المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فــن " الإرتـــجال "


Sami Dorbez
14/05/2007, 20h58
الارتجال الموسيقي


الارتجال الموسيقي musical improvisation هو إِنجاز عفوي مباشر لفكرة موسيقية من غير تصميم أو تدوين موسيقي سابقين. ويؤديه المغني غناءً والموسيقي في أثناء العزف على آلته الموسيقية.


وقد اعتمدت الموسيقى العربية منذ القديم على الارتجال في الأداء، إِذ إِن الارتجال، عموماً، هو من أصول الموسيقى الشعبية. وكان أكثر المغنين العرب يرتجلون الشعر مع لحنه في أثناء الغناء. وبقيت هذه الظاهرة واضحة في كثير من أنواع الغناء الشعبي، ويكون الارتجال فيه إِما كلاماً أو لحناً أو كليهما معاً. ولعل ترتيل القرآن الكريم والأذان ما هما إلا نوع من الارتجال النغمي، وهما أقرب إلى الإلقاء الملحون غير المدوّن بعلامات موسيقية محددة وإِنما مرسوم بمقام موسيقي معين.

وما الزجل الشعبي إلا حوار شعري مرتجل باللهجة العامية المحلية. ويقول ابن خلدون في مقدمته: ولما شاع فن التوشيح في الأندلس وأخذ به الناس لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعراباً، واستحدثوا فناً سمّوه «الزجل».

وقد شهر الزجل في سورية ولبنان، وهو فن يقوم به فريقان من الشعراء الزجّالين يتبارون فيما بينهم فيرتجلون أشطراً شعرية ذات أوزان بسيطة وألحان قصيرة سهلة ورتيبة ترافقها إيقاعات موسيقية معينة حرة بأدوات القرع كالدفوف أو الدرابكات ويرأس كل فريق زجّال ماهر.

وفي بعض أقسام «الدّوْر» المعروف في الأغنية العربية نوع من أنواع الزجل، وكذلك فإن الجزء الأول من «القدّ الحلبي» فيه نوع من الارتجال. وقد شهر الزجالون في غناء «المونولوغ» monologue وهو نوع من الغناء الوجداني والعاطفي والانتقادي والسياسي أحياناً ويؤديه زجال واحد ارتجالاً أو بعد إعداد. ومن أشهر زجّالي المونولوغ الحديث: سلامة الأغواني من سورية، وعمر الزعنّي من لبنان، ومحمود شكوكو من مصر، وفي المغرب العربي، يطلق على الزجل كلمة «الملحون» ويقصد به اللحن في الكلام وليس في الموسيقى، وكان يسمى من قبل «القريحة» (الكَريحة) وكان يختلف عن الموشح في البداية، بعدم التزام ناظميه قواعد الإعراب. والملحون (المغربي) يختلف قليلاً عن الزجل (المشرقي) فهو أكثر غناءً وتطريباً.


ويعتقد أن الشاعر الأندلسي ابن قزمان (المتوفى عام 1160م) هو مَنْ أحدث الملحون بدافع فطري للغناء والطرب على الطريقة الشعبية، وقد شهر بأنه «إِمام الزجالين». وشهر أيضاً أبو الحسن الشِشتري الأندلسي (المتوفى في مصر عام 1266م) والذي أقام في المغرب، وشاعت أزجاله وقصائده الدينية فيه، ومنها إحدى مقطوعاته التي ما تزال تردد في الأذكار الصوفية المغربية في مدح الله وهي «ألِفٌ قبل لامين، وهاءٌ قرة العين». وكان الششتري من أشهر المرتجلين في الغناء.


وفي الحقيقة، فإن جميع المغنين الجادين يجيدون الارتجال في الغناء، ومنهم مطربو وموسيقيو المغرب العربي مثل الشيخ أحمد الوافي (http://www.sama3y.net/forum/showthread.php?t=18728) التونسي وكان يأخذ بعض الموشحات أو الأزجال المعروفة (الملقبة بالبطايحية) نسبة الى ايقاع البطايحي (http://www.sama3y.net/forum/showthread.php?t=17475) فيرتجل عليها لحناً جديداً لم يُسمع من قبل.

وهناك نوع آخر من الارتجال الغنائي العربي وهو «المواليا» أو «الموّال»، وهو عبارة عن أشطر أربعة، في الأصل، من شعر خفيف تنظم على بحر البسيط غالباً، ويكون لحنها مرتجلاً مع التقيد بالمقامات الموسيقية من دون الإيقاع. وكان أول ظهور هذا النوع من الغناء في بغداد أيام العباسيين، ويعزو البعض ظهوره إلى أقدم من ذلك. ويقال إِن أول من أنشده جارية جعفر البرمكي التي ندبته بالمواليا، ومن ثم انتقل هذا الغناء إلى سائر الجزيرة العربية ومصر والمغرب العربي.

