المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لقاء الشاعر أحمد شوقى بمحمد عبد الوهاب


osamaK
14/03/2009, 19h02
كان لقاء الشاعر الكبير أحمد شوقى بالمطرب محمد عبد الوهاب بداية التحول الحاسم فى حياة الأخير.استمع شوقى الى عبد الوهاب فى حفل أقامه معهد الموسيقى العربيةالشرقية بفندق سان استفانو بالاسكندرية عام 1925، وكانن المشرفون عليه من الأعيان يعتزون بصوت عبد الوهاب فسمحوا له بالدخول مجانا ،وأعانوه فى الحصول على وظيفةوظيفة مدرس أناشيد بمدارس الأوقاف فى القاهرة،وكن ذلك بعد أن مات سيد درويش الذىكان عبد الوهاب معه فى فرقته..
وأعجب شوقى بصوت عبد الوهاب ،فأقبل بحماسة الشاعر الفنان على تلك الموهبةالجديدةالمتفتحه ليبسط عليها حمايته ،ورعايته..
وكان عبد الوهاب فى حاجه ملحة الى تلك الرعاية، فهو فقير وفقره قدتسبب فى مرضه وضعفه ،كما تسبب فىحرمانه من الثقافة ،والتعليم ..
وكانت ظروف المجتمع فى ذلك الوقت لا تسمح للدولةأن تتدخل لرعاية الفنانين، فاما أن أن يظهر الفنان وينمو كنبات فطرى، وهو ما حدث لسيد درويش ، واما أن يتدخل ابعض الأثرياء من الأعيان لبسط حمايتهم على الفنان وهذا ما حدث لعبد الوهاب .

osamaK
14/03/2009, 21h31
ولكن حماية الرجل الثرى غير حماية الدولة ،فالرجل الثرى لابد أن يطلب من الفنان الواقع تحت حمايته أن يتشكل بمزاجه الخاص ،وبالصورة التى يرضاها هو .
ومن حسن حظ عبد الوهاب أن راعيه لم يكن ثريا فحسب بل كان فوق ذلك شاعرا كبيرا ،له ذوق فريد وموهبة رفيعة فى الاحساس بجمال النغم ،ورشاقته ،وأناقته.

osamaK
16/03/2009, 12h40
تدخل شوقى فى كل صغيرة وكبيرة فى حياة عبد الوهاب،أخذه الى الأطباء ليعالجوه ..أشرف على ملابس عبد الوهاب ، وأناقته..أشرف على طعامه وشرابه.وأهم من ذلك تدخل فى اختيار أغانيه، وحكم على ألحانه ووجهها، واندفع شوقى فى هذا المجال الى حد أنه تخلى للأول مرة فى حياته عن اللغة الفصحى التى يكتب الشعر والنثر، وألف عدة أغنيات باللغة العامية مثل،(فى الليل لما خلى) ،و (بلبل حيران ، ليغنيها عبد الوهاب.!
واستطاع شوقى أن ينمى فى شوقى نزعة الفردية ،فهو لا يعترف بغير ما يحسه هو شخصيا ، وما يمليه عليه مزاجه الشخصى ،وتجاهل نقد الأخرين ، والارتفاع عليه.

osamaK
16/03/2009, 17h36
غضب عبد الوهاب مرة من حملات صحفية شنها بعض الكتاب علىألحانه، فما كان من شوقى الا أن طلب من عبد الوهاب أن يجمع الصحف التى شنت عليه الحملة ويكومها على الأرض ثم يقف عليها بقدميه..
وقال شوقى لعبد الوهاب الذى وقف على كومة الصحف فارتفعت قامته :
-انظر..لقد ارتفعت فوق حملاتهم وبسببها!!
وهذه القصة تكشف عن التغيير الجوهرى الذى كان يحدث لعبد الوهاب، فهو يتلقى من شوقى دروس الاعتداد بالنفس.

