المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سعاد حسني


MUNIR MUNIRG
01/07/2008, 01h36
سعاد حسني علامة عل مرحلة تاريخية ورمز من رموزها
سفيرة السينما ال الجماهير ابدعت في الزوجة الثانية وتركت ماركة مسجلة في خلي بالك من زوزو :
القاهرة القدس العربي من كمال القاضي 01/07/2008
بعيدا عن الظرف المأسوي الخاص بوفاتها واللغز الذي ما زال قائما حول ما إذا كانت قد قتلت أو انتحرت، تظل هناك مساحات شاسعة في حياة سندريللا الشاشة سعاد حسني يمكن أن تمتلئ بالكتابة سواء عن إبداعها أو ذاتها الإنسانية المبدعة، فلسعاد أكثر من قراءة وأكثر من شخصية، فهي الإنسانة البوهيمية والفنانة الملتزمة، جانبان من الصدق يتوازيان ويمتدان بطول المسيرة الفنية التي بدأت في ربيع العمر.وأضحت في مقتبل نضوجه دون أن تسقط ورقة واحدة من أغصان الشباب، تنبئ بالخريف أو تعطي إشارة لنهاية الطريق الذي خرجت منه سعاد فجأة مودعة حياة النجومية والأضواء وعبارات الإطراء وعدسات المصورين، لتمكث طويلا في عالم أبدي سمته الهدوء والاستقرار وهي الفنانة القلقة المتحركة النشطة!
لقد حركت ذكراها المواجع، ففاضت المشاعر بالأسي والحزن واستحضرت الذائقة جميل إبداعها السينمائي وأعادته مرة أخري لطاولة النقد لنعيد اكتشاف ما لم يكتشف علي ضوء المقارنة بين ما صنعته سعاد حسني وما يصنعه الآخرون، وهنا يتحتم أن نأخذ بعض أفلامها نموذجا، ولتكن البداية من أول أعمالها: فيلم حسن ونعيمة للمخرج الكبير هنري بركات، ذلك الرجل الملقب بشاعر السينما الذي استوصي معاني الرومانسية في الوجه الجديد، ابنة الثمانية عشر ربيعا، فأصر ان تكون هي بطلة الملحمة الشعبية التي دارت تفاصيلها بين حسن المغنواتي ابن الطبقة الفقيرة الكادحة، ونعيمة، الفتاة الجميلة سليلة الحسب والنسب التي أصبحت نموذجا للحب العذري الذي ينمو بين الأشواك في تربة صحراوية، ورغم شيوع القصة وذيوعها إلا أنها اكتسبت بفضل أداء سعاد حسني أهمية جماهيرية لكونها خاطبت مشاعر وأحاسيس العوام وانحازت في مضمونها للبسطاء في وقت كانت فيه السينما تُعلي من شأن الطبقة الأرستقراطية وتتخذ من الأغنياء نموذجا إنسانيا يكون له الفوز والانتصار في نهاية الاحداث، ولأن سعاد حسني ابنة الطبقة المتوسطة فقد شعرت بقيمة الدور وأحست به وعبرت عن الشخصية وفق قناعاتها وإيمانها بقيمة الحب والزواج بغض النظر عن الفوارق الاجتماعية والعوائق الطبقية، لذا كان لهذا الاتساق علي المستوي النقدي ونجحت سعاد في أن تصبح سفيرة السينما لدي الجماهير.
