عبدالقهار
03/08/2007, 11h07
تراث فني زاخر
نماذج من الأهازيج الجماعية بواحة فجيج
عبد القهار الحجاري
المغرب
تقع واحة فجيج في جنوب شرق المغرب، بمحاذاة الحدود المغربية الجزائرية. و على بعد 364 كيلومتر جنوب مدينة وجدة. تشتهر بوفرة مياهها. و بساتينها الغناء و نخلها السامق، وسط مناخ شبه صحراوي. و تعرف بطيبة أهلها. و تتميز بتعدد أحيائها التي تسمى ب "القصور"، نظرا لمعمارها التقليدي القديم المحاط بأسوار ذات أبواب و أقواس. و تتمتع بغنى تراثها الثقافي و الفني. و من ضمنه الأهازيج الجماعية التي نقدم نماذج منها هنا.
يزخر التراث الغنائي بواحة فجيج، بألوان جميلة من الأهازيج. تختلف من حيث المناسبة التي تؤدى فيها. و الأغراض التي تعبر عنها. و الطريقة التي تؤدى بها. و إن كانت لا تتباين كثيرا من حيث قالبها العام ذو الصياغة اللحنية البسيطة، القائمة على درجة واحدة إلى ثلاث درجات في سلم لحني غير مكتمل. و تستقر أنغامها في الغالب في درجة واحدة أو درجتين. إن الخاصية الأساس لهذه الأهازيج هي جماعيتها. سواء في العمل أو في الأفراح أو في المناسبات الدينية.. خاضعة لتقسيم العمل فيالمجتمع التقليدي بين أعمال رجالية و أعمال نسائية نظرا للطابع المحافظ للعلاقات الاجتماعية بفجيج. و لم نجد بعد نصوصا من هذه الأهازيج تؤدى من طرف الجنسين معا. كما يلاحظ الدارس في مناطق أخرى بالأطلس المتوسط و سوس.. حيث إلى جانب الأهازيج و الرقصات الخاصة بالرجال أو النساء، هناك الأهزوجة و الرقصة الجماعيتين، كما في رقصات "أحواش" و "أحيدوس" على سبيل المثال.
تتكون النماذج اللحنية للأهازيج التي نقدم نماذج منها هنا من قطع شعرية قصيرة، لغتها العربية العامية أو الأمازيغية. و نجد بعض القطع، تجمع أحيانا بين اللهجتين. تلتزم بالوزن و لا تتقيد بالقافية. تشبه في ذلك الشعر الأمازيغي المسمى "إزلان" في مناطق الأطلس المتوسط. تؤدى هذه الأهازيج بآلات إيقاعية، و بدونها أحيانا.
أثناء عمل الرجال أو النساء، سواء في الحقل أو أوقات السقي أو حرث الأرض، أو أثناء عملية وضع اللقاح في أشجار النخيل في موسم الإخصاب النباتي في فصل الربيع، و تسمى هذه العملية باللهجة المحلية ب"التذكير".. أو في بناء المنازل بالطوب المصنوع من الطين. أو في ورشات النسيج المنزلية و هي صناعة نسوية أساسا، أو إبان درس المحصول الزراعي.. لا بد أن نسمع الأصوات المنغمة المدربة على هذا النوع من الغناء المصاحب لأنواع العمل بالواحة. و لا يعرف لهذه الأهازيج مؤلف، بل هي إرث شعبي جماعي.
"أركيز" كلمة أمازيغية تعني الدك. و كانت تقوم الطريقة التقليدية في البناء بواحة فجيج على دك الطين في قالب من خشب. و كان هذا النوع من البناء سائدا إلى عهد قريب بالواحة. و ينجز بالتشارك الجماعي القائم على مبدأ التعاون بين أفراد الحي الذي يطلق عليه بالأمازيغية "أغرم" أو "أغير". و يؤدى هذا اللون من الأهازيج أيضا في ورشات بناء صهاريج السقي في الحقول و البساتين. و في تشييد المنازل، حيث تدك الأرضيات المرصوفة بالأحجار المكسرة حتى تستقيم، ليتم بعد ذلك تبليطها بطبقة سميكة من الإسمنت. و أثناء الدك الجماعي بمدكات ثقيلة، يغني العمال أهازيج يحفضون مطالعها، فيزيدون عليها من باب الارتجال. و تؤدى أهازيج "أركيز" بالعامية المغربية أو بالامازيغية في جو حماسي تتخلله زغاريد النساء و هتافات الأطفال من بعيد على سطوح الدور و هم يتفرجون و يعبرون عن بهجتهم إزاء ما يجري أمام أعينهم من تشييد و بناء. إلا أن هذا اللون من الغناء التراثي قد أخذ في الاندثار مع اكتساح العصرنة في مجال البناء و تراجع التقاليد القديمة في العمل.
