطنته ورقة شعوره وإحساسه وبراعته في فن الموسيقى وتفننه في قراءة القرآن الكريم وإضافاته الفنية التي أجراها على طقوس المولد النبوي، فأصبح حديث المحافل الدينية والدنيوية، وبهذه الطاقة الإبداعية المتفردة دخل دواوين بغداد المشهورة والمعروفة آنذاك من أوسع أبوابها. إذ كان له مكانُ رحبُ ولائقُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

(1) هو المحرر العراقي الأول لجريدة الزوراء وهي أول صحيفة صدرت في بغداد في عهد الوالي مدحت باشا الذي تولى الولاية في عام 1869م وله أثار أدبية وعلمية وفنية.
وبعد إن قضى زمناً في بغداد عزم على السياحة في العالم الإسلامي، إذ شد الرحال إلى الحجاز لأداء فريضة الحج المقدسة0
(2) عاش عبد الحميد الثاني بين عام 1842م – 1918م وحكم من 1878م إلى 1909م أي تاريخ خلعه.





فيها، حيث اخذ الجلاس يستمعون له ويصغون إلى حكاياته التي تتناول سفراته وجولاته وما دار فيها ويسألونه عن مسالك التجويد وبناء المقام ونظم الشعر وهندسة الموسيقى وكذلك كان يبدو رأيه فيما يطرح من خلال المناقشات التي تدور في فلك الفقه واللغة وإخبار التاريخ. ومن أشهر تلك المجالس والدواوين (مجلس آل الواعظ، مجلس السيد إبراهيم الراوي، مجلس الشيخ قاسم القيسي مفتي بغداد، مجلس مصطفى الطويل ومجالس أخرى) هذا وقد عرف الملا عثمان الموصلي بمواقفه الوطنية بوجه المستعمر الإنكليزي وذلك من خلال خطبه التي كان يوجهها إلى عامة الناس من خلال التجمعات الشعبية التي تحتشد في جوامع بغداد كجامع صندل وجامع براثا وجامع الكيلاني وجامع السيد سلطان علي وجامع ألخلاني.
يصف معاصرو الملا عثمان الموصلي بأنه كان قوي البنية كبير الجسم ممتلئ القامة أسمر اللون أشقر الشعر جهير الصوت بطئ السير يقوده تلاميذه غالبا وكثير من الناس وإذا ترك وحده سرقوا كيسه أو مسبحته أو عصاه أو حذاءه فتثور ثائرته ويخرج به الأمر إلى سب نفسه ثم يعود إليه رشده فيستغفرربه ويتوب اليه
ومن خلال حياته الفنية تعددت أزياؤه حيث ارتدى زى المولوية وهو عبارة عن جبة واسعة صفراء اللون وعمامة صفراء أيضا ملفوفة فوق طربوش, وبعدها ارتدى سروالاً على رأسه طربوشُ طويل ثم استبدل زيه قبل وفاته بثلاث سنوات تقريبا بكشيدة وعمامة.
فجعتْ مدينة بغداد بوفاته في اليوم الخامس عشر من جمادى الأخر سنة 1341هـ المصادف 30 كانون الثاني 1923م، وكان يوما شديد المطر كثير الرعد والبرق فلم يسمع كثيرُ من الناس بموته إلا بعد دفنه في مقبرة الغزالي الواقعة في الرصافة بغداد.
الإنجازات الدينية:
انصهرت حلقات الحضارة البابلية في وسط العراق مع الحضارة الآشورية في الشمال بالحضارة السومرية في الجنوب لتنبه الإنسان منذ أقدم العصور إلى أهمية الموسيقى وعلاقتها بالمجتمع، بعد إن أبدعت هذه الحضارات القديمة فلسفات كثيرة ومن أهم هذه الفلسفات هي فلسفة الدين، الذي احتلت طقوسه المكانة الأولى عند سكان العراق القدامى (1) وهم يقومون في تأدية وسماع الموسيقى والغناء عن طريق الشعائر والطقوس الدينية (2).
جاء الإسلام بين رافض ومحافظ على نظريته للموسيقى وعلاقتها بالدين، حيث تضاربت الآراء وكثرت الاجتهادات وبات الباحثون والمفسرون في حيرة من أمرهم إزاء مجموعة من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة والأقاويل الكثيرة وتفسيراتها(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1)عثر المنقبون على عدد كبير من التراتيل السومرية ولاشك إن الكهنة والملوك كانوا يرتلونها بألحان خاصة مصحوبة بالضرب على الآلات الموسيقية المعروفة 00 ومن هنا تظهر العلاقة بين الموسيقى والإنشاد والعبادة، وقد يتضح لنا جلياً من الترتيل الأتي الذي كان مدوناً على أحدى الرقميات لنملا ساحة المعبد فرحاً ونبعد عن المدن الحزينة - لتبتهج القلوب وتهدأ العواطف – وتتوقف العيون عن البكاء0 المصدر – شريف يوسف – الموسيقى عند السومريين والبابليين والآشوريين – مقالة نشرت في مجلة التراث الشعبي العدد الخامس سنة 1974.
(2)يقول الدكتور صبحي أنور رشيد ( كان العراقيون القدماء يشاركون يومياً في تأدية وسماع الموسيقى والغناء وذلك عن طريق الطقوس والشرائع الدينية التي تقام في المعبد منذ استيقاظ ألآله في الصباح ولغاية خلوده إلى الراحة والنوم ليلاً، كما كانت للموسيقى دور كبير في مراسيم حمود البلاد00 إضافة إلى كل ما تقدم ترينا المنحوتات الجدارية والآشورية العزف على الآلات الموسيقية إثناء قيام الملك تقديم القرابين في المناسبات الدينية 00 المصدر أنور رشيد صبحي الآلات الموسيقية في العصور الإسلامية.
(3)يقول المفسرون المسلمون( أن المراد في الآيات التالية ) ( يزيد في الخلق ما يشاء) هو الصوت الحسن ويقول أيضا ( وان أنكر الأصوات لصوت الحمير) تدل مفهومها على الصوت الحسن. ومن جهة يعلن المعارضون أن الغناء حرام لأنه يستخدم الشعر والشعراء يتبعهم الغاوون ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) 00 وقد روت عائشة زوجة النبي إن محمد (ص) قال ذات مرة ( إن الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها)0 وروي جابر ابن عبده الله إن النبي محمد (ص) قال إن إبليس أول من ناج وأول من تغنى ) المصدر – فارمو – تاريخ الموسيقى العربية / ص35






وصفوة القول إن محرمي الموسيقى لم يجدوا دعامة حقيقية في القرآن الكريم يستندون إليها فيما ادعوا (1). ورغم الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي برزت في الفترة الأخيرة من الحكم العثماني، في العراق ألا أننا نلاحظ أن الإشكال الموسيقية والصيغ التقليدية لم تتأثر أو تتغير بتلك الأجواء المشحونة بالتقلبات إذ أن السلطة آنذاك لم تخش أو تتردد من التعاطف مع تلك الطقوس الشعبية التي زاد انتشارها وازدهارها بعد أن التصقت الطقوس الدينية بالدنيوية وخاصة في النصف الثاني من القرن التاســع عشر في بغداد والموصـل ووجدت الألحان والأشعار الصوفية في قراءة المقام العراقي مكاناً رحباً في الادائين الديني والدنيوي مضافاً إلى ذلك أنشاء الجوامع والمساجد التي استوعبت مجاميع من المؤذنين ومقرئي القران الكريم والممجدين .
لقد فرزت تلك الظروف والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية والجغرافية وطقوس وشعائر دينية متعددة التحمت أجواؤها بالحياة اليومية في أدق تفاصيلها، فنلاحظ الطقوس الدينية الإسلامية تختلف عن غيرها من الأديان المتواجدة في العراق، وكذلك الحال بالنسبة للطقوس الدينية المسيحية واليزيدية 00 الخ 0 وقد برزت في القرن العشرين طقوس وعادات دينية نهجت بمذاهب أهل العراق المتنوعة، وقد شاهدنا وبعيداً عن الحفلات التي تمارس فيها تقاليد تتعارض مع نهج الدين الإسلامي، تفنن صلحـــــاء المسلمين وأرباب النعمة منهم في ابتكار طرق حسنة يمارسون فيها شعائرهم وطقوسهم الدينية وهم متسننون بسنة نبيهم محمد (ص)وباساليب متنوعة وطرق مختلفة تعمق الأيمان بقلوبهم، فلجأوا إلى إقامة حفلات دينية تحت أسماء وعناوين مختلفة بحسب موقعها الجغرافي، فنلاحظ الذكر والمنقبة النبوية تقام في وسط وغرب العراق وكذلك التهليلة والمولد النبوي تقام في وسط ( بغداد) والسبايات والمواكب الحسينية تقام في الجنوب من العراق والفرات الأوسط أما المكايد وطقوسها فتقام في البصرة على وجه التحديد.واذا راجعنا انجازات الملا عثمان الموصلي نستطيع التمييز بين ثلاثة محافل برز فيها خلال حياته،ورغم ما بينها من تداخل الا اننا نلاحظ نشاطاته المتميزة في الطقوس الدينية التي اجتذبته منذ البداية اكثر مما فعلت الاجواء الاخرى كما ويقع المحفل الثاني في تلاوة القرآن الكريم ومدارسه ويمثل الثالث انجازاته في مجال الموسيقى والغناء وابداعاته فيها،
وسوف أتناول في بحثي هذا الطقوس التي مارسها الملا عثمان الموصلي خلال حياته ومدى تأثيره فيها.
المولد النبوي: اهتم أهل العراق البغداديون والمصلاويون بشكل خاص بإقامة حفلات دينية تسمى بـ ( المولد النبوي أو المنقبة النبوية ) تقام على الغالب ليلاً في ألاماكن المقدسة والمنازل والمقاهي بشكل منتظم لها طقوسها (2) وفصولها (3) وأصولها (4) تتلى في أجوائها آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة وقصائد وأناشيد ملحنة( التوشيحات والتنزيلات) (5) والتي تتبنى تلحين ونظم البستات العراقيـــــــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)نلاحظ في عهد النبي محمد (ص)قد أبيحت أناشيد الحج وأباحوا إن يصاحبها الطبل والشاهين وأصبحت الموسيقى أمرا ضرورياً في الحج وعيد الأضحى والفطر، كما في المناسبات الخاصة(الخطبة، الزواج، الميلاد، الختان، إضافة للأذان الذي ادخله النبي(ص)في العام الأول للهجرة وكان بلال أول من إذن في الإسلام.
(2)تقام طقوس المولد النبوي في مناسبات عامة كمولد النبي (ص)ووفاته وفي أيام شهر رمضان وأيام الحج، كما وتقام في مناسبات خاصة كالزواج والختان والعودة من الحج ويكون طابعها المرح والانشراح وكذلك تقام في مناسبات الأحزان وتكون طقوسها عكس ذلك0
(3)يتقوم المولد النبوي من أربعة فصول ولكل فصل جملة من المقامات تقرا فيه مختصرة وبشكل خاص يختلف عن القراءات في الجالغي البغدادي وهذه الفصول هي: الفصل الأول ومقاماته سبعة هي العشيران، الاورفة العجم، الجبوري، الحديدي، المثنوي، السفيان، المخالف.
الفصل الثاني: السيكاه، الرست، البيات، العراق.
الفصل الثالث: الصبا، الماهور، العشيران، العجم.
الفصل الرابع: الصبا، الجمال.
(4)يقرأ المولد من قبل قارئ معين يجلس في صدر المكان على كرسي دون بقية الجماعة00 حيث يتلو المنقبة النبوية مقسمة إلى الفصول المذكورة وينشد خلال ذلك شيئا من الشعر من غزل ومدح ونحو ذلك، وبين حين وأخر يترك الأمر إلى جماعته فيردد هولاء أشغالهم المولدية التي هي بمثابة أناشيد ملحنة على النسق النغمي المقرر لفصول المولد وتسمى هذه الجماعة(شغالة) ويتألف جمعهم من الخلفة الذي يرأسهم ويكون من أمره إن ينبههم إلى مبادئ ألفاظ الأشغال إذ يكون له اختيار ما يختار منه/المصدر/الحنفي جلال/ المغنون البغداديون والمقام العراقي ص26.
(5)التنزيلات:هي لفظة عامية عرفها الشيخ جلال الحنفي في الجزء الثالث(المخطوط)من كتابه(معجم اللغة العامية البغدادية)بما يلي(التنزيلات النبوية ما يتلوه فريق من قراء المولد من ذكر أوصاف الرسول(ص)بالألحان)



القديمة التي ترافق المقام العراقي وفي بعض الأحيان تنظم هذه الكلمات لتتماشى مع إلحان البستات القديمة، إضافة إلى قراءة المقام العراقي الذي يقع في لب هذا الطقس.
يلاحظ المتتبع لهذه الأجواء وطقوسها وخاصة في الربع الاخيرمن القرن التاسع عشر .ظهور نخبة ممن اهتموا ومارسوا تلك الطقوس، والملا عثمان الموصلي ابرز هؤلاء، قادته الظروف القاسية التــــي أحاطت به منذ الطفولة للانخراط في تلك الأجواء المقدسة، بعد إن تجمعت لديه خبرة الإسفار والمهارات المتنوعة والتي جعلت من دوره تعدديا داخل مراسيم أداء المولد النبوي الشريف بسبب أجادتــــــه لقراءة القران الكريم وخبرته في تفاصيل المقام وأدائه وقابليته الموسيقية وجمال صوته وذكائه المفرط، كل هذه الخصال اجتمعت منصهرة في بوتقة أدائه للمولد النبوي لتعكس ظاهرة تجديدية تخترق الأجواء القديمــة التقليدية التي كانت سائدة في محيط أداء المولد النبوي.
لقد تلاحمت هذه المواهب وأنجبت من شخصية الملا عثمان فنانا قياديا وشخصية متميزة من قيادة بطانته وتنظيم وتوحيد أدائهم للمدائح النبوية والتوشيحات والتنزيلات الملحنة، على هذا الأساس كون الموصلي فرقة خاصة لأداء تلك المراسيم بمواصفات فنية عالية المستوى تنسجم ومشروعه في تغيير مسارات المولد النبوي الفنية، وتحت اشرافه وتاثيره الحاسم ترعرع ونشا مجموعة من تلاميذه ومن مقرئي المقام العراقي البارزين في تلك الفترة نذكر منهم محمد علي خيوكة والد القارئ حسن خيوكة وعبد الرزاق القبنجي والد القارئ محمد القبنجي واحمد حسين علي الصفو وعبد القادر الموصلي وبعد وفاة الموصلي شكل كل من محمد خيوكة وعبد الرزاق القبنجي فرقة خاصة لكل منهم إما اشهر المعاصرين له في قراءة المولد فهم كل من الملا زين الشيخلي والملا عبد العزيز الشكرجي والملا احمد عبد الحلي.
إن حالة الركود التي كانت سائدة في أجواء المولد النبوي نتيجة التكرار الممل للتزيلات والتواشيح الدينية بعيداً عن الابتكار والتجديد بسبب كسل وجهل مؤديها إذا كان القراء للمولد خاملين في أدائهم لمراسيم المولد النبوي لايعرفون سوى الاسترسال في نغمة واحدة من البداية وحتى النهاية الأمر الذي شجع ودفع الملا عثمان إلى التفتيش عن نصوص جديدة لغرض تلحينها إثراءه لما يدور في تلك الأجواء حيث كان الموصلي يعتقد إن ديمومة هذه الطقوس تكمن في تجديد ما يدور في فلكها من نصوص وإلحان تعكس وتلبي حاجة المجتمع في تغطية مناسباته الدينية والدنيوية، ومن الجدير بالذكر إن الشعراء وشيوخ الطرق الصوفية كانوا قبل الملا عثمان يلاحقون ظهور ألاغاني الجديدة ذات اللحن الشعبي المقبول والمنتشر في الأوساط الشعبية وينظمون تنزيلا تهم على تلك الألحان ومن اشهر هؤلاء الشعراء الشيخ سعدي بن محمد أمين الموصلي والملا زيني الشيخلي البغدادي والشيخ عثمان الخطيب بن يوسف بن عز الدين الخلوتي القادري الموصلي.
وقد جاء ظهور الملا عثمان الموصلي ليسجل لنا في هذا المضمار عشرات التنزيلات والتي بقيت إلحانها خالدة إلى يومنا هذا منتشرة بين إرجاء العراق والوطن العربي والدول الإسلامية المجاورة،وعلى الرغم من صعوبة تاشير اهم اعماله من بين نتاجه الخصب،الا اننا نستطيع ان نشير الى اروع هذه الاعمال او على الاقل اكثرها انتشارا والتي اخذت مساحة رحبة في المحافل الدينية والدنيوية، ونذكر منها( طلعت يامحلى نورها شمس الشموسة والتي كان أصلها تنزيلة بهوى المختار المهدي، وزوروني في كل سنة مرة والتي كان أصلها زر النبي مرة، وربيتك زغيرون حسن التي كان أصلها يا صفوة الرحمن، وخدك المياس واشكر بشامة واصلها احمد أتانا بحسنه سبانا، وياخشوف على المكرية، ويا بنت ألمعيدي خلخالج دوى، ويا أم العيون السود، ويبن الحمولة، إضافة إلى التنزيلات التي لم تشتهر صلي ياربي على خير الأنام، ناح الحمام القمري، ياالهي بالتهاني، يا راحلين إليه بالأمان، نلت المقام الاشرف، املأ واسقينا، آه يا سيدي، نال العلا والفضل والنجاة، للعاشق في الهوى أوائل، لم يزل دمع عيوني).








الذكـــــــــــر:

مفرد وجمعه أذكار نسبه إلى ذكر الله عزوجل شأنه، والذكرحفل ديني ينتشر في الحواضر تدار أجوائه بعد إن يجتمع الصوفيين(1) فيه لمناسبة أو بدونها يمارسون شعائر وطقوس دينية يعم اجواءهااذكر الله والولاء والثناء له واستعراض صفات النبي محمد (ص)والأولياء الصالحين وذلك من خلال إلقاء بعض الأدعية والأشعار وقراءة بعض الأناشيد والقصائد التي تنظم باللهجة الدارجة ملحنة يرافقها قرع الدفوف وعلى راس هذه الدفوف آلة ايقاعية تلعب دورا أساسيا في هذا المحفل تسمى(الخليلية)(2)لقد انغمس الشيخ عثمان الموصلي بهذه الأجواء وهو محصن بمواهبه المتعددة التي أهلته إن يكون شيخا ذا مكانة مرموقة بين جمعه ومجتمعه تقع عليه مسؤولية سير حركات المؤدين إثناء أداء طقوس الذكرحيث يوجهها بانتظام نحو تنفيذ برنامج ذكره إضافة إلى مسؤولية الإشراف على التكية(3)وما يتعلق بأمورها، وهو بهذه الحال مرتبط بمجموعة من المتعبدين(الدراويش أو المريدين)(4)والذين تقع عليهم مهمة إحياء الذكر وتنفيذ طقوسه بما في ذلك إنشاد القصائد وترديد التلاحين والتواشيح والتنزيلات التي يسودها الخشوع وتعلوها الرهبة، وقد كان الشيخ عثمان يقوم في بعض الأحيان بدور قارئ المقامات(5) والتي تنسجم وتلك الأجواء.
انتسب الملا عثمان الموصلي إلى عدة طرق صوفية(6) خلال حياته حيث انتمى إلى الطريقة القادرية عام 1886 م ودرس مسالكها وطرق أدائها في الموصل على يد الشيخ محمد بن جرجيس النوري وعندما ذهب الى استانبول التقى أبا الهدى الصياد شيخ الطريقة الرفاعية واخذ عنه هذه الطريقة، وقد اثبت الملا عثمان كفاءة عالية في أداء مراسيم هذه الطريقة الأمر الذي دفع أبا الهدى إلى تقديم الملا عثمان إلى السلطان عبد الحميد الذي منحه الاهتمام والعطف والجــــاه وسمح له بدخول قصر الحرم السلطاني فكان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الصوفية كما عرفها الدكتور زكي مبارك، قديما حار الناس في تعريف التصوف وتشعبوا فيه إلى مئة رأي بل زادت أقوالهم على ألف قول وفي ذلك تلخيص لمن يريد إن يقف على معنى الصوفية يقول(إن التصوف هو كل عاطفة صادقة متينة الأواصر قوية الأصول لا يساورها ضعف ولا يطمح فيها ارتياب)..إما أشتقاق التصوف فهو من الصوف فقد كان الأنبياء والصالحون يلبسونه وبما إن الصوف هو مظهر من مظاهر التخشن والتقشف فلأجله سمي هؤلاء الناس بالصوفية المصدر/إبراهيم شهوبي/المقامات/وزارة الإرشاد/بغداد1963/ص35

(2)الخليلية/إلة ايقاعية كبيرة سميت بالخليلية نسبة الى إبراهيم الخليل.

