المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تذوّق الموسيقا


Osama Haddad
04/10/2008, 12h39
تذوّق الموسيقا*


كثيرا ما نسمع في وسائل الإعلام، أو عند بعض النقاد، عن أنّ هذه الموسيقا رائعة وتلك سيئة الخ ..... طبعاً هذه الآراء قد تكون صائبة أحيانا وقد تكون خاطئة غالبا. لأنها في الأكثر تأتي بناءا على رأي شخصي أو مصالح شخصية أو مادية خاصة, وليس على أسس نقدية صحيحة.
الخطأ الذي يحدث بعد ذلك هو أننا نأخذ بتلك الآراء على محمل الجد، بل و ندافع عنها بشراسة أحيانا (اعتبرني أحد الأشخاص لا أفهم في الموسيقا لأنني عدّدت له بعض الألحان الغربية، والشرقية أيضا، قد أخذ منها عبد الوهاب بعض الحانه).
طبعا لا أريد أن أهاجم أحدا, ولكنني أردت أن أوضح بأن لا أحد فوق النقد البنّاء لأنه الطريق الوحيد لجعل الفنانين يقدموا الأفضل . لقد نقد الأوروبيون أهم فنانيهم في بعض أعمالهم التي كتبوها لأغراض تجارية أو لبعض النبلاء دون الانتقاص من عظمتهم.
ما نريده من موضوعنا الآن ليس تحديد نوع الموسيقا التي يجب أن نسمعها , بل المساعدة بوضع بعض المعايير التي تساعدنا في اختيار نوع الموسيقا التي تناسبنا حسب حالتنا النفسية و الزمان والمكان والعمر.
اذا استمعنا لعدة مقاطع موسيقية مختلفة (موسيقا دينية غربية - موسيقا دينية شرقية - موسيقا كلاسيكية - مقطع من أوبرا - موسيقا بلوز - موسيقا جاز - موسيقا قدود - موسيقا طربية - موسيقا شرقية راقصة).... نرى التنوع الكبير في التأثير على الأحاسيس بين كل نوع موسيقا, لذلك علينا ألا نحصر أنفسنا بالسماع لنوع واحد حتى لا نرى الا جانب واحد و بالتأكيد هذا يقلل من غنى جوانب الحياة التي نعيشها . وحتى تساعدنا الموسيقا بأداء أي شيء نقوم به وليس لهدف واحد (الرقص مثلاً).......

عناصر الموسيقا
اللحن، الإيقاع، التوزيع والهارموني، الموضوع والفكرة...
1- اللحن أهم عنصر مؤثر في الموضوع الموسيقي .
هناك لحن شعبي يكون بسيطاً في الغالب , ويتكرر هذا اللحن مع التغييرفي الكلام في كل مرة. ثم يعاد بعدها المقطع الرئيسي وذلك حتى يستطيع الجميع المشاركة، و هذا مما يحقق التفاعل الجماعي مع الموضوع .
وهنا عظمة هذا اللحن بكونه عمل فني جماعي وممكن أن يعبر عن جميع أنواع المناسبات الجماعية مثال على ذلك القدود - الدلعونا - الذكر - التراتيل الجماعية - أغاني الحصاد الخ ...... ومن السهل اختيار أوقات استماعه .
اللحن العادي التقليدي.. واللحن المبتكر والمتميز: للتمييز بين اللحن العادي واللحن المبتكر علينا ذكر بعض المعايير: لكل مقطوعة سلم موسيقي أساسي ( المقام في الموسيقا الشرقية ) ولنعتبر أن السلم الموسيقي مثل السلم العادي هناك عدة سلالم تجاوره والملحن يتنقل بين درجات السلم والسلالم التي تجاوره بقفزات وحركات متنوعة ثم يعود الى الدرجة الأولى اذا كان يريد نهاية تقليدية ومريحة للأذن أو غير الأساس اذا كان يريد نهاية متوترة وغير مستقرة للأذن .
اذا أراد أي شخص أن يتنقل على سلم عادي فمن البديهي أن يتنقل بين درجات متجاورة وبعدها يعود الى الدرجة الأولى و هذا أحد الأساليب المتبعة في الألحان التقليدية .
أو اذا أراد ذات الشخص أن يقوم بحركة بهلوانية على الدرجة الخامسة ثم أعادها على الرابعة ثم الثالثة والثانية الى أن يصل الى الدرجة الأولى فيستريح ,وهذا من الأساليب التقليدية في التلحين .
ممكن أن يؤدي ذات الشخص عدة حركات متتالية لا يقف بعدها على الدرجة الأولى ثم يعيد ذات السلسلة من الحركات ويعود بعدها الى الدرجة الأولى .
