المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نجاح سلام


سماعي
21/03/2006, 12h52
نجاح سلام

-من مواليد 1931
- مطربة مولودة في بيروت، تلقت علومها هناك وحصلت على شهادة الثقافة.
- تجيد الفرنسية والإنجليزية، أبوها هو محيي الدين سلام مدير الإذاعة اللبنانية سابقا، غنت في سوريا ولبنان قبل أن تأتي إلى مصر، تزوجت من المطرب محمد سلمان أنجبت منه أربع بنات.
من أعمالها: - 1952 على كيفك، ابن ذوات - 1953 الدنيا لما تضحك - 1954 دستة مناديل - 1955 السعد وعد - 1957 الكمساريات الفاتنات - 1962 مرحبا أيها الحب (لبنان) - 1963 سر الهاربة

اغاني نجاح سلام
هنــــــــــاااااا (http://www.sama3y.net/forum/showthread.php?t=3846)

http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=221073&stc=1&d=1280189640 (http://www.sama3y.net/forum/showpost.php?p=36645&postcount=26)

منذر عبود
05/10/2009, 09h12
المستقبل - حاورتها: سحر طه
نجاح سلام فنانة ارتبط اسمها بالغناء الرشيق والطرب المحبب، نشأت في كنف والدها محيي الدين سلام الموسيقي الأكاديمي الذي أطلق فنانين من خلال عمله الدؤوب والطويل في الإذاعة في لبنان، وتخرّجت على يديه أسماء لمعت. نجاح سلام اسم مرادف لخفة الظل أيضاً والوجه البشوش، والعطاء الكبير.
مسيرتها الفنية بدأت في الأربعينات من القرن الماضي، حفلت بأعمال لا تزال تتردد على ألسنة الناس والأجيال التالية من الفنانين والفنانات. صوتها لا يشبه صوتاً آخر، بمعنى أنك حين تسمعها تعرف منذ الوهلة الأولى أنها هي، إذ رسمت لها بصمة واضحة في الأغنية العربية، وشخصية مستقلة. لم تقلد فنانة، ولم تتأثر سوى بالفن الأصيل والجملة التطريبية الشرقية. والحديث عنها قد يغفل الكثير من الحقائق، وأهمها أن نجاح سلام تتمتع بذاكرة تحسدها عليها إبنة العشرين، إذ تتمكن من سرد ذكريات عاشتها قبل بلوغها الثلاث سنوات أو أقل، وهذه ليست سوى واحدة من صفاتها.
"المستقبل" لا تحاور السيدة سلام بقدر ما تحاول الاستماع إلى ذكريات في سنوات مضت. وسماع بعض آرائها في فن وفناني هذه الأيام. (هنا الحلقة الأولى)
***
نعود إلى الطفولة والتربية وأثر الوالد؟
ـ أنا أكبر أخوتي. لي خمسة أشقّاء، ثم جاءت أختي التي تصغرني بعشرين سنة. ولدتُ في بيت "النحاس" في الطريق الجديدة، في بيروت ثم انتقلنا إلى بيت الدنا. بعدها بنى جدي بيتاً في منطقة الملعب البلدي، وسُمي الحيّ بحي الشيخ عبد الرحمن لأنه لم يكن فيه سوى بيت "الداعوق" وبيت جدي، وبيتين آخرين صغيرين. وآنذاك حين يقولون الملعب البلدي، وكأنه سفر إلى منطقة أخرى. أما منطقة "شوران" التي أسكن فيها حالياً فكانت لا تزال منطقة "شط البحر"، والمزرعة آنذاك كلها رمولاً ومليئة بأشجار الصبّار.
تتحدث السيدة سلام بكثير من الحنين حول تلك المرحلة التي كانت تجمع العائلات كلها في بيت واحد. "... حين تكبر العائلة ويتزوج الأبناء ويولد الأحفاد لا يخرج هؤلاء من كنف كبير العائلة بل يتم بناء بيت أو بيوت ملحقة بالبيت الأساسي فتبقى العائلة مجتمعة، متكاتفة.
والدي محيي الدين سلام رحمه الله وحيد أهله، لذلك حين ولدتُ وكنت البكر، كان الأمر محزناً للعائلة. أخبروني أن جدي ذلك العالم المتبصّر، الأديب والشاعر، وعازف العود من الطراز الأول، أي "عالم دين ودنيا" كانت له ما يشبه الرؤيا، حين دخل ووجدهم كأن "على رؤوسهم الطير"، نظر إليّ وقال لهم: "... زعلانين؟ هذه نجاح بدكم تشوفوا يا بابا على وجهها الخير". سمّاني نجاح ودلّلني، وجرّ الأمر العائلة التي دللتني هي الأخرى، ومن كثرة الدلال مرضت، فحين آن فطامي، أرسلتني والدتي إلى عمتي في تركيا حيث كانت تسكن وزوجها السوري، وهناك بدأت تطعمني أنواع اللحوم والمأكولات، ولما أتجاوز السنة.
تقول سلام: الشيء الغريب والذي أحمد الله عليه أنه أنعم علي بذاكرة نادرة، ففي تلك الأيام في تركيا، وعلى الرغم من أن عمري لم يكن يتجاوز السنة، فما زلت أذكر تماماً شكل البيت الذي أقمت فيه، وحين وصفت البيت والحي والشارع لوالدي، استغرب وقال: كان عمرك سنة، أرسلناك لكي نفطمك..." لذلك أعتبر هذه المسألة نعمة من الله.
أيضاً أحمد الله أنني نشأت في كنف عائلة فيها الدين والفن في الوقت نفسه، وفي ظل قيم أخلاقية واجتماعية، تعلمت منها التذوق الجيد للأدب والكلمة ولأن البيت استقبل كبار العلماء والأدباء الذين كانوا يقصدون جدي الشيخ عبد الرحمن، وكنت الطفلة المدللة، وكان جدي يستقبل كبار الشخصيات وأنا جالسة في حضنه.
