تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقالات و بحوث


عصمت النمر
07/11/2005, 12h16
رياض السنباطى 1906 - 1981
http://arab-music.tripod.com/imagelib/sitebuilder/layout/spacer.gif
رياض السنباطى .. فنان موسيقى وملحن من الدرجة الأولى ، قدم خلال حياته أرقى ما يمكن من كلاسيكيات الموسيقى العربية ، وحفر اسمه فى سجل الخلود الفنى مع كبار الموسيقيين والملحنين بموهبته ومجهوده وإخلاصه

اقترن اسم السنباطى باسم أم كلثوم وبتلحين القصائد وهو أبرع من لحن القصيدة ومن ألحانه كان أفضل ما غنته كوكب الشرق ، وإليه ينسب الفضل فى انتشار قصائد عربية عظيمة لم تكن لتنتشر لولا ألحانه ، كما اشتهر بالألحان الرومانسية العذبة التى لحنها لأم كلثوم من كلمات فارس الرومانسية الغنائية أحمد رامى

احتفظ السنباطى بمكانة عالية فى سماء الفن طوال عمره الفنى واستمر عطاؤه حتى السبعينات من القرن العشرين

ورياض السنباطي فنان موهوب بلا شك لكنه محظوظ أيضا!، فقد ولد لأب فنان عام علمه بنفسه مبادئ الموسيقى والعزف على العود في مدينة المنصورة ونشأ فى رعايته الفنية ، وهو بهذا يختلف عن معظم الرواد الموسيقيين الكبار الذين عانوا الكثير بسبب رفض أسرهم اشتغالهم بالفن ، بل مجرد هوايته! ويشترك فى ذلك مع محمد القصبجى الذى كان والده موسيقيا ، لكن هذا لم يكن وجه الاشتراك الوحيد مع محمد القصبجى كما سيتضح لنا فيما بعد

بدأ رياض التجريب مبكرا كمطرب فعرف بأدائه الرائع وكان معجبا بألحان محمد القصبجى فحفظ له الكثير ثم انتقل رياض إلى القاهرة والتحق بمعهد الموسيقى
عام 1936 أول ألحان رياض لأم كلثوم - على بلد المحبوب

ابتسم الحظ لرياض السنباطى عندما التقطته أم كلثوم لنفسها ملحنا وكان قد بدأ يلحن لبعض المطربين والمطربات ، وحتى ذلك الوقت لم يكن قد لحن لأم كلثوم غير بضعة ملحنين أهمهم محمد القصبجى وزكريا أحمد وهم من فطاحل الموسيقى فكان السنباطى أصغرهم سنا ، وحققت أول أغنية لحنها لها من كلمات أحمد رامى نجاحا كبير وهى على بلد المحبوب ودينى مقام بياتى ، ومنذ ذلك الوقت اقترن اسمه باسمها ، واستمر فى التلحين لأم كلثوم حتى بلغت ألحانه لها أكثر من 90 أغنية على مدى ما يقرب من أربعة عقود آخرها الثلاثية المقدسة عام 1972 وهو بذلك صاحب أطول قائمة ألحان لأم كلثوم بين جميع من لحنوا لها

وقد كون السنباطى فى هذه الرحلة مع أم كلثوم وأحمد رامى الذى اقترن اسمه باسمها أيضا ، ثالوثا فنيا هز مشاعر الملايين فى العالم العربى

عام 1937 افرح يا قلبى

وبعد بضعة أعمال لأم كلثوم حقق رياض نجاحا أكبر مع أغنية افرح يا قلبى مقام نهاوند من كلمات أحمد رامى أيضا وإن ظهر فيها تأثره بأسلوب الأستاذ القصبجى

عام 1938 سلوا كئوس الطلا

كان قد سبق لرياض تلحين قصيدتين من شعر أحمد شوقى لأم كلثوم لكن سلوا كئوس الطلا مقام هزام كان لها حظا أوفر من النجاح ، وفى نفس العام قام بتلحين بضع أغنيات لأم كلثوم من شعر أحمد رامى لاقت نجاحا كبيرا أشهرها أغنية الورد فتح مقام بياتى ، ومونولوج النوم يداعب جفونى مقام كورد


عام 1939 فاكر لما كنت جنبى

تابع رياض ألحانه لأم كلثوم فلحن لها أغنية من قالب المونولوج هى فاكر لما كنت جنبى مقام كورد من كلمات أحمد رامى ، ورسم بها ملامح شخصية مستقلة فى التلحين ، وظلت هذه الأغنية تذاع باستمرار قرابة ربع قرن دون أن يملها الجمهور ، وظلت الصورة التى صورها بالشجن الشديد فى بداية الأغنية ثم فى كلمات الموجة بتجرى ورا الموجة عايزة تطولها عالقة بأذهان الناس لفترة طويلة

عام 1940 ح اقابله بكرة

وفق رياض السنباطى فى لحن فى منتهى الرشاقة لأم كلثوم من كلمات أحمد رامى هو ح اقابله بكرة مقام راست وتميزت مقدمته الموسيقية القصيرة بتصوير عال للهفة وفرحة اللقاء أعقبها استهلال غناء أم كلثوم بجمل قصيرة متدافعة أكملت الصورة الشاعرية المتدفقة ، ولو أنه كا ما زال متأثرا بأسلوب القصبجى إلا أن القصبجى كان سابقا لعصره ولم يعب السنباطى أبدا اللحاق بأستاذه على درب التجديد والذى سبقه فى التلحين لأم كلثوم باثنى عشر عاما

فى أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات ظهرت مجموعة أغان قصار بصوت أم كلثوم اشتركت جميعها بالحداثة والسرعة والخفة إلى جانب قصرها غير المعتاد ، فطول كل منها بضع دقائق لا غير ، وتشابهت تلك الأغانى كثيرا فى أسلوب تلحينها وقد لاقى ذلك الأسلوب قبولا كبيرا لدى الجمهور ، وفوق ذلك فقد تشابهت أيضا فى أنها استمرت تذاع بصفة مستمرة لعشرات السنين وكأنها صنعت لتوها ، تلك المجموعة كان منها لرياض افرح يا قلبى 1937 مقام تهاوند ، و ح اقابله بكرة 1940 مقام راست ، ومنها للقصبجى ما دام تحب بتنكر ليه مقام نهاوند 1940 و يا صباح الخير1944 مقام راست ، وأكمل زكريا القائمة لتصبح مجموعة متميزة فى تاريخ أم كلثوم الفنى ، ويبدو أن ذلك النموذج من الأغانى قد استهوى الملحنين الكبار فى ذلك الوقت حتى أنه يصعب على المستمع التمييز بينها على أساس الملحن ، على عكس الأغنيات الطويلة حيث المجال أوسع لإظهار شخصية الملحن وأضاف القصبجى إلى تلك المجموعة فى نفس الفترة أغنية رشيقة أخرى ولكن بصوت بصوت أسمهان هى إمتى ح تعرف اعتمدت نفس الأسلوب


عام 1940 يا ليلة العيد

شهد نفس العام مولد أغنية أم كلثوم الشهيرة يا ليلة العيد آنستينا وجددتى الأمل فيناعلى يد رياض السنباطى من كلمات رامى ، وقد صاحب إعلان ظهور هلال العيد إذاعة تلك الأغنية كل عام ، وباتت من علامات الاحتفال بمقدم العيد ، بعدها بثلاث سنوات أبدع الشيخ زكريا أغنية الليلة عيد (حبيبى يسعد أوقاته ) من كلمات بيرم التونسى وأصبحت الأغنيتان من علامات احتفالات العيد كل عام وهما أول شيء تذيعه الإذاعات العربية بعد إعلان رؤية الهلال ، بل أصبحتا دليل الناس على ثبوت الرؤية ، وتضيف ألحانها البديعة بهجة خاصة لليلة العيد ، وهما لا تذاعان الآن إلا فى هذه المناسبة وينتظر سماعها الناس لتبدأ التهانى ، وبهما خط السنباطى وزكريا خطوطهما فى الوجدان العربى ونجحا فى كسب تعلق الجمهور
فى السنوات التالية انشغلت أم كلثوم بعدة أغان غاية فى الثراء للشيخ زكريا من أشعار بيرم التونسى ، وكان على رياض منافسة ذلك العملاق

عام 1946 عام القصائد الكبرى ولد الهدى ، سلوا قلبى ، نهج البردة
ابتسم الحظ مرة ثالثة لرياض السنباطى عندما اهتدى إلى شيء جديد يقدمه لأم كلثوم ، فقد وارى قليلا أغنياته الرومانسية القصيرة وقفز قفزة هائلة بثلاث قصائد طويلة من أروع ما كتب شوقى هى ولد الهدى (راست) ، سلوا قلبى (راست) ، و نهج البردة (ريم على القاع - هزام)
ظهرت فى تلك القصائد روح جديدة فى الأغنية العربية تميزت بالأصالة والجدية والتجديد ونالت إعجاب المستمع العربى فى كل مكان ، هنا أصبح رياض ملحنا كبيرا بحق وشتان بين هما قدمه فى هذه القصائد وما قدمه قبل ذلك ، وقد أضاف شعر شوقى بعدا جديدا هو الجمهور العربى خارج مصر الذى تعلق بالقصيدة العربية ، ولا ننسى هنا أن الأفق العربى كان قد ارتاده محمد عبد الوهاب ملحنا ومطربا بقصائد شوقى وغيره، والتنافس بين قمتى الغناء عبد الوهاب وأم كلثوم يحتم عليهما ارتياد نفس الساحات والميادين ، ولا شك أن نتيجة هذا التنافس كانت فى صالح الفن عموما كما أنها أثرت الوجدان العربى بما كان يتوق إلى التعبير عنه بعد عهود طويلة من سيادة الثقافات الغريــبة ، وكما يقال فإن الشعر يظل حبيس الكتب إلى أن يغنى فيعرفه من يقرأ ومن لا يقرأ ، فإذا علمنا أن أكثر من 90% من الشعوب العربية كانوا أميين ندرك أهمية ما فعله الفنانون سواء ملحنون أم مطربون فى نشر الثقافة العربية ومساعدتها على تملك الشعور العام
وهكذا فإن دور السنباطى فى هذا المجال لا يقل عن دور محمد عبد الوهاب تلميذ شوقى ووسيلته الإعلامية الأولى ، ولا يقل دور الاثنان ، وأم كلثوم أيضا ، عن دور شوقى نفسه وبقية الشعراء الكبار الذين أثروا عصر النهضة بأشعارهم ، وكان عبد الوهاب لا يكتفى بإنشاد قصائد مثل دمشق وفلسطين وإنما كان يجوب البلاد العربية بنفسه ويشارك الأمة كلها فى إعلاء ثقافتها ، ولا عجب فى أنه قبل ذلك الحين لم يكن هناك فن حديث يذكر فى أى من بلاد العرب ، ولم يبق لدى الناس غير بعض الفن الشعبى المحلى بلهجات غارقة فى المحلية ، وبعض الموشحات الأندلسية القديمة فى الشام والمغرب ، أما العراق فقد تاثرت فنونه إلى حد بالغ بالفن التركى والفارسى ولم يبق من عروبة أنغامها الكثير
وإنه لعجب حقيقى أن مثل هذا الدور يقوم به افراد ، مهما بلغوا من شأن فهم افراد لا يمثلون كيانا سياسيا ولا حكومات ولا منظمات ولا حتى جمعيات أهلية أو أجهزة إعلام ، فقط أفراد لكنهم تمتعوا بحس عربى عال وجعلوا الموسيقى العربية تحمل لواء نهضة ثقافية يشك فى بلوغها دونها ، وربما من المناسب هنا أن نذكر أنفسنا بأن محاولات طمس الفنون هى محاولات رجعية لا ينتج عنها سوى الجهل والتخلف والتبعية للغير تركياً كان أم أمريكياَ ، وليس لها من فضل سوى طمس هويات الشعوب ودفن وجدانها تحت أقدام الهيمنة الخارجية فيصبح أفرادها أمواتا أو إن أكلوا وشربوا وتنفسوا ، أو عبيدا للغير فى أحسن الأحوال
الفنان رياض السنباطى ، وبمساعدة توفيق أم كلثوم فى اختياراتها الذكية لما تقدمه من أشعار راقية وقد وجدت فيه الملحن الموهوب الذى يستطيع تطويع الشعر العربى للحن والموسيقى بحيث يردده الناس وكأنهم يستخدمون لهجاتهم اليومية ، قد عهدت إليه بمهمة تلحين القصائد

عام 1946 غلبت اصالح فى روحى

شهد ذلك العام أيضا مولد أغنيتين شهيرتين لأم كلثوم من كلمات أحمد رامى على يد رياض السنباطى هما يا طول عذابى ، و غلبت اصالح فى روحى وهذا الأخيرة أرست قدمى السنباطى فى تلحين الأغنيات العاطفية الطويلة وأصبح له كلمة عليا فيه ، بل أصبحت ألحانه العاطفية لأم كلثوم ذات طابع خاص اتسم بالشرقية الأصيلة والمحافظة على الأصول العربية للموسيقى مع جمال اللحن وحداثة تراكيبه ، ردد الناس كثيرا تلك الأغنية وحفظوها عن ظهر قلب على طولها! وكانت بداية سلسلة طويلة من الأغنيات العاطفية التى شحنها الشاعر الرقيق أحمد رامى بكل رومانسيات الشباب وأحلامه ورقة شعوره وحلق الاثنان فيما بعد فى سماء الرومانسية دهرا طويلا بل إن أم كلثوم ظلت لا تغنى إلا لهما ما يربو على العشر سنوات
رد محمد القصبجى على السنباطى عام 1947 برائعته رق الحبيب للأم كلثوم من نفس المقام ، نهاوند ، ويبدو أأننا كنا سوف نشهد مسلسلا رائعا من الألحان المتنافسة بين الملحنين الكبيرين لولا توقف القصبجى عن التلحين لأم كلثوم بعدها إثر خلاف بينهما
وخلال الأربعينات لم يكن على السنباطى منافسة القصبجى فقط ، كان عليه منافسة الملحن الذى يخشاه الجميع ، الشيخ زكريا أحمد الذى بلغت ألحانه لأم كلثوم قمة الشرقية والطرب ، وكان قد كون مع بيرم التونسى ثنائيا عبقريا وتميزت أعمالهما بغوصها فى أعماق الفولكلور والجذور الشعبية للموسيقى ذات التأثير البالغ فى قلوب الناس وتكفى الإشارة هنا إلى بضع من أعمالهما لأم كلثوم ، أنا فى انتظارك ، الآهات ، حبيبى يسعد أوقاته ، أهل الهوى ، الأوله فى الغرام ، الأمل ، الحـلم ، وهى مجموعة من أروع ما لحن زكريا
عام 1947 يبتسم الحظ ابتسامته الكبرى لرياض لسنباطى ، فقد اختلفت أم كلثوم مع كل من القصبجى وزكريا وتوقف كلاهما عن التلحين لها ، وبذلك أصبح رياض الملحن الوحيد لأم كلثوم بلا منافس
لكن كان عليهما معا منافسة الأستاذ القابع فوق القمة ، محمد عبد الوهاب ، فقد كان عبد الوهاب ملحنا ومطربا ولم تكن هناك فرصة لخلافه إلا مع نفسه ، وهو يسير كالقاطرة لا يوقفه شيء ، وهكذا وجد السنباطى نفسه وجها لوجه فى مباراة مع الأستاذ الكبير ، ولعل مجموعة قصائد شوقى التى غنتها أم كلثوم كانت فى سياق ذلك التنافس مع عبد الوهاب الذى كان قد أطلق مجموعة قصائده الكبرى التى رفعته إلى قمة الموسيقى العربية ومنها الجنول ، الكرنك ، كليوباترا ، دمشق ، فلسطين ، دعاء الشرق ، النهر الخالد
عام 1949 ياللى كان يشجيك أنينى
تشدو أم كلثوم بأغنيتها الساحرة ياللى كان يشجيك أنينى ، ويرتفع معها نجم السنباطى للسماء ، فاللحن شجى فعلا بل وفى غاية العذوبة ويثير فى النفس الكثير من العواطف والشجن الجميل ويبرز جمال أنغام الشرق الساحرة ، وقد تغير تذوق الكلمات مع مرور الزمن وتوارت شيئا فشيئا صورة المحب الذليل فى الأغانى لكن اللحن لا يمكن اعتباره إلا من أجمل كلاسيكيات الموسيقى العربية
عام 1949 النيـــــل
أنشدت أم كلثوم لأحمد شوقى إحدى روائعه النيــل (من أى عهد فى القرى تتدفق) من لحن السنباطى فى إضافة جديدة لقائمة أشعار شوقى
عام 1949 رباعيات الخيام
لكن أحمد رامى الشاعر الذى حبس نفسه فى شعر العامية ثارت لديه حفيظة الشاعر ففاجأ الجميع بمفاجأة كبرى ، لقد ترجم رباعيات الخيام الفارسية شعرا إلى العربية! ( سمعت صوتا هاتفا فى السحر .. إلى قول الشاعر لبست ثوب العيش لم أستشر ، وحرت فيه بين شتى الفكر .. إلى ما أطال النوم عمرا ، وما قصر فى الأعمار طول السهر ..) ، ليست مهمة سهلة بل دلت على براعة الرجل وتمكنه الكامل من اللغة والشعر ، المفاجأة التالية يلحنها السنباطى بلحن عربى أصيل ويتسيد بها تلحين القصيدة ، وموضوع القصيدة هنا قد تعدى الخلفية القومية والدينية والمذهبية إلى آفاق إنسانية واسعة تخاطب عقل الإنسان وشعوره فى كل مكان
ومرة أخرى نتساءل ما الذى كان يفعله هؤلاء الفنايون والشعراء فى تلك الحقبة حالكة السواد من تاريخ الأمة العربية وقد انتشرت الأمية وضعفت اللغة وتهاوت الهوية وساد الاحتلال الأجنبى كل بقعة فى الشرق وساد معه الهابط من الفنون والعادات ، ورغم ذلك فإنهم ينقبون فى درر الشرق الثقافية ويقدمون أعمق ما يكون من فكر فى صور فنية غاية فى الثراء والترقى ، ومع هذه القافلة الفنية سارت قافلة أدبية من روادها أحمد شوقى ، حافظ ابراهيم ، العقاد ، المازنى ، طه حسين ، توفيق الحكيم وغيرهم كثيرون ، وكانت تصدر مجلات وصحف وتنشر كتب مليئة بالنقد والتنوير
وأين هذا من فنانى اليوم وشعرائه؟ أليس الشعر قد اختفى الشعر والفن قد هزل من ورائه ، ولم يعد على الساحة غير المرتزقة وتجار الفن الرخيص؟! ، ولكن إن لم يكن هذا موضوعنا هنا فموضوعنا هو الإشادة بكل عمل محترم لا يخجل الإنسان من رؤيته أو سماعه ، ولن تقوم لنا قائمة إلا بترديد ما يعبر عن هويتنا ومشاعرنا بصدق وليس ما يملى علينا سواء من الخارج أو من تجار الفن بالداخل ، بيد أن الفن ليس أشخاصا كما يبدو من هذه الزاوية ، فهو كغيره من الإبداعات البشرية فى العلوم والنظم والاكتشافات يحتاج لبيئة صالحة تساعده على النمو السليم ، وكيف تدلى الأجيال الجديدة بصوتها فى منظومة التنمية والازدهار وهى غارقة فى سطحيات المادية وبطحاتها؟! مع نمو حركة النهضة الثقافية فى أواسط القرن العشرين كانت الموسيقى مادة ندرس فى المدارس ثم توقف تدريسها مع توقف أشياء أخرى كثيرة كالرياضة والهوايات والمسرح المدرسى والوجبة المدرسية والنشاط بكافة أنواعه ، فانتشر الدجالون ومدعو الفن بين الشباب يسوقون أعمالا لا تمت للفن الحقيقى بصلة والجمهور الجديد أصلا لديه مشكلة هوية وانتماء وثقافة وإن حمل أعلى الشهادات


العـــودة للرومانســـية
عام 1950 سهران لوحدى
عام 1951 يا ظالمنى
أرسى رياض السنباطى معالم مرحلة جديدة فى التلحين لأم كلثوم فقد لحن لها فى رابع أغنية عاطفية طويلة لحنا رومانسيا جديدا هو سهران لوحدى أتبعه بأغنية يا ظالمنى عام 1951 وبدأ يسترجع خطه الرومانسى مع الشاعر الحالم أحمد رامى فأنتجا معا أجمل ألحان أم كلثوم العاطفية ومعظم كلمات هذه السلسلة لأحمد رامى

المــــــــد الوطنى
عام 1951 مصر تتحدث عن نفسها
وقف الخلق .. ينظر كيف أبنى قواعد المجد وحدى .. هكذا أنشدت أم كلثوم قصيدة مصر تتحدث عن نفسها لشاعر النيل الكبير حافظ ابراهيم .. كانت إرهاصات انتفاضة مصرية امتدت آثارها البعيدة فيما بعد على المنطقة كلها .. الكلمات تتحدث فى فخر واللحن يزيدها فخرا وعلوا ، وتضحى الجدية سمة أساسية ، السنباطى يتبنى قضية وطنه ويعبىء الشعب لانتفاضة قادمة لهوية طالما حاول القوى الخارجية طمسها ولكنها لم تمح أبدا من ذاكرته ، لم يعد الفن للتسلية ولا للصالات ، أصبح سلاحا وطنيا يحرك الشعوب ، وهو بذلك قد لحق بركب محمد عبد الوهاب الوطنى

عام 1952 ثورة يوليو والتغـييــر
تقوم ثورة يوليو فى مصر ويبدأ عهد جديد فى كل شيء ، ويستقر الفن على شيئين ، التعبير عن الفرحة بقدوم عهد الحرية ، وزوال التوتر والألم من جراء معاناة الاحتلال والقهر واستبدالهما بمشاعر الاستقرار والأمل فى المستقبل ومن ثم تغير لون الإبداع
استمر رياض السنباطى ملحن أم كلثوم الوحيد ما يقرن من عشر سنوات أثبت خلالها عبقريته ومقدرته الفنية العالية ، وكانت ألحانه يطلق عليها ألحان" دسمة" نظرا لثراء أنغامها وتعبيراتها وأيضا لطول تلك الأعمال وألحان رياض لأم كثوم لها طابع خاص ومذاق عذب جعل كثير من الناس ترى أن رياض هو أفضل من لحن لأم كلثوم

كلاسيكيات السنباطى العاطفية لأم كلثوم
الأغنيـــــــة مقــــــام عــــام الأغنيـــــــة مقــــــام عــــام

فاكر لما كنت جنبى كورد 1939 عودت عينى كورد 1958
غليت اصالح نهاوند 1946 دليلى احتار كورد 1958
ياللى كان يشجيك أنينى كورد 1949 هجرتك كورد 1959
سهران لوحدى هزام 1950 لسه فاكر عجم 1960
يا ظالمنى كورد 1951 ثورة الشك نهاوند 1960
جددت حبك ليه نهاوند 1952 الحب كده بيـاتى 1961
أغار من نسمة الجنوب راست 1954 حيرت قلبى كورد 1961
ذكريات نهاوند 1956 اقولك إيه بياتى 1961
ح اسيبك للزمن راحة أرواح 1957 لا يا حبيبى نهاوند 1965
أروح لمين راست 1958 الأطلال راحة أرواح 1966
قصة الأمس نهاوند 1958 أراك عصى الدمع كورد 1967
عودت عينى كورد 1958 أقبل الليل كورد 1969
دليلى احتار كورد 1958 من أجل عينيك بياتى 1972
أضاف السنباطى لألحانه العاطفية ألحانا دينية أكمل بها السلسلة التى بدأها عام 1946 وأخرى وطنية أضافها للحنه الوطنى الشامخ مصر تتحدث عن نفسها

أغان دينيــــة لأم كلثوم
ولد الهدى راست 1946
سلوا قلبى راست 1946
نهج البردة هــزام 1946
إلى عرفات الله هــزام 1955
حديث الروح هــزام 1967
القلب يعشق كل جميل بياتى 1971
الثلاثية المقدسة هزام 1972

أغان وطنيــة لأم كلثوم
مصر تتحدث عن نفسها راست1951
مصر التى فى خاطرى نهاوند1952
مثال الوطنية هــزام 1954
شمس الأصيل حجاز كار 1955
صوت السلام بياتى 1956
بطل السلام هزام 1958
بغـــــداد راست 1958
غنية الســد راست 1960
ثـــــــوار حجاز كار 1961
طوف وشوف كورد 1964
حبنا الكبير عجم 1965
راجعين بقوة السلاح عجم 1967
دوس على كل الصعب عراق1967

منقول من http://arab-music.tripod.com (http://arab-music.tripod.com/)

MOHAMED ALY
17/05/2006, 20h29
رياض السنباطى موسيقى ذو قامة عملاقة فى الخلقة و الخلق و الموسيقى
و قد تربى جيلنا على تذوق اعمال العمالقة .. ........ و لا استطيع ان انسى ايام ان كنت طالبا فى الثانوية العامة فى اموسم الدراسى 1972-1973 بمدرسة مصر الجديدة الثانوية و كان مدرس اللغة العربية اسمه عماد رحمه الله حيا وميتا و كان المنهج الدراسى يشمل نصا للشاعر الدكتور ابراهيم ناجى كان مطلعه يقول

هذه الكعبة كنا طائـــــــــفيها و المصلين صباحا و مساء
كم سجدنا و عبدنا الحسن فيها كيف بالله رجعنا غرباء

و فى الحصة المقررة لشرح هذا النص اندمج الاستاذ / عماد و اطلق لنفسه العنان فى شرح و تو ضيح و ابراز مواطن الجمال فى اغنية الاطلال نصا و لحنا و اداء ... ثم توالت الحصة بعد الحصة لايام و هو يحلق و نحن معه و مع ناجى و السنباطى و ام كلثوم
و كان ذلك اول عهدى بمعرفة السنباطى و لازلت من يومها احلق معه خاصة فى الحانه لام كلثوم : حديث الروح _ شمس الاصيل _ جددت حبك _ ياللى كان يشجيك انينى _ بغداد _ اذكرينى .... و القائمة لاتنتهى ..... و ابدا قامة العملاق لا تنحنى الا لخالقها

adham006
03/09/2006, 09h25
رياض السنباطي عاشق القصيدة الغنائية

استعرضنا في مقالين سابقين في (العربي), مرحلتين من مراحلتطور فن القصيدة الغنائية في الموسيقى العربية المعاصرة, فيما بين القرنين التاسع عشر والعشرين: لا يكتمل تاريخ تطور الفن الغنائي العربي في العصر الحديث, إلابالحلقة الأخيرة من حلقات مؤسسي ومطوّري فن القصيدة الغنائية العربية المعاصرة, الفارس المجلي رياض السنباطي.
-عند إستكمال باقي المقالات الثلاثة في سماعي سوف يتم إدراج روابط لهم أدناه
http://www.alarabimag.com/arabi/data/2003/7/1/Media_61101.JPG
مارس فن تلحين القصيدة باقتدار عدد من الموهوبين بينهم محمد عبدالوهاب وأحمد صدقي ومحمود الشريف ومحمد فوزي وفريد الأطرش وكمال الطويل ومحمد الموجي وسواهم في مصر, إضافة إلى خالد أبي النصر وحليم الرومي ونجيب السراج والأخوينرحباني وتوفيق الباشا وسواهم في بلدان المشرق العربي, غير أن عبدالوهاب والسنباطي بقيا الفارسين المجليين في هذا المضمار, لأنهما أسسا لكل الألوان الممكنة في فن القصيدة الغنائية, فبقيت كل التجارب اللاحقة, على قيمتها وجدتها, تدور في فلك إنجازات عبدالوهاب والسنباطي.

يمكن تأريخ بداية دخول رياض السنباطي ميدان القصيدة الغنائية بمنتصف عقد الثلاثينيات, عندما كان محمد عبدالوهاب قد وصل في تطوير هذا الفن, تأليفا وغناء, إلى مرحلة (أعجبت بي) البالغة التقدم والتطور. وهي المرحلة التي سرعان ما تطورت قبل نهاية عقد الثلاثينيات إلى مرحلة قصائد مثل الصبا والجمال, وسجى الليل, ومغناة قيس وليلى, ثم الجندول.
والحقيقة التاريخية تقول إن السنباطي قد بدأ تجاربه في ميدان القصيدة الغنائية منذ مطلع عقد الثلاثينيات, وإن كانت تلك التجارب أشبه بالتمارين الأولى فيهذا الفن الصعب, التي لم تبدأ ثمارها الناضجة بالظهور حتى النصف الثاني من الثلاثينيات.
ومع أن أمير الشعراء أحمد شوقي قد اشتهر في تاريخ الغناء والموسيقىالعربيين بصفته الراعي الروحي والفكري والثقافي لمحمد عبدالوهاب, فإن شغف شوقي بفنون الموسيقى والغناء الذي بدأ بعبده الحامولي وعبدالحي حلمي, وكل من رافقهماوتلاهما من نجوم الموسيقى والغناء وصولا إلى عبدالوهاب, لم يبخل برعايته على نجوم التلحين والغناء التي بدأ بزوغها مع عبدالوهاب, مثل أم كلثوم, أو الجيل التالي, مثل رياض السنباطي.
http://www.alarabimag.com/arabi/data/2003/7/1/Media_61102.JPG
افهم ثم لحن
ومن أشهر ما روي عن علاقة شوقي بالسنباطي, عندما بدأت مواهب هذاالأخير تلفت الأنظار والأسماع, أنه في إحدى الجلسات الفنية التي كان شوقي يستمع فيها إلى النجم الجديد الصاعد رياض السنباطي, اسمعه هذا الأخير قصيدة من ألحانهالأولى, فلاحظ شوقي عبارة صعبة المعاني في أحد الأبيات الملحنة, وتعمد سؤال السنباطي عن معنى العبارة, فلما لم يحر السنباطي جوابا, بادره شوقي بنصيحة غالية, يقول السنباطي إنها كانت من أهم الدروس التي تعلمها في حياته:
إياك يا بني أن تلحنبيتا من الشعر, أو عبارة لا تفهم معناها.
غير أن جذور السنباطي كانت, من قبل لقائه بأحمد شوقي, تضرب عميقا في الإنشاد الديني وتجويد القرآن الكريم, وليس عجيبا أو غريبا أن كل عباقرة الموسيقى العربية في القرن التاسع عشر, والنصف الأول من القرن العشرين, كانوا إما من المشايخ, أو من أبناء المشايخ. وهذه القاعدة تنطبق بدقة أكبر على عباقرة تلحين القصيدة الغنائية. فقد كان سلامة حجازي وأبو العلا محمد من المشايخ, أما عبدالوهاب ورياض السنباطي فكانوا من أبناء المشايخ.
ونشأة السنباطي الأولى كانت شديدة الشبه بنشأة أم كلثوم الأولى, فقد كان لوالد كل منهما, فرقة إنشاد ديني تجوب قرى الريف المصري (وجه بحري), وكان والد رياض السنباطي يصحبه في حفلات الإنشاد الديني, اتكالا على صوته الواعد, كما كان يفعل الشيخ إبراهيم البلتاجي بابنته أم كلثوم.
كان رياض السنباطي إذن قادما من خلفيات مشتركة مع كل عباقرة وموهوبي عصره:
ـ تربى في أحضان الإنشاد الديني ومارسه مع والده.
ـ اطلع على تراث القرن التاسع عشر, وتراث النهضة الدرويشية في مطلع القرن العشرين.
ـ استند في توجهه إلى تجاربه الأولى في تلحين القصيدة الغنائية على إنجازات الفرسان المؤسسين الثلاثة: الحامولي وسلامة حجازي وأبو العلا محمد, وعلى النهضة الحديثة في فن القصيدة الغنائية, التي أطلقها من عقالها وفتح أمامها كل الآفاق, محمد عبدالوهاب.
لم يبق أمام السنباطي بعد أن ملأ خزانه الوجداني بتراث الإنشاد الديني, وتراث النهضة الموسيقية - الغنائية الأولى المخضرمة بين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين, وعايش بدايات النهضة التجديدية الثانية التي أطلقها سيددرويش, على أيدي محمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب, لم يبق أمام السنباطي بعد ذلك سوى الانطلاق للتعبير عن شخصيته الخاصة المميزة في هذا السياق النهضوي التصاعدي.
حدث عند ذلك المنعطف أن ذهب السنباطي في بداية الثلاثينيات للالتحاق بمعهد الموسيقى العربية طالبا, فاكتشفت اللجنة الفاحصة عندما استمعت إلى عزفه على آلة العود, أنها إنما تستمع إلى أستاذ لا إلى تلميذ.
ملحن استثنائي
لا تكشف هذه الحادثة فقط عن براعة السنباطي كعازف عبقري على آلة العود, نضجت مواهبه واكتملت في وقت مبكر, ولكنها تكشف بالتأكيد عن ولادة ملحن استثنائي, ذلك أن براعة رياض السنباطي في العزف على آلة العود لا تقتصر (كما ثبت فيما بعد) على براعة في السيطرة التقنية على الآلة, ولكنها تستند قبل ذلك إلى خيال موسيقي مجنح, وذخائر من الأحاسيس الفنية العميقة الغور, كان أثرها يبدو جليا واضحا كلما أمسك رياض السنباطي العود لمداعبته, وبقيت تلك ميزة واضحة حتى عندما قدم السنباطي بعض التقاسيم في مقابلته المطولة النادرة للتلفزيون الكويتي في أواخرأيامه.
كذلك حدث عند ذلك المنعطف في بداية حياة السنباطي, أن التحق مدة وجيزة بفرقة محمد عبدالوهاب في مطلع الثلاثينيات (تبدو صورته مع الفرقة الموسيقية في فيلم عبدالوهاب الأول (الوردة البيضاء)). ومن المؤكد أن ذلك لم يكن تعبيرا عن حاجة السنباطي للعمل في فرقة موسيقية, بقدر ما كان تعبيرا عن إعجاب مبكر بفن عبدالوهاب وجرأته التجديدية. ومن المؤكد أن الفنانين الكبيرين بقيا يتبادلان الإعجاب والاحترام, طوال زمالتهما الفنية, على عكس ما يشاع أحيانا في كواليس (الصحافةالفنية). فقد أتيح لي أن أستمع إلى عبارات واضحة في الإعجاب المميز الذي كان عبدالوهاب يكنّه لفن رياض السنباطي (على لسان ابنه الثاني أحمد) كما قدر لي الاستماع إلى تسجيل لسهرة فنية منزلية في بيروت, كان السنباطي يتحدث فيها باحترام وتقدير لا حدود لهما عن فن عبدالوهاب وأم كلثوم, ويدعو الساهرين إلى حمد الله على أننا عشنا في عصر هذين الفنانين الاستثنائيين, ويرفض مقارنتهما بأي من كبارالفنانين المعاصرين.
أستذكر كل هذه التفاصيل لاستكشاف العناصر التي تؤكد أن عظمة السنباطي الفنية (في فن القصيدة الغنائية مثل غيرها) التي ملأت القرن العشرين بقلاع شامخة في فن القصيدة, إنما استندت إلى كون السنباطي حلقة في العقد المتصل لكل المبدعين الذين سبقوه أو رافقوه, تماما كما استندت إلى تميز مواهبه الخاصة المتفردة وشخصيته الإنسانية والفنية الشديدة التميز.
يكتشف كل من يقترب من مكونات الشخصية الإنسانية لرياض السنباطي, أنه كان محكوما بالاتجاه إلى فن القصيدة, أكثر من سواه من فنون الموسيقى والغناء العربيين. من ذلك رصانته وجديته في حياته الخاصة والعامة, وميله العميق لحياة العزلة الاجتماعية التي تنتمي إلى حال التصوف والتأمل.
تحفة موسيقية
لكل هذه الأسباب والعناصر المكونة, لم يكن غريبا أن رياض السنباطي, عندما كان يخوض تجاربه الأولى المبكرة في فن القصيدة الغنائية, خرج علينا بتحفة تاريخية رائعة, تصلح لأن تكون تتويجا لرحلة طويلة في فن تلحين القصائد, أكثر مما تصلح لتكون خطوة أولى في هذه الرحلة, عنيت بذلك رائعته لأم كلثوم (سلوا كئوس الطلا), التي صاغ شعرها أمير الشعراء أحمد شوقي, تعبيرا عن إعجاب لا حدود له بأم كلثوم وغنائها.
إن تحليلا دقيقا لمكونات هذه القصيدة الغنائية, يجعلنا نضع اليد على أنها احتوت كل العناصر التي أسس عليها السنباطي فيما بعد الخط الأبرز في عمارته الشاهقة لفن القصيدة, وهو الخط الذي تغلب عليه المشاعر الصوفية (حتى عندما يكون موضوع القصيدة عاطفيا) كما تتجلى فيه فنون العمارة الهندسية العربية الكلاسيكية (بما يشبه قصور العرب في الأندلس, ويذكّر بها) مما ينعكس بدقة وأمانة وعظمة فنية على الهندسة الموسيقية لعمارة القصيدة الغنائية, وهو الخط الذي أكمله السنباطي فيما بعد في قصائده الدينية مثل سلوا قلبي ونهج البردة وولد الهدى وحديث الروح, وقصائده العاطفية مثل الأطلال, وقصائده الوطنية مثل (مصر تتحدث عن نفسها) و(صوت الوطن), والوصفية مثل قصيدة النيل.
ويجدر بنا الملاحظة هنا أن هذا الخط الأول إنما شكل في الرصيد العام لإبداعات السنباطي في فن القصيدة الغنائية, اللون الطاغي والمهيمن, حتى أن كثيرا من المعجبين بفن السنباطي (بمن فيهم بعض النقاد المختصين) يذهبون في إعجابهم بهذا الخط إلى درجة إهمال الخط الآخر البارز الوضوح في الإبداع السنباطي في مجال القصيدة الغنائية, الذي يتجه إلى آفاق الرومانسية والدرامية, بعيدا عن الخط الأول, وإن كانت شخصية السنباطي الفنية المميزة تبقى قاسما مشتركا واضحا بين الخطين.
وإذا كان الخط الثاني يبدو متقطعا ومقلا في لقاءات السنباطي بأمكلثوم, فينحصر في ألحان مثل اذكريني (في بداية التعاون المشترك) وقصة الأمس (في العصر الوسيط) وأقبل الليل ومن أجل عينيك, في أواخر الرحلة السنباطية - الكلثومية المشتركة, فإنه يتجلى بوضوح أكبر, في القصائد التي لحّنها السنباطي وغناها بصوته مثل فجر والزهرة (ذات يوم يا حبيبي) وأشواق. وإلى هذا الخط تنتمي القصيدة الرومانسية - الدرامية الخالدة التي صاغها أحمد رامي ولحّنها السنباطي وغنته اأسمهان في فيلمها الثاني والأخير (غرام وانتقام) وهي قصيدة:
أيها النائم عن ليلي, سلاما
لم يكن عهد الهوى إلا مناما
فهذه القصيدة المنطلقة من صميم الشخصية الفنية لرياض السنباطي, ذهبت إلى آفاق رومانسية - درامية عميقة حتى لتبدو أشبه بموسيقى (القداس الجنائزي) (ريكويام) في الموسيقى الكلاسيكية الأوربية.
المطرب الذي توارى
ولا يكتفي إبداع السنباطي في هذه القصائد الرومانسية بالارتقاء باللحن إلى مستويات مدهشة في المعادلة بين الأصالة والحداثة, ولكنه يكشف فيها (عدا قصيدة أيها النائم التي غنتها أسمهان) عن مطرب كبير, آثر أن يتوارى, تاركا لحنجرة أمكلثوم مهمة ترجمة ألحانه, وترجمة لإعجاب لا حدود له كان من المؤكد أن السنباطي يكنه لعظمة عبدالوهاب في الأداء الغنائي الرفيع.
ولعل أهم رأي قيل في مستوى الأداء الغنائي لرياض السنباطي, هو ذلك الذي كان محمد عبدالوهاب لا يكف عن ترديده فيقول:
(لو لم يغن السنباطي غير قصيدة (أشواق), لوجب اعتباره مطربا كبيرا).
برياض السنباطي, اكتملت حلقات العقد التاريخي للفرسان التاريخيين لفن القصيدة الغنائية العربية المعاصرة, وهو العقد الذي بدأ بعبده الحامولي وسلامة حجازي وأبو العلا محمد, واكتمل بمحمد عبدالوهاب ورياض السنباطي, الذي لم يكن فقط واحدا من فرسان القصيدة الغنائية العربية, ولكنه تحول راهبا في محرابها, حتى آخرأنفاسه الفنية.


