المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حديث مع الشيخ الهلباوى


aradoo
14/02/2008, 07h58
حوار مع الشيخ الهلباوي منقول من جريدة الاهرام المصرية
عرف الإسلام فن الانشاد الديني والمديح مع هجرة النبي صلي الله عليه وسلم إلي المدينة وذلك بالانشاد الجماعي‏:‏ طلع البدر علينا وارتبط حتي بالغزوات ففي غزوة الخندق انشد عبد الله بن رواحة وردد وراءه المسلمون‏:‏
الله لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
وفي مناسبات أخري كالانشاد اثناء بناء مسجد قباء‏,‏ يقول المنشدون‏:‏
لئن قعدنا والرسول يعمل
فذاك منا العمل المضلل
واستمر تردد الإنشاء الديني والمديح في مختلف المناسبات الإسلامية وتنامي مع ظهور التصوف وعظم في العصر الفاطمي في مصر‏,‏ وحدث التطور فيه في مصر ــ بعد فترة حكم الدولة العثمانية لأربعة قرون ــ مع نهاية القرن التاسع عشر‏,‏ وبداية القرن العشرين‏,‏ حيث ظهرت مدرسة المشايخ التي فرخت القراء والمنشدين والموشحين وعلي رأسها مجموعة من قمم هذه الفنون مثل المشايخ أحمد ندا وعبد الرحيم المسلوب وسلامة حجازي والحامولي‏,‏ ومحمود صبح ويوسف المنيلاوي وسيد درويش ومحمد رفعت وعلي محمود‏.‏
وقد عمل الشيخ المسلوب علي تحويل الموشح الاندلسي إلي صورة الانشاد الديني‏,‏ ومن هؤلاء وغيرهم ظهر عباقرة الموسيقي والغناء في مصر‏,‏ مثل أم كلثوم التي أخذت عن علي محمود موشح أضاء النور وانقشع الظلام بمولد من له الشرف التمام وكان الجيل الرابع من المشايخ قراء منشدين وموشحين مثل راغب مصطفي غلوش وإبراهيم الشعشاعي ونصر الدين طوبار وسيد النقشبندي ومحمد عمران‏.‏
وشيخنا محمد الهلباوي هو اخر مشايخ الاجيال الكبيرة‏,‏ ولم يكتف الشيخ الهلباوي بما تعلم سماعا بل اتجه إلي البحث والدراسة في الابحاث الصوتية والموسيقية‏,‏ ولذا كان هو أول مبتهل اهتم بهذا اللون بشكل علمي وتعمق فيه مما ساعده علي النهوض بهذا الفن والحفاظ عليه من الاندثار‏,‏ وأضاف العديد من المؤلفات والابحاث المهمة إليه‏,‏ وقد ترجمت إلي عدة لغات‏.‏
سألته‏:‏ هل هناك مواسم للإنشاد والابتهالات؟
ـ رمضان هو أكبر مواسم الانشاد حيث تسود الروحانيات والاتجاه الي الله‏,‏ كما ان هناك مناسبات اخري دينية مثل ليلة الاسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان والهجرة النبوية الشريفة وشهر المولد النبوي‏,‏ وغير ذلك فهناك الموالد الكبيرة لآل البيت والأولياء المشهورين مثل السيدة زينب والحسين والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي وأبو الحسن الشاذلي وغير ذلك في الدول العربية في مناسباتها المحلية‏.‏
هل شاركت خارج مصر؟
ـ شاركت باسم مصر في كثير من مهرجانات الانشاد والفنون في اوروبا والدول العربية وايران وإندونيسيا‏.‏
مثل مهرجان دول العالم الثالث للفن التلقائي في باريس عام‏1981‏ وكرمت كأحد أفضل الأصوات في العالم‏,‏ وفي مهرجان المشرق في باريس ايضا عام‏1985‏ وحصلت علي وسام المشرق‏,‏ وفي مهرجان موسيقي موزار بمرسيليا‏..‏ ومهرجان امربو سيانا للحوار بين الاديان في ايطاليا والاكسبو‏2000‏ في المانيا‏.‏ وفي طهران واندونيسيا وهناك ادرس هذا الفن‏.‏
وما حال هذا النوع من الفن في مصر مقارنة بهذه الدول؟
