المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرقة الماسية بقلم ابن الماسية الحلقة السابعة السنباطى


عادل صموئيل
27/10/2008, 12h30
الفرقة الماسية
الحلقة السابعة السنباطى
كل فنان او مشهور تحيطه هالة , والهالة مع دعاة الفن كمن ينتحلون صفة الفن اليوم تكون هالة ظاهرة كبيرة ولكنها كاذبة اى شى يختلقه لنفسه فتجد المطرب الشاب اليوم يسير فى موكب من 3 سيارات وهو يركب السيارة الوسطى وتسبقه وتعقبه سيارتان شيروكى 4× 4 مملوءتان بحرس شخصى يقلد الوزراء , وعندما ينزل فى مكان ما يتعمد ان تقف السيارات بحيث تعطل حركة المرور لكى يشاهد الناس العظمة الكاذبة لهذا الفنان . ولكن الفنان الحقيقى هو الذى يجعل فنه يتحدث .
كان السنباطى رجلا كبير فى السن انيق لكن غير ملفت للنظر لوقابلته فى الشارع صدفة لن تعرفه حتى لو كنت تحفظ شكله من الصور لأنه متواضع , يسير بطريقة عادية لايحب الظهور , كان لآخر حياته يركب سيارة سوداء فورد مويل 1944 وكان يقودها سائق عجوز محترم مهذب اعتقد انه استلمه ضمن محتويات السيارة عندما اشتراها سنة 1944 , والمذهل انى احب السيارات القديمة كنت اتأمل هذه السيارة كل مرة تحس انها بعد مرور مايقرب من 40 سنة من عمر تلك السيارة الجميلة تحسها اتت من مصنعها امس , كان السائق يحافظ عليها كما يحافظ على عينيه , ولو تكلمت تلك السيارة لروت روايات , كانت السيارات زمان جزء من العائلة او فرد من افرادها تبقى معهم الى آخر الآخر, غير سيارات هذه الايام تتقلب من صاحب لصاحب ليس لها حبيب او صديق
كان السنباطى ودودا محبا تحس انه ابوك المحب اوجدك العزيز عندما يتكلم تحس بصوته الحنون وترغب فى سماع ما ينطق به وكان رزينا ولكن كانت له نكتة او قفشات فورية لست ادرى من اين كانت تأتيه بمثل تلك السرعة , مرة كمنا نعمل بروفة على لحن دينى للفنانة سعاد محمد , وفى وسط البروفة اوقفنا وقال ممكن الجملة دى يعزفها الاكورديون , وفى كل الاغانى الدينية منذ فجر التاريخ لم يسبق ان عزف اكورديون صولو فى اغنية دينية يعنى الغالب كان الناى او القانون , وعندما قال السنباطى الاكورديون احد المتحذلقين الموجودين قال له يا استاذ الاكورديون حرام فى الاغنية الدينية فرد عليه بسرعة : ليه يا ابنى هو بيعزف مورتاديلا ؟ وطبعا لن تتخيلوا كم ضحكنا .