ومن أشهر أنواع المواليا: «الموال المصري» الذي ينظم باللهجة المصرية وهو مؤلف من خمسة أشطر وعُرف بالأعرج ومنه المواويل الخضر والمواويل الحمر وجميعها شائع في مصر، والموال «البغدادي» أو «الزهيري» وهو شائع في الخليج العربي وفي بلاد الشام، ويقابله «النعماني» أو «البلدي» في مصر، وهو يتألف من سبعة أشطر تنظم بالفصحى وبالجناس في القافية وذلك في الأشطر الثلاثة الأولى منه. والموّال في الموسيقى المغربية الأندلسية فإنه ينشد في شطرين أو ثلاثة أو أربعة أشطر في الشعر الفصيح، ويغنيه المنشد منفرداً على طبع (مقام) «النوبة» وعلى لحن موسيقي حر غير مقيد بالإيقاع.


أما المواويل العامية فلا تتقيد بعدد الأشطر. وقد أدى الموال السوري دوراً مهماً في تطوير الغناء السوري. ويعد إيليا بيضا من لبنان، وصالح عبد الحي ومحمد عبد المطلب من مصر من أوائل المغنين الذين برزوا في هذا النوع من الغناء.


والغناء بكلمة «ياليل» هو من فنون الغناء العربي المرتجل أيضاً، وقد شهر في جميع أنحاء الوطن العربي. وهو نداء الليل بألحان شجية من خلال المقامات الموسيقية يؤديها المطرب بأساليب مختلفة إِبرازاً لمقدرته الفنية. ويؤدي هذا الغناء موزوناً أحياناً في إيقاعات موسيقية مختلفة. وقد تُستهل بعض أنواع الأغاني بغناء ياليل، أو بالتقاسيم، وذلك توكيداً للمقام الموسيقي الذي ترتكز عليه الأغنية وهو ما يسمى، في لغة الموسيقيين، بـ «السلْطنة».

وأما «التقاسيم» فهي كالغناء بـ «ياليل» قالباً إلا أنها تؤدى عزفاً على إحدى الآلات الموسيقية، العربية ـ خاصة ـ، بأسلوب حر لتدل على مهارة العازف في الأداء وحذقه بعلم المقامات الموسيقية العربية. كما يشهر أيضاً ضابط الإيقاع، في الفرقة الموسيقية، بالارتجال في كثير من الأحيان.

كانت الموسيقى في العهود القديمة مرتجلة في غالب الأحيان، وكان الشعراء الجوّالون troubadours الأوربيون، في العصر الوسيط (من القرن الحادي عشر حتى نهاية القرن الثالث عشر)، يجوبون البلاد غناءً وعزفاً على آلاتهم الموسيقية ارتجالاً. وقد حوفظ على حالة الارتجال أيضاً في الموسيقى الكنسية حقبة طويلة وأصبحت تقليداً مميزاً لها.
وكان كبار الموسيقيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر يرتجلون ألحانهم الموسيقية عزفاً على الأرغن أو الكلافسان Clavecinوكان "باخ " مرتجلاً بارعاً خصب الخيال، كما كان " شوبان " في القرن التاسع عشر، من المبدعين في الارتجال على آلة البيانو. وما المصطلح الموسيقي الفرنسي «أمبرومبتو» (المرتجل) impromptu سوى قطعة موسيقية مدوّنة كتبها مؤلفها بعد الارتجال بخياله الموسيقي المبدع. ومن أمثلة هذا النوع من المؤلفات «المرتجلات الأربع» لشوبان.

وهناك نوع آخر من الارتجال في الموسيقى الأجنبية (العالمية) يسمى «كادانْس» (أي قفْلة) cadence، وهي مقطع موسيقي تتضمنه إِحدى حركات «الحوارية» (كونشرتو) concerto أو أغنية في الأوبرا أو غيرهما، ويرتجله العازف أو المغني المنفرد solist ليبرز مهارته في الأداء. وهذا شبيه إلى حد ما بالتقاسيم في الموسيقى العربية. وكان المغنون البارعون قد استخدموا «الكادانس» في القرن الثامن عشر، ثم بدأ المؤلفون الموسيقيون، منذ عهد موتسارت Mozart، يحدّدون كتابته عزفاً أو غناءً للمؤدين المنفردين ليكون مقطعاً منسجماً مع سير مجموعة الألحان في القطعة الموسيقية الواحدة.

