المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إبراهيم عبد القادر المازني


محمد الحمد
04/09/2007, 15h04
يتسم ابراهيم عبد القادر المازني بسمتين بارزتين تجعله نسيجاً وحده بين كتاب عصره ,هاتان السمتان هما: أولاً: النفاذ إلى مكنون النفس الانسانية و تحليل هذا المكنون و بسطه على الناس بشكل مثير و غني, ثانياً: أسلوب السخرية التي صارت علامة من علامات فنه و تعبيره الأدبي.

أما بالقياس إلى السمة الأولى فهي بارزة عنده على المستويين النقدي و الابداعي وذلك في تحليله للشخصيات التي درسها وقام بتحليلها في مقالاته النقدية ,وكذلك نراها ملمحاً من ملامح فنه الروائي تشهد بذلك رواياته وأهمها على الاطلاق رواية ابراهيم الكاتب التي رسم فيها تلك الشخصية الانسانية الفذة التي تعتبر نموذجاً بشرياً منفرداً بكل ما في هذه الكلمة من معنى وسواء أكان ابراهيم الكاتب هو شخصية المازني أو لم يكن فإن من يقرأ هذه الشخصية ويقف عند تفاصيل جزئياتها و يتعمق إلى نفسيتها وما يدور في داخلها من مشاعر و ما يصدر عنها من مواقف فكرية وإنسانية يجد نفسه أمام شخصية حية من شخصيات الحياة حتى لكأن ابراهيم الكاتب قد أصبح بعد قراءته صديقاً حميماً للقارئ... إنساناً يبقى حياً في ذاكرتنا حتى بعد أن نترك الكتاب سنوات طويلة .‏

ولم تقتصر عبقرية المازني في تحليله للشخصية الانسانية عند هذا الحد الذي يعطيك بقلمه نموذجاً إنسانياً حياً بكل نبضاته وخلجاته ,بل تجاوز هذا إلى تحقيق هدف صار في عصرنا الحديث صفة غالبة على الأدب الرفيع هذا الهدف هو أن يصبح العمل الابداعي عملاً نقدياً في الوقت ذاته‏

فقد أصبح الكتاب في عصرنا الحاضر يشعرون بالحاجة إلى تقديم النظريات عن فنهم و الدفاع عن كتاباتهم وشرحها أكثر مما فعلوا في الماضي.‏

ومن هنا جاءت ظاهرة غلبة الفكر الناقد على الأدب الحديث فلم يعد هناك محل للتمييزالقاطع بين العمل النقدي و العمل الابداعي الفني.‏

وتخطت مطالب العقل الناقد لدى الكتاب العظام في هذا العصر حدود كتاباتهم الخاصة... كما لا ننسى أن عملية التفحص والتأمل وإطالة التفكير في مغزى ما ينتجه المرء من فن وما يؤلفه من كتابات كانت من الاهتمامات التي شغلت المازني وأثرت كتابته وجعلتها تتسم بالرؤية الخاصة و الاحساس العميق, ولاسيما ما يتصل بالفكر الانساني والنفس عنده.‏

وعلى هذه الحقيقة ,حقيقة أن أكبر الكتاب هم أصحاب أعمق وأشمل قدرة على النقد وليس خافياً أن عملية الابداع الفني تتضمن اختياراً للموضوع و للشكل و للغة و لعدد لا يحصى من التفاصيل وقدرة الكاتب النقدية و الذوقية تتدخل في صياغة هذا كله, وتلك ظاهرة من الظواهر التي برزت في فن المازني التحليلي و النقدي بلا جدال.‏

أما السمة الثانية التي تبرز هي الأخرى بشكل ظاهر في أدب المازني فهي أسلوبه الساخر : وللسخرية معان كثيرة: فمنها السخرية الحزينة المرة, ومنها السخرية الضاحكة حين تترجم حاجة روحية فكثيراً ما يحاول المجتمع أن يسحق الكاتب بأفكاره فيسحقه الكاتب بأن يسخر منه ويحتقره .‏

وسخرية المازني لاتكتفي بالمضحك الذي يلاحظ الخلل في عالم الظواهر ويعبر عنه,وإنما سخريته تتعدى هذا إلى ملاحظة الخلل الباطن الذي يهدد جوهر العالم فهي لاتقتصر على نقد الظواهر و العادات و الأخلاق فحسب, وإنما تشك في الانسان ذاته وفي النظام العام الذي يسير العالم أحياناً أخرى.‏

