المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ودع هواك ...سناء البيسى تكتب عن محمد عبد المطلب


samirazek
17/01/2009, 16h09
ودع هـواك‏!
بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

الأهرام العدد 44602 السنة 133 : السبت 17 يناير 2009
(1)
مابيسألشي علي أبدا ولا بتشوفه عنيه أبدا ياما ناديته واترجيته إنه يرق شوية أبدا.... دي العشرة صعبانة علي.... ولا قادر علي بعدك عني ولا طايق حد يكلمني طول ما انت بعيد عني يا غالي وأنا مالي وأنا مالي..... ياأبوالعيون السود ....إيه أغلي من القلب اللي وهبته إليك ....كان ليه خصامك ويايا.... ده الناس المغرمين مايعملوش كده ....وحياة السيدة.... بياع الهوي راح فين راح فين راح فين.... كل ده وليه كده بعد اللي كان وانطوي ويا الزمان.... واسأل مرة علي وقوللي قساوتك ليه أنا أفديك بعنيه وانت عنيك في عنيه وأكثر منهم إيه ....وليه يا جميل صديت شمت عزالي وعمر الأيام ما حتصفالي طول ما انت بعيد عني يا غالي ....ده انت الكلمة الحلوة وعيونك معانيها .....وبتسأليني بحبك ليه سؤال غريب ماجاوبشي عليه..... يا أهل المحبة.... كان وصل جميل حلو يا محلاه..... حبيتك وبحبك وحاحبك علي طول مش خاين ونسيتك زي انت ما بتقول.... يابوي يابوي يابوي ....جاي تعيد تاني اللي فات جاي تصحي الذكريات بعد كل العمر ده ليه كل ده .....ودع هواك وانساه وإنساني عمر اللي فات ماحيرجع تاني ما راح زمانك ويا زماني ومهما تبكي وتترجاني عمر اللي فات ماحيرجع تاني ودع هواك‏..‏........ ودع

وراح زمان عبدالمطلب ابن البلد المؤذن الصييت القادم من بلدة شبراخيت بمحافظة البحيرة جنوب الاسكندرية ابن برج الأسد في‏13‏ أغسطس‏1910‏ الراحل في برج الأسد يوم الخميس‏21‏ أغسطس عام‏1981‏ في غرفته رقم‏1418‏ بالطابق الرابع بفندق شيراتون عن عمر يناهز‏70‏ عاما‏..
‏ المطرب الطائر الدون جوان الذي جلس يعد الأيام في انتظار لقاء الحبيب‏,‏ والسبت فات والحد فات وبعد بكره يوم التلات ميعاد حبيبه‏,‏ وكان علي قلبه زي السكر تعب السعي مرتين في اليوم وسط الزحام من بيته في حي السيدة لبيت حبيبه في الحسين‏,‏ وعلشان ينول كل الرضا يوماتي يروح له مرتين من السيدة لسيدنا الحسين‏..‏
محمد عبدالمطلب اسم مطربنا لوحده‏,‏ فاسم الوالد عبدالعزيز الأحمر كاتب محكمة شبراخيت الشرعية الذي ترك الوظيفة ليعمل بتجارة الخردوات‏,‏ والوالدة كانت تنتسب لعائلة دراز التي خرج منها كبار هيئة العلماء الذين تولوا مشيخة الأزهر‏,‏ وشقيقته نجيبة قرينة الشيخ عبدالعزيز عيسي وزير الأوقاف وشئون الأزهر الأسبق والدة السفير محمد عيسي والمحامي القدير أسامة عبدالعزيز عيسي‏

‏ وكان لمطربنا من الأشقاء الذكور الأكبر يوسف المزارع‏,‏ والثاني فوزي الموظف بالمحاكم الشرعية‏,‏ والثالث لبيب بمصلحة القطن‏,‏ والرابع زكريا المفتش بوزارة التعليم‏,‏ والسادس كمال من أعيان شبراخيت‏..‏ سليل عائلة الأحمر القادمة من اسبانيا والمغرب بقصرها الأحمر قصر الجدود‏,‏ وابن العمومة عبدالله الأحمر رئيس مجلس شوري اليمن‏..
‏ وينجب عبدالمطلب التوءم نورالدين وبهاء الدين من أنجبا له بدورهما خمسة أحفاد‏:‏ سمر وسحر ومحمد وأحمد وهشام من الزوجة الأولي‏,‏
ومن كريمة الزوجة الثانية ابنتاه سامية أم محمد الحفيد وانتصار التي مات حزنا عليها‏...‏