هؤلاء عندما نتكلم عنهم لن نستطيع ان نوفيهم حقهم وتعجز الكلمات وتتشابك الافكار كيف نصفهم ذكرت فى اول كلامى عن الهالة كان هذا الرجل العجوز المتواضع تحيطه هالة كبيرة هى تاريخه الذى لم ولن يتكرر تحيطه هالة هى تاريخه الذى يمثل ثلثى روائع ام كلثوم الخالدة , عندما كنت اسلم عليه كنت المس فيه الاطلال وجددت حبك وذكريات , وعندما يشير بيديه كانت تتطاير من يديه شذى قصة الامس وهجرتك , وعنما يمسك العود بيسمعنا الجملة كيف ينبغى ان تعزف يتوقف الزمن لننهل من عوده جرعة من الابداع لها طعم زجاجة الماء البارد فى لحظة عطش , والغريب ان هذا العملاق لم ينضب منجمه لآخر لحظة فى حياتة , ولو عاشت ام كلثوم عشرين سنة اخرى لأنتج لها عبقريات اكثر واكثر , انا كنت ازوره فى بيته القريب من بيتى لأكتب له, كنت احس بأفتقاده لأم كلثوم , كانا توأمان فى البداع , كانت الطاقة فى موسيقاه عالية جدا ولم يوجد سوى ام كلثوم من تؤدى هذا الابداع , طبعا كانت هناك فنانات اخريات مثل سعاد محمد ولكن ام كلثوم كانت واحدة كانت ام كلثوم بدون تعليق
كان السنباطى كلثومى ومن ضمن الصفات الكلثومية هى عدم الاعتراف الحقيقى بالنوتة الموسيقية يعنى يفضل التحفيظ بعوده عن استخدام الفرقة للنوتة الموسيقية , هذه الطريقة لها مميزاتها وهى السلطنة والاداء المبدع الذى تسمعه من فرقة ام كلثوم والذى لاتحسه فى اى فرقة اخرى مع ان العازفين كانوا هم مع ام كلثوم وهم فى الفرقة الماسية يعنى كان الاداء مع ام كلثوم مختلف لأنهم حافظين اللحن كلمة كلمة من العود والفرقة الماسية يعزفون من النوتة
وعندما كان يأتى امامنا فى الفرقة الماسية لا يستطيع ان ينسى طريقة الكلثومية يعنى يجعلنا نقرا الكوبليه من النوتة ثم يمسك العود ويعزفه حتى نعطيه الاحساس الذى يريده واهم الالحان فى الفترة الاخيرة كان قصيدة ياحبيبى لاتقل لى ضاع حبى من يدى , وعندما امسك العود وغنى لنا عند كلمة كغريق مستجير بغريق وقفنا وصرخنا وابتسمت وردة وقالت انتوا لسه شفتوا حاجة ده لسه جوا فيه بلاوى وكلمة بلاوى بلغة الموسيقيين يعنى اعجازات او ما معنى ذلك , ولكن ايضا كانت عقدة ام كلثوم عند السنباطى تتمثل فى عدة اشياء , اهمها انه اى اغنية يلحنها لأى مطربة غير ام كلثوم كان يحضر الفرقة ويسجلها بصوته هو كاملة حتى يقتنع انه اعطى الاغنية حقها , كان من ضمن عبقريته الاعتزاز بألحانة مرة قال لى لو الاطلال دى كان ملحنها واحد تانى كنت انحنى له احتراما تأملوا عبقرية الكلمة , كان من صفاتهم ان يسمعوا الحانهم كانها لغيرهم وينقدوها ليقدموا الاحلى دائما
والسنباطى كان مدرسة فى الموسيقى الشرقية , وعندما قدم اصعب الالحان كانت اعذب الالحان مع غزارة علمة وعبقريته كان يتخاطب مع عامة الشعب , وهذه مشكلة خطيرة يجب دراستها وهى توصيل العبقرية او الابداع العالى المستوى الى عامة الشعب لأننا لا نعمل فنا للخاصة ولكن للعامة , يعنى الموسيقار شوبان مؤلفاته للبيانو جميلة ولكنها للخاصة جدا وعشاق البيانو بالذات ولو عرضتها على عامة الشعب لن يتفهموها , يعشقها عشاق البيانو فى جميع انحاء العالم ولكنها تحتاج لدراسة معينة لكى تتفهمها وتسعد بها , ولنأخذ مثلا العالم العبقرى اينشتاين وامثاله , لكى يكون عالماّ فذا لابد ان يدخل فى غياهب دهاليز العلم , ولكن لغته تكون صعبة على عامة الشعب يعنى لكى يتحدث لابد ان يتحدث مع دكاترة كليات العلوم فقط لأن اقل منهم لن يتفهمه وهنا يأتى دور علماء آخرين يمسكون اكتشافات او اختراعات العلماء الجهابذة امثال اينشتاين ويضعوها تحت المجهر ويستخلصون منها الافكار البسيطة والتى يضعونها فى مناهج مادة العلوم للصفوف الابتدائية والاعدادية والثانوية والجامعة وهنا نكون قد استفدنا من علم هؤلاء العلماء الكبار لكن فى الموسيقى تختلف اختلاف كلى لابد ان يخاطب الفنان عامة الشعب ولو كان مبدعا له خمسة % من اللحن يستعرض عضلاته الموسيقية ليتباهى بها امام الخبراء والخاصة والسنباطى ابدع فى المقامات الصعبة وتحرش بها وطوعها ثم مزج بينها وبين المقامات السهلة عمل اتقالات لحنية رهيبة وغريبة ولكن الطريف انها للمستمع لم تكن ابدا معقدة بالعكس كان يجعلها سهلة وعذبة وتحسها مألوفة مع انها اصلها بعيدة كل البعد عن الالفة والتجانس ولكنه مزجها بحرفية شديدة .
