احمدعلى
26/01/2008, 06h24
بقرب انتهاء شهر يناير ودق أبواب شهر فبراير على أبواب الزمن أهدى هذا اللقاء لضرة الزمن أم كلثوم فى ميعادها ال38 والذكرى وفاء وكل مصرى وعربى سمعها واحب صوتها لاينساها هذا اللقاء بين يحاور فيها الكاتب الكبير أنيس منصور الموسيقار الكبير الأستاذ رياض السنباطى عام 1975 بعد وفأة السيدة ام كلثوم رحمها الله
ويتضمن هذا الحوار كيفيه تلحينه لأم كلثوم
خلافه مع أم كلثوم
رأيه فى أغانى أم كلثوم
الفرق بين أم كلثوم ومنيرة المهدية
اللحن الذى استهلك فيه 80 سيجارة ولم ينجح جماهيريا لأم كلثوم
اللحن الذى خاف منه وخافت أم كلثوم أن تغنيه وأجلت موعد غنأه بعد نشر الصحف انها ستغنيه وبعد ذلك نجح نجاح منقطع النظير
اللحن الذى لحنه فى ثلاث ساعات فقط شئ روحانى
رأيه فى الالحان الأخيرة لأم كلثوم
كيف كان يسمعها ألحانه لها ؟؟
ما الذى يميز صوت أم كلثوم عن الاخرين
لماذا لم يحضر أى حفل لأم كلثوم
الحفل الوحيد الذى صاحب فيه أم كلثوم بقيادة الفرقه الموسيقية
وهذا ما سيعرفه كل متذوق للفن الراقى ومتعطش لمعرفة المزيد عن شخص أم كلثوم وكيف كانت تتم الألحان التى شدت أمتعتنا ومازلت تمتعنتا بها .. بعد قرأته لهذا الحوار........
لقاء الأستاذ أنيس منصور يحاور الموسيقار الكبير :رياض السنباطى
هكذا يروى الأستاذ أنيس أحداث اللقاء الشيق: قلت للأستاذ السنباطى فى اخر لقاء لى مع أم كلثوم اعترفت لى بأنك الوحيدالذى يستطيع أن يتذوق الشعر وأن يلحنه.. وأنها تستريح الى ذلك..
وكان رد رياض السنباطى أ هذه حقيقة، وأنه لايتذوق القصيدة أو البيت فقط،وانما يتذوق الحروف.وأن هذا الاحساس الشديد بالكلام الجميل هو الذى جعل أم كلثوم تعطيه أكثر من ثلثمائة أغنيه شاركت فالجناح الكبير لأم كلثوم.
سألت رياض السنباطى: هل يمكن أن تصف لى هيئة التلحين..أو هيئتك وأنت تحلن لأم كلثوم؟ هل كنت تلحن لها فى بيتك ثم تسجل اللحن على شريط وتبعث لها بهذا الشريط؟ ألم يحدث أن طلبت منك أم كلثوم أن تغير عبارة أو فكرة لحنية؟وهل كنت تلحن مطلع الأغنيه وتدندنه فى التيلفون وبعد ذلك تمضى فى اكمال اللحن؟ لابد أن هذا الائتناس بأم كلثوم عنصر هام فى الهيئة العامة للحن كله بعد ذلك؟
وكان هذا هو الموضوع الذى يريد رياض السنباطى أن يتكلم فيه رغم كل الظروف النفسية الحزينة التى يمر بها..فقال:أم كلثوم الله يرحمها كانت تأنس لى جدا وكانت تستريح الى وجودى بالقرب منها .. لا كملحن ولكن كصديق .. فلم تكن تعاملنى كأى ملحن يسجل لها اللحن على كاسيت ويتركه لها ويجرى مع احترامى لكل الزملاء الملحنين ..لافأكثر ألحانى كانت تتم عندها فى البيت.