ارتباط وشائج دم وصلة قربي متينة ما أن كان يدري بخطبة أحد أفرادها حتي يكون أول الحاضرين‏:‏ أنا لما دريت من فرحتي جيت وحاقدم من عندي هدية‏,‏ وح أقيد النور في طاقات بنور حوالين الأبواب أحمر وأخضر‏,‏ وعلي الأرغول راح أغني وأقول تسلم إيدين اللي اشتري الدبلتين والإسورة‏,‏ وزغردوا يا بنات وانتوا يا ستات فرقوا شربات‏..‏

طلب الجالس أبدا ــ في الثالثة عشرة عام‏1923‏ ــ بجوار فونوغراف قهوة المعلم هاربا من عقاب الشيخ محمد السنباطي بالفلقة التي أدمت قدميه في الكتاب لتلعثمه في تسميع الآيات القرآنية‏,‏ وفارا من جني القطن وعزق الأرض في نقرة الشمس عند شقيقه يوسف المزارع في أبوالمطامير‏..‏
عمله الجديد في الركن البعيد الهادي بجوار الفونوغراف‏..‏ طلبه ومطلبه‏..‏ استبدال إبرة الأسطوانة بأخري كلما استهلكها الدوران والإنصات لبلدياته المطرب عبداللطيف البنا ابن قرية كفرمستنات المجاورة لشبراخيت‏..
‏ البنا الذي عاش تسعين عاما‏1884‏ ــ‏1975‏ والذي سار وحده في مسار مخالف لمعاصريه عبده الحامولي‏,‏ وعبدالحي حلمي‏,‏ وسلامة حجازي‏,‏ وأبوالعلا محمد‏,‏ وداوود حسني‏,‏ وسيد درويش‏,‏ وكامل الخلعي‏,‏ واشتهر بلون خاص يتناسب مع رقة صوته القريب من أصوات النساء... ليردد طلب من ورائه بمنتهي السلطنة والانسجام علي دول يأمه يا أمه علي دول.. ويا حليلة يا حليلة... وحذر فزر حاقولك إيه؟ وارخي الستارة اللي في ريحنا لحسن جيرانك تجرحنا يا مبسوطين قوي قوي يا احنا.... وعلي البعد مين علمك.... وفي العشق يا أختي أنا واخدة البكالوريا‏.‏

وتحدث المعجزة‏..‏ تأتي لحد باب الدار‏..‏ في شبراخيت بالذات‏..‏ عائلتا القلتاوي والدفراوي تزوج الأبناء وتقيم الأفراح والليالي الملاح في ساحة القرية‏,‏ وتستقدم مشاهير الغناء في العاصمة لإحياء الحفلات الممتدة حتي خيوط الصباح في السرادقات المشعشعة تحت الكلوبات‏..‏ و‏..‏ كان من بين النجوم الساطعة القادمة صاحب الأسطوانات المطرب المفضل عبداللطيف البنا‏,‏ وسلطانة الطرب منيرة المهدية‏,‏

ويستمع الصغير المتيم إليهما علي الطبيعة ويراهما رأي العين‏..‏ البنا يردد بلسانه ما كانت تدور به الأسطوانات المعدنية ويحفظه بتقاسيمه وخروشته وسرسعته‏,‏ والسلطانة تغني لجمهور الريف الصاخب الراقص بالعصا والنبابيت أسمر ملك روحي... وشال الحمام حط الحمام ...ولآخر لحظة أديني وياك.... ورنة خلخالي يا أمه وأنا نازلة أدلع أملا القلل‏..‏ وتظل القلل وحدها العالقة بذاكرة محمد ليكون لها شأن وشأو كبير في مستقبله‏..‏

samirazek
17/01/2009, 16h10
(2)