(3)التكية مفرد وجمعها تكايا وتسمى أيضا الزوايا والخوانق او الربط، وهو المكان الذي يقام فيه الذكر وبعض الطقوس الدينية، تعلو واجهاته شعارات دينية تخط على قطع قماش اخضر اللون بعبارات كتب عليها(لا اله إلا الله، محمد رسول الله)ويعلق في جدرانها الداخلية مسابح وخناجر وسيوف ودفوف)

(4)الدراويش مفردها درويش لفظة فارسية معناها الفقير، وهم المجموعة التي تقع على عاتقهم تنفيذ برنامج حلقة الذكر وأداء طقوسه بعد الاستئذان من شيوخهم ولكل واحد منهم مكانة ومرتبة في التكية وشيوخها يصل إليها بعد جهد جهيد وطريق طويل، حيث يترتب عليه طاعة شيخه وما يمليه عليه سلوكه خلال بضع سنوات ويعتبر السيد احمد الرفاعي هو أول مؤسس للطرق الصوفية وأول من أمر بإدخال الحراب إلى البطون وشرب السم دون إن يصابوا بأذى.

(5)يقرا في الذكر أربعة فصول الأول:يسمى الدايم ويتكون من خمسة مقامات الصبا،السيكاه،الحجاز،الحديدي،الخلواتي.الثاني:يسمى المثلث ويتكون من خمسة مقامات ايضا،الرست العربي،البيات،البنجكاه،البهيرزاوي،العتابة،المصلاوي ةوالفصل الثالث:ويسمى البيومي ويتكون من ثلاثة مقامات هي الخلوتي،الطاهر،الكيلي،والفصل الرابع:يتكون من اربعة مقامات هي المنصوري والخلوتي والحكيمي والشرقي دوكان والمثنى.
المصدر/الحنفي جلال/المقام العراقي/ص29

(6)الطريقة القادرية،الطريقة الرفاعية،الطريقة النقشبندية،الطريقة المولوية،الطريقة البدرية،الطريقة الدسوقية،الطريقة الشاذلية، الطريقة الخلوتية(الوردي حمودي/عالم التكايا ومحافل الذكر/ص11



القارئ والموسيقار المفضل فيه.وعندما غادر استانبول متوجها إلى مصر التقى الشيخ يوسف العجوز إمام جامع السيد البدوي واخذ عنه الطريقة المولوية(1)والتي جاءت طقوسها منسجمة مع هوايات الملا عثمـــان كون علاقة هذه الطريقة بالموسيقى أكثر من غيرها وهنا وجد الملا عثمان ضالته بتلك الطريقة التــــــــــي يمارس فيها عزف الآلات الموسيقية بشكل شرعي والملا عثمان عازف غني عن التعريف.
التلاوة القرآنية:
القرآن قانون الله سبحانه وتعالى على ارضه،هو المآوى والامل والملاذ،وقد انتظم فن تلاوته في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بانماط وطرائق واساليب اعتمدت على المهارات والخبرات العالية في الاداء الذي يدخل في منظومته المقام العراقي ليشكل العامل الجوهري والتنظيمي في اجوائها حتى اصبح فن التلاوة منهجا ومدرسةً ارتكزعلى بلاغة النطق وفصاحة اللسان وعمق التعبير ودقة مخارج الحروف وكما يقول (ابن الجوزي)- (اعطاء الحروف حقوقها وترتيب مراتبها ورد الحرف الى مخرجه واصله والحاقه بنظيره وتلطيف النطق به على حال صيغته وكمال هيأته من غير اسراف ولا تعسف ولا افراط ولا تكلف)(2).
لقد برزت في تلك الفترة مدرستان هما:المدرسة المصرية(2)التي اعتمدت على الأنغام المجردة والمدرسة العراقية التي بنيت على المقام العراقي، وكان الملا عثمان احد رواد تلك المدرسة التي ظهرت في العراق منطلقا من وعيه في قراءة المقام العراقي ومعرفته بالأنغام المتداخلة فيه، هذا وقد احتفظت طريقة الملا عثمان لنفسها بحس شعبي يعكس إحياء التقاليد البغدادية الأصيلة المتمثلة بالادائين الديني والدنيوي، بعد إن أخذت نسيجها من المقام العراقي متجليا في أداء متفرد في خصائصه الجمالية والفنية، مضاف إلى ذلك جهارة صوته الممتلئة بنبرات عميقة وبتركيبة يصعب أن نعثر عليها في أصوات غيره من المقرئين العراقيين.
بهذه المواصفات ذاع صيت الملا عثمان واشتهر اسمه في العراق وخارجه وأصبح من المع قراء جيله بعد أن توسعت قراءته وأتقن القراءات السبع (3)0وعندما زار تركيا دعي لقراءة القرآن الكريم في جامع صوفيا وسمع السلطان عبد الحميد بحسن ادائه وجمال صوته وسلامة لغته وعينه رئيسا لقراء جامع صوفيا، كما وقرأ في الجامع الأموي في دمشق وقرأ في الأزهر بالقاهرة، ومن خلال قراءته في تلك العواصم أصبحت للملا عثمان مدرسة خاصة سميت بالمدرسة العثمانية سار على هديها تلاميذه من بعده ونذكر منهم محمد صالح الجواد من الموصل والحافظ مهدي وعبد الفتاح معروف والحاج محمود عبد الوهاب وعبد القادر عبد الرزاق الخطيب والسيد محمود الهاشمي من بغداد والشيخ محمد رفعة من مصر0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(1)ان نشاة المولوية يرقى الى حادث فحواه(ان النبي محمد (ص)حين خرج من مكة المكرمة قاصدا يثرب،اصطحب معه صديقه الصديق ولما دخل غار حراء جلس الصديق (رض)على صخرة واقتربت منه عقرب ولدغت ابهامه الايمن فصاح الله اكبر الله اكبر وراح يدور ويدور حول نفسه واشتد الالم ،فاسرع اليه الرسول (ص)ومسح مكان اللدغة فشفى في الحال،وبعدئذ اعلن الصديق عن تلك المعجزة وانتشرت بين المسلمين الى ان جاء المفكر الاسلامي جلال الدين الرومي فاستخدمها في طريقته المعروفة بالمولوية والتي يعتبر الدوران من اهم طقوسها/المصدر/الوردي حمودي،علم التكايا ومحافل الذكر ص15.
(2)المصدر /الهاشمي،عادل/فن التلاوة،اصوات وانماط،/بغدادص8 (3)اهم رجال المدرسة المصرية(الشيخ محمد رفعت، ،الشيخ ابو العينين شعيشع،الشيخ مصطفى اسماعيل،الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد،الشيخ محمود خليل الحصري).
(4)القراءات السبع: هي أساليب في قراءة القرآن تختلف عن بعضها في الأداء الصوتي كما تختلف عن الأسلوب الذي ثبته ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان ..المصدر /قاسم شهرزاد/الديني والد ينوي في الموسيقى خلال العصر العثماني المتآخرفي العراق/مقالة منشورة في مجلة المجمع العربي للموسيقى/ص106.
والقراءت السبع التي تنسب الى (ابو عمرو بن العلاء،عبد الله بن كثير،نافع بن نعيم،عبدالله بن عامر اليحصبي،عاصم بن بهدلة الاسدي،حمزة بن حبيب الزيات العجلي،علي بن حمزة الكساني/المصدر/الهاشمي،عادل/فن التلاوة اصوات وانماط /بغداد/ص8
وقد استطاعت بغداد بفضل الثبات اللهجي ان تحافظ على روح القراءات القرآنية،تلك التي لها طرائق مثل(حفص،ورش،قالون،حمزة،عاصم،ابو النجود،الدوري)نفس المصدر السابق ص98


الإنجازات الدنيوية- الغناء
المقام العراقي:-
بعد أن اتسعت مدارك الملا عثمان الفنية في الموصل وهو الشاب الموهوب واستوعبت ذاكرته السمعية ألاغاني الموصلية وقراءة المقام العراقي ومخلفات التراث، تلك الفنون التي يتداولها الاسطوات وأصحاب المهن في المقاهي القديمة في الموصل وخاصة مقهى بابان ومقهى القزازي، انتقل بعد هذه المرحلة إلى بغداد ليمضي فيها أطول وأخصب فترة عاشها قياسا بالمدن والأقطار التي اقام فيها، حيث كانت النظرةالى الموسيقى والغناء في تلك الحقبة الزمنية نظرة احترام وتقدير كونها (الموسيقى والغناء)امتزجت بالطقوس الدينية المتمثلة بحفلات المولد النبوي والذكر تلك الطقوس المعبأة بالتنزيلات والأناشيد الدينية والتي انتشرت من خلال حركات التصوف وطقوسها الفنية التي جمعت بين العالمين الديني والدنيوي والتي كان يمارسها اغلب أهل المدن خلال العصر العثماني الأخير، يقول الشيخ جلال الحنفي (المواسقة والآلاتية في بغداد عرفوا واشتهروا بالعراق على الجالغي البغدادي (1) في القرن الماضي أنهم من المسلمين جميعا ثم تراجعوا عن ذلك لليهود )(2) 0من هنا يمكننا الاستنتاج بأن العلاقة الفنية بين نهج وأسلوب الغناء الديني والدنيوي تكاد تكون مشتركة أو تلتقي كثيرا من حيث الأنغام وبعض النصوص الأمر الذي سهل تنقل مؤدي الغناء بين العالمين، وقد مهد هذا الحال الطريق أمام مؤدي المقام للاشتراك في قراءة المقام في تلك الأجواء المتقاربة، والملا عثمان الموصلي الذي تتلمذ على يد قارئ المقام عبد الله الكركوكلي(3)في الموصل وأكمل تعليمه في بغداد على يد (رحمه الله شلتاغ)(4)وأمين اغا(5)إضافة إلى اتصالاته بقراء جيدين ظهروا في تلك الفترة كان علامة مضيئة في تلك المرحلة والأوساط وما يدور فيها من فنون ،يتوجب علينا هنا الوقوف قليلا للتدقيق في إثره وتأثيره بالمقام العراقي ذلك الفن الذي كان الأكثر أهمية وانتشارا قي العراق بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر والذي كان يقرا على شكل مسلسل متوالي ينظم بمجاميع مقامية تسمى بالفصول وهي ثلاثة( فصول الذكر وفصول المولد النبوي وفصول الجالغي البغدادي)(6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1)الجالغي البغدادي:هو حفلة تقام ليلا بمناسبة من مناسبات الأفراح كعرس ونحوه، وغالبا ما تدار فيها كؤوس الخمرة، بل ربما كان ذلك مما لا بد منه عند القوم 00ويقوم المغني الذي يختارونه مع جوقة الموسيقى والتي قوامها أربعة عازفين بقراءة جمهرة لكثير من المقامات لوقت متأخر من الليل 00ويكون ذلك في البيوت ونحوها0المصدر/الحنفي جلال/ المغنون البغداديون ص(23)0
(2)نفس المصدر السابق ص(25)0
(3)عبد الله الكركوكلي0ولد في كركوك عام 1831 وعاش في الموصل وكان معروفا بتفوقه في أداء المقام العراقي فضلا عن غنائه للموال وتمكنه من الارتجال الصوفي "الليالي" المصدر/قاسم شهرزاد/ مقالة منشورة في مجلة المجمع العربي للموسيقى/النهضة العربية والموسيقى/ص1090
(4)رحمة الله بن سلطان اغابن خليل(شلتاغ)كان مشهورا باسم شلتاغ وقد اجمع الكثيرون على انه من أكراد صلاحية العراق وانه ولد في كفري، وقال قوم انه من أتراك صلاحية الشام(الصالحية)وانه جيء به إلى بغداد صغيرا مع أبيه وأعمامه واستمر سكناه فيها حتى الممات/المصدر/الحنفي جلال/المغنون البغداديون والمقام العراقي/ص60
(5)امين اغا ابن الحمامجية0ولد في الأناضول قبل سنة 1240ه وجئ به إلى بغداد صغير السن وكان يسكن التكية القادرية في الميدان وهي مجاورة لجامع المراضية، وقد توفي في بغداد سنة 1310ه ودفن في مقبرة باب المعظم/نفس المصدر السابق ص42 0(5)من اشهر الذين عاصروا الملا عثمان (احمد زيدان، جميل البغدادي، كور رشيد، خليل رباز)
(6)فصول الجالغي البغدادي هي خمسة:الأول فصل البيانات ومقاماته(البيات والناري والطاهر والمحمدي والسيكاه والمخالف والحليلاوي والباجلان .الفصل الثاني الحسيني-ومقاماته- والدشت عجم والبيات عجم والأرواح والعرض بار.الفصل الثالث الحجاز-ومقاماته-الحجاز ديوان والقوريات والعريبون عرب والإبراهيمي والحديدي.الفصل الرابع الرست-
ومقاماته-الرست والشرقي أصفهان والمنصوري والحجاز الشيطاني والخنبات والجبوري.الفصل الخامس النوى-ومقاماته-النوى والمسيجين والصبا والقرية باش.


ومن خلال ترحال وتجوال الملا عثمان إلى الدول التي قام بزيارتها كان رسولا أمينا في اقتباس ونقل الصيحات الغنائية ذات الطبقات الصوتية العالية والتي لم تألفها الساحة الغنائية البغدادية ضمن أجوائها الفنية وتضمينها في دواخل بعض المقامات العراقية والتي أصبحت بعد حين جزءا أساسيا من تلك المقامات سميت بالميانات والتي تتطلب مهارة عالية في الأداء، مضاف إلى ذلك فقد ادخل بعض القطع والأوصال التي تلقنها في الطقوس الدينية التي كان يمارس أداءها، كما وذيل بعض المقامات بتنزيلات حور كلامها فيما بعد لتصبح بستات(1)ارتبطت بغناء المقام العراقي وأصبحت جزء مكملا له0تدل جميع هذه المساعي على إن الملا عثمان كان ذا مستوى راق= في علمه للموسيقى وأصولها، يقول البكري(للموصلي إسهامات في مجال المقام فمن ناحية ادخل إلى خزين المقامات العراقية مقامين جديدين من تركيا هما النهاوند والحجاز كار ،كما ادخل على مقام الحجاز-الديوان العراقي عناصر من مقام الديوان التركي الذي يغنى في الموصل)(2)
ومن خلال تواجده في تركيا التقى بالموسيقارجميل بك الطنبوري وقد سجلا معا بعض الاسطوانات التي تحتوي على غناء الموصلي باللغة التركية يشاركه الموسيقار جميل بك الطنبوري(3)عازفا على آلة الطنبور0 وبعد إن احتل الملا عثمان مكانة رفيعة بين الفنانين الأتراك عينته الحكومة التركية مدرسا للموسيقى في احدى مدارسها في استانبول، وتتلمذ على يده كبارالفنانين الاتراك كالموسيقار سامي بك والمغنية( نصيب)فاخذوا عنه الموشحات والتنزيلات الدينية ومزجوها بموسيقاهم0
جالس الملا عثمان رجال الأدب والفن والثقافة من خلال سفراته المتعددة وكما ذكرنا سابقا جامعا بين التعلم والتعليم، حيث نظم الشعر وكتب القصائد الدينية والتنزيلات والموشحات، كما كتب في التصوف والتاريخ والأدب إضافة إلى موهبته المعروفة في الخطابة وفنونها في أكثر من لغة ومارس الكتابة في الصحافة وأصدر مجلة باسم(مجلة المعارف)أصدرها في مصر خلال أقامته فيها0ومن مؤلفات الموصلي(4)(الأبكار الحسان في مدح سيد الأكوان، سعادة الدارين، المراثي الموصلية، مجموعة التخميس، تحقيق ديوان عبد الباقي العمري، نشر كتاب التوجع الأكبر بحادثة الأزهر بمصر، نشر كتاب الطراز المذهب في الأدب، نشر كتاب الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية، نشر كتاب خواتم الحكم للشيخ علي درة).
الموشحات/
لقد برز الملا عثمان في فن الموشحات من خلال تلحينه للنصوص التي تتناول الغزل والمديح بالنبي(ص)حيث تفرد بإلحان امتازت بالتنوع في اسماطها وأغصانها وقصر أوزانها بقواف= مختلفة بعيدة عن التكرار الأمر الذي ساعد على انتشارها وانتقالها بين أفواه الناس في المحافل الدينية وخارجها، وقد ذكرت لنا المصادر التي كتبت عن الملا عثمان انه نظم ولحن ما يزيد على خمسين موشحا بقي اغلبها عالقا في ذاكرة الناس لرصانة لحنها ومتانة كلماتها ونذكر من هذه الموشحات (المح برقا لاح من أرضكم بلغ سلامي إلى سيد الأكوان، برق الحمى تنسم، من الصب بالهجر مرمى، ويحك يانفس أطيعي، لي فؤاد حسن، سائق الأحضان سهلا، حب الرسول قصدنا، صلوا على خير مضر، يامن قد علا يالهي بالتهامي ارتجي، نلت المقام الاشرف).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ(1)تعدالبستات من المصادر النغمية المهمة00والاصل في تسميتها أنها تعني نغمة مذيلة تأتي بعد الفراغ من المقام اوقبل الفراغ منه)المصدر/الحنفي جلال/مقدمة في الموسيقى العربية/ص33 (2)المصدر/البكري عادل/مع عثمان الموصلي في فنه وعبقريته/ص75
(3)من اشهر الموسيقيين الأتراك ولد عام 1873م وله عدة مؤلفات موسيقية(سماعيات وبشارف)عمل على تطوير الموسيقى التركية وكان اشهر عازف طنبور توفي عام ا1916م
(4)المصدر/البكري عادل/ مع عثمان الموصلي في فنه وعبقريته/ص40



وقد سجلت اغلب هذه الموشحات بصوت الملا عثمان على اسطوانات شمعية أو أنبوبية أما المتبقي منها في بغداد ما لا يقل عن ثماني اسطوانات اغلبها بحالة رديئة(1).
وقد غنى الملا عثمان في البلدان التي زارها بعض القصائد والموالات والأدوار والتي أداها بأسلوبه الخاص، وقيل انه كان يغني أيضا باللغة التركية والفارسية إضافة إلى العربية0لقد ساعدت الإسهامات المتميزة للملا عثمان في كتابة وتلحين الموشحات والتي بنيت بمعرفة رصينة ومتقنة على اتساع شهرته في العالم العربي، حيث قصده كبار الفنانين للاستفادة من تلك التجربة والخبرة ويذكر إن عبدة الحمولي اخذعن الملا عثمان الموصلي فن الموشحات ومزجها بالأدوار المصرية(2)كما وأشار اغلب الكتاب والباحثين على اثر الملا عثمان على موشحات السيد درويش والتي لم يظهر اغلبها الابعد رجوعه من الشام بعد إن التقى بعثمان وهواستاذ الموشحات الأول كما ويؤكدون على ألاغاني المشهورة لسيد درويش والتي انتشرت في الوطن العربي وكانت في حقيقة أمرها تنزيلات دينية عراقية أخذت من إعمال الملا عثمان. وعندما ذهب إلى تركيا وجد له كثير من المعجبين من مشاهير الأتراك، فاخذوا عنه الموشحات بأسلوب فني أطلق عليه الأتراك اسم(أسلوب الحافظ عثمان الموصلي )0وقد سجلت له اسطوانات تحتوي على اغلب نتاجاته الموسيقية والغنائية0