الموهبة
متى اكتشفت العائلة موهبتك؟
ـ منذ ولادتي. قد لا تصدقين، لكن الموهبة تخلق مع الإنسان، ثم تصقل بالعلم. أذكر أن الفنان الراحل عبد الكريم مطر، الذي لقب بأمير البزق، أحضره والدي إلى بيتنا قرابة العام 1936، وكان قصير القامة، احتارت والدتي بمكان نومه فقال لها والدي: ينام في سرير نجاح. وكان سريري صغيراً جداً. وبالفعل نام فيه. وعندما أبكي كانت تطلب منه أن يعزف على البزق لإسكاتي، وبالفعل حين يبدأ بالعزف أسكت ثم أنام، فتقول لوالدي: يا محيي الدين هذه البنت بدّا تطلع فنانة. حين تبكي سمّعها أي موسيقى تسكت.
طبعاً ما من إنسان يصدق أن المعهد يخلق موهبة. كبار الفنانين لم يدخلوا معهداً، السنباطي، عبد الوهاب، زكريا أحمد. المعهد كان الاستماع إلى الفنانين الأكبر والأقدم. نشأتُ في كنف والدي الذي كان فناناً، وأذكر جيداً منذ كنت في الثانية فما فوق، أولئك الفنانين الذين ترددوا على بيتنا.
مثل؟
ـ الكثيرين، على سبيل المثال، للمرة الأولى رأيت في بيتنا، زكريا أحمد، محمد الكحلاوي، محمد فوزي، محمد عبد الوهاب، سعاد محمد، نازك.
قرابة العام 1940، أو 1941، بعد أن انتقلنا إلى منطقة البسطة الفوقا رأيت كل هؤلاء الفنانين. اكتشف والدي جمال صوتي في تلك الفترة المبكرة، حين كنت في مدرسة الحاج سعد الدين الحوري الملاصقة لبيتنا، كنت أقرأ القرآن في طابور الصباح حيث كان الملعب يطل على غرفة نوم والدي، ومنذ ذلك الوقت أدخلني "زهرة الإحسان" وهي مدرسة راهبات داخلية ليقطع الطريق عليّ، كون المدرسة شديدة، فيها قسوة، فكانت مسألة محزنة بالنسبة لي. في اليوم الأول كنت مكتئبة، في اليوم الثاني زال الاكتئاب، إذ سمعت رخامة صوت الراهبة ماري، المسؤولة عن تدريب الكورس في الكنيسة، ففرحت جداً وقلت لها إن صوتي حلو، وأنني راغبة في الاشتراك في الكورس في الكنيسة.
اعترضت الراهبة ماري على أساس أن ديني هو الإسلام، وكنت يومها في التاسعة أو ربما العاشرة، قلت لها عيب: الذي أعرفه أن المطران مبارك كان يزور جدي الشيخ عبد الرحمن وله صور كثيرة تجمعهما.. وهكذا بدأت صباح كل يوم أرتل مع مجموعة الكورس، فوجدت في ذلك متنفّساً لي. بعد ذلك أصبحت أغني في الحفلات المدرسية نهاية كل عام، بحيث صاروا يستدعونني من مدرسة إلى أخرى.
عام 1942، تقريباً، كان أول حفل لي في "جونيور كوليدج"، في الجامعة الأميركية، في قاعة "الوست هول"، حضرها كما أذكر تماماً أنطوان سعادة، صائب سلام. وكان شامل ومرعي، يعرضان مسرحية "خدعوك" وطلبا مني الغناء في وسط العرض، وكنت يومها مازلت في "زهرة الإحسان"، ولم تكن لدي أغنيات خاصة. كنت ألبس جوارب بيضاً، وجديلتين صغيرتين على كتفيّ، وياقة بيضاء.
في تلك الحفلة غنيت "أسقنيها" لأسمهان، "يا أم العباية"، وأذكر أنني لم أصدق حين سمعت التصفيق الكثير، صرت أنظر حولي وورائي وأتساءل بيني وبين نفسي إن كانوا يصفقون لي أم لغيري، على الرغم من أنني كنت واعية تماماً لمعدن صوتي وأذني الموسيقية وأذكر أن أنطون سعادة التفت إلى صائب سلام وقال له: "يا صائب بيك، ما بيكفيكن السياسة، كمان الفن بدكن تاخدوه...".
المشكلة أن والدي غضب جداً حين عرف أنني أُطلب إلى الحفلات المدرسية، وفي هذا الحفل بالذات، لأنه لم يرغب بدخول الفن بهذه الطريقة، بل بالتعلم على الأصول أولاً، لكن ظروفنا العائلية لم تكن تسمح، خاصة أن جدي عالم دين معروف، والعائلة المحافظة انقسمت بسببي إلى قسمين بين مؤيد ورافض، حيث لم تمتهن بنات العائلات في ذلك الزمان الفن، بل كان مهنة اليهود في الغالبية.
بعد انتهاء المدرسة، وفي أوائل الصيف ضقت ذرعاً بالبيت، حيث لا ترتيل ولا غناء، ولا قرآن. والدتي تمتعت بصوت جميل، وكانت عازفة عود من الطراز الأول، وكذلك عماتي، لكن من دون أن يحترفن بالطبع، فقد كان الأمر مستحيلاً، بل لم نكن نتجرأ على العزف والغناء بوجود جدي في البيت.
بدأت في تلك الأيام "أزنّ" في أذن والدتي، وأخبرها برغبتي الملحة في الغناء، لكنها كانت تخاف على الرغم من أنها أخبرتني قصة زواجها من والدي، قالت: "...تزوجت من والدك على الرغم من أنني كنت مخطوبة لرجل آخر، لكنني حين عرفت أن جارنا الذي يعزف على العود يودّ الارتباط بي، فسخت خطبتي من ذلك الرجل وتزوجت من والدك لشدة حبي للفن...".