كنت اخذ كلمات الأغنية وأعود بها الى بيتى .. وتطلب منة أن ألحن المطلع.. وأكلمها فى التيلفون: يا أم كلثوم أنا عملت المطلع فتقول لى : طيب .. تعال يارياض..وأروح لها البيت وأسمعها اللحن وتقول لى :عظيم .. أكمل اللحن.. فأترك كل ماعندى من أشغال أخرى لكى أكمل اللحن بالصورة التى ترغبها.. وكانت لنا طريقة خاصة فى الجلوس عندها فى البيت..عندها كنبة.. أنا أجلس على اليمين .. وهى تجلس على اليسار..وأظل أدندن على عودى..وأغنى وهى تقول: كويس .. جميل .. استمر.. وكنا نجلس من الساعة العاشرة صباحا حتى الثانية عشرة مساء.. ولاأحد معنا.. وانما حالة الطوارئ أعلنت فى البيت كله .. لا صوت..ولا تيلفونات.. بل ان زوجها د.حسن الحفناوى وهو رجل ذواقة كان يستأذن فى الجلوس بعض الوقت لكى يسمع.. ثم يتمنى لنا التوفيق ويخرج وكانت تقول لى : هل نأتى لك بغذاء.. فأعتذر عن ذلك.. لأنى أخاف ان أكلت أن أنام.. وكانت هى تقول : أنا أكسب رياض ولا داعى للغذاء.. وأجمل من كل طعام عندنا هو نجاح اللحن.
هل صحيح أنك تمضى الأيام وأحيانا الشهور فى تلحين أغنية واحدة ؟..الى هذه الدرجة ترهق نفسك أو تذيبها فى تلحين أغنيات أم كلثوم؟
_ لابد أن يحدث للفنان شئ من هذا القبيل.. ان بعد الأغانى تستغرق وقت طويل فى تلحينها .. ولكن هناك أغنية لما تستغرق منى ثلاث ساعات هى أغنية (نهج البردة) لدرجة أن أم كلثوم لم تصدق أننى نجحت فى ذلك فلما أسمعتها مطلع الأغنية بكت أم كلثوم.. ولما سألتها عن سر هذا البكاء الشديد قالت :انها هزتنى من أعماقى.. وأنا أعترف لك أننى لا أعرف كيف لحنت نهج البردة.. وانما والله على ماأقول شهيد ،كنت أستمع الى صوت داخلى وأنا أردد وراءه.. لهذه الدرجة.. فأنا لم ألحنها،وانما أنا رددتها وراء صوت سماوى فى داخلى..
هل العلاقات التى بينك وبين أم كلثوم كانت تسمح لك بأن تبدى رأيك فى ألحان غيرك من الملحنين..أوهل أسمعتك بعض ألحان الأخرين؟
حدث مرة أن طلبت منها أن أستمع الى ألحان الملحنين الجدد، قبل أن تغنيها أم كلثوم..حدث فعلا..ولكن أم كلثوم غضبت جدا..واختلفنا ووعدتها ألا أطلب منها ذلك مرة أخرى.. بل انها قالت لى :وهل أنا أطلب اليك أن تغير فى ألحانك..اننى لم أتدخل فى شئ من ذلك.. وهل تتهمنى فى ذوقى.. وغضبت .. فقد طلبت منها وبمنتهى الحذر والخوف على ألا أجرح شعورها ..وقلت لها : لا باسم الصداقة.. ولا باعتبارى ملحن لك.. وانما باعتبارى ذواقة.. أو باعتبارى مواطنا عاديا يحبك.هل أرجوك فى أن أسمع بعض هذه الألحان قبل أن تغنيها ؟ وكانت حكاية .. لم أنسها لأم كلثوم ، ولا هى نسيتها ، رحمها الله.. مع أننى لما أطلب اليها مطلقا أن تسمعنى ألحان زكريا أحمد أو محمد القصبجى قبل أن تغنيها .. فكلاهما أستاذ متمكن من فنه.. وانما فقط الألحان الأخيرة ..
اذن أنت ترى أن الألحان الأخيرة لا ترقى الى مستواك، أو مستوى زكريا أحمد أو القصبجى؟
طبعا .. ولكن فقط عندما بدأت تأخذ ألحان الشباب : كمال الطويل وبليغ حمدى وعبد الوهاب.