إلياس سحّابالمصدر:

www.alarabimag.com (http://www.alarabimag.com)

wahdani
04/10/2006, 14h56
رياض السنباطى فى





ياحبيب الروح

بخصوص هذه القصيدة أريد أن اضيف لبنة جديدة إلى الصرح السنباطي العظيم، إنها لبنة التواضع وعدم التطاول على حقوق الغير. ذلك أن هذه القصيدة سبق وأن لحنها الأستاذ عبد الحميد بن ابراهيم وأدتها المطربة فوزية صفاء وأذاعتها إذاعة المملكة المغربية على أمواجها تحت عنوان (ساعة لقاء) منذ أكثر من 25 سنة. وقبل أن يلحنها ويغنيها الموسيقار رياض السنباطي طلب الإذن كتابة من ملحنها كما جاء في الحديث الصحفي، الذي وللأمانة التاريخية أضعه رهن إشارتكم كاملا غير منقوص مرفقا بالتسجيل الإذاعي للقصيدة من ألحان المغربي محمد بن إبراهيم عازف الناي في فرقة الإذاعة الوطنية في الستينيات، وبصوت الفنانة المغربية المعتزلة فوزية صفاء.

وللأستاذ أسامة الحق في التوثيق وبالتالي وضع هذه الوثيقة المميزة في الصفحة التي يرى أنها مناسبة وشكرا.


عبد الحميد بن إبراهيم


عبد الحميد بن إبراهيم هو فنان غني عن التعريف. وهذه ليست عبارة جاهزة، فأكيد أن نايه الحاضر في آلاف القطع المغربية مازال محفورا في ذاكرة معظم المغاربة. وكما احتفظنا له بصورة الفنان الناياتي، احتفظنا له أيضا بصورة الملحن الذي أبدع قطعا وأغاني خالدة. فمن يمكن أن ينسى قصيدة "رموش" و"ذكرى طفولة" و"فردوس الحبيب"
الأستاذ عبد الحميد بن إبراهيم تحدث كثيرا وبمرارة عن إغفال وسائل الإعلام لدوره وإسهامه في إثراء الحياة الموسيقية والغنائية بالمغرب واكتشاف مواهب فنية صارت فيما بعد نجوما.

هناك تعددية في الأبعاد الشخصية الفنية للأستاذ عبد الحميد بن إبراهيم. فلنبدأ بأكثرها شهرة، بالفنان الناياتي. هل الناي هو أقرب الآلات الموسيقية إلى نفسك أم أنك تعاملت وتتعامل مع آلات أخرى لها أهميتها؟

طبعا آلة الناي بالنسبة لي هي أولى الآلات التي نشأ بيني وبينها حب منذ الطفولة. فإذا تذكرتم برنامج (بحمدون) الذي كان يشرف عليه الأستاذ إدريس العلام، كنت أقدم فيه فواصل على آلة الناي، وأنا في السابعة من عمري، وبعدها التحقت بالمعهد الموسيقي وتلقيت دراستي تحت إشراف الأستاذ الكبير الطاهر الزمراني الذي أخذت منه الكثير. إن آلة الناي هي الآلة التي اشتهرت بها داخل وخارج المغرب وعند فطالحة الطرب العربي في مصر وعلى رأسهم الأستاذ محمد عبد الوهاب والسيدة أم كلثوم التي حصل لي شرف الاشتغال معها وكذلك مع عبد الحليم حافظ وذلك رفقة خيرة العازفين من العالم العربي. وحينها لقب عبد الحميد بن إبراهيم بملك الناي في العالم العربي. إضافة إلى أنني اشتغلت على هذه الآلة رفقة الجوق الوطني منذ الستينات والى غاية التسعينات. لذلك فآلاف القطع المغربية كان حاضرا فيها ناي عبد الحميد بن إبراهيم. بالنسبة لباقي الآلات فانا أعزف على الاورغ وقليلا على الكمان وطبعا العود الذي يساعدني على التلحين والإبداع في مجال الأغنية المغربية والعربية عموما. كما أنني أعلم الغناء )مثلا التدريب على مخارج الحروف( وهنا ألوم الصحافة ووسائل الإعلام على إغفال هذه النقطة، خصوصا وأنني احتضنت مطربين مغاربة كبارا في بداية مشوارهم كمحمد الحياني وعبد المنعم الجامعي على سبيل المثال.

ما هي الإضافة النوعية التي تضيفها آلة الناي على الأداء الموسيقي للجوق الوطني بتعدد آلاته كما نعلم؟هل يمكن الأداء الآلي الجماعي بدون ناي مثلا؟

آلة الناي داخل الفرقة أو التخت الموسيقي هي طعم الملح في إبداع أي فنان، فآلة الناي داخل الفرقة الموسيقية منفردة، تؤثر تأثيرا رهيبا، وهذا النغم المنفرد يضفي على اللحن رونقا وإبداعا، فتغييب آلة الناي يذهب بخمسين بالمائة من الرقة والرهافة والإبداع، إذن فدور آلة الناي أساسي وضروري في الأغنية العربية عموما. لكن اليوم وقع تراجع في الاشتغال بآلة الناي ذلك أن الاورغ آلة الكترونية، جامعة لآلات موسيقية عديدة من بينها الناي، لكن يبقى الأداء بالاورغ تقنيا وليس روحيا. أما القصبة الجوفاء فصاحبها هو نفسه ناي، وذلك بشعوره وإحساسه، لأنه ينفخ فيه من روحه، (ونفخنا فيه من روحنا( .إذن فهذه القصبة البريئة التي قد لا يعيرها البعض اهتماما هي ناطقة بأحاسيس العازف ومترجمة لكل ما يختزنه في أعماقه من أنغام، لذلك فالناي يمكن أن يخلق لدى المتلقين أحاسيس متضاربة، من شعور بالراحة أو الفرح وربما يخلق الرغبة في البكاء أو النوم، وهذا الذي أبكاهم وأفرحهم وأنامهم هو الناي، وهناك حكاية في هذا الباب تحكى عن الفارابي، وأحسست بها كثيرا وأنا عازف، إذن فالناي آلة مقدسة.

لنتحدث عن أنواع النايات، كيف يمكنك أن تصف لنا أشكال وأنواع النايات في المغرب؟ ما الفرق بينهم من حيث الصوت؟

بالنسبة لآلة الناي يجب أن يكون هناك طاقم يتألف من سبعة نايات، كل ناي يمتاز بأنغام مختلفة عن الأخرى. فآلة ناي واحدة لا تكفي. وعندما يصل العزف الموسيقي إلى قمته، يجب أن يحصر العازف نفسه في حوالي واحد وعشرين آلة، يعني سبعة + سبعة + سبعة. فالسبعة الأولى مضبوطة مع آلة البيانو الغربي، فما فوقها تزيد نغمة أو نوتة. باختصار، كل ناي له وظيفته الخاصة حسب الإبداع الفني واللحن الذي نريد عزفه.

بن إبراهيم تبدو عزوفا عن الظهور، أين اختفيت؟ وهل مازلت تواصل نشاطك الفني؟

نشاطي الفني لم يتوقف قط، وهنا يجب أن أقول إن الصحافة يجب أن تبحث عن الفنان لا أن يبحث عنها هو، يجب أن تكون ملمة بالمسار الفني للفنان منذ بداياته حتى وصوله مرحلة النضج، فالصحافة لم تتبع مسار الرواد، من أين بدءوا والى أين انتهى بهم الأمر. يجب أن تعرف إذا كانوا قد انتهوا فعلا أم مازالوا قادرين على الإنتاج الفني. طبعا، الراحلون رحمهم الله والباقون على قيد الحياة قلائل وأنا واحد منهم. فعبد الحميد بن إبراهيم عزف رفقة الجوق الوطني منذ 1960إلى1981 وأنا إضافة إلى كوني عازفا فانا منتج، وكان لي دور كبير في إبراز اكتشافات ومواهب صارت فيما بعد نجوما في سماء الأغنية المغربية. كما أنني اشتغل في مجال التربية الموسيقية فانا مدير المعهد الموسيقي لتماره. وكذلك رئيس جمعية النجوم للثقافة والفن، وهذا مالا يعرفه الجمهور المغربي، وهنا أشكر جريدتكم التي اهتمت بهذا الموضوع لان هناك الكثير من المسكوت عنه أو بتعبير آخر هناك نوع من التسلط الفني الذي يخلق من اللاشيء شيئا، فالفنانون الحقيقيون الذين كافحوا وضحوا من اجل الفن المغربي لا يملكون سوى الصحافة كمتنفس لهم حتى يبرزوا للجمهور تاريخهم ومسارهم الفني.

رصيدك الفني كملحن رصيد غني كما وكيفا، فما هي حكايتك مع الألحان؟ وماهي الأغنية التي تفضلها من بين أغانيك أكثر من غيرها؟ وكيف هي علاقتك بالمطربين الذين لحنت لهم؟

جل الألحان التي أنتجتها ناجحة وأستحضر هنا قصيدة أعتز بها وهي قصيدة "رموش" التي أداها عبد الهادي بلخياط ، ثم قصيدة "فردوس الحبيب" التي أداها محمد علي، وأول قطعة أداها محمد الحياني وهي قطعة "غياب الحبيب" وقصيدة "نهاية" لعبد المنعم الجامعي و"لون الذهب" لمحمود الإدريسي. أما بالنسبة لعلاقتي مع المطربين الذين تعاملت معهم فهي علاقة طيبة جدا. فمثلا أنا اليوم ونحن في سنة 2005 بصدد تلحين قصيدة لعبد الهادي بلخياط بعنوان"لن تراني "، وتعلمين أنني لحنت له سنة 1962 قصيدة "رموش". وهذا دليل على الاستمرارية. أي من عبد الهادي بلخياط إلى محمد سعيد )المطرب الطفل الذي يرافق الأستاذ بن إبراهيم في سهراته(. وهذا يعني أنه ما زال هناك بحث وتنقيب مستمر في مجال الأغنية حتى اليوم.

من المعروف انك مكتشف أصواتا من أجمل الأصوات المغربية، اقصد محمد الحياني وعبد المنعم الجامعي ومحمد علي فما هي قصتك مع هذه الاكتشافات؟

كنت أشترك أنا ومجموعة من الفنانين أمثال عبد القادر الراشدي و عبد النبي الجيراري في حب اكتشاف أصوات ومواهب جديدة، في فترة كانت الأغنية المغربية ما تزال محصورة في أصوات قليلة كالمعطي بلقاسم وإسماعيل احمد وأحمد البيضاوي ومحمد فويتح. وطبعا هؤلاء كانوا مبدعين كبارا وعباقرة. لكن تساءلت لماذا لا يمكن أن نضخ الأغنية المغربية بدماء جديدة وأصوات شابة، فابتدأت رحلة البحث وكان اتصالي الأول بالأستاذ محمد علي الذي كان يشتغل بالإدارة، واستمعت إلى صوته العظيم، فقررت أن ألحن له قصيدة من شعر المرحوم وجيه فهمي صلاح بعنوان "فردوس الحبيب "، وقد نالت إعجاب الجمهور المغربي واشتهر بها محمد علي إلى يومنا هذا. ويليه محمد الحياني الذي كان صديق أخي وقدمه لي على أساس انه يغني ويريد أن يتعلم الغناء ويصقل صوته. فاشتغلت معه لمدة ثلاث سنوات، وقدمته للإذاعة فتم رفضه وتكرر الأمر في المرة الثانية أما ثالث مرة فتم قبوله. وبعدما لحنت له أغنية "غياب الحبيب" وهي من كلمات علي الحداني، توالت عليه عروض الملحنين مثل احمد البيضاوي وحسن القدميري. وقمنا بجولات فنية في المغرب وتونس والجزائر فسطع نجمه. أما عبد المنعم الجامعي فقد استغرقنا حوالي سبع أو ثماني شهور من التمرينات والتدريبات، ثم قدمته للإذاعة وتم رفضه، وعانيت الأمرين حتى تم قبوله كمطرب. ولحنت له أول قصيدة وهي "نهاية " تليها أغنية "تحية الفلاح" وهكذا لاقى نجاحا داخل المغرب وخارجه في بعض الأقطار العربية.

هناك قصيدة سبق لك أن لحنتها واتصل بك حسب علمي الملحن الكبير رياض السنباطي ليطلب منك الإذن بإعادة تلحينها فما هي هذه القصيدة وكيف تم ذلك؟

عنوان القصيدة التي لحنتها قبل خمس وعشرين سنة هو "ساعة لقاء" من شعر الدكتور إبراهيم ناجي وأدتها المطربة فوزية صفاء والتي اكتشفتها كذلك. وتعاملت معها إلى جانب أسماء نسائية أخرى كنعيمة سميح وحياة الإدريسي وعزيزة جلال وسمية قيصر وسميرة بنسعيد .....
بالنسبة لقصيدة "ساعة لقاء" فهي أغنية صورت وعرضت في التلفزيون ونجحت نجاحا قياسيا. وقبل وفاة الرائد والملحن العملاق رياض السنباطي بعث لي برسالة خاصة يقول فيها: أود أن أعيد تلحين قصيدة "ساعة لقاء" فهل من الممكن ذلك؟ فأجبت برسالة أيضا قلت فيها إنه يشرفني أن هرما من مصر يطلب مني أن أوافق على إعادة تلحينها من طرفكم ووقعت الرسالة بالقبول. فأعاد رياض السنباطي تلحينها، وهنا اشكر أحد تلامذتي وهو الملحن جمال الأمجد الذي جاءني بنسخة من القطعة والتي تختلف عن إنتاجي، وهذا الاختلاف يسمح للمستمع بالقيام بمقارنة بين لحن كل من عبد الحميد بن إبراهيم ورياض السنباطي.

الملاحظ والمتتبع لتجربتكم الفنية اهتمامك بتلحين القصيدة العربية أكثر من القصيدة الزجلية. فما السر في ذلك يلاحظ؟

طبعا اللغة العربية هي اللغة السائدة من المحيط إلى الخليج، وبتلحيني للقصيدة فانا ألبي ما تريده الأذن الشغوفة بالطرب العربي الأصيل واطل باللغة العربية على الإيقاعات والأنغام العربية. والقصيدة لها وزنها في العالم العربي وتعتبر صلة وصل بين البلدان العربية الشقيقة، لكن أنا أبقى مغربيا ولابد لي من التعامل مع الإيقاعات المغربية لذلك فانا لم اغفل هذا الجانب ولي إسهامات عديدة واستحضر على سبيل المثال قطعة "اصبر يا قلبي" و"طريق النضال" و"غياب الحبيب" إذن فكلما وجدت قصيدة زجلية ذات مضمون عميق لا أتردد في تلحينها .

لكن القطع الزجلية التي لحنتها قليلة مقارنة مع القصيدة العربية.

الأمر يبقى مسألة ميول، وأنا سعيد على قدرتي على المزاوجة بين القصيدة العربية والزجلية.

كيف يمكن أن تلخص لنا أهم محطات حياتك الفنية وهي حافلة و الحمد لله؟

إن أهم محطات حياتي الفنية هي المهرجانات الفنية الكبرى خارج المغرب، حيث إنني شاركت في حوالي خمس وعشرين مهرجانا دوليا ومثلت فيها بلدي أحسن تمثيل، وهنا أشير إلى أنني في أوائل السبعينات عزفت على آلة الناي فوق قبر عمر الخيام وكان برفقتي المرحوم احمد الشجعي عازف الكمان وعمر الطنطاوي على العود وصالح الشرقي على القانون والأستاذ محمد كرم على الرق. وعزفنا نحن الخمسة فوق القبر بالليل بحضور الشاهنشاه بمدينة شيراز. إضافة إلى مهرجانات افريقية عديدة ... أما المحطة القوية في حياتي فهي إنشاء جمعية النجوم للثقافة والفن والتي كنت أقوم فيها بتعليم وتكوين مجموعة من العازفين والمطربين الذين يشتغلون الآن بالإذاعة. وأحس أنني نجحت في القيام بهذا العمل رغم أنني لم أتلقى أي دعم من أية جهة مسئولة. إلا أن هناك نوع من الاهتمام من طرف بعض المجالس البلدية كالمجلس البلدي باليوسفية والتقدم بالرباط، وعلى ذكر هذا المجلس البلدي فانا انتظر من السيد العمدة دعما ماديا ومعنويا للقيام بنوع من النهضة الثقافية في العاصمة. وحتى اتمم رسالتي التي بدأتها إنشاء الله.

في نهاية حوارنا ما الذي يتمناه عبد الحميد بن إبراهيم وهو في قمة نضجه وعطائه الفني؟

أتمنى إبراز شبابنا وجيلنا الجديد ومساعدته على ولوج العالم الفني والثقافي، فأنا حين سأتلقى هذا الدعم الموعود، يمكنني إنشاء أرضية للاشتغال وتحقيق كل ما أتمناه في مجال الأغنية ولكي نعيد المياه إلى مجاريها ولنستعيد الفن الحقيقي الذي يحفظ لنا هويتنا التي نعتز بها، ونصفي كل الأشياء الدخيلة على الفن، فانا أناشد كل من يحب هذا الوطن العزيز أن يلتفت إلى هذه النقطة الأساسية، لان شبابنا متعطش للفن وينادي بالاحتضان والرعاية والدعم.

النجذة النجذة
لااستطيع رفع القصيدة لطول حجمها (16 ميغا) وهو الموضوع الذي سبق أن طرحته في الصفحة المغاربية.

محمد الحمد
23/12/2006, 17h26
انطلاقته الكبرى في عالم القصيدة لكل ما سبق ذكره، لم يكن غريباً أن رياض السنباطي عندما كان يخوض تجاربه الأولى والمبكرة في فن القصيدة الغنائية، خرج بتحفة غنائية تاريخية تصلح لأن تكون تتويجاً لرحلة طويلة في فن تلحين القصائد، أكثر مما تصلح لتكون خطوة أولى في هذه الرحلة، ألا وهي رائعته لأم كلثوم (سلوا كؤوس الطلا) التي صاغ شعرها أمير الشعراء أحمد شوقي، وبالتحليل الدقيق لمكونات هذه القصيدة (كما فعل مؤرخو ونقاد الموسيقى) يجعلنا نضع أيدينا على أنها احتوت كل العناصر التي أسس عليها السنباطي فيما بعد الخط الأبرز في عمارته الشاهقة لفن القصيدة، وهو الخط الذي تغلب عليه المشاعر الصوفية حتى عندما يكون موضوع القصيدة عاطفياً، كما تتجلى فيه فنون العمارة الهندسية العربية الكلاسيكية بما يشبه قصور العرب في الأندلس ، ما ينعكس بدقة وامانة وعظمة فنية على الهندسة الموسيقية لعمارة القصيدة الغنائية، وهو الخط الذي اكمله السنباطي فيما بعد في قصائده الدينية مثل (سلوا قلبي ونهج البردة و ولد الهدى وحديث الروح) وقصائده العاطفية مثل (الأطلال) وقصائده الوطنية مثل (مصر تتحدث عن نفسها وصوت الوطن) والوصفية مثل (قصيدة النيل).

الخلاف بين أم كلثوم والسنباطي في عام 1955 وبعد أداء أم كلثوم لرائعة السنباطي (ذكريات) نشب خلاف بينهما وأعطى رياض متعمداً شهرزاد لحنه الكبير (يا ناسيني) وشارك بالعزف في تسجيل هذه الأغنية. وقد أدت شهرزاد هذه الأغنية في عيد شم النسيم في العام نفسه وكان الحفل مذاعاً على الهواء من الإذاعة المصرية ونجح اللحن واستعاده الجمهور عدة مرات، فلما استمعت أم كلثوم للراديو وبعد أن انتهت الأغنية أمسكت التليفون واتصلت برياض السنباطي وسألته دون مقدمات (عملت الأغنية دي إمتى؟) فأجاب رياض (الشهر ده) فقالت (ومن إمتى بتعزف عود في مقدمة أغانيك؟ إنت عمرك ما عملتها معايا؟) فأجاب (اللحن عاوز كده) وبعد هذه المحادثة عادت المياه إلى مجاريها وفهمت أم كلثوم أنها فقدت الكثير بابتعادها عن ألحان رياض وكان السنباطي يهدف من وراء اللحن أن يقول لأم كلثوم إنه بإمكانه أن يستمر من دونها.

ويقال إن أسباب الخصام بين رياض وأم كلثوم (يختلف التأريخ حول الفترة حيث يقال في بعض الكتب إنه انحصر بين عامي 1960 و1961 بينما يقول البعض أنه بدأ على فترات متقطعة منذ عام 1955) تعود إلى تدقيقه في كلمات الأغنية التي يلحنها وتدخل أم كلثوم في تعديل الجمل اللحنية التي يضعها، وفي مقولة أخرى أن الخلاف نشب بينهما بسبب الاختلاف على المال حيث ذكر السنباطي في أحد حواراته التليفزيونية المتأخرة أن ام كلثوم كانت تعطيه نقوداً قليلة نظير ألحانه وعندما كان يطالبها بزيادة كانت ترفض ويختلفان، لكنه قال في ألم وحسرة خلال هذا اللقاء التليفزيوني إ نه يتمنى لو كانت أم كلثوم عاشت وقدم لها ألحانه دون مقابل.

أرقام في حياة السنباطي ولد عام 1906 في حين يقول البعض أنه ولد عام 1891. توفي في العاشر من سبتمبر أيلول عام 1981. لحن 575 لحناً منها 203 ألحان للسيدة أم كلثوم وعشرون لحناً لنور الهدى وتسعة وثلاثون لحناً لليلى مراد وخمسة وعشرون لحناً لسعاد محمد واثنا عشر لحناً لنجاة وغنى بصوته 82 لحناً وغنى له صالح عبدالحي تسعة ألحان وعبدالغني السيد سبعة وعشرين لحناً إضافة إلى مطربين اَخرين غنوا له ألحاناً أخرى مثل شهرزاد وميادة الحناوي وغيرهما.

المصدر


http://www.e-sada.com/culturedubai/eqa3.asp

أبو وحيد
26/02/2007, 23h07
رياض السنباطي .. الجندي المجهول ..
كلما استمعت إلى إحدى الإذاعات التي تذيع أغاني الراحلة أم كلثوم .. اعتراني العجب ، كما يعتريني عندما أقرأ مقالات النقاد الفنيين أو أستمع إلى رأي رجل الشارع ..
فهناك تجاهل للسنباطي إما مقصود كما هو لدى النقاد العارفين بتاريخ أم كلثوم أو غير مقصود لدى رجل الشارع الذي إن أراد أن يدعي أنه سميع للطرب ويعرف في أم كلثوم يقول أنه سمع (إنت عمري) أو (سيرة الحب) أو (أمل حياتي) !!
والفئة الأخيرة معذورة لأن التركيز في الإذاعات منصب على الأغاني السالفة الذكر .. أما بعض النقاد وليس كلهم فهم من أستغرب موقفهم .. فإن كان الناقد تعبيرياً محباً للتغريب تراه يمجد القصبجي ورائعته ( رق الحبيب ) وإن كان شرقياً أصيلاً تراه يمجد زكريا أحمد .. وإن كان الناقد إمعةً لا رأي له تراه يمجد ( أنت عمري ) من منطلق الجهل بروائع عبد الوهاب القديمة والتقليد لا من منطلق الإكبار له ، وكل الملحنين السالف ذكرهم جهابذة ولا غبار عليهم إلا أنه إن أردنا سبر تاريخ أم كلثوم ، يكون من الكفر والإجحاد ، إنكار الفترة الذهبية ، فترة الأربعينات التي تربعت فيها أم كلثوم فعلياً على عرش الطرب وهذه الفترة كان الفضل الأول والأخير فيها للعبقري رياض السنباطي ..
رياض السنباطي هو الملحن الذي لحن لأم كلثوم ألحاناً أكثر من القصبجي وزكريا وعبد الوهاب مجتمعين .. وإن أقررنا أن اللحن الجميل هو الذي يصنع المطرب فأقولها وبكل ثقة إن أم كلثوم هي رياض السنباطي وكوكب الشرق استمد أشعته من شمس رياض السنباطي .
محمد القصبجي الذي لحن لأم كلثوم في بداياتها ورائعته ( رق الحبيب ) تُذكر دائماً
( وأشدد على أني لست بمعرض الطعن بالملحنين العظام ، لكنني بمعرض تحديد من منهم أسهم في مسيرة أم كلثوم الفنية أكثر من غيره ) على أن ( رق الحبيب ) من الناحية الفنية التعبيرية التي تهتم بالصورة السمعية أكثر من التطريب لا تزيد روعة عن الأطلال التي تجمع روعة التعبير في بدايتها واللحن الراقص في منتصفها والشجن الأصيل في منتهاها !!
لكن إذا ذكرت الأطلال لا يذكر السنباطي وكأنها أغنية يتيمة أو بنت حرام ؟؟!!!!!
أما زكريا أحمد ورائعته ( الآهات ) و ( الأمل ) فهما أغنيتان رائعتان .. إلا أنه لم يتخلص فيهما من الموروث الطربي القديم القائم على إهمال الإيقاع والتركيز على الآلات اوترية أكثر من الكمنجة ، والنقلات الموسيقية غير المترابطة ( لكنها رائعة وتحمل عبقرية فطرية ) مما يجعلك تحس وأنت تسمع الأغنية أنك تسمعها في قهوة شرقية قديمة أو في جلسة إنشاد وهو إحساس جميل لا ريب ، إلا أن التكنيك الموسيقي من حيث توزيع أدوار الآلات والإيقاع مفقود ، فالإيقاعات بطيئة جداً مما يجعل المستمع يشعر بالملل وأحياناً لا يميز الكوبليه من الآخر حيث يدخل زكريا من كوبليه إلى كوبليه مباشرة دون قفلة وارجعوا إلى أغنية ( الأمل ) تروا ذلك واضحاً . وأين ذاك من التحفة الشرقية الأصيلة ( رباعيات الخيام ) ؟ استمعوا فقط إلى المقدمة الموسيقية التي تبدأ بهدوء معبرة عن سكون الليل ثم تتعالى الألحان والنغمات وتتراقص الإيقاعات لتعبر عن إغراء الحياة ثم استمعوا إلى الموسيقى الصوفية في نهاية الأغنية التي تعبر عن الندم والتوبة وانظروا إلى توظيفه لطبقات صوت أم كلثوم العالية .
أما العملاق ورابع الأهرام محمد عبد الوهاب فمن استمع إلى ( النهر الخالد )
أو ( إجري وصلني ) أو ( عندما يأتي المساء ) أو رائعته الأخيرة التي أثبت فيها أنه عبقري حتى آخر نفس يتردد في روحه ( من غير ليه ) يعرف ماذا أقصد عندما أقلل
من شأن ( أنت عمري ) أو ( أمل حياتي ) إذ بدا في الأغاني التي لحنها لأم كلثوم في محاولة يائسة لتقليد بليغ حمدي ( الصيحة الحديثة في عالم التلحين والذي أجبر كبار ملحني عصره على الجلوس في المنزل ) ولمن يقول إن هذه الألحان وألحان بليغ كانت ملائمة للعصر فأقول إستمعوا مرة أخرى لـ ( الأطلال ) التي لا تحمل الحزن فقط بل فيها مقطع راقص بديع ( هل رأى الحب سكارى ) واستمعوا إلى توظيف السنباطي للجيتار الكهربائي و تقاسيم الأكورديون ولمحة من الآلات الغربية في أغانيه الأخيرة لأم كلثوم مثل ( من أجل عينيك ) .
أما من يدعي أن السنباطي تقليدي فهذه دعوى فيها نظر ، وربما غلطة السنباطي أنه لم يكن تجارياً بل أخلص للصوت الشرقي الفريد صوت أم كلثوم ، ومنحه من الألحان ما يوائم ذلك الصوت ، لكن إن أردت الإستماع إلى موسيقى مختلفة للسنباطي فاستمع إلى ( على بلد المحبوب وديني ) أو ( إن كنت ناسي أفكرك ) . لكن السنباطي سجن نفسه في صوت أم كلثوم وهي أحسنت إستغلال ألحانه وعندما أرادت مجاراة عصر الثورة الردئ وما تبعه من فقدان الكلاسيكية التي تميز بها الطابع الملكي المصري ، ورواج السوقية التي روجت لها الثورة لتقدم نفسها على أنها نصير الجماهير الكادحة والفلاحة والأمية ، ذلك العصر الذي كان عصر عبد الحليم و كمال الطويل و الموجي وأغاني تافهة مثل ( توبة ) التي تُذاع جنباً إلى جنب مع ( رباعيات الخيام ) و ( يا ظالمني ) ، ثم فترة السبعينات التي ملكها بليغ حمدي وأصبحت ( زي الهوى ) تُذاع مع الأطلال ، كان لا بد لأم كلثوم أن تصد ذلك الزحف السوقي ، فترجلت عن صهوة الفرس الأصيل رياض السنباطي لتركب " ببسكيليتة " بليغ حمدي لتلحق بالركب .
رياض السنباطي الذي عرّفه أحد النقاد الموسيقيين بأنه أعظم من أمسك العود في القرن العشرين ، السنباطي الذي جاء إلى المعهد الموسيقي في القاهرة ليستزيد في تعلم العود فوضعته لجنة الإستماع معلماً في المعهد !
السنباطي حارس القصيدة العربية ، بل هو القصيدة العربية ، فقصائد غيره تضحي طقطوقات أمام قصائده .
القصبجي امتلك النقاد وخسر الجمهور ( لهجر أم كلثوم له فأضحى منسياً للجمهور ) ، وبليغ حمدي امتلك الجمهور ، وعبد الوهاب امتلكهما معاً ، أما الجندي المجهول رياض السنباطي فخسر الإثنين لكن يكفيه ( رباعيات الخيام ) ( يا ظالمني ) ( ذكريات ) ( يللي كان يشجيك أنيني ) ( جددت حبك ليه ) ( الأطلال ) ( ثورة الشك ) ( نهج البردة ) ( سلوا قلبي ) ( ولد الهدى ) ..... هذه هي الثروة الحقيقية فالنقاد يذهبون والجمهور تتغير أمزجته أما الروائع فخالدة ..

مع تحياتي ..
أبو وحيد ..

Oud Soul
30/04/2007, 11h05
نقيب قراء ومحفظي القرآن في مصر: علمت رياض السنباطي القرآن وعلمني الفن والموسيقى

الشيخ أبو العينين شعيشع لـ الشرق الاوسط : قراء القرآن القدامى ظاهرة فريدة لن تتكرر .. والجدد كالببغاء يقلدون من دون فهم


أحمد عبد الله
يكشف الشيخ أبو العينين شعيشع نقيب قراء القرآن في مصر، صفحات مجهولة وشيقة في مسيرة شيوخ قراء القرآن القدامى المصريين، وكيف جمعوا بين حلاوة الصوت والأداء، وبين التفقه في أمور الدين والأدب، وإيقاعات الموسيقى ومقاماتها، فكانت قراءاتهم تخرج من الأعماق وتصل إلى قلوب المستمعين بعذوبة وحب. ويرى الشيخ شعيشع عضو لجنة اختبار القراء بالإذاعة والتلفزيون، في حواره مع «الشرق الأوسط» في القاهرة، أن القراء القدامى لن يعوضوا ولن يجود الزمان بمثلهم، لأنهم كانوا مدارس في الأداء لن تتكرر مرة أخرى. ويؤكد أن ضعف مستوى القراء في الوقت الحاضر يرجع إلى طغيان الماديات وتنافس القراء على الأموال وجهلهم بطرق الأداء والمقامات الموسيقية. وتطرق الحوار إلى تجربته في هذا المضمار.. وهنا نص الحوار:
> لماذا ضعف مستوى قراء القرآن في الوقت الحاضر؟ ولماذا لا تظهر أصوات جيدة مثل تلك التي كانت موجودة بين أبناء جيلك؟ ـ الزمن الذي نعيش فيه ليس مثل الزمن الذي ظهر فيه هؤلاء القراء العظام، فنحن نعاني الضعف والتدني ليس في قراءة القرآن الكريم فقط وإنما في مجالات كثيرة، في الأدب والشعر والفن والموسيقى وغير ذلك، وحتى نستطيع إعداد قارئ جيد لا بد أن يكون عاشقا للقرآن ومحبا له ويتفانى من أجله، لا أن يتخذ من القرآن مجرد وسيلة للكسب.> هل أثر اختفاء الكتاتيب، التي كان يتعلم فيها الصغار حفظ القرآن في غياب القراء المجيدين؟ ـ الكتاب يتولى تحفيظ القرآن وتجويده وتعليم الصغار كيف يقرأون القرآن، أما الأصوات فهي موهبة من الله لا دخل لنا فيها، والقارئ الجيد هو الذي يستغل صوته في أداء القرآن بالصورة التي ينبغي أداؤه بها، من خشوع ومعرفة بالمقامات الموسيقية وكيف يغير المقامات وينتقل من مقام إلى آخر أثناء القراءة، فهناك مقامات بياتي وحجاز وسيكا ونهاوند وراست ورامل وغيرها، وكل هذه المقامات موجودة في القرآن وأغلب القراء لا يعرفون هذه المقامات، وأذكر أنني كنت أنا والمرحوم رياض السنباطي نتزاور، وكان يسكن بجواري في منطقة حدائق القبة وكنت أعلمه القرآن ويعلمني الفن والموسيقى، وأذكر أنني جئت من بلدتي بيلا بمحافظة كفر الشيخ إلى القاهرة في عام 1939 وكنت أسجل للإذاعة، ثم أعود إلى بلدتي إلى أن قابلني المرحوم جليل بنداري في الإذاعة وقال لي الأستاذ محمد عبد الوهاب يبحث عنك ويريدك، فذهبت إلى منزله في العباسية واستقبلني بترحاب شديد وأخذ يثني عليّ وعلى أدائي، وعبد الوهاب كان عبقريا في الاستماع ومعرفة طبقات الصوت، لدرجة أنه في أواخر أيامه انتقد أحد القراء بشدة، لأن أداءه كان سيئا، رغم أنه قارئ مشهور وطلب من الكاتب الصحافي محمود السعدني أن يلفت نظر هذا القارئ ويقول له أن صوتك جيد، لكن أداءك ليس قرآنيا. فالصوت والأداء القرآني موهبة من الله ونحن تعلمنا ممن سبقنا، ولم نتعلم في معاهد موسيقية ولا فنية ولم نتعلم الأصوات وغيرها، وإنما تعلمنا من خلال سماع القراء القدامى الذين كانوا مدارس لا تتكرر،

أبو حجوز
15/07/2007, 10h31
أخي العزيز أبو وحيد .
طول عمري وأنا أقرأ للذين يشتكون من ( هضم الإعلام المقصود للسنباطي ) ولكني وللحق لم أقرأ مقالاً قوياً ومعبراً في هذا الأمر مثلما قرأت في مقالك .
وقد تذكرت مقالة في صحيفة عندنا في السعودية لكاتب يدعى ( أنس زاهد ) يقول فيها أن الإعلام يتجاهل عبقرية السنباطي من أجل عيون عبد الوهاب .. ولكن الزمن وحده كفيل بأن يعيد للسنباطي حقه التاريخي كأفضل من صنع الموسيقى العربية وقد وصفه هذا الكاتب بأن ألحان السنباطي حينما تسمعها تحس أنك ترتقي إلى السماء وأن هناك شبح عملاق يكتنفك ويلفك بالغموض ذاك هو السنباطي الذي تتجلى كل المعاني في وصفه .. ومهما أطلقت العنان لقلمك في مديحه فإنك لا تخشى أن تكون قد بالغت في المديح .
وبالرغم من أنني من عشاق بليغ حمدي وموسيقاه السريعة إلى القلب .. إلا أنني أعتقد أن وصف بسكليته على بليغ مقارنة بالسنباطي هو وصف مبالغ فيه لأن بليغ مقابل السنباطي أقل من البسكليته بكثير .. وهذا اعتراف مني بعبقرية السنباطي على حساب بليغ الذي أعشقه ..
والبسكيلته تنطبق على كثيرين غير بليغ حمدي .. بل أنها تنطبق على الجميع بالمقارنة مع السنباطي .
رحم الله رياض السنباطي .. ورحم أيامه وأيام روائع أم كلثوم الحقيقية ( أم كلثوم السنباطية ) .