في إحدى المرات، حين كنت في سن الحادية عشرة، طلبت والدتي من والدي أن يأخذني معه إلى الإذاعة، فقط للتسلية وقضاء بعض الوقت. رفض لأنه خاف أن أسمعه يعزف مثلاً، لكنها أقنعته بأن الطفلة فقط ترغب في إثبات شخصيتها، دعها تتعلم الطباعة مثلاً على الآلة الكاتبة.
كان ذلك قرابة العام 1946، وهكذا بدأت أقصد الإذاعة برفقة والدي كلما سنحت الفرصة.
ألبير أديب كان مديرها العام الأول، ووالدي كان رئيس الدائرة الموسيقية، وبدأت أطبع بعض المناقصات في ثلاث دقائق أو أربع، على الآلة الكاتبة، ثم أقف في الصف الأخير في كورس الإذاعة بعيداً عن مرأى والدي.
مطربو الإذاعة
من تذكرين من المطربين المعروفين في الإذاعة في تلك الأيام؟
ـ كانت نور الهدى، وصباح اللتان ذهبتا إلى مصر من قبل، ووداد، وفؤاد زيدان، وديع الصافي، كانت الإذاعة يومها تحتل السرايا الكبيرة مكان مجلس الوزراء اليوم، وعرفت أن ميزانيتها في الشهر كانت ثلاثمائة ليرة لبنانية.
لقاء الطفلة بعبد الوهاب؟
في العام 1947 عرفت أن عبد الوهاب آت إلى بيروت. لم أنم تلك الليلة. توسلت والدتي الذهاب إلى الإذاعة لرؤية عبد الوهاب فقط. قلت لها: لن أتكلم، سأغني، أعرف أن والدي سينهرني، لكن أعرف أن عبد الوهاب سيقول لي صوتك حلو. المهم أن والدي رفض اصطحابي لرؤية عبد الوهاب، لكن والدتي أقنعته بعد جهد، فهو فنان عظيم وكل الناس تتمنى رؤيته. وبعد جدل طويل أخذني معه ووقفنا في الزحام، وكنت آخر، وأصغر واحدة بين الجماهير. أقف أحياناً على رؤوس أصابعي كي أتمكن من رؤيته، وعبد الوهاب كان لمّاحاً وذكياً سأل والدي: "... البنت الصُّغننة هناك مين دي..." التفت والدي ولم يجد أحداً، سأله: مين؟ قال: هناك بنت ورا. نظر والدي وقال له: بنتي نجاح. سأله: صوتها كويس؟ قال والدي: لا عادي مثل الناس. عندها عرفت بأن الفرصة سنحت، فأزحت الناس من أمامي بسرعة واخترقتهم وصولاً إلى عبد الوهاب، وأنا أتخيل العلقة الساخنة التي تنتظرني في النهاية، لكني أردت الإطمئنان.
سألني: ما اسمك يا شاطرة؟ قلت: إسمي نجاح. "باللهجة المصرية"، إذ كنت أذهب مع عمتي إلى السينما وشاهدت أفلام أم كلثوم مثل "دنانير"، "وداد"، وغيرها. قال: بتحبي تغني؟ قلت: آه. وأنا حافظالك كثير. غنيت له "إيه جرى يا قلبي إيه"، وكنت أنظر إلى والدي فأجده غاضباً، إذ كان لديه عادة، رحمه الله، حين يغضب يعض شفتيه. عبد الوهاب بعد سماعي قال: "إسمع يا محيي الدين، بكرا تجيب نجاح وتطلع على "بالاس هوتيل" في بحمدون، عاوز أسمعها على رواق".
وكان برفقة عبد الوهاب محمد الكحلاوي، والشيخ زكريا أحمد، والأخطل الصغير ومعهم مصباح سلام شقيق صائب سلام، والتفت عبد الوهاب وقال: يا مصباح، بكرا حاعتمد عليك تطلع المزموزيل نجاح لفوق"، قال له: إن شاء الله.
بعد عودتنا إلى البيت كانت معركة حامية الوطيس جعلت والدتي تهرب إلى غرفتها. وبقي الجدال طوال الليل. المشكلة أن والدي كان يعرف صوتي وإمكاناتي لذلك كان يخاف أن يظهر الأمر قبل أن أكمل تعليمي. كان يحاول إقناعي بأن الفنان من دون علم يهان.
في اليوم التالي جاء مصباح سلام وذهبنا على الموعد فوجدنا عند عبد الوهاب طوابير طويلة من الناس. بعد فترة جلسنا معه وسألني: عندك كم سنة؟ قلت: 12 ونصف. لكن والدي أجاب: لا 12 بس. سأل: خلّصتي تعليمك؟ قلت: لا، بعد. قال: تحبي تغني إيه؟ في ذلك الوقت كان يعرض له فيلم "لست ملاكا" فغنيت من أغنياته: "عمري ما حنسى يوم الاتنين". ثم "إنت وعذولي وزماني"، "خايف اقول اللي في قلبي"، "حسدوني وباين في عينيهم"، وكان بين الأغنية والأخرى يصدر حركة معينة من فمه ويقول: الله الله. استغربت وسألته معتقدة أن صوتي لم يعجبه. لكنه قال: ياعبيطه ده لما الواحد ياكل أكلة جميلة يعمل كده ويقول يا سلام. قلت له براحة: طب قول يا سلام، أرعبتني وفكرت إن صوتي مش عاجبك. وسهرنا معاً وفي النهاية قال لوالدي: شوف يا محيي الدين، كل مائة سنة لما يطلع فنان له شخصية بصوته. يعني تفتح الراديو تقول ده عبد الوهاب. أو تقول ده فريد، دي نجاح. إنت بتكون مجرم إذا حجرت على البنت. ثم إن البنت مش متعلمة فنياً، لكنها تغني بالفطرة، لها رأي فيما تقوله، غنت أغنياتي وأضافت من دون أن تعرف ما تفعل، لكن إضافتها جميلة جداً.
