المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جمال الصوت و الأداء قبل حُسن المظهر لدى الفنان الليبي محمد السليني


زياد العيساوي
12/06/2008, 12h09
لم يسبق في مرةٍ ، أن وقعت بين يديّ ، وريقاتُ ُ فنية ُ ُ نقدية ُ ُ ، تتناولُ تجربة الفنان الليبي ' محمد السليني ' الذي امتهن الغناء باكرا ً ، و لست أقصدُ من كلامي هذا ، أنْ أقطعَ بعدم حدوث ذلك أبدا ً، فربما يكون هناك من الكـُتَّاب من سبقني إلى هذا الأمر ، الذي قلمي الآن بصدد إنجازه ، في هذه المقالة المتواضعة عن هذا المطرب ، و ذلك في فتراتٍ سابقةٍ ، غير أنني لم أتحصل على نصِّه ، و لكن لجمال صوت هذا الفنَّان الأخاذ ، و للبصمة التي أحدثها ، و وضعها على جبين الأغنية الليبية ، فإنه خليقُ ُ بالكتابة عن تجربته الغنائية ، و لو من باب لفت الأنظار و الأسماع إليها ، فهذا المطرب ، و كما ذكرت أنفا ً، عرف الغناء منذ أنْ كان يافعا ً، وثمة أغان ٍكثيرة ُ ُ له في محفوظات الإذاعة المرئية الليبية ، تعود إلى أوائل سبعينيات القرن المنفرط ، أيام كان التصوير بــ ( الأبيض و الأسود ) و هنا أتحاشى أن أقول : ' من دون ألوان ' لكوني أختلف مع من يقول بهذا ، فالرأيُ عندي ، أنَّ هذين اللونين من الألوان المعروفة ، و لا يصح أن نصفهما بهذا النعت ، بحسب تصوري لهذا الأمر ، على أية حال ، نراه في هذه الأغنيات ، يظهر صغيرا ً، حيث إنني ، أُرجّحُ بأنْ يكونَ من مواليد مطلع خمسينيات القرن الفائت ، و هوَّ يؤدي فيها كلَّ ألوان الأغنية العربية ، و على الوجه الأمثل ، و إن ركـَّز المتلقي أثناء إنصاته للعمل الغنائي الكبير ( رحلة نغم ) الذي نسج كلماته الشَّاعر الغنائي الرَّاحل ' فضل المبروك ' و قام بتلحينه الفنان ' محمد حسن ' و أوكلت مهمة الإعداد و التوزيع الموسيقي له ، إلى الموسيقار المصري الكبير ' عطية شرارة ' إبان عمله بفرقة الإذاعة الموسيقية الليبية ، سيلفي في هذا العمل الذي يشبه إلى حدٍّ ما ، الملحمة الغنائية الكبيرة ، التي قدّمها الموسيقار الراحل ' فريد الأطرش ' غناءَ و لحنا ً، و من كلمات الشاعر ' بيرم التونسي ' هذه الملحمة التي طافت بأرجاء الوطن العربي الكبير من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي ، و كانت بعنوان ( بساط الريح ) .