عندما يصر علي طلبها منه زبائن القهوة‏,‏ وبعدما لحق بأخيه محمد لبيب الطالب بمدرسة التجارة في القاهرة الذي قام بإلحاقه بمدرسة محمد علي الابتدائية بحي السيدة ليجلس علي تختة واحدة إلي جوار من أصبح فيما بعد من مشاهير المعماريين في مصر المهندس الدكتور سيد كريم‏..‏

تعالي يا محمد سلم علي سعادة الباشا وغني قدامه طقطوقة من اللي انت حافظها‏..‏ ودخل ابن الخامسة عشرة متعثرا في خطواته ملبيا نداء شقيقه الأكبر للقاعة التي صعدا إليها لهاثا وانبهارا علي درجات السلم الرخامي المرتفع في القصر الكبير بيت الأمة ليجد قبالته في صدر القاعة هذا الذي يزلزل اسمه القلوب وتهتف بمحبته الألسن‏..‏ سعد باشا زغلول‏..‏

غني يا محمد‏..‏ حتغني إيه؟‏!..‏ أي حاجة تعوزها وتؤمر بها سعادتك بس اعذرني دولتك حاغني من غير آلاتية‏..‏ الصوت الحلو يا محمد فرقة قائمة بذاتها‏..‏ و‏..‏ لم يسعف محمد لرهبة الموقف ما يحفظه عن ظهر قلب لحبيبه عبداللطيف البنا وإنما حضرت علي لسانه لا إراديا طقطوقة منيرة المهدية ليردد في حضرة زعيم الأمة‏:‏ رنة خلخالي يامه وأنا نازلة أدلع أملا القلل‏..‏

وقد جاء ذكر ذلك اللقاء التاريخي بتفاصيله في كتاب سعد زغلول الذي قام بوضعه سكرتيره الخاص محمد إبراهيم الجزيري عندما كتب في بعضه يقول‏:‏ حدث في عام‏1925‏ أن جاء إلي بيت الأمة شاب موظف بوزارة المالية اسمه محمد لبيب الأحمر ومعه صبي صغير‏,‏ يرتدي بنطلونا قصيرا‏.‏ قدمه إلي الرئيس قائلا‏:‏ إنه شقيقه محمد القادم من شبراخيت بلدهم في محافظة البحيرة وله صوت جميل ويريد أن يغني أمام الرئيس‏..
‏ ويمضي سكرتير الزعيم الخالد قائلا‏:‏ إن الرئيس كان يحب الفن والفنانين‏,‏ ولذلك رحب بالاستماع إلي المطرب الصغير وأعجب به وتمني له مستقبلا حسنا ولم يكن المطرب الذي نال الحظوة سوي محمد عبدالمطلب الذي أضاف لتلك الواقعة‏:‏ إن سعد باشا عندما استمع إلي صوتي في ذلك اليوم عبر عن إعجابه بي بأن قبلني ثم منحني مبلغ جنيه كامل وقدمني إلي السيدة صفية أم المصريين فغنيت لها الأغنية الشعبية ذاتها للست منيرة المهدية ‏(‏ رنة خلخالي يامه وأنا نازلة أدلع أملا القلل‏)‏ وكنت أمسك في يدي عصا خيرزان كما يفعل أبناء البلد الجدعان‏...‏

وتمر أيام الوفد ويجمع الفندق كلا من دولة مصطفي النحاس باشا رئيس الوفد والمطرب محمد عبدالوهاب الذي سيقيم له الفندق حفلا غنائيا في المساء‏,‏ ويحرص عبدالوهاب علي لقاء النحاس قبل الحفل ليحمل إليه تحية وتبجيلا‏,‏ ويهمس بطلبه للمترودوتيل الذي يقوم بدوره في استئذان الباشا فيأذن مضمرا في نفسه نصيحة يود أن يزكيها للمطرب الواعد ربيب الشاعر أحمد شوقي‏,‏ وما أن انحني عبدالوهاب للنحاس كي يسلم عليه حتي فاجأه بعفويته الناقدة اللاذعة‏:

‏ انت المطرب الخرع اللي بيغني قدام الناس مسكين وحالي عدم‏..‏ أنا يا ابني عايزك تخشوشن وتخليك سبع زي محمد عبدالمطلب‏..