لكن والدي رحمه الله قال له بأن الظروف لا تسمح فالوالد شيخ وعالِم معروف. قال: يا سيدي العلماء كثر. لكن الفنانين الصادقين قلة. ثم قام مصباح سلام وقال: خلاص الآن نسمع شوية عود من الأستاذ محيي الدين. لم يكن عبد الوهاب يعرف بأن والدي يعزف على العود، وبعد أن استمع، سلطن رحمه الله وقال: الله إيه ده يا محيي الدين، إنت جنّ. عشان كدة نجاح فنانة. وكان والدي معروفاً في ذلك الوقت بأنه عازف مبدع على العود.
المهم أنني في تلك السهرة، كنت أرجو عبد الوهاب مرات ومرات إقناع والدي بأن أغني، ونزلنا تلك الليلة من عنده وكان الاتفاق: إن شاء الله.
كان والدي يقول: إن شاء الله عندما تكمل تعليمها. حين أسمع هذه الجملة يخيل إليّ بأن ذلك يعني بعد أن أنهي الثانوية والجامعة، يعني بعد أن أبلغ الثلاثين، فيجن جنوني وأقول: لكني أعرف القراءة والكتابة ألا يكفي؟ قال: لازم تاخذي الشهادة، أولاً عندما تكون لغتك العربية الفصحى سليمة، ومخارج الألفاظ لديك صحيحة، تستطيعين الوقوف بين الكبار، وتغنين القصائد والأغاني الصعبة. قال: هل تذهبين إلى مصر جاهلة؟ بلد أم كلثوم وعبد الوهاب والعمالقة؟ إذا كنت أنت تقبلين فأنا لا أقبل أن تمري مرور الكرام. وبالفعل أتى لي بأستاذ علّمني القواعد وأصول اللفظ وغيرها.
إلى مصر
عام 1948 قرر والدي اصطحابي معه إلى مصر. قبل قراره كنت راسبة دائمة في المدرسة، وعندما عرفت بأنني ذاهبة إلى مصر، صرت من الأوائل. الجميع استغرب الأمر حتى مديرة المدرسة. لا أحد توقع أن أكون من الأوائل بعد السقوط، لكني بصراحة كنت أسرح دائماً خارج الصف، خاصة أنني على الشباك، لا أسمع ما تقوله المعلمة، بل ما يقوله عبد الوهاب من راديو الجيران.
في إحدى المرات طلبت منا المعلمة موضوع إنشاء، كتبت أغنية يا جارة الوادي، قالت لي اكتبي شيء من عندك وليس أغنية لعبد الوهاب.
كان هناك تبادل ثقافي وفني بين إذاعتي مصر ولبنان ومن حسن حظي أن والدي سيذهب إلى مصر فرافقته في رحلته، ولم أنم تلك الليلة. كنت أفكر بأنني سأرى في الشارع أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان، كل العمالقة سألتقيهم وأتحدث معهم، فمصر حلم يراود كل فنان.
سبق لوالدي أن التقى أم كلثوم في لبنان قرابة عام 1930 أو ربما 1931 حين أحيت حفلاً كبيراً وقدمها بقصيدة جميلة، وحين ذهبت إلى مصر توسلت إليه أن يعرفني إلى أم كلثوم. كان عبده صالح عازف القانون، صديقاً حميماً للوالد، حدّد لنا موعداً وذهبنا. بعد أن استقبلتنا، قالت لوالدي أنا أتذكرك يا أستاذ، أنت الذي ألقيت قصيدة قدمتني بها في الحفل في لبنان. ثم قدمني إليها وقال إنها معجبة بكِ جداً، سألت: صوتها كويس، قال: يعني. قلت بسرعة: والله صوتي حلو بس هو مش عاوز يقول.
بالطبع يومها لم أصدق جلوسي أمام أم كلثوم. وبعد أن نلت شهادة عبد الوهاب، فأنا متشوقة اليوم إلى رأي أم كلثوم. قالت: إيه الأغاني اللي تحبي تغنيها؟ قلت: أحب غناء كل الأغاني بتاعتِك. فغنيت "أهل الهوى ياليل فاتوا مضاجعهم" من ألحان زكريا أحمد، و"أراك عصي الدمع" وفي كل مرة تردد: الله الله ياسيدي، الله الله قولي. ثم التفتَت إلى والدي وقالت له عبارة لا أنساها: "تعرف يا سي محيي، نجاح لها رأي الغُنا. هي تغني أغنياتي لكنها ما بتقلدنيش، بتغني بطريقتها، وده شيء جيد في الفنان".
أسمع كثيرين يقولون عنها رحمها الله إنها تغار أو لا تشجع المطربات. وأنا لا أصدق هذا الكلام بسبب تجربتي معها. أم كثلوم تغار من الفنان السيّئ الناجح. لكنها تعترف بالجيد.
بدليل أننا عشنا عصر الكبار أمثالها. كلنا: أنا، وديع الصافي، صباح، فايزة أحمد، وردة، نور الهدى وغيرنا. وحين ذهبنا إلى مصر احتضننا أهلها، وفتحوا أياديهم لنا واشتهرنا من مصر وليس من لبنان.
المهم في الأمر إنني حصلت على الشهادة الثانية الأهم في حياتي عبد الوهاب وأم كلثوم.
وبقي فريد الأطرش!!