تحياتي ،،،

hard11
29/07/2007, 14h31
لم تتمالك أم كلثوم نفسها عند سماع ألحانه وموسيقاه فوصفه بعبقري الطرب، ولم يستطع القائمون على معهد الموسيقي قبوله كطالب بعدما أبهرهم بمستواه الفني، فكان قرارهم بتعيينه كمدرس لآلة العود بالمعهد، ولم ينتظر المجلس الدولي للموسيقي في باريس وفاته حتى يعلن تكريمه فمنحه جائزته في عام 1964 وصنفه ضمن أفضل مائة موسيقي في العالم. إنه أمير النغم الذي أثرى الموسيقى العربية بالكثير من الألحان والأغنيات التي لا تملك عند الاستماع اليها الا الانبهار بها. إنه رياض السنباطي الموسيقار العربي الوحيد، الذي فاز بجائزة اليونسكو كأحد خمسة علماء موسيقيين من العالم.
اسمه بالكامل محمد رياض السنباطي والمولود في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1906 في مدينة فارسكور التابعة لمحافظة دمياط بشمال دلتا مصر، وكان والده مقرئا تعود الغناء في الموالد والأفراح والأعياد الدينية في القرى والبلدات الريفية المجاورة، وتتفتح أذنا الفتى الصغير على أبيه وهو يعزف على العود، ويغني الغناء الأصيل والتواشيح الدينية، فلما بلغ التاسعة من عمره، ضبطه والده عند جارهم النجار هاربا من المدرسة، يضرب على العود ويغني بصوته أغنية «الصهبجية» لسيد درويش فطرب لصوته، وقرر أن يصطحبه معه للغناء في الأفراح، وكان ذلك خاتمة عهد عصر سلامة حجازي وفاتحة عصر سيد درويش، كانت لمصر دنياها، وللأرياف دنياها، لكن بداية ظهور الأسطوانة والفونوغراف سنة 1904 مكنت الصلة بينهما.. فاستمع الفتى الصغير إلى عبد الحي حلمي ويوسف المنيلاوي وسيد الصفطي وأبو العلا محمد وتتلمذ على أيديهم من دون أن يراهم، الا أنه ظل دائما مدينا لوالده الشيخ محمد الذي قام بتعليمه تراث الموسيقى العربية، ومن بينها أغنيات لمحمد عثمان وعبده الحامولي. لم تطل إقامة الشيخ السنباطي الكبير في فارسكور، فنزح إلى المنصورة عاصمة الدقهلية وألحق ابنه بأحد الكتاتيب، ولكنه لم يكن مقبلا على الدرس والتعليم بقدر إقباله وشغفه بفنون الموسيقي العربية والغناء. وتهيئ الأقدار للصبي الطريق الذي يتفق مع أهوائه وميوله، حيث أصيب وهو في التاسعة من عمره بمرض في عينه، أحال بينه وبين الاستمرار في الدراسة، وهو ما دفع بوالده الي التركيز على تعليمه قواعد الموسيقي وايقاعاتها. وقد أظهر رياض استجابة سريعة وبراعة ملحوظة، فاستطاع أن يؤدي بنفسه وصلات غنائية كاملة، وأصبح هو نجم الفرقة ومطربها الأول وعرف باسم «بلبل المنصورة»، وقد استمع الشيخ سيد درويش لرياض فأعجب به أعجابا شديداً وأراد أن يصطحبه إلى الإسكندرية لتتاح له فرصاً أفضل، ولكن والده رفض ذلك العرض بسبب اعتماده عليه بدرجة كبيرة في فرقته. وفي عام 1928 كان قرار الشيخ السنباطي الاب بالانتقال الى القاهرة مع ابنه، الذي كان يرى انه يستحق أن يثبت ذاته في الحياة الفنية، مثله مثل أم كلثوم التي كان والدها صديقا له قبل نزوحه الى القاهرة. في ذلك العام بدأ السنباطي مرحلة جديدة من حياته لا يمكن وصفها بالسهولة. وإزاء تلك الصعوبات كانت رغبته في إثبات ذاته، وسط مناخ المنافسة الشديد ولهذا وفي تواضع جم وإنكار لذاته ولقدراته، وامتثالاً لواقع الأمور تقدم بطلب لمعهد الموسيقى العربية، ليدرس به فاختبرته لجنة من جهابذة الموسيقى العربية في ذلك الوقت، الا أن أعضاءها أصيبوا بنوع من الذهول، حيث كانت قدراته أكبر من أن يكون طالباً لذا فقد أصدروا قرارهم بتعيينه في المعهد أستاذا لآلة العود والأداء. ومن هنا بدأت شهرته واسمه في البروز في ندوات وحفلات المعهد كعازف بارع. ولم تستمر مدة عمله بالمعهد إلا ثلاث سنوات، قدم استقالته بعدها حيث كان قد اتخذ قراره بدخول عالم التلحين، وكان ذلك في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي عن طريق شركة أوديون للاسطوانات التي قدمته كملحن لكبار مطربي ومطربات الشركة ومنهم عبد الغني السيد، ورجاء عبده، ونجاة علي، وصالح عبد الحي. ومع تطور اسلوب السنباطي وسطوع نجم ام كلثوم في منتصف الثلاثينيات، كان لا بد لهذين النجمين من التلاقي. وكانت البداية بأغنية «على بلد المحبوب وديني»، التي قدمت عام 1935 ولاقت نجاحا كبيرا. لينضم السنباطي الي جبهة الموسيقي الكلثومية والتي كانت تضم القصبجي وزكريا أحمد. الا أن السنباطي كان مميزا عن الآخرين فيما قدمه من ألحان لأم كلثوم بلغ عددها نحو 90 لحنا، الى جانب تميزه فيما فشل فيه الآخرون الا وهي القصيدة العربية التي توج ملكا على تلحينها. سواء كانت قصيدة دينية أو وطنية أو عاطفية. فمن منا لا يذكر الاطلال تلك الرائعة التي تغنت بها أم كلثوم عام 1966 وحققت وما زالت تحقق حتى الآن أعلى مبيعات الابومات الغنائية. كما لم تكن القصيدة العربية وحدها هي التي رسمت ملامح نتاج السنباطي الكلثومي، وهي ملامح أثرت حتى في أغنياته الزجلية الكلثومية أيضا، بل اتخذت الأغنية الدينية والقصائد الوطنية مكانتها في تشكيل هذا الصرح. وكانت لأمير الشعراء الحصة الكبرى في أغنيات أم كلثوم الدينية: من سلوا قلبي، إلى نهج البردة الخالدة المعارضة لبردة البوصيري و«حديث الروح» و«الثلاثية المقدسة». وقد تأثر السنباطي في بداية تلحينه للقصيدة بالمدرسة التقليدية، كما تأثر بأسلوب زكريا أحمد. وأخذ رياض عن عبد الوهاب الطريقة الحديثة التي ادخلها على المقدمة الموسيقية، حيث استبدل بالمقدمة القصيرة أخرى طويلة. ويري المؤرخون الموسيقيون أن ملامح التلحين لدى السنباطي قبل عام 1948 اعتمدت على الإيقاعات العربية الوقورة، والبحور الشعرية التقليدية الفسيحة، والكلمة الفصحى التي تقتضي في الإجمال لحنا مركزا، والسكك المقامة الراسخة البعيدة عن المغامرة، لكن كثيرا من ألحان السنباطي قبل 1948 كانت تنم منها أعراض التأثر المباشر الصريح، بمن عملوا معه من عباقرة اللحن، فانصرف إلى أسلوبه الخاص يعلي صرحه لبنة لبنة، حتى اختلط الأسلوب الكلثومي في الغناء بالأسلوب السنباطي في التلحين، وأمكن لرياض أن يقول: «قصة حياتي هي أم كلثوم».

واللحن الوطني لدى السنباطي وجد نفسه في الكثير من أغنيات أم كلثوم الوطنية والتي بلغت ثلاثا وثلاثين أغنية، أشهرها «نشيد الجامعة» و«نشيد بغداد» وقصيدة «النيل» وغيرها.

في أحد لقاءاته الصحافية روى رياض لقاءه بأم كلثوم فقال: بعد سبعة عشر عاما من لقاzنا الأول في قرية «درينA إحدى قرى الدقهلية، التقيت بالفتاة أم كلثوم مرة أخرى، بعد أن كان صيتها قد ملأ الآفاق في القاهرة. وقتها كنت أحسد الذين يلحنون لها وكانت تتحرك في أعماقي ملكة التلحين، تعبيرا عن عواطف جياشة يعيشها الشاب في مثل سني».. كنت أقيم في شقة لوحدي وطلبت تليفون كي يسهل علي أعمالي واتصالاتي، وفي اليوم الأول الذي دخل فيه التليفون إلى الشقة، سمعت أغنية لأم كلثوم من الراديو، فتذكرت تعارفنا في محطة الدلتا. وكنت قد عرفت رقم تليفونها من الإذاعة فاتصلت بها، وعندما ذكرت لها اسمي تذكرت بأن والدها الشيخ ابراهيم كان يغني مع والدي في الأفراح، ودار بيننا حديث قصير قالت لي في نهايته «ابقي خلينا نشوفك يا أستاذ رياض، مادام أنت في مصر وأنا في مصر».

وبعد أغنية «على بلد المحبوب وديني»، لحن رياض لأم كلثوم «النوم يداعب عيون حبيبي»، كلمات أحمد رامي. والتي أعجبت بها أم كلثوم وقدمته في حفلها الشهري على مسرح قاعة ايوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وكان حفلا مذاعا، ويعتبر من المنعطفات في حياة أم كلثوم والسنباطي معا. وظل رياض يمد أم كلثوم بألحانه وروائعه، حيث وجد رياض في صوت أم كلثوم ضالته المنشودة، فبقدراتها الصوتية غير المحدودة وبإعجازها غنت ألحانه فأطربت وأبدعت.

هذا هو رياض السنباطي، الذي نال جائزة اليونسكو العالمية وكان الوحيد عن العالم العربي ومن بين خمسة علماء موسيقيين من العالم نالوا هذه الجائزة على فترات متفاوتة. السنباطي الذي حلق بأم كلثوم في الآفاق ونقلها من عالم مصر إلى العالم العربي والعالم أجمع، بفضل ما وضع من هذه الموسيقى التي تضاهي موسيقى العالم.

علاقة السنباطي بالفن لم تنحصر في الموسيقى والتلحين فقط، فقد قدم في عام 1952 فيلما للسينما شاركته بطولته الفنانة هدي سلطان وكان من إخراج المخرج حلمي رفلة. وعلى الرغم من نجاح الفيلم الا أن السنباطي الذي قدم فيه مجموعة من الاغنيات التي لاقت الاستحسان لدى الجمهور، لم يفكر في تكرار التجربة. من دون إفصاح عن الأسباب إلا انه قال : «لم أجد نفسي في التمثيل فاللحن هو عالمي».

حياة السنباطي الخاصة كانت غاية في البساطة، بل أنها تكاد تقترب من ملامح الانطوائية والعزلة الا عمن يتعامل معهم من المطربين والموسيقيين. وعرف عنه انه يقضي وقته في صومعته يسمع ويسجل وينتظر الخاطرة تمر عليه والإلهام. وتروي زوجته أنه كان في بعض الاحيان يكون جالساً مع أهله على المائدة يتناولون طعام الغداء. وبعد ان يأكل لقمة واحدة يتوقف عن الأكل ويفكر، ويذهب إلى صومعته إلى الغرفة المختصة، وهناك يصب اللحن الجديد الذي ربما كان ينتظره شهوراً، وكانت زوجته تبرر تصرفه للضيوف بقولها: تفضلوا وواصلوا طعامكم فهذه عادة السنباطي، وقد تعودنا عليها. وإذا كان رياض قد آثر العزلة والبعد عن الأضواء طوال حياته، إلا أنه حظي بكثير من التكريم، فقد آثرته السيدة أم كلثوم من بين سائر ملحنيها بلقب العبقري، وكان عضوا لنقابة المهن الموسيقية، وعضوا في جمعية المؤلفين بفرنسا، وعضوا للجنة الموسيقي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، وعضوا لجمعية المؤلفين والملحنين. كما حصل على وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964، وجائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس عام 1964 وجائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات وعلى الدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى.

وقد رحل رياض السنباطي عن الدنيا في التاسع من سبتمبر (أيلول) 1981 لتغلق تلك المدرسة الفنية الكبيرة أبوابها، وتنطوي أروع صفحة من صفحات الموسيقى العربية، ولينتهي عصراً فريداً لا نظير له أبدا، ولن يشهد تاريخ الموسيقى العربية مثيلاً له على الإطلاق، ولكن سيبقى فنه ما بقيت موسيقاه وألحانه في سمع الناس.. لذلك يحسب لمهرجان الموسيقى العربية تكريم هذا الموسيقار العظيم في دورة هذا العام، بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده و25 عاما على رحيله.

reza_neikrav
22/08/2007, 05h03
أود في بادئ الأمر ان أصيغ عن الموسيقار الشرقي الأصيل رياض السنباطي بعض الكلمات واللذي سطع نجمه في سماء موسيقانا الشرقية والعربية بالتحديد منذ أوائل القرن الفائت . ولعل ما دفعني لكتابة هذا الجزء شيئان أولها أن هذا الإنسان لم ينل من الشهرة الواسعة ما ناله زملاؤه أمثال عبد الوهاب وغيره وذلك نظرا لتقديسه للموسيقى واعتبار أن الأضواء والشهرة تطفي حرارة وروح اللحن . والسبب الثاني أعزائي هو حبي الخاص لهذا الموسيقار العظيم .
وأنا بإذن الله سوف أقوم بسرد قصة حياته الموسيقية والفنية وعلاقاته بالمطربين وبالغناء في مجموعة مكونة من عدة أجزاء. أبدأها بالجزء الأول الآن
الجــــــزء الأول
اللقاء بين ام كلثوم والسنباطي:
غنت ألحان رياض السنباطي اصوات متعددة اما الصوت الذي اعطى هذه الالحان بريقا ذهبيا وقيمة فنية كبيرة كان بلا شك صوت ام كلثوم.
في لقاء مع إحدى الصحف روى رياض لقاءه الثاني مع ام كلثوم فقال " كنت أقيم في شقة لوحدي وطلبت تليفون كي يسهل علي اعمالي واتصالاتي وفي اليوم الاول الذي دخل فيه التليفون الى الشقة سمعت اغنية لام كلثوم من الراديو فتذكرت تعارفنا في محطة الدلتا . وكنت قد عرفت رقم تليفونها من الإذاعة فاتصلت بها وعندها ذكرت لها اسمي تذكرت بإن والدها الشيخ ابراهيم كان يغني مع والدي في الأفراح ودار بيننا حديث قصير قالت لي في نهايته " ابقي خلينا نشوفك يا استاذ رياض مادام انت في مصر وانا في مصر"
وفي حديث صحفي آخر قال رياض:
بعد سبعة عشر اما من لقائنا الاول في درين التقيت بالفتاة ام كلثوم مرة اخرى كان صيتها قد ملأ الافاق في القاهرة حين بدأت عملي كمدرس للعود بمعهد الموسيقى وكنت اتابع الحانها. واحسد اللذين يلحنون لها وكانت تتحرك في اعماقي ملكة التلحين تعبيرا عن عواطف جياشة يعيشها الشاب في مثل سني.
كنت قد تقدمت بإنتاجي لشركة اوديون فعهدت لي بمطربين ومطربات جدد وكنت على موعد مع القدر لان الفنانة ام كلثوم استمعت الى بعض هذه الالحان فطلبت ان الحن لها. وهكذا بدأت اصنع صفحات عمري ..تعاونت مع مطربة العرب الأولى على مدى اربعين عاما".
وكانت بداية اللقاء الفني عام 1936 حين لحن لها رياض "النوم يداعب عيون حبيبي" كلمات احمد رامي. اعجبت ام كلثوم بهذا اللحن وقدمته في حفلها الشهري على مسرح قاعة ايوارت التذكارية بالجامعة الامريكية بالقاهرة. وقفت أم كلثوم وفرقتها لتقدم ملحنها الجديد في مونولوج النوم يداعب عيون حبيبي وكان حفلا مذاعا ويعتبر هذا اللحن تحولا في حياة ام كلثوم والسنباطي معا.
وبعد نجاح هذه الأغنية تمسكت ام كلثوم بهذا الملحن العظيم وانضم رياض لملحني ام كلثوم القصبجي وزكريا.
وظل رياض يمد ام كلثوم بألحانه وروائعه حيث وجد رياض في صوت ام كلثوم ضالته المنشودة فبقدراتها الصوتية غير المحدودة وبإعجازها غنت الحانه فأطربت وأبدعت . قدم رياض الحانه لأم كلثوم فترة تقترب من الاربعين سنة تخللها خصام دام عامين لم تغن خلالها غير حب ايه و هو صحيح الهوى غلاب.
وفي عام 1935 اشترك رياض بالحانه في فيلم وداد حيث قدم الحان المجموعات وبعض المقطوعات الموسيقية وطقطوقة على بلد المحبوب لصوت المطرب عبده السروجي ولما نالت هذه الاغنية نجاحا كبيرا طلبت ام كلثوم تسجيلها على اسطوانة بعد استئذان صاحبها.
ومن الملاحظ في الحان رياض الاولى لام كلثوم انه كان شديد التأثر بأسلوب القصبجي ناسجا على منواله ثم بدأت شخصيته الفنية تستقل وجاءت الحانه بطريقته الخاصة المميزة. ولا شك ان غناء ام كلثوم لالحان السنباطي ساعد في شهرته كما فتحت له ابوابا يظهر فيها امكاناته اللحنية. فام كلثوم غنت له الاشكال المتنوعة من الاغاني منها التقليدي ومنها والمعاصر.
ومن أشهر القوالب الغنائية التي اشتهر بها رياض هي القصائد ففيها استطاع ان ينفرد بأسلوب مميز متطور.
خص رياض حبه وفنه للقصيدة قائلا " الشعر ارقى انواع الادب فيجب والحالة هكذا ان تكرس له أرقى انواع التلحين لانه الوسيلة الوحيدة للإرتفاع بالمستوى الثقافي والفني للجماهير. وهذا لن يتم إلا عن طريق أقرب وسيلة للتعبير عند الجماهير - الغناء الذي يعتبر ألصق الفنون واقربها الى نفوس الجماهير"
ومن أشهر ما لحن رياض من قصائد لام كلثوم :
عيد الدهر أحمد شوقي
أتعجل العمر أحمد شوقي
قالوا احب القيس سلامة احمد باكثير
كيف مرت على هواك القلوب احمد رامي
أصون كرامتي رامي
نهج البرده شوقي
سلوا قلبي شوقي
سلوا كؤوس الطلا شوقي
السودان شوقي
ولد الهدى شوقي
النيل شوقي
رباعيات الخيام رامي (مترجمة عن الفارسية لرباعيام الخيام)
مصر تتحدث عن نفسها حافظ ابراهيم
أغار من نسمة الجنوب رامي
بأبي وروحي شوقي
عرفت الهوى طاهر ابو فاشا
يا صحبة الراح طاهر ابو فاشا
الفجر الجديد محمد الماحي
قصة الأمس أحمد فتحي
قصة السد عزيز اباظة
ثورة الشك الأمير عبد الله الفيصل
توبة عبد الفتاح مصطفى
أرض الجدود أحمد العدواني (الكويت)
إلى عرفات الله شوقي
يا ربا الفيحاء محمود حسن اسماعيل
الأطلال د.إبراهيم ناجي
حديث الروح محمد اقبال
أقبل الليل رامي
من أجل عينيك الأمير عبد الله الفيصل
الثلاثة المقدسة صالح جودت
مصر د.ابراهيم ناجي
تأثر السنباطي في بداية تلحينه للقصيدة بالمدرسة التقليدية كما تأثر بأسلوب زكريا أحمد .وأخذ رياض عن عبد الوهاب الطريقة الحديثة التي ادخلها على المقدمة الموسيقية حيث استبدل بالمقدمة القصيرة اخرى طويلة. ومن القصائد التقليدية التي لحنها رياض لام كلثوم قصيدة "أراك عصي الدمع"لأبي فراس الحمداني وأضاف عليها الأبيات:
وفيت وفي بعض الوفاء مذلة لفاتنة في الحي شيمتها الغدر
تسائلني من أنت وهي عليمة وهل لشج مثلي على حاله نكر
فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى قتيلك قالت أيهم فهم كثر
ثم اتجه في تلحينه للقصيدة الى اسلوب وسط بين القديم والحديث فظهر له عدد من القصائد لشعراء معاصرين مثل "اذكريني" لرامي غنتها ام كلثوم 5 يناير ولم تسجل على اسطوانة.
ثم أوجد رياض بعد تجارب عديدة قالبا جديدا للقصيدة الحديثة ومن أولى تجاربه قصيدة "سلوا قلبي" لشوقي 1946 واغار من نسمة الجنوب 1954
غنت ام كلثوم سلوا قلبي عام 1946 اختارت منها 20 بيتا واختار السنباطي مقام الراست لتلحين هذه القصيدة .وقد غنت ام كلثوم هذه القصيدة عشرات المرات.
روى رياض السنباطي موقفا مشرفا لأم كلثوم قائلا
" وقفنا بمسرح معهد الموسيقى العربية قبل الثورة كنا نسجل قصيدة ولد الهدى في مدح الرسول وأثناء التسجيل فؤجئنا بشخصية هامة تصعد الى المسرح وتطلب التحدث الى ام كلثوم .توقف التسجيل برهة.وبعد لحظات لاحظت انفعال ام كلثوم وغضبها فحاولت أن اتبين الأمر فعرفت ان القادم موفد من القصر الملكي جاء يطلب حذف البيت :
الإشتراكيون أنت امامهم لولا دعاوى القوم والغلواء
قلت لها يا ام كلثوم : لماذا يتدخل القصر في عملنا الفني بهذه الصورة؟ ان هذا البيت يا ست في تصوري كملحن اهم بيت في القصيدة وهنا اعلنت ام كلثوم تمسكها بالبيت وتحديها لمطالب القصر بل هددت بإلغاء التسجيل في حالة إذا ما أصر القصر على التدخل توقف التسجيل حوالي ساعة. اجرت ام كلثوم اتصالاتها بالقصر وأعلنت اصرارها على غناء البيت فما كان من القصر الا ان رضخ لرأي ام كلثوم واعيد التسجيل كما هو دون حذف"
الخلاف بين أم كلثوم ورياض:
في عام 1955 وبعد اداء ام كلثوم لرائعة السنباطي ذكريات نشب خلاف بينهما واعطى رياض عامدا متعمدا شهرزاد لحنه الكبير "يا ناسيني" وشارك رياض بالعزف على العود في تسجيل هذه الأغنية.
أدت شهرزاد هذه الأغنية في عيد شم النسيم في العام نفسه وكان الحفل مذاعا على الهواء من الاذاعة المصرية ونجح اللحن واستعاده الجمهور عدة مرات وكان اللحن جميلا والاداء بديعا
استمعت ام كلثومالى الراديو وبعد انتهاء الغانية امسكت التليفون واتصلت برياض السنباطي وسألته دون مقدمات: عملت الأغنية دي امتى؟ أجاب رياض: الشهر ده. قالت: ومن امتى بتغزف عود في مقدمة أغانيك ؟؟ انت عمرك ما عملتها معايا؟ فأجاب: اللحن عاوز كده
وبعد هذه المحاثة عادت المياه الى مجاريها وفهمت ام كلثوم انها فقدت الكثير بابتعادها عن ألحان رياض وكان السنباطي يهدف من وراء هذا اللحن ان يلقن ام كلثوم درسا ويفهمها انها يستطيع ان يتعامل مع أصوات غيرها.

احمد ابو العنين
31/12/2007, 05h43
أعزائنا أعضاء منتدى سماعي
نقدم لكم هذا التحقيق الصحفي المثير مع الموسيقار رياض السنباطي بعد وفاة أم كلثوم في بيته .. في هذه المقابله تكلم رياض السنباطي من قلبه وقال الكثير من الحقائق التى تخفى على الكثيرين . وأيضاً قال ما لم يكن يستطع قوله في المقالات الرسميه .. كرأيه بأصوات أهم فناني عصره . ورأيه الشخصي بصوت أم كلثوم .. وطقوسه الخاصه بالتلحين
وأصعب الألحان التى لحنها .. والكثير الكثير
(حياتي 40 عاماً مع التي غابت 40 يوماً )
الصدفه جمعت بين أم كلثوم ورياض السنباطي من حوالي خمسين سنه عند منتصف الليل تحت خيمه في محطة سكك حديد قرية درين .. كانت أم كلثوم وأبوها وأخوها وأولاد عمها يغنون في أحد الأفراح .. وكان رياض السنباطي هو ووالده يتبادلان الغناء في فرح .. وأنتهى الفرحان في وقت واحد .. وركبوا الحمير متجهين إلى المحطه في انتظار القطار الفرنساوي.. وأشار السنباطي الكبير لابنه رياض وقال أم كلثوم التي يتحدثون عنها .. ونظر رياض السنباطي لأول مره في حياته ليجد ام كلثوم ، ولم يكن قد سمع لها ، وإنما سمع عنها فقط .. وكانت قصيرة القامه جداً . تلبس بالطو رجالي بصفين زراير البالطو أسود . وكانت تلف راسها بالعقال . وكان وجهها في غاية الحيويه . والذكاء هوعيناها . ويقول رياض السنباطي إنها كانت في ذلك الوقت كانت في الثانيه والعشرين من عمرها . ولابد أن أم كلثوم قد سمعت عن رياض السنباطي كمطرب ناشئ هو أيضاً .. وكان يغني الأدوار القديمه التي كان والده يتولى تحفيظها له . ومن المؤكد أن أم كلثوم قد سمعت (رياض )وهو يغني في الإذاعه : ياريتك جتني زي ماجيتك ..وفوجئ رياض السنباطي بأن ام كلثوم تطلبه في التلفون بعد ذلك اللقاء في الليل المطير بحوالي خمسه عشر عاماً .

سألت الأستاذ رياض السنباطي : هل تذكر ماالذي كانت تغنيه أم كلثوم أيام طلبتك ؟
- كانت انتقلت من الموالد إلى فرقة العقاد وسامي الشوا أميرالكمان : وكانت لها أحسن فرقة في مصر في ذلك الوقت . وكان في فرقتها عازف الرق محمود رحمي ومحمد القصبجي وواحد أسمه صالح .. إنه نفس التخت الذي صاحب عبده الحامولي ومحمد عثمان .. وكانت في ذلك الوقت تغني في صاله ( سانتي ) في الأزبكيه .. وفي ذلك الوقت طلبتني في التلفون وردت عليها اختي .. فأنا لا أرد على التلفون عادة. وكانت أم كلثوم تسكن في عماره بهلر بالزمالك .. وكانت الفيلا لم يتم بناؤها بعد .. وأول لحن قدمته لأم كلثوم في ذلك الوقت طقطوقة : (لما انت ناويه تهاجرني ، أمال دموعك كانت ليه ؟ ) وهي من كلمات الأستاذ رامي .. وطقطوقه ثانيه أسمها( ياطول عذابي وأشتياقي ، مابين بعادك والتلاقي ).. وسألت ام كلثوم : كيف تحبين تلحين هاتين الأغنيتين من أية نغمه ؟
وكان ردها من النغمه التي تعجبك . ونجح هذان اللحنان .. وبعد ذلك أشتركت في ألحانها مع الأستاذ زكريا أحمد ومحمد القصبجي .. وأصبحت عضواً في أسرة ام كلثوم الغنائيه .. وبعد ذلك بدأت ألحن لها الألحان الكبرى مثل :.. ( سلوا كئوس الطلى هل لامست فاها ) من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي .. ولما أعجبها تلحيني للشعر أعتني قصيده أخرى للشاعر احمد رامي ..
وكيف مرت على هواك القلوب وتحيرت من يكون الحبيب ..
قلت للأستاذ السنباطي : إن أخر لقاء لي مع ام كلثوم اعترفت لي بأنك الوحيد الذي يستطيع أن يتذوق الشعر وان يلحنه .. وانها تستريح إلى ذلك .
وكان رد رياض السنباطي ان هذه حقيقة ، وانه لايتذوق القصيده او البيت فقط ، وإنما يتذوق الحروف .
وان هذا الإحساس الشديد بالكلام الجميل هو الذي جعل أم كلثوم تعطيه أكثر من ثلاثمائة أغنيه شاركت في النجاح العظيم لأم كلثوم ..وانا لم اكن قد رأيت الأستاذ رياض السنباطي في حياتي ، وإنما دفعني إلى ذلك الأمير عبدالله الفيصل فهو أحد الذين يؤمنون بالموسيقار السنباطي ويرى أن معجزة الغناء العربي هم أم كلثوم وشوقي والسنباطي . إنها الصدفه التي أجلت لقاء رياض السنباطي في أيام محنة أم كلثوم وحيرة الأطباء حولها ، وخوف الأمه العربيه على نهايتها أو خوفها من نهايتها ، أو قلقها على ما بعد نهايتها .. وطلبت رياض السنباطي في التلفون ، إن صوته غريب . فيه فزع . وفيه قرف . وأحسست بإشفاق على نفسي كيف أجتاز به أو معه حاجز الخوف والقرف أو الحزن .. ولما ذكرت له أسم الأمير عبدالله الفيصل كان ذلك جواز المرور .. وكان هو الأسبق الى اللقاء وجلست في مواجهة الرجل . انه رقيق . لطيف. ولا شك حزين على أم كلثوم ، ولكن حماسه للفن . والكلام عن الفنانين وتقديرهم بصور مضحكه قاطعه . جعل الحديث بيننا سهلاً .. ولم يكن يدري . أو هو يدري . انه كان يقوم بعملية وزن وتقويم وتصحيح لكثير من المفاهيم الفنيه والغنائيه ..
ورياض السنباطي هو أقدر الفنانين على فهم صوت ام كلثوم .. فقد تعانق فنه وصوتها أربعين عاماً . وان هذه ( العشره الفنيه ) تولد هذا الذوق العام . او هذا التفوق العام لأغاني ام كلثوم فرياض أحد الذين رسموا ( الذوق الكلثومي ) فأم كلثوم أرتاحت الى فن رياض السنباطي وكان هو يعطيها ماتريد .. والناس يطلبون من أم كلثوم أن تحفظ هذا اللون الشرقي للطرب أو هذا الطرب الفخم للغناء العربي.
سألت رياض السنباطي : هل يمكن أن تصف لي هيئة التلحين .. أو هيئتك وانت تلحن لأم كثلوم ؟ هل كنت تلحن لها في بيتك ثم تسجل اللحن على شريط وتبعث لها بهذا الشريط ؟ ألم يحدث أن طلبت منك أم كلثوم أن تغير عبارة أو فكرة لحنيه ؟ وهل كنت تلحن مطلع الأغنيه وتدندنه في التلفون وبعد ذلك تمضي في إكمال اللحن ؟
لابد أن هذا الائتناس بأم كلثوم عنصر هام في الهيئه العامه للحن كله بعد ذلك . وكان هذا هو الموضوع الذي يريد رياض السنباطي أن يتكلم فيه رغم كل الظروف النفسيه الحزينه التي يمر بها .. فقال : أم كلثوم الله يرحمها كانت تأنس لي جداً وكانت تستريح إلى وجودي بالقرب منها .. لا كملحن ولكن كصديق .. فلم تكن تعاملني كأي ملحن يسجل لها اللحن على كاسيت ويتركه لها ويجري . مع أحترامي لكل الزملاء الملحنين ..فاكثر ألحاني كانت تتم عندها في البيت كنت أخذ كلمات الأغنيه وأعود بها الى بيتي ..وتطلب مني ان الحن المطلع واكلمها في التلفون : ياام كلثوم أنا عملت المطلع فتقول لي : طيب .. تعال يا رياض .. وأروح لها البيت وأسمعها اللحن وتقول لي : عظيم .. أكمل اللحن .. فأترك كل ماعندي من أشغال اخرى لكي أكمل اللحن بالصوره التي ترغبها .. وكانت لنا طريقه خاصه في الجلوس عندها في البيت .. عندها كنبه .. انا اجلس على اليمين وهي تجلس على اليسار .. وأظل أدندن على عودي .. واغني وهي تقول : كويس .. جميل ..أستمر ..وكنا نجلس من الساعه العاشره صباحاً حتى الثانيه عشر مساءً ..ولا احد معنا وانما حالة طوارئ قد اعلنت في البيت كله .. لاصوت ولا تلفونات بل ان زوجها د. حسن الحفناوي وهو رجل ذواق كان يستأذن في الجلوس بعض الوقت كي يسمع .. ثم يتمنى لنا التوفيق ويخرج وكانت تقول لي :هل نأتي لك بغذاء فأعتذر عن ذلك .. لاني اخاف ان أكلت ان أنام .. وكانت هي تقول : أنا أكسب رياض ولا داعي للغذاء .. واجمل من كل طعام عندها هو نجاح اللحن .

tarab
07/01/2008, 18h40
1981
العالم الموسيقي محمد رياض السنباطي بمناسبة قرن على ولادته
نجح حمد الرجيب وجاسم الشهاب في إقناعه بالزيارة التي كانت بتوجيهات الشيخ جابر العلي



هذا العالم الموسيقي الذي زار الكويت قبل وفاته بعام واحد وسجل لقاءين تلفزيونيين وهما الوحيدان اللذان حفظا ربما تاريخ حياته.
وقف هذا العالم الموسيقي خلف أم كلثوم بألحانه التي دخلت التاريخ أربعين سنة ملحنا لأعذب الألحان.. وقد فرض أسلوبه العلمي ليكون نبراسا ودراسة للآخرين.
هذا الرجل غير العادي كان انطوائيا لا يختلط بالناس، والرجل الذي لعب دورا مهما في زيارة السنباطي إلى الكويت كان سفير الكويت في تلك الحقبة السيد حمد الرجيب وكان ذلك بتوجيهات من الشيخ المرحوم جابر العلي وزير الإعلام آنذاك.