على أن السخرية عند المازني قد منحت أدبه نبرة من الحيوية و الحركة و التحرر و الشجاعة التي تجعله يجرب تأثير سخريته على نفسه وهي سخرية تخبئ حنيناً عميقاً إلى الشفاء الروحي كما أنها تتجه أحياناً إلى الخلاص و التطهير من عبء الدهر أو الزمن أو مايصيب الانسان من صدمات أو مآسي بعد هاتين السمتين البارزتين في فن المازني تبقى قيمته الحقيقية التي تكمن في دوره الريادي مع زميله العقاد وشكري في تطوير حركة الشعر المعاصر بمقالاتهم النقدية,التي نقلت الفكر النقدي الأوروبي والتي عالجت الكثير من قضايا الشعر العربي التقليدي,وأثارت موضوعات جديدة منها : موضوع التجربة الابداعية و معناها,ومنها شعر المناسبات ,ومنها قضايا الوحدة العضوية في القصيدة,و وظيفة الصورة الشعرية وقيمتها الفنية و دورها في تحقيق الكيان العضوي للقصيدة ,هذه جميعها موضوعات تمكنت من زعزعة المعتقدات القديمة, و التنبيه إلى معان جديدة ,ومفاهيم حديثة للشعر و القصيدة.‏

هذه الثورة النقدية التي تزعمتها جماعة الديوان العقاد و شكري و المازني,كان لها أكبر الأثر في تغيير مسار الشعر,وفي خلق تجارب شعرية متطورة من حيث اللغة و الأداء و الشكل الفني و الموسيقى أيضاً .‏

أما المازني فقد كانت تجربته كتجربة زميليه العقار وشكري في أنها أضافت من غير شك لحركة التطور المعاصرة,,وغيرت من مضمون القصيدة العربية, وحررت الشعر من كثير من قيوده السابقة,إلا أنها تمثل مرحلة التحول , أي المرحلة الواقعة بين القديم و الجديد,أو همزة الوصل بين مرحلتين ,فعلى الرغم من مظاهر التحول في شعر المازني وزميليه إلا أنه مايزال يشكو من التوتر بين الشكل و المضمون‏

ذلك التوتر الذي قضى عليه بعد ذلك عند شعراء المهجر و الواقعيين المحدثين !!

سأروي لكم إحدى دعباته الشهيرة

إذ أنه أوصى بأن يُكتب على قبره

أيها الزائر لقبري إنظر ما خُط أمامك

هذه عظامي ها هنا ليتها كانت عظامك

محمد الحمد
04/09/2007, 15h07
وهذه مقالة للأديب الظريف إبراهيم بن عبد القادر المازني .. يظهر فيها أدبه .. فهو سهل الألفاظ ..

مولد المعاني .. له قدرة فائقة على الوصف والتصوير ..

وللقارئ حين يقرأها أن يدرك الفرق بين إبراهيم عبد القادر المازني ومصطفى صادق الرافعي ..

وكيف أن كلا منهما من عيار ومدرسة مختلفة ..

ومع أن للرافعي مقالات أدبية فخمة ضخمة أجاد فيها أيما جودة وحلق فيها أيما تحليق ..

إلا أن النفس تميل للجزالة والرشاقة الأدبية ..

ولا تحب اللف والدوران والتكلف التصويري .. والانتقال من صورة إلى صورة .. حتى تنسى

الأصل .. وهذه الأخيرة هي طريقة الرافعي - رحمه الله - ..

مقالة المازني هذه بعنوان "القطط .." ..

بعد قراءتها قارنها بمقالة الرافعي "حديث قطين" ..

وللقارئ الحق في الحكم والترجيح ..

[ القطط ..]

إبراهيم عبد القادر المازني

القط حيوان مغرور جدا، وله العذر يا أخي والله ....

ولست أتخذ القطط ولا أحبها أو أطيقها ...

ومن غرور القط أنه لا يستأنس أبدا - يسكن بيتك ويأكل طعامك، برضاك أو على الرغم منك، ومع

ذلك لا يكون معك إلا على حرف .. تمسح له شعره فيثني أرجله تحته ويرخي جفنيه ويروح يزوم

أو "يقرأ" كما يقول العوام، فكأنك تستلم حجرا مقدسا من فرط ما يكون من انصراف هذا الحيوان المتكبر

عنك، وتدغدغه فلا يعنى بأن ينظر إليك ليرى من أنت - أغريب أم صاحبه الذي يطعمه ويأويه - بل

ينحني عليك بأظافر يده وبفمه في آن معا. وتقدم له اللقمة فينظر إليها شزرا ويعرض عنها محتقرا

ويحول رأسه عنك بكبر دونه كل كبر، وترفع لا يطاق، حتى لكأنك تلغو في حضرة البابا، فإذا كان ما

تعرضه عليه لحما أو سمكا أهوى عليه بأسنانه وهو معبس متجهم وانتزعه منك، كأنما أنت تدنسه

بلمسه أو حمله.

