المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفن المرسكاوي


abuaseem
20/05/2007, 17h29
غناء المرسكاوي .. من العبودية إلى كرنفالات البوسعدية


بحث مقتضب في تطور فن الغناء الحضري الحديث في مدينة بنغازي


سكب سال دمع الميامي ..

ارتبطت ليبيا "السوداء" منذ أقدم العصور بثلاثة معابر برية، تمتد من الساحل الليبي إلى أعماق أفريقيا، حيث ساهمت في تدوين التاريخ الليبي ورسم الهوية الثقافية وتأطير الصورالعرقية للشعب الليبي، وطلت الخصائص الدينية والمذهبية والسياسية للشعب الليبي بألوانها البهيجة. حتى وإن أنكر بعض الغلاة العشائريون والعنصريون هذه الأصول وهذه الزيجات الحضارية والمؤثرات الإفريقية، إلا أنها شغلت عبر التاريخ ومازالت تشغل حيزا مرئيا يمتد بين حدود الطيف الليبي الاجتماعي والجيني. هذه المعابر التاريخية هي الطرق البرية التي ربطت ليبيا عبر التاريخ بعمقها الجغرافي الجنوبي ولحمتها بأفريقيا، لأنها كانت ذلك الموصل الحضاري الذي اخترق مستحيل الصحراء الليبية الكبرى إلى السودان الغربي وحوض النيجر والتشاد جنوبا ليقيم الصلة الإنسانية بين القاطنين في المناطق الواقعة على الساحل الشمالي لأفريقيا والقاطنين بالعمق الأفريقي الغني بالموارد الطبيعية والثقافة الأفريقية الثرية والأديان والأعراق الأفريقية التي تمتد جذورها إلى فجر التاريخ الإنساني نفسه.


شكل الليبيون القدامى جزأ لابأس به من هذا الحيز الجغرافي الواسع، حيث اختلط ليبيو الساحل الجنوبي للبحر الابيض المتوسط بكافة اعراق السودان الغربي الافريقي مبكرا، ونتج عن هذا الاختلاط حضارة الجرمنت الليبية العريقة التي امتدت من ورفله شرقا حتي غدامس غربا ومن مزده شمالا حتي مرزق جنوبا وحضت مدينة جرمه القديمة بموقع العاصمة لهذه الدولة. هذه الطرق امتدت وتشعبت بين مصراته (سيفاله) و طرابلس (أويات) و بنغازي (يوسبيريديس) لتمر عبر الواحات الليبية في زله وسوكنه وودان وهون وغدامس وسبها ومنها الي مرزق جنوبا باتجاه حوض النيجر والسودان الغربي أو الى الكفرة ومنها الي واداي.

فن الغناء المرسكاوي او "المرزقاوي" الذي اشتهرت به بنغازي، ولد من العلاقة الطبيعية بين العبودية، والطرق الثلاث التي ربطت المدن الساحلية الليبية بحوض النيجر ووداي والتشاد، والنظرة الاجتماعية المتدنية للافريقي الاسود، والموروث الغنائي الشعبي في المدن الليبية. فالموروث الثقافي الافريقي من فنون وغناء وصلوات وتمائم وسحر وشعوذة وقصص وخرافات، تزاوج عبر القرون مع الموروث الشعبي الليبي من رقص وشعر حضري وغناء، لكنه لم يكن الا زواج استعلائي أطرافه غير متكافئة، الا ان الثقافة الافريقية كانت اقدم واسبق من الثقافات الامازيغو-عربية واكثر التصاقا بالطبيعة والارض لانها جاءت من رحم ثقافة زراعية مستقرة، وبذلك كان تأثيرها كبيرا وبينا على الثقافات الشمال-افريقية، اما الجانب الاخر فهو ان الديانات الطبيعية الافريقية كانت بدائية وبسيطة، فهي اسهل علي ادراك وفهم البدوي من الديانات الفينيقية والاسرائيلية البالغة التجريد، هنا كان نصيب الثقافات الافريقية التأثير الكامل علي ثقافتي التنقل والبداوة الليبيتان.