البداية كما قلت سابقا في حديث سابق كان هناك في القاهرة وفي سفارة الكويت شاب نشط 'عارف شغله' واختصاصاته أوكل الأستاذ حمد الرجيب المهمة لهذا الشاب ألا وهو الأستاذ جاسم الشهاب وكان السنباطي يرفض الزيارات والسفرات والدعوات لكن إصرار السفير الرجيب ونشاط جاسم الشهاب كانا حافزا فقد قابل السيد الشهاب السيدة زوجة السنباطي (أم محمد) وقال لها: إن (اليك) لحنا للكويت لحنين في قصيدتين وقد غنتهما أم كلثوم وأصبحا مشهورين في الكويت وإن كثيرا من الكويتيين يفرحون برؤية أبو محمد ضيفا عليهم في الكويت، وفعلا نجح المفتاح الأول وقالت السيدة (كوكب) زوجة السنباطي خلاص مالك دعوة أنا أرتبها وبمقابلة السنباطي (لان) وتسهل الأمر فوافق السنباطي لكنه اشترط أن تكون الطائرة التي تخرج من مصر وتمر في أرض السعودية تنزل وتتوقف في الحجاز ليزور المدينة ومسجد الرسول ثم يستمر وبعدها يتجه إلى الكويت. وكان جاسم الشهاب يعرف ان الطائرة تهبط في الكويت مباشرة ولا تتوقف في جدة لكنه وافق حتى لا يتراجع السنباطي واشترط أن يأخذ ابنه البكر محمد معه وكذلك وافق عليه.
وقبل السفر والتوجه إلى الكويت مرض فطلب التوجه إلى الكويت والعودة بسرعة لأنه بحاجة إلى الراحة وفعلا تمت له هذه الزيارة، حيث قابل خلالها رجال الدولة وعلى رأسهم سمو الأمير ورئيس الوزراء والشيخ جابر العلي وزير الإعلام وحمد الرجيب رحمهم الله جميعا وفي الكويت فعلا استفادوا من بقائه هنا، حيث تم له لقاءان تاريخيان الأول مع السفير حمد الرجيب سفيرنا في القاهرة واستغرق ثلاثة أرباع الساعة وفي اليوم التالي تم لقاء آخر مع جاسم الشهاب استغرق ثلاثة أرباع الساعة أيضا، هذان اللقاءان هما الوحيدان للسنباطي في حياته، حيث يفتخر تلفزيون الكويت بأنه كان له هذا السبق التاريخي، حيث قام بعدها أحد الفنانين المصريين ربما سمير صبري بإجراء لقاء مدمج مع السنباطي نازعا صورة جاسم الشهاب ووضع صورته مكانه كأنه هو الذي يجري اللقاء التلفزيوني ولكنه لم يستطع في كل اللقاء أن ينزع صورة جاسم الشهاب تماما وهو يرتدي الملابس الكويتية العربية وفي اليوم التالي وكان 'صبري' مسرورا بهذا الكسب والسبق الإعلامي الصحفي لكن بعض الصحف اكتشفت الدبلجة واللعبة وأخذت تنكت وتستهزئ بهذا التضليل المشين. فما من أحد إلا ويرغب أن يكون له حظ لقاء السنباطي والجلوس معه والتحدث إليه وهذا ما حدث للمتنبي في مجريات حياته.
هذا العالم الموسيقي الذي لم يحضر طوال اربعين عاما من تلحينه لام كلثوم الا حفلة واحدة وكما يقولون 'غصبا عنه' وليس برضاه لانه امر من جمال عبدالناصر فحضر الحفلة وقاد الفرقة مكرها.
هذا العالم الموسيقي الذي مازالت الحانه التي نسمعها اليوم وقد لحنها قبل ستين سنة تغنى، كأن تلحينها امس.
يكفي ان تعلم ان اغنية 'سهران لوحدى' غنتها ام كلثوم ثماني وثلاثين مرة في حفلاتها و'رباعيات الخيام' غنتها خمسا وثلاثين مرة، فما بالك الثلاثية المقدسة التي لحنها السنباطي وغنتها ام كلثوم 1972/11/15 قبل وفاتها باربع سنوات وكان السنباطي اثناء تسجيلها كأنه يودع نفسه وام كلثوم وهو يقول: هذه آخر أعمالي مع ام كلثوم وهذا آخر اللقاء والبقاء.
واخذ بعد ان ادت ام كلثوم هذه الاغنية وغنتها من قلبها يقول: 'خلاص انتهينا انا وهي'. وهذه الاغنية للشاعر صالح جودت وهي تغني وتبكي.
يروى انه في اثناء تسجيل هذه الاغنية بعد البروفات، وقد اعيد التسجيل اكثر من مرة لتتم عملية الضبط، وكان السنباطي متوترا والاطفال الذين رددوا (طلع البدر علينا) كانوا من شدة الخوف من السنباطي يبتعدون عنه، بعد ان نجحت البروفات والتسجيل واخذ السنباطي يلاطف الاطفال ويقدم لهم الحلويات فاستغربوا من هذا الرجل الذي كان قبل ثلاث ساعات في توتر، لكن السنباطي يريد ان يخرج العمل جيدا وتاريخيا، وكان يفخر في نفسه بان هذه هي النهاية والانسان ادرى بنفسه.
واخيرا، فهذه قصة حياة محمد رياض السنباطي الذي زار الكويت بفضل جهود السفيرين حمد الرجيب وجاسم الشهاب وبتوجيهات من المرحوم الشيخ جابر العلي، الذي كان له اول لقاء مع ام كلثوم عندما كانا في عمر الطفولة وكانا في معية والديهما، وشاء الحظ ان يلتقيا مرة ثانية ليثريا العالم العربي بهذه الموسيقى والغناء الجيد.

جريدة القبس

doctorluxor
11/01/2009, 01h03
خيري شلبي
صحبة العشاق رواد الكلمة والنغم (ص 131)
رياض السنباطي: كيف أصبح شخصية اجتماعية كبيرة؟
منذ أن انتشر الراديو في القرى في أوائل الخمسينات بدأ الغناء الحقيقي يعرف طريقه إلى الأفهام، ولم تكن القرية المصرية تعرف من الغناء إلا لونًا معينًا من المووايل، ولم تكن تعرف أن ثمة فروقًا بين التلحين والأداء، وكانت خصية المطرب أو المغني تشتهر بنفسها فقط وينسب إليها الغناء الذي تغنيه حتى لو كان هناك من قام بتأليفه وتلحينه، ومع ذلك فقد اشتهر في قرانا اسم رياض السنباطي دون أسماء الملحنين جميعا، اشتهر كعلم على فن جديد تعرف القرية لأول مرة عبر الراديو اسمه التلحين، فكل تلحين جميل ينسب إلى رياض السنباطي تلقائيًّا، والسبب في ذلك ليس هو صوت أم كلثوم وما أعظمه بل الألحان التي كانت تغنيها وما أعظمها.
وكان في بيننا ما يسمى بالحاكي – أي الجرامفون – ولولا ما دوِّن على أغلفة أسطواناته من بيانات لما عرفنا أن ثمة من يسمى بالملحن وآخر يسمى بالمؤلف الغنائي وهما يعملان معًا في خدمة المغنى، وكانت أغنية (إله الكون سامحني أنا حيران) التي يغنيها السنباطي بصوته من ألحانه وكلمات حسين السيد قد انتشرت وكشفت عن شخصية مطرب كبير عظيم في شخصية السنباطي ومع ذلك بقي السنباطي في أذهاننا علما على فن التلحين الدعائية، وفكرت بأن حديثا صحفيًّا محترمًا يجريه أحد الشبان المتفهمين حول فن الغناء والتلحين قد يقنع بقبول الحديث، وهكذا يدفعني الغرور أن أكون هذا المحرر، ودفعني الخوف من جبروته وقوته الفنية أن ألتقي بكثير من دارسي الغناء والموسيقى والتلحين لأتوصل معهم إلى أسئلة هامة يمكن أن أناقش فيها رياض السنباطي فيحترمها ويجيب عليها.
ثم إنني بدأت مرحلة البحث عن رقم تليفونه - الذي تبين لي أنه يغيره كل بضعة شهور هربا من أصوات المتطفلين - فلما نجحت في الحصول عليه تَلْفَنْتُ له فإذا بالسيدة العظيمة زوجه (كوكب عبد البر) تردُّ عليَّ في رفق شديد وتستوعب كل الرجاءات الحارة التي ألقيتها على مسامعها لكل تقبل توصيل أذني بصوت السنباطي، ويبدو أنها أشفقت عليَّ فقالت إنها سوف تحاول إقناعه وإنني إذا عاودت الاتصال به بعد يوم أو يومين فربما استطعت الحصول على موعد منه، وخلال انتظاري ليوم أو يومين استمعت إلى عديد من الإشاعات في الوسط الصحفي تقول لي أن السنباطي إذا خضع لإلحاحي وقبل مبدأ إجراء الحديث فإنه سوف يطلب نقودًا على ذلك وحكوا لي حكاية طالب يمني جاء من لندن خصوصًا لمقابلته ووضع ظروفه الصعبة تحت سمعه ولكنه رفض مقابلته!
وتصورت أنني أستطيع التغلب على هذه الناحية المادية التي قيل إن شخصية السنباطي مصابة بها، فتفتق ذهني عن حلٍّ تصورته عبقريًّا، إذا اتصلت بإحدى جهات النشر الصحفي – وكانت مزدهرة في ذلك الوقت من أوائل الستينات – واتفقت معها على إجراء حوار مع السنباطي ولمحت في عيون المسئولين اعتقادًا بأن هذا الاتفاق لن يتم، فألقيت آخر سهم في جعبتي واقترحت عليهم أن يرصدوا ميزانية رمزية معقولة بعض الشيء يمكن دفعها لرياض السنباطي مقابل موافقته على إجراء الحديث، وفوجئت بأن هذا الاقتراح وهو غريب وجديد في ذلك الوقت يلقى بعض الترحيب من جانبهم، وقال المسئول إنه لكي يوافق على هذا الاقتراح لابد أن يقرأ نص الأسئلة التي سيدور حولها الحوار، وأن يكون لهم الحق في إضافة بعض أسئلة يرونها موضوعية وضرورية في الحوار مع السنباطي، ووافقت على ذلك, ووافقوا بدورهم أن يرصدوا للسنباطي أجرا يوازي أجر لحن في مقابل هذا الحديث الهام.
وبناءًا عليه اتصلت من جديد بالسنباطي بجرأة، وردت عليّ السيدة زوجته وما كادت تعرف اسمي حتى ابتسمت وقال إن كل جهودها أثمرت في أن يوافق السنباطي على الرد عليَّ في التليفون، فاعتبرت هذا كسبًا كبيرًا، ثم جاءني صوت السنباطي بكل رفق وبساطة يدعوني للمقابلة أولاً، وحدد لي موعدًا في نقابة الموسيقيين حيث إنه كان ذاهبا إليها في غرض ما ويستطيع مقابلتي لدقائق.
وذهبت أجري من الفرح، ولقيته هناك فإذا بي أرى عملاقا طويل القامة رفيعها، طويل الأصابع يرتدي منظارا، لكنه يمشي كما يمشي الناس ويتكلم كما يتكلم الناس، ثم سحبني من يدي كأنني أحد أبنائه، وانتحى بي جانبا، ثم جلس أمامي قائلا في حنو شديد إنه لا يحب الإدلاء بأي حديث لا في الصحف ولا في الإذاعات حتى ولو كان ذلك بأجر، قلت له ببراءة إن هناك أجرًا للحديث، فابتسم وقال لنفرض أن أجر الحديث سيكون أجر لحن مثلاً أليس كذلك؟ قلت نعم، قال أرني أسئلتك، فعرضتها عليه في حوالي خمس صفحات، فألقى عليها نظرة سريعة ثم قال: إن كل سؤال من هذه الأسئلة لا تصلح الإجابة عليه في أقل من ساعة مع استحضار الذهن والمراجع، وإن الإجابة التي ترضيه تحتم عليه أن يأخذ هذه الأسئلة ويدرسها ويجيب عليها في هدوء وروية، ولسوف يمنعه من ذلك أسباب أهمها أنه ليس لديه الوقت الذي يعطيه لها، واعتقاده الراسخ بأن الجهة التي ستذيع الحديث أو تنشره لن تتركه في حاله بل ستغير فيه وتعدل وهذا ما لن يقبله أبدا مهما تلقى من الضمانات الشخصية، ثم إنه طلب لي فنجانا من القهوة قال لي إنني لا يجب أن أصدق كل ما سمعته عنه من إشاعات بأنه مادي وأنه متكبر ومنعزل وما إلى ذلك فحقيقة الأمر أنه لا يستطيع التوفيق في شصه بين الفنان والدعائي، وأن الكثرين يملأون أعمدة الصحف والأثير بالأحاديث، ورأيه أنهم على قدر ما لديهم من إمكانيات فنية فإنهم يحرقون هذه الطاقة في الأحاديث الفارغة، ورأيه أن التحدث في الصحف كثير يجعله دون أن يدري يلتزم أمام القراء أو المستمعين ببعض القضايا ووجهات النظر الفنية التي يطرحها في حديثه وهو لا يحب أن يفعل هذا، إذ أنه لابد أن يطرح كثيرًا من وجهات النظر، وإن طرها فسيلتزم بها، وقد تثير بين الملحنين زملائه من المشاكل والردود ما يساهم في شغل وقته وتبديد اهتماماته وربما إفساد أعصابه، ثم قال كذلك أنه قد وضع لنفسه مناخًا صالحًا للتحلين ساعات طويلة، وهذا المناخ يتضمن سلوكا فكريًّا وفنيًّا معينًا لا يجب أن يجري فيه أي تعديل وإلا كان ذلك على حساب الفن، ثم إذا به ينهض فجأة ويتجه نحو التليفون ويطلب رقما فهمت من المحادثة أنه بيته، وكان ينبه على السيدة أن تحتفظ بالشريط الفلاني فلا تسلمه لفلان كما اتفق لأنه غيَّر رأيه فجأة، وحين عاد إليّ لم ينتظر تطفلي لمعرفة موضوع المحادثة فقال إنه الآن فقط طر له أن يغيِّر جملة موسيقيَّة معينة سبق أن صاغها بعدة صياغات مناسبة كلها وإنه الآن اقتنع بتعديله بمجرد استماعه لواحد ينادي في الشارع هل سمعته؟ قلت لم أسمع شيئًا، قال أما أنا فقد سمعت رجلا يتكلم في الشارع الآن بطبقة معينة وانفعال معين ألهمني أن الانفعال الصحيح لهذه الجملة الموسيقيَّة يمكن أن يستفيد بمثل هذه اللهجة الواقعية الصادقة، ثم إنه استأذنني في الانصراف لموعد هام في منزله، وفي الطريق إلى السلم كان قد شرد تماما وانفصل عني وأخذ يدندن في غموض، وانتهزت فرصة انتهائه من الدندنة وقلت له ما رأيه لو اعتبرنا هذا اللقاء السريع حديثًا ونشرناه؟ فقال باسما إنني أكون – عدم المؤاخذة – نصابًا كغيري من الذين يدردشون مع الفنانين في التليفون أي دردشة فارغة ثم ينشرونها اعتمادًا على أن صوتهم قد خاطب صوت الفنان بصرف النظر عن جوهر المخاطبة.
وكنت أهدف من خلال حديثي المقترح معه أن أعرف لماذا هو عظيم ولماذا قد أصبح شخصية اجتماعية كبيرة، وما أن صافحت قدمي أرض الشارع وحدي حتى أدركت من خلال هذا اللقاء السريع الخاطف كم هو عظيم، ذلك أن مقومات العظمة في شخص تبدأ أول ما تبدأ باحترامه لنفسه وسلوكه وتقدير الكلمة التي تخرج من لسانه، إن العمل الفني ليس مسؤوليته وحده بل إن سلوك الفنان لا ينفصل عنه، ومن يومها لم أحقد على السنباطي ولم تصبني النقمة عليه بسبب رفضه للأحاديث.
وقد حدث أنني شرفت بالحصول على جائزة الدولة التشجيعية في نفس العام الذي حصل هو فيه على الجائزة التقديرية، وجاءت جلستي في الحفل بجواره، فملت عليه هامسا بطلب حديث بهذه المناسبة، فابتسم قائلا إن العمر لم يعد فيه بقية لكلام النظري الفارغ، وإنه يفضل أن يشغل نفسه الآن بأعمال فنية يسد بها الفراغ الضارب أطنابه في حقل التلحين، قلت له ولكن أم كلثوم العظيمة ماتت وهي التي كانت تستطيع إبراز قوة ألحانك فهل ترى أن موتها كان السبب في أنك لم تقدم ألحانًا جديدة كبير باستثناء لحن القصيدة التي غنتها وردة؟ قال مبتسما إن هذا صحيح ولكن التلحين يشبه الكتابة الروائية، إنك قد تكتب رواية دون أن تعرف أين ستنشرها أو متى أو كيف صحيح إن جهة النشر مهمة في سرعة الإلهام والإنجاز ولكنك لابد أن تكتب مهما كان الأمر، إنني ألحن لا لكي يغني ألحاني أحد بل لكي أكون قد تركت أبنية متينة تقف بجوار الهرم الأكبر.
قلت له إذا كان الغناء كفن شعبي قد جعل من أم كلثوم اجتماعية كبرى فما تفسيرك لأن تصبح أنت كذلك من خلال التلحين مع أن التلحين يعتبر فنًّا برجوازيًّا والملحن شخصية لا تشتهر إلا بين مجتمعات مثقفة واعية؟ لحظِتْها شرد قليلا، وبصوته الخفيض قال إن المجتمع هو الذي تغير وأصبح يستوعب كثيرًا من الأدوار التي لم تكن شائعة فيه من قبل، وأحسست أن التواضع وحده وراء هذا القول المبتسر فطلبت إجابة أخرى في لطف، فقال – أكثر لطفًا – إن العقل المصري من أشد العقول تقبلاً للتطور واحتواء لظواهره المتفتحة، ولقد كان الغناء قبل عبده الحامولي والشيخ أبو العلا محمد وزكريا أحمد وسيد درويش مجرد رفع العقيرة بالصوت وتلوين النغم حسبما اتفق مع لحظة الانفعال الوقتية، ونحن جميعًا أساتذة وتلامذة حين اكتشفنا إمكانيّات المقامات الموسيقية العربية من خلال كتاب سفينة الملك وسفيرة الفلك لمؤلفه شهاب الدين حاولنا استظهارها، فارتفعنا بهذه المقامات إلى (مقامات) عليا، وبحث الشعب كعادته عمن يكون وراء الكشف عن هذه الإمكانيات فعرف شخصية الملحن المتخصص غير المطرب، فرفع الملحن إلى الدرجة التي تليق به.
ثم قطع الاحتفال خلوتنا ودخل السيد الرئيس لتوزيع الجوائز ونودي على السنباطي فصعد إلى المصرح عملاقًا كبيرًا وتسلم الجائزة ثم عاد، وكان يرتدي بنطلولنا وسترة عادية كأي شخص أقل من عادي، ثم جلس صامتًا لبرهة طويلة، ثم لما انتهى الحفل فوجئت به يبحث عني فلما رآني غمزني في ذراعي قائلا نسيت أن أقول لك شيئًا هامًّا يتعلق بالمجتمع المصري والشعب المصري ذلك أنه شعب يرتفع بمن يحاول الارتفاع به، وليس كما يشاع عنه ميَّالاً إلى السطحية والابتذال لقد ظهرنا – أم كلثوم وأنا وغيرنا – في مجتمع فيني تسود في أغنيات مبتذلة رخيصة تجد شهرة ورواجا لا قِبَلَ لأحد بمقاوماتها، وكان الاعتقاد بأننا إن لم نحاول تقليد هذه الأغنيات الرخيصة فإننا لن نجد لأنفسنا مكانًا في عالم التلحين والغناء، ولكننا – أو أنا بالذات – أدركت أن ذوق الجمهور المصري ليس مطبوعا على المستوى الرخيص، وإنما يسود الذوق الرخيص لأن القيادة الفنية للمجتمع تميل إلى الرخص وانحدار الذوق، وأنا شخصيًّا فكرت في مثل شعبي يردِّدُه المجتمع المصري منذ عشرات القرون وهو مثل بسيط جدًّا لكنه شديد العمق، إن المثل يقول (الباني طالع)، وحقيقة معنى هذا المثل أن كل من يعمل عملاً بنائيًّا متقنا فإنه يرتفع مع جدرانه إلى القمة التي تصل إليها الجدران، والمعنى رمزي طبعًا، ولما اقتحمت ميدان القصيد الشعري الفصيح لم يكن في ذهني أن نسبة قليلة من المثقفين هي التي ستستطيع استيعاب القصيد ومن ثم اللحن إنما كان في ذهني شيء واحد فقط هو أن أقوم ببناء ذوق جديد رفيع المستوى، وأن هذه المحاولة البنائية ستجد قبولاً رحبًا لدى الجمهور حتى ولو كان ذلك على المدى الطويل غير أن المدى لم يطل بل حدث الاحتكاك المباشر بين الأعمال الفنية التي قدمناها وبين التراث الحضاري القوي الراسخ في نفوس حتى العامة، وحدثت العلاقة الجدلية العظيمة بين رغبتنا في البناء وبين حب الجمهور للأبنية العالية المتينة.
قال هذا ثم سلَّم عليّ وانصرف.

باسل زعرور
22/03/2009, 19h15
اخترت لكم هذه المقالة من أرشيف مجلة العربي الكويتية

عندما نتحدث عن التراث الموسيقي. فلا بد من الحديث عن ذلك المارد الذي ملأ الدنيا الحانا. وجعل الحناجر تشدو بعذب الكلام, وحول أم كلثوم إلى أسطورة من أساطير الغناء.
بلبل المنصورة.. يغني ويلحن

http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=136273&stc=1&d=1237749319

عاصر رياض السنباطي عصر الأصوات الذهبية، التي لمعت في تاريخ الغناء العربي: صالح عبدالحي - منيرة المهدية - عبدالغني السيد - أم كلثوم - محمد عبدالوهاب - فتحية أحمد - نجاة علي - فريد الأطرش - أسمهان...وغيرهم. إلا أن رياض لم يضع قدرات صوته، وإمكانية أدائه في المكان الذي يؤهله للوصول إلى الأسماع. فقد فضل أن تغني ألحانه صوت قيثارة العصر السيدة أم كلثوم ، التي استطاعت التعبير عن روائعه بالشكل الذي أراد هو توصيله للأسماع.
ومع قلة ما غنى رياض من ألحانه، فإنه استطاع أن يضيف إلى الغناء العربي لونًا جديدًا، وإحساسًا وتعبيرا لم يألفه المستمع من قبل. كان لصوت رياض مذاق خاص، ولون دافئ، فاق أصواتًا قوية كثيرة. حتى أننا إذا ما استمعنا إلى ألحانه بصوته، والتي تغنّى بها آخرون، يشدنا أداؤه الدافئ مثال: قصيدة «يا حبيبي لا تقل ضاع حبي من يدي» للشاعر إبراهيم عيسى، وكانت قد غنتها وردة في أواخر السبعينيات. كما غنى قبل رحيله بعض روائعه، التي غنتها صاحبة الحنجرة الذهبية أم كلثوم . وغنى رياض بمصاحبة عوده «الأطلال»، و«عوّدت عيني»، و«أقبل الليل»، و«سلوا قلبي» و«رباعيات الخيام»... أداها رياض بأسلوبه الخاص «غير المكلثم».
بدأ السنباطي حياته الفنية مطربًا، وكان أول ما غنى «نام الحمام والقمري على الغصون" من ألحان والده. كما غنى من ألحان داود حسني «أنا أعشق في زماني»، وغيرهما من الأغاني التقليدية لكبار الملحنين، إلى جانب بعض الموشحات.
وتضاربت النصائح الموجهة إليه، فهناك مَن نصحه أن يحترف الغناء، وترك التلحين، بينما جاء رأي آخر يقول إنه من الأفضل أن يدخل عالم التلحين، ويترك مجال الغناء لمن يفوقه صوتًا وشهرة، خاصة وأن صوته لم يكن قويًا كغيره من المطربين.
لم يهتم رياض بهذه الآراء، فقد كان له رأيه الخاص، وعن احترافه للغناء قال:
كنت في البداية أغني كثيرًا، وشيئًا فشيئًا وجدت نفسي أغرق في التلحين، ربما كان صوت أم كلثوم هو الدافع لهذا الاتجاه. وساعد على ذلك عدم جرأتي في مواجهة الجمهور، فأعصابي لاتتحمل الوقوف على خشبة المسرح، ولا أستطيع سماع كلمة تعليق من مستمع عندما أغني في حفلة. وحتى أتفادى الإحراج، اكتفيت بتسجيل بعض الأغاني بصوتي في الإذاعة والأفلام وعلى الأسطوانات والأشرطة.
أنا لم أعتن بنفسي كمطرب، فالمطرب له مواصفات خاصة غير موجودة في شخصي، فأنا أخاف الجمهور، ولهذا أتوارى، وأغني أمام ميكروفون في ستوديو مغلق..».
وصفت «المجلة الموسيقية - العدد السابع والأربعون - مارس 1938» صوت رياض السنباطي بعد تقديمه لحفل غنائي في الإذاعة..قالت:
«من يصغ إلى غناء رياض يدرك على الفور أن جمال صوته ليس في قوة حنجرته واتساع مداها... وإنما لطابع أدائه الحلو، وبساطة الأسلوب، والإحساس والدفء الموجودين في صوته».
وشبه بعض النقاد صوت رياض السنباطي بهديل الحمام.
اشتهر رياض في طفولته بالغناء في فرقة والده المنشد محمد السنباطي، كان في البداية يشارك بالغناء مع مجموعة المذهبجية، ثم انفرد بغناء بعض المقاطع، ثم أصبح مطرب السهرة، ولقبوه بـ«بلبل المنصورة»، حيث اكتسب الأصالة من عيون الأدوار والموشحات، التي كان يؤديها مع فرقة والده. حفظ الطفل رياض الكثير من هذه الألحان، من بينها أدوار الشيخ سيد درويش وبعض ألحانه المسرحية، التي كان يحفظ جانبًا كبيرًا منها. كما حفظ العديد من التواشيح الدينية، التي كان يؤديها مع والده في الموالد والأعياد الدينية في القرى والمدن الريفية المجاورة...
أخذت مدارك الطفل تسمو باحتكاكه بأهل الطرب، وأدائه لروائع النغم، فاستساغ الشعر الذي أوحى إليه فيما بعد أعظم ألحانه، ومنه تعلم إتقان خروج الألفاظ والمفردات، فأعطى كل حرف حقه في التلحين والأداء، وهو أمر طبيعي يعود لحفظه أجزاء كبيرة من القرآن الكريم، ونشأته في أسرة اشتهرت بأدائها للتواشيح الدينية والابتهالات.
وبعد أن اشتد عود الصغير، وانتقل للحياة بالقاهرة، بدأ يطرق باب الغناء، حيث أخذ شهرته كمطرب.
رياض المغني
ومن الأغاني التي اشتُهر رياض بأدائها بصوته بمصاحبة الفرقة الموسيقية: «فجر»، «أيها السابقي»، «أشواق»، «يا حبيب القلب يا روح الأماني»، «حكاية في الحي» و«عذابي يا منايا»، «يا نجمة في سمائي»، «نغم ساحر»، «روّعوه»، «مسرنا بعد فرقتنا»، «صلح الحبيب».
كما غنى رياض من أدوار سيد درويش: «أنا هويت»، و«ضيعت مستقبل حياتي». ولاقت كل هذه الأغاني النجاح لدى جمهور المستمعين.
ومن الأدعية غنى رياض: «إله الكون»، «ربي سبحانك دومًا»، و«لك يا حبيب الله».
وشارك رياض بالغناء في بعض الأفلام فغنى: «فاضل يومين»، و«على عودي - في فيلم حبيب قلبي».
ومن أجمل ما غنى رياض قصيدة تعتبر من أروع ما لحّن، إلا أنها - مع الأسف - لم تأخذ شهرتها، وهي قصيدة «أين حبي»، ومطلعها: ذات يوم يا حبيبي كان عصفور ينادي بالهوى أجمل زهرة». كان أول من أذاع هذه القصيدة إذاعة لندن، التي أهدتها فيما بعد إلى إذاعة القاهرة.
وغنى رياض مع المطربة هدى سلطان في فيلم «حبيب قلبي» ثلاث حوارات هي: «بتبكي ليه يا نغم»، و«اشمعنى يا ناس»، و«عندي سؤال».
وسجلت شركة «أوديون» الشهيرة للأسطوانات بعض ألحان رياض بصوته في بداية حياته الفنية، لقاء أجر زهيد جدًا.
وعن صوت وأداء السنباطي قال محمد عبدالوهاب:«لو لم يغن السنباطي غير قصيدة أشواق، لحق له أن يعد مطربًا كبيرًا».
والسنباطي يعد من تلاميذ محمد عبدالوهاب في الغناء، وهذا لا يعيب رياض في شيء، فعبد الوهاب يكبر رياض، كما أنه بدأ حياته الفنية بروائعه قبل دخول رياض عالم الفن. والمعروف عن عبدالوهاب أنه في سنواته الأولى قام بثورة موسيقية أكسبت موسيقانا ألوانًا من المعاصرة والتجديد، وكان ذلك قبل ظهور كنوزالنغم، التي خرج بها رياض السنباطي، الذي أصبح هو نفسه فيما بعد قدوة لعدد من الملحنين البارزين. كما عمل رياض عوادًا في فرقة عبدالوهاب سنتي 1933 و 1934، فاستمع إلى ألحان هذا الموسيقار الكبير وتأثر بها. ويتضح هذا التأثر في كثير من ألحان رياض، وفي أسلوب غنائه، كما تأثر عبدالوهاب بدوره بعد انتشار أعمال السنباطي البارزة بالكثير من ألحانه، خاصة بعد خروجه بروائع أم كلثوم الغنائية. وعن علاقة السنباطي بعبدالوهاب والتأثر بألحانه قال: «إن عبدالوهاب أكثر منا خبرة ودراية وممارسة. ولأن الأستاذ محمد عبدالوهاب هو الذي أوجد الروح الحديثة في الموسيقى العربية، متأثرًا بأستاذنا الكبير سيد درويش، فنحن حتمًا متأثرون بهذه الروح، ومنحازون إلى التجربة التي خاضها للوصول بالموسيقى العربية إلى أرفع المستويات».
واضطر السنباطي إلى التوقف عن الغناء في منتصف السبعينيات إثر إصابته بنوبات صعبة من الربو، اضطرته للسفر إلى باريس عام 1978 للعلاج وإجراء بعض العمليات الجراحية في أنفه، غير أن الحساسية لم تفارقه، بل تزايدت مع الأيام، مما اضطره إلى التوقف تمامًا عن تسجيل أغانيه بصوته. كما عاق هذا المرض الفنان أيضًا في ممارسته لفن «التلحين» إلى حد كبير.
الملحن الأصيل..
عن التلحين يقول رياض:
«التلحين فن هندسي، كل واحد منا يحاول أن يزيّن هذا الفن بما عنده من إبداع. التلحين هو التوليف في المقامات، والتجنيس لأنغام، ومواءمة بين تلك المقامات والأنغام، يبقى بعد ذلك جمال اللحن، ومدى تماسكه، ومدى تأثيره في السمع. وطريقتي هي أن أضع لحنًا يتسابق مع المغني، أو يقترب منه على الأقل. وهي لا تسمى طريقة، وإنما عمل متميز ومبدع، ومؤثر في النفوس. والتلحين ما هو إلا إلهام وإحساس وانفعال وتذوّق. والروح هي التي تملي على الملحن طريقته».
استوعب رياض طرائق التلحين المختلفة، استمع إلى مَن سبقوه في فن الغناء والتلحين، فاستخرج منها أروع الألحان وأعظمها.
ورياض السنباطي آخر الكلاسيكيين المبدعين، حافظ على القوالب الغنائية التي ابتدعها أساتذته، وسار عليها، إلى أن ظهرت شخصيته الفنية، فأخذ في بناء مدرسته المشتقة من جذور شجرة الأجداد.
ويعتبر رياض من الملحنين المحافظين على التراث العربي الأصيل، أضاف إليه إضافات جمالية اعتبرت مدرسة، فأدخل عليها التصور الموسيقي والانتقالات اللحنية دون الخروج عن الإطار الذي وضعه عبده الحامولي ومحمد عثمان وسلامة حجازي، ومن بعدهم سيد درويش، الذي اعتبره رياض أستاذه الأول، ومثله الأعلى في الفن. وعن التطوير والتحديث الذي أدخله سيد درويش في الموسيقى العربية قال:
«لقد كان سيد درويش - رحمه الله - أول مَن أحدث نوعًا من الانقلاب الموسيقي على كل ما سبقه من ألحان، والتي كانت تتصف بالرتابة والتكرار والتطويل الممل. ثم جئنا أنا ومحمد عبدالوهاب لنكمل خط التطوير نفسه الذي بدأه سيد درويش، يعني كلنا خرجنا من عمامة سيد درويش. كل واحد منا أخذ منه حاجة، ولكن مع احتفاظ كل منا بلونه المميز.
سيد درويش هو أستاذ الأساتذة، هو من خطط الموسيقى الجديدة، هو الذي أحدث فعلاً تطويرًا في الغناء العربي. يقولون نحن أتينا بتطوير، نحن لم نحقق أي تطوير... أين هو التطوير؟ إذا كانوا يقصدون بالتطوير إدخال الأورج أو الجيتار على الفرقة... فهذا ليس بتطوير، نحن نتكلم عن التطوير اللحني، هذا لم نحققه بعد سيد درويش».
إن هذا الكلام يعتبر تواضعًا كبيرًا من فنان مثل رياض السنباطي.
حافظ رياض على التراث التقليدي الأصيل في الموسيقى العربية. وكان في ألحانه يهتم بإثارة سامعيه، بأن ينهي جملته الغنائية بقفلة تهز المستمع من مقعده فيصيح «الله». وكان أكثر هذه الأصوات قدرة على أداء هذه القفلات صوت أم كثوم، ويظهر هذا جليًا في أدائها لقصائد السنباطي.
كان رياض يهتم بالزخارف في جمله الموسيقية، وكان يعرفها بـ«الأويمة». ويلاحظ في أسلوب تلحينه التصاعد التدريجي بالغناء إلى أن يصل به إلى الذروة، التي تلهب أكف المستمعين بالتصفيق. كان بذكائه وموسيقيته يعرف كيف يصل بالغناء إلى هذه الذروة.
استعان السنباطي في ألحانه بالآلات الغربية دون أدنى تشويه للمسار الذي ابتكره بعبقريته العربية التي أثرت أغانيه. كما استخدم الكورس في أعماله الفنية. ففي ألحانه الأولى، كان يعطي الكورس أداء المذهب، كما هو متبع في تلحين الطقطوقة، إلا أنه سرعان ما ابتدع أسلوبًا جديدا وجريئًا في استخدام الكورس مع أغاني أم كلثوم مثال «نشيد الجامعة» في فيلم «نشيد الأمل» حيث أعطى الكورس جزءًا أساسيًا في الأغنية، يتبادل فيه الغناء مع أم كلثوم .
كما استخدم الآهات المؤداة من الكورس في ألحانه، مثال المقدمة الموسيقية للحن «على عودي» أدته مجموعة من الفتيات. وفي «إله الكون» استهل رياض اللحن بكورس من الرجال. وفيها طوع الآهات للون اللحن. كذلك استخدم الكورس بشكل فني رائع في أغاني «إلهي ما أعظمك - نجاة الصغيرة» و«يا أكرم من حكم - فايزة أحمد».
ثم أخذ رياض يتفنن في استخدام الكورس في ألحانه، كما في استعراض «لحن الوفاء - عبدالحليم حافظ وشادية»، واستعراض «حبيب الروح - ليلى مراد».
واستعان السنباطي بكورال أطفال في قصيدة «الثلاثية المقدسة» في مقطع «طلع البدر علينا» في درجة صوتية تختلف عن تلك التي غنت فيها أم كلثوم .
ومن اهتمامات رياض، إدخال عنصر الإيقاع بشكل ثري في ألحانه للسينما، فخرجت هذه الأغاني من قوالبها وشكلها التقليدي إلى الحداثة والمعاصرة.
وساير السنباطي «موضة» الأورج والجيتار الكهربائي في بعض ألحانه. إلا أنه كان في استخدامه لتلك الآلات يراعي الذوق والتقنية حتى لا يخرج بطابع الأغنية من الأصالة المصرية. ومن هذه الأغاني:
«من أجل عينيك» حيث استخدم الجيتار والأورج والأكورديون. وفي قصيدة «أقبل الليل» أعطى رياض آلة الأورج دورًا أساسيًا في المقدمة الموسيقية.
تأثرالسنباطي في بعض قصائده باللون الصوفي، إلا أنها خرجت سنباطية خالصة مثال «سلوا قلبي - نهج البردة - ولد الهدى - إلى عرفات الله» لأحمد شوقي. وقد تأثر السنباطي في هذه القصائد بروحانيات المعنى، فأعرب عنها بنغم بلغ ذروة مؤثرة تهز القلوب.
أبو القصيدة:
تناول رياض تلحين جميع القوالب الغنائية العربية، باستثناء الدور والموشح، إلا أنه تفوق في تلحينه للقصيدة، حتى أطلق عليه «أبو القصيدة». وساعده على النهوض بهذا القالب الغنائي صوت أم كلثوم ، وتعلقه وتفهمه للشعر العربي، وقراءاته العديدة لدواوين كبار الشعراء، فإليه يعود فضل كبير في حفظ رجل الشارع للقصائد المغناة بصوت كوكب الشرق أم كلثوم ... كان رياض مغرمًا بالجري وراء الصعب، متحديًا بالوثوب بقصائده الدسمة المعاني إلى رجل الشارع. والمعروف أن القصيدة هي أصعب أنواع التلحين. لحن رياض القصائد التقليدية والقصائد الحديثة مثال قصيدة «همسات» للشاعر أحمد فتحي، وقصيدة «الزهرة» شعر محمود أبو النجا.
وعن القصيدة قال رياض:
«نحن أبناء جيل يحترم الشعر، ويعتبره الطريق الأول للموسيقى... أو التوأم، كنت أحب محمد عبدالوهاب وهو يغني قصيدة «يا جارة الوادي» و«علّموه كيف يجفو فجفا». فالشعر أرقى أنواع الأدب، لذا وجب علينا أن نكرس له أرقى أنواع التلحين، لأنه الوسيلة الوحيدة للارتفاع بالمستوى الثقافي والفني للجماهير، وهذا لن يتم إلا عن طريق الغناء الذي يعتبر ألصق الفنون وأقربها إلى نفوس الجماهير».
والمعروف أن رياض السنباطي كان في بداية حياته الفنية يؤدي بصوته بعض القصائد.
لعب صوت أم كلثوم دورًا كبيرًا في حياة رياض الفنية، فيها وجد ضالته المنشودة. وقد ساعد أداؤها لألحانه على شهرته، كما فتحت له أبوابًا يظهر فيها إمكاناته الفنية في التلحين. قدم رياض ألحانه لأم كلثوم فترة تقترب من أربعين عامًا، تخللها خصام دام حوالي سنتين، ومن الملاحظ في ألحان رياض السنباطي الأولى لأم كلثوم تأثره الشديد بأسلوب محمد القصبجي، ناسجًا على منواله، ثم بدأت شخصيته الفنية تستقل.
غنت ألحان رياض السنباطي أصوات عدة، أما الصوت الذي أعطى هذه الألحان بريقًا ذهبيًا وقيمة فنية كبيرة، فكان - بغير شك - صوت أم كلثوم . فإذا استمعت لأغنية لرياض السنباطي مؤداة بصوت غير صوتها، أحست على الفور أن ملحن هذه الأغنية ليس هو رياض السنباطي الذي استمعنا إلى ألحانه بصوت أم كلثوم . وفي ذلك يقول الناقد الفني كمال النجمي:
«ملحنان مختلفان في المقدرة والإبداع، ولكنهما ملحن واحد اسمه رياض السنباطي. يبلغ القمة حين يضع لحنًا لأم كلثوم ، ويأتي بخوارق تدهش العقول. كان يفاجئ المستمعين في كل لحن كلثومي بلون من الإبداع لم يسبقه أحد إليه، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثله. فإذا اقتضت الضرورة أن يضع لحنًا لمطربة أخرى لم يأت بشيء من الخوارق الفنية. ولم يفاجئ المستمعين بشيء من الإبداع. ويبدو عندئذ كأنه ملحن آخر من طبقة أقل بكثير من طبقة السنباطي، لا تطاولها طبقته عند التلحين لأم كلثوم . ولعل السبب أن روحه المعنوية ترتفع عندما يلحن لأم كلثوم فينعكس ارتفاعها على ألحانه».
وتتميز أغاني رياض بسلامة تلحين الألفاظ، ومطابقة حروف مخارج الكلمات مع اللحن. كما كان يحرص في اختياره للمقامات الموسيقية العربية، أن تتناسب مع موضوع الأغنية.
ولم يكن رياض يقدم على توزيع أغانيه إلا في النادر جدًا، وكان له رأي في توزيع الموسيقى العربية قال:
«ليست كل أغنية صالحة للتوزيع. وليس كل موزع يصلح للتوزيع. فالتوزيع يحتاج إلى شخص يكون مدركًا لأسلوب التوزيع الذي يتناسب مع اللحن. الملحن والموزع لابد أن يكملا بعضهما البعض».
وكان السنباطي لا يميل إلى استخدام النوتة الموسيقية بالرغم من إجادته لها، إلا كهيكل للعمل، حتى لا يتقيد المطرب في أدائه بما تعزفه الفرقة، وحتى لا يفقد اللحن عنصر الارتجال والزخرفة. فألحان رياض يصعب تدوينها لكثرة ما تضمّ من الحليات والنوتات الصغيرة التي تقع بين النغمات. كان السنباطي يميل إلى التحفيظ، لذا كان يحضر جميع التدريبات والتسجيلات الخاصة بأغانيه.
رياض السنباطي مدرسة. ومَن أنجب طلبة هذه المدرسة: محمد الموجي - حلمي بكر - كمال الطويل - أحمد عبدالقادر وغيرهم. بدأوا جميعًا حياتهم الفنية بالسير على منهج السنباطي.
رتيبة الحفني