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(1)يوجد عن السيد عبد الغني اسماعيل في مدينة اليرموك ببغداد اسطوانتان مسطحتان تجمع كل منها بين عثمان الموصلي في غنائه لمقاماته باللغة التركية وجميل بيك الطنبوري عازفا على الطنبور، تحتوي الأولى منها على مقام أصفهان في وجهها الأول ومقام العشاق في وجهها الثاني وتحتوي الثانية على مقام حجاز كار شرقي في وجهها الأول ومقام هزام في وجهها الثاني وفد كتبت عليها باللغتين التركية القديمة والفرنسية اسم(الحافظ عثمان أفندي).
المصدر/ البكري عادل/مع عثمان الموصلي في فنه وعبقريته/ص15
(2)الدور نوع من الزجل، ينظم متحررا من فصاحة اللغة والأوزان العروضية الشائعة، ينظمه المؤلف في معان تتناول غالبا الغزل والتشبيب، ويسمى الجزء الأول منه بالمذهب وقابلية بالغصن، وقديما كانت الجماعة تغني المذهب، ويغني رئيسها الجزء الذي يلي(الغصن الأول)وهكذا000وكان تلحين المذهب مثل تلحين الغصن
المصدر/ عبد العظيم سهير/المجلة الموسيقية/العدد 7 تموز 1974 ص13











الاستنتاجات

(1)فنان مبدع تنوعت إنجازاته الفنية من خلال قوة وجمال وسعة مساحة صوته الذي امتزج بموهبة موسيقية تاطرت بقوة شاعريته الفذة وسعة مداركه، إضافة إلى فصاحة لسانه وقابليته الخطابية التي تجسدت في لقاءاته الجماهيرية من خلال المنابر الدينية التي كان يعتليها والتي كان يدعوا فيها إلى حب الوطن والدفاع عنه0
(2)ساهم في المحافظة على طقوس الذكر والمولد النبوي وجعل من هذا التجمع الجماهيري فنا شعبيا يمارسه اغلب فئات المجتمع في طقوسه الدينية والدنيوية

(3)ساعد بشكل فعال وبارز في انتشار تلك الطقوس بعد إن هيئت لها أجواء تنظيمية منضبطة من خلال انتقاء عناصر(الشغالة والحداية والرواديد)امتازت بكفاءة فنية عالية المستوى ومكانة اجتماعية مرموقة ساعدته على أداء الأناشيد والتوشيحات الدينية والتنزيلات التي لحنها0
(4)شجعته ثقافته الموسيقية التي اكتسبها في تجواله وترحاله بين البلدان التي قام بزيارتها(تركيا، القاهرة، سوريا)في إدخال إضافات فنية في رحاب المقام العراقي وذلك بين صيحات عالية(ميانات)وبين إدخال قطع وأوصال، مضاف إلى ذلك بعض التنزيلات التي حوته كلماتها بعد حين وأصبحت ذيولا لا بد منها ارتبط غناؤها في نهاية قراءة المقام العراقي0
(5)دفعته معرفته الدقيقة بالمقام العراقي وقراءته إلى ترسيخ وتنشيط المدرسة القرآنية العراقية التي بنيت تفاصيلها على بعض حركات المقام العراقي بعد إن حمل لواءها فيلق من تلاميذه مبشرين باحياء تلك المدرسة التي سميت بالمدرسة العثمانية0
(6)بهدف الحفاظ على استمرارية وديمومة الطقوس الدينية المشار إليها قام الملا عثمان بتلحين بعض الأناشيد الدينية والتنزيلات ليبعد الكلل و الملل عن تلك الأجواء وما يدور في ثناياها من إلحان رتيبة متكررة وهو بذلك حافظ على المفردة العراقية من الذوبان في مفردات الثقافة العثمانية.
(7)إضافة إلى الآلات الإيقاعية التي كان يعزف عليها في الطقوس الدينية فقد قادته مقدرته في العزف على اغلب الالات الموسيقية إلى إدخال قسم منها في تلك الطقوس وخاصة الذكر المولوي.
(8)يمتاز الملا عثمان في سلوكه بوجه خاص بألمامه الكامل بالمادة الى جانب روح الصبر والتفهم والمراعاة ازاء طلبته ومساعديه،وكانت هذه الصفات تخلق في دروسه جوا لا يصادفه المرء في كل مكان،دون ان يفقد الاستاذ بذلك شيئا من تاثيره،فكان يتوفر له دوما عدد كاف من الطلبة والمستمعين والمتابعين لدروسه.








المراجع
الحنفي،جلال 1- لمحات عن المقام العراقي،بغداد
2- مقدمة في الموسيقى العربية،بغداد

3- المغنون البغداديون والمقام العراقي،بغداد

العبطة،محمود 4- عثمان الموصلي في بغداد
الفولكلور في بغداد
الوردي،حمودي 5- نابغة الانشاد الديني عثمان الموصلي(مجلة التراث الشعبي ع3)
6- التكايا والاذكار،بغداد
الجندي،ادهم 7- اعلام الادب والفن/ج1/دمشق
البكري،عادل 8- مع عثمان الموصلي ،بغداد
حسن،شهرزاد 9- الديني النيوي في الموسيقى خلال العصر العثماني المتاخر في العراق الملا عثمان
الموصلي نموذجا(مجلة المجمع العربي للموسيقى،الطبعة الاولى،ص99)
الاثري،محمد بهجة 10- نموذج من تراجم القراء(الحافظ عثمان الموصلي)مجلة لغة العرب،تشرين الثاني،
1926بغداد/ص259
العلاف،عبد الكريم 11- الطرب عند العرب/بغداد/ص254

الرجب،محمد هاشم 12- المقام العراقي/بغد
حماد،محمد علي 13- سيد درويش حياة ونغم/ القاهرة/ص45

ابراهيم شعوبي 14-المقامات/بغداد/ص35

وسام الشالجي
08/04/2009, 18h02
يسرني ان ارفع هنا صور للملا عثمان الموصلي وتمثاله المجسد من نفس صورته

http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=140491&stc=1&d=1239254022

http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=140492&stc=1&d=1239254022

http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=140493&stc=1&d=1239254022

مهيمن الجزراوي
26/05/2009, 20h22
((الملا عثمان الموصلي عبقرية الإبداع))
الباحث الموسيقي مهيمن إبراهيم الجزراوي
ماجستير علوم موسيقية
استاذ في قسم الفنون الموسيقية
كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد

في السابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 2009م ، أقام قسم اللغة العربية - كلية الآداب – جامعة الموصل ندوة علمية بعنوان ((الملا عثمان الموصلي عبقرية الإبداع)) وبحضور السيد رئيس جامعة الموصل الأستاذ الدكتور أبي سعيد الديوجي ، والسيد عميد كلية الآداب الدكتور محمد باسل العزاوي ، وتضمنت إلقاء البحوث في جلستين ، الجلسة الأولـــــــــــى ترأستها الأستاذة الدكتورة بشرى البستاني ، ومقررها الدكتور شريف بشير ، أما الجلسة الثانيـــــــــــــة فترأسها الأستاذ الدكتور علي كمال الدين الفهادي ومقررها الأستاذ الدكتور علي فاضل ألشمري.
البحوث
· عثمان الموصلي وأبو العلا العري موازنة بينهما- د.عادل البكري.
· الشاعر والموسيقار الملا عثمان الموصلي - أ.د. عمر.
· الملا عثمان الموصلي مقرئا - أ.م.د.عبد الستار فاضل.
· الملامح الدرامية في حياة الشيخ عثمان الموصلي - شفاء العمري.
· الملامح الإيقاعية في شعر عثمان الموصلي -أ.م.د. محمد جواد.
· الدور القومي والوطني للملا عثمان الموصلي- أ.م.د.عبد الله المولى.
· عثمان الموصلي في فنه وإبداعه - طلال صفاوي العبيدي.
· محاولات في جوانب من سيرة حياة عثمان الموصلي - الباحث بسام إدريس الجلبي.
· المرجعية في شعر الملا عثمان الموصلي - د.احمد الساداني.
· الملا عثمان الموصلي موسوعة المواهب والعلوم-الباحث محمد توفيق الفخري.
· المرجعية الصوفية عند الملا عثمان الموصلي - الباحث بشام نديم.
· الملا عثمان الموصلي محاولة في علم اجتماع السيرة - أ.م موفق ويسي.
· سطور من ذاكرة الأوراق - د.شامل فخري - د.عبدا لله الظاهر.
· تأثيرات الملا عثمان الموصلي في فناني مصر و سوريا الباحثة لقاء فتحي.

مهيمن الجزراوي
26/05/2009, 20h26
((الملا عثمان الموصلي عبقرية الإبداع))
الباحث الموسيقي مهيمن إبراهيم الجزراوي
ماجستير علوم موسيقية
استاذ في قسم الفنون الموسيقية
كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد

في السابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 2009م ، أقام قسم اللغة العربية - كلية الآداب – جامعة الموصل ندوة علمية بعنوان ((الملا عثمان الموصلي عبقرية الإبداع)) وبحضور السيد رئيس جامعة الموصل الأستاذ الدكتور أبي سعيد الديوجي ، والسيد عميد كلية الآداب الدكتور محمد باسل العزاوي ، وتضمنت إلقاء البحوث في جلستين ، الجلسة الأولـــــــــــى ترأستها الأستاذة الدكتورة بشرى البستاني ، ومقررها الدكتور شريف بشير ، أما الجلسة الثانيـــــــــــــة فترأسها الأستاذ الدكتور علي كمال الدين الفهادي ومقررها الأستاذ الدكتور علي فاضل ألشمري.
وكانت البحوث المشاركة في الندوة كالآتي:-
· عثمان الموصلي وأبو العلا العري موازنة بينهما- د.عادل البكري.
· الشاعر والموسيقار الملا عثمان الموصلي - أ.د. عمر.
· الملا عثمان الموصلي مقرئا - أ.م.د.عبد الستار فاضل.
· الملامح الدرامية في حياة الشيخ عثمان الموصلي - شفاء العمري.
· الملامح الإيقاعية في شعر عثمان الموصلي -أ.م.د. محمد جواد.
· الدور القومي والوطني للملا عثمان الموصلي- أ.م.د.عبد الله المولى.
· عثمان الموصلي في فنه وإبداعه - طلال صفاوي العبيدي.
· محاولات في جوانب من سيرة حياة عثمان الموصلي - الباحث بسام إدريس الجلبي.
· المرجعية في شعر الملا عثمان الموصلي - د.احمد الساداني.
· الملا عثمان الموصلي موسوعة المواهب والعلوم-الباحث محمد توفيق الفخري.
· المرجعية الصوفية عند الملا عثمان الموصلي - الباحث بشام نديم.
· الملا عثمان الموصلي محاولة في علم اجتماع السيرة - أ.م موفق ويسي.
· سطور من ذاكرة الأوراق - د.شامل فخري - د.عبدا لله الظاهر.
· تأثيرات الملا عثمان الموصلي في فناني مصر و سوريا الباحثة لقاء فتحي.

mansour
29/05/2009, 14h01
عزيزي الاستاذ مهيمن الجزراوي

ان هناك خطأ في كتابة تاريخ اقامة هذه الندوة في جامعة الموصل (17 تشرين الثاني 2009).

ان المحاضرات التي القيت في هذه الندوة، لها اهمية كبيرة في تدوين تاريخ الموسيقى العراقية. ولهذا فمن الجدير نشرها اذا امكن في هذا الباب.
ان الابحاث التي نشرت حتى الان عن تاريخ الموسيقى العراقية هي، رغم اهميتها، ضئيلة بالنسبة للتطورات التي مرت بها موسيقى العراق خلال تاريخها الطويل. وليس من شك في انك تعلم، بصفتك احد الباحثين المهتمين بهذا الموضوع، مدى النقص الذي تعاني منه الموسيقى العراقية في مضمار البحث العلمي النزيه.، لاينكر ان هناك صعوبات في اجراء بحوث حول التاريخ القديم لانعدام الوثائق والسجلات والتسجيلات ، ولكن الاهمال، مع الاسف شمل حتي الحقب القريبة كالقرن الماضي مثلا الذي شهد تطورات هامة في بلورة وتطوير الموسيقى العراقية والحفاظ عليها. والامل هو ان يمن علينا اصحاب المحاضرات التي القيت في ندوة الموصل - بلد الملا عثمان - بابحاثهم القيمة عن هذه الشخصية الموسيقية التي كانت ولا زالت وينبغي ان تظل مصدر فخر واعتزاز لكل عراقي وكل عربي.

مهيمن الجزراوي
29/05/2009, 21h32
شكرا اخي العزيز على متابعتكم للموضوع وكلامك صحيح فأنا لست متأكداً تماماً من تاريخ انعقاد هذه الندوة وارجو ان تتكرم باخبارنا بالتاريخ الصحيح لهذه الندوة العلمية القيمة ، هذا مع العلم بأني قمت بنشر بعض البحوث المشاركة فيها باسماء اصحابها وذلك للامانة العلمية ولتعم الفائدة للجميع مع جزيل شكري وتقديري..مهيمن الجزراوي

mansour
30/05/2009, 10h12
عزيزي الاستاذ مهيمن الجزراوي

تحية طيبة
اني متابع لابحاثك القيمة والمفيدة التي تنشرها في هذا المنتدى ومنتديات اخرى. وارجو المعذرة اذا كانت مشاركتي قد ازعجتك، فلم يكن قصدي سوى تصويب خطأ وقع سهوا دون شك حين كتبت في مستهل المشاركة الاصلية ان ندوة الموصل اقيمت "في السابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 2009م" وهذا تاريخ لم يأت بعد.
انك بالطبع اعلم مني بهذه الامور ولك اتصال مباشر بالمؤسسات ذات العلاقة، اما انا فكل ما استطيع فعله هو التعلم منك والاستفادة من معلوماتك. ارجو المعذرة ثانية، وشكرا.

مهيمن الجزراوي
11/06/2009, 22h57
الاخ العزيز mansour المحترم تحية عراقية عطرة واشكركم على متابعتكم لكتاباتي والحقيقة انا مسرور جدا ولست منزعج من ملاحظتكم القيمة ، فانا كنت اقصد سنة 2008م والظاهر قد حصل خطأ مطبعي ربما ناتج عن الاستعجال في الطباعة...ودمتم بخير..وشكرا مرة اخرى... مهيمن الجزراوي

منشد طيبة
07/07/2009, 03h18
اقدم لكم بحث موسوعي عن

الملا عثمان الموصلي

العماد الاكبر لفن المقام العراقي

وهو عبارة عن ملف ZIP في داخله ملف Ebook اي كتاب الكتروني

بعد فتح الملف المضغوط انقر عليه نقرتين يسارية ( ليفت كلك ) وتصفح البحث

ارجو ان ينال استحسانكم .

مهند محسن
24/07/2009, 11h50
الملا عثمان الموصلي ابن العراق الاصيل / 1854 ـ 1923)هو رائد الموسيقى العربية حتى بدايات القرن العشرين اعماله موجودة و تغنى في العراق و الشام و تركيا و مصر و نسبت اعماله الى موسيقيين اخرين في ماساة فنية تاريخية من اعماله( زوروني كل سنة مرة وكلماتها الاصلية زورو قبر الحبيب مرة وهي تنزيلة او انشودة دينية - التي نسبت لسيد درويش و طلعت يا محلى نورها ايضا و اغنية عالروزنا التي تغنى في العراق و الشام و فوق النخل و يا خشوف العلى المجرية و ليت امي لم تلدني و يا ابن الحمولةعلية اشبدلك و من اغانية المشهورة في تركيا و مصر و العراق على حد سواء اغنية يا حبيبي لا تلمني فالهوى قتال و عرفت في مصر باسم يا بنات اسكندرية و في تركيا باسم اخر و له موشحات عديدة مشهورة مثل الغصن اذا راك مقبل سجدا و يا من لعبت به شمول ... الخ

اسس اول صحافة فنية في مدينة الاسكندرية في مصر و كتب مقالات عديدة عن المقام العراقي و تتلمذ على يده فنانين كثيرين منهم سيد درويش في مصر و كاظم اوز في تركيا و احمد الموصلي في العراقو له تلاميد كثيرين اخرين و لحن للعديد من المطربين منهم عبدو الحامولي في مصر من بعض اعمال الملا عثمان :

اغنية ( علروزنا )التي تغنى في الشام و العراق
ياصفوة الرحمن سكن حبك فؤادي .... موشح
يا من لعبت به شمول .... موشح
يم العيون السود ..... غناها ناظم الغزالي بعد ذلك و غناها حضيري ابو عزيز المطرب الريفي الكبير بكلمات اخرى وهي يا طبيب صواب .

يا حبيبي لا تلمني ... و في مصر تغنى يابنات اسكندرية و في تركيا تغنى بكلمات اخرى .

النوم محرم فلا اجفان .. تغنى في مصر يازين العاشقين
الغصن اذا رآك مقبل سجدا ..... موشح
فوق النخل .

اشكر ابشامة غناها فاضل عواد في السبعينيات و من ثم الهام المدفعي .
و الكثير من اللاغاني و الموشحات و القطع الموسيقية لا يسعني ذكرها .
من تلامذه : الشيخ سيد درويش
عاش الموصلي حياة عريضة دخل خلالها قصر السلطان عبد الحميد قارئاً القرآن وصديقاً لابرز مشايخ الدولة العثمانية الشيخ (أبو الهدى) الصيادي والد السيد توفيق أبو الهدى رئيس وزراء الاردن زمن الملك عبد الله الأول.

جال الملا عثمان في الاستانة وحل في مصر حيث درس على يده الموسيقار كامل الخلعي والشيخ علي محمود استاذ زكريا أحمد والشيخ أحمد أبو خليل القبابي والنابغة سيد درويش الذي ظل يواصل الدرس على يديه حتى مغادرته مصر سنة 1909.

كان الملا عثمان واحداً من عباقرة الموسيقى والغناء الديني وله دوره الكبير في تطوير المقام العراقي وتدريسه وكان الملا عثمان أحد ابرز الكتاب في الفن الموسيقي فقد أصدر في القاهرة مجلة المعارف التي صدر عددها الاول في 19/ مايس 1897 مقتدية بفن الغناء وقد ذكره اكثر من مرجع ودراسة. توفي في كانون الثاني عام 1923

قصي الفرضي
25/07/2009, 19h37
الاخوة الاعزاء
السلام عليكم

الملا عثمان الموصلي بن الحاج عبد الله بن عمر المنسوب إلى بيت الطحان ولد في الموصل سنة 1854 و توفي في بغداد سنة 1923 ودفن في مقبرة الغزالي. كان كفيفا لا يبصر و ترعرع يتيما في الموصل حتى تولاه آل العمري لرعايته لما رأوا فيه النجابه و الذكاء. حفظ القرآن و السيرة و اتقن التلاوة و نظم الاشعار و هو صغير السن. وفد الى بغداد و حفظ صحيح البخارى و قرأ الموالد النبوية ثم اخذ المقام العراقي من الحاج عبد الله الكركوكلي ومن رحمة الله شلتاغ (1798-1872) و امين آغا ابن الحمامجيه. ادى فريضة الحج ثم عاد الى مسقط رأسه الموصل و قرأ القراءات و درس الموسيقى و العزف و الشعر و العلوم الشرعية. ومن الذين تلقوا عنه اصول التلاوة و النغم الحاج عبد القادر عبد الرزاق خطيب جامع الامام الاعظم والسيد محمود الهاشمي والملا مهدي الحافظ وعبد الفتاح معروف ومحمد صالح الجوادي والحاج محمود عبد الوهاب و كاظم اوز و احمد ابو خليل القباني و الشيخ محمد رفعت من مصر و غيرهم. كان كثير الاسفار في البلاد والتجول فيها وكان صوته غليظا أجش وفيه بحة. والى الملا عثمان تنسب عشرات التنزيلات والاشغال المولدية المستعملة الى اليوم في العراق في الموالد النبوية. و كان يحتفظ محمد صالح الخطاط باسطوانات شمعية فيها شئ من تلاوة الملا عثمان بصوته غير انها مضطربة مشوشة. بعض تسجيلاته على الاسطوانات بين عامي 1910 و 1920 في اسطنبول اواخر العهد العثماني متوفرة تجاريا في تركيا تحت اسم موصلو حافظ عصمان افندي و هي بجودة عالية و تعد افضل نموذج وصلنا من صوت الملا الموصلي .
الملا والشيخ والحافظ والمتصوف والموسيقار والشاعر عثمان الموصلي رائد الموسيقى العربية الحديثة وكان أسطورة في التلاوة وقراءة الموالد والاذكار كما اتقن فصول المقام العراقي وسجل الاسطوانات وعلم الموسيقى والتلاوة في كافة ارجاء الدولة العثمانية. كان رئيس القراء في جامعي المرادية والخفافين في بغداد وبرزت شهرته في اسطنبول وقرأ القرآن في بلاط السلطان عبد الحميد و جامع صوفيا كما قرأ في الجامع الاموي والازهر.