وفي فيلم الزوجة الثانية للمخرج صلاح أبو سيف كانت البطلة قد اكتسبت خبرة كبيرة في الأداء وتمرست علي قراءة الشخصيات الدرامية قراءة سليمة بوعي فطري تدعمه موهبة كبيرة، لذا أدت سعاد شخصية فاطمة - السيدة المضطهدة المجبرة علي الزواج من العمدة الديكتاتور - ببراعة شديدة، واستطاعت ان تكون نداً قوياً لسناء جميل التي لعبت دور الغريمة أو الزوجة الأولي، وكذلك نافست صلاح منصور علي قمة الأداء التمثيلي وهي لا تزال شابة صغيرة في مستهل حياتها الفنية، واعتبر فيلم الزوجة الثانية نقلة في حياة الفنانة الكبيرة التي تربعت فيما بعد علي القمة، وبشرت أفلامها التالية بنجومية طاغية، ولم تكن قد لعبت بعد دورها الفارق في فيلم غروب وشروق ، إذ قامت بدور ابنة رئيس البوليس السياسي محمود المليجي ، الشخصية الهوائية المائلة الي الانحراف الكارهة لحياة والدها العسكرية المنضبطة والنازعة الي الحرية والقفز خارج الاسوار الحديدية بغية الانطلاق والتحرر من القيود الرسمية، هذا النمط من الأداء كان غريبا، علي سعاد حسني بعض الشيء قبل ان تتخصص فيه، وتصنع لنفسها بصمة واضحة تصبح بمثابة ماركة مسجلة تتجلي روائعها في فيلمي خلي بالك من زوزو و أميرة حبي أنا ، وهما الفيلمان اللذان أخرجهما حسن الغمام وحطما الرقم القياسي في الإيرادات، إذ ظلا في دور العرض لأكثر من عشرين أسبوعا، حتي صارت سعاد تلقب بزوزو وهو الاسم الذي كانت تحبه كثيرا وارتبطت به لفترة طويلة، حتي انها في أواخر ايامها سجلته علي جهاز الأنسر ماشين في تليفون منزلها لتستقبل المكالمات وهي سعيدة أيما سعادة باسمها الفني الذي كان يذكرها بأمجاد الماضي.
ومن الاضواء المكثفة الي الانطواء عاشت سندريللا سنوات عصيبة داهمها فيها المرض وانتقلت علي إثر ذلك إلي العاصمة البريطانية لندن في عزلة اختيارية فرضتها علي نفسها لتكون بعيدة عن الناس، بعد فشل فيلمها الأخير الدرجة الثالثة ، وإدراكها للمتغيرات الجديدة التي طرأت علي جسمها وشخصيتها وابتعاد الأصدقاء عنها وإحساسها بمرارة الوحدة، بقيت سعاد تجتر ذكريات الماضي وتعيش علي المجد الفائت وتذكر صلاح جاهين وعبدالحليم حافظ وعبدالرحمن الخميسي وكل الذين ساهموا في نجاحها وصنعوا منها نجمة يشار إليها بالبنان، ذكرت سعاد حسني في واحد من أحاديثها المهمة أنها كانت من أشد المعجبين بشخصية الرئيس جمال عبد الناصر مؤكدة تأثيره الايجابي الكبير علي حياتها، إذ كانت تشعر بأبوته لها، وتراه سندا عظيما لكل أبناء الشعب المصري، فهو نصير الفقراء والمدافع عن حقوقهم وصاحب الكاريزما السياسية والشخصية المهابة، ولعل ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الفنانة الكبيرة كانت لها ميول سياسية وإسهامات وطنية، فهي تدرك بالفطرة دور الفنان تجاه بلده وحجم المسؤولية الملقاة علي عاتقه. تأثرت سعاد بنكسة حزيران (يونيو) شأنها شأن كل الوطنيين وعزفت عن العمل لسنوات، ولكنها لم تستسلم لليأس وعادت مرة أخري لتمارس نشاطها الفني وانضمت الي قافلة النجوم تسهم في مشروع المجهود الحربي الذي قاده كل من أم كلثوم وعبدالحليم حافظ لدعم القوات المسلحة والخروج بالبلد من كبوتها الي أن تحقق النصر الأول في حرب الاستنزاف ودخلت مصر مرحلة جديدة استردت خلالها بعضا من حيثيتها السياسية، وعاد عبد الناصر ليستقر مرة أخري علي كرسي الحكم ويبدأ في بناء الجيش ويستأصل كل الأورام السرطانية التي تسببت في الهزيمة، لا سيما وأن قراره بالتنحي قوبل بالرفض التام من جموع الجماهير العربية، وأعلن الشعب تأييده الكامل له رغم كل ما حدث، إيمانا بمشروعه القومي الناهض، كل هذه الأحداث والملابسات ألقت بظلالها علي شخصية سعاد حسني النجمة التي ارتبطت بالثورة وزعيمها وتزامن صعودها الفني مع صعود المؤشر الثقافي وحالة الحراك الاجتماعي للطبقة الكادحة التي خرجت منها الفنانة الراحلة، لتصبح علامة دالة علي مرحلة تاريخية مهمة بوصفها واحدة من رموزها وآخر من دفع الثمن بعد انهيار الحلم وموت الزعيم!