إذ أنّ هذا العمل الكبير ، الذي اشترك فيه الفنان ' محمد السليني ' مع مجموعة لا بأس بها من الأصوات ، التي كان من بينها ، هؤلاء الفنانون : ' سالم بن زابيه ' و ' أشرف محفوظ ' و ' لطفي العارف ' و ' مصطفى طالب ' و ' فهيم حسين ' و الفنانتان ' عبير ' و ' تونس مفتاح ' و المسجل في عام 1977 - طاف هو الآخر بربوع ليبيا كافة ًً؛ عموماَ بعد أنْ يركـّزَ المتلقي مليا ً في هذه الملحمة الغنائية ، التي عبرت عن اللحمة الوطنية ، سيجد في هذا العمل الفني بأجزائه ( أشرطته ) الثلاثة ، و غير المصوَّر مرئيا ً، أنَّ الفنان ' محمد السليني ' قد استأسد بنصيب الأسد ، و تفرد من دون زملائه في هذا العمل ، بمساحات واسعة من الغناء ، و هوَّ يتنقل من مدينة إلى أخرى ، و من قرية إلى ثانية ، و من الساحل إلى الصحراء ، و من السهل إلى الجبل ، بسرعة و يسر ، و بلا معاناة من السفر تبدو في صوته ، لكأنه يتـّخذ من ( بساط الريح ) المريح ، مطيّة ً له أثناء ترحاله و تجواله ، و بمقدرة فنية فائقة ، إذ ْ أنه من خلال إمكانيات صوته العظيمة ، استطاع أنْ يُغني لونَ كـُلِّ منطقةٍ يحط ُّ به الترحال فيها ، و بكلِّ خصوصياته التي يمتاز به ، فغنى الأغنية الجبلية ، القريبة جدا ً من الموجودة في جبال سوريا و لبنان ، و كذلك الأهزوجة الشعبية و الموَّال ، و ما إليها من أنماط الغناء العربي الأخرى ، و ما يزال ذلك المقطع ، الذي تغني فيه بمدينة بنغازي ، ناشبا ًفي ذاكرة أهلها ، و عالقا ًفي ذائقة المستمع ، خصوصا ًسُكان حي ( الصابري و البركة و سيدي حسين ) و هوَّ ينشد بصوته المُعبِّر :


يا عين ياعين أنتي هنا و الغالي وين


يا عين يا عين بين البركة و سيدي حسين


بعد أنْ تردد قبله مجموعة الأصوات ( الكورال ) التي هي أصلا ً ، أصواتُ زملائه من المطربين ، الذين اشتركوا معه بالتناوب في أداء هذا الملحمة الغنائية الطويلة الزمن ، بقدر اتساع الرقعة الجغرافية لليبيا ، هذه الشاطرة القائلة :

صابري عرجون الفل .. صابري عمره ما ذل

صابري زين على زين .. صابري ورد و ياسمين

و لعلّ من الملاحظ أيضا ً ، أنَّ هذا الفنَّان المتمكن ، يملك قدرا ً كبيرا ً من الوسامة و حسن المظهر ، إلا أنه لم يعتمد على هاتين الميزتين ، اللتين يتمتع بهما في مشواره الفنّي ، بقدر استناده إلى جمال الصوت و الأداء اللذين يحوزهما ، ليس كما يفعل بعض ُ ُمن مغني اليوم ، الذي طغى و غطـَّى لديه حسن الشكل على جمال المضمون الفنّي الذي يقدِّمه لنا ، حتى تحوَّل إلى مجرد مروج ٍ للسلع الاستهلاكية ، بعد أنْ أضحت هذه الظاهرة غير الصحية ، أقصر و أسلك سبيل للنجومية و العالمية ، اللتين يسعى إليهما هذا البعض ، غير المحسوب على الغناء ، فمن أراد منه أنْ يصلَ إلى العالمية ، فما عليه إلا أنْ يقبلَ بأول عرض ٍ يأتيه للترويج لسلعة ما ، في مشهدٍ دعائيٍّ ( متلفز ) برعاية الشركة المُصنِّعة لها ، و المستغلة للشعبية التي يحظى بها بين صفوف المراهقات ، كمثل ما نراه في الاستقطاعات المُمِّلة لبرامج أية قناة فضائية ، حين ترويجها للـ ( بيبسي كولا ) مثلا ً، أو أي نوع من العطور ، فأنا أستغربُ أيما استغرابٍ ، لما يرضى هذا البعض من المغنين ، بأنْ يُركـّب بعض الكلمات السوقية المروجة لمنتوج ما ، على لحن ٍ من ألحان أعماله ، التي يقول عنها ، بأنها غالية عليه مثل أبنائه ، و ذلك مقابل حفنة من الدولارات ، و الأدّهى من ذلك ، هو أنه يعيشُ في بحبوحةٍ ، و ليس بحاجةٍ إليها ماديا ً ، و لكن ربما تكون النجومية ، هي المهماز الذي حمله على هذا .