ـ في مصر يشرف الآن فن الانشاد الديني علي الانقراض وأنا لا أقصد الغناء الديني‏,‏ مثل الذي قدمته ياسمين الخيام أو شادية أو الكحلاوي‏,‏ إنما اقصد هذا الفن المصري والعربي الاسلامي الاصيل نتاج مدرسة المشايخ‏,‏ ولا توجد مدرسة أو معهد لتعليم وتحفيظ هذا الفن لحفظه من الانقراض سوي مركز الحفني للدراسات الموسيقية‏..‏ وهو معهد خاص‏...‏ ولذلك فأنا أطالب بإنشاء معهد مصري للانشاد الديني لأن مصر طوال تاريخها هي حاضنة وحافظة الاسلام وفنونه وحضارته‏,‏ هذا اللون الفني هو أصل الموسيقي المصرية والعربية التي بدأ التحول عنها في ظل العولمة وتقارب وتمازج الثقافات في العالم مما يهدد موسيقانا وتراثنا الموسيقي‏,‏ ومصر عليها العبء فهي التي حفظت ترتيل القرآن والانشاد ومن خلال من اوفدتهم من قراء ومنشدين الي مختلف بلاد العالم الاسلامي حافظت عليه‏.‏
ولذلك ــ وتكملة لاجابة السؤال ــ فإن بلادا اخري اسلامية بدأت تسحب البساط من تحت اقدامنا في ذلك مثل اندونيسيا وايران وسوريا‏,‏ وحتي في مسابقات حفظ القرآن وترتيله مثل الامارات العربية المتحدة ونيجيريا‏,‏ ولم يعد لدينا نحن فرق للانشاد سوي فرقتين فقط بعد أن كانت مصر مليئة بها قبل نصف قرن‏,‏ وهما فرقة الاوبرا التي للاسف تقدم التراث فقط دون تجديد‏,‏ وفرقتي الخاصة هي الفرقة الثانية‏,‏ وقد سجلت اكثر من‏50‏ توشيحا من معين التراث وقدمت لها صياغة الألحان‏.‏
ومن أين لك بالكلام الذي تنشده؟
ـ من الشعر الديني والاسلامي سواء كان وصفا او مديحا أو حكمة ونصيحة‏,‏ من أشعار حسان بن ثابت وابن رواحة حتي أحمد شوقي وأخيرا الشاعر محمد التهامي‏,‏ وإن كنت اكثر الأخذ من الكتب القديمة والمتوارث الذي تعلمته سماعا‏,‏ والذي لم يدخل عليه تغيير او تحريف منذ العهد الفاطمي لحفظه في الصدور‏.‏
متي تعلمت ذلك ؟
ـ تعلمت من الكتاب ففيه حفظت القرآن الكريم علي أكثر من شيخ منهم جدي الشيخ الهلباوي‏.‏ وبدأت منذ صباي في قراءة القرآن ترتيلا ثم انشاد التواشيح الدينية وأناشيد الصوفية حتي بدأت استعين علي الموهبة بالدراسة وتعلمت من الشيخ محمود الزهار والشيخ درويش الحريري الذي توفي عام‏1980‏ عن عمر مائة عام‏.‏
وهل دائما يرتبط الانشاد والابتهال بقراءة القرآن ؟
ـ نعم لأن الاصل في الانشاد هو تلاوة القرآن الكريم وكل مبتهل هو بالاساس قاريء جيد للقرآن‏.‏ ولكن ليس كل قاريء يمكن ان يكون مبتهلا جيدا‏.‏ والسبب في ذلك ان المبتهل متوسع في دراسة الموسيقي وفهم كيفية استخدام الصوت في القراءة بشكل جيد‏.‏ والدليل علي ذلك ان عبد الوهاب كان معلماه الأولان هما درويش الحريري وعلي محمود والاخير علم ام كلثوم وكذلك استعانت بالشيخ زكريا أحمد‏.‏ والشيخ ابو العلا محمد‏.‏ والتعامل مع الترتيل والانشاد كعلم يساعد علي إدراك التمايز بين الوزن الإيقاعي او الوحدة الزمنية في القرآن الكريم والوحدة الزمنية في الانشاد‏.‏ التي تختلف لأن الوحدة الزمنية للايقاع في الانشاد‏.‏ موحدة‏(‏ حركة صوتية متكررة ومتوازية كدقات القلب مثلا‏)‏ أما في التلاوة فهي تخضع لأحكام مستقلة بذاتها تعي ولا تأخذ ولا يطرأ عليها طاريء وتخضع لاحكام المد والغن ولهما‏(‏ الغن والمد‏)‏ ميزان‏.‏
ولكن ما رأيك فيما قيل ان الغناء حرام وبذا لا يصح الانشاد الديني ؟
ـ كيف وطلع البدر علينا غناء ؟ ثم ان الفقهاء اتفقوا علي ان الموسيقي حلالها حلال وحرامها حرام‏.‏ فإذا كانت ترفع الروح الي عنان السماء وتسمو بها فهي مقبولة أما إذا كانت تنزل بالروح والنفس الي الغرائز فهي غير ذلك‏.‏
وطاغور قال‏:‏ ستتلاقي الشعوب عن طريق الموسيقي

وهل هناك فرق بين الانشاد الديني والمديح وغيره من هذه الألوان التي نسمعها؟
ـ الانشاد الصوفي هو الاصل‏.‏ ثم التواشيح الدينية ثم الابتهالات ثم الغناء الديني ثم المديح الشعبي الديني في القري والنجوع‏.‏
فالمديح الموجود والمنتشر في الريف‏(‏ بحري‏)‏ والصعيد عبارة عن أشعار دينية وحكم ومواعظ تقال في قالب موسيقي مع تخت شرقي كالتي نراها في الموالد وهذا النوع لم يظهر إلا منذ‏70‏ عاما تقريبا ونشأ في حلقات الذكر والموالد وهو ينشد من خلال بعض الطرق الصوفية التي تستخدم الموسيقي وأول من أدخل علي الانشاد الصوفي الموسيقي الطريقة المولوية‏.‏ وهي طريقة صوفية عثمانية‏.‏ ومنها ايضا أخذت التنورة‏.‏ وهؤلاء كانوا يسمون مداحين وليسوا مبتهلين او منشدين وهو مختلف عما نقدمه‏.‏
ولكن هؤلاء يأخذون كلماتهم ايضا من الشعر الصوفي والاسلامي ؟
ـ نعم ولكنهم يحلونه بالموسيقي فالتخت الشرقي الذي يعملون به فيه كمنجة ورق وغيره وهذا عليه اعتراض لان المستمع يلقي بالا الي الموسيقي والايقاع وليس إلي أداء وكلمات المنشد ويستخدمون اللزم الموسيقية الشهيرة لاغنيات مشاهير المطربين‏,‏ أما الانشاد الديني والصوفي فلابد ان تكون له صياغة لحنية خاصة به وتعرف باسمه‏.‏ وإذا استخدمنا الآلات الموسيقية فتكون في حدود ضيقة جدا حتي لا تؤثر علي أذن السامع أو أداء المنشد والاسلام اعترف بالدف‏,‏ والانشاد يعتمد علي صوت المنشد وحده ووراءه البطانة‏,‏ أما المداحون وهم القصاصون فهم يروون السيرة النبوية والقصص والمواعظ وتدخل فيه الكلمات العامية مثل الشيخ طلعت هواش والشيخ محمد عبد الهادي‏.‏
هل ترتجل أم فقط تقدم ما حفظت ؟
ـ في كثير من الأحيان أرتجل وأغوص في بحر النغم مثلا عندما أقول مولاي كتبت رحمة الناس عليك وتنشد من مقام السيكا‏,‏ وفي الارتجال أخرج منه الي مقام آخر‏.‏ والتجلي يجيء بالتخلي عن النفس وتركها تهيم واكون في حالة تغيب عما انا فيه كالطير الذي يرفرف بجناحيه وفي حالة الوجد هذه تجد الناس‏(‏ تأخذهم الجلالة كما يقال‏)‏ ويبكون لانهم يجدونني أبكي ولست أنا الذي أبكيهم انما حالي وحالتي هما اللذان يبكيانهم‏.‏ وأعود بعدها الي نفس المقام الذي بدأت به بعد ان تهدأ الروح‏.‏ وأذكر انني في حفل في فرنسا بكي الفرنسيون أمامي رغم انهم لا يعرفون العربية وسألتني صحفية فرنسية‏.‏ كيف تنتقل بين المقامات‏,‏ وهذا الاداء دون ان تساعدك آلة أو تذكرك نوتة ؟ وهذا الهيام ؟ فقلت لها وكيف تقبلتم أنتم هذا اللون من الاداء‏.‏ وأنتم لا تعرفون العربية‏!‏ فقالت‏:‏ أخذتنا الي عالم ندرك معناه ولا ندرك مداه‏.‏ ويساعدني في هذا التنقل معرفتي بالموسيقي التي تلقيتها علي يد سليمان جميل‏.‏
هل يختلف الابتهال عن الانشاد ؟
ـ الابتهال هو الارتجال‏.‏ فالمنشد يرتجل الشعر بشكل منفرد او يقول مما يحفظ‏.‏ وعادة ما تكون اشعار دينية‏.‏ مثل الشيخ سيد النقشبندي والشيخ نصر الدين طوبار‏.‏
وهل يختلف حال الإنشاد في مصر عن الدول الاسلامية الأخري ؟
ـ بعض الشيء وإن كان المعين والاصل واحد‏.‏ ففي ايران أخذوا من الشكل المصري القديم‏.‏ ومن سوريا كما ان لهم ابداعات في هذا المجال فهم بلاد النغم وفي اندونسيا ايضا يقترب من الشكل المصري ويقلدونه‏.‏ أما سوريا فالانشاد فيها شخصية متفردة وان كان كل ذلك في إطار واحد‏.‏
:emrose:منقول