‏ ولقسوة النقد وجرح النصيحة خرج عبدالوهاب من حضرة النحاس مندفعا ثائرا ليعقد مقارنته الخاصة التي أطلق فيها لقبا جارحا ليلتصق بعبدالمطلب فأسماه حمار الإذاعة ومضي في انتقامه ممن لا ذنب له ليلغي عقده بسفره معه إلي باريس للاشتراك في فيلم الوردة البيضاء وهو الذي تتلمذ سنوات علي يديه في نادي الموسيقي الشرقية معهد الموسيقي العربية الآن

ومكث أكثر من‏12‏ سنة يقوم من خلفه بدور رئيس المذهبجية ليمتص عبدالوهاب كريمة أدائه المتفرد في الانتقال باللحن من مقام لآخر ومن الارتفاعات للانخفاضات بإبداع وحرفنة لم تتوافرا في أي مذهبجي آخر في أي فرقة‏,‏ بل لقد اشترك معه بصوته في تسجيل الكثير من أسطواناته مثل سكت ليه يا لساني... وعشقت روحك... وأحب أشوفك كل يوم.... وبلبل حيران.... والقلب ياما انتظر.... وحسدوني وباين في عنيهم... وحبيب القلب ولما انت ناوي تغيب علي طول.... وليلة الوداع‏..‏

ولازمه في العديد من رحلاته إلي سوريا وفلسطين ولبنان والعراق‏,‏ بل أنقذه من القتل أثناء إحدي رحلاتهما إلي العراق عندما كانت الفرقة تنزل في فندق ناء ببلدة الرطبة بين سوريا والعراق‏,‏ وكان من عادة عبدالوهاب النوم بمفرده في غرفة مستقلة‏,‏ بينما يكون أعضاء الفرقة في غرف مختلفة‏..‏ وفي الليلة الأولي بالفندق دخل أحد الخدم العمالقة في ساعة متأخرة ليصافح عبدالوهاب بيده الضخمة فقام عبدالوهاب برد السلام بأطراف الأصابع الحذرة كعادته‏

‏ وإذا بالقادم يقبض علي الأصابع المرهفة يدهقها بقوة مهددا‏:‏ لازم تعرف سيدي أن الإيد اللي بتسلم عليك يا أستاذ وقرفان تسلم عليها قتلت سبعة رجال‏..‏ وارتعدت فرائص عبدالوهاب لوجوده بمفرده في الغرفة مع القاتل‏,‏ واستنجد بعبدالمطلب في الغرفة المجاورة ورجاه ملازمته كظله ليل نهار طوال الرحلة‏,‏ ومكث عبدالمطلب يشارك عبدالوهاب غرفته لينام آمنا ويأكل الأرز مع ملائكته‏..

‏ ويروي عبدالمطلب عن المرة التي ضل فيها طريقه في صحراء العراق خمسة أيام عندما سافر مع فرقة عبدالوهاب عام‏1930‏ ومكث ثلاثة أيام بلياليهم بلا قطرة ماء أو لقمة طعام حتي التقي بعد شبه إغماءة بإحدي القوافل التي أنقذته وعادت به إلي بغداد ملتقطا أنفاسه بصعوبة لمعرفته أن هناك من انقطعت أنفاسه تماما ــ محمد عبدالوهاب ــ لتخوفه علي مبلغ الثلثمائة دينار التي كان قد أعطاها إليه للمحافظة عليها لحين بلوغهما خزينة الفندق‏..‏

وقد ظل عبدالمطلب حريصا علي ارتداء الطربوش كعلامة مميزة لشخصيته حتي عام‏1960‏ ولم يخلعه من تلقاء نفسه‏ ‏ وإنما الذي خلعه له هو الموسيقار محمد عبدالوهاب عندما كان مشتركا مع المجموعة في غناء نشيد قولوا لمصر في عيد الجلاء علي مسرح نادي القوات المسلحة بالزمالك‏,‏ وقد ظهر جميع الفنانين علي المسرح من غير طربوش‏,‏ فما كان من محمد عبدالوهاب إلا أن التقطه من فوق رأسه بقوله‏:‏ اشمعني انت اللي بطربوش‏.‏