ثومه
23/03/2009, 08h40
:emrose: أخي باسل
ما هذا المقال الجميل وكم المعلومات
الغائبه عني عن هذا الفنان العظيم
رياض السنباطى
ابن بلدي (المنصوره).
وعلي رأى السميعه الكلثوميين
عظمه علي عظمه
شكرا لك.:emrose:

باسل زعرور
23/03/2009, 08h52
والله أنا مثلك متفاجئ تماما

بالفعل رحمه الله

كان استثنائيا بكل معنى الكلمة

تحياتي لك ولمرورك الكريم
:emrose::emrose:

مصطفى أخرس
05/05/2009, 09h35
إلى : " سماعي " ...
من نكأ بقلبي جراحات خلتها اندملت ....
و من أزكى بفؤادي نارا حسبتها خمدت ...
و من عصف بخفاقي رياحا ظننتها سكنت ....
ـ و بعد توقف طويل ـ
أقول :
هي النغمات تشـــجيـه و تطربه و تبكيــــه
و توقظ في حنـــــاياه أسى قد كان يخفيه
تهدهد بين أضلعـــــه فؤادا نام ساقيـــــه
و تضرم في جوانحـــه أنينا بات يكويــــــه
تداعبه ... تدغدغـــــه حميا الشوق تسقيــه
فيصحو و الهوى يشدو على أطلال ماضيــه
يدمدم همس أشـــواق تبدى فجره فيــــــه
على عودي عزفت الآه تحييني و تحييـــه
سلوا قلبي أيا صحبــي أليس النوح يكفيــه
عصي الدمع قد كانــا فكيف الحب ينسيــه
هجرتك علني أنســـى و هل أنسى مآقيـــه
أينسى قصـــــة الأمس غداة الغدر يدميـــه
إله الكون سامحنـــي على ما لست أبديــه
لغيرك ما مددت يدا فجد بالصفح عن تيهي
و جد بالعفو أنت الله تجزينــي ... و تجزيــه

الثلاثاء 5/5/09

بهاء الدين 7
19/04/2010, 19h34
سيكون تسخيفا للأمور لو انجرت الصحافة . وخصوصا الصحافة الفنية . الى المبالغة في استعمال لقب
(( دكتور )) امام اسم رياض السنباطي , مثلما فعلت مع عبد الوهاب , بعد ان نال لقب الدكتوراه الفخرية
في الموسيقى , في العام المنصرم , ونالها السنباطي منذ ايام . فالحقيقة ان هذا اللقب لا يضيف شيئا للقيمة الذي
يمثلها هذان الاسمان الكبيران في تراثنا الموسيقي المعاصر , بل الارجح ان يمنح اسماهما قيمة للقب ,
فيما لو احسنت وزارة الثقافة استعماله , فقصرت منحه على القلة التي لها في تراثنا الموسيقي المعاصر
مساهمة تضارع او تقارب ما قدمه عبد الوهاب والسنباطي . اما اذا كان هذا اللقب سيمنح يمينا ويسارا
لكل من اجزل العطاء لنقاد الصحافة الفنية او موظفي الاذاعات , فأصبح اسمه واصبحت موسيقاه رمزا للرواج
التجاري , فسيكون اللقب مجرد ضوضاء اعلامية فارغة , ليس هناك ما يدعو لنزج فيها بقيم فنية في وزن
السنباطي وعبد الوهاب .

هذا عن لقب الدكتوراه الفخرية في الموسيقى , الذي تمنحه وزارة الثقافة المصرية , فماذا عن رياض السنباطي
حامل اللقب هذا العام ؟

هناك اكثر من معيار يمكن ان نقسم على اساسه تيارات الموسيقى العربية المعاصرة ,
غير اننا اذا اردنا اعتماد اكثر المعاير شمولية وتعميما , امكننا القول ان مرحلة ما بعد سيد درويش قد
شهدت اربعة ملحنين رئيسيين , يمكن تقسيمهم الى فئتين : محمد القصبجي وعبد الوهاب في فئة ,
وزكريا احمد واسنباطي في فئة ثانية , الفئة الثانية واصلت خط الموسيقى العربية الكلاسيكية
كما وصلت الينا من القرن التاسع عشر عبر عبد الحامولي فمحمد عثمان فكامل الخلعي فداود حسني ,
بينما استجابت الاولى لرياح النوافذ الجديدة التي فتحها سيد درويش ....
ومع ان هناك الكثير من التفاصيل المتداخلة بين الفئتين , ومع ان هذا التقسيم لا يمكن ان يكون قاطعا
وحادا ( ربما بستثناء تصنيف زكريا احمد الشديد التميز ) ومع ان للسنباطي اعمالا يمكن نسبتها الى الفئة
الثانية فان التقسيم العام الذي اعتمدناه يعكس الخط الئيسي , والنكهة المميزة والشخصية العامة لأعمال
هؤلاء الاربعة الكبار . ولن تغرق في مزيد من التفاصيل العامة , بل نعود الى السنباطي .

مما يخالف التقسيم الذي اعتمدناه في بداية الكلام , ان السنباطي بدأ حياته متأثرا بالقصبجي تأثرا واضحا .
يبدو في كثير من الحانه المبكرة لام كلثوم , وربما كان اوضحها تأثرا بالقصبجي اللحن الممتاز الشهير
(( النوم يداعب )) ومعظم الحان السنباطي السينمائية لليلى مراد . وخاصة في فيلم ( غادة الكاميليا )
و ( ليلى بنت الفقراء ) اللذين شارك القصبجي في تلحينهما على كل حال ,
لقد بلغ من التنوع المبكر للسنباطي , ومن شدة تأثره بالقصبجي الكبير , ان اكثر من لحن للسنباطي
في تلك الفترة يمكن نسبتها الى القصبجي بكل سهولة . ولا احد يدري المستقبل الذي كان ينتظر
السنباطي لو استمر في هذا الطريق . ولكن نبوغا في وزن نبوغ السنباطي , لا يمكن في النهاية الا
ان يشق طريقه الخاص .

ان المعلومات القليلة المتوافرة عن شخصية السنباطي ( وهو بالمناسبة اشد الملحنين العرب بعدا عن الصحافة
والعلاقات العامة ) تشير الى ان الشخصية المحافظة للسنباطي والمتشبعة بالاجواء الدينية ,
كان الحبل الذي شد السنباطي الى الخط الكلاسيكي في التلحين . بعد ان انتقلت اليه جرثومة القصبجي المتجدد .

غير ان هذه السمة التجديدية لم تفارق السنباطي على كل حال . بل خلعت على كلاسيكيته في بعض الفترات
مسحة معاصرة , تبدو اكثر ما تبدو في الالحان القليلة التي لحنها لنفسه ومن اشهرها قصائده ( فجر)
( اشواق ) و ( الزهرة ) واغنيته السينمائية الطويلة (( على عودي )) وهي التي تبدو فيها روح
معايشة السنباطي لعبد الوهاب بشكل واضح .


غير ان هذا الخط لسبب لا بد من كشفه بكثير من التفصيل والدقة عند تأريخ السنباطي مستقبلا ,
بقي الخط الثانوي في حياة السنباطي , واندفع خطه الكلاسيكي المحافظ يتطور ويتعمق ,
ولعل اعظم الصدف التي واكبت ذلك تلاقي موهبة السنباطي الكلاسيكية الاصيلة المتدفقة كالنهر بصوت
ام كلثوم العظيم . الذي فيه الكثير من الصفات المشتركة مع الحان السنباطي , سواء في فطرته او في
اسلوبه الآدائي .

ومع ان السنباطي عايش عملاقين في التجديد هما القصبجي وعبد الوهاب ,
فان من الواضح ان فراغا هائلا كان سيبقى في تراثنا العربي المعاصر , لو لم يخض السنباطي تجربته
العظيمة في تطوير غناء القصيدة العربية الكلاسيكية .

وكم يبدو سخيفا ومثيرا للشفقة ذلك الحديث المشوه عن العلوم الموسيقية الذي يطلقه بعض الذين لا علاقة
لهم بالفن الموسيقي سوى معلوماتهم الاكاديمية ( وعن الموسيقى الغربية وحدها ) كم يبدو حديث هؤلاء ونظرياتهم
سخيفة ومثيرة للشفقة امام قلعة القصيدة العربية الكلاسيكية المعاصرة التي بناها السنباطي في اعمال مثل
- سلو كؤوس الطلى - سلو قلبي - نهج البردة - النيل - ولد الهدى - رباعيات الخيام - وحديث الروح -
ومصر تتحدث عن نفسها - الاطلال ----فالسنباطي في هذه الاعمال الشامخة والغزيرة في آن
لم يثبت فقط الماما محيطا بالمفامات والايقاعات العربية البالغة الثراء ( وهو في هذا المجال اكثر علما من
الذين اقتصر تعلمهم على التراث الاكاديمي الغربي ) بل خلق تراكيب في تداخل المقامات ,
ونسج حركات الانتقال المدهش والمتماسك بين مقام وآخر , وتزويج مقامات غريبة عن بعضها
او غير مألوفة التزاوج , ستكون في يوم من الايام مادة دراسية غزيرة ( بالاضافة الى كونها خلاقة وأصيلة )
لا شك بان احفادنا سيعرفون قدرها الحقيقي , اكثر مما نعرفه نحن ....
وقد ساعد السنباطي كثيرا في هذا المجال تملكه المطلق لآلة العود , الذي اعتبر من خيرة العازفين
المعاصرين عليه , وعزفه يتميز عن عزف فريد الاطرش , ( مع ان الشهرة الشعبية للثاني كعازف اكثر اتساعا )
بان عزف السنباطي ( شأنه في ذلك شأن القصبجي وعبد الوهاب ) يمتاز بالعمق والخصب والخيال غير المحدود ,
بعكس فريد الاطرش الذي يتميز بالاستعراضي مع شيئ من ضيق الخيال . وان كانت التقنية التنفيذية
واضحة فيه .


كما ساعده انه لم يخض تجربة القصيدة العربية بموهبته ومجهوده فقط ,
بل بحنجرة تاريخية هي حنجرة سيدة الغناء العربي ام كلثوم .
لعل هذه النقطة كانت في حياة السنباطي نقطة قوة ونقطة ضعف في آن .
فقد كان واضحا عند وفاة ام كلثوم ان هناك خاسرين كبيرين هما عبد الوهاب والسنباطي
الاول لأنه اعتزل الغناء منذ فترة طويلة وبدأ منذ منتصف الستينات يركز مجهوده التلحيني
الاساسي على حنجرة ام كلثوم , ولكن خسارته مع ذلك ظلت محدودة , لأنه كان قد بنى
مجده الموسيقي خارج اطار هذه الحنجرة العظيمة . وبقيت امامه حناجر اخرى ( عبد الحليم -
نجاة الصغيرة - وفيزه - وردة - ) اما السنباطي . فهو الخاسر الاكبر لان الخط الاساسي
في حياته الموسيقية قد ارتبط بحنجرة ام كلثوم ارتباطا كاملا ,
لدرجة ان التساؤل عند رحيل ام كلثوم كان عن اتجاه السنباطي وعن امكان اضطراره
لتطوير خطه الثانوي الذي اعتمد فيه على صوته .
ولكن صوته هو الاخر لم يعد صالحا للغناء ( بدليل اغاني ام كلثوم التي سجلها بصوته
على استوانات مع عوده وأسوأها عودة عيني )

ومع ان سنوات ثلاثا تكاد تمر عل رحيل ام كلثوم . فان السؤال ما زال مطروحا بالنسبة للسنباطي ,
هل انتهى موسيقيا بنهاية حنجرة ام كلثوم ,
ام ان في جعبته المزيد الذي لا بد من ان يجد سبيلا لاخراجه الى النور ؟


آخر أخبار القاهرة تقول ان السنباطي يبحث عن اصوات كلثومية ,
وانه وجد ضالته في صوت نسائي (( ياسمين )) لحن لها قصيدة البصيري في مدح الرسول
عليه الصلاة والسلام ---- التي انشدتها ليلة تقلده لقب الدكتوراة الفخرية تتويجا ختاميا
لحياة فنية طويلة , ولكن هذا الصوت اصغر كثيرا من الحان السنباطي ,

ليس في الفن قواعد ثابتة . فالشاعر الفرنس الشهير رامبو انهى حياته الفنية في التاسعة عشر من
عمره . والموسيقار الايطالي الشهير فردي ظل يعطي حتي طعن في الثمانين .

وحياتنا الموسيقية مجدبة . متراجعة لم تخلق بعد ما يسد فراغ كبير مثل السنباطي
, لذلك فان متعتنا ستكون كبيرة لو كان ما يزال في جعبته طرائف شرقية جديدة يتحفنا بها ,
ويضع علامات على الطريق في زمن التيه والتخبط . 23/10/1977

عنوان هذه الاسطر
هل قال هذا الموسيقي الكبير كل ما عنده ؟

الياس سحاب
دفاعا عن الاغنية العربية

samirazek
09/03/2019, 12h01
جريدة الاهرام العدد 44371 السبت 31 مايو 2008

سلسلة مقالات هو وهى بقلم سناء البيسى

رياض السنباطي‏..‏القيمـة والقـمـة


أزيح الستار عن محمد رياض محمد السنباطي والمولود في 30 نوفمبر من عام 1906... عازف العود الشاب الموهوب ممسكا بريشته ليرتجل تقاسيمه بفيضها المتدفق السريع الزاخر حينا‏..‏ الهادئ حينا كأنه الهمس الرقيق الرفيق إذا أراد له أن يتسلل عبر براعته في الترويق‏,‏ متنقلا بخبرة الدارس مع الخيال الخصب والإلهام المسترسل وفهم المقامات‏,‏ من مقام الرست ليعرج علي مقام البياتي والصبا والعجم‏..‏ تقاسيم كأنها السحر خلقة ربنا يطعمها صاحبها بالزخارف أينما يحلو له لتتمايل الرءوس‏..‏ الله‏..‏ الحفل كان بمناسبة تغيير اسم نادي الموسيقي إلي معهد فؤاد الأول للموسيقي العربية ويحضره فؤاد ملك مصر وحاشيته وكبار القوم‏..‏

وما أن بدأت ريشة اليد اليمني تقرع الأوتار مرات لتعفق اليسري بالعود من رقبته لتضيف زخارف تزيد العزف جمالا ورونقا‏,‏ وما أن بدأ روقان العازف ينجلي ويتجلي في حضور الملك حتي انبثقت ضجة الجارسونات وصولات وجولات تقديم الأطباق والمرطبات فوق موائد الضيوف ليهرب وحي الموسيقي مما أعاق سرد الأنغام الملهمة لساعتها‏,‏ وأهان الفنان في أوج عطائه فلزم الصمت الفجائي ووضع الريشة جانبا وحمل عوده وقام مغادرا ليس إلي البهو الخارجي وإنما إلي بيته رأسا ليقدم استقالته من المعهد الملكي مع الصباح التالي‏..‏

محمد رياض السنباطي أعظم وأبرع عازف عود ظهر علي مدي التاريخ‏..‏ من كان عندما يجلس إلي عوده تشعر كأنه فرقة موسيقية مستقلة‏..‏ الذي غادر قاعة يترأسها الملك فؤاد الأب ليعزف بعدها للملك فاروق الابن لتغني علي ألحانه أم كلثوم كوكب الشرق في ليلة عيد الفطر مساء الأحد‏17‏ سبتمبر‏1936‏ في حديقة النادي الأهلي بالجزيرة طقطوقة يا ليلة العيد أنستينا لتحول تشكيل كلمة الكوبليه الأول عند دخول الملك القاعة من هلالك هل لعنينا إلي هلالك هل بعنينا ليتحول المعني احتفاء بالملك الذي هل علي الحفل.‏ولهذا أنعم فاروق علي أم كلثوم بوشاح الكمال لتغدو بموجبه صاحبة العصمة‏,‏ وليلتها نادي علي مصطفي أمين من بين الحاضرين وطلب منه أن يصعد معلنا نبأ حصول أم كلثوم علي منحة نيشان الكمال من الملك المفدي‏..‏

وكانت أم كلثوم قد غنت في عام‏1932‏ في معهد فؤاد للموسيقي العربية أمام الملك فؤاد الذي صفق لها كثيرا خاصة حين غنت له أفديه إن حفظ الهوي وملك الفؤاد‏..‏ وقامت بترديد ملك الفؤاد بتوزيعات حنجرتها الذهبية أكثر من مرة‏,‏ وقد سبب هذا الحفل الملكي أزمة داخل الوسط الفني بسبب عدم دعوة سلطانة الطرب منيرة المهدية للمشاركة‏.

ووقتها تبارت المجلات الفنية في تناول القضية وأسباب إبعاد الست منيرة واختيار الآنسة أم كلثوم‏..‏ وتواكب ألحان السنباطي بصحبة حنجرة أم كلثوم تاريخ مصر منذ عام‏1936‏ فيقدمان من كلمات أحمد شوقي بمناسبة تولي فاروق سلطته الدستورية قصيدة مطلعها‏:‏ الملك بين يديك في إقباله عوذت ملكك بالنبي وآله وفي عيد ميلاد الملك عام‏1937‏ يقدمان من أشعار أحمد رامي الأغنية المسجلة التي مطلعها إجمعي يا مصر أزهار الأماني‏,‏ وبمناسبة زفافه إلي فريدة تترنم أم كلثوم بألحان السنباطي أشرقت شمس التهاني تملأ الدنيا بهاء وضياء‏,‏ وفي ميلاد الأميرة فريال يكتب رامي‏:‏

يا ربوع النيل طيبي بالأمــاني أنجب الفاروق للوادي السعيد
واطمـــأن البـــــال بالميلاد لما نال فاروق المفــــدي ما أراد

ومن كلمات بديع خيري يلتقي اللحن والصوت ـ أم كلثوم والسنباطي ـ في أغنية الزفة ليلة فرح الإمبراطورة فوزية وإمبراطور إيران الشاهنشاه محمد شهبور‏,‏ حيث طلبت الملكة نازلي من أم كلثوم أن تزف العروسين بعد أن رأت الخروج عن تقاليد العائلات الكبيرة التي تلجأ في زفة أي عروس إلي فرقة بديعة مصابني أو فرقة ثريا سالم‏,‏ ووقعت أم كلثوم في حرج شديد حيث كانت قد وضعت مبدأ لا تحيد عنه وهو غناء وصلتها فقط في أي زفاف مع عدم الاشتراك في السير وراء دفوف العروسين للجلوس فوق الكوشة‏

ونزولا علي أوامر الأسرة الحاكمة قبلت علي أن يكونا أول وآخر عروسين تزفهما‏,‏ وقد أعدت سريعا للمناسبة الإمبراطورية فستان سواريه من الدانتيل الأسود‏,‏ وعلمت نازلي ــ كما ذكرت الدكتورة رتيبة الحفني ــ من الخياطة ريتا بأمر اللون الأسود فسارعت تطلب فورا تغيير الأسود إلي البمبي‏,‏ وكانت أول مرة يبطن فيها فستان غامق باللون الفاتح حتي أنها أصبحت موضة أطلقت عليها ريتا الخياطة اسم موضة ثومة‏..‏ وتولد الأميرة فادية عام‏1943‏ لتغني أم كلثوم من ألحان السنباطي وأشعار محمود حسن إسماعيل زهرة هلت علي فجر الحياة‏

وتبث الإذاعة بمناسبة عيد ميلاد المليك في‏11‏ فبراير‏1946‏ أغنية السنباطي بصوت كوكب الشرق الآنسة أم كلثوم أيقظي يا طير نعسان الورود‏,‏ وتغني أم كلثوم سلوا قلبي لأمير الشعراء أحمد شوقي من ألحان السنباطي بعد أن أضاف لها الشاعر محمد الأسمر خمسة أبيات احتفاء بضيف البلاد الملك عبدالعزيز آل سعود ومضيفه جلالة الملك فاروق لتظل القصيدة تذاع ـ كما جاء في مذكرات المؤرخ عبدالقادر صبري ــ يوميا طوال أيام تشريف عاهل السعودية في مصر وإلي ما بعدها بأيام لتحذف الإضافة من بعدها وكانت بعد البيت الأخير في قصيدة شوقي‏:‏

وما للمسلمين سواك حصن إذا ما الضر مسهمو ونابا فأضافت الأبيات‏:‏
وكيف ينـــــالهم عـــنـت وفـــــيهـم رضـــا ملكيــن بــل روضــين طــابا

إذا الفــــــــاروق باســــــم الله نادي رأي عبــــدالعـــــزيز قـد اســـــتجابا
فصـــــن يا ربنـــــــا الملكيــــن واحفـظ بلادهــــما وجنبـــها الصعــــــابا

همــــــا فـجــــــــر العــــــروبة أنجـــبته فقــالت يومــــــي المرجـــو آبــا
إذا اتحـدت أســــــود الشــــرق عــزت عروبتـــهم وصار الشــــرق غابا

ويواكبا معا السنباطي وأم كلثوم أحداث تاريخ مصر لتغني من ألحانه ـ التي بلغت‏96‏ طقطوقة وأغنية وقصيدة منبعا ــ منها‏33‏ أغنية سياسية ووطنية كان منها طوف وشوف وهي الأغنية الوحيدة التي حضرها السنباطي بنفسه إذ قاد الفرقة الموسيقية أمام جمال عبدالناصر في احتفالات‏1963‏ عندما أبدي ناصر لأم كلثوم رغبته في ملاقاته‏,‏ وغنت من أشعار صالح جودت أيضا بعد الهزيمة من ألحان السنباطي‏:‏

انـت النــاصــــر والمنـصــور....... ابق فـــأنت حـبيـب الشــــعــــب
قـــم للشـعــــب وبــدد يأســه .......واذكـر غـــــده واطــــرح أمســه

وهي أغنية تناشده فيها البقاء في الحكم أذيعت لمدة يومين فقط‏,‏ وغنت من ألحان السنباطي عند موت عبدالناصر قصيدة لنزار قباني رسالة إلي عبدالناصر وبعدها لم تغن أية أغنية سياسية أو وطنية‏,‏ هذا مع أن الثورة عندما قامت ألغت جميع الألقاب بما فيها لقبها الملكي صاحبة العصمة فخلع عليها الأصدقاء لقب كوكب الشرق تخفيفا عليها من فقدان التميز‏,‏ وبلغ الغضب منتهاه بأم كلثوم عندما منعت الإذاعة جميع أغانيها باعتبارها من آثار العهد الملكي‏,‏ لكن عبدالناصر عندما بلغه الأمر من مصطفي أمين سارع يعيد الكروان إلي سماواته قائلا‏:‏ إذا كانت أم كلثوم من رموز العهد الماضي فلماذا لا نردم النيل ونهدم الهرم؟‏!.‏

وإذا ما كان الفنان كإنسان ينفعل بشخصية حاكم أو رئيس أو ملك فهذا من حقه وليس مطلوبا منه أن يكون معارضا سياسيا‏,‏ وإنما الفنان هنا يعبر عن انفعاله الخاص الملتزم به أمام فنه وقناعته الخاصة وليس أمام السلطة السياسية‏,‏ وأعماله الفنية تعبر عن رؤيته في لحظة تاريخية معينة فلا تحسب عليه كمنافق أو معارض‏,‏ وفي هذا الصدد روي عن أحد العلماء وكان مديرا لمعهد ديني معروف بالقاهرة عندما قرر الملك فؤاد أن يزور المعهد فطلب من مديره أن يأتي في موعد الزيارة بجبة لائقة‏,‏ وهو ما أغضب العالم ليمتنع عن الذهاب من أصله لمكتبه في الموعد المحدد‏

وأرسل في الموعد بجبة جديدة مع رسالة تقول‏:‏ إنكم قد أردتم جبة جديدة فها هي بين أيديكم‏,‏ وطالما أنكم لم تعتنوا بوجود العالم فإنني لن أحضر الاحتفال‏..‏ وربما نجد في هذا التصرف ما يشابهه في عزة نفس موسيقارنا الشامخ رياض السنباطي عندما أراد السادات تكريمه بمنحه جائزة الدولة التقديرية في عام‏1980,‏ وحدث أن انتظره السنباطي علي مدي ساعتين‏,‏ غادر بعدها قائلا‏:‏ ابقوا ابعتولي عندما يحضر‏..‏وطلب السادات منه الغناء والعزف أمامه في إحدي الحفلات لكنه رفض الأمر مما أثار استياء السادات منه حتي وفاته في‏9‏ سبتمبر عام‏1981‏ ورغم ذلك منحه السادات التقديرية‏

ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولي‏,‏ والدكتوراه الفخرية عام‏1977‏ لدوره الكبير في الحفاظ علي الموسيقي العربية عام‏1977,‏ وفي العام نفسه‏1977‏ حصل رياض السنباطي علي جائزة اليونسكو العالمية باعتباره مبدعا وخلاقا ومؤثرا بموسيقاه في شعوب المنطقة‏,‏ وهو الوحيد في الوطن العربي الذي نال هذه الجائزة‏,‏ كما أنه كان واحدا من خمسة فقط في العالم الذين حصلوا عليها‏..‏ وأبدا لم يحضر السنباطي حفلة واحدة من حفلات أم كلثوم كمستمع في الصف الأول مثل الشاعر أحمد رامي ليرقب تأثير فنه علي حنجرتها‏,‏ ولا مثل محمد عبدالوهاب الذي كان يقف خلف الستار يتلمس إعجاب الجمهور بألحانه في لقاء السحاب مع أغنيته لثومة انت عمري‏..‏

كان زاهدا في مثل هذا الموقف‏,‏ ومنذ بدأت معه أم كلثوم كان يفضل الانفراد بصوتها في حجرته الخاصة حيث لا يقطع خلوته ومتعته أحد‏.‏

بلبل المنصورة رائد النهضة الكلثومية حارس الموسيقي العربية الصارم الذي ألغي تسجيلا مع إحدي الفرق لضبطه عازفا يدخن‏..‏ اللائذ بالصمت لأنه يمتلك بصيرة الأعماق‏.‏ فن استماع القلب للكلمات‏.‏ فن تواصل الذهن بجنين الخلق‏.‏ فن التلقي‏.‏ فن التوحد في سكون واستغراق يسمع فيه نداء الكلمة وصوت اللحن ونبض الآلات‏..‏ وحسبوه بصمته متكبرا‏,‏ وفات عليهم الخيط الدقيق بين التكبر والكبرياء‏..‏ بين الشموخ وعزة النفس لمن لم يتهافت علي الظهور ولم يشتر رياء الثناء أو رياء النفوذ أو ابتغاء المنفعة أو اشتهاء المال‏,‏ بل كان متوحدا عزيزا معتزا‏..‏

فنان القيمة والقمة صاحب العطاء الموسيقي بتراثه الخالد‏,‏ والخالدون كما قال شوقي أربعة‏:‏ شاعر سار بيته‏,‏ ورسام ضحك زيته‏,‏ ونحات نطق حجره‏,‏ وموسيقي بكي وتره‏..‏ ولقد بكي وضحك وعشق ورق وهجر وذاب وأذاب وسهر وأطال السهر وتر رياض السنباطي علي مدي‏50‏ عاما قدم فيها‏1000‏ لحن و‏13‏أوبريت كتب كلماتها أحمد شوقي‏,‏ ومحمد إقبال‏,‏ وصالح جودت‏,‏ وحسين السيد‏,‏ وأحمد رامي‏,‏ وبيرم التونسي‏,‏ ومحمد علي أحمد‏,‏ وعبدالفتاح مصطفي‏,‏ ومحمود حسن إسماعيل‏,‏ ومرسي جميل عزيز‏,‏ ومأمون الشناوي‏,‏ وعزيز أباظة‏,‏ وفتحي قورة‏,‏ وصلاح جاهين‏,‏ وأحمد شفيق كامل‏,‏ ومصطفي عبدالرحمن‏,‏ وأحمد فتحي‏,‏ وإبراهيم ناجي‏..‏

وعباس العقاد الذي كتب له أغنية يا نديم الصبوات أقبل الليل فهات والتي أذيعت لأول مرة مساء الأحد‏14‏ نوفمبر‏1943..‏ ألحان يقول عنها صاحبها‏:‏ تأثرت بالملحنين القدامي‏..‏ بأداء عبده الحامولي ومحمد عثمان وعبدالحي حلمي‏,‏ وبموسيقي سيد درويش‏,‏ كما تأثرت بالشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ محمد صبح‏,‏ وكان لهؤلاء جميعا أثرهم في تكويني الفني‏,‏ وما بين بلد المحبوب لأم كلثوم والثلاثية المقدسة استطاع مع كوكب الشرق سريعا التخلص من جاذبية أسلافه في التلحين لينطلق كالصاروخ في الفضاء الفسيح لهذا الفن العظيم‏,‏ فن تلحين القصائد الذي فتح له صوت أم كلثوم أبوابا سحرية لم تكن تخطر له علي بال‏,‏ فتفتحت موهبته ليظل حريصا علي تلبية متطلبات صوتها ويرتفع إلي مستوي الإمكانات العبقرية لهذا الصوت النادر التي كانت صاحبته بدورها لا تناديه باسمه وإنما بلقب العبقري‏..‏ العبقري الذي لم يستخدم جملة موسيقية آتية من أي اتجاه‏,‏ فموسيقاه نابعة من زخم عطاء عبقريته‏..‏ من السنبطة في أوج قدرتها علي الكشف عن أجمل مناطق كل صوت‏.‏

والغالبية لا تعرف من السنباطي إلا كلثومياته‏,‏ مع أن من يغفل ألحانه غير الكلثومية يكون قد أسقط ــ ظلما ــ أكثر من نصف ميراثه الموسيقي الضخم في الموسيقي العربية المعاصرة‏,‏ فهناك‏97‏ أغنية لم تشدو بها كوكب الشرق‏,‏ و‏12‏أغنية غناها بنفسه إلي جانب‏36‏ معزوفة كانت تبثها الإذاعة المصرية في بداياتها لمدة ساعتين مرتين في الأسبوع أشهرها معزوفة رقصة شنغهاي وعرائس البحر وإليها ورحيل الفلك‏..‏

وقد لحن لفيروز أغنيتين‏,‏ولنجاة ثلاث‏,‏ وغنت له أسمهان خمسا منها ليت للبراق عينا‏,‏ ولسعاد محمد فتح الهوي الشباك‏,‏ ولشادية تلات شهور ويومين اتنين‏,‏ ولعبدالحليم لحن الوفاء‏,‏ ولشريفة فاضل ساعة واحدة‏,‏ ولصباح راحت ليالي‏,‏ ولفايزة أحمد لا ياروح قلبي ولميادة أشواق ولنادرة اعطني الناي وغني‏,‏ ولنجاح سلام عايز جواباتك ولوردة حاقول لك حاجة ــ وكان ذلك في فترة عامي الخصام بينه وبين أم كلثوم حول أجر التلحين ــ وأغنية يا حبيبي لا تقل ضاع حبي التي لم تنجح جماهيريا‏,‏ ومحمد قنديل أتحدي‏,‏ وكانت ثومة تري مثله أن محمد قنديل أجمل الأصوات المصرية خصوصية علي الإطلاق وغني له وعبدالمطلب شفت حبيبي‏,‏

وغني بنفسه سبع أغنيات من تلحينه منها كل شيء راقص البهجة حولي ها هنا وأيها الشادي‏..‏ وظهر رياض السنباطي في ثلاثة أفلام أولها في فيلم الوردة البيضاء بطولة محمد عبدالوهاب وسميرة خلوصي‏,‏ ولم يتعد ظهوره نصف دقيقة فقط كعازف للعود في التخت المصاحب لمحمد أفندي‏,‏ حيث يبدي في المشهد الميني اعتراضه وتذمره من تأخر محمد أفندي ليغني بعد أن طال انتظار أفراد التخت‏,‏ والفيلم الثاني بعنوان حلم الشباب ظهر فيه يقود سيارته وهو يغني قصيدة حلم الشباب‏,‏ والثالث قام فيه بدور البطولة أمام هدي سلطان لتغني من ألحانه قتلوني يابوي ويشترك معها في دويتو من الغناء السريع الخفيف‏..‏ وقد غنت له أم كلثوم علي بلد المحبوب وديني زاد وجدي والبعد كاويني علي أسطوانة وكان قد وضعها أصلا لها لفيلم وداد فلم تعجبها ليغنيها عبده السروجي‏,‏ وندمت بعدها لعدم ظهورها في الفيلم‏,‏ ويقول السنباطي إنها كانت من أندر هفوات أم كلثوم في تقديرها للألحان‏.‏

ورغم ندرة أحاديثه يقول السنباطي عن بداياته‏:‏ ولدت في الثلاثين من مارس عام‏1911‏ ببلدة فارسكور‏,‏ وفي سن الثامنة رحلت مع والدي إلي المنصورة‏,‏ وحدث لي ما يحدث لكل هاو للفن‏..‏ كنت أهرب من المدرسة إلي دكان نجار من هواة العزف‏,‏ ولكن معلمي الحقيقي كان أبي ويلتقي السنباطي وهو في الثالثة عشرة بسيد درويش الذي يعجب به فيصحبه إلي حلواني المنصورة الشهير راندو بولو ليعزمه علي الجاتوه والآيس كريم‏,‏ ويزداد اقتناعه به عندما يغني أمامه أغانيه الشهيرة أنا هويت وانتهيت وضيعت مستقبل حياتي‏,‏ وأدرك سيد درويش بحاسته الموسيقية أنه أمام موهبة نادرة فأراد أن يصحب رياض معه‏,‏ لكن الوالد محمد السنباطي لم يكن في استطاعته الابتعاد عن الابن الذي أصبح بلبل الفرقة‏,‏ ولا يسافر رياض السنباطي في صحبة والده إلي القاهرة إلا في عام‏1930,‏ ويقول‏:‏ قبلت في معهد الموسيقي العربية كأستاذ عود وليس كتلميذ‏,‏

وفرحت لأن هذا سيغطي نفقات دراستي بل سيكون لي راتب‏,‏ وقد رشحني مدحت عاصم للتعاون مع شركة أسطوانات أوديون لتلحين عدد من الأغنيات لعدة مطربين وكان أول لحن لي مع أم كلثوم النوم يداعب عيون حبيبي وكانت أصعب ألحاني الأطلال‏..‏ كنت خائفا من الأداء‏..‏ لم أكن واثقا لأول مرة في حياتي من أداء أم كلثوم‏,‏ ولما أخبرتها بالتليفون بمخاوفي قبل الحفل قالت لي‏:‏ ماتخفش يا جدع‏,‏ وحتشوف حاعمل إيه في العمق اللي انت عاوزه وخايف عليه‏.‏ وطغت الأطلال ولم يعد هناك سواها‏,‏ لتتضاءل أمامها كل الألحان التي أتت بعدها بما فيها ألحان السنباطي نفسه‏.‏