هنا يأتي عامل مهم اخر الا وهو مدينة بنغازي. هذه المدينة الكوزموبوليتية التي حضنت الجميع اكثر من غيرها من المدن الليبية، فهي التي استقبلت من طردتهم القبيلة، ومن ارادوا الفكاك من قيود العشيرة، والهاربين من شروط الولاء الصارم للطرق الدينية، وكل من اثر البقاء والاستقرار في المجتمع الحضري، بدلا عن التنقل والترحال، والمهاجرين الحرفيين من مصراته وطرابلس والخمس. تحت سقائف بيوت هذه المدينة ايضا عاشت الاقليات اليهودية الحرفية والاقليات الصناعية والتجارية من اليونانيين والمالطيين والايطاليين والاتراك والكرغلية والسلاف، وهي المدينة الاولى التي مسحت دموع العبيد الافارقة، واعتقتهم من عبوديتهم، واطلقت العنان لابداعاتهم وبشاشتهم وانسانيتهم وحناجرهم التي شرخها الكحول الرديء واهلكها التبغ الرخيص، وشبقهم الذي اثارته عيون السماح وابتسامات الجميلات البنغازيات. بنغازي هي الواقع الليبي المتحررمن القيود المذهبية والعرقية والقبلية. وسط هذا المناخ، حصل ذلك التلاقح الثقافي بين فنون الحضر وفنون السود والموروث الغنائي الطرابلسي والافصاح الشعري البدوي، وولد في بنغازي نمط متطور من الغناء هو المرسكاوي، بفجاجته، وحشرجة حناجر مغنيه ومغنياته، وأساه، ولوعته، وجماله النغمي، واشعاره الغير مهذبة وطقوسه البنغازية المتحررة.

ملاحظة مهمة وجب ذكرها الان، وهي ان الانماط الغنائية البدوية حول بنغازي لها صفة محلية ترتبط بالفنون المحلية للقبائل الليبية والعشائر التي تحيط بهذه المدينة ولا تـُعرف خارج ليبيا. فالبرغم من ان الاشكال والانماط الغنائية البدوية والعناصر المكونة لخصوصية النمط البدوي قد تميزت بميزات جمالية خاصة تتمسك بها على صعيد الاداء في المجرودة والعلم، الا ان هذه الانماط فقيرة في محتواها اللحني اذا قورنت بغنى الموروث اللحني المتواجد في مصراته وطرابلس، اذ ان ابرز السلالم النغمية للانماط البدوية لا تكاد تتجاوز مقامين من مقامات الموسيقى العربية السائدة، هما مقامى الرست والبيات، وبهذا فان النمط الغنائي البدوي لم يضيف الكثير الى انغام وانماط المرسكاوي السائدة في بنغازي، لكن الثروة النغمية في طرابلس وسبها هي التي قدمت للمرسكاوي انغامه الشجية.

ان استخدام اصطلاح المرسكاوي في بنغازي والمناطق الحضرية في الشرق الليبي لا يقتصر فقط على مفاهيم الدرجة الموسيقية والسلم الموسيقي والسلم النغمي بخصائصه المعزوفة بل يمتد ليشمل واقع موسيقي من طراز مختلف غير معروف في ارجاء ليبيا، ويمثل الفن الخاص بالشفافية الموسيقية الحضرية لمدينة بنغازي، وقد برز وازدهر بصورة ملموسة بعد ان امتزج في بوثقته الفن الافريقي والايقاعات الليبية القديمة والشعر البدوي. وقد تميز المرسكاوي بعنصرين غير عضويين يدخلان في تركيبته اولهما ما يشبه الموال المصري او العراقي في المقدمة مصحوبا بموسيقى الديوان – الديوان هو السلم الذي يبنى عليه المتن الاساسي - وفيه يتم التهيئة للمغني للدخول في الاغنية، وثانيهما ما يطلق عليه شعبيا "التبرويلة" وهي حركة سريعة عند نهاية الاغنية تكون في الديوان الاصلي لللاغنية وكلماتها او في ديوان مغاير، لكن لها ايقاع رقصي يوصل الي التسليم النهائي للاغنية.

بقى ان نقول بأن المرسكاوي هو ارتجال كامل يعتمد على السماع بالدرجة الاولي – غير مدون في تابلوهات موسيقية - وليس من الضروري ان تصاحب المرسكاوي الات موسيقية، لكنه كغيره من الانماط الحضرية الليبية، كالمألوف في طرابلس ودرنه، يشكل وحدة مترابطة من عدة مقومات هي (1) النغم، مثل البيات، الرست، الصبا، الحجاز، السيكاه، والعجم والنهاوند وغيرها من المقامات العربية، (2) الشعرالشعبي باوزانه وعروضه الشعبية المتنوعة، (3) الايقاع الذي يمثل مقومة اساسية للمرسكاوي والذي للاسف لم يتطور ليصل الي تعقيد الايقاع المصمودي مثلا، و(4) طريقة الاداء المبدع للمطربين الشعبيين مثل السيد علي ويكة، والسيدة الفونشه، والسيد حميدة درنه والاستاذ عبد الجليل.

م. سالم محمد من موقع جيل

abuaseem
27/06/2008, 22h21
الدكتور عبدالله السباعي يتحدث عن:
1. نشاءت فن المرسكاوي او المرزقاوي
2. محاولة تطوير عن المرسكاوي