محمد سلمان
عدنا إلى الفندق بعد رؤية أم كلثوم، فالتقينا هناك محمد سلمان رحمه الله. وكانت قصة قبل الزواج.
عام 1941 أو 1942 كان محمد سلمان يعلمني اللغة الفرنسية. ذلك أنني تأسست في المعارف ولم أدرس الفرنسية، وعندما حان الوقت لدخولي الراهبات كان لا بد من تعلم اللغة الأساسية فيها. والدي كان على معرفة وصداقة مع محمد سلمان إذ عرف موهبته وسمع صوته في ذلك الوقت وساعده على دخول الإذاعة فطلب منه تعليمي الفرنسية في البيت.
طوال حياتي أكره اللغات عدا العربية، التي أفضلها على غيرها. وفي كل مرة يأتي سلمان ليعلمني أضع له الدبابيس على الكراسي وأتحجج كي لا أدرس. وكنت أتوسل والدي أن يعفيني من تعلم الفرنسية لأني لا أحبها قائلة له إنني حين أكبر سوف أتعلمها، وبالفعل هذا ما حدث إذ تعلمتها حين كبرت بالممارسة.
سافر سلمان عام 1943 تقريباً إلى مصر وبدأ اسمه يشتهر ويعرف من خلال الأفلام التي أخرجها أو شارك فيها. وكان المعجبون والمعجبات يحومون حوله. التقيناه عام 1948 في القاهرة في فندق "غراند أوتيل" حيث المطعم اللبناني الذي يرتاده الفنانون وبالصدفة شاهد والدي وأخذه بالأحضان وحين رآني حملني وهو يقول تلميذتي يا حبيبتي، وكان عمري في ذلك الوقت قرابة 14 عاماً وأضع المنديل على رأسي، لكنه لم ينتبه إلى تلميذته التي كبرت إلا فيما بعد.
وهكذا بدأت أتعرف إلى الكبار وكان الجميع يحب والدي ويحترمه كشخص وفنان، إضافة إلى أنه يكرمهم في لبنان ويستضيفهم في الإذاعة.
رأيت رياض السنباطي، وأنور وجدي كان صديقاً لوالدي منذ أيام المدرسة. يعقوب طاطيوس عازف الكمنجة الشهير. وبدأ الوسط الفني يعرفني ووصل الخبر إلى عبد الوهاب وذهبنا إلى بيته وفرح بقدومي مع والدي وعرض علينا مشروع فيلم عنوانه "العيش والملح".
الفشل الأول
الفيلم سبب لي عقدة من السينما في البداية. والقصة أن شركة "نحاس فيلم" صاحبها غبريال نحاس لبناني، وأنطوان خوري العضو فيها يبحثان عن فتاة تقوم بدور البطولة، فأخبرهم عبد الوهاب عني وتعهد بتلحين أغاني الفيلم. وفي اليوم التالي ذهبنا إلى استديو ناصيبيان، وتمّ عمل الماكياج اللازم للاختبار. وأول مشهد سيصور هو: أنني فتاة بنت بلد أحمل سلة مليئة بالبيض وماشية، فيصدمني سعد عبد الوهاب بدراجته، ومن غضبي عليّ أن "أردح" له بلهجة بنت البلد المصرية، حين يقول لي: لا مؤاخذة يا بيضة. أرد وأقول له: "بيضة لما تنطش في حبابي عنيك. لا قيم ولا سيم ووووو" جملة طويلة عريضة. بعد أن قلتها تعجب المخرج على أساس أنني فتاة صغيرة وآتية من لبنان قبل أيام فقط. ففرح وتأمل خيراً. في اليوم الثاني كان المشهد هو الطامة الكبرى. فالموقف غرامي يتطلب مني أن أقول: "أحبك". وفي كل مرة يقول لي: أحبكِ، أخجل وأعود إلى الوراء. وهكذا لم أستطع تمثيل المشهد.
المخرج حسين فوزي تفهّم المسألة، وعرف أن التربية وجو البيت المحافظ، كانا السبب في خجلي، فنصح والدي أن يعطيني فترة قبل أن أبدأ في السينما، أكتسب خلالها الخبرة في التعاطي مع المسرح والجمهور والمعجبين وغير ذلك ومن ثم تأتي مرحلة التمثيل.
ويومها سألني: كيف رضي والدك أن تمثلي. قلت: رضخ تحت تأثير الضغوط المتعددة مني ومن والدتي والمحيطين به. لكنه كان يعرف حقيقة موهبتي وقدراتي وكان يحثني على التعلم أولاً.
وماذا تعلمت من هذه المرحلة؟
ـ أولاً في تلك الفترة القصيرة رأيت الفنانين الذين كنت أحلم بلقائهم. نجيب الريحاني، يوسف وهبي كان يمثل فيلم "رجل لا ينام"، فريد شوقي وفاتن حمامة وراقية ابراهيم وكاميليا كانت لاتزال جديدة وغيرهم كثيرين. وتعلمت أن الإنسان لا تكفي فطرته وموهبته عليه أن يتعلم ويسعى حتى يستطيع استغلال الفرصة على أحسن وجه. وعرفت أن همي الأساسي ليس السينما أو استديوات التصوير والأضواء والعمالقة. كان هاجسي هو المسرح. الغناء على خشبته وسماع تصفيق الجمهور وعبارات الطرب والاستحسان والتشجيع.
عدت إلى بيروت زعلانة بسبب هذا الدور. والدتي ابتسمت وقالت: سيأتي يوم يقبّل المخرج يديك لتعملي معه.