عبدالوهاب المنتبه دوما بحسه الفني الاستثماري للقيمة الجماهيرية في المطربين الواعدين علي الساحة قدم فيلما من إنتاجه تاكسي حنطور عام‏1945‏ ليلعب بطولته محمد عبدالمطلب ــ الذي لم يتقاض أجرا عليه ــ أمام الوجه الجديد سامية جمال من إخراج أحمد بدرخان‏,‏ وقام عبدالوهاب بنفسه بتلحين أغاني الفيلم وكان أشهرها يا نايمة الليل وأنا صاحي صباح الخير علي عيونك ده قلبي بيدعي صباحي إلهي ربنا يصونك وفايت وعنيه في عنية شافني ماسلمشي عليه‏..‏

وقدم بعدها عبدالمطلب فيلمه الثاني الصيت ولا الغني من إنتاجه وإخراج حسن الإمام وذلك في عام‏1946,‏ ثم فيلمه الثالث‏5‏ شارع الحبايب من إنتاجه أيضا وإخراج السيد بدير الذي عرض في‏12‏ أبريل‏1971.‏

لحن له عبدالوهاب العديد من أغانيه ــ التي بلغت ما يقرب من مائة أغنية ــ منها البحر زاد... واعمل معروف يا أبوعود ملفوف ياللي خدودك بنور مشطوف..... والدهر ليه قاسي علي.... ياما سهرت الليل شاكي‏..‏

وعندما كان عبدالمطلب يشرح طريقة معاملة عبدالوهاب المادية يسوق علي ذلك مثالا عندما كان يعمل معه مذهبجيا وطالبه بعلاوة خمسين قرشا في الشهر‏,‏ فقال له عبدالوهاب‏:‏ لا‏..‏ أنا حاعطيك علاوة لمدة سنتين‏..‏ وتعجب عبدالمطلب هاتفا‏:‏ مش معقول‏!!‏ فأضاف عبدالوهاب‏:‏ وهخليك كمان تسجل ست أسطوانات بصوتك لشركة بيضافون مقابل مبلغ‏12‏ جنيها‏..‏

وسعد عبدالمطلب سعادة لا تقدر لأنه سيقبض‏12‏ جنيها مرة واحدة‏,‏ لكن عبدالوهاب سرعان ما استدرك قائلا حتي لا يتمادي طلب في فرحته‏:‏ انت ستقبض تلك العلاوة علي ستة أقساط‏,‏ كل قسط جنيهان‏..‏ ويعلق عبدالمطلب‏:‏ وكنت كلما تأخرت مرة عن حضور البروفات يعنفني عبدالوهاب أشد التعنيف‏:‏ أيوه يا سيدي بقي أنا علشان ما أعطيتك علاوة لمدة سنتين تقوم ترمي طوبتي وتديني الطرشة؟‏!.‏

طلب صاحب البصمة الشعبية الذي سار علي دربه شفيق جلال ومحمد رشدي والعزبي وغيرهم وغيرهم من الناس المطربين‏..‏ من خلع الجلباب والطاقية وارتدي الاسموكنج وغني للأمراء والملوك واستمع له الملك محمد الخامس والملك فيصل والملك الحسن والحبيب بورقيبة‏,‏ والرئيس أحمد بن بيللا وهواري بومدين‏,‏ وزار جميع البلاد العربية وكان ملك الغناء في إذاعة القدس وعلي مستوي فلسطين‏,‏ وغني علي مسارح أمريكا وروما ولندن‏,‏ ونال وسام العلوم والفنون في عيد العلم عام‏1964‏ من الرئيس الراحل عبدالناصر‏,‏ وجائزة الجدارة في عيد الفن عام‏1979‏ من الرئيس الراحل محمد أنور السادات‏,‏ وأقيم له تمثال نصفي قبل وفاته ليوضع في بهو المعهد العالي للموسيقي العربية الذي تتلمذ فيه في بدء حياته بجوار تماثيل الخالدين‏..‏

samirazek
17/01/2009, 16h11
(3)