ايضا امتاز السنباطى بشىء ساحر مختلف بين لحن وآخر انا اسميه النكهة , تحس ان كل لحن له نكهة خاصة مختلفة عن غيره والسحر فى هذه النكهة ان الفرقة هى نفس الفرقة والمكان نفس المكان والمقام نفس المقام ولكن يوجد سحر يجعل نكهة اللحن مختلفة وهذا شىء صعب جدا لأن كل الجمل الموسيقية فى مقام واحد تتشابه لأنها من خامة واحدة ولكن الحرفية ان تجعل النكهة مختلفة وكانت تللك النكهة تأتى من عشرات الاكتشافات او الممارسات منه طريقة استخدام آلة واحدة بطريقة مختلفة تعطيك نكهة جديدة يعنى صوت من اصوات الاورج محدد ويستعمل بطريقة معينة يعطيك للحن نكهة جديدة ولم يكررها , والمعروف ان الجمل فى المقام تتشابه وهو عندما كان يسمعنا على العود لنأخذ احاسيسه كنا نلاحظ انه يجرى تغييرا فى المقامات يعنى مثلا فى البياتى كانت الجملة فيها المى نصف بيمول اخس قلبلاً من المعتاد او يثبتها ويحرك نغمة لا او اى نغمة كانت تعطى اللحن سحرا خاصاً ولكن المشكلة هذه لانستطيع تطبيقها اليوم فالمطرب يادوب ملصم على القام ان قاله صح وتغيير نغمة لن يستوعبها تجعلك تسمعه نشازاً , ولكن زمان كان التلاعب فى النغمات هذا لعبة ام كلثوم وعبد الحليم , كان السنباطى محافظا وكلمة محافظ يعنى متمسك بتقاليد معينة لايغيرها وتلك السمهة من مميزاتها الحفاظ على الهوية , وان فرطت فيها تضيع الهوية والتى تتميز بها الامور
كان يراقب التطور بحذر شديد ولايجربه بسرعة ولكن يدرسه ويدرس تأثيرة ثم يستعمله بحذر ودون افراط والدراسة تتسبب فى وضع الشىء المتطور بمنتهى الابداع , تذكرون احبائى ان بليغ حمدى ليحتفظ بطول قامة معين بعد دخول عبد الوهاب الى عالم ام كلثوم ان ادخل آلة الاكورديون وبدء يطور نوعية اغانية وجاء السنباطى وتجاهل الاكورديون عدة سنوات ( والملحوظة انه عندما تجاهله لم يتجاهلة كرها فيه او عدم اعترافه بالتطور ولكنه راقبه عن كثب لأنه متيقن انه لابد ان يساير التطور ويستعمله يوما ) ودرسه وبعد عدة سنوات جاءت اغنية من اجل عينيك وعمل له صولو منفرد قبل ان تبدأ الاغنية وهذا الصولو والذى بدأ بطريقة غريبة دخل فورا وبدون تمهيد من الفرقة كالعادة وضع فيه السنباطى كل مايمكن ات تقوله تلك الآلة الغربية الاصل الجامحة والتى روضناها ووضعنا فيها الربع تون بدء بأستعراض فى مقام غربى ثم دخل على المقام الشرقة وفى كوبليه استشف الوجد ادخل الاكورديون بطريقة ساحرة , ولكنه لم يستسغ آلة الساكس مع ان العازفين عزفوا عليها الربع تون ولكنه لم يحبه فيها .