وتلتقي الشهرة مع الحب مع مالكة القلب والدار‏..‏ الزوجة‏..‏ كوكب عبدالبر المنوفي‏,‏ من التقي بها في قعدة بمنزل الوجيه حافظ بك بهجت من عشاق الطرب الأصيل‏,‏ ويبتسم الإعجاب الفوري ليسألها صاحبه‏:‏ تحبي تسمعي إيه؟ فترد باستحياء وبساطة شديدة‏:‏ أحب أسمع الجندول‏,‏ ويأتي رده الدبلوماسي برقة بالغة‏:‏ والله الجندول دي مش بتاعتي‏,‏ وأنا مش حافظها أنا حاسمعك حاجة تانية‏..‏ وتتلاحق مقدمات وقرارات الإعجاب ليتم الزفاف مساء الأحد الموافق‏17‏ مارس‏1940‏ الذي تشترك فيه أم كلثوم بالحضور والغناء بوصلتين منها يا طول عذابي واشتياقي‏

وينتهي الحفل مع خيوط الفجر بوصلة محمد عبدالمطلب شفت حبيبي وفرحت معاه ده الوصل جميل حلو يا محلاه‏..‏ وفي إنصاتي العميق لراوية رياض السنباطي الابنة الكبري للموسيقار التي ولدت كما يحسب والدها السنين في موسم سلوا كئوس الطلا وهناك شقيقتها رفيعة التي ولدت مع قصيدة كيف مرت علي هواك القلوب‏,‏ وميرفت التي جاءت في عام جددت حبك ليه‏,‏ ومحمد الذي ولد في موسم سهران لوحدي‏,‏ وأحمد من ولد مع قصيدة ولد الهدي‏,‏ وناهد صغري كريماته من جاءت مع أغنية يا ظالمني‏..‏ مع راوية البكرية ألمس حرص والدها علي الحس الشعبي في موسيقاه الشعبية وكأنها من تلحين الشعب كله‏,‏

وكأن البلاد كلها تغني اللحن بصوت واحد متعدد الطبقات مثل أغنيته وحوي يا وحوي وعلي بلد المحبوب التي تمثل الحنين الجارف للديار‏..‏ والدها الذي يعود إليه الفضل في تعويد اللسان العامي في الشارع المصري علي نطق المفردات العربية الفصيحة في سلاسة ومرونة لو ظللنا دهرا ندرسها في مراحل التعليم لما استطعنا حمل اللسان علي نطقها بهذه السلامة والسلاسة والفخامة‏..‏ الأب ذو المواعيد المقدسة حتي يقال عنه مواعيد سنباطي أكثر من مواعيد إنجليزي‏,‏ وقد أتي أحد الصحفيين إليه بعد موعده بثلاث دقائق فخرج إليه يقول‏:‏ أنا مش موجود‏,‏ وكان إذا لم يجلس إلي عوده يعزف علي جميع الآلات الموسيقية في غرف البيت‏:‏ الماندولين والبيانو والناي‏..‏ وكان مصيفنا الأول في هانوفيل العجمي عندما كان الشاطئ شاغرا ليجلس متأملا بحور الماء والرمال‏.‏

..‏وأقول لك إيه عن الشوق يا حبيبي‏.‏ عايزة أعرف لتكون غضبان أو شاغل قلبك إنسان‏.‏ حيرت قلبي معاك‏.‏ دليلي احتار وحيرني‏.‏ أطفئ لظي القلب بشهد الرضاب فإنما الأيام مثل السحاب‏.‏ لست أنساك وقد أغريتني بفم عذب المناداة رقيق‏.‏ عودت عيني علي رؤياك‏.‏ من أجل عينيك عشقت الهوي‏.‏ سهران لوحدي‏.‏ والموج يناغي النسيم يحكي له قصة هوانا‏.‏ والقلب يعشق كل جميل‏.‏ واثق الخطوة يمشي ملكا‏.‏ ظالم الحسن شهي الكبرياء‏.‏ أولي بهذا القلب أن يخفق وفي ضرام الحب أن يحرق‏.‏ ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوي وأن أعشق‏.‏ أين مني مجلس أنت به؟‏!‏ كيف ذاك الحب أمسي خبرا وحديثا من أحاديث الجوي‏.‏ حتي الجفا محروم منه‏.‏ أنا اللي أخلصت في ودي وفضلت طول العمر أمين‏.‏ ياللي كان يشجيك أنيني‏.‏ بفكر فيك وأنا ناسي‏.‏ ثورة الشك‏.‏

أغار من نسمة الجنوب علي محياك يا حبيبي‏.‏ أكاد أشك فيك وأنت مني‏.‏ وما أنا بمصدق فيك قولا ولكني شقيت بحسن ظني‏.‏ كأنما لم يدر طعم الهوي والحب إلا الرجل الفاجر‏.‏ وإذا ما التأم جرح جد بالتذكار جرح‏.‏ جرح الأحبة عندي غير ذي ألم‏.‏ هجرتك‏.‏ قصة الأمس‏.‏ قصة هوايا‏.‏ يالذكراك التي عاشت بها روحي علي الوهم سنينا‏.‏ ذكرياتي عشت فيها بيقين وهي قرب ووصال‏.‏ اذكريني كلما الفجر بدا‏.‏ يصعب علي أقول لك كان وأفكرك بليالي زمان وأوصف في جنتها وأصور‏.‏ حديث الروح‏.‏ يا فؤادي لا تسل أين الهوي‏.‏ يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هواي ولم تصني‏.‏ أجبني إذا سألتك هل صحيح حديث الناس‏.‏ خنت؟‏!..‏ ألم تخني؟‏!..‏ هجرتك والأسي يدمي فؤادي وصنت كرامتي من قبل حبي‏.‏ لما انت ناوية تهاجريني أمال دموعك كانت ليه؟‏!.‏

أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك؟‏!‏ وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا‏.‏ لا يا حبيبي‏.‏ أنا لن أعود إليك‏.‏ لسه فاكر قلبي يديلك أمان‏.‏ أراك عصي الدمع شيمتك الصبر‏.‏ آه من قيدك أدمي معصمي‏.‏ يا حبيبي كل شيء بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء‏.‏ ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء‏,‏ فإذا أنكر خل خله وتلاقينا لقاء الغرباء‏.‏ ومضي كل إلي غايته لا تقل شئنا فإن الحظ شاء‏.‏ فتعلم كيف تنسي وتعلم كيف تعفو‏.‏ أقبل الليل‏.‏ ويسهر المصباح والأقداح والذكري معي وعيون الليل يخبو نورها في أدمعي‏..‏ الحب كده‏!‏

وبصوته الرباني المعطر بالموهبة الخصوصي بنعومة الحرير وملمس الابتهال ورهبة المحلق في دعائه لخالقه يغني السنباطي ما لم تستطعه جميع الحناجر التي خلع عليها ألحانه‏.‏ تنساب العبارات والعبرات في الأعماق وعلي الأسطح عندما يغني حاشدا مجامع حرقته ولوعته وورعه وصلاته ونسكه وتقواه ليرفع رسالته الوجدانية في خشوع للسماء‏:‏ إله الكون سامحني أنا حيران‏..

أزيح الستار عن رياض السنباطي عازف العود الشاب الموهوب ممسكا بريشته ليرتجل تقاسيمه بفيضها المتدفق السريع الزاخر حينا‏..‏ الهادئ حينا كأنه الهمس الرقيق الرفيق إذا أراد له أن يتسلل عبر براعته في الترويق‏,‏ متنقلا بخبرة الدارس مع الخيال الخصب والإلهام المسترسل وفهم المقامات‏,‏ من مقام الرست ليعرج علي مقام البياتي والصبا والعجم‏..‏ تقاسيم كأنها السحر خلقة ربنا يطعمها صاحبها بالزخارف أينما يحلو له لتتمايل الرءوس‏..‏ الله‏..‏ الحفل كان بمناسبة تغيير اسم نادي الموسيقي إلي معهد فؤاد الأول للموسيقي العربية ويحضره فؤاد ملك مصر وحاشيته وكبار القوم‏..‏

وما أن بدأت ريشة اليد اليمني تقرع الأوتار مرات لتعفق اليسري بالعود من رقبته لتضيف زخارف تزيد العزف جمالا ورونقا‏,‏ وما أن بدأ روقان العازف ينجلي ويتجلي في حضور الملك حتي انبثقت ضجة الجارسونات وصولات وجولات تقديم الأطباق والمرطبات فوق موائد الضيوف ليهرب وحي الموسيقي مما أعاق سرد الأنغام الملهمة لساعتها‏,‏ وأهان الفنان في أوج عطائه فلزم الصمت الفجائي ووضع الريشة جانبا وحمل عوده وقام مغادرا ليس إلي البهو الخارجي وإنما إلي بيته رأسا ليقدم استقالته من المعهد الملكي مع الصباح التالي‏..‏

محمد رياض السنباطي أعظم وأبرع عازف عود ظهر علي مدي التاريخ‏..‏ من كان عندما يجلس إلي عوده تشعر كأنه فرقة موسيقية مستقلة‏..‏ الذي غادر قاعة يترأسها الملك فؤاد الأب ليعزف بعدها للملك فاروق الابن لتغني علي ألحانه أم كلثوم كوكب الشرق في ليلة عيد الفطر مساء الأحد‏17‏ سبتمبر‏1944

في حديقة النادي الأهلي بالجزيرة طقطوقة يا ليلة العيد أنستينا لتحول تشكيل كلمة الكوبليه الأول عند دخول الملك القاعة من هلالك هل لعنينا إلي هلالك هل بعنينا ليتحول المعني احتفاء بالملك الذي هل علي الحفل‏.

ولهذا أنعم فاروق علي أم كلثوم بوشاح الكمال لتغدو بموجبه صاحبة العصمة‏,‏ وليلتها نادي علي مصطفي أمين من بين الحاضرين وطلب منه أن يصعد معلنا نبأ حصول أم كلثوم علي منحة نيشان الكمال من الملك المفدي‏..‏ وكانت أم كلثوم قد غنت في عام‏1932‏ في معهد فؤاد للموسيقي العربية أمام الملك فؤاد الذي صفق لها كثيرا خاصة حين غنت له أفديه إن حفظ الهوي وملك الفؤاد‏..‏ وقامت بترديد ملك الفؤاد بتوزيعات حنجرتها الذهبية أكثر من مرة‏,‏ وقد سبب هذا الحفل الملكي أزمة داخل الوسط الفني بسبب عدم دعوة سلطانة الطرب منيرة المهدية للمشاركة‏.

ووقتها تبارت المجلات الفنية في تناول القضية وأسباب إبعاد الست منيرة واختيار الآنسة أم كلثوم‏..‏ وتواكب ألحان السنباطي بصحبة حنجرة أم كلثوم تاريخ مصر منذ عام‏1936‏ فيقدمان من كلمات أحمد شوقي بمناسبة تولي فاروق سلطته الدستورية قصيدة مطلعها‏:‏
الملك بين يديك في إقباله ...عوذت ملكك بالنبي وآله

وفي عيد ميلاد الملك عام‏1937‏ يقدمان من أشعار أحمد رامي الأغنية المسجلة التي مطلعها
إجمعي يا مصر أزهار الأماني‏ يوم ميلاد المليك ....واهتفى من بعد تقديم التهانى شعب مصر يفتديك

وبمناسبة زفافه إلي فريدة تترنم أم كلثوم بألحان السنباطي (أشرقت شمس التهاني تملأ الدنيا بهاء وضياء)‏.

وفي ميلاد الأميرة فريال يكتب رامي‏:‏
يا ربوع النيل طيبي بالأمــاني أنجب الفاروق للوادي السعيد
واطمــــأن الباـــل بالمـــيلاد لما نال فاروق المفــدي ما أراد

ومن كلمات بديع خيري يلتقي اللحن والصوت ـ أم كلثوم والسنباطي ـ في أغنية الزفة ليلة فرح الإمبراطورة فوزية وإمبراطور إيران الشاهنشاه محمد شهبور‏,‏ حيث طلبت الملكة نازلي من أم كلثوم أن تزف العروسين بعد أن رأت الخروج عن تقاليد العائلات الكبيرة التي تلجأ في زفة أي عروس إلي فرقة بديعة مصابني أو فرقة ثريا سالم‏,‏ ووقعت أم كلثوم في حرج شديد حيث كانت قد وضعت مبدأ لا تحيد عنه وهو غناء وصلتها فقط في أي زفاف مع عدم الاشتراك في السير وراء دفوف العروسين للجلوس فوق الكوشة‏
ونزولا علي أوامر الأسرة الحاكمة قبلت علي أن يكونا أول وآخر عروسين تزفهما‏.
‏ وقد أعدت سريعا للمناسبة الإمبراطورية فستان سواريه من الدانتيل الأسود‏,‏ وعلمت نازلي ــ كما ذكرت الدكتورة رتيبة الحفني ــ من الخياطة( ريتا ) بأمر اللون الأسود فسارعت تطلب فورا تغيير الأسود إلي البمبي‏,‏ وكانت أول مرة يبطن فيها فستان غامق باللون الفاتح حتي أنها أصبحت موضة أطلقت عليها ريتا الخياطة اسم موضة ثومة‏..‏

وتولد الأميرة فادية عام‏1943‏ لتغني أم كلثوم من ألحان السنباطي وأشعار محمود حسن إسماعيل (زهرة هلت علي فجر الحياة‏).

وتبث الإذاعة بمناسبة عيد ميلاد المليك في‏11‏ فبراير‏1946‏ أغنية السنباطي بصوت كوكب الشرق الآنسة أم كلثوم (أيقظي يا طير نعسان الورود‏,)

‏ وتغني أم كلثوم بمناسبة زيارة الملك عبد العزيز لمصر .. سلوا قلبي لأمير الشعراء أحمد شوقي من ألحان السنباطي بعد أن أضاف لها الشاعر محمد الأسمر خمسة أبيات احتفاء بضيف البلاد الملك عبدالعزيز آل سعود ومضيفه جلالة الملك فاروق لتظل القصيدة تذاع ـ كما جاء في مذكرات المؤرخ عبدالقادر صبري ــ يوميا طوال أيام تشريف عاهل السعودية في مصر وإلي ما بعدها بأيام لتحذف الإضافة من بعدها وكانت بعد البيت الأخير في قصيدة شوقي‏:‏...
وما للمســـلمين ســـــواك حصــــن إذا ما الضـر مســهمو ونـــابا
فأضافت الأبيات‏:‏
وكيف ينالهم عـــنـت وفـــــيهـم رضا ملكين بــل روضــين طــابا

إذا الفـــاروق باســم الله نادي رأي عبدالعزيـــــز قـد اســــــــتجابا
فصــــن يا ربنـــا الملكيـــــن واحفـظ بلادهمــــا وجنبــها الصـعابا

همــا فـجــــر العــــــروبة أنجـــبته فقــالت يومـــي المرجـــو آبــا
إذا اتحــدت أســود الشرق عــــزت عروبتهم وصار الشــرق غابا

ويواكبا معا السنباطي وأم كلثوم أحداث تاريخ مصر لتغني من ألحانه ـ التي بلغت‏96‏ طقطوقة وأغنية وقصيدة منبعا ــ منها‏33‏ أغنية سياسية ووطنية كان منها طوف وشوف وهي الأغنية الوحيدة التي حضرها السنباطي بنفسه... إذ قاد الفرقة الموسيقية أمام جمال عبدالناصر في احتفالات‏1963‏ عندما أبدي ناصر لأم كلثوم رغبته في ملاقاته‏.

وغنت من أشعار صالح جودت أيضا بعد الهزيمة من ألحان السنباطي‏:‏
انـت النــاصــــر والمنـصــور ابق فـــأنت حـبــيـب الشـعــــب
قـــم للشـعــــب وبــدد يأســه واذكـر غـــــده واطــــرح أمســه
وهي أغنية تناشده فيها البقاء في الحكم أذيعت لمدة يومين فقط‏.

وغنت من ألحان السنباطي عند موت عبدالناصر قصيدة لنزار قباني رسالة إلي عبدالناصر وبعدها لم تغن أية أغنية سياسية أو وطنية.

هذا مع أن الثورة عندما قامت ألغت جميع الألقاب بما فيها لقبها الملكي صاحبة العصمة فخلع عليها الأصدقاء لقب كوكب الشرق تخفيفا عليها من فقدان التميز‏,‏ وبلغ الغضب منتهاه بأم كلثوم عندما منعت الإذاعة جميع أغانيها باعتبارها من آثار العهد الملكي‏,‏ لكن عبدالناصر عندما بلغه الأمر من مصطفي أمين سارع يعيد الكروان إلي سماواته قائلا‏:‏ إذا كانت أم كلثوم من رموز العهد الماضي فلماذا لا نردم النيل ونهدم الهرم؟‏!.‏

وإذا ما كان الفنان كإنسان ينفعل بشخصية حاكم أو رئيس أو ملك فهذا من حقه وليس مطلوبا منه أن يكون معارضا سياسيا‏,‏ وإنما الفنان هنا يعبر عن انفعاله الخاص الملتزم به أمام فنه وقناعته الخاصة وليس أمام السلطة السياسية‏,‏ وأعماله الفنية تعبر عن رؤيته في لحظة تاريخية معينة فلا تحسب عليه كمنافق أو معارض‏,‏ وفي هذا الصدد روي عن أحد العلماء وكان مديرا لمعهد ديني معروف بالقاهرة عندما قرر الملك فؤاد أن يزور المعهد فطلب من مديره أن يأتي في موعد الزيارة بجبة لائقة‏,‏ وهو ما أغضب العالم ليمتنع عن الذهاب من أصله لمكتبه في الموعد المحدد‏

وأرسل في الموعد بجبة جديدة مع رسالة تقول‏:‏ إنكم قد أردتم جبة جديدة فها هي بين أيديكم‏,‏ وطالما أنكم لم تعتنوا بوجود العالم فإنني لن أحضر الاحتفال‏..‏ وربما نجد في هذا التصرف ما يشابهه في عزة نفس موسيقارنا الشامخ رياض السنباطي عندما أراد السادات تكريمه بمنحه جائزة الدولة التقديرية في عام‏1980,‏ وحدث أن انتظره السنباطي علي مدي ساعتين‏,‏ غادر بعدها قائلا‏:‏ ابقوا ابعتولي عندما يحضر‏..‏وطلب السادات منه الغناء والعزف أمامه في إحدي الحفلات لكنه رفض الأمر مما أثار استياء السادات منه حتي وفاته في‏9‏ سبتمبر عام‏1981‏ ورغم ذلك منحه السادات التقديرية‏

ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولي‏,‏ والدكتوراه الفخرية عام‏1977‏ لدوره الكبير في الحفاظ علي الموسيقي العربية عام‏1977,‏ وفي العام نفسه‏1977‏ حصل رياض السنباطي علي جائزة اليونسكو العالمية باعتباره مبدعا وخلاقا ومؤثرا بموسيقاه في شعوب المنطقة‏,‏ وهو الوحيد في الوطن العربي الذي نال هذه الجائزة‏,‏ كما أنه كان واحدا من خمسة فقط في العالم الذين حصلوا عليها‏..‏ وأبدا لم يحضر السنباطي حفلة واحدة من حفلات أم كلثوم كمستمع في الصف الأول مثل الشاعر أحمد رامي ليرقب تأثير فنه علي حنجرتها‏,‏ ولا مثل محمد عبدالوهاب الذي كان يقف خلف الستار يتلمس إعجاب الجمهور بألحانه في لقاء السحاب مع أغنيته لثومة انت عمري‏..‏

كان زاهدا في مثل هذا الموقف‏,‏ ومنذ بدأت معه أم كلثوم كان يفضل الانفراد بصوتها في حجرته الخاصة حيث لا يقطع خلوته ومتعته أحد‏.‏

بلبل المنصورة رائد النهضة الكلثومية حارس الموسيقي العربية الصارم الذي ألغي تسجيلا مع إحدي الفرق لضبطه عازفا يدخن‏..‏ اللائذ بالصمت لأنه يمتلك بصيرة الأعماق‏.‏ فن استماع القلب للكلمات‏.‏ فن تواصل الذهن بجنين الخلق‏.‏ فن التلقي‏.‏ فن التوحد في سكون واستغراق يسمع فيه نداء الكلمة وصوت اللحن ونبض الآلات‏..‏ وحسبوه بصمته متكبرا‏,‏ وفات عليهم الخيط الدقيق بين التكبر والكبرياء‏..‏ بين الشموخ وعزة النفس لمن لم يتهافت علي الظهور ولم يشتر رياء الثناء أو رياء النفوذ أو ابتغاء المنفعة أو اشتهاء المال‏,‏ بل كان متوحدا عزيزا معتزا‏..‏

فنان القيمة والقمة صاحب العطاء الموسيقي بتراثه الخالد‏,‏ والخالدون كما قال شوقي أربعة‏:‏ شاعر سار بيته‏,‏ ورسام ضحك زيته‏,‏ ونحات نطق حجره‏,‏ وموسيقي بكي وتره‏..‏ ولقد بكي وضحك وعشق ورق وهجر وذاب وأذاب وسهر وأطال السهر وتر رياض السنباطي علي مدي‏50‏ عاما قدم فيها‏1000‏ لحن و‏13‏أوبريت كتب كلماتها أحمد شوقي‏,‏ ومحمد إقبال‏,‏ وصالح جودت‏,‏ وحسين السيد‏,‏ وأحمد رامي‏,‏ وبيرم التونسي‏,‏ ومحمد علي أحمد‏,‏ وعبدالفتاح مصطفي‏,‏ ومحمود حسن إسماعيل‏,‏ ومرسي جميل عزيز‏,‏ ومأمون الشناوي‏,‏ وعزيز أباظة‏,‏ وفتحي قورة‏,‏ وصلاح جاهين‏,‏ وأحمد شفيق كامل‏,‏ ومصطفي عبدالرحمن‏,‏ وأحمد فتحي‏,‏ وإبراهيم ناجي‏..‏

وعباس العقاد الذي كتب له أغنية يا نديم الصبوات أقبل الليل فهات والتي أذيعت لأول مرة مساء الأحد‏14‏ نوفمبر‏1943..‏ ألحان يقول عنها صاحبها‏:‏ تأثرت بالملحنين القدامي‏..‏ بأداء عبده الحامولي ومحمد عثمان وعبدالحي حلمي‏,‏ وبموسيقي سيد درويش‏,‏ كما تأثرت بالشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ محمد صبح‏,‏ وكان لهؤلاء جميعا أثرهم في تكويني الفني‏,‏ وما بين بلد المحبوب لأم كلثوم والثلاثية المقدسة استطاع مع كوكب الشرق سريعا التخلص من جاذبية أسلافه في التلحين لينطلق كالصاروخ في الفضاء الفسيح لهذا الفن العظيم‏,‏ فن تلحين القصائد الذي فتح له صوت أم كلثوم أبوابا سحرية لم تكن تخطر له علي بال‏,‏ فتفتحت موهبته ليظل حريصا علي تلبية متطلبات صوتها ويرتفع إلي مستوي الإمكانات العبقرية لهذا الصوت النادر التي كانت صاحبته بدورها لا تناديه باسمه وإنما بلقب العبقري‏..‏ العبقري الذي لم يستخدم جملة موسيقية آتية من أي اتجاه‏,‏ فموسيقاه نابعة من زخم عطاء عبقريته‏..‏ من السنبطة في أوج قدرتها علي الكشف عن أجمل مناطق كل صوت‏.‏

والغالبية لا تعرف من السنباطي إلا كلثومياته‏,‏ مع أن من يغفل ألحانه غير الكلثومية يكون قد أسقط ــ ظلما ــ أكثر من نصف ميراثه الموسيقي الضخم في الموسيقي العربية المعاصرة‏,‏ فهناك‏97‏ أغنية لم تشدو بها كوكب الشرق‏,‏ و‏12‏أغنية غناها بنفسه إلي جانب‏36‏ معزوفة كانت تبثها الإذاعة المصرية في بداياتها لمدة ساعتين مرتين في الأسبوع أشهرها معزوفة رقصة شنغهاي وعرائس البحر وإليها ورحيل الفلك‏..‏

وقد لحن لفيروز أغنيتين‏,‏ولنجاة ثلاث‏,‏ وغنت له أسمهان خمسا منها ليت للبراق عينا‏,‏ ولسعاد محمد فتح الهوي الشباك‏,‏ ولشادية تلات شهور ويومين اتنين‏,‏ ولعبدالحليم لحن الوفاء‏,‏ ولشريفة فاضل ساعة واحدة‏,‏ ولصباح راحت ليالي‏,‏ ولفايزة أحمد لا ياروح قلبي ولميادة أشواق ولنادرة اعطني الناي وغني‏,‏ ولنجاح سلام عايز جواباتك ولوردة حاقول لك حاجة ــ وكان ذلك في فترة عامي الخصام بينه وبين أم كلثوم حول أجر التلحين ــ وأغنية يا حبيبي لا تقل ضاع حبي التي لم تنجح جماهيريا‏,‏ ومحمد قنديل أتحدي‏,‏ وكانت ثومة تري مثله أن محمد قنديل أجمل الأصوات المصرية خصوصية علي الإطلاق وغني له وعبدالمطلب شفت حبيبي‏.

وغني بنفسه سبع أغنيات من تلحينه منها كل شيء راقص البهجة حولي ها هنا وأيها الشادي‏..‏ وظهر رياض السنباطي في ثلاثة أفلام أولها في فيلم الوردة البيضاء بطولة محمد عبدالوهاب وسميرة خلوصي‏,‏ ولم يتعد ظهوره نصف دقيقة فقط كعازف للعود في التخت المصاحب لمحمد أفندي‏,‏ حيث يبدي في المشهد الميني اعتراضه وتذمره من تأخر محمد أفندي ليغني بعد أن طال انتظار أفراد التخت‏,‏ والفيلم الثاني بعنوان حلم الشباب ظهر فيه يقود سيارته وهو يغني قصيدة حلم الشباب‏,‏ والثالث قام فيه بدور البطولة أمام هدي سلطان لتغني من ألحانه قتلوني يابوي ويشترك معها في دويتو من الغناء السريع الخفيف‏..‏ وقد غنت له أم كلثوم علي بلد المحبوب وديني زاد وجدي والبعد كاويني علي أسطوانة وكان قد وضعها أصلا لها لفيلم وداد فلم تعجبها ليغنيها عبده السروجي‏,‏ وندمت بعدها لعدم ظهورها في الفيلم‏,‏ ويقول السنباطي إنها كانت من أندر هفوات أم كلثوم في تقديرها للألحان‏.‏

ورغم ندرة أحاديثه يقول السنباطي عن بداياته‏:‏ ولدت في الثلاثين من مارس عام‏1911‏ ببلدة فارسكور‏,‏ وفي سن الثامنة رحلت مع والدي إلي المنصورة‏,‏ وحدث لي ما يحدث لكل هاو للفن‏..‏ كنت أهرب من المدرسة إلي دكان نجار من هواة العزف‏,‏ ولكن معلمي الحقيقي كان أبي ويلتقي السنباطي وهو في الثالثة عشرة بسيد درويش الذي يعجب به فيصحبه إلي حلواني المنصورة الشهير راندو بولو ليعزمه علي الجاتوه والآيس كريم‏,‏ ويزداد اقتناعه به عندما يغني أمامه أغانيه الشهيرة أنا هويت وانتهيت وضيعت مستقبل حياتي‏,‏ وأدرك سيد درويش بحاسته الموسيقية أنه أمام موهبة نادرة فأراد أن يصحب رياض معه‏,‏ لكن الوالد محمد السنباطي لم يكن في استطاعته الابتعاد عن الابن الذي أصبح بلبل الفرقة‏,‏ ولا يسافر رياض السنباطي في صحبة والده إلي القاهرة إلا في عام‏1930,‏ ويقول‏:‏ قبلت في معهد الموسيقي العربية كأستاذ عود وليس كتلميذ‏.

وفرحت لأن هذا سيغطي نفقات دراستي بل سيكون لي راتب‏,‏ وقد رشحني مدحت عاصم للتعاون مع شركة أسطوانات أوديون لتلحين عدد من الأغنيات لعدة مطربين وكان أول لحن لي مع أم كلثوم النوم يداعب عيون حبيبي وكانت أصعب ألحاني الأطلال‏..‏ كنت خائفا من الأداء‏..‏ لم أكن واثقا لأول مرة في حياتي من أداء أم كلثوم‏,‏ ولما أخبرتها بالتليفون بمخاوفي قبل الحفل قالت لي‏:‏ ماتخفش يا جدع‏,‏ وحتشوف حاعمل إيه في العمق اللي انت عاوزه وخايف عليه‏.‏ وطغت الأطلال ولم يعد هناك سواها‏,‏ لتتضاءل أمامها كل الألحان التي أتت بعدها بما فيها ألحان السنباطي نفسه‏.‏

وتلتقي الشهرة مع الحب مع مالكة القلب والدار‏..‏ الزوجة‏..‏ كوكب عبدالبر المنوفي‏,‏ من التقي بها في قعدة بمنزل الوجيه حافظ بك بهجت من عشاق الطرب الأصيل‏,‏ ويبتسم الإعجاب الفوري ليسألها صاحبه‏:‏ تحبي تسمعي إيه؟ فترد باستحياء وبساطة شديدة‏:‏ أحب أسمع الجندول‏,‏ ويأتي رده الدبلوماسي برقة بالغة‏:‏ والله الجندول دي مش بتاعتي‏,‏ وأنا مش حافظها أنا حاسمعك حاجة تانية‏..‏ وتتلاحق مقدمات وقرارات الإعجاب ليتم الزفاف مساء الأحد الموافق‏17‏ مارس‏1940‏ الذي تشترك فيه أم كلثوم بالحضور والغناء بوصلتين منها يا طول عذابي واشتياقي‏

وينتهي الحفل مع خيوط الفجر بوصلة محمد عبدالمطلب شفت حبيبي وفرحت معاه ده الوصل جميل حلو يا محلاه‏..‏ وفي إنصاتي العميق لراوية رياض السنباطي الابنة الكبري للموسيقار التي ولدت كما يحسب والدها السنين في موسم سلوا كئوس الطلا وهناك شقيقتها رفيعة التي ولدت مع قصيدة كيف مرت علي هواك القلوب‏,‏ وميرفت التي جاءت في عام جددت حبك ليه‏,‏ ومحمد الذي ولد في موسم سهران لوحدي‏,‏ وأحمد من ولد مع قصيدة ولد الهدي‏,‏ وناهد صغري كريماته من جاءت مع أغنية يا ظالمني‏..‏ مع راوية البكرية ألمس حرص والدها علي الحس الشعبي في موسيقاه الشعبية وكأنها من تلحين الشعب كله‏.

وكأن البلاد كلها تغني اللحن بصوت واحد متعدد الطبقات مثل أغنيته وحوي يا وحوي وعلي بلد المحبوب التي تمثل الحنين الجارف للديار‏..‏ والدها الذي يعود إليه الفضل في تعويد اللسان العامي في الشارع المصري علي نطق المفردات العربية الفصيحة في سلاسة ومرونة لو ظللنا دهرا ندرسها في مراحل التعليم لما استطعنا حمل اللسان علي نطقها بهذه السلامة والسلاسة والفخامة‏..‏ الأب ذو المواعيد المقدسة حتي يقال عنه مواعيد سنباطي أكثر من مواعيد إنجليزي‏,‏ وقد أتي أحد الصحفيين إليه بعد موعده بثلاث دقائق فخرج إليه يقول‏:‏ أنا مش موجود‏,‏ وكان إذا لم يجلس إلي عوده يعزف علي جميع الآلات الموسيقية في غرف البيت‏:‏ الماندولين والبيانو والناي‏..‏ وكان مصيفنا الأول في هانوفيل العجمي عندما كان الشاطئ شاغرا ليجلس متأملا بحور الماء والرمال‏.‏

..‏وأقول لك إيه عن الشوق يا حبيبي‏.‏ عايزة أعرف لتكون غضبان أو شاغل قلبك إنسان‏.‏ حيرت قلبي معاك‏.‏ دليلي احتار وحيرني‏.‏ أطفئ لظي القلب بشهد الرضاب فإنما الأيام مثل السحاب‏.‏ لست أنساك وقد أغريتني بفم عذب المناداة رقيق‏.‏ عودت عيني علي رؤياك‏.‏ من أجل عينيك عشقت الهوي‏.‏ سهران لوحدي‏.‏ والموج يناغي النسيم يحكي له قصة هوانا‏.‏ والقلب يعشق كل جميل‏.‏ واثق الخطوة يمشي ملكا‏.‏ ظالم الحسن شهي الكبرياء‏.‏ أولي بهذا القلب أن يخفق وفي ضرام الحب أن يحرق‏.‏ ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوي وأن أعشق‏.‏ أين مني مجلس أنت به؟‏!‏ كيف ذاك الحب أمسي خبرا وحديثا من أحاديث الجوي‏.‏ حتي الجفا محروم منه‏.‏ أنا اللي أخلصت في ودي وفضلت طول العمر أمين‏.‏ ياللي كان يشجيك أنيني‏.‏ بفكر فيك وأنا ناسي‏.‏ ثورة الشك‏.‏

أغار من نسمة الجنوب علي محياك يا حبيبي‏.‏ أكاد أشك فيك وأنت مني‏.‏ وما أنا بمصدق فيك قولا ولكني شقيت بحسن ظني‏.‏ كأنما لم يدر طعم الهوي والحب إلا الرجل الفاجر‏.‏ وإذا ما التأم جرح جد بالتذكار جرح‏.‏ جرح الأحبة عندي غير ذي ألم‏.‏ هجرتك‏.‏ قصة الأمس‏.‏ قصة هوايا‏.‏ يالذكراك التي عاشت بها روحي علي الوهم سنينا‏.‏ ذكرياتي عشت فيها بيقين وهي قرب ووصال‏.‏ اذكريني كلما الفجر بدا‏.‏ يصعب علي أقول لك كان وأفكرك بليالي زمان وأوصف في جنتها وأصور‏.‏ حديث الروح‏.‏ يا فؤادي لا تسل أين الهوي‏.‏ يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هواي ولم تصني‏.‏ أجبني إذا سألتك هل صحيح حديث الناس‏.‏ خنت؟‏!..‏ ألم تخني؟‏!..‏ هجرتك والأسي يدمي فؤادي وصنت كرامتي من قبل حبي‏.‏ لما انت ناوية تهاجريني أمال دموعك كانت ليه؟‏!.‏

أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك؟‏!‏ وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا‏.‏ لا يا حبيبي‏.‏ أنا لن أعود إليك‏.‏ لسه فاكر قلبي يديلك أمان‏.‏ أراك عصي الدمع شيمتك الصبر‏.‏ آه من قيدك أدمي معصمي‏.‏ يا حبيبي كل شيء بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء‏.‏ ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء‏,‏ فإذا أنكر خل خله وتلاقينا لقاء الغرباء‏.‏ ومضي كل إلي غايته لا تقل شئنا فإن الحظ شاء‏.‏ فتعلم كيف تنسي وتعلم كيف تعفو‏.‏ أقبل الليل‏.‏ ويسهر المصباح والأقداح والذكري معي وعيون الليل يخبو نورها في أدمعي‏..‏ الحب كده‏!‏

وبصوته الرباني المعطر بالموهبة الخصوصي بنعومة الحرير وملمس الابتهال ورهبة المحلق في دعائه لخالقه يغني السنباطي ما لم تستطعه جميع الحناجر التي خلع عليها ألحانه‏.‏ تنساب العبارات والعبرات في الأعماق وعلي الأسطح عندما يغني حاشدا مجامع حرقته ولوعته وورعه وصلاته ونسكه وتقواه ليرفع رسالته الوجدانية في خشوع للسماء‏:‏ إله الكون سامحني أنا حيران‏..

samirazek
09/03/2019, 19h30
مقابله مهمه ومثيره مع الموسيقار رياض السنباطي فى اربعين ام كلثوم
(حياتي 40 عاماً مع التي غابت 40 يوماً )
نقدم لكم هذا التحقيق الصحفي المثير مع الموسيقار رياض السنباطي بعد وفاة أم كلثوم في بيته .. في هذه المقابله تكلم رياض السنباطي من قلبه وقال الكثير من الحقائق التى تخفى على الكثيرين . وأيضاً قال ما لم يكن يستطع قوله في المقالات الرسميه .. كرأيه بأصوات أهم فناني عصره . ورأيه الشخصي بصوت أم كلثوم .. وطقوسه الخاصه بالتلحين وأص عب الألحان التى لحنها .. والكثير الكثير .

نترككم مع الحوار والمقال المهم والمثير( لم يشأ المصدر ان يفصح عن اسم الصحفى).