أنت ترى أن عبد الوهاب من الشباب؟
ولكنه حاول ذلك فى أغانيه.. فقد جعلها راقصة.. ولا بد أن جعلها كذلك ليهز مشاعر الناس.. انه أراد أن يرضى الجمهور طبعا، عبد الوهاب أستاذ وقمة وأم كلثوم قمة، والتقاء عبد الوهاب وأم كلثوم هو التقاء أجمل صوتين فى الغناء العربى .. ياسلام لو رجعت لأغانى عبد الوهاب القديمة.. وخصوصا أغنية : عندما يأت المساء..أو الجندول..انها قمم.. فلقاء عبد الوهاب وأم كلثوم الذى أشتاق اليه الناس قد هزهم.. عبد الوهاب يعلم ذلك.. ولذلك عنده أنغام راقصة.. ربما كانت هذه الترقيصات غير ضرورية ، بل ان اللحن لايقتضيها مطلقا ولكن عبد الوهاب يريد ارضاء الجمهور.. فهو قد أعطى لأم كلثوم ثوبا شابا.. وهذا الثوب قد أرضى الجمهور وأسعده لأن جمهورنا طيب وسميع ومرح ولما تعمله حاجة ترقصه يعمل هيصة..
ولكن الملحن محمد الموجى لما يلجأ الى ترقيص الأنغام ثم ان أم كلثوم رأيها فالموجى أنه ملحن مصرى صميم وأنه لا يأخذ من غيره؟
الموجى له حاجات.. حاجات شعبية.. ولكن الموجى ليس قمة .. وانما أنا أتحدث عن القمم، وليس معنى ذلك أننى شخصيا قمة أنا شخصيا لى حاجات لا تعجبنى.. وأنا لم أجد بصراحة الملحن الذى يعطى لأم كلثوم عملها وتفكيرها واحساسها المرهف وخصوصا هذا اللون الذى أقدسه، ثم تقوم هى باملائه على الشعب الذى يتذوق كل ماتقوله أم كلثوم .واستمرارا فى محاولتى أن أهبط بدرجة حرارتنا معا الى الدرجة التى نستطيع فيها أن نزن الأشياء ، قلت له وكأننى ألقيت عليه دشا باردا ضروريا فى مثل هذه الأحوال : هل أم كلثوم فى عصرنا الأن تساوى منيرة المهدية من خمسين عاما. لقد كانوا يسمونها سلطانة الطرب..؟
واعتدل رياض السنباطى ولم ذراعيه وقد أفاق قليلا..ولم يكن فى نيته أن يفعل شيئا من ذلك ولا يجب، وقال :لا..لا سيدى أنا لست صغيرا فالسن..
ولم يشأ أن يقول متى ولد؟!
وعاد يقول: لقد لحنت لمنيرة المهدية.. اشتركت مع داود حسنى وكامل الخلعى فى تلحين أوبريت سميراميس لمنيرة المهدية وكانت هذه الأوبريت من ثلاثة فصول.. وكل واحد منا لحن لها فصلا.. ولحنت لها أغنيات كثيرة .. ومنيرة رحمها الله كانت صوتا قديرا.. صوتا جدا جهوريا .وانما صوتها ليست لها (فرامل).. وكانت لا تستطيع أن تقفل صوتها وانما فى كل مرة تحاول أن تقفله يهرب منا.. صوتها سايب..
منيرة كلها سايبة؟
صحيح .. يعنى أريد أن أقول لك ان ختام الجملة .. أو القفلة الغنائية كانت أم كلثوم تقفلها مثل ( الباكم) عند القطار.. أو قى المترو .. هذا القفل المحكم القوى..لاوجود له عند منيرة المهدية.