القادم من ريف شبراخيت بسهوله ووديانه الخضراء وجداوله الصافية‏,‏ لكنه كان صاحب الحنجرة التي تشعر معها بصوته الجبلي العريض الذي يذكرك بالقمم الشامخة العالية‏ حيث يحفل صوته الباريتوني الأوبرالي بإمكانات تخت كامل يستطيع أن يغني بكل النغمات علي حبال سخية تنساب عليها الأنغام صعودا وهبوطا من قرار المشاعر الدفينة‏,‏ يساعده نفس طويل كحبل ممدود لا ينقطع ولا ينتهي بل ينعقد وينفك لينعقد وينفك وكيف لا وقد رددت حنجرته الآذان وهو لم يزل طفلا من فوق مئذنة مسجد البرديني بحي المغربلين‏..‏

صاحب أقوي حنجرة بين جميع المطربين التي تغطي أوكتافيين في السلم الموسيقي الغربي‏,‏ وديوانين في السلم الموسيقي العربي‏.

.‏ مطرب صالة بديعة مصابني وفرقة ببا عزالدين وزميل فريد الأطرش ومحمد فوزي وإبراهيم حمودة وإسماعيل ياسين وشكوكو وكاريوكا‏,‏ وكان قد بدأ مع بديعة بالقطعة مقابل عشرة قروش في الليلة ــ أي ثلاثة جنيهات في الشهر ــ إذا ما غني بلا انقطاع طوال الشهر‏,‏ ثم ارتفع راتبه إلي خمسة جنيهات‏,‏ ثم سبعة حتي بلغ‏12‏ جنيها قبل الحرب العالمية الثانية‏,‏ وكان قد ظهر في فيلمها الاستعراضي ملكة المسارح الذي قامت بإنتاجه عام‏1936‏ وقدمت فيه نجوم فرقتها في الرقص والغناء إخراج الإيطالي ماريو فولبي.

قال الصديق لطلب خد بالك من ابني عمار وشغله معاك في ملهي رمسيس بالهرم ده الولد موهوب وييجي منه بالالتفات والمراعية‏..‏ وكان الرجاء علي لسان مراد صديق محمد عبدالمطلب‏,‏ وكان الحديث حول الابن عمار الشريعي في صباه الذي شرخ وغدا موسيقارا يشار إليه بالبنان فيما بعد والذي يقسم بقدرة عبدالمطلب المذهلة في غناء الموال‏,‏ فعندما كان يصاحبه بالأوكورديون أثناء الغناء يخرج المذهل من مقام موسيقي ليدخل في لحظة المستحيل لمقام آخر في ثانية بلا أي نشاز‏..‏ قدرة غني بها سيد الموال خمسين موالا مجهولة المؤلف والملحن والذي منها في غدر الزمان‏:‏


غدار قوي يا زمن عمرك مالك صاحب ***** أخذت أعز الحبايب مافضلشي ولا صاحب

صاحبت صاحب أتاري صاحبي مصاحب**** وصاحب اثنين مالوهشي يا زمن صاحب



أشكيك لمين يا زمن وانت مالك صاحب

ويلتقي عبدالمطلب علي سلم نقابة الموسيقيين بالموسيقار كمال الطويل الذي يلقي السلام لأبوالنور فيسأله الأخير‏:‏ انت يا كمال مش عايز تدخل التاريخ؟‏!‏ أنا التاريخ‏..‏ أنا النجم وكلهم شهب‏..‏ لا صوت يعلو علي صوت طلب‏..‏ انت لا ممكن حتدخل التاريخ إلا من الباب الملكي لعبور المحيط‏..‏ إلا إذا غنيت لك أنا حاجة من تلحينك‏......‏ ويرد الطويل‏:‏ حيحصل‏..‏

ويصطحب الخال ابن الشقيقة المحامي أسامة عبدالعزيز عيسي لحضور تسجيل أغنية‏(‏ طلب والطويل‏)‏ الشهيرة‏:‏