ولا يكون معك أبدا إلا متحرزا متوثبا متوقعا منك الغدر، ومتهيئا لمباغتتك بالخيانة، فليس أطغى منه

ولا أغلظ كبدا.

وما أظن بالقارئ إلا أنه رأى ما يصنع القط بالفأر، وكيف يمسكه بين يديه حتى يكاد يميته من الفزع

ثم يطلقه ويقصر عنه فيقف الفأر المسكين جامدا لا يتحرك ولا يكاد يصدق أنه حر وأن في وسعه أن

يذهب ويجري، والقط ساكت لا يمد إليه يدا ولا يبرز مخلبا فيطمئن الفأر ويشرع في الهرب وهو يتلفت

حتى إذا وثق أنه آمن وثب عليه القط وهو يضحك في سره وغرس في جنبه مخالبه وراح يشكه بها

شكا يكون خفيفا تارة وثقيلا أخرى، ثم يكف عنه مرة أخرى - وعينه عليه - ويكتفي بأن يربض

ويتربص له وأن يلاحظه وهو يتلوى من الألم.

ويدرك الفأر أن الشك قد انقطع وإن كان آخر ما لقي منه لا يزال شديدا فيتشهد ويقول: " .. على وجه

من أصبحت في يومي المنحوس هذا يا ترى ... على كل حال .. قدر ولطف .. ترى أين ذهب هذا

الوحش الضاري ..المهم الآن أذهب إلى جحري فإنه على ضيقه خير ألف مرة من ميدان هذه الغرفة

التي لا آمن أن يثب علي فيها قط آخر .. " ..

ويتوكل المسكين على الله ويقول: "هيه .. " ويروح يجر رجليه، رجلا بعد رجل، وذيله مسحوب وراءه

على الأرض، لا تبقى له قدرة على التلفت من فرط الإعياء من كثرة ما نزف منه من الدم القاني،

فيمضي إلى الجحر وهو لا ينظر لا إلى اليمين ولا إلى الشمال، ولا قدامه ولا خلفه، حتى إذا قارب

الجحر وانتعشت نفسه قليلا، وعظم أمله في النجاة والسلامة وطول العمر، وهمّ بوثبة أخيرة إلى حيث لا

تدركه القطط ولا تستطيع أن تتبعه، إذا بالقط المتربص على ظهره يغرز مخالبه في لحمه الطري،

فيدرك الفأر اليأس ويستسلم .. ويلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يحلم بجنة الفئران"

والقطط تولد عمياء، مطبقة الأجفان، فيدركنا العطف عليها وترق قلوبنا لها فنعنى بها ونتعهدها ونسقيها

اللبن الذي هو لطعامنا، ونبرها ونسرها سنة بعد سنة، ونفرح بها ونعجب بمنظرها ونباهي الجيران، ثم

يتفق أن نخرج يوما وأن توصد الأبواب ونحن لا ندري أن القط في إحدى الغرف، ونغيب شيئا ثم نعود

إلى البيت ويدخل أحدنا حجرة النوم ليخلع ثيابه فيغلق الباب وراءه كعادته، وإذا بالقط على السرير

يتحفز للوثوب عليه وتمزيق لحمه - ما في ذلك شك - فكأنه ليس أمام قط صغير وإنما هو أمام نمر

مفترس فيضطرب الرجل وتتخلخل ركبتاه ولا يعود يعرف من أين الباب والقط يموء بل يعوي ويتوثب

كالمجنون وقد نسي كل ما كان من سابق النعمة، ولم يبق له هم إلا الخروج من الغرفة أو افتراس هذا

الذي دخلها عليه وإن كان سيده وصاحب الفضل عليه.

ولقد لقيت من قطط الجيران الأمرين فما أحب القطط كما أسلفت، وما أكثر ما يحدث أن أنسى نافذة

مفتوحة أو بابا مواربا، فيدخل القط ويمضي إلى أواني الطعام ويكشف عنها الغطاء - أي والله ولو

كانت من النحاس الثقيل - ويلتهم كل ما بقي ..

وقد كان لي جيران ما رأيتهم قط ينامون إلا بعد أن يغلقوا الأبواب والنوافذ جميعا ..