وقد انبعثت ظاهرة الارتجال من جديد، عزفاً على الآلات الموسيقية الحديثة، في القرن العشرين في موسيقى الجاز والروك rock .



من مراجعي الخاصة:


- يوسف عيد، رحلة الطرب في أقطار العرب (دار الفكر اللبناني، بيروت 1993).

- Larousse de la musique (Librairie Larousse, Paris 1982).

- أحمد الوافي -بقلم صالح المهدي..

- الموسيقى العربية -د.صالح المهدي

أبو سالم
08/07/2007, 09h09
شكرا لك يا أخ درباز على إسهامك في التعريف بهذا النوع من المهارات الفنية والتي شكلت ولا تزال أساس التّأليف الموسيقي الغنائي أو الآلي،
إذ لا تكاد تخلو ثقافة موسيقية من هذا النوع من الممارسة: فالموسيقى الأوروبية ذاتها كانت تعتمد بدورها على هذا النوع من الإبداع الحر والفوري، إلا أن تطوير التدوين الموسيقي، وشدة الإعتماد على النص الكتابي، والحرص على التقيد بتفاصيله أضعف هذه المهارات لدى موسيقييهم بمرور الزمن.

ونتيجة لذلك تخلى موسيقيي الفن الكلاسيكي الأوروبي خاصة خلال القرن العشرين عن الإبداع الفوري للنوع الذي أشرت إليه بمصطلح "كادنس" Cadence وصار هذا الأخير يُدوّن بعد أن كان المؤدي هو المكلف بإرتجاله.
ولهذا يمكنك اليوم الحصول على عدة نسخ لمدونات لهذا النوع من الكادنس مع ملاحظة إختلاف نصوصها من بين أعمال مؤلفي العصر الكلاسيكي مثل كنشرتوهات موزارت Concertos de Mozart والتي قام بتأليفها وضبتها على المدونة عدد من العازفين أو المؤلفين الموسيقيين لاحقا مع الإحتفاظ بطابعها الإيقاعي الحر،
وترك مزيد من الحرية في التصرف بهذا الإيقاع للمؤدي لتأخد طابع الإرتجال، بالرغم من التقيد الحرفي بالنص المكتوب فيما يتعلق بالجانب النغمي.

غير أن ما يمكن ملاحظته في إسهامك هذا يا أخ درباز هو أنك أغفلت مصطلح الإستخبار الخاص بالموسيقى التونسية التقليدية والذي يقابل التقسيم في موسيقى المشرق العربي بالرغم من إدراج مداخلتك هذه في القسم المخصص للدراسات والبحوث في الموسيقى التونسية خاصة وأن هذا المصطلح أخذ يضعف تداوله في الممارسة العملية بالبلاد التونسية ذاتها نظرا لهيمنة الفن الغنائي للمشرق العربي، مما يتطلب مزيدا من الحرص على التعريف بخصوصيات الإستخبار التونسي، ونرجو أن يكون إسهامك التالي في هذا الخصوص.
وإذا إحتجت إلى بعض المصادر فيمكنك الإستفادة من بعض الرسائل الجامعية والتي تتوفر نسخ منها في مكتبات المعاهد العليا للموسيقى بالبلاد التونسية، مع ألف تحية وسلام.

Sami Dorbez
08/07/2007, 11h16
يا أخي سالم مرحبا بك في منتداك سماعي وارجو ان تفيدنا بهذه الرسائل الجامعية لاننا فتحنا قسم خاص بها مع مراعاة حقوق كاتبها.......شكرا

أبو سالم
08/07/2007, 20h42
ملاحظة للتصحيح فقط يا أخ درباز فإن كنيتي التي إخترتها هي "أبو سالم" وليست سالم إذ أن سالم هو أحد أبنائي. ثم أنني لا أستطيع مع الأسف نشر الرسائل والبحوث نيابة عن أصحابها، ولكنني أشرت عليك بإمكانية الإطلاع عليها بما أنك تونسي وأبواب مكتبات المعاهد العليا مفتوحة لجميع القراء والباحثين وليست حكرا على طلبتها. وإقتراحي موجه إليك بالتالي لتفيد إخوتنا من بقية الدول العربية لإطلاعهم على فن الإستخبار بإعتباره إرتجالا يعتمد على الطبوع التونسية، ويحمل بالتالي أسلوب وخاصيات الموسيقى التونسية المتميزة عن غيرها من أساليب الأداء الموسيقي العربي. وسيكون هذا الإسهام منك إن قبلتهُ بالتالي تتمة لبحثك حول موضوع الإرتجال الذي أثرته سابقا. مع كامل التحية والإحترام