بتقول وتعيد لمين وتغير من ده وده ******* الناس المغرمين مايعملوش كده

ولأنه مصدري ومقصدي الثري لكنز المعلومات عن خاله عبدالمطلب الذي لم يكن يشرع في عمل فني جديد إلا بعد مباركة الشقيقة‏,‏ حيث يذهب إليها ليقبل يدها في بيتها بكوبري القبة في طريق المطار ليقول لها‏:‏ ادعي لي يا أم محمد‏..‏

سألت رجل القانون نجل الشيخ الجليل عبدالعزيز عيسي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عن أجمل الأبيات التي غناها الخال وظلت تعيش معه فأتاني بثلاثة ألحان

أولها لزكريا أحمد‏:‏
آه من جمال العيون آه من حلاوتها ****** بين الرضا والصدود نارها وجنتها

ومن ألحان عزت الجاهلي‏:
‏ دي أحلي صحبة مودة صحبتك يا ورد ***** الوردة في حضن وردة وكل عود علي عود

ولسيد مكاوي‏:‏
كل مرة لما أقابلك‏..‏ ألتقيك توعد وتخلف ***** ولما أعاتبك التقيك تحلف إن ده كل غصب عنك

وأسأله عن خوض محمد عبدالمطلب معركة الانتخابات بعدما جمعت من معلومات تقول إنه ظل حياته بعيدا عن أي نشاط سياسي‏,‏ فلم ينضم إلي أي حزب رغم ميله لحزب الوفد‏,‏ حيث كان مقربا من زعمائه اللاحقين بسعد زغلول.... كمصطفي النحاس.... ومكرم عبيد ....والمنشقين علي الوفد مثل النقراشي ....وأحمد ماهر‏,‏ فيجيبني:
فاجأ الخال للجميع بعدما انتخب في قريته عضوا في الاتحاد القومي بعد الثورة بترشيح نفسه لعضوية البرلمان ليكون زعيما سياسيا بعد تقدمه للناخبين ببرنامج سياسي‏,‏ لكنه لم ينجح‏,‏ وعندما نقلوا إليه التشنيعة أنه لم يحصل حتي علي صوته أجاب بخفة ظله المعهودة‏:
‏ ده صحيح لأني أعطيت صوتي للمرشح الثاني‏..‏

في الستينيات أصيب عبدالمطلب بحالة نفسية أفقدته صوته فوقف في احتفالات الجيش بالثورة يفتح فمه ويغلقه بينما كان محمد رشدي هو من يغني بصوته من خلف الستار‏,‏ وعندما ذاع خبر فقدانه الصوت أصدر محمد حسن الشجاعي المسئول عن الموسيقي والغناء بالإذاعة قرارا بمنع محمد عبدالمطلب من الغناء أمام الميكروفون بحجة أن صوته لم يعد صالحا‏,‏

وكان محمود الشريف الصديق والنسيب الذي تزوج عبدالمطلب بـكريمة شقيقة زوجته فاطمة فحق فيهما قول الشاعر عبدالله شمس الدين‏:‏ هو والشريف تلاقيا في الفن من قبل النسب‏..‏

كان الشريف قد وضع له ثلاثة ألحان علي إيقاعات الرومبا والسامبا‏ ...‏ فلم يوافق الشجاعي علي تسجيلها بصوت عبدالمطلب‏,‏ وأيده في ذلك محمد عبدالوهاب الذي رشح عبدالحليم حافظ لها‏,

‏ لكن الشريف تمسك بعبدالمطلب قائلا للشجاعي‏:‏ سأسجلها بصوت عبدالمطلب علي مسئوليتي الشخصية‏..‏

وسجل طلب الألحان الجديدة بصوته لتلقي نجاحا كبيرا فقد حلت العقدة واستعاد الصوت الشجي انطلاقته في كنف ألحان الشريف رفيق الدرب‏,‏ حيث كانا قد تلاقيا معا كمطربين مبتدئين في فرقة بديعة مصابني عام‏1932,‏ لكن الشريف اتجه إلي التلحين وكان أول ألحانه بتسأليني بحبك ليه؟ ....التي ذاعت شهرته وشهرة صاحبها‏,‏ وسارا معا علي الطريق ليلحن له أشهر أغنية تاريخية لاستقبال رمضان رمضان جانا أهلا رمضان‏..‏ وذلك مرورا بأغاني ميعاد حبيبي.... وياللي سقيتني الهوي... وبياع الهوي... وودع هواك ...والسبت فات ...ويا سايق الجندول عدي القنال عدي.... وأغنية يا أهل المحبة التي حاول ملحنها بمساعدة مطربها الخروج من الحدود المألوفة للغناء العربي حيث الدوران في المنطقة الصوتية الوسط باستخدام الطبقات الصوتية المختلفة في الغناء العاطفي‏.‏