توقع المدكات الإيقاع المتحكم في أهازيج "أركيز" في شكل زمن قوي يليه زمن ضعيف. و هو إيقاع من جنس منه هذا المقطع:
نموذج 1
تجمل و تعال لي
يا حمام
ردي لي الوجاب [ يقصد الجواب]
تجمل و تعال لي
به نرحل و ندير عويني
غدا للنابي
نزور فاطمة و الرسول
أعطيتك العاهد
لا تامن قاع في واحد
قبة بوداود
تبان لي من لوطان بعيد
سيدي محمد
يا ابن بوزيان و حاجا
بلادك تعجب
ياك إحنا جينا زوار
أعطيتك العاهد
و النبي و الصلاح اثناين
"عيشا" أم البرايم
زينها ما يتقصر
ينوي المنشد بعد إتمام أعماله أن يسافر إلى الديار المقدسة، لأداء مناسك العمرة أو الحج و زيارة مقام الرسول (ص). فيرجو من حبيبته أن تتجمل و تتزين و تأتي إليه ليتزود بالتملي في حسنها. و يمتع مقلتيه بجمالها، حتى تكون صورتها البهية في ناظريه خير زاد له في رحلته الطويلة و هي بعيدة عنه. و يوصيها بالحذر أثناء غيابه. و بأن لا تثق في أي احد كائنا ما كان. و أنه سيأخذ استراحته في ضريح الولي الصالح "سيدي محمد بوزيان بن حاجا"حين تلوح معالم بلده لعينيه من بعيد و هو في طريقه إلى الحج كما تلوح له أيضا قبة ضريح الولي الصالح "بوداود". و يقسم لحبيبته "عيشا" أي عائشة بالنبي و الوليين الصالحين "بو داود" و "ابن بوزيان" أنها ذات الظفائر التي لا مثيل لجمالها في إشارة إلى أنها لن تغيب عن باله. وأنه وفي لها..
و من هذا اللون المقطع الموالي بالأماريغية:
ألال ن الشانبير
د لقناع أدال
تهوى د السالوم
تدجي بلا لعقل
أح ويلي
ترجبد سك تلي
أول تعليم الوالي
الصيفت ني زرزر
و ترجمته إلى العربية كما يلي:
نموذج 2
يا صاحبة المنديل
و الخمار الأخضر
نزلت درجات السلم
فخلبت عقلي
يا ويلتي
أطلت من الشرفة
ليس لها مثيل
قوام غزال
ازدهرت صناعة النسيج المنزلية في واحة فجيج منذ قرون. و هي صناعة نسوية بامتياز . و جرت العادة أن تجتمع النسوة في فناء منزل إحداهن في ورشة صغيرة لغزل الصوف أو الوبر أو فرو الماعز، أو غير ذلك من المادة الأساسية لهذه الصناعة التقليدية. و خلال الغزل – و تقابله كلمة "تيلمي" بالأمازيغية-، و خلال إقامة المنسج أيضا و انطلاق عملية نسج الزرابي و الجلابيات الصوفية أو الأفرشة.. تنخرط النسوة في غناء جماعي خلال النسج ("أزطا" بالأمازيغية) و منه هذا النموذج:
نموذج 3
ألماخ تاشرارت
يا "قدور" يا بو لهوان
ألماخ تاستفت
يا صراح إلغمان
معناه:
غزلت لفة
يا "قدور" ذو الهوان
غزلت كبة خيوط
يا راعي الإبل
(يتبع)
منشور ب"جريدة الفنون" العدد76 /آذار2007
نماذج من الأهازيج الجماعية بواحة فجيج
عبد القهار الحجاري
المغرب
تقع واحة فجيج في جنوب شرق المغرب، بمحاذاة الحدود المغربية الجزائرية. و على بعد 364 كيلومتر جنوب مدينة وجدة. تشتهر بوفرة مياهها. و بساتينها الغناء و نخلها السامق، وسط مناخ شبه صحراوي. و تعرف بطيبة أهلها. و تتميز بتعدد أحيائها التي تسمى ب "القصور"، نظرا لمعمارها التقليدي القديم المحاط بأسوار ذات أبواب و أقواس. و تتمتع بغنى تراثها الثقافي و الفني. و من ضمنه الأهازيج الجماعية التي نقدم نماذج منها هنا.
