المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تالريخ العود بقلم فصي السعدي


abidoune
08/04/2008, 13h42
تاريخ العود
قصي السعدي
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو عدم لمعرفة ودراية عدد لا بأس به من الموسيقيين، و بالطبع غير المختصين، بتاريخ هذه الآلة، وإلى أي حضارة يعود تاريخ صنعها . حيث أن الكثير من الحضارات و الأمم حاولت نسب صناعة هذه الآلة لها و ذلك عن طريق الآثار. فمن خلال التنقيب، اكتشفت بعض الألواح الطينية و بعض التماثيل التي تبين عصر كل نهضة أمة و تاريخها ، وبعض الأمم حاولت نسب صناعة هذه الآلة لها دون إثباتات أثرية .

من الأساطير التي قيلت و كتبت عن صناعة العود، أن قنان بن لامك بن شلوتح، وهو من أحفاد سيدنا نوح، كان له ابن أحبه كثيراً، وعندما كبر هذا الغلام أصابه المرض فمات، و لشدة حزنه عليه لم يدفنه، فقام وعلقه على جذع شجرة حتى تقطعت أوصاله و لم يبق منه سوى إحدى رجليه فأحضر خشباً وصنع قصعة العود التي تشبه فخذ ابنه، و وضع له زنداً يشبه الساق، ثم وضع له حاملة المفاتيح والتي تشبه القدم، و أخذ من أحشاء ابنه مصراناً وشده على هذه الآلة الخشبية و بكاه.
طبعاً، هذا من جهة الأساطير، أما من جهة الحقائق و الوقائع فإليكم ما يلي :

لقد تباينت الآراء حول أصل العود و موطنه الأول ، ففي عام / 1910 / تبنت الباحثة الإنكليزية كاتلن شليزنكر الرأي القائل أن أصل العود فارسي، و أن العرب اقتبسوه من الفرس في نهاية القرن السادس الميلادي. وذلك عندما جاء الموسيقي العربي النظر بن الحارث بن كلده إلى خسرو برويز لتعلم الغناء و العزف على العود.

وفي عام / 1927 / نشر الباحث بنتسينكر رأيه القائل بأن أصل العود مصري، ويعود تاريخه إلى الفترة ما بين / 1580- 1090/ قبل الميلاد. ويعود سبب وقوعه بهذا الخطأ إلى أن اكتشاف آثار مصر سبقت اكتشاف آثار العراق .

وكان من بين الباحثين أيضاً الباحث كورت زاكس الذي ربط بين الكلمة الإغريقية للعود ( باندورا) وبين الكلمة السومريه
( بان- تور ) والتي تعني القوس الصغير، و بذالك يكون قد تبنى الرأي القائل أن أصل العود سومري .

إن أول عالم موسيقي بحث في أصل العود قبل الإسلام بصورة مفصله وعلى ضوء الآثار الخاصة بالعود التي جاءت من العراق و تركيا هو الباحث الموسيقي الألماني شتاودر، والذي نسب أصل العود إلى الشرق الأدنى منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد حيث كانت شعوب جبلية آرية تحكم هذه المنطقة. و بعد أن عدد أسماء الشعوب التي سكنت هذه المنطقة من حثيين و كماشيين و خوريين ينتهي للقول بأن أصل العود يعود للخوريين الذين حكموا في المنطقة الممتدة من بحيرة وان إلى القسم الشمالي من العراق وذلك في القرن الخامس عشر .

في عام / 1969 / نشرت الباحثة جوان ريمر كتاباً بعنوان ( الآلات الموسيقية لغرب آسيا في المتحف البريطاني ) حيث ارتأت ريمر أن أصل العود ليس لبلاد ما بين النهرين بل يعود إلى البرابرة من سكان الجبال شمال شرق العراق أي إيران و أن هذه الأقوام الجبلية ( البرابرة ) قامت بنقل العود من إيران إلى العراق في الألف الثاني قبل الميلاد .

ومن الغرابة أن نرى الباحث الألماني الرماير يرجع أصل العود إلى الساميين الغربيين في فلسطين و سوريا و ذلك في الألف الثاني قبل الميلاد، و يختم الباحث الرماير رأيه بأن تاريخ الموسيقى و لغاية يومنا الحاضر يخبرنا بالجذور العميقة للموهبة الموسيقية التي يتمتع بها الساميين و يعني بذلك ( اليهود ) ، فيقول بما أن عازفي الكمان الأول في العالم هم ( يهود ) و لما كانت آلة الكمان مقتبسة من العود لهذا فإن أصل العود يعود إلى الساميين الغربيين أي ( اليهود ) .

يقول الباحث الإنكليزي هارفي تورنبل أن أصل العود هو جزء من الحضارة العامة للقبائل الرحالة و أن البحث عن أصل العود يجب أن يكون في منطقتهم الجغرافية الأصلية القديمة و هي ( الفيافي ) للحافة الداخلية للهلال الخصيب و الصحراء السورية .