فى الفرقة الماسية كنا نؤدى البروفات فى مقر الفرقة الماسية 34 ش عدلى بالقاهرة وهى شقة جميلة فى الدور السابع اما التسجيلات فكانت فى ستوديو 46 بالإذاعة واحيانا كانت التسجيلات فى ستوديو مصر وكلمة ستوديو مصر تثير فى النفس الذكريات والشجون لأنه كان اكبر استوديو واعرق استوديو وتم تصوير معظم الافلام التى تمثل السينما المصرية فى جنباته وفى البلاتوهات الكثيرة التى يحويها هذا الاستوديو الكبير وكان يقع فى الهرم
وعندما ناخذ امر تسجيل فى ستوديو مصر معناها ان التسجيل له علاقة بالسينما يعنى اغنبة لفيلم , والاغانى الكبيرة كنا نؤدى لها عشرات البروفات اما التسجيلات هذه كنا نقرأ النوتة لأول مرة فى الاستوديو ونسجلها مباشرة , فى ذلك اليوم كان الموعد فى ستوديو الصوت بستوديو مصر الساعة العاشرة صباحاً , وكان الملحن رياض السنباطى انا احب ان احضر قبل الميعاد وهو ايضا كان كذلك كنت احب هذا الرجل وجلست امامه فى الاستوديو اول الامر سرح فى شىء ما ثم وضع يده فى جيبه واخرج محفظة جلدية غريبة الشكل كبيرة الحجم لا يقل عمرها عن خمسين سنة من طرازها ولكنها ايضا كانها مصنوعة امس وفتحها كالكتاب الكبير ومن جيب داخل جيب داخل جيب صغير جدا اخرج ريشة مندولين وهى بيضاوية الشكل , وقال لى هات كمنجتك وامسكها كما يمسك العود لست ادرى كان يستكشف لحن قادم ام يريد تحسين جملة فى لحن اليوم , وبدأ يعزف جملته هنا لابد لكى لاتضايقه وهو جزء من الدهاء السياسى انك تعمل نفسك مش سامع او مش موجود ( اصل انا حفظتهم العمالقة دول ليهم اسلوب فى التعامل عشان يحبوك ) إلا اذا سألنى ايه رأيك فى الجملة وعزفها لى مرتين اقول لكن لو ما سألنيش ماليش دعوة , المهم بعد ان انهى ما اراد اعطانى الكمنجة واحسست انه معجب بها وضع يده على كتفى وقال لكى كلمة لم انساها من اكتر من 30 سنة قال: انت الخير والبركة .....كنت ساعتها صغير السن جدا ولم ادرك معنى تلك الكلمة اكان يشعر انهم كلهم سيرحلون وسأبقى وحدى اتحسس اثارهم ؟ اشعر ان سيأتى يوما واكتب عنه كلامى هذا وابعثه الى الحياة عند من لم يعرفوه , او حتى معزوفاتى التى اقدمها لكم فيها شىء يختلف عن الشرائط الاصلية بصوت اصحابها الاصليين انا احس ان الشريط يحمل تاريخ تسجيله لكن اعادة التسجيل لو بأبداع تخلق تاريخا جديدا للتسجيل وتبعث الاغنية بعثا جديدا اعتقد ذلك
وبالذات لأنى ابعث الاغنية او اللحن بشكل مختلف , يعنى لو سمعت معزوفتى حتى لو اعجبتك لن تنسى ام كلثوم ولكنى اكره الاعادة التى تقتل اللحن الاصلى مثل ما فعل احد المطربين الحاليين لأغنية من اشهر اغانى سعاد محمد ان سجل تلك الاغنية بصوته واصبح الشباب ينسبونها اليه ناسيين ( عمته ) سعاد محمد