يزخر التراث الغنائي بواحة فجيج، بألوان جميلة من الأهازيج. تختلف من حيث المناسبة التي تؤدى فيها. و الأغراض التي تعبر عنها. و الطريقة التي تؤدى بها. و إن كانت لا تتباين كثيرا من حيث قالبها العام ذو الصياغة اللحنية البسيطة، القائمة على درجة واحدة إلى ثلاث درجات في سلم لحني غير مكتمل. و تستقر أنغامها في الغالب في درجة واحدة أو درجتين. إن الخاصية الأساس لهذه الأهازيج هي جماعيتها. سواء في العمل أو في الأفراح أو في المناسبات الدينية.. خاضعة لتقسيم العمل فيالمجتمع التقليدي بين أعمال رجالية و أعمال نسائية نظرا للطابع المحافظ للعلاقات الاجتماعية بفجيج. و لم نجد بعد نصوصا من هذه الأهازيج تؤدى من طرف الجنسين معا. كما يلاحظ الدارس في مناطق أخرى بالأطلس المتوسط و سوس.. حيث إلى جانب الأهازيج و الرقصات الخاصة بالرجال أو النساء، هناك الأهزوجة و الرقصة الجماعيتين، كما في رقصات "أحواش" و "أحيدوس" على سبيل المثال.
تتكون النماذج اللحنية للأهازيج التي نقدم نماذج منها هنا من قطع شعرية قصيرة، لغتها العربية العامية أو الأمازيغية. و نجد بعض القطع، تجمع أحيانا بين اللهجتين. تلتزم بالوزن و لا تتقيد بالقافية. تشبه في ذلك الشعر الأمازيغي المسمى "إزلان" في مناطق الأطلس المتوسط. تؤدى هذه الأهازيج بآلات إيقاعية، و بدونها أحيانا.
أثناء عمل الرجال أو النساء، سواء في الحقل أو أوقات السقي أو حرث الأرض، أو أثناء عملية وضع اللقاح في أشجار النخيل في موسم الإخصاب النباتي في فصل الربيع، و تسمى هذه العملية باللهجة المحلية ب"التذكير".. أو في بناء المنازل بالطوب المصنوع من الطين. أو في ورشات النسيج المنزلية و هي صناعة نسوية أساسا، أو إبان درس المحصول الزراعي.. لا بد أن نسمع الأصوات المنغمة المدربة على هذا النوع من الغناء المصاحب لأنواع العمل بالواحة. و لا يعرف لهذه الأهازيج مؤلف، بل هي إرث شعبي جماعي.
"أركيز" كلمة أمازيغية تعني الدك. و كانت تقوم الطريقة التقليدية في البناء بواحة فجيج على دك الطين في قالب من خشب. و كان هذا النوع من البناء سائدا إلى عهد قريب بالواحة. و ينجز بالتشارك الجماعي القائم على مبدأ التعاون بين أفراد الحي الذي يطلق عليه بالأمازيغية "أغرم" أو "أغير". و يؤدى هذا اللون من الأهازيج أيضا في ورشات بناء صهاريج السقي في الحقول و البساتين. و في تشييد المنازل، حيث تدك الأرضيات المرصوفة بالأحجار المكسرة حتى تستقيم، ليتم بعد ذلك تبليطها بطبقة سميكة من الإسمنت. و أثناء الدك الجماعي بمدكات ثقيلة، يغني العمال أهازيج يحفضون مطالعها، فيزيدون عليها من باب الارتجال. و تؤدى أهازيج "أركيز" بالعامية المغربية أو بالامازيغية في جو حماسي تتخلله زغاريد النساء و هتافات الأطفال من بعيد على سطوح الدور و هم يتفرجون و يعبرون عن بهجتهم إزاء ما يجري أمام أعينهم من تشييد و بناء. إلا أن هذا اللون من الغناء التراثي قد أخذ في الاندثار مع اكتساح العصرنة في مجال البناء و تراجع التقاليد القديمة في العمل.