وكنت أضحك إذ أسمع رب بيتهم يصيح في الليل - والصوت في الليل يسري - "يا حنيفة .. هل أغلقت

باب المطبخ" فتصيح حنيفة من مرقدها والنوم يغالبها "أيوه يا سيدي .." فلا يقتنع ويخشى أن يكون

الكسل قد أغراها بالكذب فيقول "يحسن أن تقومي وتستوثقي" وبعد قليل أسمعه يؤنبها ويقول لها: "ألم أقل

لك هذه النافذة لم تكن محكمة الإيصاد؟! .. وهذا الباب .. انظري .. لو دفعه إنسان بيده لانفتح" فتحلف

أنها أوصدت كل الأبواب والنوافذ فيقول "لا يا بنتي .. دوري قبل النوم على كل باب وكل نافذة

وامتحني كل منفذ بيدك لتتحققي".

وكنت أعجب لهذا المتفزع وأسأل نفسي عما يخيفه وهو في عمارة لها أبواب، لا ينام إلا بعد أن يدخل

كل السكان، يغلق بابها بالمفتاح ويضعه - أعني المفتاح لا الباب - في جيبه فإذا تأخر أحد السكان

احتاج أن يدق ويقرع الباب .. ثم زال عجبي لما بلوت قطط الجيران .. وأيقنت أنه لا يخاف اللصوص

وإنما يخاف القطط .. وله العذر.

والعامة تعتقد أن للقط سبع أرواح وما أظنهم إلا صدقوا ومن كان يشك في ذلك فليتأمل كيف يسقط القط

من فوق السطح العالي فلا يزيد على أن ينظر يمنة ويسرة - فإن في القطط تحرزا شديدا - ثم ينهض

ويمضي كأنما كان قد انحدر على بساط كهربائي. وتضربه بالحجر فلا يهيبه بل يرتد عنه، وهو مثال

الفردية الصارخة والأثرة المجسدة.

محمد الحمد
04/09/2007, 15h07
وما رأيت قطتين اتفقتا قط وما اجتمع قطان في مكان إلا تحفزا للقتال ، فترى كلا منهما قد رفع ذيله

وقوس ظهره وراح يجس الآخر بعينه وهو يزوم ويقول "واوووووو" ويدور حوله ليغافله وينشب فيه

أظفاره.

والقطة هي الدابة الوحيدة التي تأكل صغارها فتأمل ذلك! ومن كان يعرف أن حيوانا مستأنسا آخر يفعل

ذلك فليخبرني فإن العلم بهذا ينقصني.

ومن غرور القط أنه يعتقد أن ريقه ترياق فتراه يضطجع على جنبه ،ويلوي عنقه ويقبل شعره بلسانه

يلحسه، ولا يخجل أن يستحم على هذا النحو أمام الناس بل لعله يباهي بذلك ويفخر، قبحه الله.

وهو على الغدر والخيانة فلا أمان له ولا اطمئنان منه لأحد من الخلق ولا لشيء من الأشياء، فهو لهذا

سيئ الظن حتى إنك لتراه إذا صار على رف أو لوح من الخشب يخطو كأنما هو يمشي على الجمر،

فيضع كفا وينتظر ويخيل إليك من وقفته أنه يختبرها بكفه ويقدر مبلغ ثباتها، وقدرتها على احتمال ثقله.

ثم يمد يده الأخرى، وينتظر شيئا زيادة في الاستيثاق ومبالغة في الحذر، ولا يجد ما يبعثه على الشك،

ومع ذلك يظل يتريث حتى تزهق روحي وأنا أنظر إليه، وإذا رابه شيء رد يده وسحبها من موضعها

بسرعة وخفة، ولو كان الإنجليز خلقوا قبل القطط وسبقوها إلى الدنيا والحياة لقلت أن القطط أخذت ذلك

عنهم وقلدتهم فيه فإنهم مثلها يقدمون على الشيء متحرزين ويخطون خطوة ثم يقفون ينظرون ما يكون؛

فإذا جرت الأمور على غير ما يحبون أو يتوقعون ارتدوا بخفة وبسرعة وإلا نقلوا رجلا أخرى، وهكذا،

فيظهر أنهم هم الذين يتقيلون القطط ويحاكونهم في هذا والله أعلم.

ولم يسرني قط وجود قط في بيتي إلا مرة واحدة وكان قطا ملعونا لا يزال كلما أوينا إلى مضاجعنا

يتسلل - لا أدري من أين - إلى المطبخ ويرفع غطاء كل وعاء ويقلب كل صحن ويروح يعبث بما في

المكان.