وكان السنباطى مريض بالربو ودائم استعمال البخاخة ومرضه كان يحتم على اعضاء الفرقة الامتناع عن التدخين طوال البروفة والتى قد تصل الى 4 ساعات وهذا الامر اعطانى انطباع عن التدخين ( لأنى دائما افلسف الامور ) كان تهذيبا لأعضاء الفرقة من المدخنين الشرهين وانا كنت من المدخنين ولكن اكتشفت ما كان المدخنين ينكروه كانوا يقولون انهم اصبحوا مدمنين للتدخين وقد انتشر النيكوتين فى دماءهم ولا يستطيعوا الابتعاد عن السيجارة ولكنى اكتشفت ان التدخين عادة رديئة وليس ادماناً وقد شاهدت تجربة عملية للفنان زكى طليمات
كنت اجلس معه ولاحظت وانا اعرف عنه انه كان يشرب 4 علب سجاير فى اليوم لاحظت فى يده سيجارة غير مشتعلة وعلبة كبريت وكل برهة يشعل عود كبريت ويقربه من السيجارة وكأنه يشعلها ولكنه لا يشعلها ويشرب السيجارة مطفأة وهو اكد لى انه هكذا يمارس العادة التى اعتاد عليها ويحس بنفس الشعور وكما كانت مشتعلة والسيجارة مطفأة ولو يعلم كل من يدخن كم يؤذى انفاس غير المدخنين لو تواجد معهم فى مكان مغلق وهو يمثل شكمان يخرج سموما لأمتنع عن التدخين امامهم
وتجولت بعينى فى ارجاء الاستوديو فوجدت المطربة التى ستغنى , كانت فتاة اول مرة اراها
فتاة بسيطة تغلب عليها وعلى ملابسها الطابع الريفى , ومن شكلها احسست انها اول مرة تدخل استوديو , ومن اول كلمتين تكلمتهم احسست بأنها من قرية وفى الوجه البحرى ,
ولكن داخلنى احساس انها ممتازة بدليل ان السنباطى لحن لها وبدات تغنى وسحرتنى كان صوتها جميلا وادائها اخاذا ولكن لم اسمع عنها شىء بعد ذلك اختفت وسط الزحام وتفكرت لمذا جئنا ولماذا عزفنا وعلى الفور تداركت الامر , كانت تلك الايام ايام السينما المحترمة واحترام الفن , كان هناك فيلما والبطلة لاتغنى فكان الشىء الصحيح للمخرج الذى يحترم فنه ويحترم الفنون الاخرى مثل الغناء ان يأتى بفتاة صوتها يشبه صوت البطلة او شكلها العام ويجعلها تغنى الاغانى والبطلة تصور الفيلم وتحرك شفتاها على الغناء الذى تسمعه, اما اليوم من تريد ان تغنى تغنى ومن تريد ان ترقص ترقص وسيأتى اليوم الذى ستصبح الدول اشتراكية يعنى كل من يريد ان يصبح طبيبا سيفتح عيادة وكل من يريد ان يسوق طيارة امه تشترى له طيارة لأن الغناء اولا موهبة وثانيا دراسة وثالثا خبرة ورابعا صنعة وتعدى مثل تلك الموانع مثل ان تكشف على الناس وانت لست طبيبا لأن المشكلة انك تمسك السماعة ولكن الطبيب الذى يمسك السماعة درس كتباً تملأ بيتأ قبل ان يمسك السماعة , اتسمعون عن العمارات الجديدة التى تنهار لأن من بناها انتحل صفة البانى بدون خبرة فى البناء مثله مكن طلع فى دماغه يغنى وامه عملت له شريط فصار نجماً ولكن هنا دور المطرب اخطر لأنه ينقل شكلا وافكارا الى الشباب , وممكن يدمر كل ما تعلموه فى المدارس والجامعات ,