كان شاعراً ضليعاً باللغتين التركية والفارسية و قد شهد لـه شعراء الاتراك والعجم بأنه اعجوبة الدهر. رافق الشيخ ابو الهدى الصيادي في الاستانه ونال حظاً وافراً من عطفه وأخذ عنه الطريقة الرفاعية وكان الصيادي رحمه اللـه يهيم حباً واعجاباً بفنونه وعلمه ويجل قدره ويعظم مواهبه ولا يسمح لأحد مهما علا شأنه من ضيوفه العظام بالتدخين في حضرته الا للضرير العبقري . تعلم الملا الضرير العزف على آلة القانون من تلقاء نفسه، ثم تعلم العزف على الناي فأتى بغرائب الاعجاز، و كان لا يستعمل في قانونه العربات التي تستعمل عادة لاخراج انصاف الارباع، بل كان يتلاعب بأناملـه واطراف اظافره فيخرج النغمات سليمة شجية مما لم يسبق لغيره ان أتى بمثلـه. وتطاولت عبقريته على فناني الاتراك اللامعين فكانوا يرون انفسهم لا شيء بالنسبة لفنون هذا الضرير الجبار ويتسابقون لزيارته ويستقون من ورده الصافي اعذب الموشحات والالحان ويشهدون بأنه تحفة عجيبة وهبها الدهر للناس لينعم بعبقريته البشر. .

هو صاحب المدرسة العثمانية في التلاوة وتنسب اليه الكثير من الالحان والموشحات (حوالي خمسين موشح) والتنزيلات (مرادف البسته في الغناء الديني) منها ما نسب الى مجهول او الى التراث او الى تلاميذه، نذكر منها "زوزوني كل سنه مرة" (كانت "زر قبر الحبيب مرة") و "فوكَ النخل فوكَ" (كانت "فوكَ العرش فوكَ، معراج ابو ابراهيم فوكَ العرش فوكَ") و"طلعت يا محلى نورها" (كانت "بهوى المختار المهدي") و "ربيتك زغيرون حسن" كانت ("يا صفوه الرحمن سكن فيكم غرامي") و "اشكَر بشامة" (كانت "احمد بحسنه سبانا") و "للعاشق في الهوى دلائل" و "ليت امي لم تلدني" و "لغة العرب اذكرينا" و "يا غزالا في الفلاة" و "يا خشوف العلايا" " و "صلي يا ربي على خير الانام" و "ناح الحمام القمري" و يا الهي بالتهاني" و يا راحلين اليه بالامان" و "نلت المقام الاشرف" و "نال العلا و الفضل و النجاة" و "املأ و اسقينا" و "آه يا سيدي"، وغيرها كثير.

و قد ادخل مقامي النهاوند و الحجازكار الى المقام العراقي وادخل على مقام الحجاز عناصر من مقام الديوان التركي الذي كان يغنى في الموصل وكان اول من ذيل المقامات بالبستات التى حورها من تنزيلات المولد النبوي ومنها يا صياد السمج، دزني ، لاناشد القبطان، قدك المياس، يم العيون السود، الليله حلوة، النوم محرم، يا بنت المعيدي، يا حلو يا مسليني، وطالعة من بيت ابوها. من تلاميذه عبد الرزاق القبانجي (والد محمد)، محمد خيوكه (والد حسن) واحمد الموصلي وعبد القادر الموصلي واحمد حسين الصفو و نجم الشيخلي و الحامولي و سيد درويش وغيرهم.

من مؤلفاته كتاب "ابيض خواتم الحكم في التصوف" وكتاب "نباتي" وكتاب "الطراز المذهب في الادب" و "الابكار الحسان" و "التوجع الاكبر بحادثة الازهر" و رسالة مطبوعة بتخميس لامية الإمام البوصيري الشهيرة وقام بجمع وتنقيح ديوان الشعر المسمى "الترياق الفاروقي" وهو نظم أستاذه ومربيه المرحوم عبد الباقي العمري الموصلي شاعر العراق الأكبر وهو أكبر جهد قام به مؤلف ومدقق كما اصدر مجلة المعارف في مصر. ولـه اشعار و تخاميس وتشاطير و مؤلفات عديدة استأثر بها بعض ذوي النفوذ الذين كانوا يوفدون نساخاً لتدوين ما ينطقه.

تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد

Islam Eidrisha
26/07/2009, 09h17
نسبت اعماله الى موسيقيين اخرين في ماساة فنية تاريخية من اعماله( زوروني كل سنة مرة وكلماتها الاصلية زورو قبر الحبيب مرة وهي تنزيلة او انشودة دينية - التي نسبت لسيد درويش و طلعت يا محلى نورها ايضا

أخي الفاضل مهند محسن
أخي الفاضل قصي الفرضي
كل الشكر والتحية لك على إلقاء الضوء على ذلك العالم الجليل, الذي ربما نساه وتناساه الكثيرون من أصحاب الصنعة الفنية, وشكرا على صور الملا النادرة, إثنان منهما أراها لأول مرة, وهو في شبابه, بالإضافة لصورة التمثال البديع.
أما بالنسبة للكلام المقتبس أعلاه, فقد دار عليه جدل عنيف يا أخي الفاضل, ولا يجدر بنا أخذه على محمل التسليم به, ربما كان صحيحا أو غير صحيح, فلكل الفريقين أدلته الوجيهة في نسب اللحنين للملا تارة وللشيخ سيد درويش تارة أخرى, وإن كنت شخصيا أجنح للأخير لأسباب أتجنب ذكرها درءا للجدل.
ولعل قضية التسجيل المصطنع الذي وضع ببدايته لحنا للملا ثم لصق فيه لحن زوروني كل سنة مرة ليست عنا ببعيد, فلنأخذ ما كتب على أنه رأي من الآراء وليس على سبيل القطع والتسليم.
تلك تذكرة, والعلم عند علام الغيوب

haidarthamer
11/10/2009, 08h14
ياريت أخ مهند لو حصلت على التسجيل الصوتي لهذه المحاضرة

نور عسكر
29/01/2011, 22h35
يوم أصدر الملا عثمان الموصلي مجلة في مصر

بمناسبة الذكرى 88 لوفاة شيخ الموسيقيين
الملا عثمان الموصلي.والذي يصادف في مثل هذا اليوم 30-كانون الثاني .
أكتب بعض السطور عنه ..كصحفي وعن مجلته (المعارف)
( ورد أسم المجلة (المعارف)هكذا ( وقد أنشأ مجلة بأسم المعارف في مصر 1897) في ( الدراسات الأكاديمية في الموسيقى العربية)-سماعي .وعلى شبكة الأنترنت لاتوجد مقالة مفصلة عن ذكر المجلة , وهو موضوع بحثنا لمصادفة ذكرى وفاته.
--------------------------------------------------------------------
كان الملا عثمان الموصلي يرحمه الله نادراً عزيز المثال ادهش دنيا الناس بفطنته ونوادره,فقد كان وهو البصير قارئاً للقرآن والموالد والتواشيح ,ذا صوت ساحر متصوفاً ,موسيقاراً ,شاعراً ,ناثراً,رحالة ,ناشراً للكتب وكانت له مزايا أخرى قل أن تجتمع في واحد.
· ولد الملا عثمان في الموصل عام 1854م وتوفي في بغداد يوم الثلاثاء 30كانون الثاني 1923م في دار ولده في( فضوةعرب ببغداد الشرقية قرب الحضرة القادرية)( شارع الكفاح حالياً)ورأسه في حجر تلميذه المقريء عبد الفتاح معروف يرحمه الله.. تنقل سائحا بين اقطار الأمبراطورية العثمانية من مدينته الموصل الى بغداد والأستانة والشام ومصر والحجاز وليبيا, وهو في أي قطر حل لقى من الترحيب والتكريم والأعجاب الواناً .
وفي رحلته الثانية الى مصر التي أستمرت خمس سنوات(1313ه-1318 هجرية) أصدر في القاهرة مجلة باسم" المعارف" لم تلق حتى اليوم ,عناية مؤرخ أو باحث أو دارس ولعلنا بهذه الكلمات التي ألتقطناها من بعض صحف تلك الأيام نلقي بصيصاً من نور على هذه المجلة وبذلك نوميء الى الملا عثمان ..الصحفي ! وليس الموسيقار كما عرف واشتهر.
1. أشارت " مجلة البيان" المصرية في العددالرابع من سنتها الأولى الصادر في 1حزيران 1897م في الصفحة 186 الى صدور المجلة تحت عنوان" المعارف" بقولهاورد علينا العدد الأول من مجلة معنونة بهذا الأسم لصاحبها ومحررها الفاضل ملا عثمان افندي الموصلي,وهي علمية سياسية تاريخية ادبية أخبارية,وفيما نعهدفي حضرة محررها المشار اليه من غزارة الأدب والبراعة في صناعة الأنشاء ما يضمن لها التقدم بين الصحف العربية..)
2. وأشارت مجلة"الهلال" في الجزء الحادي والعشرين من السنة الخامسة الصادر في 1 يوليو( تموز)1897م في ( باب التقريظ والأنتقاد) الى صدور المجلة مضيفة معلومات أخرى, فكتبت تقول تحت عنوان" المعارف"..( تلقينا العدد الأول والثاني والثالث من هذه المجلة العلمية السياسية التاريخية الأدبية الأخبارية لصاحبها ومحررها الكاتب الشاعر ملا أفندي عثمان الموصلي,وهي فصيحة العبارة حسنة السبك,قيمةالأشتراك بها عن سنة كاملة(40) قرشاً في داخل القطر و(50)قرشاً في خارجه..)
3. وفي صيف عام 1972- نشرت جريدة الأهرام في القاهرة –على اشارة أخرى تضيف معلومات جديدة عن المجلة,ففي الصفحة العاشرة من عدد "الأهرام" 31193 الصادر في 6مايس 1972 وفي زاوية( من75 سنة) كان الخبر الآتيصدر العدد الأول من " المعارف" وهي مجلة علمية سياسية تاريخية ادبية اخبارية تصدر في الشهر مرتين لصاحبها ومنشئها عثمان الموصلي ,وصفحات كل عدد16 صفحة..)
( والخبر هنا منقول من عدد "الأهرام" الصادر في 6 مايس 1897م
ومن هنا تبدو أن "المعارف" صدرت في 1 مايس 1987م.
4. اما الفيكونت فليب دي ترازي فقد ذكرها في كتابه القيم " تاريخ الصحافة العربية" ضمن جدول تضمن اسم المجلة واسم منشئها وسنة صدورها فقط.
هذا ما ذكر من أمر هذه المجلة ,ولكن لانعرف عن أهدافها وموضوعاتها وكُتابها ومستواها واخراجها والأعداد التي صدرت منها ومن وقف يساندها ومن وقف بوجهها وفي أية مطبعة كانت تطبع وما ثمن النسخة الواحدة منها..الخ ولماذا أصدرها في مصر ولم يصدرها في بغداد مثلاُ؟ هذه تساؤلات وغيرها كثير تبحث عن أجوبة,والأجوبة موجودة في الوصول أو العثور على نسخة من المجلة اي "المعارف" لغرض توثيقها كتراث عراقي مما أضافه ذاك النابغة العراقي ..الملا عثمان الموصلي يرحمه الله ,كتب هذا المقال في جريدة الأتحاد الأسبوعية في تموز 1989 ,وكانت بمناسبة الذكرى العشرين بعد المائة لعيد الصحافة العراقية في 15 حزيران , وللملا عثمان ديونان هما" المراثي الموصلية في العلماء المصرية" /القاهرة 1897 ومجموعة شعرية " سعادة الدارين" في 1900 /استانبول و" الطراز المذهب في الأدب" و"الأبكار الحسان في مدح سيد الأكوان" بغداد 1913.وفي العام 1988 أنتج تلفزيون بغداد مسلسلاً درامياً عن حياته ,من أخراج جاسم شعن.
هذه بعض السطور عنه وليبقى الملا عثمان الموصلي خالد الذكر كواحد من المبدعين القلائل منذ منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين,وليرحمه الله برحمته الواسعة. من أرشيفي وبتصرف لغرض الفائدة ,تحياتي .

قصي الفرضي
30/01/2011, 05h48
الاخ العزيز نور عسكر
السلام عليكم

بوركت على هذا الموضوع وهذه التذكرة الفريدة باحد اهم اعلام العراق والذي يجب علينا جميعا ان نفخر به ونحتفل بذكراه ونمجد اعماله الفنية والادبية شأنه شأن العباقرة العظام .

ملا عثمان الموصلي ذو مواهب نادرة وحدس غير طبيعي واذن موسيقية متميزة ففي احد الايام واثناء سيره في احد الازقة ببغداد سمع عزف عود باحد الدور والظاهر ان العزف لم يرق له فصاح باعلى صوته ابو العود كتلتني صعد وتر النوى شوية تره نازل ومعرفة الوتر المختلف للالة اثاء العزف موضوع صعب جدا ومن النادر ان تجد شخصا يستطيع ذلك وكان الفارابي واسحاق الموصلي يتمتعان بهذه الموهبة الفريدة .

كان ملا عثمان صديقا حميما لجدي رحمهم الله وحدث خلاف وجفوة بينهم لسبب ما وسافر الموصلي الى الاستانة ومصر وافترقا ولم يلتقيا لمدة 40 عاما واثناء جلوسهما سوية باحد المقاهي في بغداد حاول بعض الاصدقاء مصالحتهما وقام جدي للسلام عليه فلم يكلمه وانما وضع يده بيد الموصلي وسكت فتحسس الموصلي يد جدي ثم نهض واحتضنه وبكى وقائلا ألطيّف (اسم جدي عبد اللطيف) وينك فقد عرفه من مسك يده وهي موهبة لايجود الزمن بمثلها .

ومن نوادره انه خلال احد سفراته لتركيا عن طريق حلب فقد احد المسافرين معه ابريق الوضوء الموصلي الصنع وكانت الاباريق قديما تصنع من النحاس وبحث عنه صاحبه دون جدوى واثناء اقامتهما بحلب في احد الخانات سمع الموصلي رنة ابريق موصلي فاخبر صاحبه بانه سمع رنة ابريقه في الطابق العلوي وفعلا ذهب الرجل الى المكان ووجد ابريقه .

موهبة فريدة من الله عز وجل من بها على الموصلي بعد ان حرم من البصر ومما يذكر ان السماء مطرت مطرا شديدا يوم تشيع جنازتة وقال بعض المشيعين ان السماء تبكي مطرا عليه .

رحم الله الملا عثمان الموصلي فقد كان ذو موهبة لن تتكرر .

تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h37
عثمان الموصلي وابو العلاء المعري