osamaK
16/03/2009, 19h40
كان مزاج شوقى يختلف تماما عن مزاج سيد درويش ..شوقى يؤمن بعظمة الفرد ،ويحترم عراقة التقاليد ،ويحلم بتجديد مجد الاسلام أحيانا ،ومجد الفراعنة أحيانا أخرى،وهو فى الوقت نفسه يعرف الثقافة الفرنسية، وسيد درويش على العكس من ذلك يؤمن بعظمة الجماعة ،ويحترم مشاعر وأحاسيس الفقراء ، ولا يعرف التقاليد التركية، ولا الثقافة الفرنسية ،وهو رجل شرس الطباع، يلبس الملابس البلدية، ويدخن الجوزة ، ويتعامل مع الناس كواحد من أولاد البلد..
ومن الناحية الفنيةنجد المزاج يختلف أيضابين شوقى ،وسيد درويش..
لذلك كان تأثير شوقى على عبد الوهاب واضحا .

osamaK
16/03/2009, 20h44
شوقى يستلهم فى فنه الشعراء القدامى ،ويحيى من جديد عهد البحترى والمتنبى..أما سيد درويش فيثور على الموسيقى القديمة،ويستلهم موسيقى فطرية تتردد على أفواه الشعب.شوقى شاعر طبقة الأعيان والمثقفين من الطبقة المتوسطة..وسيد درويش فنان الشعب من الفلاحين ،والعمال من الطبقة الفقيرة..
والدروس التى تعلمها عبد الوهاب من شوقى تختلف تماما عن دروس سيد درويش،الذى كان يجرىفى الشوارع وراء الطلبة ،والأطفال ، والعمال، ليتعلم منهم الأنغام ، وليخضع لألحانهم ،ويحفظها ،وقد تجاهل مزاجه الشخصى ،بل أدمج نفسه،ومشاعره تماما فى نفوس ،ومشاعر اللآخرين.

osamaK
17/03/2009, 17h41
ونحن نعرف أن مزاج الطبقة المتوسطة يرتبط تماما بمظاهر الكسب المادى والثراء،لذلك لا يرتبط أفراد الطبقة المتوسطة برباط يجمعهم لأنهم فى حياتهم الاجتماعية يتظاهرون باثراء ، مثل هذه الطبقة لن تغنى أبدا أغانى جماعية كما يغنى العمال ، وكما تغنى الفلاحات وهن يجمعن القطن فى الحقول .
لذلك لم يبق للطبقة المتوسطة الا أن تغنى الأغانى العاطفية .. أغانى الحب ..
وأغانى الحب لها مدلول واسع وغريب بالنسبة للطبقة المتوسطة .. وهكذا يتضح لنا الفارق بين ما كانت عليه أغانى سيد درويش ن والتحول الذى أصابها فى أيام عبد الوهاب .

osamaK
18/03/2009, 20h50
كانت ألحان ،وأغانى سيد درويش تمس المشاعر العامة ، وكانت الألحان مشبعة بالقوة والجرأة والمرح ،وكانت تحتاج الى حنجرة قوية لتؤديها ،وتحتاج الى مسرح ..
أما ألحان عبد الوهاب فتمس المشاعر الخاصة ،والألحان مشبعة بالرقة والحزن وتحتاج الى أداء رقيق ، وتسمع فى غرف خاصة ..عندما يجلس المستمع وحده ..ينصت الى الصوت واللحن والمعانى التى تمس أسراره الخاصة ..
هذا الاتجاه الذى سارت فيه ألحان عبد الوهاب كان يعبر عن اتجاه مجتمع الطبقة المتوسطة التى تغلب اهتمامهابمصالحها ، وحريتها الشخصية .
ولذلك أصبحت الأغنية العاطفية هى كل موسيقى مصر .
وكل ما نملكه لاذاعة الموسيقى من أجهزة ..لا تخدم الا غرضا أساسيا واحدا ..هو الأغنية العاطفية، أو الأغنية التى تعبرعن المشاعر الخاصة ..