الصدفه جمعت بين أم كلثوم ورياض السنباطي من حوالي خمسين سنه عند منتصف الليل تحت خيمه في محطة سكك حديد قرية درين .. كانت أم كلثوم وأبوها وأخوها وأولاد عمها يغنون في أحد الأفراح .. وكان رياض السنباطي هو ووالده يتبادلان الغناء في فرح .. وأنتهى الفرحان في وقت واحد .. وركبوا الحمير متجهين إلى المحطه في انتظار القطار الفرنساوي (قطار الدلتا ضيق القضبان)..
وأشار السنباطي الكبير لابنه رياض وقال أم كلثوم التي يتحدثون عنها .. ونظر رياض السنباطي لأول مره في حياته ليجد ام كلثوم ، ولم يكن قد سمع لها ، وإنما سمع عنها فقط .. وكانت قصيرة القامه جداً . تلبس بالطو رجالي بصفين زراير البالطو أسود . وكانت تلف راسها بالعقال . وكان وجهها في غاية الحيويه . والذكاء هوعيناها . ويقول رياض السنباطي إنها كانت في ذلك الوقت كانت في الثانيه والعشرين من عمرها . ولابد أن أم كلثوم قد سمعت عن رياض السنباطي كمطرب ناشئ هو أيضاً .. وكان يغني الأدوار القديمه التي كان والده يتولى تحفيظها له . ومن المؤكد أن أم كلثوم قد سمعت (رياض ) وهو يغني في الإذاعه : ياريتك جتني زي ماجيتك ..وفوجئ رياض السنباطي بعد مبادرته بالتصال بها تليفونيا ...بأن ام كلثوم تطلبه في التلفون للقاء الثانى وجها لوجه ..بعد ذلك اللقاء الاول في الليل المطير بحوالي خمسه عشر عاماً .

سألت الأستاذ رياض السنباطي : هل تذكر ماالذي كانت تغنيه أم كلثوم أيام طلبتك ؟-
كانت انتقلت من الموالد إلى فرقة العقاد وسامي الشوا أميرالكمان : وكانت لها أحسن فرقة في مصر في ذلك الوقت . وكان في فرقتها عازف الرق محمود رحمي ومحمد القصبجي وواحد أسمه صالح .. إنه نفس التخت الذي صاحب عبده الحامولي ومحمد عثمان وكانت في ذلك الوقت تغني في صاله(سانتي) في الأزبكيه ..... وفي ذلك الوقت طلبتني في التلفون وردت عليها اختي .. فأنا لا أرد على التلفون عادة. وكانت أم كلثوم تسكن في عماره بهلر بالزمالك .. وكانت الفيلا لم يتم بناؤها بعد .. وأول لحن قدمته لأم كلثوم في ذلك الوقت طقطوقة : (لما انت ناويه تهاجرني ، أمال دموعك كانت ليه ؟ ) وهي من كلمات الأستاذ رامي .. وطقطوقه ثانيه أسمها( ياطول عذابي وأشتياقي ، مابين بعادك والتلاقي ).. وسألت ام كلثوم : كيف تحبين تلحين هاتين الأغنيتين من أية نغمه ؟وكان ردها من النغمه التي تعجبك . ونجح هذان اللحنان .. وبعد ذلك أشتركت في ألحانها مع الأستاذ زكريا أحمد ومحمد القصبجي .. وأصبحت عضواً في أسرة ام كلثوم الغنائيه .. وبعد ذلك بدأت ألحن لها الألحان الكبرى مثل :.. ( سلوا كئوس الطلى هل لامست فاها ) من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي .. ولما أعجبها تلحيني للشعر أعتني قصيده أخرى للشاعر احمد رامي ..وهى (كيف مرت على هواك القلوب وتحيرت من يكون الحبيب )..

قلت للأستاذ السنباطي : إن أخر لقاء لي مع ام كلثوم اعترفت لي بأنك الوحيد الذي يستطيع أن يتذوق الشعر وان يلحنه .. وانها تستريح إلى ذلك
وكان رد رياض السنباطي ان هذه حقيقة ، وانه لايتذوق القصيده او البيت فقط ، وإنما يتذوق الحروف .وان هذا الإحساس الشديد بالكلام الجميل هو الذي جعل أم كلثوم تعطيه أكثر من ثلاثمائة أغنيه شاركت في النجاح العظيم لأم كلثوم ..

وانا لم اكن قد رأيت الأستاذ رياض السنباطي في حياتي ، وإنما دفعني إلى ذلك الأمير عبدالله الفيصل فهو أحد الذين يؤمنون بالموسيقار السنباطي ويرى أن معجزة الغناء العربي هم أم كلثوم وشوقي والسنباطي . إنها الصدفه التي أجلت لقاء رياض السنباطي في أيام محنة أم كلثوم وحيرة الأطباء حولها ، وخوف الأمه العربيه على نهايتها أو خوفها من نهايتها ، أو قلقها على ما بعد نهايتها ..
وطلبت رياض السنباطي في التلفون ، إن صوته غريب . فيه فزع . وفيه قرف . وأحسست بإشفاق على نفسي كيف أجتاز به أو معه حاجز الخوف والقرف أو الحزن .. ولما ذكرت له أسم الأمير عبدالله الفيصل كان ذلك جواز المرور .. وكان هو الأسبق الى اللقاء وجلست في مواجهة الرجل . انه رقيق . لطيف. ولا شك حزين على أم كلثوم ، ولكن حماسه للفن . والكلام عن الفنانين وتقديرهم بصور مضحكه قاطعه . جعل الحديث بيننا سهلاً .. ولم يكن يدري . أو هو يدري . انه كان يقوم بعملية وزن وتقويم وتصحيح لكثير من المفاهيم الفنيه والغنائيه ..
ورياض السنباطي هو أقدر الفنانين على فهم صوت ام كلثوم .. فقد تعانق فنه وصوتها أربعين عاماً . وان هذه ( العشره الفنيه ) تولد هذا الذوق العام . او هذا التفوق العام لأغاني ام كلثوم فرياض أحد الذين رسموا ( الذوق الكلثومي ) فأم كلثوم أرتاحت الى فن رياض السنباطي وكان هو يعطيها ماتريد .. والناس يطلبون من أم كلثوم أن تحفظ هذا اللون الشرقي للطرب أو هذا الطرب الفخم للغناء العربي.
سألت رياض السنباطي :
هل يمكن أن تصف لي هيئة التلحين .. أو هيئتك وانت تلحن لأم كثلوم ؟ هل كنت تلحن لها في بيتك ثم تسجل اللحن على شريط وتبعث لها بهذا الشريط ؟ ألم يحدث أن طلبت منك أم كلثوم أن تغير عبارة أو فكرة لحنيه ؟ وهل كنت تلحن مطلع الأغنيه وتدندنه في التلفون وبعد ذلك تمضي في إكمال اللحن ؟ لابد أن هذا الائتناس بأم كلثوم عنصر هام في الهيئه العامه للحن كله بعد ذلك؟
. وكان هذا هو الموضوع الذي يريد رياض السنباطي أن يتكلم فيه رغم كل الظروف النفسيه الحزينه التي يمر بها .. فقال : أم كلثوم الله يرحمها كانت تأنس لي جداً وكانت تستريح إلى وجودي بالقرب منها .. لا كملحن ولكن كصديق .. فلم تكن تعاملني كأي ملحن يسجل لها اللحن على كاسيت ويتركه لها ويجري . مع أحترامي لكل الزملاء الملحنين ..فاكثر ألحاني كانت تتم عندها في البيت كنت أخذ كلمات الأغنيه وأعود بها الى بيتي ..وتطلب مني ان الحن المطلع واكلمها في التلفون : ياام كلثوم أنا عملت المطلع فتقول لي : طيب .. تعال يا رياض .. وأروح لها البيت وأسمعها اللحن وتقول لي : عظيم .. أكمل اللحن .. فأترك كل ماعندي من أشغال اخرى لكي أكمل اللحن بالصوره التي ترغبها .. وكانت لنا طريقه خاصه في الجلوس عندها في البيت .. عندها كنبه .. انا اجلس على اليمين وهي تجلس على اليسار .. وأظل أدندن على عودي .. واغني وهي تقول : كويس .. جميل ..أستمر ..وكنا نجلس من الساعه العاشره صباحاً حتى الثانيه عشر مساءً ..ولا احد معنا وانما حالة طوارئ قد اعلنت في البيت كله .. لاصوت ولا تلفونات بل ان زوجها د. حسن الحفناوي وهو رجل ذواق كان يستأذن في الجلوس بعض الوقت كي يسمع .. ثم يتمنى لنا التوفيق ويخرج وكانت تقول لي :هل نأتي لك بغذاء فأعتذر عن ذلك .. لاني اخاف ان أكلت ان أنام ..
وكانت هي تقول : أنا أكسب رياض ولا داعي للغذاء .. واجمل من كل طعام عندها هو نجاح اللحن .

هل صحيح أنك تمضي الأيام واحياناً الشهور في تلحين أغنية واحده ؟.. الى هذه الدرجه ترهق نفسك أو تذيبها في تلحين أغنيات ام كلثوم ؟ .
لابد ان يحدث للفنان شئ من هذا .. أن أطول أغنيه في التلحين هي أغنية ( ومرت الأيام ) وهذا الوقت قد أنفقته في التجويد والتجميل والإحساس بها ..ولكن هناك أغنيه لم تستغرق مني ثلاث ساعات هي أغنية ( نهج البردة ) لدرجة أن ام كلثوم لم تصدق أنني نجحت في ذلك .فلما أسمعتها مطلع الأغنيه بكت أم كلثوم ..ولما سألتها عن سر هذا البكاء الشديد قالت :أنها هزتني من أعماقي ..وأنا اعترف لك أنني لاأعرف كيف لحنت ( نهج البردة ).. وانما والله على ما أقول شهيد ، كنت أستمع إلى صوت في داخلي وأنا أردد وراءه .. لهذه الدرجه .. فأنا لم الحنها ، وأنما أنا رددتها وراء صوت سماوي في داخلي

هل العلاقات التي بينك وبين ام كلثوم كانت تسمح لك بان تبدي رأيك في الحان غيرك من الملحنين .. أو هل أسمعتك بعض الحان الأخرين ؟
- حدث ان طلبت اليها ان أستمع الى الحان الملحنين الجدد ، قبل ان تغنيها ام كلثوم ..حدث فعلاً ولكن أم كلثوم غضبت جداً واختلفنا ووعدتها الا أطلب منها ذلك مرة أخرى .. بل إنها قالت لي :وهل أنا أطلب اليك ان تغير في ألحانك .. إنني لم أتدخل في شئ من ذلك .. وهل تتهمني في ذوقي؟ ..حكايه ..فقد طلبت منها وبمنتهى الحذر والخوف على الا أجرح شعورها .. وقلت لها : لا باسم الصداقه ..ولا باعتباري ملحناًلك ..وإنما باعتباري ذواقه ..أو باعتباري مواطناً عاديا يحبك . فهل لي ان أسمع بعض هذه الألحان قبل ان تغنيها ؟ وكانت حكاية .. لم أنسها لأم كلثوم ولا هي نستها ، يرحمها الله .. (مع انني لم أطلب إليها مطلقاً أن تسمعني ألحان زكريا أحمد أو القصبجي قبل أن تغنيها .. فكلاهما أستاذ متمكن من فنه).. وإنما فقط الألحان الأخيرة.
قالت -أذن أنت ترى ان الألحان الأخيره لاترقى إلى مستواك ، او مستوى زكريا أحمد والقصبجي ؟
رديت - طبعاً .. ولكن فقط عندما بدات تأخذين ألحان الشباب : كمال الطويل وبليغ حمدي وعبد الوهاب

قالت - انت ترى أن عبد الوهاب من الشباب ؟
رديت - ولكنه حاول ذلك في اغانيه .. فقد جعلها راقصه .. ولابد أنه جعلها كذلك ليهز مشاعر الناس .. إنه أراد أن يرضي الجمهور.
طبعاً ، عبد الوهاب أستاذ وقمه وام كلثوم قمه ، والتقاء عبدالوهاب وام كلثوم هو التقاء أجمل صوتين في الغناء العربي .. ياسلام لو رجعت إلى أغاني عبد الوهاب القديمه .. وخصوصاً أغنية عندما يأتي المساء .. أو الجندول .. إنها قمم .. فلقاء عبد الوهاب وام كلثوم الذي أشتاق إليه الناس قد هزهم .. وعبد الوهاب يعلم ذلك .. ولذلك كانت عنده أنغام راقصه .ربما كانت هذه الترقيصات غير ضروريه ،بل إن اللحن لا يقتضيها مطلقاً ولكن عبد الوهاب يريد إرضاء الجمهور .. فهو قد أعطى لأم كلثوم ثوباً شاباً .. وهذا الثوب قد أرضى الجمهور وأسعده لأن جمهورنا طيب وسميع ومرح ولما تعمل له حاجه ترقصه يعمل هيصه ..

ومحمد الموجى ايضا؟
- ولكن الملحن محمد الموجي لم يلجأ الى ترقيص الأنغام .. ثم ان ام كلثوم رأيها في الموجي أنه ملحن مصري صميم وأنه لم يأخذ من غيره ؟ - الموجي له حاجات .. حاجات شعبيه .. ولكن الموجي ليس قمة .. وإنما أنا اتحدث عن القمم ، وليس معنى ذلك أنني شخصياً قمه . أنا شخصياً لي حاجات عملتها لاتعجبني .. وانا لم اجد بصراحه الملحن الذي يعطي لأم كلثوم عمقها وتفكيرها وإحساسها المرهف وخصوصاً في هذا اللون الذي أقدسه ، ثم تقوم هي بإملائه على الشعب الذي يتذوق كل ماتقوله أم كلثوم –

حتى زكريا أحمد ليس كذلك؟
- زكريا أحمد لون جميل ، لون شرقي أصيل محبب الى النفس جداً لأن نشأة زكريا قريبه من نشأة أم كلثوم نشأه دينيه ، فقد كان يغني في بطانة الشيخ علي محمود .ولذلك فالحانه شرقيه كلها طرب صحيح ليست فيها ( أويمه ) الموسيقى التي تعملها الأن الحاجات التي هي ( حليات ) .. ولكنه لون جميل .. كما أن محمد القصبجي له أثر كبير في حياة أم كلثوم إلى جانب زكريا أحمد .. مثلاً أغنية ( إن كنت أسامح ) باعت منها أم كلثوم مليون أسطوانه وكان ذلك من حوالي ستين سنه !

- ولا حتى بليغ حمدي ترى فيه شيئاً من هذا الذي تنشده لأغاني أم كلثوم ؟
- بليغ عمل حاجات لأم كلثوم لاتزيد ولا تقل عن الذي عمله الموجي والطويل ، ولكن الثلاثه لايختلفون إلا على الأسم فقط ..- الثلاثه لهم وزن واحد ؟- نعم ..- والوزن صغير ؟- ليس صغيراً ولكن كل واحد يحاول أن يخرج أقصى مافي نفسه وطاقته ..

- ألا ترى أن كمال الطويل مختلف قليلاً ، أو كان في أستطاعته أن يكون مختلفاً ؟
- الطويل ليس من لون أم كلثوم .. انه يلحن لنجاة .. يلحن لفايزه أحمد ..أي للمطربات اللاتي يتقبلن النوع الأقل قيمه من الذي تغنيه أم كلثوم ..إنها أغنيات ساندوتش ..
طلبت من الأستاذ رياض السنباطي أن نعلو فوق الحزن معاً على ام كلثوم ..وكانت لم تمت بعد يوم جلست اليه أتحدث في كل شئ .

وقلت له لماذا لاتجد تقييماً موضوعياً لفن أم كلثوم ؟
إننا .أنا . وانت ..قد خلعنا على أم كلثوم كل الصفات الجميله .فنا وشخصاً ووطنيه ولكن لن يمضي وقت طويل حتى يفتر الحزن عليها ..وحتى يعود الناس إلى همومهم الخاصه .ويخلعوا ملابس الحداد .
هذا الحزن الشديد عليها .ويستأنف الناس حياتهم العاديه ..ويديرون الراديويسمعون أحب أغنيات أم كلثوم ..ويدفعهم ضرورة التغيير .تغيير طعم الأشياء الحلوه في الفن .
وفي الطعام إلى البحث عن الجبنه والمش ..والفلفل ..وينتقلون من أغنية سلوا قلبي ..إلى أغنية ماأخدش العجوزانا ..ومن سلوا كئوس الطلى..إلى..قولوا لأبوها أن كان جعان يتعشى ..طبيعي أن يحدث ذلك لأي أنسان .

قل لي ياأستاذ رياض بالضبط كم تساوي أم كلثوم فنيا ؟
وأجاب بنفس النبره التي حاولنا أن نتخلى عنها بعض الوقت :إن أم كلثوم لاتقدر ..ليس كصوت فقط ..فقد وهبها الله قوة الشخصيه والذكاء الزايد ..إنها في بعض الأحيان قادره على أن تقرأ أفكارك ..وكثيراً ماكنت تقول لي :يارياض أنت تريد أن تقول كذا ..ويكون ظنها صحيحاً مائه في المائه ..الله يرحمها ..أنا لا أستطيع أن أتصور أنها ستموت ..شئ عجيب ..من حوالي شهر ونصف شهر طلبت مني أنا والسيده حرمي أن نزورها ..وذهبنا اليها .ولكن وجدت حالتها النفسيه ليست على مايرام ..ولا صحتها ..وجدتها شاحبه هزيله ..وقالت لي إن (كونصلتو) من الأطباء سوف يجئ للكشف عليها ،وإنهم ينقلون اليها دماً لانها ضعيفه ..وجلست إلى جوارها على الكنبه التي أعتدت أن نلحن معاً عليها..وأعطتني أغنيه لصالح جودت عن 6 أكتوبر ..وكانت ذكرى العبور قريبه ..ولكن قلت لها إنني لاأستطيع بهذه السرعه أن ألحنها في أسبوع ..
والحقيقه أنني حاولت أن اهرب ،فقد لاحظت ولاحظت رجفة يديها وهي تعطيني اللحن ..وصوتها أيضاً ليس هو الذي اعرفه ..ولكنها قالت :حاول ..فكر ..نعبش في الكلمات ..يمكن ..حاول على كل حال ..
ولم أحاول لأنني أعرف أنها لن تغني ..إنها شئ عظيم ..قوة جباره هبه من عند الله ..

وأستمراراً في محاولتي أن أهبط بدرجة حرارتنا معاً إلى الدرجه التي نستطيع فيها أن نزن الأشياء
قلت له وكأنني ألقيت عليه دشاً بارداً ضرورياً في مثل هذه الأحوال :

هل أم كلثوم في عصرنا الأن تساوي منيره المهديه في خمسين عاماً ..لقد كانوا يسمونها سلطانة الطرب؟
واعتدل رياض السنباطي ولم ذراعيه وقد أفاق قليلاً ..ولم يكن في نيته أن بفعل شيئاً من ذلك ولا يحب ،وقال: لا..لا ياسيدي ..أنا لست صغيراً في السن ..ولم يشأ أن يقول متى ولد ؟!وعاد يقول :لقد لحنت لمنيره المهديه أشتركت مع داوود حسني وكامل الخلعي في تلحين أوبريت سمير أميس لمنيره المهديه وكان هذا الأوبريت من ثلاثه فصول ..وكل واحد منا لحن (لها فصل )..ولحنت لها أغنيات كثيره ..ومنيره رحمها الله كانت صوتاً قديراً ..صوتاً قديراً جداً جهوريا..وإنما صوتها ليست له فرامل وكانت لاتستطيع أن تقفل صوتها وإنما في كل مره تحاول أن تقفله يهرب منها ..صوتها سايب ..
- منيره كلها سايبه ؟-
صحيح ..يعني أريد ان أقول لك إن ختام الجمله ..أو القفله الغنائيه كانت أم كلثوم تقفلها مثل (الباكم )عند القطار ..أو المترو ..هذا القفل المحكم القوي لاوجود له عند منيره المهديه .
- ماهو الفرق بين الأثنيتين في نظرك ؟
وأنا يهمني جداً أن اعرف ذلك ..فأنا لم أسمع منيره المهديه ..ولكن كنت أسمع من ابي أن صوتها جميل ..وكان أبي ذواقه في الغناء .وذواقه للكلام الجميل فقد كان شاعراً وكان يتغنى بشعره الأخرون ..
لم أكن أفهم في ذلك الوقت لماذا كل ماجاء أسم منيره المهديه يضحك الناس ..ولكنهم لايشجعون الصغار على أن يذهبوالسماع حفلاتها ..وكنت أتصور أن سبب ذلك أن سهراتها تستمر حتى الصباح ..والصغار يجب أن يناموا في ساعات مبكره ..
ورد رياض السنباطي : هناك فرق كبير جداً ..جداً ..جداً ..في الثقافه وفي جوهر الصوت فمنيره كانت سلطانة الطرب فعلاً ، لانه لم يكن هناك أحد سواها في ذلك الوقت ..ولكن أم كلثوم هذه لايمكن تعويضها ، إنها شئ آخر ربنا سبحانه وتعالى قد أعطاها لنا والله قد خلقها والسماء صافيه والأضواء باهره ومزجها مع ضوء القمر وضوء الشمس وقطرات الندى وزفها إلى الأمه العربيه .

ولم أفلح في أن أعرف بسرعه من الأستاذ رياض السنباطي بالضبط ماالذي تساويه أم كلثوم وحدها أو بالمقارنه بالمطربات الأخريات ..لقد رفض المقارنه ..ورفض السؤال من أوله لأخره .مع حسن النيه ،ولكنه لم يشأ أن يترك هذا السؤال دون أجابه ..أو يرفض هذه المسئوليه :أن يزن ام كلثوم وهو قادر على ذلك .فعاد يقول : أقارن أم كلثوم بمن ياسيدي؟
# .وردة دي أيه ؟ وردة تختلف عن منيره المهديه ..وردة لها أغنيات خفيفه تسمعها وأنت تاكل وانت تشرب أو بتلعب طاوله .صوتها قوي ويطربك ولكن ليس في صوتها هذا الشئ الذي يشدك ..الذي يجذبك ..أم كلثوم عندها هذه الجاذبيه ..عندها هذا المغناطيس ..وهذا شئ غير موجود عند أية مطربه قديماً أو حديثاً ..
# وأين تضع صوت فايزه أحمد ؟- صوتها جميل وأحساسها أدق من صوتها ..إنها عكس وردة تماماً التي صوتها أقوى من أحساسها ..وردة هذه تقول لك أشياء جاده ولكن تمنعك أن تعيشها ..
# ونجاة حلوه وذكيه ..ولكن صوتها أو طاقتها غير منطلقه .
# وشاديه :حلوه تعجبني ..تعجبني جداً ولكن شاديه كان صوتها أجمل من عشر سنوات أو أثنتي عشره سنه ..وكنت أضعها في مطربات الصف الثاني الممتاز ..ولكن يظهر أن حصل لها شئ ما ..لاأعرفه يمكن تعب .حاله عاطفيه .عصبيه عائليه .
# أما شهرزاد فصوتها جميل قوي ..ويمكن أستغلاله في الأوبريت .وفي الأغنيات المفرده صوتها جميل ..
# أما مها صبري فهي محدوده ..
# وسعاد محمد عملاقه ..ولكن بكل أسف الحظ لايواتيها..ولاتسألني عن الحظ ..ممكن واحد يدفع جنيها فيكسب خمسه ألاف جنيه ..وممكن يدفع خمسه ألاف جنيه فلا يكسب حتى الجنيه .
# أما فيروز فهده شئ أخر ..إحساس ومشاعر ..بل شئ فوق الإحساس وفوق المشاعر ..تركز في هذه السيدة..عندما أسمعها فإنني أستمع إلى صوت من السماء ..ولا أنكر فضل الأخوين رحباني ..إنهم لون جديد ..لون أحبه جداً ..فيه تطوير للموسيقى ..أما نحن فلم نطور الأغنيه ..لاتصدق أن احداً قد طورها ..إنها هي هي ..وموسيقانا كما هي وكل ماحدث في موسيقانا أن جميع الملحنين الناشئين أعتمدوا على الرتم السريع ..والرقص ..وكلمة حزينه من هنا ..او كلمة مرحه من هناك..وهذا هو التطور الذي حدث ( وليست هذه هي الموسيقى العربيه )ولكن فيروز والأخوين رحباني قد صنعوا شيئاً جديداً جميلاً ..ممتازاً جداً .واكثر من ممتاز # وبعد كذلك:صباح ..صباح حلوه ودمها خفيف ..صوتها دمه خفيف ..
ومادمنا نرفع غطاء الحزن ..أو غشاوة الحزن أو ثقل الحزن عن النفس فكان لابد أن أساله عن موسيقار فقدناه ..طال مرضه ..وتوقع الأطباء وفاته وعاش ..رغم أنف الطب ،أنه فريد الأطرش ..ذلك الصوت العربي الحزين دائماً ..
# فريد الاطرش ولم يجد الأستاذ رياض السنباطي حرجا في أن يقول :إنه ملحن من الطراز الثاني ،وهو محدود وكل أغانيه على وتيره واحده ليس عنده تنويع وهناك فرق كبير بين عبد الوهاب وفريد الأطرش .عبد الوهاب إبداع وتلوين ،وخصوصاً في أغنياته القديمه ،ولكن فريد من ماء واحد ولون واحد ودمعته على خده في كل وقت ،كل أغانيه حزن ونواح ، وهذا يجعل المستمع كئيباً دائماً إنني أتكلم بصراحه ولا يهمني من يغضب ..
- مادمت لاتخشى صراحتك ولا نتائج هذه الصراحه ..
- لايهمني ولكن يجب أن تحسد نفسك على انك أخذت مني هذا الحديث ..فأنا لاأتحدث مع أحد ولم أقل رأيي في أحد ..وسقط الكوب من يدي فقد حسدت نفسي !!
وسألته لا حرج في ان تصف لي صوت عبد الحليم حافظ ،وقبل أن أسمع رأيك فإنني أرى أنه أجمل صوت عربي على الإطلاق ..لاتشبع منه الأذن والنفس ايضاً .
# - عبد الحليم كويس ..ولكن في بعض الحيان تجد في صوته رجفه غريبه لا أعرف هل هذه الرجفه يراها نوعاً من تطوير الأداء ..أو هل الرعشه خلقه في صوته ..أنا لا أحب ذلك ..إنه يشبه واحداً يغني ثم يجئ إنسان من ورائه ويهزه من كتفيه ..لا أعرف لماذا هذه الرجفه ..هل هي حليه في صوته ؟ ولكن عبد الحليم حافظ خامه صوتيه حلوه ..جذاب ..باستثناء البتاعه التي في صوته ..
وأعدت عليه كل الأسئله التي وجهتها إلى أم كلثوم عندما أردت أن أعرف رأيها في كل الأصوات التي تتردد إلى جوارها في كل أذن عربيه .قال رياض السنباطي :
# محمد قنديل ممتاز فهو قادر على ان يؤدي أي لون من ألوان الغناء ..وطنيات ودينيات وغزليات ممتاز ..ثم المطربون الشعبيون :
# محمد رشدي لون شعبي ممتاز ..
# ومحمد العزبي لطيف ..لكن ليس له شعبية محمد رشدي ..
# ليلى نظمي خاصه بطبقه معينه من الجماهير ..مره سمعتها تغني :أيوه..أه..أظن أن هذه أغنية عايده الشاعر ..والله ما انا عارف أصبحت كل الأغاني متشابهة..على كل حال
# صوت عايده الشاعر يعجبني ففيه أنوثه ..صوت انثوى وخصوصاً عندما تغني لزوجها سيد أسماعيل .
# ولكن عفاف راضي هذه ،لا هي غربيه ولا هي شرقيه ..رقصت على السلم الموسيقي فلم يرها أحد ..كانت تلميذتي في الكونسرفتوار ..وكانت مدام رطل تدرس لها ..وبعد ذلك تجئ لك أحفظها الأغنيه لأم كلثوم :سلوا قلبي ..فوجدت صوتها محدود صغيراً .وكانت تنطق الكلمات كأي خواجه ..ومن هنا يجب أن نشير إلى عظمة أم كلثوم ..مخارج ألفاظها واضحه وقويه ..ولغتها العربيه الفصحى سليمه جميله ..
# وتسألني عن هاني شاكر .نسيت أقول لك أن سبب نجاح عبد الحليم حافظ هو أنه لم يقلد أحداً قبله ..لا قلد عبد الوهاب ولا أي مطرب أخر .. فعبد الحليم حافظ له طابع خاص ..لون معين .ولذلك فهاني شاكر لكي ينجح يجب أن يتوقف عن تقليد عبد الحليم ..وأنا أسمعه لماذا ؟ أسمع عبد الحليم أفضل وأجمل ..قلت له :وهاني شاكر عنده مشكله أخرى ..هي أن الذين يلحنون لعبد الحليم هم الذين يلحنون له أيضاً ..فهو يقلد عبد الحليم صوتاً وأداء وغناء ..وهذه مشكله..- صحيح ..لابد للمطرب أن يشق له طريقاً في الأداء ..وأن يحرص على أن يكون له صوت خاص ..ينفرد به ..ولذلك لابد أن يتولاه ملحن خاص ..ومن المناسب أن أقول لك ..إن المطرب الذي يخرج من الريف يخرج معتمداً على نفسه ..لا على معهد موسيقى ولا كونسرفتوار ولذلك نجده يقف على رجليه هو ..ويحاول أن يتقدم وأن يتفوق وإلا فسوف يضيع..
وهنا فقط تكثر الأصوات الجميله ..ولا أقول إننا وجدنا الصوت الذي يعوضنا عن أم كلثوم ..هذا مستحيل إلا إذا شاء ربنا وهو قادر على كل شئ . ولكن كيف نجد الصوت الجميل ؟ من الذي يجده ؟ أين يجده ؟ وإذا وجده فكيف تعرفه وتدفعه وتدافع عنه حتى لايقع أو حتى لايضيع ؟

هناك أصوات تقدم نفسها .. تماماً كما يلمع في السماء شهاب وترتفع إليه العيون .. من الممكن أن نذهب إلى حقول القطن وهذا رأي السنباطي وأن نسمع الأصوات الجميله .. ومن يدري؟ ربما وجدنا ام كلثوم أخرى .. أو نشجع صاحب الصوت أن يظهر لنا ..
# ويروي السنباطي أن صديقاً قال له إن بنت الأستاذ حليم الرومي المطرب القديم ماجده صوتها جميل جداً .. وأنه سوف يأتي له ببعض تسجيلاتها .. وهو في إنتظار هذا الإكتشاف الجديد .. وهو يؤمن بهذه الحقيقه : لو كان هناك صوت جميل سوف يظهر من نفسه .. إن الصوت الجميل نجم يلمع وإذا أخفاه النهار ، فإن الليل سوف يكشفه ويبرزه .
ومنذ سنوات جاء السنباطي رجل يريد أن يقدم له زوجه جميله الصوت ، قال السنباطي أسمع أولاً .. وجاءت الزوجه بيضاء جميله من كل النواحي ولما سمع صوتها قال له : طبعاً تريدني أن أصارحك ، إن صوتها لا يعجبني ولا أستطيع أن أتولاها .. ولا أنصحك أن تفعل ذلك ، وإنما يمكنكم أن تتسلوا في الحفلات العائليه .. إنها صوت والسلام .. وربما يشفع لها شكلها الجميل !
وأحسست اننا بعدنا قليلا عن أم كلثوم فسألت الأستاذ السنباطي :

أنت إختلفت مع أم كلثوم ؟
- نعم لأسباب ماديه ، كنت أطلب منها ثمناً أكبر ، فكانت تقول : أنت تاخذ ما فيه الكفايه ، وكنت أغضب وأتركها سنه أو سنتين ..وتصالحني وتدفع لي أكثر مما طلبت .
- ولم تغضب منها بسبب أنها غيرت لك لحناً ؟
لا .. أحياناً كانت تقول : أنا لا أستريح إلى هذا .. فأقول لها : وهذا إحساسي فأعود إلى البيت وأغير وأجد أن معها الحق ..وأحياناً كان يعجبها لحن وأعود إلى البيت أغيره ولكنها تقول : اللحن القديم أحسن .. وأعود أسمع اللحنين فأجد أن الحق معها ..ولكن أم كلثوم كانت تغير كلمات الشعراء أنفسهم .. بما فيهم أمير الشعراء وأحمد فتحي وأحمد رامي وناجي .. إنها لا تغني إلا الذي يريحها في الأداء .. مثلاً : لحنت لها قصيدة (إنتظار) ولم تغنيها مع الأسف .. القصيده لإبراهيم ناجي يقول فيها :
أنا في بعدك مفقود الهوى ضائع (أعشــــــو) إلى نور الكريم
أشترى الأحلام في سوق المنى وأبيع العمر في سوق الهموم
لا تقولي في غد موعــــدنا فالغــــد المــــوعد ناء كالنجـــوم
ولم تعجبها كلمة (أعشــــو) وجعلتها (أهفــــو) وهذا ألطف ..
وطقطوقه أخرى لمأمون الشناوي لحنتها وسجلتها على الكاسيت ولا أعرف ما الذى سأفعله بعد ذلك .. فهى التى كلفتنى وهى التى أعطتنى الكلمات أما أغنية مأمون الشناوي فتقول : شوف الدنيا
ولم تتلق منها خطاباً عتابا .. أو ورقه واحده مكتوبه .. ولا أنت كتبت إليها أو كتبت عنها ؟- خطاب واحد تسلمته وكان من محاميها الأستاذ قطب .. يذكرني بعقد بيني وبينها على تسليم الألحان في موعدها .. وكنت قد تكاسلت عن ذلك وهذا هو الخطاب الوحيد ..
ولا كتبت مذكراتي وإن كان عندى الكثير جداً الذي أستطيع أن أقوله عنها وعنا ..أنت ألا تلاحظ أنك تنقلني من موضوع لآخر..؟- إنني أحاول ألا تمل الكلام .. وألا أمل أنا أيضاً .. إنني أهون عليك .. إشغلك عن أم كلثوم بالكلام عن نفسك وعن غيرك وإن كانت المناسبه واحده .. والآن سوف أذهب إلى أقرب شيء إليك وأنت لم تتحدث عنه .. ولاحظت أنك لم تذكره .. ويبدو أنك لا تتوقع ذلك .. إن المسافه لا تزال بعيده .. ورحلة الفن الطويله الشاقه لم تبدأ بعد .. أو لم تكد تبدأ حتى توقفت .. او ترددت أ
نسألك عن إبنك أحمد السنباطي ؟
- أحمد لايزال امامه الكثير .. والجماهير رغم إختفائه لا تزال تطلبه وتسأل عنه .. وسوف يكون له مستقبل .. وسوف اتولاه بنفسي وأتعهده وبدأت فعلاً وقد لحن لنفسه .. ولحن له بعض الملحنين أيضاً .. واحد عنده طاقه صوتيه ما شاء الله تؤهله لان أقدم له ألحانا بطاقتي أنا ، ولو لم تكن عنده طاقه لقلت له كفى غناء وأسكت .. وأنا لا أصلح لك .. أذهب لغيري أما خصائص صوته فصوته جهوري ، وصوت منطلق .. حلو نبراته جميله .. ولكن في حاجه إلى صقل ..
وتتابعت السجائر في شفتى رياض السنباطي ، مع ان الأطباء منعوه من ذلك ، لا يكف عن التدخين .. رغم أن السجائر تحدث له حساسيه في جسمه .. ولكنه عاد إلى الأرق والقلق .. فلم تكن أم كلثوم مطربه تغني له .. ولكنها جو غنائي عام فهو يتلقى الكلمات ويدور الحوار .. ويذهب والعود معه ليسمعها اجتهاده أو تصويره .. فإذا وجدته مرهقاً ، طلبت إليه أن يكف عن التلحين إلا إذا استراح أو نام أو اعتدل مزاجه .. وكانت أم كلثوم تداعبه.. أو تروى له نكته حتى تتغير حالته النفسيه فإذا ظهر البشر عليه طلبت إليه أن يبدأ في التلحين
.. وفي إحدى المرات دخن رياض السنباطي ثمانين سيجاره ، وكان ذلك نوعاً من الإنتحار أسفر عن لحن جديد هو (أقبل الليل) وهو من أعز ألحانه إليه ، رغم أنه لم ينجح جماهيرياً .قلت له :

من كل هذه الأغنيات التى عددها 300 أغنيه لأم كلثوم لا بد أن واحده منها قد شيبتك أو كانت صعبه عليك
.. ولا يوجد مؤلف غنائي أو أدبي أو فنى إلا وقف عاجزاً أمام عملً ما .. هذا العمل هو المقياس الفاصل على قدرته على التفكير . فما هو اللحن الذي ناطحك حتى نطحك .. أو حتى تغلبت عليه في النهايه ؟
- ربما كان لحناً واحداً هو الأطلال .. خفت من هذه القصيده جداً .. وقلت لأم كلثوم وأنا ألحن هذه القصيده : يا أم كلثوم أنا خايف .. وكنت ألحن هذه القصيده وأنا في العجمي .. وكانت هي في قصر الضيافه .. وكانت ترد قائله : يا جدع إنت لك حاجات غريبه من أي شيء أنت خائف ؟ عيب .. ولكنها كانت تحس باللحن وعمقه . وعلى يقين من نجاحه .. أما أنا فلم يكن عندي هذا الإحساس .. وأجرينا البرفات الضروريه لهذا اللحن ، وتحدد موعد غنائه .. وأجرينا البروفات في مصرفون .. والفرقه كلها حفظت اللحن بالصوره التى ترضيني وترضيها ولكنها همست في أذني وقالت لي : يا رياض قلت لها : نعم ؟؟ قالت : لا داعي لأن أغنى هذه القصيده في الحفله .. وكانت الصحف قد نشرت أن أم كلثوم سوف تغنى هذه القصيده .. ولما سألتها عن السبب قالت : أنا أيضاً خائفه .. فالأطلال قصيده عملاقه . لا لأنها من تلحيني بالفعل هى كذلك .. ولم تغن أم كلثوم هذه القصيده ..
وبعد ذلك بشهر أجرينا البروفات .. وقلت لها ما رأيك .. لا داعي لأن تغنى هذه القصيده أيضاَ وسألتني : إذن متى أغنيها ؟ فقلت : عندما تستريحين لها تماماً .. وسألتني متى ؟ قلت لها بعدين .. ثم غنتها بعد ذلك وشاء القدر أن تنجح ولم أنم تلك الليله ولا نامت ام كلثوم ففي الثامنه صباحاً اتصلت بي أم كلثوم وقالت لي مبروك قلت لها الله يبارك فيك .. انا حاسه إن جبلاً قد إرتفع من فوق دماغي وهذه هي الأغنيه الوحيد التى أخافتني
واحب أن أقول لك شيأ غريباً : فأنا لم أحضر حفله واحده لأم كلثوم ولا أستطيع ..
مره قالت لي أم كلثوم أن الرئيس جمال عبدالناصر يحبك ويريد أن يراك في ذلك اليوم ذهبت إلى نادي الضباط بالزمالك .. وغنت لي أم كلثوم (طوف وشوف) وكنت أقود الفرقه الموسيقيه والكورال .. واستمعت إلى أم كلثوم وأحسست بالناس وهم يتجاوبون معها .. ولكنى لم أسمعها وأنا جالس في الصاله بين الناس .. صعب .. ولم يحدث أبداً وإنما أستمع إليها في البيت في غرفتي وحدي .. مع أجهزة التسجيل الكبيره التى عندي .. أسمعها وأنا أرتجف .. وجسمي كله مبلل بالعرق البارد ..
ولا حتى منيره المهديه التى لحنت لها أكثر من عشرين لحناً لم أستمع إليها .