موازنة عامة بينهما


أ.د. عادل البكري

عثمان الموصلي شخصيته عجيبة فهو موسيقار بارع ورائد من رواد الموسيقى الاوائل وكان من اقدر الموسيقيين على وضع الالحان للاغاني والموشحات وله اسلوبه الخاص بغناء المقام والادوار المصرية وهو فضلاً عن ذلك قارئ ومقرئ للقرآن الكريم ويجيد القراآت السبع والعشر وغيرها.
وهو متصوف على الطريقة القادريه ثم الرفاعية. وكان استاذا في الطريقة المولوية ومعلما لها.
وعمل الموصلي في الصحافة في مصر فاصدر مجلة (المعارف) في القاهرة اثناء سفره اليها عام 1313هـ (1895م) وبقائه فيها خمس سنوات .
ٍوهو كاتب واديب له اسلوبه الادبي المتميز. وهو سياسي مرموق في دولة الخلافة العثمانية, وكان يرسله الخليفة العثماني الى البلاد الاسلامية في مهمات خاصة.
وهو ثائر من ثوار ثورة العشرين في العراق ومحرض لها.. هذه كلها هي نصف الاعجوبة لهذا الرجل.. اما النصف الثاني فهو كونه كفيف فاقد البصريتحسس طريقه بعصاه الغليظة.ومع ذلك فقد اعطي موهبة اخرى وهي انه يستطيع التعرف على الناس بمجرد لمس اياديهم فيقول لاحدهم وقد غادره لسنين طويلة: انت فلان!
لم يعرف بين العرب من وصل الى ما وصل اليه عثمان الموصلي من ذكاء وسعة المعرفة مع فقدانه للبصر منذ طفولته سوى ابو العلاء المعري. والشبه بينهما كبير: فكل منهما كان قد فقد بصره لمرض الجدري الذي اصابه في طفولته الاولى وهو غض العود رخص البنان لينشأ مجدوراً ضعيفاً كفيفاً في عالم رهيب من الظلام الذي يحيطه من كل جانب يعاني الفقر والجوع، ولكنه لم يستسلم لعاهته بل تعهد نفسه بالتعلم والتأدب ودرج على مدرج اللغة والادب والشعر فكل منهما شاعر واديب مرهف الحس، وكل منهما شديد الحفظ قوي الذاكرة. فأبو العلاء يسمع كلاماً اعجمياً من رجل غريب ولا يفهم منه كلمة واحدة فيعيده على جار له اعجمي كما سمعه من ارجل الغريب واذا به رسالة باللغة الفارسية الى الجار تخبره ان اباه واخوته قد ماتو فصار يلطم ويبكي لأن الرسالة موجهة اليه.
وذا عثمان الموصلي تتلى عليه الدروس والقصائد الطويلة فيحفظها بمجرد سماعها من دون ان ينقص منها حرفاً او يزيد.
وكان كل منهما طالباً للعلم في عاصمة الخلافة في زمانه، فأبو العلاء يدفعه طموحه فيسافر الى عاصمة الخلافة العباسية، وعثمان كذلك يسافر الى عاصمة الخلافة العثمانية وكل منهما يريد الاستزاده من العلم والالتقاء بالعلماء حاملاً معه عاهة العمى مستهيناً بها ومتكبراً وعناء الطريق.
اما ادب النثر عندهما فهو ابلغ الصور. فهذه قطعة من رسالة كتبها ابو العلاء المعري الى داعي الدعاة بمصر يقول فيها: "قد حضرتني فيما نطق به دقائق، هن لدى الكشف حقائق. ومن انا حتى يكتب الي؟ ومثله في ذلك مثل الثريا الطالعة كتبت الى الثرى وهو لايسمع ولا يرى. وقد علم الله ان سمعي ثقيل، وبصري عن الابصار كليل.. ثم توالت محني حتى اشبه شخصي العود النحيل. ومنيت في آخر العمر بالاقعاد وعداني عن النهضة عاد".
وقال عثمان الموصلي مايشبه ذلك في رساله كتبها الى احمد عزة الاعظمي الاديب المعروف قال فيها: "كحلت بصيرتي لا بصري واجلت نظر فكري لا نظري بلطائف صدرت عن عربي النزعة والمجار، وطرائف برزت من اعظمي الاقدام والاستبصار... جوالة في بحار الفلسفة، لاوية العنان عن كل سفَه، حريّة ان سترشد بها من استرشد، أتْهَمَ فيها او أنجد، فحينئذ طَفِقت اسأله عن هويته وكشف القناع عن ماهيته".
ومن اوجه التشابه بينهما ان كلا منهما يلعب الشطرنج وهو الشيء الذي يتطلب من اللاعب الضرير ان يحفظ في ذاكرته مواضع احجاره فضلاً عن احجار خصمه ويحفظ نقلات كل قطعة منها لتبقى صورة حشد القطع على الرقعة مرتسمة في ذهنه مهما تغيرت مواضعها واختلفت حركاتها.
هذه كلها اوجه التشابه بين الاثنين. اما مواضع الاختلاف فنذكر منها ان شعر ابي العلاء يزخر بالبلاغة والمعاني الجزلة وشعر اللزوميات ويتناول جميع اغراض الشعر ويتفوق بذلك على الموصلي فهو شاعر اصيل متفرغ للشعر بينما لم يتفرغ الموصلي للشعر فهو له نشاطات اخرى ولكنه يتفوق على المعري بضرب آخر من ضروب الشعر وهو نظم التاريخ الشعري أي وضع تاريخ احدى المناسبات في الشعر حسب الحروف والكلمات وهو من اصعب فنون الشعر ولا يقدر أحد من الشعراء ان يبلغ ما بلغه الموصلي في هذا المجال.
ويتفوق المعري على الموصلي بشيء آخر وهو فلسفة العقل بينما يتفوق الموصلي على المعري بالموسيقى والالحان.
وان تفضيل العقل ينسجم مع فلسفة ارسطو حتى قيل انه درس الفلسفة اليونانية وهو يؤيد حشر الاجساد ولا يؤيد قدم العالم.
اما الموصلي فترجح كفته في هذه المقارنة في مقابل فلسفة المعري وذلك بتفوقه بالموسيقى والالحان كما ذكرنا فهو يعزف على العود والقانون فيخرج النغمات الشجية ويضرب على الطبلة بسرعة هائلة تدعو الى الاعجاب ويضع الحان الاغاني والموشحات ويغنيها. ومن تلاميذه في الموسيقى الموسيقار المصري المعروف سيد درويش.
واظن ان المقارنة انتهيت الى هنا بالتكافؤ والتعادل بين الاثنين بأنواع المواهب وجوانب النبوغ، فكل منهما له نبوغه في جوانب تقابل مايتميز به الآخر.
ولكن انصافاً للحقيقة، وليس من قبيل التعصب لعثمان الموصلي فإن له جوانب اخرى من النبوغ والتفوق لاتتوفر عند المعري كالطرق الصوفية ومن اهمها المولوية التي هي ابتهال الى الله عن طريق الرقص والدوران على انغام الكمنجة والناي والطبلة. وكم يكون غريباً لو سمعنا ان بالعلاء المعري كان يدور على كعب قدمه ويرقص المولوية او يضرب على الطبلة ويعزف الانغام ولكن ذلك لم يحصل على الاطلاق.
وكان الموصلي قارئاً للقرآن ومقرئاً على القراآت السبع والعشر وغيرها ومن اشهر تلاميذه شيخ قراء مصر الخالد الذكر الشيخ محمد رفعت، بنما كان ابو العلاء لا يقرأ القرآن ولا يعرف ماهي القراآت القرآنية بل فوق ذلك كان متهما بدينه. وكان الموصلي صحفياً واصدر مجلة بإسمه ولم يكن المعري صحفياً.
وكان الموصلي سياسياً يفاوض الحكومات والدول بإسم الخليفة العثماني ولم يكن المعري سياسياً، وماكان أبعده عن السياسة.
وكان الموصلي ثائراً ضد الانكليز يحرض الناس على الثورة حتى هاجمه القائد البريطاني (ساندرز) ببيان اصدره ضده بينما لا يعرف المعري ماهي الثورات.
وكان الموصلي محباً للحياة تزوج مرتين وانجب اولاداً واحفاداً اعانوه في شيخوخته بينما كان المعري يكره الزواج وانجاب الاولاد واوصى ان يكتب على قبره:
هذا جناه ابي علي وماجنيت على احد
والجناية هي وجوده في الحياة وانجب الاولاد.
وكان الموصلي متفائلاً يحب المجتمع ويحب الناس ويحب النكته حتى قيل انه يضحك الثكلى. بينما كان المعري متشائماً انعزالياً حبس نفسه في بيته سمى نفسه (رهين المحبسين) أي العمى والبيت.
ومع ذلك فقد تهيأ للمعري من يكتب عنه الكتب ويخلد اسمه في الموسوعات الاجنبية حتى ان احد المؤلفين الاجانب وهو (لويس يونغ) قال في كتابه: (العرب اوربا) الصادر في بيروت سنة 1979 أن المعري اعظم مفكر عند العرب وان تأملاته الفلسفسة تتجلى في مواقفه التقدمية والعقلانية. بينما لم يكتب عثمان الموصلي كتاب واحد خلال اكثر من مائة عام بعد ولادته حتى تهيأ لي ان اكتب اول كتاب عنه صدر عام 1966 بعنوان (عثمان الموصلي الموسيقار الشاعر المتصوف). ثم اتبعته بكتابين آخرين واعتمدت في انجاز هذه الكتب على اكثر من خمسين مصدراً كتابياً ولقاءً مع المعمرين واشرفت على اقامة تمثال له في الموصل فعرفه الناس وكتبو عنه وسميت بإسمه قاعات ومحلات واقسام في معهد الفنون الجميلة ببغداد، والحمدلله رب العالمين.

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h39
الملامح الدرامية في حياة الشيخ عثمان الموصلي



شفاء العمري


من المعروف ان الدراما من المصطلحات التي التصقت بالمسرح . وبالشعر بالتحديد لان الشعر هو الجنس الأدبي الذي اعتمده كتاب المسرح في نصوص أعمالهم التراجيدية منذ العصر الإغريقي .
غير ان منابع الدراما هي الحياة وما يحدث فيها من تناقضات وصراعات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية بين الناس .
وان كتاب المسرح الإغريق استخدموا الدراما كمفهوم اكتشفوه وعاش بين جنباتهم ، فكل ما يعترض الإنسان في الحياة من منغصات وتناقضات تحث الإنسان فطريا للدفاع عن أرائه ومواقفه وعن منجزه عندها يكون قد فجر حالة من الدراما بين نفسه والمحيط قل نظيرها .
من هذا المنظور حاولت ان أتصدى لحياة الشاعر الموسيقار والفيلسوف عثمان بن عبد لله السقا الموصلي ، هذه الشخصية الفريدة التي انتسبت للموصل او انتسبت الموصل إليها .وقد كتبت البحث على شكل فصول ومباحث حاولت من خلالهم ان أتوصل إلى الملامح الدرامية كما وصفتها بصورة تفصيلية منذ الطفولة مرورا بالصبا والشباب الكهولة والشيخوخة وحسب الآتي :-
1 – الفصل الأول :-
المبحث الأول :- نبض الأسرة والولادة
المبحث الثاني الطفولة المبكرة وإصابته بالجدري وفقدان بصره
2 - الفصل الثاني
المبحث الأول :- الصبا و الشباب ومعاناة الحضور
المبحث الثاني :- السفر إلى بغداد ثم إلى استانبول
3 – الفصل الثالث
المبحث الأول :- العودة الى الموصل
المبحث الثاني :- مشهد للقاء مفترض بين عثمان الموصلي والوالي العثماني في الموصل
المبحث الثالث :- العودة الى بغداد و نضاله الوطني
4 - الخاتمة

في الخاتمة توصلت إلى ان الشيخ عثمان الموصلي عاش حياة غارقة بالصراعات ، أسرية ذاتيه ، ذاتية ذاتيه ، اجتماعية ذاتية ، سلطوية ذاتية
فهي حياة ذات ملامح درامية يمكن ان تتحول إلى أعمال فنية مرئية (مسرح سينما تلفزيون) تعطي للشيخ الموصلي المغفور له عثمان الموصلي حضورا معاصرا في ثقافة شبابنا العراقي في الموصل خاصة والعربي من الذين لم يسبق أن تعرفوا على هذه الشخصية العبقرية الفذة التي تكاد ان تكون شاملة وان من أهم واجبات المؤسسات العلمية والتربوية ان تعرف العراقيين على مبدعيهم وعظمائهم الذين تزخر بهم الأزمنة الفائتة .

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h41
الملامح الايقاعية في شعر عثمان الموصلي



ا.م.د محمد جواد البدراني


كلية التربية/جامعة الموصل


يعد الايقاع من ابرز العناصر الجمالية و الفنية للشعر فهو على النص ملامح جمالية تضفي على العمل تمايزا عن غيره من فنون الادب,و الايقاع محور شعرية النص الشعري و اذا كان الايقاع (فن احداث احساس مستحب بالافادة من جرس الالفاظ و تناغم العبارات) وهو تلك العلامة المتشكلة من توافق الفكرة الشعرية و صورتها المضاعفة فان من الطبيعي ان يكون الايقاع ملموسا بارزا في شعر عثمان الموصلي فهو موسيقي بارع و مقرئ مبرز وهذا ما يجعل اهتمامه بالايقاع ذا خصوصية فالإيقاع الشعري و اللحن الموسيقي يستقيان من نبع واحد وهذا ما تنبه له النقاد العرب القدامى قبل غيرهم اذ يقول الفارابي (ان نسبة وزن القول الى الحروف كنسبة الايقاع المفصل في النغم,فان الايقاع المفصل هو نقلة منتظمة على النغم ذات فواصل ووزن الشعر نقلة منتظمة على الحروف ذات فواصل ) و يقول ابن سينا (الايقاع تقدير مالزمان النقرات فان اتفق ان كانت النقرات منغمة كان الايقاع لحنيا وان اتفق ان كانت النقرات محدثة للحروف المنتظم منها الكلام كان الايقاع شعريا) ويؤكد ذلك ابن فارس بقوله (ان صناعة الالحان تقسم الزمان بالنغم وصناعة العروض تقسم الزمان بالعروض)من هنا يمكن القول ان الايقاع في شعر الملا عثمان يستحق الدراسة لخصوصية الشاعرالتي تجمع بين اتقانه للموسيقى و الشعر معا.
لقد كتب الموصلي على جميع البحور عدا المتدارك و المنسرح و المجتث و الهزج و المديد و المضارع و المقتضب و هذا امر طبيعي اذ ان هذه البحور اما نادرة او قليلة او تحاشاها الاقدمون لقرب بعضها من النثرية و رتابة البعض الاخر فكان من الطبيعي ان يتحاشاها الملا عثمان الذي اجمع دارسوه انه كثير الحفظ للشعر العربي القديم فضلا عن مجزوء الرمل و الخفيف و الرجز و قد نجح في توظيف الامكانات الايقاعية لكل بحرفي توطيد دلالة ما يريد قوله و التعبير عنه من غرض فهو عندما يكتب مادحا يختار الطويل و الوافر و الكامل لمناسبتها لطول النفس و الامتداد و الاستطالة فيقول مثلا من الكامل مقطوع الضرب:-
ماذا علي اذا خلعت عذاري بهوى الملاح وحدث عن اشعاري
او من الطويل:- نبي المصطفى قلب المتيم قد اسرى لكم فرط وجد لا
و عندما يرثي يختار البحر السريع ذا الضرب المذال وهو بحر يوائم الانفعالات الجياشة و العواطف المتدفقة ويعتمد القافية
المفيدة المسبوقة بحرف يلائم النواح فيقول في رثاء شقيق محمود شكري الالوسي:-
ايها الحبر اصطبر عن فقده فاخوك اليوم في الخير الصميم
ان لبست الصبر عن فقدانه فزت بالاحسان و الاجر العظيم
وحين يهنئ الشيخ عثمان الديوه جي بتوليه قضاء بغداد عام 1922 يختار السريع ذاته ذا الضرب المقطوع فيقول:-
اليوم قام للهدى شان وقد علا للشعر تبيان
فقد وظف الضرب المقطوع و القافية المطلقة و روي النون التي جاءت كلها لخدمة غرضه فمن المعروف ان الضرب المقطوع يعطي للتفعيلة سرعة تلائم حالة القرح عكس سابقه فضلا عن ان إحصاءات د.إبراهيم أنيس و د. علي عباس علوان تشير الى ان القافية المضمونة غالبا ما تاتي مع الفخر و المديح و الغزل و المواقف المفرحة.
و كان الملا عثمان متمكنا من الايقاع الداخلي فهو يوظف دون تقصد بل بسبب فطرته الموسيقية و تمكنه من اللحن و الايقاع التراكمات الصوتية 0
فقد تكررت اصوات الصفير بصورة لافته للانتباه و من المعروف ان اصوات الصفير تاتي بالمواقع التي توحي بالخوف و التوجس و الترقب و الرهبة من شئ ما فهي هنا موائمة لخوفه من المرض و هو في اواخر حياته غريبا متوجسا من ما حوله .
كما كان يوظف التكرار بانواعه الجناسي و الاشتقاقي و اللفظي و تكرار البدايات و غيره لتعزيز بنيته الايقاعية 0
لم يخل بيت من القصيدة من توظيف التكرار لتعزيزالايقاع و تقويته كما نجد في شعره انماطا من التوازي الدلالي و النحوي و الصرفي ينبئ عن احساس عالي بالموسيقى الشعرية و لعل واحدة من اروع قصائده( المنظومة الموصلية)
التي عارض بها نهج البردة ومدح بها الرسول الاعظم ص وذكر بها اسماء سور القران الكريم و هي تحفل بالمؤثرات الايقاعية

وعموما فقد اشتغل الموصلي على فنون الشعر كالتشطير و التخميس و التاريخ الشعري لكن اثر التكلف لم يك واضحا في شعره بل جاء شعره منسابا سهل الإيقاع فهو شاعر لم يتسم شعره بالركاكة و لم تسحبه الصنعة على حساب الشعور بل جاء شعره بمستوى شعر عصره بيد انه كان مهتما بقضايا الإيقاع بسبب حسه الموسيقي.

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h43
الدور الوطني والقومي


للشيخ الملا عثمان بن عبد الله الموصلي (ت1923م)



أ.م.د عبد الله محمود طه المولى


كلية الآداب/جامعة الموصل


رحلت والصدر بالإيمان ملآن في ذمة الله شيخ العلم عثمان
على المنابر تدعو أمة "عجزت" عن شرح قصتها شيب وشبان
كأنما القوم قد ماتت عواطفهم حيث المنابر عند القوم عيدان

...........................................

هذه أبيات من قصيدة للشاعر البغدادي عبد الرحمن البنا ، الملقب بشاعر الاستقلال (ت1955م) في رثاء الشيخ الملا عثمان الموصلي ، مؤكدا على ما يتمتع به هذا الرجل النابعة في فنه وأدبه ، ووزنه السياسي وفكره ودوره الوطني والقومي . فأقول :
سبع قرون عجاف – منذ سقوط بغداد بيد المغول في القرن الثالث عشر للميلاد ، وحتى القرن التاسع عشر – مرت على الأمة العربية الإسلامية، وقد تداعت عليها الأمم . في خضم هذا الوضع المتردي المتلاطم والمتناقض حسب اجتهاده وهواه ، ففي الوقت الذي نراه يغمز من طرف خفي بالخلافة العثمانية ، مما أسخط عليه الوالي العثماني في بغداد ، ونفاه إلى سيواس في الأناضول ، نراه في وقت آخر موفدا من قبل الخليفة العثماني ، السلطان عبد الحميد إلى طرابلس الغرب ، وغيرها من الدول الأخرى ، لاستمالة حكامها ، وطلب معونتهم للإمبراطورية العثمانية ، فيقوم الموصلي بأداء مهمته كمندوب سياسي على أتم وجه ، وكذلك ذهابه إلى مكة المكرمة أغراض سياسية ، فيقف خطيبا وداعية للناس إلى شد أزر الخلافة العثمانية الضعيفة ، باعتبارها الهدف الأسمى والمقدس ، المتمثل بالدين الإسلامي الحنيف . ولكن سرعان ماتغير وضع الدولة العثمانية نحو التدهور والانحلال ، فيتجه كثير من العرب المسلمين الخاضعين تحت سيطرتها ، إلى التفكير نحو التخلص منها وبأي شكل من الأشكال ، وهنا يقرر عثمان الموصلي ترك العاصمة العثمانية ، بعد أن بدأ يتلمس في نفسه الخيوط الأولى لما يحب القيام به – إلى جانب فنه وأدبه وشعره – من دور سياسي وفكري وطني وقومي ، ففي عام 1895م حط رحاله في مصر التي أقام فيها خمس سنوات ، قريبا من علمائها ومفكريها وساستها ، وعمل على تعزيز ونشر فكره بإصدار مجلة علمية تاريخية سياسية أدبية إخبارية باسمه ، تدعى مجلة المعارف التي زاحم فيها الصحف المصرية ، وأثبت حضوره الفكري بين المفكرين العرب آنذاك . بيد أن الظروف السياسية المضطربة أخذت تعرقل عمله الصحفي ، فأوقف الموصلي صحيفته بعد أن وجدها لم تعد تتفق مع رغبة السلطان الحاكمة آنذاك ، ويقرر الرجوع نحو العاصمة التركية ثانية ، بيد أن تغير الأجواء السياسية للدولة العثمانية ، وكثرة المشاكل بوجه الخليفة العثماني ، من جانب ، وحنينه إلى وطنه من جانب آخر ، عوامل أجبرته في عام 1913م على مغادرة العاصمة العثمانية إلى الأبد ، ليساهم بشكل جدي في أحداث بلاده .
وتمر الأيام مضطربة منذرة ، وعثمان الموصلي بين الموصل وبغداد ، إلى أن اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914م ، فاكتوى العرب بلهيب سنيها الأربع التي انتهت باندحار الإمبراطورية العثمانية أمام الحلفاء ، عندئذ بدأت الضمائر العربية بالاستيقاظ ، منادية بتشكيل دولهم ، ونيل استقلالهم وتحررهم ، بيد أنهم وجدوا أنفسهم تحت حكم استعماري جديد ، ودخلت القوات البريطانية بغداد ، والمدن الأخرى ، معلنة ارتباط العراق بمواثيق وأحلاف مع بريطانيا ، وهنا شرع أحرار العراق بإعلان الحرب ضد الإنكليز ، وانطلقوا في 30 حزيران عام 1920م بثورة عارمة ، استمرت ستة أشهر ، أبلى العراقيون فيها بلاء حسنا ، يذكره التاريخ على مر الأجيال ، وقد ساهم أدباء العراق ومفكروه في إيقاد نار الثورة ، والتحريض على مقاومة المحتل وعلى رأسهم عثمان الموصلي .