توقع المدكات الإيقاع المتحكم في أهازيج "أركيز" في شكل زمن قوي يليه زمن ضعيف. و هو إيقاع من جنس منه هذا المقطع:
نموذج 1
تجمل و تعال لي
يا حمام
ردي لي الوجاب [ يقصد الجواب]
تجمل و تعال لي
به نرحل و ندير عويني
غدا للنابي
نزور فاطمة و الرسول
أعطيتك العاهد
لا تامن قاع في واحد
قبة بوداود
تبان لي من لوطان بعيد
سيدي محمد
يا ابن بوزيان و حاجا
بلادك تعجب
ياك إحنا جينا زوار
أعطيتك العاهد
و النبي و الصلاح اثناين
"عيشا" أم البرايم
زينها ما يتقصر
ينوي المنشد بعد إتمام أعماله أن يسافر إلى الديار المقدسة، لأداء مناسك العمرة أو الحج و زيارة مقام الرسول (ص). فيرجو من حبيبته أن تتجمل و تتزين و تأتي إليه ليتزود بالتملي في حسنها. و يمتع مقلتيه بجمالها، حتى تكون صورتها البهية في ناظريه خير زاد له في رحلته الطويلة و هي بعيدة عنه. و يوصيها بالحذر أثناء غيابه. و بأن لا تثق في أي احد كائنا ما كان. و أنه سيأخذ استراحته في ضريح الولي الصالح "سيدي محمد بوزيان بن حاجا"حين تلوح معالم بلده لعينيه من بعيد و هو في طريقه إلى الحج كما تلوح له أيضا قبة ضريح الولي الصالح "بوداود". و يقسم لحبيبته "عيشا" أي عائشة بالنبي و الوليين الصالحين "بو داود" و "ابن بوزيان" أنها ذات الظفائر التي لا مثيل لجمالها في إشارة إلى أنها لن تغيب عن باله. وأنه وفي لها..
و من هذا اللون المقطع الموالي بالأماريغية:
ألال ن الشانبير
د لقناع أدال
تهوى د السالوم
تدجي بلا لعقل
أح ويلي
ترجبد سك تلي
أول تعليم الوالي
الصيفت ني زرزر
و ترجمته إلى العربية كما يلي:
نموذج 2
يا صاحبة المنديل
و الخمار الأخضر
نزلت درجات السلم
فخلبت عقلي
يا ويلتي
أطلت من الشرفة
ليس لها مثيل
قوام غزال
ازدهرت صناعة النسيج المنزلية في واحة فجيج منذ قرون. و هي صناعة نسوية بامتياز . و جرت العادة أن تجتمع النسوة في فناء منزل إحداهن في ورشة صغيرة لغزل الصوف أو الوبر أو فرو الماعز، أو غير ذلك من المادة الأساسية لهذه الصناعة التقليدية. و خلال الغزل – و تقابله كلمة "تيلمي" بالأمازيغية-، و خلال إقامة المنسج أيضا و انطلاق عملية نسج الزرابي و الجلابيات الصوفية أو الأفرشة.. تنخرط النسوة في غناء جماعي خلال النسج ("أزطا" بالأمازيغية) و منه هذا النموذج:
نموذج 3
ألماخ تاشرارت
يا "قدور" يا بو لهوان
ألماخ تاستفت
يا صراح إلغمان
معناه:
غزلت لفة
يا "قدور" ذو الهوان
غزلت كبة خيوط
يا راعي الإبل
(يتبع)
منشور ب"جريدة الفنون" العدد76 /آذار2007