ترى الباحثة الفرنسية سبايكت أن أصل العود هو عيلامي حيث نشرت لها مقالة في عام / 1972 / تظهر فيها أن أصل العود يعود تاريخه إلى الألف الثاني قبل الميلاد، و أنه ظهرت في عيلام و هي القسم الجنوبي الغربي من إيران آثار موسيقية و هي عبارة عن / 70 / قطعة فخارية موجودة في متحف اللوفر في باريس و هذه الآثار تمثل العزف على آلة العود بواسطة المضرب الصغير .

في النصف الثاني من القرن الماضي ظهرت الحقيقة، و التي أثبتت بالدليل القاطع أن العود يعود أصله إلى العراق القديم فمن خلال حملة تنقيبية في أراضي العراق تم الكشف عن آثار تبين بأن العود يعود أصله إلى الألف الثالث قبل الميلاد و ليس إلى الألف الثاني قبل الميلاد مما يثبت أن أصل العود عراقي . لقد أثبتت الآثار الموسيقية والكتابات المسمارية أن أول ظهور للعود كان في العصر الأكدي مابين / 2350 – 2179 / قبل الميلاد، أي على زمن الملك السومري شولكي. كما نجد أن العود جاء منقوشاً على ختمين من العصر الأكدي موجودان في المتحف البريطاني و ما يهمنا من المنقوش هو الآلهة ( آيا ) إله الموسيقى و الحكمة و الخصوبة و المياه الحلوة تحت الأرض . و في الختمين نجد أن هناك رجل جالس قرب الإله آيا يعزف على العود .


قد تبين للعالم أن أقدم ظهور للعود كان في العراق و ذلك بالدليل القاطع التي أثبتتها الآثار و الكتابات المسمارية .
هذا من ناحية تاريخ العود أما من ناحية اسم العود ، فهي كلمة عربية اقتبستها منها اللغات الأخرى فمثلاً :
1- العود في اللغة الإنكليزية lute
2- ======= الفرنسية luth
3- ======= الدانمركية lut
4- ======= الأسبانية laude
5- ======= البرتغالية alaude
6- ======= الألمانية laute
7- ======= الإيطالية liuto

و كلمة عود في اللغة العربية تعني الخشب أو العصا و اصطلاحاً هي آلة موسيقية من صنف الآلات الوترية ينبر على أوتارها بواسطة الريشة .

أما اسم العود في اللغة الأكدية فهو إينو ( inu ) ، و اسمه في السومرية ( كوده و كودي ) ( gu.de,gudi ) .
و من أسماء العود أيضا" ( البربت – المزهر – الكران – البريط – البربط – الموتر – الرق – البربثث – البربرج – الون) . و كان يسمى الرق عندما كان صدر العود ( وجه العود ) مصنوعاً من جلد الحيوانات ، و كلمة بربرج تعني باب الجنة ، و كلمة بربط تعني صدر البط فكلمة بر تعني الصدر ، و هذه الكلمات منها عربية و منها فارسية .

و للعود أنواع و هي على الشكل التالي :
- العود القديم : و هو العود الذي يحتوي على أربعة أوتار مزدوجة .
- العود الكامل : و هو العود الذي يحتوي على خمسة أوتار مزدوجة .
- العود الأكمل : و هو العود الذي يحتوي على ستة أوتار مزدوجة .

فالعود القديم كان في زمن الكندي و الفارابي و ابن سينا و إخوان الصفا أي في العصر العباسي / 750 – 1258 /. ثم أصبح في زمن صفي الدين الأرموي البغدادي خمسة أوتار أي العود الكامل / 1216 – 1294 / . و في القرن الخامس عشر وجد العود الأكمل و الذي يحتوي على ستة أوتار مزدوجة. و ما يبين أن العود ذو الأوتار الست موجود منذ القرن الخامس عشر هو محمد بن عبد الحميد اللاذقي و المتوفى عام / 1494 / في كتابه ( الرسالة الفتحية في الموسيقى ) حيث جاء فيه ما يلي ((و جميع الآلات الموسيقارية على نوعين : الآلات ذوات الأوتار و الآلات ذوات النفخ ، أما الأصناف المشهورة للنوع الأول في زماننا فأربعة عشر صنفاًً وهي : عود قديم و عود كامل و عود أكمل ) , و بذلك نجد ن العود ذو الأوتار الست كان يستعمل في الماضي .

أسماء أوتار العود : كان يطلق على أسماء الأوتار و بشكل متسلسل من الغليظ إلى الرفيع كالتالي : ( البم – المثنى – المثلث – الزير – الزير الحاد ) و أحياناً يقال الزير الأول و الزير الثاني و ظلت هذه الأسماء مستعملة حتى العصر الأموي و العصر العباسي ، و لكن بعد انتهاء العصر العباسي أي بعد سقوط بغداد عام / 1258 / بيد المغول ظهرت المصطلحات الفارسية عند العرب فأصبحت أسماء الأوتار على الشكل التالي ( اليكاه – العشيران – الدوكاه – النوى – الكردان ) ، و عندما انتشرت الأسماء الغربية أصبحت أسماء الأوتار على الشكل التالي : ( صل – لا – ري – صل – دو ).

