المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تطور الموال


reza_neikrav
30/12/2007, 14h55
نضير الخزرجي*


تطور الموال

والظاهر من سياق تاريخ شعر الموال انه تطور في واسط مع انتقال النظم من الفصحى الملحونة الى اللهجة الدارجة، وفي بغداد انتشر بفضل الملا جادر الزهيري، وطوره المصريون، وعبر الأنباط انتشر الى الخليج ومن ثم الى الأقطار العربية، ولكل مجتمع عربي أسلوبه الإنشائي والغنائي.

ومن حيث التركيبة فان الموال بشكل عام يتكون من أربعة اشطر (بند وقفلة)، وينظم على بحر البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن)، ولكن بمرور الزمن طرأت على التركيبة تطورات يرصدها الكرباسي في مبحث خاص، ويرى: "ان الموال العراقي (المسبع ذو الجناس) جاء نتيجة تطور النايل الذي جاء مصطلحه بعد مصطلح الموال .. فالموال العراقي عرف بالزهيري دون أن يتخلى عن تسميته بالموال، وأما الموال الشائع في بلاد الشام وشمال أفريقيا فلم يطلق عليه اسم آخر ولكن عرف عند العراقيين بالنايل". ويلاحظ ان الموال المربع ولد في القرن الثاني الهجري أما المسبع فقد ولد في القرن الثالث عشر الهجري، والموال المتكون من أربعة أشطر تكون الثلاثة فيه من قافية واحدة واستقل الرابع بقافية مغايرة، وقد تكون متشابهة القافية ويسمى بالموال المربع، ومن ذلك الموال الفلسطيني من نظم ابن العفيف علي بن محمد النابلسي (ت 813 هـ):

حمامة الدوح نوحي وآظهري ما بِكْ

وعدّدي وآندبي من فرقة آحبابِكْ

لا تكتمي وآشرحي لي بعض أوصابِكْ

أظن ما نابني في الحب قد نابِكْ

وهناك الموال الأعرج أو المخمس حيث تشترك الأشطر الثلاثة مع الخامس بالقافية نفسها، على ان هناك ما يشبه الموال الأعرج في المدرسة العراقية لدى شعراء لبنان ويسمى عندهم بالموال، وهناك الموال السداسي في قافية واحدة، وهناك الموال السداسي الأعرج حيث ينفرد الشطر الخامس بقافية مغايرة. وأما المشهور فهو الموال من سبعة أشطر ويطلق عليه الموال الزهيري أو النعماني حيث تأتي الأشطر الثلاثة الاولى مع الشطر السابع على قافية واحدة والثلاثة بعدها بقافية مغايرة، ويسمى الأخير بالرباط أو القفلة.

وهذا النمط من الموال الذي اشتهر به العراق هو قوام هذا الديوان المنظوم في الإمام الحسين (ع) ونهضته المباركة، ومن مواصفاته انه: " يحتوي على سبعة أشطر كل ثلاثة منها متحدة الجناس، ويطلق على كل ثلاثة أشطر منها بنداً، وأما الشطر السابع فيقال له الرباط (القفلة) ويتحد الرباط في الجناس مع البند الأول دائما كما يتحد مع الشطر الأول من البند في دخول العلة وعدمها على تفعيلته الأخيرة ولكن لابد وأن يختلف محتوى جناسه عن جناسها رغم اتحاده معها في اللفظ". فالأصل في الموال الزهيري ان يكون مؤلفا من بندين، وإذا لم تكتمل مفاصل القضية أو القصة يضيف الشاعر ما يشاء من البنود، وربما زاد البعض في البنود من باب المباراة الشعرية والتحدي الفني لصعوبة النظم على الموال لكثرة التزاماته، ومن المعروف أن كل ما كثر قيوده قل وجوده.