.- ما الذي لحنته لمنيره المهديه ؟
لحنت لها أوبريت عروس الشرق عروس الشرق من تأليف يونس القاضي .. وفي ذلك الوقت تركت المسرح وفتحت لها صاله في شارع الألفي .. وكانت تغني وصله أو وصلتين .. ولكن أين هذه من أم كلثوم التى تغني ثلاث وصلات ، ست ساعات وأكثر ..
في الوصله الأولي : صوتها قائم من النوم الجميل ..
وفي الثانيه تشدو وتصدح ..
وفي الثالثه كالخيول العربيه كلما سخن وعرق انطلق أسرع وازداد جمالاً ..

- ما دمت قد لحنت لمنيره المهديه فلا بد أنك لحنت للمطربه نادره أيضاً ..
- صوتها حاد .. الأصوات أشبهها بجمال المرأه .. فيه ست تلاقيها بيضاء جداً وجميله جداً ، جمالها صارخ ودمها ثقيل .. لكن تلاقي فتاة سمراء لم تضع الروج ولا الرميل وإنما لها نظره .. وهذه النظره إذا أطلقتها عليك عوجتك ..
- وإذا طبقت نظرية (التجسيد) الصوتي لكل المطربات .. فأين تضع أم كلثوم في هذا المتحف ؟-
أم كلثوم جمعت إلى قوة الصوت والرقه والحلاوه وعمق التعبير .. أنا لا أستطيع أن أقول إن صوتها هذا صوت .. انه جوهره ليست مثلى ولا مثلك.. صوتها كالمرأه التى لها قوام جينا لولو بريجيدا وعيونها وأسنانها مثل إليزيبيث تايلور .. ابتسامتها تعجبني جداً .. إبتسامه غريبه غامضه .. وفيها عمق مثل عمق انامانياني .. أنا لما أشوفها بتهوس ..

- أنت رجل ذئب يا أستاذ رياض
- الله يخليك .. أما منيره المهديه فكانت فتوه .. صوتها فتوه .. لا أجد لها وصفاً غير أن لها حنجرة فتوه .. وفايزه أحمد امرأه مدلله وتتدلع جداً وصوتها فيه دلال ودلع .. إنها تتدلل على الرجل وتجننه وهو سعيد بهذا الدلال .. أما ورده الجزائريه فصوتها يشبه واحده بتحب رجلاً وتعاتبه وتزعق .. حتى الكلمات التى فيها همس بينها وبينه زعيق أيضاً ، حتى لو بكت على كتفه فهى تزعق وهى تبكي .. بصراحه ورده زعيقها كتير .. ولذلك يعجبني في عبد الحليم حافظ أن صوته جذاب .. إنه عندما يغني يوشوشك لكي يوشوشك مره أخرى وأنت سعيد بذلك ..
وشاديه كانت أم كلثوم تقول لي : يا رياض أنا أحب أسمع شاديه جداً وتقول انها مثل البلبل خفيفة الدم .. ونجاة الصغيره صوت مثل الطفل الصغير الذي يدهشك عندما يقول لك : بابا .. وماما .. إن هاتين الكلمتين لهما تأثير كبير على الأب والأم .. وعندما يسكت الطفل يقول له أبواه : شاطر .. شاطر .. صوت نجاة هكذا
وكان الأستاذ رياض السنباطي قد أزعجته المقارنه بين أم كلثوم وأية مطربه أخرى وخصوصاً منيره المهديه ، فعاد يقول :عندما كانت أم كلثوم تتقاضى ثلاثين جنيهاً في القاهره .. كانت منيره المهديه تتقاضى مائه ومائتي جنيه ذهباً .. وكان مجلس الوزراء ينعقد في بيتها لا للسماع إليها ولكن للنظر في شئون مصر .. وفي حفلاتها كان الناس يشعلون لها السيجاره بورقه من فئة المائة جنيه .. وكانت منيره تردد الأغنيات العاريه القبيحه .. والناس حولها يسكرون ويترنحون .. وعندما ظهرت أم كلثوم كانت منيره قد غنت على الأقل ستين أغنيه ، ومن بينها أغنية مشهوره أسمها (أسمر ملك روحي) .
ولكن أم كلثوم احترمت نفسها جداً وكانت محتشمه ومتدينه .. ورفضت الغناء بأية صوره لا تحفظ لها كرامتها وكانت أم كلثوم لا تأكل إلا تفاحه ولقمة عيش قبل أن تغني .. بعض المغنيات يذهبن مخمورات .. ويشجعن الناس على السكر والعربده .. ولكن أم كلثوم طراز آخر من خلق الله .. وقد إهتز عرش منيره المهديه يوم ظهرت أم كلثوم بأغنية (إن كنت أسامح ) وأغنية (يا ست ليه المكايده) لأن أم كلثوم كانت إذا زارتني فإنها تطلب إلى أن أسمعها تسجيل للشيخ محمود صبح .. إنها تحبه جداً .. وهذا يدلك على ذوقها الشرقي الديني الصميم .
وكان من أحلامنا أن ألحن وتغنى سورة (الرحمن) .. إن هذه السوره في جمالها وعمقها هي القرآن كله .. وقد حاولت شيأ من ذلك ولكن خفت .. ففي ثلاثية صالح جودت غنت أم كلثوم آيه من القرآن وغيرنا فيها حتى لا تبدو على أنها آيه وهى (والضحى والليل) ما سجى .. ولم نقل إذا سجى .. حتى لا يقال إنني ألحن القرآن وإنما هي محاوله من بعيد ، يرحمها الله .
*****
ورياض السنباطي مثل أم كلثوم من محافظة الدقهليه ، من فارسكور ولا علاقه له بسنباط... مدينة الغوازي ولم يرها ، ولا بد أن أحداً من أجداده كان فيها .. أو ولد فيها.
والسنباطي قد تعلم الغناء من أبيه وقد بدأ هو أيضاً بالموالد وأغاني عبده والخلعي وداود حسني وكامل الخلعي .. وكان يركب الفلوكه في نيل المنصوره إلى جزيره في النيل .. والجزيره كانت تغريه بما فيها من خيار وبطيخ وفي الذهاب والإياب يردد الأغنيات وراء أبيه .
وهو ليس كأم كلثوم بخيلاً .. ولكنه حريص جداً .. وهو يغلق كل شيء بمفتاح علبة السجاير يضعها في درج والدرج بمفتاح .. والدرج في دولاب والدولاب له مفتاح .. والدولاب في غرفه والغرفه لها مفتاح مع مفتاح شباك البلكونه .. فالفنان لا يملك إلا طاقته .. والطاقه محدوده فلا هو أرض تزرع ولا هو مصنع يهلك ويستهلك وله قطع غيار .. وإنما الفنان له قدره على الإبداع ، تنضج وتسقط معه .. والذي لا يملك القرش لا يساوي القرش .. وأنت تساوي ما في جيبك .. وجيبك أقرب من جيب غيرك ..
والبخل خير من سؤال البخيل .. فاحفظ قرشك يحفظك .. واحفظ طاقتك إلى آخر كلام الناس الذين يعرفون طعم الكلمه الموجوده التى يقولها لك إنسان إذا سألته قرشاً ولم يعطك ..
ولم يخل الحديث عن أم كلثوم مع رياض السنباطي من هذه الدعابه . فأم كلثوم قد ذهبت لتغنى له في فرحه .. وجاءت مع فرقه كبيره وغنت حتى الصباح ، ورغبة منها في تحية السنباطي غنت له أحد ألحانه .. غنت له .. يا طول عذابي ..وقال الناس : ما هذا ؟؟ يا ساتر يا رب ، ولما سألوها قالت : طبعاً يا طول عذابك الذي سوف تراه في زواجك ..
وعذابك بعد أم كلثوم !

samirazek
09/03/2019, 19h48
تلميذ واستاذ بمعهد الموسيقى ؟!
دنيا الوطن (منذ 7 سنوات)
بقلم:وجيــه نــدى...( بتصرف واضافه)

تلميذ واستاذ بمعهد الموسيقى ؟ ، أحد عباقرة الموسيقى العربية، والملك المتفرد بتلحين القصيدة العربية، اسمه بالكامل محمد رياض محمد السنباطي والمولود في 30 نوفمبر من عام 1906 في مدينة فارسكور التابعة لمحافظة دمياط .
وكان والده مقرئا تعود الغناء في الموالد والأفراح والأعياد الدينية في القرى والبلدات الريفية المجاورة،وعاش فى منافسه فنيه امام الشيخ ابراهيم البلتاجى والد ام كلثوم .

وتتفتح أذنا الفتى الصغير رياض على أبيه وهو يعزف على العود، ويغني الغناء الأصيل والتواشيح الدينية، فلما بلغ التاسعة من عمره، ضبطه والده عند جارهم النجار هاربا من المدرسة، يضرب على العود ويغني بصوته أغنية «الصهبجية» لسيد درويش فطرب لصوته، وقرر أن يصطحبه معه للغناء في الأفراح.

وكان ذلك خاتمة عهد عصر سلامة حجازي وفاتحة عصر سيد درويش، .. لكن بداية ظهور الأسطوانة والفونوغراف سنة 1904 مكنت الصلة بينهما.. فاستمع الفتى الصغير إلى عبد الحي حلمي ويوسف المنيلاوي وسيد الصفطي وأبو العلا محمد وتتلمذ على أيديهم من دون أن يراهم، إلا أنه ظل دائما مدينا لوالده الشيخ محمد الذي قام بتعليمه تراث الموسيقى العربية، ومن بينها أغنيات لمحمد عثمان وعبده الحامولي.

لم تطل إقامة الشيخ محمد السنباطي في فارسكور، فنزح إلى مدينة المنصورة عاصمة الدقهلية وألحق ابنه بأحد الكتاتيب، ولكنه لم يكن مقبلا على الدرس والتعليم بقدر إقباله وشغفه بفنون الموسيقي العربية والغناء. وتهيئ الأقدار للصبي الطريق الذي يتفق مع أهوائه وميوله، حيث أصيب وهو في التاسعة من عمره بمرض في عينه، أحال بينه وبين الاستمرار في الدراسة، وهو ما دفع بوالده إلى التركيز على تعليمه قواعد الموسيقي وايقاعاتها. وقد أظهر رياض استجابة سريعة وبراعة ملحوظة، فاستطاع أن يؤدي بنفسه وصلات غنائية كاملة، وأصبح هو نجم الفرقة ومطربها الأول وعرف باسم «بلبل المنصورة»، وقد استمع الشيخ سيد درويش لرياض فأعجب به أعجابا شديداً وأراد أن يصطحبه إلى الإسكندرية لتتاح له فرصاً أفضل، ولكن والده رفض ذلك العرض بسبب اعتماده عليه بدرجة كبيرة في فرقته.

وفي عام 1928 كان قرار الشيخ محمد السنباطي بالانتقال إلى القاهرة مع ابنه، الذي كان يرى انه يستحق أن يثبت ذاته في الحياة الفنية، مثله مثل أم كلثوم التي كان والدها صديقا له قبل نزوحه إلى القاهرة.
في ذلك العام بدأ رياض السنباطي مرحلة جديدة من حياته لا يمكن وصفها بالسهولة. وإزاء تلك الصعوبات كانت رغبته في إثبات ذاته، وسط مناخ المنافسة الشديد ولهذا وفي تواضع جم وإنكار لذاته ولقدراته، وامتثالاً لواقع الأمور تقدم بطلب لمعهد الموسيقى العربية، ليدرس به فاختبرته لجنة من جهابذة الموسيقى العربية في ذلك الوقت، إلا أن أعضاءها أصيبوا بنوع من الذهول، حيث كانت قدراته أكبر من أن يكون طالباً لذا فقد أصدروا قرارهم بتعيينه في المعهد أستاذا لآلة العود والأداء.

ومن هنا بدأت شهرته واسمه في البروز في ندوات وحفلات المعهد كعازف بارع. ولم تستمر مدة عمله بالمعهد إلا ثلاث سنوات، قدم استقالته بعدها حيث كان قد اتخذ قراره بدخول عالم التلحين، وكان ذلك في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي عن طريق شركة أوديون للاسطوانات التي قدمته كملحن لكبار مطربي ومطربات الشركة ومنهم عبد الغني السيد، ورجاء عبده، وليلى مراد وملك محمد وحياة محمد ونجاة علي، وصالح عبد الحى وابراهيم حموده .
وكانت حياة رياض السنباطي الخاصة كانت غاية في البساطة، بل أنها تكاد تقترب من ملامح الانطوائية والعزلة الا عمن يتعامل معهم من المطربين والموسيقيين. وعرف عنه انه يقضي وقته في صومعته يسمع ويسجل وينتظر الخاطرة تمر عليه والإلهام.

وتروي زوجته أنه كان في بعض الأحيان يكون جالساً مع أهله على المائدة يتناولون طعام الغداء. وبعد أن يأكل لقمة واحدة يتوقف عن الأكل ويفكر، ويذهب إلى صومعته إلى الغرفة المختصة، وهناك يصب اللحن الجديد الذي ربما كان ينتظره شهوراً، وكانت زوجته تبرر تصرفه للضيوف بقولها: تفضلوا وواصلوا طعامكم فهذه عادة السنباطي، وقد تعودنا عليها.

ومع تطور أسلوب السنباطي وسطوع نجم ام كلثوم في منتصف الثلاثينيات، كان لا بد لهذين النجمين من التلاقي.
وكانت البداية بأغنية «على بلد المحبوب وديني»، التي قدمت عام 1936 ولاقت نجاحا كبيرا.بصوت عبده السروجى وفى فيلم وداد صوت وصوره ولكن ام كلثوم رغبت فى ان تغنيها هى بنفسها وتطبعها على اسطوانه وبالطبع وافق رياض السنباطى وهذه كانت رغبته وبالفعل زادته شهرة فى العمل بالمجالات الفنيه.

وبذلك انضم رياض السنباطي إلى جبهة الموسيقي الكلثومية والتي كانت تضم احمد صبرى النجريدى وداوود حسنى وفريد غصن ومحمد القصبجي وزكريا أحمد.

إلا أن رياض السنباطي كان مميزا عن الآخرين فيما قدمه من ألحان لأم كلثوم بلغ عددها نحو 103 لحنا، إلى جانب تميزه فيما فشل فيه الآخرون الا وهي القصيدة العربية التي توج ملكا على تلحينها. سواء كانت قصيدة دينية أو وطنية أو عاطفية. ولذلك آثرته السيدة أم كلثوم من بين سائر ملحنيها بلقب العبقري.
وفي أحد لقاءاته الصحافية روى رياض السنباطى لقاءه بأم كلثوم فقال: بعد سبعة عشر عاما من لقائنا الأول في قرية «درينش إحدى قرى الدقهلية، التقيت بالفتاة أم كلثوم مرة أخرى، بعد أن كان صيتها قد ملأ الآفاق في القاهرة. وقتها كنت أحسد الذين يلحنون لها وكانت تتحرك في أعماقي ملكة التلحين، تعبيرا عن عواطف جياشة يعيشها الشاب في مثل سني...

كنت أقيم في شقة لوحدي وطلبت تليفون كي يسهل علي أعمإلى واتصالاتي، وفي اليوم الأول الذي دخل فيه التليفون إلى الشقة، سمعت أغنية لأم كلثوم من الراديو، فتذكرت تعارفنا في محطة قطارالدلتا العتيق. وكنت قد عرفت رقم تليفونها من الإذاعة فاتصلت بها، وعندما ذكرت لها اسمي تذكرت بأن والدها الشيخ ابراهيم كان يغني مع والدي في الأفراح، ودار بيننا حديث قصير قالت لي في نهايته «ابقي خلينا نشوفك يا أستاذ رياض، مادام أنت في مصر وأنا في مصر».

وبعد نجاح أغنية «على بلد المحبوب وديني لعبده السروجى » اعاد تسجيله بصوت ام كلثوم ثم لحن لها «النوم يداعب عيون حبيبي»، كلمات أحمد رامي. والتي أعجبت بها أم كلثوم وقدمته في حفلها الشهري على مسرح قاعة ايوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وكان حفلا مذاعا، ويعتبر من المنعطفات في حياة أم كلثوم والسنباطي معا. وظل رياض يمد أم كلثوم بألحانه وروائعه، حيث وجد رياض في صوت أم كلثوم ضالته المنشودة، فبقدراتها الصوتية غير المحدودة وبإعجازها غنت ألحانه فأطربت وأبدعت.أعماله لأم كلثوم .
(وبالطبع كرد فعل قاطع المطرب عبده السروجى الحان ریاض السنباطى...وغنى من الحان حسین جنید اقولك ایھ – دنیا الھنا – الدنیا امل ومن الحان محمد قاسم غریب الدار – انا مالى – اھلا رمضان ومن الحان محمد الموجى غنى على عودى – بدرك جمیل وغنى ایضا لجمیع اھل الالحان احمد صدقى و احمد عبد القادر و محمد فوزى و فؤاد حلمى و عبد العظیم محمد و روؤف ذھنىو مرسى الحریرى و عطیه محمد و كامل احمد على).

اذا كان العمل الموسيقى الاول هو علي بلد المحبوب وتلاه: أنشودة الربيع - الملك بين يديك - عيد الدهر- قضيت حياتي حيري عليكي - نشيد الجامعة - يا شباب النيل - النوم يداعب - الورد فتح - إجمعي يا مصر - الشمس مالت للمغيب- أذكريني - بغداد - فاكر لما كنت جنبي - لما أنت ناوي - يا ليلة العيد أنستينا - أوبريت عايدة (بالإشتراك مع القصبجي) - قالوا احب القس سلامه - هوي الغانيات ( كيف مرت على هواك القلوب) - السودان - أصون كرامتي - سلو قلبي غداة سلا وتابا - سلوا كؤوس الطلا - ظلموني الناس- غلبت أصالح - غني الربيع بلسان الطير - حاقابله بكرة - طالما أغمضت عيني - نهج البردة - هلت ليإلى القمر- ولد الهدي - يا طول عذابي - النيل - ياللي كان يشجيك أنيني - رباعيات الخيام - سهران لوحدي - مصر تتحدث عن نفسها - يا ظالمني - صوت الوطن (مصر التي في خاطري وفي دمي) - أغار من نسمة الجنوب- بأبي وروحي الناعمات الغيدا- قصة حبي (ذكريات)- عرفت الهوي مذ عرفت هواك - علي عيني بكت عيني- يا صحبة الراح - الفجر الجديد - الله معك - صوت السلام هو اللي ساد - أروح لمين - بطل السلام- بعد الصبر ما طال - بغداد يا قلعة الأسود - دليلي احتار - شمس الأصيل- عودت عيني - قصة الأمس- ثورة الشك - منصورة يا ثورة أحرار - أغنية الجيش - هجرتك يمكن أنسي هواك - قصة السد- ثوار ولآخر مدى - حيرت قلبي معاك - توبة - ح سيبك للزمن - الزعيم والثورة - بالسلام وبالمجد- لسه فاكر - ليلي ونهاري (لا يا حبيبي) - الحب كده - يا جمال يا مثال الوطنية - طوف وشوف - أراك عصي الدمع - أقولك إيه عن الشوق - إلى عرفات الله - حولنا مجري النيل - رأيت خطاها علي الشاطئين- يا حبنا الكبير- يا ربي الفيحاء- الأطلال- أرض الجدود- حبيب الشعب- حديث الروح - قوم بإيمان وبروح وضمير- أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصر - أقبل الليل يا حبيبي - رسالة- من أجل عينيك عشقت الهوى- الثلاثية المقدسة - القلب يعشق كل جميل- الأطلال وغيرهم وحتى نصل الى 103 لحن واغنيه .

الخصام الوحيد بين ام كلثوم وبينه خلال مسيرتهما الطوبله حدث عندما قدم السنباطى للفنانه شھر زاد لحن یا ناسینى وانا عمرى مانسى حبك من مقام كرد ومن نظم مامون الشناوى 1955 ومن حب الملحن لصوت شھر زاد ان صاحبھا ولاول مره یصاحب فنانه على المسرح عازفا للعود مما اثار حفیظة ام كلثوم وظلت 4 سنوات فى خصام مع ریاض السنباطى... فى اثناء الخصام تعرفت ام كلثوم على الحان محمد الموجى وغنت من الحانه انشودة الجلاء وایضا تعرفت على بلیغ حمدى وقدم لھا لحن حب ایه .... وبعد خصام دام 4 سنین تصالحا عام 1959وقدم لھا الحان عودت عینى و لسه فاكر و قصة الامس و ھجرتك وماتلاها .

وكانت قصيدة ولحن الاطلال من اعمدة كلاسيكيات الموسيقى العربية وهي الأغنية التي اعتبرها النقاد تاج الاغنية العربية واروع اغنية عربية في القرن العشرين، كما يعدها الكثيرون أجمل ما غنت أم كلثوم وأروع ما لحن رياض السنباطي، وغنتها ام كلثوم عام 1966 وهي اجزاء من قصيدة الاطلال الاصلية بالإضافة إلى اجزاء من قصيدة الوداع للشاعر ابراهيم ناجي .
(لم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي تدمج فيها ام كلثوم اجزاء قصيدتين في اغنية واحدة، فقد فعلتها في اغنية حديث الروح والتي لحنها رياض السنباطي أيضا حينما ادمجت اجزاء من قصيدة شكوى مع اجزاء أخرى من قصيدة اجابة الشكوى للشاعر محمد إقبال).
ويذكر أن د.ابراهيم ناجي مؤلف قصيدة الأطلال تعب في اقناع ام كلثوم بغنائها وهو حي يرزق حتى نجح في مسعاه لكن ظروف اندلاع ثورة يوليو حالت دون غنائها.

فلم تكن ام كلثوم تغني لاي من الشعراء الاحياء مراعاة لشعور احمد رامي .... فلم يحدث ان غنت ام كلثوم من غناء شاعر حي الا ثلاث مرات : -
المرة الأولى حينما غنت قصيدة (مالى فتنت بلحظك الفتاك) للشاعر علي الجارم .
المرة الثانية حينما غنت قصيدة (قالوا احب القس سلاّمة) للشاعر علي أحمد باكثير والتي لحنها السنباطي .
المرة الثالثة حينما غنت قصيدة للشاعر محمد الاسمر .
و لكل مرة ظروفها التي اجبرت فيها ام كلثوم على التخلي عن قاعدتها.

إلا أن ام كلثوم تحررت من مجاملتها لرامي التحرر الكامل في منتصف الخمسينيات. اثناء خصامها مع السنباطى ملك القصائد.

و حينما ارادت ام كلثوم ان تغني قصيدة ناجي لم ترد ان تتخير ابياتا من قصيدة الاطلال الطويلة جدا(132بيتا) لكنها تخيرت ابيات فقط منها وتخيرت ابياتا من رائعة ناجي الأخرى (الوداع) لتغنيها جميعا تحت اسم الاطلال

وقدم رياض السنباطى الالحان الكثيره لكل الاصوات الغنائيه على الساحه الفنيه أمثال
منيرة المهدية: فصل من أوبريت سمير أميس ( عروس الشرق)
نادره امين غنت : تتباهى بالدمع يجرى – قلبى زورق يجرى – ياللى شغلت الفؤاد – وغيرهم .

وغنت له ايضا:
حياة محمد غنت له:
1. قصيدة "أداري العيون الفاترات السواجيا" (تأليف احمد شوقى)
2. طقطوقة "إمتى تشوف الحلو عنيه" (تأليف عبد الباسط عبد الرحمن)
3. مونولوج "آه يا زمن غدار" (تأليف عبد الباسط عبد الرحمن)
4. قصيدة "أي سحر بعثت شمس الأصيل" (تأليف حمد فتحي)
5. طقطوقة "وفاء النيل" (ومطلعها: البحر زاد عم البلاد) (تأليف محمد فتح الباب)
6. قصيدة "بين أزهار ونبت وظلال" (تأليف فاضل سليم)
7. قصيدة "جددي يا مصر أعياد الزمان" (تأليف احمد رامى)
8. قصيدة "خليلك من صفا لك في البعاد" (تأليف البهاء زهير)
9. طقطوقة "زيدي أنوارك زيدي زيدينا" (من فيلم "مصنع الزوجات")
10. طقطوقة "طويت في حبك أيامي" (تأليف عبد الرحمن الخميسى)
11. قصيدة "لك روحي فاصنع بها ما تشاء" (تأليف محمود سامى البارودى)
12. قصيدة "هتف الشعب وغنى" (تأليف محمود محمد سلامة)
13. مونولوج "وداعاً حبيبي على الرغم مني"
14. طقطوقة "يا ريت ما مريت على بالي" (تأليف محمود جاسر)
15. طقطوقة "يا للي حبك ذل قلبي" (تأليف عبد الرحمن الخميسي)
16. طقطوقة "يا ليل يا ليل اشهد يا ليل" (تأليف زكي إبراهيم/ من فيلم "عريس من استانبول")

وفتحية أحمد، غنت له:
الصفصافة - على محمود طه ، البلبل - أحمد فتحى، ألقاك مفتون - أحمد فتحى، رأى اللوم - ابن النحاس المصري، شفت الهنا - عبد العزيز سلام - واني اراك معى - وظنون

ونجاة على التى غنت: اسهر وادارى سهادى – يا بختها يا بختها – يا حياتى هجرتى حبى – الدمع حاير فى عيونى و قال ايه دلوقتى ما بيحبش من نظم حسين حلمى المناسترلى.

صالح عبد الحي، غنى اشهر اعماله: ليه يا بنفسج بتبهج

محمد عبد المطلب، غنى شفت حبيبى من نظم عبد الباسط عبد الرحمن (شقيق حسن البنا) - جميل وبخيل و اناديلك واشتاق لك من نظم محمد على احمد – لو اقدر على بعدك – مخاصمنا ومش بيكلمنا
وغنى عبد اللطيف التلبانى له: انتى فين يا نسمه حايره من نظم حسن توفيق.

عائشه حسن غنت : ظلمنى هواك من نظم محمد على احمد

عصمت عبد العليم غنت : ساعة رضاك قلبى غنى من نظم احمد فتحى – يا قلبى كنت بتتمنى من نظم عبد الباسط عبد الرحمن و يا حبيبى يا قلبى من نظم عبد الفتاح مصطفى

عبده السروجى لحن له الموسيقار: على بلد المحبوب ودينى و ليه يا حبيبى كتر الاسيه و مين يقول ان جمالك.

خيريه السقا غنت :ايه يفيد البكا من نظم عبد الباسط عبد الرحمن

المطربه حياة محمد غنت الكثير من الحان الموسيقار رياض السنباطى ومن تلك الالحان امتى نشوف الحلو و اه يا زمن غدار من نظم عبد الباسط عبد الرحمن و ايضا زيدى انوارك زيدى و ياليل اشهد يا ليل ويا للى حبك ذل قلبى وغيرهم .

بديعه مصابنى غنت سوق الملاح من نظم حسين حلمى المناسترلى

أســمهان، غنت ايها النائم عن ليلى سلاما و حديث عينين من نظم احمد فتحى – اهلا بنور الشمس و انا بنت النيل اخت الهرم و نشيد الاسره العلويه و طلع الفجر على عيد الجلوس ( الملكى ) من نظم احمد رامى .

وغنى ابراهيم حموده: انت وانا و راجيه يا نور عينى دويتو مع ام كلثوم من نظم احمد رامى – مظلوم وحياتك انتى من نظم عبد العزيز سلام – رايح تفوتنى والوقت بدرى و سنتقابل يا قلبى ايه من نظم احمد رامى

ايضا غنى اسماعيل يس من الحان الموسيقار اوعى يا قلبى فى فيلم بين قلبين

وغنت اجفان الامير.... قابلته... من نظم عبد اللطيف البسيونى

امال حسين غنت يا بلبلين فى الهوى – احلام الزهور – يا صانع السعد افرح لى

وغنى احمد عبد القادر بتسالى علشان ما بحبك – غنام – يا حبيب الله – يا محلا شهد الغرام – بلبل الروض – وصل الحبيب – طلع القمر – دا شئ يحير وغيرهم من الالحان

وغنت احلام: الدنيا فى ايدى والكل عبيدى من نظم د- سعيد عبده

وغنت سعاد محمد: ايه يا دنيا – انتظار – العمر ليله – بلبل الورد بكى – عد لنا – نداء الليل – مابين حبى وحرمانى – اجمل نهار – انغام الماضى

وغنى سعد عبد الوهاب: قطعنى حتت و احبكم يا بنات اليوم والعملين من نظم حسن توفيق

وغنت شهر زاد: اول ما جيت فى الميعاد و افكر فيه وينسانى – ادينى من وقتك ساعه – كدابين – فى ضى القمر – حكاية المنديل – مش ح اقول لك – يا ناسينى وانا عمرى ما انسى حبك ...

وغنت شاديه من الحان الموسيقار 3 شهور ويومين اتنين - لحن الوفاء مع عبد الحليم حافظ – عندى كلام – قالوا زمان عن المناديل – ياللى جفاك الحبيب

وغنت شريفه فاضل احبك ليه مادام قاسى – زى النهارده من سنه – سيبك – يا صباح النور

وغنت المطربه صباح: اخاف عليك واخاف منك – بشويش على عقلك – بيت الاحلام – حاسدينى ليه على حبك - شرفتونا – يا هوايا

وغنى عبد الغنى السيد: الحان كثيره للموسيقار رياض السنباطى الحب سر من الاسرار – بتبكى ليه ياترى – دلالاك فى الهوى – شكيت يا قلبى – شفت الامل والهنا – غاب بدرى – لادمع كفى وطفى النار – قوليلى ايه غير احوالك – نسيتى حبى بعد اللى كان – يانارى من كتر جفاكى وغيرهم

وغنت رجاء عبده: اصل اشتباكى – اجرى ورايا – حلمت خير فى منامى – يا بنات المجد

هدى سلطان غنت من الحان الموسيقار ان كنت ناسى افكرك من نظم محمد على احمد وعندى سؤال وورد وياسمين واشمعنى ياناس و بتبكى ليه يا نغم – بالعمل كبرت بلادى و(فيلم مشترك هو حبيب قلبى) ولحن الخطوبه والميلاد فى فيلم تاجر الفضائح

المطربه السوريه نازك غنت جمال الروح و جمعتنا الايام من نظم حيرم الغمراوى – خفقات قلب من نظم الامير عبد الله الفيصل – ماهو دا الكلام اللى انا قلته من نظم سيد عبد الباسط – اسامعنى انت يا حبيبى من نظم مامون الشناوى .

وردة الجزائرية ...،غنت من الحان الموسيقار ح اقولك حاجه اسمعها و كان لازم اكرهك والعملين من نظم حسين السيد و لا تودعنى حبيبى من نظم احمد مخيمر و يا حبيبى لا تقل لى ضاع حبي من يدي..من نظم ابراهيم عيسى وغنت اخر عمل للفنان على الساحه وقبل وفاته موشح يا بعيد الدار

نجاة الصغيرة غنت اول الحان الموسيقار رياض السنباطى لصوتها لحن يا هاجر بحبك من نظم عبد المنعم السباعى وايضا يارب انصر امتنا – فى عيد ميلادك – يا قلبك – حبيبى سامعنى حد قال لك – صعبنا ع الودع – إلهي ما أعظمك - ورباعيات الخيام ، التي تختلف عن رباعيلت أم كلثوم - صعبنا على الودع

وغنت نجاح سلام اغنيات يد الله من نظم محمود حسن اسماعيل – يا مشاء الله – عايز جواباتك – الله ع النصر – الله يسامحه – عيون البرتقال – امة الحق

و نورالهدى غنت فى الكثير من افلامها من الحان الموسيقار النور بدا – اسالنى انا – اميرة الاحلام – انا بوسه خفيفه- الدنيا انا لفاها – يا بنات الجامعات – تباركت ربى من نظم شريفه فتحى – يا اتومبيل – ياريت كل الناس والكثير من الالحان

عزيزة جلال والذي قدم لها مجموعة من الأغاني العاطفية ولحن لها آخر عمل فني له: قصيدة الزمزمية وقصيدة من أنا؟، لتكون بذلك آخر فنانة تقدم أعمال رياض السنباطي وتتوج بذلك مسيرتها الفنية بقصيدة الزمزمية وقصيدة من أنا؟ التي لم تعط حقها كما يجب بسبب اعتزال عزيزة جلال

فايزة أحمد، لحن الموسيقار رياض السنباطى لكروان الشرق فايزه احمد قصيدة الأبطال وختمت فايزة أحمد حياتها الفنية بأغنية "لا يا روح قلبي أنا"، قبل أن تغيب في التاسع عشر من أيلول عام 1983

سعاد محمد، غنت له :وعادت الطيور في المساء – امانه عليك شعر صالح جودت – نداء الليل شعر محمود حسن سماعيل

ابتسام لطفي اغنية وداع ، وساعة لقاء (التي غيّرالسنباطي في لحنها القديم لعبدالحليم حافظ لقاء)

مياده الحناوى: أشواق ، وساعة زمن

فيروز: قدم لها لحنين لم تغنهما هما ( أمشي إليك ، وبيني وبينك ) وقد أداهما السنباطي بصوته ...

وتغنى الموسيقار بالكثير من الالحان بنفسه ومن تلك الاعمال اله الكون سامحنى – اشواق – القدس حبيبة السماء – اين حبى – على عودى – ربى سبحانك وغيرهم

وتغنى ابنه احمد السنباطى الكثير من الحان والده الموسيقار الكبير

وقد تأثر رياض السنباطي في بداية تلحينه للقصيدة بالمدرسة التقليدية، كما تأثر بأسلوب زكريا أحمد. وأخذ رياض عن عبد الوهاب الطريقة الحديثة التي ادخلها على المقدمة الموسيقية، حيث استبدل بالمقدمة القصيرة أخرى طويلة. كما كان من أوائل الموسيقيين الذين ادخلوا آلة العود مع الاوركسترا.

ويري المؤرخون الموسيقيون أن ملامح التلحين لدى رياض السنباطي قبل عام 1948 اعتمدت على الإيقاعات العربية الوقورة، والبحور الشعرية التقليدية الفسيحة، والكلمة الفصحى التي تقتضي في الإجمال لحنا مركزا، والسكك المقامة الراسخة البعيدة عن المغامرة.
لكن كثيرا من ألحان السنباطي قبل 1948 كانت تنم منها أعراض التأثر المباشر الصريح، بمن عملوا معه من عباقرة اللحن، فانصرف إلى أسلوبه الخاص يعلي صرحه لبنة لبنة، حتى اختلط الأسلوب الكلثومي في الغناء بالأسلوب السنباطي في التلحين.

وعلاقة رياض السنباطي بالفن لم تنحصر في الموسيقى والتلحين فقط، فقد قدم في عام 1952 فيلما للسينما ( حبيب قلبى ) وشاركته بطولته الفنانة هدي سلطان وكان من إخراج المخرج حلمي رفلة. وعلى الرغم من نجاح الفيلم إلا أن رياض السنباطي الذي قدم فيه مجموعة من الاغنيات التي لاقت الاستحسان لدى الجمهور، لم يفكر في تكرار التجربة. من دون إفصاح عن الأسباب إلا انه قال : «لم أجد نفسي في التمثيل فاللحن هو عالمي».

وقد شغل الموسيقار العديد من المناصب ومنها:
عضوا لنقابة المهن الموسيقية - عضوا في جمعية المؤلفين بفرنسا, عضوا للجنة الموسيقي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب و عضوا لجمعية المؤلفين والملحنين .

وحصل ونال عدد من الأوسمه:
وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964 - وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات - جائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس عام 1964 - جائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977 - جائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى - الدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى - جائزة اليونسكو العالمية وكان الوحيد عن العالم العربي ومن بين خمسة علماء موسيقيين من العالم نالوا هذه الجائزة على فترات متفاوتة.
ورحل الموسيقار الكبير رياض السنباطي عن عالمنا فى 9 من سبتمبر 1981