في العام 1948 سجلت أغنية "حوّل يا غنام" لحّنها إيليّا المتني، ثم تلتها "يا جارحة قلبي" لحن سامي الصيداوي. هاتان الأغنيتان طارت شهرتهما في أنحاء الوطن العربي. ثم جاء دور العديد من الأغنيات التي كانت تنجح الواحدة تلو الأخرى، مثل: "يا عربجي خفف سيرك"، "ع الوادي يالله ع الوادي"، "على مسرحِك يا دنيا" لنقولا المنّي الذي لقبوه بسنباطي لبنان. ثم من الصيداوي سجلت: "ع نار قلبي ناطرة" و "وينك يا ليلى" ومن فليمون وهبه "حملتّني فوق الألم ألم البعاد" و "القطر جه وحبيبي ما جاش". في ذلك الوقت كان الملحنون يطبعون ألحانهم بالنَفَس المصري لإثبات قدراتهم التلحينية أمام الأعمال المصرية.
بغداد
بعدها سافرت إلى الأردن، حيث استضافتني إذاعة رام الله، ومن بعدها مباشرة إلى بغداد، وكان هذا أواخر عام 1948.
في طريقنا إلى بغداد، حيث ذهبنا بالباص، كانت الصحراء على مدّ البصر، والطريق طويل، كنت نائمة، أفقت على صوت والدي يقول لي انزلي لنشرب الشاي. وأنا صغيرة بعد قلت: دعني، أريد النوم. أصرّ على الأمر فتحت عيني مجبرة. نزلنا حيث المقهى والكراسي وأنا أتباكى من النعاس. دخلنا المقهى الذي يسمونه "جايخانة" فأشار والدي بيده إلى أحد الجدران فوق وقال انظري. نظرت وإذ بصورتي معلقة على الحائط كتب تحتها "المطربة الناشئة الآنسة نجاح سلام". قال والدي: أرأيت؟ أنت موجودة في وسط الصحراء. وحين وصلنا بغداد، كان شيئاً لا يصدق، أغنية "حول ياغنام" على كل لسان هناك. الناس كلهم يتغنون بها. ستة أشهر في نادي "روكسي" وأنا أغني "حول يا غنام" و"يا جارحة قلبي"، وكان الوصي "عبد الإله" حضر إحدى الليالي ومن ثم غنيت في عرسه حين تزوج من عائلة الطرابلسي من مصر.
في بغداد تعرفت على فنانين وفنانات: عفيفة اسكندر، سليمة مراد، الملقبة سليمة باشا، وزوجها الراحل ناظم الغزالي ولميعة توفيق التي تغني أجمل الغناء الشعبي المسمى "التجليبة". وكما في مصر أيضاً في العراق حيث كان والدي معروفاً إذ كان له رحلة سابقة إلى هناك مع عمر الزعني ويكنون له الاحترام والود. أما أكبر مفارقة فهي إنني كنت أقبض في الشهر ستة آلاف دينار. وهذا لم يحدث مع أكبر مطرب أو مطربة في تاريخ الفن في ذلك الوقت. وكانت الصالة كاملة تحجز لأسبوع مسبقاً. وفي إحدى المرات وكنت أغني في مطعم "سَلكت" في بغداد، جاء الرئيس الراحل كميل شمعون، ولم يكن وصل إلى سدة الرئاسة بعد، لكن التحضير للأمر كان يجري فغنيت له "ليّا وليّا يا بنية، ياهل الله ردوا عليّ، اليوم الدنيي بتضوي، عنّا أحلى رئيس جمهورية". وهذا الأمر أفرحه إذ رحبت به رئيساً قبل الأوان وحيّاني على الإلتفاتة.
من بغداد عدت الى سوريا، وبقيت من العام 1948 حتى عام 1950 أذهب كل سبت وأحد لأغني في الإذاعة على الهواء مباشرة وأعود الى بيروت، إذ كنت مازلت في المدرسة أتابع التعليم.
في المرة الأولى ذهبت إلى سوريا برفقة والدتي إذ انشغل والدي بعمله في الإذاعة، وغنيت في حفل كان يرعاه جميل مردم بيك. بعد الحفل دعينا الى العشاء في نقابة المحامين وغنيت القليل ومن الحضور شخصيات ونواب ووزراء، سألني رشيد..... وكان وزيراً آنذاك. قال: أنت إبنة من؟ قلت: بنت سلام. قال: سلام بيروت؟ قلت: نعم. قال: ماذا يقربك الشيخ عبد الرحمن سلام؟ قلت: جدي. أجفل الرجل. وقال: عبد الرحمن العلاّمة هو جدك؟ قال: ومحيي الدين؟ قلت: والدي. زاد تعجب الرجل ونادى الجالسين قائلاً لهم: بنت فلان وحفيدة فلان. قال لي: والدك صديقنا وجدك أستاذنا. أنت ممنوعة من الغناء في أي مكان من دون علمنا. كان جدي رحمه الله علّم فترة طويلة في سوريا ولذلك له اسمه وهيبته هناك، ويحمل الجنسية السورية.
في هذه المرحلة كانت أغنيات مهدت للمرحلة اللاحقة في مصر، مثل "رقّة حسنك وسمارك" اللحن البديع لأمير البزق عبد الكريم، الأغنية لاتزال الأكثر شعبية في سوريا وكنت غنيتها مباشرة على الهواء وكل مذهب فيها على مقام مختلف، أي أنها تحمل غزارة تطريبية لافتة.
بيروت
في الخمسينات بدأت الغناء في بيروت، ابتداءً مع جمعية زاهية سلمان رحمها الله. وكانت الإذاعة تصل الى البلاد العربية ما عدا مصر، لكن الأسطوانات كانت منتشرة، قبل الكاسيتات بالطبع. في العام 1951 كنت أغني في فندق طانيوس في عاليه، وكان فريد الأطرش سمع بي وحجز طاولة وجاء خصيصاً ليسمعني، وبصحبته شقيقه فؤاد وسامية جمال، عزيز عثمان وليلى فوزي ولم تسنح الفرصة أن ألتقيه في مصر. غنيت له: "يا عواذل فلفلوا" وقف وصفق طويلاً ثم التقيناه في الفندق وطلب من والدي مرافقتي الى مصر، فأخبره والدي إن نجاح لن تذهب الى مصر، يكفيها مرة واحدة. قال: لا لازم تروح مصر.