وليس نقمتي عليه من أجل ما يسرق فقلما يجد شيئا في المطبخ لأن عادتنا أن نأكل كل شيء، ولا نبقي

شيئا قبل أن ننام، فلا تبيت الأوعية والصحون إلا فارغة نظيفة، والحمد لله الذي لا يحمد على المكروه

سواه.

وإنما نقمتي عليه من أجل الضجة المزعجة التي يحدثها والصحون والأطباق التي يكسرها، فنهب

مذعورين من فرط الضوضاء، ونذهب نعدو إلى المطبخ عسى أن ندرك شيئا قبل أن يتحطم، وإذا بالقط

اللعين يثب من الرف حين يرانا إلى النافذة دفعة واحدة.

وأقسم أني كنت أغلقت النافذة واستوثقت منها قبل أن أنام كما رأيت جاري يفعل ولكن من يصدق!.

وتروح زوجتي تكذبني وتزعم أني لا شك أهملت كعادتي أو أني اكتفيت بأن ألمس النافذة بيدي وأتركها

ثم قفلت راجعا، وأنا واثق أنها ستغلق نفسها بقدرة الله ومن غير حاجة إلى معونتي!

ونظل في هذا الخلاف السخيف الذي سببه لنا القط إلى الصباح ..

واتفق يوما أن دخل علينا قط ضخم بلا استئذان فهممت بطرده إذ حسبنا ما يصيبنا من القطط بالليل.

ولكني لمحت قطا آخر واقفا بالباب يشاور نفسه، ولم أكد أراه حتى كانت المعركة ناشبة بين القطين،

وكانا يدوران وذيلاهما مرفوعان وكل منهما يتحين الفرصة للوقوع في خصمه، وكانت أصواتهما

المنكرة كأنها المسامير في آذاننا؛ ولكنها كانت لهما كموسيقى الحرب على ما يظهر، ثم اشتبكا بعد أن

وزن كل منهما صاحبه وأخذت المخالب تطول في أجسامهما والأسنان تساعدهما، وكانا يتقلبان على

الأرض - أعني على البساط - وهما يتصايحان بصيحات الحرب، وأنا واقف من فرط السرور

أشجعهما وأستحثهما وأقول للذي أراه يفتر منهما "عليك به .. اغرز مخلبك في عينه .. افقأها له ليعمى

ولا يعود يرى النافذة .. برافو .. برافو .. أحسنت هكذا تكون البطولة وإلا فلا .. أيوه .. أعد ..

أعد .. بارك الله فيك .. مزق جلده .. اسلخه .. تمام .. مضبوط .. عضه .. عضه .. يا أبله .. لا لا

لا .. لا تبعد .. عد إليه .. تذكر الدجاجة التي خطفها مني وحرمني وحرمك لذتها .. تذكر - إذا كنت

لا تعبأ بالدجاج - الفيران الطرية السمينة التي يصيدها كل ليلة ويأكل لحمها الغريض ويشرب دمها

القاني ..

أقدم يا شيخ .. أقدم .. أولم تسمع بقول الشاعر الحكيم "وفاز بالطيبات الفاتك اللهج" ..

وهكذا صرت أهيجهما حتى أوسع كل منهما صاحبه عضا ونهشا ولاذ أحدهما بالفرار .. ولكن الغريب

أني لم أرى ما يسيل أو يقطر، ولم تأخذ عيني تمزيقا في جلد أحد القطين على الرغم من عنف القتال ..

فهل كان هذا مزاحا؟! .. ومهما يكن من ذلك فقد استرحت من القطط المتلصصة بعد هذه المعركة ولله

الحمد .. وبقيت الفيران - قوانا الله عليها - .. إنه سميع مجيب

محمد الحمد
04/09/2007, 15h09
من قصــــــائده الغريرة

الغريرة
إبراهيم المازني

مرَّتْ عشاءً بيَ فتّانةٌ
يا حُسنَها لو أنَّ حسناً يدومْ
والجوُّ ساجٍ شاحبٌ بدرُهُ
كأنّما أضناه طولُ الوجوم
فقلتُ يا غادةُ: أذكرتِني
أحلامَ عيشٍ نسختْها الهموم
أمثلُ هذا الحسنِ لمّا يزلْ
في عالم الشرِّ القديم العميم؟
ألم يزل (كوبيدُ) ذا صولةٍ
يرمي فيُدْمي كلَّ قلبٍ سليم؟
قالتْ: ومَنْ (كوبيدُ) هذا الذي
تذكره مقترناً بالكُلوم؟
فقلتُ: هذا ولد مولعٌ
بصيدِ أكبادِ الورى كالغريم
فتمتمتْ عائذةً باسمِهِ
من كلِّ شيطانٍ خبيث رجيم !