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h44
عثمان الموصلي في فنه وإبداعاته


بين الموصل-وبغداد-مصر-سوريا-استنبول




طلال صفاوي العبيدي


الملا عثمان الموصلي ولد بمدينة الموصل سنة 1271ه الموافق 1854م
فهو المقرئ الكامل الموسيقار الكبير .ومن أحسن قارئ المناقب النبوية . ونسبه يرجع وهو عثمان بن عبد الله بن فتحي بن عليوي المنسوب إلى بيت الطحان في الموصل .ولم تقتصر موهباته على التلاوة أو المناقب بل نجده قد أبدع في الموسيقى والأدب وخاصة الشعر ((الصوفي))
كان أبوه يعيل عائلة كبيرة ولم يلبث أن أدركه الموت .تاركا ابنه عثمان ولم يتجاوز السابعة من عمره.
وقد أصيب عثمان في طفولته بمرض الجدري الذي افقده بصره .لقد تحمل ثقل الأوزار منذ نعومة أظفاره .حيث لا يرى إلا رفيقين حياته الظلام الدامس , لقد تحولت حياته إلى شقاء وألام شديدة ولا معيل له . وبعد معانات طويلة احتضنه جاره السيد (محمود بن سليمان) وقد اسكنه في داره السيد (محمود منيب العمري ) ليعيش مع إفراد عائلته .اذ أرسله إلى كتاب لحفظ القران الكريم .كان عثمان يتمتع بذكاء متميز في سرعة الحفظ . وذكر انه حفظ عشرين بيت من الشعر أو أكثر بمجرد قراءتهم مرتين وقد كانوا يسمونه بـ اسم (الضرير الجبار ) وقد اعتبروه احد النوابغ في الأمة العربية وعلم من إعلامها .وقد درس علوم اللغة العربية على متخصصين من أمثال الحاج عمر الاربيلي والشيخ صباح الخطيب والشيخ عبدالله الفيضي وعندما توفي محمود العمري عام (1865) أحس عثمان بفقدان المعيل فعزم السفر إلى بغداد .حيث يقيم هنالك الشاعر الأديب (احمد عزة باشا العمري )فلتزمه .وعرفه على أدباء بغداد.وصاروا يقصدونه ويسمعون إليه . وقد تحققت أحلامه التي سمع عن إمكانيات بغداد , وسرعان ما تعرف رجالات بغداد , وأذيع خبره, كما ذكره الأستاذ محمد بهجت الأثري في بحثه القيم عنه .في بغداد اخذ أصول المقام العراقي (من الحاج عبد الله الكركوكلي ) , والشيخ العلامة داؤد والشيخ بهاء الحق الهندي . في هذه الفترة سافر إلى الحج ويقال سافر عدة مرات .ثم رجع إلى الموصل عام (1886)م ليتلقى الدروس من على كبار شيوخها . قرأ خلالها (القراءات السبع على الشيخ محمد بن الحاج حسن الموصلي ).
والشيخ (محمد بن جرجيس ألنوري الذي اخذ عنه الطريقة الصوفية ) القادرية , . وكان يقرأ القران بعد مجلس الوعظ فيفض الجامع بالمستمعين ثم شد رحاله إلى , (استانبول ) وهناك جد إن سمعته قد سبقته.
وهناك خصصت له الحكومة العثمانية راتبا يستصيف به . وفي استانبول تعرف على مفتي لواء أزمير الشيخ مصطفى مخفي أفندي . فدرس القراءات العشرة. ثم درس الطريقة المولوية القادرية , والطريقة المولوية تبيح استعمال الآلات الموسيقية بأنواعها .في حفلات الذكر . ثم ارتدى زى المولوية الخاص. وهو عبارة عن جبه صفراء واسعة , وعمامة صفراء ملفوفة على طربوش بنفس اللون يمتاز بطوله.وقد كان يقرأ القران في جامع (أيا صوفيا ) وبنفس الوقت كان فضيا ويعزف الموسيقى . لقد أعجبوا به , وراو من شعره وأدبه ونبوغه ما جعله مميزا بينهم . واستطاع التعرف على قادة الدولة العثمانية وأعيانها ومن المهم وأبرزهم السيد (محمد أبو الهدى الصيادي )شيخ مشايخ الدولة العثمانية . واحد المقربين من السلطان عبد الحميد وقدمه للسلطان ففتح إمامه أفاقا واسعة . فادخله قصره ومنحه العطف والنعمة .وقد تزوج في استانبول وانه فتح مكتبة لبيع الكتب , وعين قارئا في جامع ايا صوفيا
سافر الى مصر عام (1895)م فأقام فيها خمس سنوات .
فتعرف على الشيخ (محمد العباسي المهدي المصري .واتصل بالفنان اللامع (عبد الحمولي) وقد اصدر في مصر مجلة أدبية فيها . اسماها (المعارف ) وفي القاهرة التف حوله الموسيقيون والمغنون.ومن أشهر تلاميذه (المغني المصري سيد درويش ).وفي تلك الفترة كانت مصر تزخر بنشاطات أدبية وفنية وسياسية يقوم بحمايتها (الأمير عباس ) ويحل فيها كثيرون من ابرز الأدباء العرب كأديب إسحاق والكواكبي وخليل مطران . ثم سافر إلى سوريا ولبنان وكثير من الدول العربية , ثم عاد إلى استانبول مع عائلته الصغيرة . ثم عاد إلى العراق عام 1913 بعد إن أصبح الجو السياسي في استانبول غير مناسبا له ونزل ضيفا في دار الحاج حسن عبدالله خيوكة. وبعد ذلك عينته دائرة الأوقاف بوظيفة رئيس القرار في جامع المرادية وخصصت له حجرة واسعة في جامع الخفافين . وقد وصفه الأستاذ الأثري انه يملك بنية قوية وجسم ممتلئ .مربوع القامة اسمر اللون. أشعث الشعر جهير الصوت وبقي صورة أصلية للفن والعبقرية العراقية حتى وفاته في شهر كانون الثاني عام (1923) .ودفن في مقبرة الغزالي في رصافة بغداد.
--------------------------
الغزلاني !

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h46
محاولات في جوانب من سيرة حياة عثمان الموصلي


1261- 1341 / 1845- 1923




بسام ادريس الچـلبي


مؤرخ وباحث غير اكاديمي



أحسب ان الكبار من الاعلام الراحلين، كثيرا مايُخرجون رؤوسهم من مثاويهم الابدية، صارخين بلغة كل عصر يظهرون فيه، طالبين اعادة النظر فيما كُتب عليهم عَبْر الحقب. وفي عصرنا هذا، وقل بلغة عصرنا هذا، تُلزم اعادة النظر هذه امورا عدة من بينها اعادة التقويم، واحيانا اعادة الاعتبار، هذه الامور التي لن تكون من واجبي مع عثمان الموصلي. لكن الأمرين اللذين ذكرتهما ليسا كل شئ بل ان بين ما يقع تحت مسالة "اعادة النظر "اكتشاف اخطاء عاشت مئة وعشرين سنة في حياة رجل ولد قبل نحو مئة وستين عاما. وكذلك تسليط انارة على اجزاء من حياة عَلَمٍ، لم تكن الاضواء عليها كافية معادلة لأهميتها. وهذا مافعلتُه مع الموصلي عثمان.
في الواقع اوقفتني مسائل، وانا اعمل على بحث في عثمان الموصلي، فغيرتْ هذه المسائل من اتجاه عملي، ومن ثم بدّلتْ عنوانه.
في العادة، يبدأ كاتب الترجمة بكتابة منظومة اسم العلم، ومصطلح "منظومة الاسم" توصلت اليه في أثناء عملي في (اعلام الموصل) لمدة تربو على عقدين. وهي تضم الاسم الثلاثي – او اكثر- . الكنية، الشهرة، اللقب، النبز، وكذلك هذه المفردات في اسم الاب، وحتى الجد. ولكني اعترف ان هذه المنظومة قد تقلصت في القرون الاخيرة.
فجأة .. اكتشف ان لعثمان الموصلي ثلاث سلاسل من النسب، يبدأ الاختلاف بينها من اسم الجد. وهو اختلاف مقلق، ومايزيد القلق ان الباحث المتخصص الاهم في سيرة حياة عثمان الموصلي يذكر سلسلتين في صفحة واحدة. ويعطى لكل منهما اهمية مساوية للاخرى. فتنتقل حيرة الباحث الاصل الى اقلام الباحثين "الوسطاء" مثلي. ويزيد الأمر قلقا وحيرة ان الباحث هذا لم يذكر سلسلة نسب ثالثة جاءت في مصدر سبق ظهور كتابة الاول حول عثمان الموصلي. على اني لم اعط الامر اهمية، حتى قليلة، فأية سلسلة تُقال يفهم منها المرء ان المقصود هو من بات يعرف بالملاعثمان الموصلي. وفي ادبنا، تُنوسيت اسماء اعلام كُثر، ولم يعودوا يعرفون سوى بالقابهم أو بكناهم او بعاهاتهم ...
غير ان "الصدمة" التي لطمتني، هي تثبيت سنة ولادة لعثمان الموصلي، تجعل منه بعد احدى عشرة سنة انسانا مكتمل الرجولة، بالغا اشده.
فيما عدا باحث واحد، زائدا كاتب هذا الكلام، قال كل من كتبوا عن وعلى عثمان الموصلي انه ولد سنة 1271 هـ المقابلة لعام 1854م. وانه بعد ان فقد اباه وبصره، وهو في حدود السابعة من العمر، تكفل بعنايته احد سراة الموصل العمريين. وان هذا المحسن الجليل توفي سنة 1282/ 1865، وترك عثمان ضائعا في فراغ أليم. وانه لهذا قرر، بعد ان صار مالك أمره، ودخل في العقد الثالث من عمره، ان يترك مدينته متوجها الى بغداد. نعم لننتبه فبين العدد 1865- 1854 = 11. نعم، مرة اخرى، كان عمر عثمان احد عشر عاما، وقد بلغ اشده، ودخل في العقد الثالث من عمره ! ويصرّ الباحثون على ذلك. وفي كتاباتهم المتتابعة في عثمان.
بل اكثر من ذلك، فقد جعلوا من ادباء بغداد واعيانها، يخرجون على اطراف بغداد لاستقبال الصبي المعجزة. ويشدو باحث ببيتيّ شعر، يظهر فيهما ان بغداد كانت له عاشقةً على السماع متيمةً من قبل ان يصلها، ذلك ان الاذن تعشق قبل العين احيانا !!
كما ان البحوث على الموصلي جعلته وهو في الرابعة والستين من عمره اشبه بالمقعد الذي خارت قواه، ونزل نصفه في العالم الآخر!
هذه الكلمات غير المسؤولة فعلا، جعلتني اقدم على فعل معاكس، وهو دفع تاريخ ولادة عثمان الموصلي عقدا كاملا الى الوراء، ليكون في سنة 1865 فعلا رجلا بلغ اشده، وفي عام 1918 فعلا شيخا يسير ببطء، وبسرعة الى نهايته.
مسألة اخرى اثارتني في سيرة هذا الرجل، هي علاقته العاطفية والعقلية بالسلطة العثمانية، وبمولاه ظل الله على الارض السلطان عبد الحميد الثاني، الذي قربه اليه، وخوّله التكلم بين الجماهير نيابة عنه، وارسله في سفارات الى اقاليم الدولة العثمانية.
في الواقع لم يجد البحث في هذه العلاقة الحميمة بين عثمان وسلطة آل عثمان مطعنا فيه، فهو مواطن عثماني، ومتدين ، ولعله كان يعمل متأثرا بوحي الآية الكريمة : { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... } وبمقولة فقهاء السلاطين، التي مضمونها "حاكم جائر خير من الفوضى ".
وتتبع البحث علاقة الموصلي بأحد رجال الدولة العثمانية المثير للجدل وهو ابو الهدى الصيادي الذي اسماه البحث "راسبوتين البلاط العثماني". ويتوهم البحث انه كان من بين مهمات هذا الرجل "اقتناص" الرجال المتميزين، وتوظيفهم في خدمات "خاصة" للدولة العلية.
كما اعطى البحث اضافات ، يتوهم انها لم تكن معروفة، على سفارة الموصلي ممثلا للسلطان العثماني عند حاكم طرابلس الغرب /ليبيا : محمد المهدي بن محمد بن علي السنوسي الادريسي (1844- 1902). وحاول، أي البحث، ان يقترب من الوقت الذي تمت فيه هذه السفارة، التي وضع لها بعض الباحثين تاريخا غير جائز، لسبب بسيط هو ان السنوسي في ذلك الوقت كان قد غادر، او قل هرب خوفا من سلطان استانبول، من طرابلس الغرب الى واحات الصحراء الشرقية الكائنة في جنوب شرقي ليبيا.
لكن كما قال البحث في خاتمته، يبقى في الصدر سؤال يتحشرج : تُرى هل كانت "اذنا" عثمان الموصلي الموسيقيتان "عينا" للسلطان .... وهل كان فمه الغَرِد الذي شدا في كل الاصقاع التي ساح فيها الموصلي من بلاد الامبراطورية العثمانية، بأمجاد آل عثمان .. هل كان فمه "بوقا" يُطرب آخر خلافة اسلامية وهي في آخر ايام مرض موتها !!

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h48
عثمان الموصلي في فنه وإبداعاته


بين الموصل-وبغداد-مصر-سويا-استنبول




طلال صفاوي العبيدي



الملا عثمان الموصلي ولد بمدينة الموصل سنة 1271ه الموافق 1854م
فهو المقرئ الكامل الموسيقار الكبير .ومن أحسن قارئ المناقب النبوية . ونسبه يرجع وهو عثمان بن عبد الله بن فتحي بن عليوي المنسوب إلى بيت الطحان في الموصل .ولم تقتصر مرهباته على التلاوة أو المناقب بل نجده قد أبدع في الموسيقى والأدب وخاصة الشعر ((الصوفي))
كان أبوه يعيل عائلة كبيرة ولم يلبث أن أدركه الموت .تاركا ابنه عثمان ولم يتجاوز السابعة من عمره.
وقد أصيب عثمان في طفولته بمرض الجدري الذي افقده بصره .لقد تحمل ثقل الأوزار منذ نعومة أظفاره .حيث لا يرى إلا رفيقين حياته الظلام الدامس , لقد تحولت حياته إلى شقاء وألام شديدة ولا معيل له . وبعد معانات طويلة احتضنه جاره السيد (محمود بن سليمان) وقد اسكنه في داره السيد (محمود منيب العمري ) ليعيش مع إفراد عائلته .اذ أرسله إلى كتاب لحفظ القران الكريم .كان عثمان يتمتع بذكاء متميز في سرعة الحفظ . وذكر انه حفظ عشرين بيت من الشعر أو أكثر بمجرد قراءتهم مرتين وقد كانوا يسمونه بـ اسم (الضرير الجبار ) وقد اعتبروه احد النوابغ في الأمة العربية وعلم من إعلامها .وقد درس علوم اللغة العربية على متخصصين من أمثال الحاج عمر الاربيلي والشيخ صباح الخطيب والشيخ عبدا لله الفيضي وعندما توفي محمود العمري عام (1865) أحس عثمان بفقدان المعيل فعزم السفر إلى بغداد .حيث يقيم هنالك الشاعر الأديب (احمد عزة باشا العمري )فلتزمه .وعرفه على أدباء بغداد.وصاروا يقصدونه ويسمعون إليه . وقد تحققت أحلامه التي سمع عن إمكانيات بغداد , وسرعان ما تعرف رجالات بغداد , وأذيع خبره, كما ذكره الأستاذ محمد بهجت الأثري في بحثه القيم عنه .في بغداد اخذ أصول المقام العراقي (من الحاج عبد الله الكركوكلي ) , والشيخ العلامة داؤد والشيخ بهاء الحق الهندي . في هذه الفترة سافر إلى الحج ويقال سافر عدة مرات .ثم رجع إلى الموصل عام (1886)م ليتلقى الدروس من على كبار شيوخها . قرأ خلالها (القراءات السبع على الشيخ محمد بن الحاج حسن الموصلي ).
والشيخ (محمد بن جرجيس ألنوري الذي اخذ عنه الطريقة الصوفية ) القادرية , . وكان يقرأ القران بعد مجلس الوعظ فيفض الجامع بالمستمعين ثم شد رحاله إلى , (استانبول ) وهناك جد إن سمعته قد سبقته.
وهناك خصصت له الحكومة العثمانية راتبا يستصيف به . وفي استانبول تعرف على مفتي لواء أزمير الشيخ مصطفى مخفي أفندي . فدرس القراءات العشرة. ثم درس الطريقة المولوية القادرية , والطريقة المولوية تبيح استعمال الآلات الموسيقية بأنواعها .في حفلات الذكر . ثم ارتدى زى المولوية الخاص. وهو عبارة عن جبه صفراء واسعة , وعمامة صفراء ملفوفة على طربوش بنفس اللون يمتاز بطوله.وقد كان يقرأ القران في جامع (أبا صوفيا ) وبنفس الوقت كان فضيا ويعزف الموسيقى . لقد أعجبوا به , وراو من شعره وأدبه ونبوغه ما جعله مميزا بينهم . واستطاع التعرف على قادة الدولة العثمانية وأعيانها ومن المهم وأبرزهم السيد (محمد أبو الهدى الصياوي )شيخ مشايخ الدولة العثمانية . واحد المقربين من السلطان عبد الحميد وقدمه للسلطان ففتح إمامه أفاقا واسعة . فادخله قصره ومنحه العطف والنعمة .وقد تزوج في استانبول وانه فتح مكتبة لبيع الكتب , وعين قارئا في جامع ابا صوفيا
سافر الى مصر عام (1895)م فأقام فيها خمس سنوات .
فتعرف على الشيخ (محمد العباسي المهدي المصري .واتصل بالفنان اللامع (عبد الحمولي) وقد اصدر في مصر مجلة أدبية فيها . اسماها (المصارف ) وفي القاهرة التف حوله الموسيقيون والمغنون.ومن أشهر تلاميذه (المغني المصري سيد درويش ).وفي تلك الفترة كانت مصر تزخر بنشاطات أدبية وفنية وسياسية يقوم بحمايتها (الأمير عباس ) ويحل فيها كثيرون من ابرز الأدباء العرب كأديب إسحاق والكواكبي وخليل مطران . ثم سافر إلى سوريا ولبنان وكثير من الدول العربية , ثم عاد إلى استانبول مع عائلته الصغيرة . ثم عاد إلى العراق عام 1913 بعد إن أصبح الجو السياسي في استانبول غير مناسبا له ونزل ضيفا في دار الحاج حسن عبدا لله خيوكة. وبعد ذلك عينته دائرة الأوقاف بوظيفة رئيس القرار في جامع المرادية وخصصت له حجرة واسعة في جامع الخفافين . وقد وصفه الأستاذ الأثري انه يملك بنية قوية وجسم ممتلئ .مربوع القامة اسمر اللون. أشعث الشعر جهير الصوت وبقي صورة أصلية للفن والعبقرية العراقية حتى وفاته في شهر كانون الثاني عام (1923) .ودفن في مقبرة الغزلاني في رصافة بغداد.

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h50
المرجعية في شعر الملا عثمان الموصلي(ت1923م)




أ.م.د أحمد حسين محمد الساداني


كلية التربية الأساسية _ قسم اللغة العربية



من يطالع سيرة الأدباء في العصور المتأخرة ، يجد أن معظمهم لم يمارسوا مهنة واحدة ، كما هو الحال في العصور السابقة ، كالإسلامي والعباسي مثلا ، بل أن أغلبهم مارسوا مهنا عدة ، كان يجمع أحدهم بين التدريس وتأليف الكتب ، ونظم الشعر وكتابة النثر ، ويمارس _ أحيانا _ أعمالا أخرى ، أمثال الشعراء : ابن الدهان _ ابن الحلاوي _ الخبز أرزي _ ابن عصرون _ الكحال .... ، لكي يعتاش من عمله ، إذ أصبحت هذه الظاهرة سمة واضحة لدى الأدباء في هذه الحقبة الطويلة ، عاني فيها الناس من الاحتلال واختلت الأمور وشاع الاضطراب في مناطق عدّة من العالم العربي والإسلامي .
وشاعرنا الملا عثمان الموصلي واحد من هؤلاء الأدباء ، فهو موسيقي ومتصوف ,، وقارئ للقرآن ، ومعلم لأصول القراءة والتجويد والموسيقى ، ومغنٍ بارع ، بل وشاعر وناثر ومؤلف ، وهو في كل واحدة من هذه المهن جيد في اختصاصه بارع في فنه ، فقد أُعجب الناس بحسن قراءته للقرآن ، كما أُعجبوا بموسيقاه , وغنائه ونظمه ، وغير ذلك ... فقد حتّم عليه طبيعة العصر ونبوغه وظروفه الخاصة ، أن يمتهن كل هذه المهن حاله حال أُدباء عصره ...
والذي يهمنا في هذا المجال شعره الذي نظمه في أغراض شتى ، وغلب عليه الطابع الديني ، والمديح والرثاء والغزل الصوفي والتهاني ...
هذا واستمد الملا عثمان الموصلي معاني شعره وألفاظه وصوره من مرجعيات عدة ، أهمها :
المرجعية الدينية : المتمثلة بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والتاريخ الإسلامي ، فقد كان الملا عثمان الموصلي حافظا جيدا للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وعليه فقد وظف هذا الجانب كثيرا في مُجمل موضوعات شعره ، وبأشكال عدّة ، فكان منه الاقتباس النصي من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ثم الاقتباس الإشاري مُتمثلا بالأخذ والنظر في الألفاظ والمعاني المباشرة وغير المباشرة ...
وتُضاف إلى المرجعية الدينية هذه المرجعية الصوفية المتمثلة بالمعاني والألفاظ التي استقاها الشاعر من فكرة التصوف التي آمن بها وترجمها في أشعاره ، نجد فيها ألفاظا ومعاني كثيرة ، تعود إلى التصوف ، منها على سبيل المثال : الوجد _ القطب _ الغوث _ ألباز _ المريد _ الشفيع _ ليلى ، التي تكررت منه كثيرا ، إشارة منه إلى آل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع حنين إلى الديار الحجازية ، وذكر أماكنها ؛ أمثال : سَلْع _ العذيب _ العَلَم _ العقيق _ الصفا ….