ماهو الفرق بين الاثنين فى نظرك ؟ وأنا يهمنى جدا أن أعرف ذلك .. فأنا لم أسمع منيرة المهدية.. ولكن كنت أسمع من أبى أن صوتها جميل .. وكان أبى ذواقه فى الغناء.. وذواقة للكلام الجميل فقد كان شاعرا ولم أكن أفهم فى ذلك الوقت لماذا كلما جاء اسم منيرة المهدية يضحك الناس.. ولكنهم لايشجعون الصغار على أن يذهبوا لسماع حفلاتها.. وكنت أتصور أن سبب ذلك أن سهراتها تستمر حتى الصباح .. والصغار يجب أن يناموا فى ساعات مبكرة ..؟
ورد رياض السنباطى هناك فرقا كبير جدا..جدا..جدا..فى الثقافة وفى جوهر الصوت فمنيرة سلطانة الطرب فعلا،لأنه لما يكن هناك أحد سواها فى ذلك الوقت.. ولكن أم كلثوم هذه لايمكن تعويضها،وانها شئ أخر ربنا سبحانه وتعالى قد أعطاها لنا والله خلقها والسماء صافية والأضواء باهرة ومزجها مع ضوء القمر وضوء الشمس وقطرات الندى وزفها الى الأمة العربية. ولم أفلح فى أن أعرف بسرعة من الأستاذ رياض السنباطى بالضبط ماالذى تساويه أم كلثوم وحدها أو بالمقارنة بالمطربات الأخريات..لقد رفض المقارنة.. ورفض السؤال من أوله لأخره وأضاف..سعاد محمد عملاقة .. ولكن بكل أسف الحظ لا يواتيها ولا تسألنى عن الحظ.. ممكن واحد يدفع جنيه فيكسب خمسة ألالاف جنيه ..وممكن يدفع خمسة ألالاف جنيه فلا يكسب حتى الجنيه..
أما فيروز فهذه شئ أخر.. احساس ومشاعر..بل شئ فوق الاحساس والمشاعر.عندما أسمعها فاننى أستمع الى صوت من السماء.. ولاأنكر فضل الأخوين رحبانى..انهم لون جديد..لون أحبه جدا.. فيه تطوير للموسيقى..أما نحن فلم نطور الأغنية..لا تصدق أن أحد قد طورها.. انها هى هى.. وموسيقانا كما هى وكل ما حدث فى موسيقانا أن جميع الملحنين الناشئن اعتمدوا على (الرتم) السريع..والرقص.. وكلمة حزينة من هنا.. أو كلمة مرحة من هناك.. وهذا هو التطور الذى حدث..
ويتضمن هذا الحوار كيفيه تلحينه لأم كلثوم
خلافه مع أم كلثوم
رأيه فى أغانى أم كلثوم
الفرق بين أم كلثوم ومنيرة المهدية
اللحن الذى استهلك فيه 80 سيجارة ولم ينجح جماهيريا لأم كلثوم
اللحن الذى خاف منه وخافت أم كلثوم أن تغنيه وأجلت موعد غنأه بعد نشر الصحف انها ستغنيه وبعد ذلك نجح نجاح منقطع النظير
اللحن الذى لحنه فى ثلاث ساعات فقط شئ روحانى
رأيه فى الالحان الأخيرة لأم كلثوم
كيف كان يسمعها ألحانه لها ؟؟
ما الذى يميز صوت أم كلثوم عن الاخرين
لماذا لم يحضر أى حفل لأم كلثوم
الحفل الوحيد الذى صاحب فيه أم كلثوم بقيادة الفرقه الموسيقية
وهذا ما سيعرفه كل متذوق للفن الراقى ومتعطش لمعرفة المزيد عن شخص أم كلثوم وكيف كانت تتم الألحان التى شدت أمتعتنا ومازلت تمتعنتا بها .. بعد قرأته لهذا الحوار........
لقاء الأستاذ أنيس منصور يحاور الموسيقار الكبير :رياض السنباطى
هكذا يروى الأستاذ أنيس أحداث اللقاء الشيق: قلت للأستاذ السنباطى فى اخر لقاء لى مع أم كلثوم اعترفت لى بأنك الوحيدالذى يستطيع أن يتذوق الشعر وأن يلحنه.. وأنها تستريح الى ذلك..