****
يا بدرُ هل أبصرتَها مَوْهِناً
بين ذراعيَّ تعدُّ النجوم ؟
أم كنتَ في ليلة ذاك النعيمْ
في شُغُل عنا بكحل الغيوم ؟
يا بدرُ ما أفشاكَ رغم الوجومْ !

محمد الحمد
16/10/2007, 06h49
من هو المازني وكيف عاش حياته ?‏
ولد المازني في القاهرة سنة 1889م حيث كانت مصر في طور الانتقال من القرن التاسع عشر الى حياة القرن العشرين ..... فمن الناحية السياسية بدأت تنزع للتخلص من السيطرة الاجنبية يحركها طبقة من الشباب المتنورين والزعماء المناضلين امثال مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني .‏
اما اجتماعيا فقد غزت مصر مدنية الغرب التي اجتاحت معظم تقاليدها الموروثة حتى انقسم السكان الى فئتين فئة محافظة متمسكة بما ورثته عن الاجداد وفئة منفتحة على كل ما هو جديد ..... في هذا الجو السياسي والاجتماعي والفكري نشأ المازني وترعرع حتى اصبح اديبا متميزا , وعلما من أعلام الحياة الفكرية , الذين مالوا الى كل ما هو جديد .‏
مات والده وهو حدث فبدد أخوه الاكبر مال أبيه تاركا اخاه الصغير للعوز والفقر إلا أن أمه بحكمتها وحنانها الكبيرين استطاعت ان ترعى صغيرها وتعتني به حتى صارت الاب والام والصديق .‏
وعندما أنهى دراسته الابتدائية والثانوية تابع تعليمه في مدرسة المعلمين فنال شهادتها سنة 1909 ... ودخل سلك التعليم رغم عدم ميله لهذه المهنة .‏
ظل يعمل في حقل التعليم حتى عام 1919 بعد ذلك احترف الصحافة حيث لمع نجمه .‏
لم تقتصر ثقافة المازني على ما حصل عليه من المعاهد العلمية .. بل قرأ قراءة الدارس المتمعن نوابغ الادب العربي القديم , ثم راح ينهل من الادب الانكليزي , هذا بالاضافة الى مطالعاته الفلسفية والاجتماعية , فتكونت لديه ثقافة فكرية متنوعة كونت شخصيته الادبية وساعده في ذلك ميله الى الدعابة التي تحولت فيما بعد الى نوع من السخرية والاستخفاف بالحياة تجلى في معظم كتاباته التي أخذت مرة شكل الهزل ومرة شكل التشاؤم والحقيقة ان المازني ترك للاجيال كثيرا من الشعر والنثر , كما كان بارزا ومتميزا في معالجته للموضوعات التي طرحها بأسلوب لا يعرف التكلف او قيود الصنعة وكلها مستوحاة من حياته الشخصية او حياة ممن يحيطون به او من وقائع الحياة العامة .... وهي تعكس بدقة صورة المجتمع المصري كما رآها الكاتب بحسناتها وسيئاتها .‏
وكما هو معروف ان المازني كان في طليعة النقاد والمحللين ونقده ينقسم الى قسمين :‏
1- نقد اجتماعي .‏
2- ونقد ادبي درس فيه بعض رجال الادب العربي القديم .‏
كما ان المازني في دراساته كان بعيدا عن التعصب والهوى يرسم الشخصيات بصورة مقنعة واقرب الى الواقع وبشكل تحليلي محاولا ان يسندها ويدعمها بالحجج والبراهين.‏
وهذه مقتطفات من بعض ما كتبه اديبنا المازني تحت عنوان » درسان من دروس الحياة «‏
» من أول ما تعلمته في حياتي ان الدنيا لي ولغيري وأني لم أعطها وحدي , ولا أعطيها سواي ملكا خالصا له , ونحن جميعا شركاء متكافئون في الحقوق , وما دمنا شركاء الى حين , وما دام ان المقام في الدنيا على كل حال قليل , فإن من الحماقة ان ننغص على انفسنا هذه الحياة بالعنت , أو أن نؤثر التي هي أخشن على التي هي أحسن في سيرتنا , وقد كنت أحمق الحمقى في صدر حياتي وما زالت بي بقية غير هينة من الحماقة‏
فما انفكت الدنيا تنفضني كما ينفض الاسد فريسته , وتشيلني وتحطني , وترجني وترميني من هنا وههنا , حتى فاءت بي الى الرفق والهوادة فأرحت واسترحت« .‏
هذه الفلسفة الحياتية التي خطها قلم المازني لم تكن إلا وليدة الواقع , ووليدة الحياة التي عاشها وعاينها عن قرب وذاق طعمها بحلوها ومرها حتى وصل الى هذه النتيجة التي تؤكد ان الدنيا الواسعة تتسع للجميع لذلك عش ايها الانسان ودع غيرك يعيش بأمان , وليت هذا الكلام يصل الى اسماع المتغطرسين في امريكا الذين يحاولون تفجيربؤر التوتر في معظم اصقاع الارض كي يمدوا سيطرتهم , ويبرروا تدخلهم الذي لا مبرر له كما في العراق وافغانستان وغيرها .‏
بقي ان نذكر ان المازني رحل عن الدنيا عام 1949 تاركا ادبه وفنه ومقالاته وكتبه لكل المتعطشين للثقافة والباحثين عن الكلمة الصادقة الواعية.‏
المصدر : عباقرة الادب