لنعُد الآن بعد هذه البسطة إلى صلب الموضوع ، فإنّ لهذا الفنَّان ، الذي ما تزال زهرة شبابه يانعة ً فنيا ً، صوتا ً أصيلا ً، يجيدُ أداءَ الأغنية العربية بكلِّ صنوفها المعروفة جيدا ً، و هو بحسب اعتقادي ، الذي أكاد أنْ أجزم به ، أفضل من أدَّى فنَّ الموَّال ، ذلك لتوافر الشروط و المقاسات الفنية اللازمة لأداء هذا النمط الغنائي العربي الأصيل و الصعب كلها ، في مخارج صوته ، و في مستويات طبقاته العالية و المنخفضة و المتوسطة أيضا ً ، و تتجلى هذه الأمور استماعا ً، في أدائه لموَّال ( ياما الجبل فيه من حكاوي ) لدى تقديمه للغناء عن الجبل الأخضر ، عرين شيخ الشهداء ' عمر المختار ' و ذلك ضمن ملحمة ( رحلة نغم ) التي نحن بصددها ، إذ أنَّ هذا الجبل الأشم ، أعدُّه البوتقة ، التي تنصهر فيها ألوان الغناء العربي الصحيح و الصحي جميعها ، هذا فيما عدا المقامات الموسيقية المنتمية إلى هذا الغناء ، كما أنّ هذه المنطقة ، التي هي عبارة عن سلسلة جبلية ممتدة شرقي ليبيا ، غنية ُ ُبعددٍ زاخر ٍ من الآلات الموسيقية الشعبية و الحديثة المتعددة الأغراض ، و بالعازفين عليها كذلك بطبيعة الحال ، و هذا ما يتضح جليا ً في قوله ضمن هذا الموّال ، و من خلال هذه الكلمات المُغناة :


ياما الجبل فيه من حكاوي


يرويها الكشك و المجاريد في غناوي ..


فهذا بمثابة اعتراف منه ، و هوّ الفنان العارف بأسرار الغناء ، بهذه الحقيقة .. و ( المجاريد ) جمع ( مجرودة ) و تشكل مع ( الكشك ) ضربين من الألوان الغنائية الشعبية في منطقة الجبل الأخضر ؛ المهم في أدائه لهذا الموّال إجادته له ، و تقمصه للأداء الحقيقي ، الذي يؤديه أهلُ هذه المنطقة ، على الرغم من أنه ينسبُ إلى مدينة طرابلس الكائنة غربي البلاد ، و ما جعله ينشد هذا الموال بأرياحية ملحوظة ، على الرغم من احتوائه على فترات زمنية طويلة جدا ً، ليس بمكنةِ أيِّ فنَّان أدائه بالكيفية نفسها ، التي أنشده بها هذا الفنان ، هو النفس العميق الذي لديه ، و معرفته بأصول الغناء .

ما نزال دائما ً في منطقة الجبل الأخضر ، فبعد خروجه من أداء هذا الموّال ، الذي أدَّاه منفردا ً، يشترك بعد ذلك مع صوت ملحن العمل ' محمد حسن ' في أداء مقطعا ًغنائيا ً ثنائيا ً( دويتو ) هو عبارة عن جملة موسيقية من الموروث الشعبي ( الفلكلور ) يقولان فيها :


سبحان اللي هنتك و هونتيني


انسيتك بعد ولعات و انسيتيني ..


و هوَّ في أدائه لهذا العمل ، يبرز لنا إمكانيات صوته ، الذي يتقاطر عذوبة و نقاءً ، في أذن المستمع ، كما قطرات العسل في ريق ظمآن و سقيم .