أسماء أقسام العود : يتألف العود من عدة أجزاء أكبرها الصندوق الصوتي و يعرف أيضاً باسم القصعة، ترتبط معه قطعة أخرى من الخشب يطلق عليها اسم الزند، و نقطة اتصال الزند بالصندوق الصوتي تعرف باسم العنق أو الرقبة، و في نهاية الزند من الطرف الآخر ترتبط معه قطعة خشبية تعرف باسم حاملة المفاتيح أو البنجق، لها ثقوب منتظمة توضع فيها المفاتيح و تعرف باسم مفاتيح الدوزان أو الملاوي. و الجهة الأمامية للصندوق الصوتي تغلق بقطعة خشبية رقيقة تسمى الوجه أو الصدر، و قد أحدثت فيها فتحات لخروج الصوت، ووضعت فوق الصدر قطعة خشبية لها ثقوب منتظمة لتركيب الأوتار فيها و تسمى الفرس أو الفرخة أو الششته أو الجسر أو الغزالة أو المشط، و تشد الأوتار بين الفرس و البنجق و ينبر عليها بالريشة أو المضرب. و ذكر في بعض المصادر أن الكران من أسماء الريشة و ليس من أسماء العود ، و لها عدة أنواع فمنها ريش بلاستيكية أو خشبية أو من ريش النسر أو من قرن الجاموس . أما أول مضرب استعمل فكان من الخشب .

أبعاد آلة العود :
إن أول كتابة موثقة يذكر فيها عن أهمية أبعاد العود هي ( رسالة الكندي في اللحون و النغم ) حيث بين في رسالته أطوال كل جزء من أجزاء آلة العود و كيفية صناعته و وضع فيها تمارين للضرب على هذه الآلة. و اللافت في هذه التمارين وجود تمارين خاصة تعود الطالب على ضرب نغمتين في وقت واحد كي يعرف الطالب على التآلف الصوتي و يدرب الأذن عليها . و من الذين اهتموا بهذا المجال هم ابن سينا و لكن بشكل مختصر ، وكذلك ابن الطحان عام / 1035 / و إخوان الصفا في الرسالة الخامسة من القسم الرياضي في الموسيقى حيث كتبا ما يلي : (و لكن أتم آلة استخرجها الحكماء و أحسن ما صنعوها الآلة المسماة بالعود ، و ينبغي أن تتخذ الآلة التي تسمى العود خشباً طوله و عرضه و عمقه يكون على النسب الشريفة ) . و من الكتب الهامة التي بحثت في هذا المجال مخطوطة مؤلفها مجهول بعنوان ( كشف الهموم و الكرب في شرح آلة الطرب ) تعود إلى القرن الخامس عشر ميلادي يبين فيها المؤلف نوعية الخشب الذي يجب استعماله لكل قطعة من العود : و يقول (كان السلف يصنعونه من أربعة أخشاب أطيب للآلة و أطرب و أقواها خشباً و أصبر للعمل و هي خشب الزان و خشب الدردار و خشب الميس و خشب الساز فالزان يعطي رنة و صقالة و الدردار يعطي رقة و نعومة و الساز لايتسوس و له رائحة ذكية و الميس سهل القطع .

و أخيراً، لقد لوحظ عن طريق الرسومات و المنحوتات أن مسكة العود في العصر الأكدي يكون فيه الزند مائلاً نحو الأعلى و في عصر حمورابي أي العصر البابلي / 1950 – 1530 / قبل الميلاد أصبحت مسكة العود بحيث يكون فيه زند العود أفقياً ، و في العصر الكيشي الذي عقب عصر حمورابي / 1530 – 1155 / قبل الميلاد عادت المسكة الأولى وهي ميول الزند نحو الأعلى ولكن باتجاه اليسار قليلاً، و استمرت هذه المسكة حتى عند الآشوريين في العصر الآشوري الحديث حوالي عام / 1000 – 612 / قبل الميلاد ، و عندما عاد البابليون إلى الحكم ثانية و عرف عصرهم باسم العصر البابلي الحديث عام / 625 – 539 / قبل الميلاد المشهور بملكه نبوخذ نصر و كذلك العصر الهلنستي الذي عقب وفاة الاسكندر الأكبر في بابل عام / 323 / قبل الميلاد نجد طريقة مسك آلة العود أصبح فيه زند العود مائلاً نحو الأسفل ، و هنا لابد أن نذكر أن أهم عازفين العود في العالم و هم في الحقيقة من العراق الشقيق يمسكون العود بشكل يكون فيه زند العود مائلاً نحو الأعلى .

المصادر :
1- الآلات الموسيقية في العصور الإسلامية ( الدكتور : صبحي أنور رشيد ) .
2- علم الآلات الموسيقية ( الدكتور : محمود أحمد الحفني ) .
3- تاريخ العود ( الدكتور : صبحي أنور رشيد ) .

_________________________
قصي السعدي
مهندس - باحث موسيقي سوري