محمد الحمد
28/10/2008, 03h40
بعد غياب دام لأكثر من عام عن هذا المتصفح أعود بهذه القصيدة الرائعة للعملاق المازني رحمه الله

وجدت السهد أهدى للأسى
ووجدت النوم أشجى للحشى
شد ما يظلمنا الدهر أفي
يقظةٍ دنيا وأخرى في الكرى
ويل هذا القلب من صرفهما
لا الكرى أمنٌ ولا السهد حمى
الردى إن كان لا منجى الردى
إنه للنفس غوث ونجا
إن للأحلام أما طرقت
نفساً مرّاً ودمعاً ولظى
كم غدا الخاطر في يقظته
حاملاً منها كأجبال الصفا
كم غدونا نشتكي من بعدها
نغرة الجرح الذي كان أرى
شاطرتنا عيشنا فيما مضى
فهي بعض ما طوى منا البلى
أتقيها والكرى يقذف بي
وأغض الطرف والقلب يرى
وعلى ما عذبت أو ملحت
حرقه الصدر نصيبي والظما
كلما قلنا نسينا قدحت
من دماء القلب نيران الأسى
خلق المقدار منها عالماً
يقهر النفس بسلطان الجوى
يا بنات النوم مالي أرتعي
في حماك الهم مرور الجنى
أبنات النوم تسطو في الكرى
وبنات الدهر تسطو بالأذى
أين يا سائقنا أين بنا
شد ما أنهكنا طول السرى
كيف به والجفاء يبعد به
وفرقة الصب منتهى أربه
تاللَه ما أن ينى يباعدنا
بالغدر في جده وفي لعبه
إن يصغ للشوق بعد ذاك
فقد أسرف في كبره وفي غضبه
وكيف يرجو البقاء من رجلٍ
لم يبق من وصلةٍ إلى سببه
إن مر لم يكترث لخطرته
أو قال لم يتلفت إلى خطبه
قد قل من يصدق الوداد
فما أحس من ودهم سوى كذبه
أعطشني الناس بعد أن رويوا
من مستهل الوفاء منسكبه
جفوا كما جفت الحاية فما أعرف
من عودهم سوى حطبه
مالي وما للزمان واعجبي
واعجب أن يكف عن عجبه
غضا غدير الوفاء في زمن
فاض بما لا يجف من نوبه
ما جو هذا الزمان من أربي
رجال هذا الزمان أخلق به
أصحب من لا أود صحبته
ومن أذوق البعاد في قربه
لم يبق عندي من الرجاء سوى
القنوط من برقه ومن صببه
وزفرةٍ تحطم الضلوع لها
على زمان عريت من قشبه
وحسرةٍ أثر غلمةٍ ذهبوا عنى
فلج الزمان في حربه
يسرع دمعي إذا ذكرتهم
إسراع فيض الغمام في صببه
أما فتىً صادق الهوى كأخي
شكري يرد الزمان عن نوبه
أوثق من تصطفي وأكرم
من تأخذ من عقله ومن أدبه
خلائقٌ سهلةٌ موطأة كالبارد
العذب غب منسكبه
كم مجلسٍ والوداد ثالثنا والراح
تجلى كالحق من حجبه
ذاك قريبي وليس من رحمي
وهو نسيبي ولست من نسبه
إن ضرب الدهر بيننا فلقد
لف كما كان قبل شملي به