مصر
وبالفعل ذهبت الى مصر مرة أخرى عام 1952 لعمل فيلم اسمه "على كيفك" للمخرج حلمي رفلة، الذي سمعني من قبل وطلب من والدي أيضاً الحضور الى مصر، وحكى والدي قصتي مع الفيلم السابق وحكاية الحب والغرام. جلسنا لمدة ساعتين يحاول فيها إقناعي حتى وافقت بشروط. أولاً: مايوه ممنوع. كلمات مثل أحبك ممنوع لا أقولها لأحد ولا أحد يقولها لي. ثم أنا بنت أغني ودمي خفيف وبس. قال: حاضر. حتروحي وتعملي فيلم زي ما انت عاوزة ومشهد الغرام يكون من دون كلام بل بالغناء فقط. وهذا ما حدث. مثلت فيلم "على كيفك" لحلمي رفلة والإنتاج لعزيز عثمان وليلى فوزي.
وحصيلتك من الأفلام والأغنيات؟
ـ ستة عشر فيلماً. وبقي التمثيل على الهامش بالنسبة لي فأنا لست من رواد السهر والخروج المتواصل من البيت، بل أحب الأسرة وأفضل الجلسات العائلية والبيتية ولي ربما أكثر من ستمئة أغنية.
ما الذي أحبه المصريون في شخصية نجاح سلام؟
ـ أهم مسألة أنني جئت بهويتي. غنيت لهم نجاح سلام. شخصيتي أنا، وشخصية الأغنية اللبنانية. وأقولها بكل فخر أنني صاحبة الفضل في نشر الأغنية اللبنانية في مصر. في عام 1952 عندما ذهبت الى مصر غنيت باللبنانية، لأني رغبت بتمثيل بلدي فكيف أغني مصري في بلد أم كلثوم. كان عليّ في البداية أن أقدم هويتي ليستمعوا الى غنائنا، جملتنا الشعبية الجميلة التي تجعل كبار الملحنين المصريين يقولون: الله. وبالطبع كان هذا عبر الأداء الذي أوصل الأغنية بأمانة.
لكنك غنيت بالمصرية؟
ـ فيما بعد. تعرفت الى الملحن الكبير رياض السنباطي فغيّر اتجاهي. قال لي: هذه الأغنيات قليلة بالنسبة لصوتك وموهبتك. صوتك فيه أكثر من هذا بكثير. فلحن لي "النيل مقبرة للغزاة" الذي يعتبر معجزة في التلحين، عام 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر. ثم لحن لي "عايز جواباتك"، "أمة الحق"، "ياظالمني"، "الشهيد" وغيرها الكثير الرائع.
في كل لقاءاتك تتحدثين عن رياض السنباطي بشكل مختلف عن الملحنين الآخرين؟
ـ رياض السنباطي هو أستاذي. له فضل كبير علي. علّمني الكثير. صحيح أن صوتي جميل، وأغني حلو. لكنه علمني كيف أزخرف الأغنية. وهذه مسألة هامة في الغناء. مثل البناء الجيد الذي يحتاج الى مهندس ديكور ليكمل جماله. السنباطي أعظم من زخرف الغناء، ومن علّم المغني كيف يفعل ذلك. وله فضل على كثيرين غيري.
أم كلثوم قالت: من أراد أن يتعلم الغناء فليستمع الى رياض السنباطي. ولا يقف الأمر عند هذا، بل إنني أعشق جملة السنباطي اللحنية، لأنه الملحن الوحيد الذي لم يشب جملته غبار التغريب، ولا أسميه التطوير. ولم ينل جائزة الأونيسكو عبثاً إذ لم يقتبس جملة من أحد.
وبالطبع غنيت من ألحان كثيرين وتطرقت الى كل القوالب الغنائية، بدأت بالبدوي، مع "حوّل يا غنام"، و "ع نار قلبي" والأغنية اللبنانية ومواويلها، من عتابا وميجانا وكلها أصلها من العراق، وتعتمد نغمة بسيطة، لكن أنا ووديع الصافي وحدنا غنينا الموال والعتابا والميجانا بتفرد وبتعدد مقامات، لا مقام أو نغمة واحدة كما كان متعارفاً، غنيت الموشح والدور والقصيدة والتواشيح الدينية والطقاطيق وغيرها.
لم أدخل معهداً لكن معهدي العظيم كان استماعي الى فنانين كبار ومنهم والدي. ثم معرفتي لملحنين كبار أيضاً دعم موهبتي.
ما رأيك بتسمية الأغنية الشبابية؟
ـ هذه التسمية، بدعة، ليس من أغنية شبابية وأخرى عجائزية، هناك أغنية شعبية لا تقل قيمة وأهمية عن الأغنيات الأخرى التطريبية أو الوطنية أو غيرها. لها مواصفاتها، لوازمها، أسلوب أدائها وإيقاعاتها ونغماتها الخفيفة، في حين الأخرى أثقل إيقاعاً ولحناً ولها أسلوب آخر في الأداء وغيرها من العناصر.
مثل محمد عبد المطلب على سبيل المثال؟
ـ يا عين. هذا شيخ المغنين الشعبيين. كان يطرب السمع بطريقة أدائه للجملة الشعبية الجميلة. وأعتقد أن المطربين في غالبيتهم تطرقوا لهذا اللون الغنائي المحبب. فمثلاً أم كثلوم غنت "يا بختها ضرتها طقّت منها" و "ليه تلاوعيني" مثلاً، هذه طقاطيق لكن الأداء المتفرد يجعل لهذه الأغاني قيمة فنية كبيرة ويجبر السامع على قول كلمة الله. هناك مطربون أصواتهم جميلة لكنهم لا يعرفون كيف يغنون، فالمغنى علم ومعرفة وليس صوتاً جميلاً فحسب، على المطرب أن يعرف كيف ينطق ومتى يطلق صوته من التجاويف ليحصل التلوين، وعدم البقاء في خامة واحدة رتيبة ومسطحة.