وكان رد رياض السنباطى أ هذه حقيقة، وأنه لايتذوق القصيدة أو البيت فقط،وانما يتذوق الحروف.وأن هذا الاحساس الشديد بالكلام الجميل هو الذى جعل أم كلثوم تعطيه أكثر من ثلثمائة أغنيه شاركت فالجناح الكبير لأم كلثوم.
سألت رياض السنباطى: هل يمكن أن تصف لى هيئة التلحين..أو هيئتك وأنت تحلن لأم كلثوم؟ هل كنت تلحن لها فى بيتك ثم تسجل اللحن على شريط وتبعث لها بهذا الشريط؟ ألم يحدث أن طلبت منك أم كلثوم أن تغير عبارة أو فكرة لحنية؟وهل كنت تلحن مطلع الأغنيه وتدندنه فى التيلفون وبعد ذلك تمضى فى اكمال اللحن؟ لابد أن هذا الائتناس بأم كلثوم عنصر هام فى الهيئة العامة للحن كله بعد ذلك؟
وكان هذا هو الموضوع الذى يريد رياض السنباطى أن يتكلم فيه رغم كل الظروف النفسية الحزينة التى يمر بها..فقال:أم كلثوم الله يرحمها كانت تأنس لى جدا وكانت تستريح الى وجودى بالقرب منها .. لا كملحن ولكن كصديق .. فلم تكن تعاملنى كأى ملحن يسجل لها اللحن على كاسيت ويتركه لها ويجرى مع احترامى لكل الزملاء الملحنين ..لافأكثر ألحانى كانت تتم عندها فى البيت.
كنت اخذ كلمات الأغنية وأعود بها الى بيتى .. وتطلب منة أن ألحن المطلع.. وأكلمها فى التيلفون: يا أم كلثوم أنا عملت المطلع فتقول لى : طيب .. تعال يارياض..وأروح لها البيت وأسمعها اللحن وتقول لى :عظيم .. أكمل اللحن.. فأترك كل ماعندى من أشغال أخرى لكى أكمل اللحن بالصورة التى ترغبها.. وكانت لنا طريقة خاصة فى الجلوس عندها فى البيت..عندها كنبة.. أنا أجلس على اليمين .. وهى تجلس على اليسار..وأظل أدندن على عودى..وأغنى وهى تقول: كويس .. جميل .. استمر.. وكنا نجلس من الساعة العاشرة صباحا حتى الثانية عشرة مساء.. ولاأحد معنا.. وانما حالة الطوارئ أعلنت فى البيت كله .. لا صوت..ولا تيلفونات.. بل ان زوجها د.حسن الحفناوى وهو رجل ذواقة كان يستأذن فى الجلوس بعض الوقت لكى يسمع.. ثم يتمنى لنا التوفيق ويخرج وكانت تقول لى : هل نأتى لك بغذاء.. فأعتذر عن ذلك.. لأنى أخاف ان أكلت أن أنام.. وكانت هى تقول : أنا أكسب رياض ولا داعى للغذاء.. وأجمل من كل طعام عندنا هو نجاح اللحن.
هل صحيح أنك تمضى الأيام وأحيانا الشهور فى تلحين أغنية واحدة ؟..الى هذه الدرجة ترهق نفسك أو تذيبها فى تلحين أغنيات أم كلثوم؟
_ لابد أن يحدث للفنان شئ من هذا القبيل.. ان بعد الأغانى تستغرق وقت طويل فى تلحينها .. ولكن هناك أغنية لما تستغرق منى ثلاث ساعات هى أغنية (نهج البردة) لدرجة أن أم كلثوم لم تصدق أننى نجحت فى ذلك فلما أسمعتها مطلع الأغنية بكت أم كلثوم.. ولما سألتها عن سر هذا البكاء الشديد قالت :انها هزتنى من أعماقى.. وأنا أعترف لك أننى لا أعرف كيف لحنت نهج البردة.. وانما والله على ماأقول شهيد ،كنت أستمع الى صوت داخلى وأنا أردد وراءه.. لهذه الدرجة.. فأنا لم ألحنها،وانما أنا رددتها وراء صوت سماوى فى داخلى..