محمد الحمد
28/10/2008, 03h44
انظر إلى عبابي
وصدره الرحيب
ورقصه العجاب
وشدوه الخلوب
وحوره الطراب
وحسنها الرطيب
تدعوك للتصابي
يا غرض الخطوب
في جوفه الرحيب

هل من فتى لبيب
موفقٍ سعيد
قد ضاق بالخطوب
ذرعاً وبالوجود
يفوز في شعوبي
باللؤلؤ المنضود
هل من فتى سعيد

يمرح في الظلام
مع الحسان الحور
محسور اللثام
مهدولة الشعور
كأنها أحلامي
أو صورة الخرير
تشدو إلى الأفهام
بالنغم النضير
تفرح بالغرام
كالروض بالغدير

محمد الحمد
28/10/2008, 03h51
معرضاً في غير صد


كل يومٍ لي شكاة بكلام العبرات
أطمع القلب وما زود غير الحسرات
من ذوي الحسن غريرٌ متناهي الغفلات
غرس الوجد وأجنى الشو ق ممرور الجناة
معرضاً في غير صد دانياً غير مؤات
ثافراً وهو قريب وهو جم اللفتات
أتمناه ولكن كيف لي بالأهبات
ضعف الصائد عن ظبي كثير الوثبات
لقطفناه لو أن الحسن داني الثمرات
آه من قلبٍ إلى الحسن كثير الصبوات
يا صحايا أقصدتهم أعينٌ غير ثقاة
يتشاكون غراماً غير كأبي الجمرات
في زمانٍ يقظ الآ لام موفور الأذاة
أنا بالشكوى خليق فدعوني وشكاتي
وأهنأوا أنتم بقرب من غزال أو مهاة

محمد الحمد
22/01/2010, 22h02
سيل همومي قد طغى عبابا
وجن حتى ملأ الشعابا
يا اليتني لو تدفع المصابا
ليت وتحلى الصبر المذابا
أدري لداء منهكي طبابا
يبلد الإحساس والألبابا
يفل حد الخطب إن أصبابا
ويذهب الأشجان والأوصابا
إني سمعت في الدجى اصطخابا
كأن في إهابه ذئابا
سيمت أذى فطلبت وثابا
مستهولاً ينتزع الصوابا
يهتك من فودك الحجابا
مثل الصدى قد عمر الخرابا
كأن حولي رمماً أسلابا
تفصل في مسامعي خطابا
وخلت أني ناظرٌ شبابا
تخالهم على الثرى ثيابا
بيضاً وطوراً تجتلي ضبابا
منهم يغطي الأفق والرحابا
ويحجب الأطواد والسحابا
تنكره إذا بدا أو غابا
فقمت أسعى نحوهم مرتابا
منجفلاً ومرة وثابا
يا ليتني لم أبتغ اقترابا
وليتني جانبتهم جنابا
أي قضاء قد مضى غلابا
وأي خطبٍ قد رمى فصابا
وبز هذي الأنفس الصعابا
أرواحها وأولغ الذئابا
في دمعها ووسد الترابا
خدودها النواضر الراطابا
وبذر الرؤوس والرقابا
ونثل الكبود والعيابا
وفرق الخلان والأحبابا
وجمع الوحوش والعقابا
يا ويح أيدٍ جنت المصابا
وهاجت السيوف والحرابا
وتخذت من الردى أسبابا
يا ممطراً على الورى عذابا
وراعيا جماجماً صلابا
ومجرياً دماءها عبابا
وظالماً لا يتقي حسابا
أجلك يبكي الحضر الغيابا
وتألف الوجوه الاكتئابا
وتركب الأرامل الصعابا
وتحمل الكواهل الهضابا
ليت الذي سن لنا القرضابا
يسمع لو يسطيع ذا الخطابا
من ذاهبٍ لا يرتجي إيابا
وسائل لا يحفل الجوابا
يلبس من دمائه جلبابا
متخذاً جراحه أكوابا
بكرهه ودمه شرابا
يا ملكاً أجبت إذا أهابا
خال الدماء ذهباً مذابا
فساقنا إلى الردى أغصابا
أجر وليدي واحتقب ثوابا
وكن معيناً لأبٍ قد شابا
يبكي ويستبكي لي السحابا
وزوجةٍ ألبسها المصابا
تسفى على واضحها الترابا
لا تجعلن ظلم العباد دابا
بل أنت لا تسمع لي خطابا
هل يرحم الضعيف والمصابا
ملكٌ يرى الرحمة فيه عابا
أدعو الذي أن أدعه أجابا
ثم ارتمي وافترش الصحابا