وهناك من نظم بالفصحى خلافا للمشهور، وهو في حد ذاته نقلة نوعية في إخراج شعر الموال من غموض مفرداته الدارجة، مع الإبقاء على جناسه المتحد اللفظ المختلف المعنى، ومن ذلك قول الشاعر العراقي أحمد بن حسن مطر:

نارٌ بجوف الحشا في دمعتي سائِلَهْ

تنثال من مقلتي مذهولة سائِلَة

هَلْ في الدُنا دولةٌ رغمُ الغِنى سائِلَه

جاوَبْتها دَوْلتي ما دامَ فيها مالْ

يَستَفُّهُ حاكمٌ عن كل خيرٍ مالْ

آلامنا أنْبَتت في يأسه الآمالْ

لكنما وَحْلُنا أمسى به أوْحَلْ

يبيعُ أو يشتري فينا مضى أوْحَلْ

وهو الذي لم يكن رَبْطٌ له أوْحَلْ

فالمال في أمسه قد كان رهنَ الهوى

ثم استوى مُسنداً للحكم لما هوى

وغارقٌ مثلهُ في سوق شمِّ الهوا

حتى دمانا لديه عُملةٌ سائِلَةْ

والجناس الأول في سائلة: من السيلان، والسؤال، والتسول. والجناس الثاني في مال: من الثروة، وعَدِلَ، وجمع الأمل. والجناس الثالث في أوحل: من الوحل وهو الطين، وحل بالمكان، وحل الخلاف. والجناس الرابع في الهوى: من الشهوة، وسقط، ومخفف الهواء. والرباط من السيولة في النقود.

وتطور الموال في أغراضه من الرثاء الى الغزل والمدح والشكوى والسياسة، وقل استعماله في الهجاء، كما كثر في الحكمة، ولذلك تضمن الرباط في معظمه مثلا شعبيا أو حكمة.



مقومات الموال

ولأن شعر الموال من السهل المستصعب، فان النظم فيه بحاجة الى مقدرة أدبية ومهارة في توظيف المفردة العربية وتطويعها بما يخدم الجناس والتورية وإيصال الرسالة من الموال وغرضه، وحتى يكون الموال على درجة عالية من الجودة، وجد الشاعر والعروضي الدكتور محمد صادق الكرباسي أنه لابد من ملاحظة أمور عدة، أهمها:

أولا: ضبط الجناس لتلافي تكرار المادة.

ثانيا: مراعاة قلة التحريف في الجناس، لما لوضوح الكلمة من قوة في إيصال المعنى دون تعقيد.

ثالثا: مراعاة تخفيف كلمة الجناس بما لا يجعلها عصية على الفهم.

رابعا: مراعاة استخدام المعنى الواضح لجناس الرباط (القفلة).

خامسا: مراعاة انسجام كلمات الجناس في كل بند وسلاستها.

سادسا: تجنب الزحاف في أشطر الموال.

سابعا: عدم التكلف في النظم، وتوخي الدقة والحسن في اختيار الغرض، لان سهولة الوصول الى المعنى من المفردة الدارجة يسهل تلقيها وحفظ الشعر والتغني به.

ثامنا: ان يستوفي الموال غرضه بخاصة في الموال ذي البندين ورباطه (سبعة أشطر)، وإلا احتاج الى بند آخر حتى يتم الغرض وتكتمل أركان الموال.

تاسعا: مراعاة تضمين الموال مثلا أو حكمة معروفة، لان التضمين يدفع بالموال الى الفهم السريع والحفظ السريع لبداهة استحضار ذهنية المستمع وعقله الباطني الى المثل أو الحكمة.

عاشرا: عدم الاستغراق في المفردات المحلية الدارجة، وإنما تبني الحالة البرزخية بين الفصحى والدارج كما كان عليه الموال في نشأته الأولى.

على ان النقاط العشر هذه وغيرها لا تقتصر على شعر الموال، بل تنسحب الى كامل المنظوم باللغة الدارجة

* إعلامي وباحث عراقي

الرأي الآخر للدراسات – لندن