اذا هناك عدة طرق تقليدية للتأليف لا نستطيع أن نذكر جميعها . وهذا النوع من الألحان يؤثر على المستمع من المرة الأولى لسماعه لكنه بسيط و مألوف للأذن ولا يحتوي على أي أفق جديد أو ابداعلأن بامكان أي موسيقي عادي أن يؤلف العشرات من هذه الألحان يوميا .أي أن اللحن العادي مثله مثل الفيلم الذي نعرف نهايته منذ البداية و لا نحتاج لأي تركيز عند مشاهدته .
أما اللحن المبتكر فهو الذي يؤثر في الإنسان بعمق و يفتح أمامه آفاقاً جديدة للمشاعر وأحاسيس لم يختبرها مسبقا. هذا لا يعني أن أي لحن غير تقليدي مبتكر لأنه بعد ذلك يجب أن يكون مؤثرا لوضعنا في عوالم ومشاعر جديدة .
2- الايقاع
لا أحد يستطيع إنكار تأثير الإيقاع على الجسد ومقدار الارتباط بين الاثنين . وأحد أهم الدلائل على ذلك الرقص اذ لا يمكن لأحد أن يرفص دون ايقاع في النغم وأيضا نرى عندما يسمع أحد ما لحنا أيقاعيا قد يصفق أو أن يتمايل مع الايقاع أو يضرب بأصابعه على الطاولة .من هذا نرى من يريد أن يقوم بعمل عضلي أو رياضي يشعر بنشاط عند سماعه موسيقا إيقاعية , و الذي يريد أن يقوم بأي عمل فكري نجد أن الموسيقا الايقاعية لا تساعده على التركيز ,على عكس الموسيقا التي لا يظهر فيها بشكل واضح .أيضا نرى الشعوب البائية كالقبائل الأفريقية موسيقاها أيقاعية , بينما نرى الموسيقا في مرحلة الثورة الثقافية وعصر النهضة تبتعد عن الآلات الايقاعية . نرى أيضا في هذه الحقبة موسيقا النبلاء لا تحوي آلات أيقاعية بينما موسيقا الأيقاع موجودة في الشارع دائما .
الاستماع لفترة طويلة لموسيقا إيقاعية عنيفة يتعب الأذن و يضعف بعدها تمييز الموسيقا .أما الموسيقا الغير عنيفة أيقاعيا نستطيع بعد سماعها القيام بأي عمل بشكل أفضل حتى لو كان عضليا .
الايقاع يجب أن يكون موجود بشكل غير طاغي حتى يساعد اللحن بالظهور والتأثير ولا يكون الهدف من سماع الايقاع الرقص فقط.
والا إيقاع مثل اللحن له مستويات فهناك إيقاع يتكرر بشكل دائم و بسيط وهناك إيقاع أكثر تطورا يمكن أن يبنى عليه ألحان حتى يسمى اللحن باسمه مثل السماعي التانغو الفالس بوسانوفا ........
3- التوزيع والهارموني .
الهارموني هو تآلف الأصوات أي أن يكون الى جانب اللحن الذي نسمعه الحان مرافقة اضافية متوافقة معه لاظهار اللحن الأساسي بالصورة التي يريدها الملحن وحتى يساعد اللحن بالتأثير بالشكل الأفضل .
أي أن الهارموني و التوزيع هو الاطار والخلفية لصورة اللحن و هوالاخراج لصورة اللحن , فرضا اذا أردنا أن نرسم و جها يعبر عن الكآبة فمن الأفضل أنتكون خلفية الصورة قاتمة و بائسة تصور الحالة النفسية للوجه .
والتوزيع هو كالإخراج الناجح لعمل تمثيلي ما فمهما كان الموضوع رائعا , اذا لم يخرج و ينتج بشكل ناجح يكون العمل فاشلا .
اذا الموسيقا الجيدة يجب أن تكون موزعة توزيعا ناجحا يساعد اللحن والايقاع في التأثير, ولكن علينا أن ننتبه بأن التوزيع الناجح يساعد اللحن الرئيسي والأيقاع و لايطغي عليهما .لأن الابهار الزائد و المغالاة بتعدد الأصوات تضيع المضمون وهذا من الأغلاط الشائعة بالتوزيع .
من الصعب على الانسان الغير مختص تمييز التوزيع الناجح عن الفاشل بدقة ولكن من المهم له أن يتفاعل مع العمل الموسيقي بشكل كامل دون الالتفات للابهارالذي يستعمله البعض لتغطية ضعف المادة اللحنية .