هل العلاقات التى بينك وبين أم كلثوم كانت تسمح لك بأن تبدى رأيك فى ألحان غيرك من الملحنين..أوهل أسمعتك بعض ألحان الأخرين؟
حدث مرة أن طلبت منها أن أستمع الى ألحان الملحنين الجدد، قبل أن تغنيها أم كلثوم..حدث فعلا..ولكن أم كلثوم غضبت جدا..واختلفنا ووعدتها ألا أطلب منها ذلك مرة أخرى.. بل انها قالت لى :وهل أنا أطلب اليك أن تغير فى ألحانك..اننى لم أتدخل فى شئ من ذلك.. وهل تتهمنى فى ذوقى.. وغضبت .. فقد طلبت منها وبمنتهى الحذر والخوف على ألا أجرح شعورها ..وقلت لها : لا باسم الصداقة.. ولا باعتبارى ملحن لك.. وانما باعتبارى ذواقة.. أو باعتبارى مواطنا عاديا يحبك.هل أرجوك فى أن أسمع بعض هذه الألحان قبل أن تغنيها ؟ وكانت حكاية .. لم أنسها لأم كلثوم ، ولا هى نسيتها ، رحمها الله.. مع أننى لما أطلب اليها مطلقا أن تسمعنى ألحان زكريا أحمد أو محمد القصبجى قبل أن تغنيها .. فكلاهما أستاذ متمكن من فنه.. وانما فقط الألحان الأخيرة ..
اذن أنت ترى أن الألحان الأخيرة لا ترقى الى مستواك، أو مستوى زكريا أحمد أو القصبجى؟
طبعا .. ولكن فقط عندما بدأت تأخذ ألحان الشباب : كمال الطويل وبليغ حمدى وعبد الوهاب.
أنت ترى أن عبد الوهاب من الشباب؟
ولكنه حاول ذلك فى أغانيه.. فقد جعلها راقصة.. ولا بد أن جعلها كذلك ليهز مشاعر الناس.. انه أراد أن يرضى الجمهور طبعا، عبد الوهاب أستاذ وقمة وأم كلثوم قمة، والتقاء عبد الوهاب وأم كلثوم هو التقاء أجمل صوتين فى الغناء العربى .. ياسلام لو رجعت لأغانى عبد الوهاب القديمة.. وخصوصا أغنية : عندما يأت المساء..أو الجندول..انها قمم.. فلقاء عبد الوهاب وأم كلثوم الذى أشتاق اليه الناس قد هزهم.. عبد الوهاب يعلم ذلك.. ولذلك عنده أنغام راقصة.. ربما كانت هذه الترقيصات غير ضرورية ، بل ان اللحن لايقتضيها مطلقا ولكن عبد الوهاب يريد ارضاء الجمهور.. فهو قد أعطى لأم كلثوم ثوبا شابا.. وهذا الثوب قد أرضى الجمهور وأسعده لأن جمهورنا طيب وسميع ومرح ولما تعمله حاجة ترقصه يعمل هيصة..
ولكن الملحن محمد الموجى لما يلجأ الى ترقيص الأنغام ثم ان أم كلثوم رأيها فالموجى أنه ملحن مصرى صميم وأنه لا يأخذ من غيره؟
الموجى له حاجات.. حاجات شعبية.. ولكن الموجى ليس قمة .. وانما أنا أتحدث عن القمم، وليس معنى ذلك أننى شخصيا قمة أنا شخصيا لى حاجات لا تعجبنى.. وأنا لم أجد بصراحة الملحن الذى يعطى لأم كلثوم عملها وتفكيرها واحساسها المرهف وخصوصا هذا اللون الذى أقدسه، ثم تقوم هى باملائه على الشعب الذى يتذوق كل ماتقوله أم كلثوم .واستمرارا فى محاولتى أن أهبط بدرجة حرارتنا معا الى الدرجة التى نستطيع فيها أن نزن الأشياء ، قلت له وكأننى ألقيت عليه دشا باردا ضروريا فى مثل هذه الأحوال : هل أم كلثوم فى عصرنا الأن تساوى منيرة المهدية من خمسين عاما. لقد كانوا يسمونها سلطانة الطرب..؟
واعتدل رياض السنباطى ولم ذراعيه وقد أفاق قليلا..ولم يكن فى نيته أن يفعل شيئا من ذلك ولا يجب، وقال :لا..لا سيدى أنا لست صغيرا فالسن..