أما المرجعية التراثية : فهي متنوعة أيضا استقاها الشاعر من تنوع ثقافته التي شملت اللغة العربية والأدب العربي والتاريخ والحضارة بكل أوصافها ومعانيها …
لذلك فهو ذو خصوصية شعرية صقلها محفوظ شعري متنوع ، يمتد من الجاهلية حتى عصره ، ويبدو لنا أن شعره قد نسج نسجا تتبك فيه خيوط مختلف العصور ، إذ تنوعت هذه المرجعية بين الأخذ والنظر في أشعار الآخرين ، ثم تضمين بعض الأسطر والأبيات مع تشطير بعض القصائد المختارة أو تخميسها ، تلك القصائد التي يرى فيها إشباعا لتوجهه الديني مثال ذلك قصائد البوصيري ، وعبد الباقي العمري ، وابن العربي ، وغيرهم ... ، وفي أحيانٍ أخرى يحذو حذو الآخرين في الوزن والقافية والموضوع في نظم بعض من قصائده الدينية التي تطرق فيها إلى موضوع التصوف ومدح بعض الأولياء الصالحين ....
يُضاف إلى ما ذكرنا المرجعية الشعبية التي سار عليها في قصائده ، التي نظمها للغناء في المجالس والموالد الدينية ، هذه القصائد لها سمات أخرى تختلف كثيرا عن قصائده التي نظمها باللغة الفصحى ... ، ذلك أن هذه القصائد تختلط فيها الألفاظ والمعاني الشعبية مع الفصحى أحيانا ، والتي كانت تنظم لمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) والأولياء الصالحين مع طلب الشفاعة والتوسل ، هذه القصائد كما _ أسلفنا _ تختلف عن غيرها من حيث الصياغة والأسلوب ؛ لأنها كانت تسمى : موشحات دينية _ وتنزيلات شعبية _ ومواويل … ، لا تتوفر فيها كل سمات الشعر من حيث القوة والمتانة والفصاحة ، فلها مرجعيات أخرى سار عليها السلف الصالح من الأتقياء ونظموا أشعارهم على هذه النماذج ، لكي تسهل عليهم القراءة والغناء في المواسم الدينية والموالد ، بحيث أصبحت سمة ظاهرة لهذه الفنون الشعرية المستحدثة ، التي نظم فيها شعراء بارزون سبقوا الملا عثمان الموصلي _ كالمواليا_ والمقامة _ والموشح _ والتنزيلات _ والدوبيت _ والزجل … وغيرها ، ومعظمها تستمد أصولها من مرجعيات في شرقي العالم الإسلامي أو غربه ، لا يلتزم ناظمها _ كثيرا _ بقواعد الإعراب أو الميزان الصرفي ، واستحدثوا لها أوزانا جديدة ، إذ نظمت هذه الأشعار _ كما أسلفنا _ أساسا للغناء ، ثم استخدمت لموضوعات الزهد والتصوف فيما بعد …
وعليه فقد نظم الملا عثمان الموصلي هذه الموضوعات المستحدثة ، وأجاد فيها نظما وغناءً ... وهي لا تعدُّ نقصا أو عيبا في أسلوب الملا عثمان الموصلي ، بل إن معظم أدباء العصر نظموا في هذه الموضوعات وعلى هذه الأشكال الشعرية المستحدثة ، على أنها من سمات ذلك العصر ، فقد نظموا في أموزون المقفى ، ولم يتركوا ما شاع في زمانهم من الظواهر الجديدة ، وهي جميعا لها أصول ومرجعيات ، نحاول دراستها وبيانها ...
ويستفاد من المصادر التي ترجمت لملا عثمان الموصلي ، إطلاعه على علوم الفلك ، وبرز ذلك في شعره أيضا ، فقد وجدنا له ألفاظا ومصطلحات عدّة في هذا المجال ، منها على سبيل المثال : الكوكب ، الفلك ، السُّها ، الرعد ، البرق ، البروج ، المدار ، دوران النجوم ...
هذا ما استطعنا كشفه من مرجعيات شعر الملا عثمان الكوصل ، وقد تكون هناك مرجعيات أخرى للشاعر ، لم نستطع كشفها لن بعضها خفية لا يستطيع أحد كشفها غير الشاعر نفسه .

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h52
الملا عثمان الموصلي : موسوعة المواهب والعلوم




محمد توفيق الفخري


باحث في التراث



ولد عثمان الموصلي عام 1271هـ الموافق لعام 1854م في محلة باب العراق لاب يعمل سقاء وهو الولد الأكبر لأربعة اخوة وكان والده يرعاه لما لمس منه من ذكاء ولما بلغ السابعة من عمره توفي والده ثم اصيب بداء الجدري الذي أفقده البصر.
تشاء العناية الالهية ان تحيط بالطفل اليتيم الضرير فقد أخذه الوجيه (محمود بن سليمان العمري) ليضمه الى ابنائه ويرعاه رعاية خاصة حيث عهد به الى مدرس ليحفظه القران الكريم ويعلمه بقية علوم اللغة العربية وخصص له مدرساً يدرسه الموسيقى وكان عثمان سريع الحفظ ويملك صوت رخيم حاز على اعجاب مربيه العمري، ومضى عثمان يواصل دراسته فشرع في قراءة علوم اللغة العربية على علماء عصره من شيوخ المدينة كالشيخ الحاج (عمر الاربلي) والشيخ (صالح الخطيب) والشيخ (عبد الله الفيضي الخضري)وغيرهم كما درس الحديث والتفسير على علماء الموصل المتميزين.
في سنة 1865م توفي (محمود العمري) فكان وقع الوفاة شديداً على عثمان فقرر السفر الى بغداد ليلتحق بربيبه (احمد عزت باشا العمري بن محمود) الذي تربى معه في صغره ووجد منه كل ترحيب وقدمه الى اهالي بغداد ووجهائها وعلمائها فوجد عثمان في بغداد كل تقدير واستطاع التعرف على ادباء العراق ورجاله البارزين وبدأ الدراسة على الشيخ داؤد افندي بن سليمان العاني ثم بعد وفاة المذكور أكمل دراسته (لصحيح البخاري) على الشيخ (بهاء الحق الهندي) كما درس الموسيقى على استاذ الموسيقى (رحمة الله شلتاغ) لمدة خمسة سنوات وبعد وفاة شلتاغ استمر بدراسته للموسيقى على الحاج (عبد الله الكركوكلي).
في عام (1886م) حصلت جفوة بين عثمان الموصلي ووالي بغداد نفي على اثره الى سيواس ثم اطلق سراحه ليعود الى الموصل ويواصل دراسته على شيوخ المدينة وعلمائها فدرس القراءات القرانية السبع على الشيخ (محمد بن الحاج حسن) ونال الاجازة فيها كما اتصل بالشيخ (محمد بن جرجيس الشهير بالنوري) في تكيته وأخذ يقرأ القران الكريم في مجالس وعظ الشيخ المذكور واخذ عنه الطريقة القادرية.
لم تكن الموصل لترضي طموح هذا النابغة فعزم على السفر الى استانبول حيث كان (احمد عزت باشا العمري) قد استقر فيها بعد احالته على التقاعد فرحب به وقدمه الى الزعماء والادباء العرب المقيمين في استانبول منهم نواباً في مجلس المبعوثين والذي كان منهم من تعرف عليه اثناء مكوثه في بغداد و هاموا بمواهبه ورائ هؤلاء ان يقوم بزيارة الى جامع ايا صوفيا الشهير ويقرأ القرآن الكريم فيه ايام الجمع وصار المصلون في الجامع المذكور يسمعون ما لم يسمعوه من قبل من ضبط القراءة وروعة التجويد وجمال الصوت وصار اهل استانبول يدعونه الى مجتمعاتهم كما سمعوا الحانه وموسيقاه وموشحاته وأشعاره فزاد تعلقهم به ، وتعرف على الشيخ (ابو الهدى الصيادي) شيخ مشايخ الطرق الصوفية واخذ عنه الطريقة الرفاعية وقدمه الصيادي الى الخليفة العثماني وحظي عند السطان عبد الحميد وأعجب بقراءته القران وصوته الجميل في الغناء.كما اكمل عثمان الموصلي دراسته للقراءات القرآنية على مفتي أزمير الشيخ (مصطفى مخفي) وأخذ عنه الاجازة بالقراءات العشر.
كما بدأ بدراسة الموشحات والحانها وهي لا تبعد كثيراً عن المقامات الموسيقية.
توثق السلطان عبد الحميد الثاني من امكانيات الشيخ عثمان فقرر ارساله الى السنوسي ملك ليبيا لسبر غوره فذهب الموصلي واكمل مهمته وتوثق من نوايا السنوسي وفي طريق عودته من ليبيا نزل في الاسكندرية وذهب الى القاهرة ورائ الأجواء فيها.
عاد الى استانبول واعلم السلطان وطمأنه الى نيات السنوسي ونجاح مهمته.

قرر الشيخ عثمان الموصلي السفر الى مصر نظراً لما شاهده من اجواء مريحة فسافر سنة 1895م قاصداً القاهرة فوصلها ووجد حوله الادباء والفنانين الذين بلغتهم شهرته وأول وصوله سأل عن شيخ قراء مصر فدلوه على الشيخ (يوسف عجّور) امام الشافعية ولما قرأ الموصلي امام شيخ القراء ابدى اعجابه بقرأته ومنحه الاجازة بالقراءات العشر ايضاً.
في ذلك الوقت كان عبده الحمولي يتربع على عرش الغناء والطرب فالتقى عثمان الموصلي به حيث اعجب كل منهما بالاخر وصارت بينهما صلات توثقت على ارهاف فني وصاروا يلتقون في مجالس الطرب وصار الموسيقيين المصريين يسمعون من عثمان الموصلي نغمات الحجاز كار والنهاوند فاقتبسوا منه هذين النغمين وفروعهما وكانت غير معروفتين في مصر.
كما ان عبده الحمولي اخذ عن عثمان الموصلي الموشحات ومزجها بالادوار المصرية.
كان مجتمع القاهرة يقدر نبوغ الموسيقار (عثمان الموصلي) فيهرع الناس لحضور حفلاته وسماع اغانيه.
اثناء هذه السفرة الى القاهرة التقى عثمان الموصلي باتباع الطريقة المولوية واحتضنه هؤلاء وصاروا يصحبونه الى التكية المولوية في السيوفية ووجدوا فيه ضالتهم المنشودة فهو الموسيقي وهو متصوف فأخذ الطريقة المولوية واصبح قطباً من اقطابها.
كما عمل عثمان الموصلي اثناء وجوده في القاهرة بالصحافة واصدر (مجلة المعارف) في ذلك الوسط الذي يعج بالصحف والصحفيين المصريين وكانت المجلة (علمية، سياسية، تاريخية، ادبية، اخبارية)كما اصدر عدة مؤلفات منها:
1. كتاب المراثي الموصلية في العلماء المصرية
2. سعادة الدارين (مجموعة قصائد مع مقدمات نثرية).
3. الابكار الحسان في مدح سيد الاكوان (قصائد مخمسة ومشطرة) .
كما قام بتحقيق ونشر ديوان (عبد الباقي العمري الفاروقي) الموسوم (الترياق الفاروقي) بعد ان قام بتصحيح اخطائه واضافة القصائد التي كان يحفظها ولم تكن من ضمن اوراق الديوان.
كما قام بنشر كتاب (خواتم الحكم) المسمى(حل الرموز وكشف الكنوز) للشيخ (علي دده).
كان لعثمان الموصلي في مصر تلاميذ درسوا عليه مختلف العلوم والفنون لاسيما فيما يخص الموسيقى والالحان والمقامات من هؤلاء الموسيقار (محمد كامل الخلعي) والشيخ (احمد ابو خليل القباني) والشيخ (علي محمود) الذي اخذ عن الموصلي اصول المقامات والالحان التركية والشامية واصبح للمذكور فرقة تقوم باحياء الحفلات وكان ممن التحق ببطانتها (زكريا احمد) الذي لحن للسيدة ام كلثوم العديد من أغانيها.
أما في القراءات القرانية فمن اشهر طلابه الشيخ (محمد رفعة) شيخ قراء مصر الذي درس على الموصلي في القاهرة :يقول الدكتور عادل البكري (ان من يستمع الى الشيخين محمد رفعة وعثمان الموصلي يجد تشابهاً في اسلوب قراءتيهما وهو اسلوب مخاطبة السامع الذي اوجده الشيخ عثمان).
بعد مضي خمسة سنوات عاشها الملا عثمان في مصر قضاها عثمان الموصلي بين قراءة القران الكريم في الازهر وتدريس الالحان وحضور الحفلات وحلقات الذكر الصوفية والقيام بزيارة رجالات مصر وعلمائها ونشر الكتب واصدار مجلة فقد شعر بالملل وقرر العودة الى استانبول.
عاد الشيخ عثمان الى استانبول وفتح له دكاناً ليبيع فيه الكتب وعينته الدولة مدرساً للموسيقى ، واصبح الدكان ملتقى الموسيقيين الاتراك يتباحثون مع عثمان الموصلي في فنون الغناء والموسيقى واستمر بتدريس الموسيقى في المدرسة. كما قام بتسجيل عدة مقامات واغاني على اسطوانات شمعية وارسل البعض منها الى اصدقائه.
والتقى هناك بالموسيقار التركي (كاظم اوز) الذي استفاد من عثمان الموصلي وتأثر به
كما اهتم عثمان الموصلي في هذه الفترةً بطبع ونشر بعض الكتب منها كتاب (الأجوبة العراقية على الاسئلة الايرانية)للامام (ابي الثناء شهاب الدين الالوسي) كما طبع ايضاً مجموعة تخاميس تحتوي على تخميس قصيدة البردة لابن النحوي وتخميس (مقصورة ابن دريد) وتخاميس (لابن الخياط الدمشقي) و (عبد الباقي العمري) .
بتاريخ عام 1906م ارسل الخليفة العثماني الملا عثمان داعية له الى بلاد الشام والحجاز فتوجه الى بيروت ثم دمشق وجاور الجامع الاموي وكان يخطب فيه خطباً حماسية بين الناس وتعرف في دمشق على رجالاتها وادبائها ومنهم (محمد باشا العظم الدمشقي) وزير الأوقاف وفي أجواء دمشق انطلق الموصلي في شتى الميادين من حضور الحفلات الاجتماعية والجلسات الصوفية المولوية و قام بتخميس (لامية البوصيري) وطبعها .
كما التقى بالموسيقار المصري (سيد درويش) الذي قدم الى دمشق مع فرقة الأخوين (امين و سليم عطا الله) ليسمع من الحان الموصلي ويأخذ عنه اصول الموشحات العربية والتركية. بقي الشيخ عثمان في دمشق ثلاث سنوات قرر بعدها السفر الى الديار المقدسة راكباً القطار على سكة حديد الحجاز سنة 1909 وأدى الفريضة وكان يخطب بالناس ويدعو الى عدم تفرقة المسلمين.
بعد ان علم ما آلت اليه الأوضاع بعد الانقلاب على الخليفة عام 1908م قرر العودة بعد اداء الفريضة الى استانبول ليتفقد زوجته التركية وأحبابه وخاصة الشيخ (ابو الهدى الصيادي) فعاد اليها ووجد الأوضاع مختلفة وان ابو الهدى الصيادي قد نفي وتوفي في منفاه الا انه لم ييأس وبدأ بالظهور ليقرأ القران الكريم بصوته الخاشع في جامع السلطان (أحمد) ويخطب بحضور كبار الموظفين وبعض العرب من اعضاء مجلس المبعوثين واوضح بأن (ان الانقلاب حركة سياسية لا تغير من صميم الخلافة الاسلامية شيئاً وان من الواجب تأييد حكومة الخلافة)، الا ان تغير الجو السياسي والاجتماعي جعل الشيخ عثمان يقرر السفر الى وطنه فترك زوجته التركية لعدم رغبتها في ترك أهلها وعاد عام 1911م الى دمشق وبقي فيها سنتين التقى مرة ثانية (بسيد درويش) الذي عاد ليتلقى دروسه على الموصلي ثانية ويعمل مع فرقته ليلاً وفي فترة مكوث الموصلي في دمشق اوعز الى ابنه في الموصل ان يبني مسجداً فيها فعاد الملا عثمان الى الموصل عام 1913م وسكن في المسجد المذكور.
استضافه بعدها احد اصدقائه في دار خصصها له وأصبحت الدار مجلساً يجتمع فيه محبو الموصلي وطالبي العلم ولم تدم الحال طويلاً اذ تشاء الأقدار ان يتوفى صاحب الدار ويقرر الشيخ عثمان مغادرة الموصل الى بغداد فعاد اليها وبدأ يمارس حياته ونشاطه في التدريس وحضور الاجتماعات والحفلات ومجالس العلماء واصبح له أصدقاء عديدون وفي هذه الاثناء اعلنت الحرب العالمية وبدأت اخبار انكسارات الجيوش العثمانية تصل الأسماع وبدأ االانكليز احتلالهم للعراق ثم احتلال بغداد سنة 1917م الذي اثر في نفسية عثمان الموصلي وبدأت الاجتماعات في المساجد والخروج للتظاهر ضد الانكليز وبدأت ثورة العشرين فكان الموصلي يقف خطيباً يندد بالاستعمار وتكرر حضوره في هذه المناسبات في جامع الحيدرخانة وجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وجامع الخلاني حتى اصدر المحتلين أمراً حضر هذه التجمعات في 23/8/1920 الا ان عثمان الموصلي بقي على صلته بالثورة حتى تكللت جهود العراقيين بمجيء فيصل الأول ملكاً على العراق وزار الملك الشيخ عثمان في غرفته في جامع الخفافين تقرباً منه الى شخصيات بغداد .
في صبيحة 30 كانون الثاني عام 1923م عاجلت المنية الشيخ عثمان الموصلي عن عمر ناهز السبعين سنة قضى منها 63 سنة في تحصيل العلوم ولم اشتاتها متنقلاً بين كبريات العواصم مكتسباً من ثقافات وعلاقات أهلها الاجتماعية وناشراً للعلوم والفنون التي أتقنها فكان بحق سفيراً لبلاده وملحقاً ثقافياً وداعية من دعاة علوم القراءات القرانية وآداب الطرق الصوفية وغيرها من العلوم والفنون التي استطاع ان يضع بصمته عليها فأستحق ان نقول عنه انه (موسوعة المواهب والعلوم ونادرة عصره).
اسمحوا لي باسمي وباسمكم ان أتقدم بالشكر والعرفان للدكتورعادل البكري الذي قام بجمع شتات أوراق وعلوم وأخبار الشيخ عثمان الموصلي منذ 45 سنة ولحد هذه اللحظة واصدر كتابين وملحق ولولا هذه الجهود لضاع الكثير منها.
كما لا انسى ان اتقدم بالشكر الجزيل للاستاذ الدكتور (محمد باسل العزاوي)لاستجابته الفورية لطلبي القيام بعقد ندوة خاصة لاحياء تراث هذا العالم الموصلي الشامخ والاساتذة الموقرين الذين قاموا بجهودهم للتحضير للندوة ونجاحها.
كما أناشد باسمكم جامعة الموصل وكلياتها الانسانية للقيام بدراسة الشيخ عثمان الموصلي دراسة اكاديمية يكلف بها طالب من طلاب الدراسات العليا.