ويقلدون شخصية عبدالمطلب بأساليب مبالغ فيها ويتقبل ذو الصدر الرحب تقليد منير مراد ولبلبة والجنيدي وشكوكو وإسماعيل ياسين وفيروز في طفولتها‏,‏ ويقول مفاخرا إنها ضريبة الشهرة‏..‏

لكنه لم يحتمل قسوة تقليد المونولوجست سيد الملاح‏,‏ فقد رأي فيه إهانة شخصية مما جعله يصعد أمام الجمهور علي خشبة المسرح ليمنعه بنفسه‏.‏

وكان سيد الليالي والموال ــ كما يقول المؤرخ الفني محمد الكاتب ــ مطربا كبيرا‏,‏ عالي الصوت في رقعة الوطن العربي من الخليج إلي المحيط‏,‏ إلا أنه لم ينل حظه من التقدير والتكريم في وطنه‏,‏ وظل يشكو إهمال الإذاعة لأغانيه‏..‏

وقبل وفاته ببضعة أشهر في مارس‏1981‏ دعي للغناء في إحدي الحفلات المذاعة‏,‏ وجلس ينتظر دوره‏,‏ لكن الحفل انتهي قبل أن يسمح له بالوقوف علي المسرح‏,‏ وحرم المستمعون في مصر والعالم العربي بعد احتجابه الطويل من الاستمتاع بفن طلب في حفل الوداع‏..

‏ حتي الظهور علي شاشة التليفزيون في برنامج منوعات دينية من إنتاج شركة القاهرة للصوتيات والمرئيات الذي تضمن ثمانية وعشرين دعاء سجلها عبدالمطلب علي الشرائط واستعد لتصويرها بملابس الإحرام لم يشأ لها القدر أن تري النور‏,‏ ولا يبقي من تراث غنائه المصور سوي أغنتين فقط لا غير اسأل مرة علي والناس المغرمين

و‏..‏ كنا نظنه توفيق الدقن الذي ابتدع اصطلاح.... آلوووه... بمعني نحن هنا‏,‏ فإذا بقائله هو:
طلب أبوالنور الذي قال‏:‏ ألوووه ....سلم لي علي الترماي قبل أن يصبح السلام الآن علي المترو‏!!

رائد عبد السلام
17/01/2009, 17h16
الله ..الله..الله
تسلم إيد اللي كتب ...واللي نقل
مقال رائع يلقي الضوء علي جوانب خفية من حياة
سلطان الطرب ..طلب
شكرا يا سمير بك
:emrose:

MasryMasry
18/01/2009, 00h10
الكاتبة الرائعة سناء البيسى كعادتها تتحفنا بمقال مميز من مقالاتها عن العمالقة الذين عاشوا في وجداننا..و هذ المرة تكتب عن أحد أساطين الطرب و الغناء في تاريخ الغناء عبر كل عصوره و تعطي بمقالها الجميل لهذا الكبير بعضاً من حقه علينا...رحمه الله و أسكنه فسيح جناته..شكرا لحضرتك على نقلك للمقال و شكرا للسيدة سناء البيسي

amerabdullah
18/01/2009, 13h49
شكرا على الموضوع الرائع

تحياتى................


:emrose: امير عبد الله:emrose:

Talab
18/01/2009, 20h14
أنا عاجز يا سمير على شكرك و تقبيل وجنتيك....و يا ليتك تكون قربي الآن لتشاهد رجفي و تأثري في قرائة هذا الموضوع الفخم
مني لك أكبر تحيه و محبة أخويه
أخوك الدائم و مخلص لوجودك من الأوائل بيننا :
حسن
سلامات...تلات.. كمان للسيده سناء