وارجع زمان اكتر ايام فيلم لشادية وفاتن حمامة عندما غنوا معا الاغنية الشهيرة الو الو احنا هنا , اتكلم عن فاتن تستطيع الغناء بجودة فى حدود هذه الاغنية لكنها ممثلة قديرة ولو وجدت اغنية اصعب كان المخرج المحترم يلجأ لإعطاء العيش الى خبازينة كان يأتى بمطربة لتغنى اللحن الاصعب وفاتن حمامة تغنى على الشريط بتحريك شفتيها فقط وهنا المخرج ضرب كذا عصفور بحجر واحد اولا اثبت انه فنانا يفهم الصح وثانيا لم يحرج الممثلة الكبيرة ويجعلها تقع فى المحظور وهو ان تغنى اغنية اكبر من طاقتها وبدلا ان تكون ممثلة مبدعة تصبح فى الفيلم مطربة فاشلة . واهم ما فى الموضوع ان الافلام زمان كانت مدرسة السينما , يعنى ما سيصنعه فى الفيلم بحذافيره سيدرسه هواة الاخراج والمخرج الكبير لا يقع فى تلك الهفوة , لابد ان يكون فيلمه خال من اى وجه محتمل للنقد او ما يؤخذ عليه , لذلك احبائى عندما نرى افلامهم للمرة الالف نحترمهم ونقدرهم لكن اليوم ما رأيكم فيمن يغنون اغانى عبد الحليم وام كلثوم وتخرج من حناجرهم الاخطاء تصرخ انا لأول لحظة اقول اين هذا المخرج؟ الم يسمع هذا الهراء ؟ او ممكن يكون المخرج اذنه ليست موسيقية يميز الغناء من النهيق ؟ وبالعكس الذى اذنه غير موسيقية لايصلح اطلاقا ان يكون مخرجاً لأن الاخراج عملية معقدة للمزج بين مكونات كثيرة ونقص احدها يدمر الكل وانا تفهمونى لا اشترط للمخرج ان يتخرج من الكونسرفاتوار ولكن من المفروض ان يميز الفرق بين عبد الحليم ومليحلادعب ماتتخضوشض انا كتبت عبد الحليم برضه بس ابتديت من الشمال والمفزع ان الذين يقلدون يعملون مثل مافعلت شىء ليس له طعم .
وهناك فرق ان يغنى شخص لزملائه فى رحلة نيلية من ماسبيرو الى القناطر وان يغنى نفس الشخص فى الاذاعة مثل الفرق بين ركوب البسكليتة وقيادة الطائرة اى نعم الفرق بين البسكليتة والطائرة مش كبير يعنى الطائرة فى التابلوه بتاع كابينة القيادة فيها 3600 زرار و30ـ40 امبير .... وتخيل سيادتك لو اردت السفر الى كوالالمبور وركبت الطائرة وفوجئت بمن يقود الطائرة : الواد حمادة ابن اخت صاحب شركة الطيران وكان حمادة فى اولى ثانوى وامه مدلعاه وقعد يعيط لأمه عشان تخلى خاله يخليه يسوق الطيارة من نفسه ... ولو سألت واحد من المنتجين بتوع الافلام والشرائط اليومين دول حايقول : يا استاذى الفاضل بما ان العلم فى الراس مش فى الكراس ف ال3600 زرار اللى بتقول عليهم والكام امبير دول كلهم كماليات عشان المصنع يغلى تمن الطيارة لكن الطيارة بتمشى بزارين بس حمادة يدوس على زرار تطلع الطيارة ويدوس على الزرار التانى تنزل الطيارة فى كرارامبور اللى بتقول عليها دى ومافيش مشكلة نوبروبلم وهذا هو ملخص الحال فيما يحدث فى الغناء اليوم