و الحقيقة تقال إنّ تجربة الفنان ' محمد السليني ' لا يمكن اختزالها في هذا الملحمة و كفى ، فله العديد من الأعمال ، التي عرّفت المتلقي بصوته قبل مشاركته فيها ، و مما لا شك فيه البتة ، أنَّ أعماله السابقة كانت رائعة ، و مسَّت مشاعرَ النَّاس و شِغافَ قلوبهم ، من خلال صوته الحسن ، و ليس على سبيل الحصر بل المثال ، أذكر منها هاتين الأغنيتين : ( م المغرب تقوى ناره ) التي أعادت تقديمها الفنانة التونسية ' لطيفة العرفاوي ' في الفترة القليلة الماضية ، و كذلك أغنية ( يا جدي الغزال ) التي أعدها له الملحن ' عبد المجيد حقيق ' .

الخاتمة :

و مما تجدر الإشارة إليه ، و أراه خير خاتمة لهذا المقال ، هو التذكير بأن الفنان ' محمد السليني ' قد اشترك أيضا ًفي غناء نشيد ( وطني الكبير ) في محفل عربي مهيب ، على أحد المسارح في ليبيا ، جنب إلى جنب ، مع نخبة من الفنَّانين العرب الكبار ، أذكر فيما أذكر منهم : ' فهد بلان ' و ' فاتن الحناوي ' و شقيقتها المطربة السورية الكبيرة ' ميادة الحناوي ' و الفنان الراحل ' مصطفى نصري ' و ابنته المطربة ' أصالة نصري ' و كان صوته ، على الرغم من زحمة هذه الأصوات المرموقة ، باديا ً و بارزا ً، على قدم المساواة معها ، ليخرج بهذا العمل من مناداته و فخره باللحمة الوطنية ، التي شارك بها في ( رحلة نغم ) إلى المناداة بالقومية العربية ، بمشاركته في هذا النشيد ، فهذا الفنان الذي بدأ الغناء صغيرا ً، ولد فنانا ً ، و ليبقى كذلك .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ

بقلم : زيـاد العــيـسـاوي – ليبيا
بنغازي في : 8 / 12 / 2007
Ziad_z_73@yahoo.com (Ziad_z_73@yahoo.com)

abuaseem
14/06/2008, 22h45
شكرا اخي زياد على هدا الموضوع و اشاركك الراي في جمال وقوة صوت الفنان محمد السيليني و اود الاشار الى وجود موضوع خاص باغاني هدا الفنان المتالق في منتدى سماعي على الرابط الاتي:

اغاني محمد السيليني (http://www.sama3y.net/forum/showthread.php?t=21075)

وكدلك تم فتح موضوع منفصل لمنوعة رحلة نغم هدا العمل الناجح و الرائع الدي وصفه احد رواد المنتدى العرب" قائلا لم أعشق في حياتي عملاً فنياً مثل رحلة نغم" و العمل موجود على الرابط الاتي:

رحلة نغم (http://www.sama3y.net/forum/showthread.php?t=30256)

زياد العيساوي
15/06/2008, 12h25
السيد الكريم

أبو عصام

أشكرك على اهتمامك بالمواد التي تصلكم مني .. لقد زرت صفحة الأغاني الخاصة بالفنان محمد السليني ، غير أنني لم أجد من بينها أغنية ( بر البوادي ) فارجو من السادة الاعضاء ممن يحوزون تسجيل هذه الأغنية تزويدنا بها في أسرع وقت ممكن .

Sami Dorbez
22/06/2008, 13h36
شكرا اخي زيادعلى هذا الاثراء وهذا التحليل الجميل لصوت اخي محمد السيليني ونحن ننتظر المزيد باذن الله..

زياد العيساوي
22/06/2008, 15h58
أشكرك يا أخي سامي .. هل الفنان محمد السليني أخوك بمعنى الكلمة ؟ أم أنك تعتبره كأخ ؟

زياد العيساوي
22/06/2008, 16h05
نعم يا أخي سامي .. يبدو أنني أستعجلت في طرح سؤالي عليك .. فبعد أن فتحت على موقعك .. عرفت أنك فنان الطفولة و من تونس الشقيقة .. فأهلا و سهلا بك .