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h53
المرجعية الصوفية في حياة الملا عثمان الموصلي وإبداعه

بشار نديم الباججي الكلية التقنية/الموصل

سلك الملا عثمان الموصلي في أكثر من طريقة صوفية،وكان لسلوكه الصوفي هذا تأثير واضح في حياته وفي إبداعه، وقد سلك الملا عثمان في الطريقة القادرية النورية على يد الشيخ محمد النوري الموصلي ، وفي إستانبول سلك الملا عثمان في الطريقة الرفاعية على يد الشيخ أبي الهدى الصيادي ،وفي مصر سلك في الطريقة المولوية ،تلك الطريقة التي أسسها مولانا جلال الدين الرومي،وقد لقيت هذه الطريقة هوىً في نفسه حيث وجد في مراسيم الذكر والإنشاد الخاصة بها مايلبي رغباته وميوله الفنية.
ولم يكن انتماء الملا عثمان إلى الطرق الصوفية ‘انتماءا تقليدياً بل كان نابعاً من إيمان راسخ بحقيقة العمل الروحي المتمثل في التصوف ،لذل نجد شخصيته قد تأثرت كثيراً بهذا الإنتماء للتصوف، ويمكننا أن نجد ملامح التأثير الصوفي في حياة الملا عثمان في أمور عدة أبرزها:
1- سياحته وتجواله:فقد عرف عن الملا عثمان كثرة تجواله بين الأقطار العربية والإسلامية،وكان دافعه في ذلك حبه للإستزادة من العلم ،ورغبة منه في التعرف على فضلاء البلدان من مشايخ وعلماء وأدباء.
2- طلبه للعلم :حيث عد أهل التصوف طلب العلم شرطاً لا بد منه للسلوك في الطريقة الصوفية ،وقد كانت سيرة الملا عثمان مليئة بالعشرات من الشيوخ الذين أخذ عنهم صنوف العلم والمعرفة ،وحيثما حل نجده يسعى إلى علماء ذلك البلد ليأخذ منهم ،وعندما بلغ أشده واستوى عوده تفرغ للتدريس فكان هناك العشرات من التلامذة النجباء الأفاضل الين تلقوا عنهم فنون المعرفة وبالأخص القراءات القرآنية والمقامات.
3- زهده : الزهد من المفاهيم الصوفية فقد عرف عنه أنه جمع ثروة طائلة من منح السلطان العثماني ورجال القصر في استانبول ،ولكنه أنفق جميع هذه الأموال على نشر العلم فقد طبع من جيبه الكثير من الكتب العربية في مصر وتركيا، كما أنه سعى في إنشاء المساجد في الموصل وتعميرها ،وقد عمر تكية للطريقة المولوية في الموصل، والملا عثمان كان جوادا لم يبخل على أحد من أصحابه ،وعندما توفي لم يترك وراءه شيئا من كل تلك الثروة.
4 - خوارق أللاشعور: ويسمي أهل التصوف ذلك كرامة أو إلهاما أو فراسة،ولكننا يمكننا أن نرجع الكثير من هذه الخوارق والعجائب التي تحدث عنها من عرفه ولازمه إلى شدة ذكائه ونباهته، إضافةالى قدراته الروحية الإبداعية الي صقلتها حلق الذكر والإنشاد ،وولعه بترديد قصائد التصوف .

5- الصوفي المجاهد: الصوفية يعدون جهاد النفس وقمع نزواتها ميداناً للجهاد الأكبر ، لذا عرف عنهم أنهم لا شأن لهم لا من قريب ولا من بعيد بالسياسة ، وأنهم يؤثرون العزلة والإنطواء ولكن تاريخ المتصوفة يحدثنا عن الكثير من الصوفية الذين وقفوا بوجه الحكام الظلمة والمستبدين ،وإذا ماتعرضت بلاد المسلمين لعدوان هب الكثير منهم للدفاع عن أوطانهم،وقد شارك الملا عثمان مشاركةً كبيرة في التحريض ضد الإنكليز عندما احتلوا العراق،وعندما إندلعت ثورة العشرين التحررية في العراق هب لنصرة الثوار ،بشعره وبحلقات الموالد التي تحولت إلى منابر للثورة .
6- خلقه وأدبه :كان الملا عثمان يتمتع بخلق صوفي رفيع وأدب راق ٍ ، فقد كان يتحمل الأذى من الناس ويعفو عن أخطائهم ، يتألم لآلام الناس ويعيش معاناتهم يحاول ،جهده في التخفيف عن معاناتهم، كانت لديه علاقات وطيدة مع الناس على اختلاف مشاربهم، كان لا يأبه لعوقه فاستطاع بجلده وعصاميته أن يحول عوقه الجسدي إلى قوة وإبداع.
أما المجالات التي تجلى أثر التصوف في إبداعه فيمكننا أن نشير إلى السماع الذي يعده المتصوفة رياضة روحية يصطنعونها لترقيق القلوب وإثارة الإنفعالات والمواجيد،وقد مدح الصوفية الصوت الحسن وعدوه مخاطبات وإشارات إلى الحق ومن الأسرار التي أودعها الله من شاء من عباده، وكتب التصوف تفيض بالحديث عن السماع وآدابه ودرجات السامعين ،والصوفي إنسان رقيق المشاعر جياش العواطف يتمتع بالشفافية الروحية والحس المرهف.
وقد تفردت الطريقة المولوية التي أولع بها الملا عثمان باستجازة العزف على الآلات الموسيقية أثناء مجالس الذكر وقد وجد الملا عثمان في هذه الطريقة بغيته فكان انتسابه إليها تعبيرا عن هوى في نفسه ،وعن شدة ولعه وشغفه بالغناء والموسيقى وقد أنكر الكثير من أهل التصوف ماذهبت إليه هذه الطريقة لذا لم تجد لها في الموصل مؤيدين وأشياعا،وأغلقت تكاياها في مصر وبغداد والموصل .
وشعر الملا عثمان جار على منحى أهل التصوف، في الإكثار من ذكر الرموز المعهودة في شعرهم، والمديح النبوي، وغير ذلك من أغراض شعر التصوف المعروف .

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h54
الملا عثمان الموصلي
( محاولة في علم اجتماع السيرة )



موفق ويسي محمود
استاذ مساعد
قسم علم الاجتماع



عثمان الموصلي من عائلة فقيرة وأصل متواضع ، ابوه سقاء يجوب أزقة المدينة والام تعمل خادمة لتساعده في النهوض بمسؤوليات العائلة 0
يتعرض الى نكبتين اولاهما وفاة والده وثانيهما اصابته بالعمى وهو لايزال طفلاً000ثم يكفله أحد الموسرين وهيأ له أسباب تعلم أصول القراءات ومن ثم تعلم قواعد الموسيقى والشعر واللحن ، وتوافق ذلك مع حافظة فائقة القدرة وأذن موسيقية وصوت رخيم 0 الامر الذي ساعده على دخول مجال الشعر والالحان وفتح له أبواب مجالس علية القوم والعلماء في وقت بدأ أن هذه المجتمعات تبحث عن ما يفتح لها آفاقاً جديدة في القراءة القرآنية والشعر والالحان فكان عثمان الموصلي نافذتها وكانت هذه المجالس مناسبة لعثمان لإرتقاء سلم المكانات الاجتماعية التي حرم منها صغيراً 0
ويبدو أن قصة حياة عثمان كانت عبارة عن بحث دائم وتوتر ذهني قاده الى التجريب في الموسيقى والى التجريب والبحث في الطرق الصوفية حتى وصل الى الطريقة المولوية الي هيأت له مجالي القراءة الدينية والتنغيم الموسيقي فالتزمها ، كما قاده بحثه الى التطواف المكاني بحثاً عن مكان يتسع لعبقريته ويحقق طموحه فمن الموصل الى بغداد الى اسطنبول الى البلد الحرام والى مصر والشام ثم عودة الى الموصل ليموت في ليل شتاء بارد في بغداد وعندي أن عثمان الموصلي كان عبقرياً موهوباً فاقت تجليات عبقريته المتوقع من رجل في ظل ظروف نشأته وزمانها 0
إلا أن الملا عثمان لم يجد لدى أكابر القوم مايستحقه من فضل اجتماعي فقدرته وموهبته كانت تؤهله ليبني مجداً ومكانة اجتماعية لعائلته من بعده حصل عليها آخرون لم يقدموا عشر معشار ماقدمه 000 في حين لم يزد عثمان أن كان شهاباً برق ليل المجتمع الطويل 0

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h55
الملا ّ عثمان الموصلي
سطورٌ من ذاكرة الأوراقِ


د. عبد الله الظاهر و د. شامل فخري العلاف


رجل موصلي لم يكن بدعا من الناس في تفرده في ميادين العبقرية كلها ، علم امتاز وما بزّ احداً ، بل حاولوا بزّه وما استطاعوا … كان نسيج وحده … ذاع صيته في آفاق المعمورة العربية والإسلامية ، شيخا من شيوخ الاقراء خطَّ بتوفيق الله تعالى له سبيلا خاصا به ، ونهج الشيوخ في زمانه ومن جاء بعد نهجه حتى صار مدرسة لها أصولها . ولم تقف عبقريته عند حنجرة سخرها لتجويد القرآن الكريم وحسب فقد اقتبس ذوو الألحان منه أسبابا ذلك أنه عاهد ذويه أن يقرأ القرآن الكريم بما تتفق معه الذائقة العربية التي عبرت إلى آفاق بلاد المسلمين وليس ذلك عجيبا ، فقد حفظ قوله صلى الله عليه وسلم " اقرؤا القرآن بلحون العرب " وبلحونه تلك اجتاز إلى الآخرين بالتلحين والتغنين كان موسيقيا أحسن الأثر والتأثير في أسماع المتلقين حتى صارت ألحانه تجري في أسماعهم مجرى النسائم . تلامس خدود العذارى الحالمات وتداعب قلوب العاشقين ، وتهتز لأوتاده رؤوس ذوي القلوب المرهفة والباحثين عن الأنس البريء وغير اللاهي وتنهمر لسماع ألحانه دموع ذوي الأحزان والباحثين عن السلوان .
ورهافة الرجل هيأته ليرتقي مجد التصدي للجهل فكان هاديا في زمن كان الناس فيه يبحثون عن سبيل لانتشالهم من براثن الجهل فعل الهداة الصالحين الآخرين ... فاعتلى المنبر خطيبا مفوها وبث النور بين المدلجين من الناس ... واعظا ذا فصاحة وبيان ، ولقد زهد الرجل ملاذ الفانية فكان أقرب إلى التصوف بادئ الأمر حتى ولج بحره فكان علما في التصوف متدرجا بين القادرية والرفاعية والمولوية التي ساد سوادها العظم بلاد الأناضول ... ولم ينعزل الرجل عن مجتمعه بل ظل معهم واحدا منهم يتحفهم بطرفه ويظرفهم بظرافته ويمسح دموعهم وأحزانهم بخفة ظله وسريع بديهته التي تنتج النكتة الخفيفة والنادرة الطريفة فآنس الآخرون صحبته وحفظوا غيابه وأدبه ، ولهذا وذاك كان ملاذا للعافين ومباءة لشكاة الشاكين وهو أحسن من يستوعب أولئك كله لأنه عاش اليتم والفقر وكان رهين محبس البصر الذي عوض الله به بصيرته نورا وتوقدا فكان يرى بها ويخزن أغلب ما يسمع في حافظة واعية عميقة الإدراك ... وكان فضل الله تعالى عليه كبيرا حين هفت النفوس إليه فأحبه الساسة والعامة وذوو اليسار وأصفار الأيادي ، وحظي عند المشايخ والأعيان وذوي الحياة والسلطان وأهل الفنون والألحان بالمكانة الرفيعة والكلمة القاطعة المسموعة .

مهيمن الجزراوي
09/12/2012, 22h55
التأثيرات الفنية للملا عثمان الموصلي على فناني مصر وسوريا وتركيا


لقاء فتحي عبدالله
مدرس مساعد/كلية التربية/ قسم التاريخ


أنجبت مدينة الموصل عددا كبيرا من المؤرخين والعلماء والأدباء والمفكرين والسياسيين الذين كان لهم دور فاعل في بناء شخصيتها الحضارية المتميزة ، وقد نال عدد منهم العناية والتوثيق لسيرته والتعريف بانجازاته من التعريف بسجله الحافل .
وأتاح لنا المؤتمر الذي ستعقده كلية الآداب في جامعة الموصل الفرصة لنسلط الضوء على أحد جوانب الإبداع لعلم بارز من أعلام الموصل وشخصية فذة تستحق أن نقف أمام عطائها بإجلال وإكبار ، جمع المجد من أطرافه أجاد في مجال الأدب والشعر والتصوف والقراءات ونبغ في الموسيقى والغناء، وغدا مثالا يحتذى به في الصبر وقوة الإرادة والتفاؤل وحب الحياة فعلى الرغم من فقدانه المبكر لنعمة البصر إلا أنه لم يتقوقع وراء جدران منزله بل أصر على إقتحام العالم المضئ من أوسع أبوابه ليتفوق على أقرانه من المبصرين دأبه دأب العلماء لا يعرف حدودا للعلم لا يكل ولا يمل من الدرس والتدريس والمتابعة ، جاب العديد من المدن باحثا عن ينابيع العلم والمعرفة لينهل من معينها الدافق أينما حل ورحل ليتأثر ويؤثر فكان مثار أعجاب صفوة المجتمعات التي حل فيها لما أمتلكه من مواهب فذة ولاسيما في مجال الموسيقى والغناء التي سعى لنشرها وتطويرها وإدخال التجديد عليها فطارت شهرته في الآفاق وأصبح قبلة للعديد من أعلام الموسيقى العربية الذين أخذوا عنه أو تتلمذوا على يديه أمثال عبده الحمولي وسيد درويش وكامل الخلعي في مصر وأبي خليل القباني في سوريا وكاظم أوز في تركيا ، فشكل أرثه الموسيقي والغنائي الذي ما يزال حيا حتى يومنا هذا منعطفا مهما في تاريخ الموسيقى العربية.
إن سبر أغوار هذه الشخصية والوقوف على إبداعاتها ومواهبها يتطلب منا متابعة لتكوينها الاجتماعي والثقافي لتكون عبرة لكل من يبغي السمو والمجد في حياته ويخلد في الذاكرة بعد مماته .
ولد عثمان الموصلي في مدينة الموصل عام 1854م وسط أسرة متواضعة ،ألمت به المصائب وهو في السابعة من عمره وما كاد يفيق من صدمته حتى كف بصره إثر إصابته بمرض الجدري إلا أن القدر ما لبث أن أبتسم له عندما أحتضنه الوجيه محمود أفندي بن سليمان العمري الذي توسم فيه الذكاء وسرعة البديهة وأحاطه بالرعاية فاسكنه في منزله وخصص له من يحفظه القران الكريم وما أن لاحظ العمري أن الله قد من على عثمان بموهبة صوتية راقية وحس موسيقي مرهف حتى هيأ له معلما يعلمه أصول الموسيقى التي دفعه شغفه بها للرحيل إلى بغداد التي لقي فيها الرعاية من لدن أحمد عزة العمري وليتتلمذ على يد شيخ قراء المقام العراقي رحمة الله شيلتاغ وأخذ عنه الكثير من المقامات العراقية ، كما درس فنون الإيقاعات والأوزان والعزف على بعض الآلات الموسيقية ، وأستمر بنشاطه وأقام العديد من الحفلات التي قرأ فيها الموشحات والموالد النبوية وكان محط أعجاب كل من سمعه من أدباء ومثقفين .
لقد تميز الموصلي بطموحه في العيش في مجتمع أوسع مدى ليُظهر فيه فنه وعبقريته فرحل إلى اسطنبول التي مكث فيها مدة من الزمن ونال فيها الحظوة والتكريم وتعرف على العديد من الشخصيات اللامعة أمثال أبو الهدى الصيادي الذي أجازه في التصوف بالطريقة القادرية وغدا من المقربين إليه وإلى السلطان عبد الحميد الثاني الذي قربه اليه وأدخله الى قصور الحريم السلطاني وهذه مكانة مرموقة لا ينالها الا القلائل .
وجد الموصلي ضالته المنشودة ليصقل موهبته الفنية في مصر التي كانت آنذاك قبلة الأدباء والمثقفين وموطن كبار الموسيقيين والمغنيين والمنشدين الذين سعى للاتصال بهم فأعجبوا بفنه وقدروا موهبته وإعترفوا بفضله على الموسيقى المصرية والعربية ، وقد جمعته عدة جلسات مع الموسيقار المصري المشهور عبده الحمولي الذي اخذ عنه فن الموشحات ومزجها بالادوار المصرية انذاك كما ادخل عثمان نغمات الحجاز كار والنهاوند الى مصر ولاسيما لم تكن معروفة لديهم انذاك ، أن عطاء الموصلي لم يقف عند هذا الحد بل تتلمذ على يديه ابرز موسيقيي مصر وفي مقدمتهم كامل الخلعي الذي أخذ عن استاذه الموصلي فن موشحات ألاوزان التركية والشامية وكذلك الحال مع أشهر قراء الموشحات والاغاني في مصر الشيخ علي محمود الذي أخذ هو الاخر فن الموشحات التركية والشامية وبذلك كان لوجود الموصلي في مصر أثره الواضح على التجديدات التي طرات على المصرية .
رحل الموصلي الى سوريا ليحظى بمكانة لائقة في مجتمعها وليلتقي بالعديد من أدبائها وعلمائها وليحي العديد من الحفلات التي استمتعوا من خلالها بروائع فنه وبصوته الشجي وتقاطر عليه طلبة العلم ليستقوا من معينه الفني والموسيقي ، فالتقى به الموسيقار المصري سيد درويش وكان حينها قادما من مصر مع أحدى الفرق الغنائية فدرس على يد الموصلي واخذ عنه الكثير من فنون الموسيقى وروائع الالحان مما أهله للتصرف بالنغم الشرقي وأدخاله في الاغاني المبتكرة ، فكان للموصلي أثر واضح في نبوغ سيد درويش في الموسيقى ، أما ابرز تلاميذ الموصلي من السوريين فهو الشيخ أبو خليل القباني الذي أخذ عن أستاذه فن النغم والالحان لاسيما الموشحات .
أما اسطنبول التي زارها الموصلي أكثر من مرة لم يشأ الاان يترك أثره الفني الواضح فيها عندما عين مدرسا للموسيقى في أحدى مدارس اسطنبول وأهم ما أخذوه عنه فن الموشحات ، ومن أشهر تلاميذه في تركيا الفنان كاظم أوز ومن أشهر الموسيقيين الاتراك من الذين كانت له علاقة بالموصلي الموسيقا سامي بيك وهو رئيس أكبر فرقة موسيقية تركية ، ومن ملامح موهبة الموصلي الموسيقية مزجه بين الموسيقى العربية والتركية وذلك بتداخل المقامات العراقية بالغناء التركي تلك التي عرفت باسلوب الحافظ عثمان الموصلي (موصللو حافظ عثمان طرزنده) ، كما نقل مقام الديوان عن الموسيقى التركية الى المقامات العراقية.
ومما سبق ذكره يمكن القول أن الملا عثمان الموصلي يعد مدرسة موسيقية بحد ذاتها أختط لنفسه طريق المجد من خلال أعماله الفنية الرائعة والتي لاتزال لحد الان تغنى في العراق والشام وتركيا ومصر ونسب قسم منها الى الاخرين في ماساة فنية وتاريخية وإجحاف لحق هذا العبقري لولا الجهود المشكورة التي انصفته ، ومن هذه الالحان والاغاني لحن (زوروني كل سنة مرة) الذي نسب لفترة طويلة لسيد درويش وهو لحن للموصلي وكلماته الاصلية (زورو قبر الحبيب مرة) وكذلك لحن (طلعت يامحلى نورها) ، اما اشهر أغانيه التي لاتزال تغنى في العراق وسوريا أغنية (عالروزنا) وأغنية (فوق النخل فوق) ، ومن أغانيه المشهورة في تركيا ومصر والعراق على حد سواء أغنية (ياحبيبي لاتلمني فالهوى قتال) والتي عرفت في مصر باسم (بنات أسكندرية) وهذا فيض من غيض.
رحل الموصلي بجسده عام 1923م لكنه لم يرحل من ذاكرة من عرفه أو أستقى من علمه واستمتع بالحاته الشجية ليبقى خالدا فيها.