اعود الى ستوديو مصر , هذا الصرح الفنى العتيد والذى انشأه طلعت حرب الذى اعتبره نموذجا لرجال الاعمال الذى ينشىء مشاريع لتربح مصر لا ليربح هو والذين ينشئون ليربحوا هم يرحلون واعتقد انهم لايأخذون معهم ماربحوا ولكن من ينشئون لتربح مصر تبقى لهم الذكرى العطرة خلاف اجر لايفنى عند الله جزاء الخير الذى قدموه لوطنهم, وانا اقف فى الاستوديو العريق عادة الماضى يشدنى , تخيلت فى مكانى من وقف فى هذا المكان , تخيلت ليلى مراد واسمهان وقبلهم ام كلثوم فى سلامة ودنانير وفاطمة , تاريخ مصر الفنى مر امامى فى تلك اللحظة , ثم مارست هوايتى فى حب الاجهزة الاليكترونية والقديمة بالذات رفعت رأسى شاهدت ميكروفونا كبيرا مستدير عجيب الشكل مثل الكرة , بدأ به الاستوديو واستمر يعمل كل تلك السنين الطويلة , هذا الميكروفون هو الذى سجل احلى الاغانى التى تشاهدوها فى الافلام التى تحمل كلمة تم التصوير فى ستوديو مصر والعجيب ان هذا الميكروفون الواحد تفوق جودة تسجيله وصدقه فى نقل الصوت 40 ميكروفونا قد يبلغ ثمن الواحد منهم آلاف الجنيهات ولكن اين الجودة ذهبت مع الماضى والدليل دققوا عندما تسمعوا ليلى مراد تحس انها بفرقتها موجودة معك فى الغرفة ثم اسمعوا تسجيلات اليوم والتى مسجلة على اجهزة بملايين الجنيهات وستحسون بالفرق , وبعد انتها ء التسجيل دخلت الكيوبك وهو غرفة المهندس لأمارس هوايتى فى استكشاف اجهزة التسجيل اولا شاهدت لأول مرة عملاقا آخر من عمالقة التسجيل الصوتى اسمه نصرى عبد النور وهو ايضا الذى سجل كل الاغانى التى سجلت فى ستوديو مصر كما قام بتسجيل الحوار فى كل الافلام كان شخصية اسطورية وبسرعة نظرت الى جهاز التسجيل الذى كان يسجل عليه وتعجبت كان جهاز بدائى من الاربعينات ولكن جودة تسجله اقول اكثر من مذهلة ولا يضاهيه اى جهاز هذه الايام
ايام ساحرة واماكن ساحرة وشخصيات فذة , ولكن مع الاسف معظم الاماكن ضاعت مع التطور او الورثة الذين آلت اليهم غيروا نشاطها يعنى ايام كنت طالبا كانت القاهرة تعج بدور السينما وكثرة هذه الدور مهمة لإزدهار النشاط السينمائى ولكن هذه الدور انحسرت وانخفض عددها الى اقل من الربع بسبب تغيير النشاط او ان اصحابها آثروا بناء الابراج مكانها
كان من اعاجيب السنباطى ايضا لو جلس مع ام كلثوم ويبدؤا مباراة فى استعراض العضلات الموسيقية , كنا نسميهم سلاح القفلات , وتبدأ القصة من عشرات السنين عندما كان السنباطى يلحن الرباعيات مثل رباعيات الخيام وهى 4 شطرات , تليها بيتين 4شطرات وهكذا وهنا تحتاج كل 4 شطرات الى قفلة يسمونها فى الموسيقى قفلة ساخنة لتلهب مشاعر الجمهور وتجعله يصفق بشدة لأن قيمة اللحن والاداء فى تقبل او احساس الجمهور بالقفلة , فلو كانت القفلة ضعيفة لضاعت قيمة الاربع شطرات , وكان احلى مباراة تشاهدها لو جلسوا معا وتباروا فى هذه القفلات يعنى رياض يغنى رباعبة قديمة مثل الخيام ويقفلها قفلة جديدة