ولم يشأ أن يقول متى ولد؟!
وعاد يقول: لقد لحنت لمنيرة المهدية.. اشتركت مع داود حسنى وكامل الخلعى فى تلحين أوبريت سميراميس لمنيرة المهدية وكانت هذه الأوبريت من ثلاثة فصول.. وكل واحد منا لحن لها فصلا.. ولحنت لها أغنيات كثيرة .. ومنيرة رحمها الله كانت صوتا قديرا.. صوتا جدا جهوريا .وانما صوتها ليست لها (فرامل).. وكانت لا تستطيع أن تقفل صوتها وانما فى كل مرة تحاول أن تقفله يهرب منا.. صوتها سايب..
منيرة كلها سايبة؟
صحيح .. يعنى أريد أن أقول لك ان ختام الجملة .. أو القفلة الغنائية كانت أم كلثوم تقفلها مثل ( الباكم) عند القطار.. أو قى المترو .. هذا القفل المحكم القوى..لاوجود له عند منيرة المهدية.
ماهو الفرق بين الاثنين فى نظرك ؟ وأنا يهمنى جدا أن أعرف ذلك .. فأنا لم أسمع منيرة المهدية.. ولكن كنت أسمع من أبى أن صوتها جميل .. وكان أبى ذواقه فى الغناء.. وذواقة للكلام الجميل فقد كان شاعرا ولم أكن أفهم فى ذلك الوقت لماذا كلما جاء اسم منيرة المهدية يضحك الناس.. ولكنهم لايشجعون الصغار على أن يذهبوا لسماع حفلاتها.. وكنت أتصور أن سبب ذلك أن سهراتها تستمر حتى الصباح .. والصغار يجب أن يناموا فى ساعات مبكرة ..؟
ورد رياض السنباطى هناك فرقا كبير جدا..جدا..جدا..فى الثقافة وفى جوهر الصوت فمنيرة سلطانة الطرب فعلا،لأنه لما يكن هناك أحد سواها فى ذلك الوقت.. ولكن أم كلثوم هذه لايمكن تعويضها،وانها شئ أخر ربنا سبحانه وتعالى قد أعطاها لنا والله خلقها والسماء صافية والأضواء باهرة ومزجها مع ضوء القمر وضوء الشمس وقطرات الندى وزفها الى الأمة العربية. ولم أفلح فى أن أعرف بسرعة من الأستاذ رياض السنباطى بالضبط ماالذى تساويه أم كلثوم وحدها أو بالمقارنة بالمطربات الأخريات..لقد رفض المقارنة.. ورفض السؤال من أوله لأخره وأضاف..سعاد محمد عملاقة .. ولكن بكل أسف الحظ لا يواتيها ولا تسألنى عن الحظ.. ممكن واحد يدفع جنيه فيكسب خمسة ألالاف جنيه ..وممكن يدفع خمسة ألالاف جنيه فلا يكسب حتى الجنيه..
أما فيروز فهذه شئ أخر.. احساس ومشاعر..بل شئ فوق الاحساس والمشاعر.عندما أسمعها فاننى أستمع الى صوت من السماء.. ولاأنكر فضل الأخوين رحبانى..انهم لون جديد..لون أحبه جدا.. فيه تطوير للموسيقى..أما نحن فلم نطور الأغنية..لا تصدق أن أحد قد طورها.. انها هى هى.. وموسيقانا كما هى وكل ما حدث فى موسيقانا أن جميع الملحنين الناشئن اعتمدوا على (الرتم) السريع..والرقص.. وكلمة حزينة من هنا.. أو كلمة مرحة من هناك.. وهذا هو التطور الذى حدث..