osamaK
23/03/2009, 22h47
ولو راجعنا عصر عبد الوهاب كله بعد أن بزغ نجمه عام 1927 لوجد نا الألحان العاطفية هى السائدة حتى لو اضطر عبد الوهاب فى المناسبات الى تلحين قصائد وطنية لو تغاضينا عن معانيها الوطنية نلاحظ أن لحنها وطريقة أداءها لا تختلف فى شىْ عن ألحان ، وطريقة أداء ا لأغانى العاطفية ، وهى تشعرك بأن مفهوم الوطنية قد أصبح هو الأخر مجرد احساس فردى ..لا شعورا جماعيا عارما كما كان عليه الحال أيام سيد درويش، وثورة 1919.

osamaK
24/03/2009, 17h32
كان عبد الوهاب يستطيع أن يمضى فى جمهور الطبقة المتوسطة فى تقديم الألحان العاطفية التى تعكس مشاعرهم الخاصة ..ثم يتقدم خطوة بعد ذلك ،فيخرج من دوامة العواطف الخاصة الى ميدان المشاعر العامة..
ولكن عبد الوهاب حصر فنه فى التعبير عن مشاعر النفس الدفينة ..كالاحساس بالحب أو الهجر أو الحزن أو الخصام .وعبر عن هذه المشاعر بصوته الحزين الذى فيه شجن تعبيرا شخصيا لا ينفتح على الحياة وانما يغلق الباب دونها ..
ولم يستطع عبد الوهاب طوال حياته الفنية أن يخرج بالحانه عن هذا المجال..

osamaK
28/03/2009, 23h26
يقول الكاتب (أحمد صالح) : عندما تقرر أن يسافر عبد الوهاب الى الخارج لأول مرة مع راعيه، وعاشق فنه الشاعر الكبير (أحمد شوقى بك) تم تسنينه بشكل رسمى لعمل جواز سفر ، وتقرر أن يكون ميلاده سنة 1910، وأذكر أن عبد الوهاب علق على ذلك قائلا :( يعنى الواحد تأخر بعد الصفر بدل ما يكون قبله ..بسيطة !..)..
ان الدروس التى حصل عليها عبد الوهاب من مجالس ، وندوات الأدب ، والشعر، والعلم بصحبة (أحمد شوقى)هى التى خلقت له عينا واسعة ترى الحياة ، وعقلا راسخا يفهمها ..

osamaK
02/04/2009, 19h49
ان عبد الوهاب كان محظوظا.مطرب ابن عز من يومه ..تربى فى بيت الذوات وتدرب فى الغناء على أشعار أحمد شوقى ..ودللته عشرات الغوانى ، وبنات الذوات ..وكان شوقى نفسه يعمل كمتعهد لحفلاته..!
ولم يكن له منافس سوى مطرب واحد فقط يقف كالجبل هو صالح عبد الحى !
فقد كان شوقى يتفق بنفسه مع متعهد حفلات عبد الوهاب ..وفى ليلة الحفلة يأمر شوقى متعهد الحفلة بأن يغلق شباك التذاكر فى التاسعة والنصف تماما ..فينظر المتعهد الى الصالة فيجد المتفرجين قد شغلوا نصف كراسى الصالة فقط !
ويحتج المتعهد ويرفض اغلاق شباك التذاكر !.زفيدفع له شوقى باقى ثمن المقاعد الخالية من جيبه .. ويعلق الرجل على الشباك لافتة (كامل العدد) ..فاذا جاء بعض الناس وجدوا الباب مغلقا فيضطرون للعودة فى اليوم التالى لمشاهدة المطرب الذى لا يوجد فى مسرحه مكان خال!
وقد استطاع شوقى أن يدفعه بقوة الصاروخ حتى تسلق الجبل وتربع وحده على عرش الغناء !