4- الفكرة والموضوع
أي شيء يقوم به الانسان الراشد يجب أن يكون له هدف و ان كان ترفيهي أو فكري أو جسدي (المراهق و الطفل لايفكران بهذه الطريقة.
حتى نقّيم عمل موسيقي بشكل صحيح يجب أن يكون قد أوصلنا للهدف الذي جعلنا نستمع اليه أو الفكرة التي أرادها الملحن , المقصود طبعا ليست الموسيقا الجادة فقط هي الجيدة لأن هناك جانب ترفيهي بحياة الانسان لا تحققه الا الموسيقا الخفيفة و الممتعة .
أما الموسيقا عديمة الموضوع فهي لا تناسب الراشد و تجعله مفرغا بشكل كامل ثقافيا, فرضا من الطبيعي أن يستمع الشاب أو المراهق للموسيقا الرومانسية لأنها تتناسب مع المرحلة العاطفية التي يعيشها .
من الطبيعي أيضا أن يستمع الطفل لأغاني الأطفال لأنه يجب أن يعيش طفولته . ولا مانع من أن يستمع الراشدين للموسيقا الرومانسية من أجل تذكر مرحلة الشباب. أما الاستماع بشكل دائم، لهذا يجعله مبعيدين عن الواقع الذي يعيشونه و لا تستطيع تلك الموسيقا مساعدتهم في واقعهم . في السابق كان للبحارة أغانيهم و للمزارعين أغانيهم....... .
لنجرب سماع الموسيقا التي تناسب سننا و التي تربطنا بواقعنا و تناسب الزمان و المكان الذي نحن فيه لأن الموسيقا الغريبة عن حالتنا لها مفعول سلبي مثل الادمان على الكحول .
بعد عرضنا لعناصر الموسيقا الرئيسية نصل الى بعض النتائج .
أولا ؛ ان موضوع تحديد قيمة الموسيقا و أهميته اله معايير و أسس و يجب عدم ابداء الآراء المتسرعة عن لحن ما دون دراسة هذه المعايير وليس نسبة لمحبتنا لمؤدي العمل أو نسبة لرأي وسائل الاعلان التي تريد تسويق مايربح أو حسب من يدقع لها أكثر .
ثانيا ؛ جميعنا يعرف أن هناك أعمال موسيقية خالدة لا تموت وأخرى تموت مباشرة بعد أستهلاكها لأنها معدة للأستهلاك أما العمل الجيد و المهم هو العمل الذي يبقى يؤثر فينا دائما و نجده أجمل كلما زدنا تعمقا به وقد لا نستمتع به للمرة الأولى .
بينما العمل الأستهلاكي يكون مؤلفا من صيغ بسيطة و مطروقة سابقا فيه نوع من لفت الانتباه لذلك قد نستمتع به عند سماعه للمرة الأولى و خاصة عند تكرارهمن قبل و سائل الاعلان الأمر الذي يجعل اللحن مألوفا لنا دون معرفة لماذا .
ثالثا ؛ لا يقصد بذلك أن من يسمع الموسيقا التجارية عليه أن يشعر بالذنب و أن من يستمع للموسيقا الجادة هو الشخص الذواق للموسيقا، بل الذواق هو الذي يعرف متى يسمع الموسيقا الأستهلاكية و هو يعرف أنه يسمع موسيقا ترفيهية و متى و لماذا يسمع الموسيقا الجادة .
رابعا؛ ليست الموسيقا الكلاسيكية فقط هي الجادة بل كل موسيقا تحقق العناصر السابقة بشكل صحيح و تلبي حاجات الأنسان النفسية المختلفة .
وفي النهاية كل شخص مستمع جيد للموسيفا وليست الموسيقا حكرا على أحد فليس من الضروري مثلا أن يكون الشخص يعرف تاريخ الموسيقي فلان و متى مات أو الى أي مدرسة ينتمي اذا كان لا يريد التعمق بالتفاصيل , فقط على الانسان أن يتفاعل مع الموسيقا وأن يجرب التنوع في سماع الموسيقا ولا يحصرها بنوع واحد لأن مستمع الموسيقا كالسائح كلما زار بلدانا أكثر تنوعا كلما تعرف على عوالم و طباع جديدة تغني حياته و بعدها قد يحب هذا البلد أكثر من ذاك و يزوره أكثر من مرة واحدة ويتعرف عليه بشكل أوسع و دقيق .
فلنتعرف على على عالم الموسيقا الكبير و لا نخاف لأننا جميعا قادرين على تذوق الموسيقا وليس فقط من يحفظ أسماء و تواريخ و تفاصيل حياة الموسيقيين والمختصين .... و شكراً.


بقلم: فادي اسكندر