وتسارع ام كلثوم وتغنى نفس الرباعية وتقفلها قفلة احلى , ويشتد وطيس المباراة وتبدأ فى الحتكاك العنيف مثل مباراة الكرة عند الاحتكاك لتعويض الهدف فيغنى السنباطى نفس الرباعية بقفلة ثالثة , ولن تتركه ام كلثوم يغلبها كانت تصوب فى هدفه الرابعة وهنا يبدأ شىء جديد اختراع جديد فى الموسيقى ... تبدأ القفلات تخرج عن الطوابع والتقاليد والاعراف الموسيقية وهنا تظهر ابداعات جديدة ولكنها مع الاسف ابداعات لهم فقط يعنى لاتذاع لأن ليس من المعقول ان يسمع الجمهور ما سمعناه انا مرة سمعت 22 اثنين وعشرين قفلة لرباعية واحدة اعتقد ان الجمهور لو سمعهم سيخرج من الحفلة ناسيا اسمه او اين منزله
واذكر لرياض السنباطى انه كان ضليعا فى قواعد اللغة العربية بشكل ملفت جدا للنظر
يعنى عدة مرات تخطىء احدى المطربات فى التشكيل فيقول لها لأ بالضمة عشان كذا ويعرب لها الجملة , وكم تعلمنا منه كلمات كنا ننطقها مرفوعة هو علمنا ان اصلها منصوبة او مكسورة وكل ما مر على من النحو الذى تلقيته ونسيته فى المدرسة استعدته على يد رياض السنباطى , رحمهم الله جميعا علمونا وكانوا مثل حامل المسك الذى مجرد مروره بجوارك تتعطر ثيابك لم تمر علينا مرة قابلناه فيها إلا ازددنا علما وتعلمنا شيئا جميلا جديداً كانت البروفة الواحدة بصحبة هؤلاء العمالقة تعادل دراسة سنة فى الكلية.
اشكركم لسعة صدركم والى القادمة

منال
27/10/2008, 13h10
أستاذي الفاضل ابن الفرقة الماسية :

عادل صموئيل

كل الشكر لنقاء حرفك وجمال كلماتك وعطر ذكرياتك التي تلقي بظلالها علينا بوارف من إبداع وأريج من شذى هذه الأيام الماسية التي تنقلها إلينا وهي محملة بنسائم ونفحات وعبق من فضة الذاكرة العميقة بتفاصيل ودقائق ومناحي سنين الطرب الأصيل ، هذا الطرب الذي يستمر في إنهمار وهطول وتقاطر والذي يستمد مداه من نتاجكم وإبداعاتكم وروائعكم .

حلقة سنباطية رائعة جميلة بهذا الصفاء والنقاء والتعبير المفعم بالصدق والشعور وهذا الأسلوب الأدبي الشيق الذي يجعلنا نتتظر حلقاتك بكل شغف لما فيها من فوائد وقيم وأصالة .

دمت لنا بهذا العطاء ودامت الحلقات والذكريات
في أستمرار وهطول في هذا المدى السماعي
الأصيل .

يوسف قاسمي جمال
31/10/2008, 03h20
شكرا على اسعادنا بهذه التحف يا أستاذ عادل, اكمل ولا تبخل علينا بما تحمل من كنوز

salem salem
31/10/2008, 13h55
الله الله ما احلى الوفاء يا استاذ عادل يا ساحر الكمان .. ربنا يبارك لك في مالك وعيالك وصحتك وعمرك ويسترها معاك دنيا وآخرة .. كم نسعد بعطائك الذي لا ينضب ولا يلحقه من ولا أذى.

نايف السلمي
13/12/2008, 02h50
جعلتني اقرأ اكثر من مرة لسببين :

حبي الشديد للسنباطي هذا الرجل الذي كل ما اسمعه واسمع الحانه اتذكر الاهرامات وعظمتها منذ ازمان مضت.

واسلوبك الجميل شدني بصراحه وخصوصا عندما تتحدث عن السنباطي والموسيقى وتذهب الى موضوع غير

الموسيقى واقرأ ولا اشعر بنفسي الا وانا عائد مره اخري للسنباطي رحمه الله ، ورحم جميع العباقرة الراحلين.

كل الشكر لك استاذي الكريم:emrose: