مدرسة ام كلثوم (الياس سحاب)

[بهاء الدين 7]

غير ان صوت ام كلثوم يمثل جانبا واحدا من قيمتها الفنيه , التي لا يكتمل البحث فيها الا بالتطرق
للجانب الاخر وهو المدرسه الفنيه التي تمثلها ام كلثوم ....
فان عظمة صوت ام كلثوم قد فرضت نفسها في سوق الغناء العربي لدرجة ان كل الملحنين
الذين تعاملوا معها (بما في ذلك عبد الوهاب الذي له قيمة فنية كبيرة منفصلة عن صوت ام كلثوم)
كانوا في الحانهم يدورون في فلك صوتها , اكثر مما دار صوتها في فلك الحانهم , كما يحصل مع
كل الاصوات الغنائية الاخرى.
فالظاهرة التي يمكن ان تبدو الآن واضحة لو القينا نظرة سريعة شاملة على كل انتاج ام كلثوم ,
هي ان هناك لونا كلثوميا في الغناء العربي , توظف في خدمته عدد من الملحنين الذين لا شك
في قيمتهم الذاتية , ولاكنهم مع ذلك كانوا مع ام كلثوم حزءا من مدرستها الغنائية , فكانت
تنوعات اساليبهم تنعكس تنوعات في الوان المدرسه الكلثومية . ولعل من الادلة الواضحة
على هذا , المقارنة بين الحان السنباطي عندما يضع لحنا لام كلثوم ثم عندما يضع لحنا لصوته
او لاي صوت آخر , كذلك فالامر واضح حتى مع محمد عبد الوهاب , صاحب الشخصيه امتميزه
جدا, فالحانه لام كلثوم كانت ذات طابع خاص, تنتمي (غالبا) الى مدرسة الغناء الكلثومي
اكثر من انتمائها الى مدرسة الغناء الوهابي, وان كانت بصمات عبد الوهاب الخاصة بارزة جدا
في مجموعة ما اعطى لام كلثوم من الحان , وان كان يمكن التمييز بسهولة بين كلثوميات السنباطي
وكلثوميات القصبجي وكلثوميات زكريا احمد وكلثوميات عبد الوهاب.

[بهاء الدين 7]

ماذا سيفعل السنباطي بعد ام كلثوم

غير انه مما لا شك فيه ان اكثر الملحنين يتما بعد ام كلثوم سيكون رياض السنباطي
لأنه صاحب اقل مجهود خاص خارج اطار المدرسه الكلثوميه , بالاضافه الى ان
كل انجازاته الكبيره في مجال تلحين القصيدة الكلاسيكيه مرتبطة بحنجرة ام كلثوم
(رباعيات الخيام , نهج البرده , سلو قلبي الخ...) لذلك سيكون مهما مراقبة خط
سير السنباطي بعد ام كلثوم , خاصة وانه يعيش الآن ذروة نضجه الفني , بالاضافة
الى انه لم يتقدم في السن والنشاط لدرجة التعب والشيخوخة .

وقد كان معروفا على اي حال ان الوصول الى حنجرة ام كلثوم كان هدفا من
اهداف نضال كل ملحن مصري ....فحتى القصبجي ادت مقاطعة ام كلثوم لألحانه
الى تجمده طيلة عشرين سنة قبل موته, وحتى زكريا احمد الملحن البالغ التميز ,
لم يعط شيئا مهما عندما عاش مرحلة الخصام مع ام كلثوم ...وبليغ حمدي , الذي
لحن لام كلثوم وهو في الثلاثين من عمره , كان هذا اللقاء انجازا كبيرا في حياته
فتح امامه كل الابواب المغلقة , والملحن الجيد سيد مكاوي لم تتجاوز شهرته حدود
مصر الا بعد ان قبلت ام كلثوم لحن ((يامسهرني))..وحتى فريد الاطرش الذي تمتع
طوال عمره بشهرة واسعة , مات وهو يعيش على امل ان تغني له ام كلثوم لحنا واحدا .

ملحن واحد كان له كيان كبير جدا خارج صوت ام كلثوم , هو محمد عبد الوهاب ,
ومع ذلك فقد فتحت حنجرة ام كلثوم مجالا واسعا امام تجديد شباب عبد الوهاب الملحن
بعد ان توقف عبد الوهاب المغني عن العطاء .

[بهاء الدين 7]

اول خميس من كل شهر ((الياس سحاب))

العنصر الثاني البارز في مدرسة ام كلثوم هو التقليد الغنائي المسرحي الذي تحول الى اهم
نشاط غنائي عربي دائم عند اول خميس من كل شهر ...لم يكن هذا اللون غناء مسرحيا بمعنى
الكلمة , غير انه كان لونا بالغ التميز والخصوصية , حيث يعيش الجمهور سواء في المسرح
او وراء المذياع , علاقة ممتعة مع عملية خلق غنائي كبير تمتد احيانا ساعات خمس...

قيل كلام كثير في هذه الظاهرة , قيل انه غناء لا يسمعه الا الحشاشون او السكارى ,
وقيل انه مخدر ادى بالعرب الى البقاء في التخلف , وانه كان احد اسباب هزيمة 1967...
غير ان النظر الى هذه الظاهره بعد توقفها نهائيا , لا بد من ان يزيح كل هذه الغيوم من حولها ,
ويلقي مزيدا من الضوء على قيمة الثروة الغنائية التي تمثلها حفلات ام كلثوم الشهرية المسجلة
اذاعيا وتلفزيونيا .

طبعا ليس معنى هذا ان يبقى تقليد ((الخميس الاول من كل شهر)) بعد ام كلثوم .

فهذا الشكل من العمل الفني كان له مبرر واحد هو وجود صوت واحد له كل هذه المزايا
غير العادية... من هنا يبدو كلاما سطحيا جدا التحدث عن خليفة لام كلثوم ...
فلا يكفي لاحتلال مركز ام كلثوم ان تفرض اغاني وردة على الاذاعات المصرية والعربية
بنفس الكثافة التي كانت تذاع فيها اغاني ام كلثوم , ولا يكفي ايضا اضافة لقب
((كوكب الشرق)) الى اسم فايزة احمد في اعلانات حفلاتها ...
فهذا الشكل من الحفلات الشهرية كان ضروريا لسبب واحد فقط هو افساح المجال امام
الجماهير للتمتع بقدرة الارتجال العظيم الذي تمتعت به ام كلثوم وحدها بين المطربات .

طبعا , يبقى كل هذا الكلام ملاحظات عامة سريعة , ويبقى امامنا بعد ام كلثوم مهمتان رئيسيتان :
1-الانكباب على ابحاث ودراسات فنية علمية دقيقة حول ظاهرة ام كلثوم الفنية, من قبل كل
المختصين , نخرج بفن ام كلثوم من اطار الاسطورة الى اطار التقييم العلمي الدقيق .

2-الانكباب على جمع التراث المعروف لام كلثوم , وذلك الذي فقد واختفى من الاسواق
, واعادة طبع تراثها على اسطوانات واشرطة بشكل منسق ومنظم , وبترتيب زمني للاغاني
والالحان , فمثل هذا العمل هو اقل الواجبات الطبيعية ازاء ظاهرة فنية كام كلثوم ,
شاء لها الزمن اخيرا ان تتوقف , بعد طول تمردها على ارادة الزمن . 11/2/1975