ملحنون آخرون
وماذا عن الملحنين الآخرين؟
ـ كما قلت كان نصيبي الأوفر من ألحان رياض السنباطي. وهو رحمه الله كان يحب الأصوات الكبيرة الواسعة التي تمتلك جوابات وقرارات وتعتمد على القفلات.
أما عبد الوهاب فكان يشجع ويلحن لكل الأصوات ومنها الصغيرة، لحن الكثير لنجاة وعبد الحليم وغيرهما، لذلك كنت والبعض الآخر غيري ننحاز لألحان السنباطي مع كل احترامنا لعبد الوهاب. وله تاريخ طويل وألحان جميلة مثل: "خايف اقول اللي فقلبي"، "حسدوني وباين في عنيهم"، "يا جارة الوادي"، "في الليل لما خلي"، وغيرها أغانٍ ذات قيمة فنية كبيرة. كان مبدأ عبد الوهاب مواكبة كل الأجيال، عكس السنباطي الذي يلحن الجملة المدروسة والقصيدة الثقيلة التي لم يرتق غيره الى مستواها. لكنني غنيت من ألحان عبد الوهاب وخاصة أول فيلم مثلته عنوانه "سكة السعادة".
والموجي؟
ـ لحن لي "يا مالكاً قلبي" الأغنية نفسها التي غناها عبد الحليم حافظ، وكذلك "يا أغلى اسم في الوجود"، "ليه كل قلبي ما يصفى لك"، "ما احلى الغنا"، "يا أرض يا أم الخير يا طيبة"، وكذلك أغاني لفيلم كامل.
ومن سيد مكاوي غنيت "الله يا ليل" و"يا مفرحة قلبي" للأم، "آخر حلاوة"، ولبليغ حمدي خمسة ألحان. ومن الملحن الملهم والكبير عبد العظيم محمد "بالسلامة يا حبيبي"، و "ياعايدة ياختي يا فلسطينية"، وغنيت من ألحان أحمد المحلاوي وفؤاد حلمي وتقريباً أغلب الملحنين في مصر.
ومن لبنان؟
ـ غنيت لكثيرين. لنقولا المني وشفيق أبو شقرا، حليم الرومي، إيليا المتني، عبد الغني شعبان، وأنا أول فنانة غنت للراحل سامي الصيداوي. وعفيف رضوان الذي اكتشفته مع المؤلف الغنائي ميشيل طعمة. كان طعمة يعمل ممرضاً لدى الدكتور الخاص فيليب توما الذي أتردد عنده للعلاج وفي كل مرة يقول أود أن أسمعك بعض أشعاري. وأنا من عادتي لا أرفض قبل أن أسمع وهكذا أعجبت بشعره وغنيت منه. أما رضوان فقد عمل انقلاباً في مصر، عبد الوهاب قال عنه: إنه جملة جديدة في الموسيقى العربية. وغنيت لحسن غندور.
ومن سوريا غنيت من لحن عدنان قريش وسهيل عرفة وشفيق شكري ونجيب السراج وغيرهم.
العودة والاستقرار في لبنان؟
ـ على الرغم من نجاح الأفلام الاستعراضية، إلا أن عوامل كثيرة أدت الى توقف إنتاجها، إذ انحصرت الأغنية في إطار الموقف وأحياناً أصبح الممثل يغني، وبدأ عصر الأغاني المصورة فيما يسمى فيديوكليب، وغيرها من تقنيات العصر. لذلك كانت الفكرة أن أعود وأستقر في لبنان، على الرغم من أنني كنت ما أن أنتهي من عمل ما في مصر، حتى أعود الى بيروت. حين أنتهي من تصوير فيلم مثلاً أو تسجيل أغانٍ أو إحياء حفلات أو غيرها.
في عام 1974 كانت بداية الأحداث. سُرق بيتي في منطقة سن الفيل، وكنت في القاهرة أقوم بتصوير فيلم "عنتر يغزو الصحراء" مع فريد شوقي، اضطررت للبقاء في القاهرة وفي ذلك الوقت مُنحت الجنسية المصرية، وبقيت هناك حتى عام 1986، حيث جئت الى بيروت لإجراء لقاء في الإذاعة اللبنانية مع محمد حجازي، وإذ بأحداث عاصفة مفاجئة تحاصرني في الإذاعة التي بقيت فيها 45 ساعة متواصلة عدت بعدها الى القاهرة وبقيت حتى انتهاء الحرب وتسلم الياس الهراوي الرئاسة والحريري للحكومة، وكان الهراوي هو الذي حثنا وكل المغتربين على العودة حين كان موجوداً في السفارة اللبنانية في القاهرة.
الزواج
والزواج؟
ـ في كل الأحوال لم أكن موفقة في زواجي. والأكيد أن الخطأ ليس مني. أنا وأبو سمر (محمد سلمان) بقينا عشر سنوات معاً ثم طلقنا لكن صداقتنا بقيت. والزواج قسمة ونصيب. تزوجت من دكتور في مصر لكنه توفي بعد فترة. وأنا بطبعي بيتوتية أحب الأسرة، لدي ابنتان وأحفاد.
قرار الحجاب والتوقف عن الغناء سوى الديني؟
ـ أنا لم أتوقف عن الغناء أبداً. في العام الماضي سجلت في القاهرة حفلتين أحييتهما في دار الأوبرا، غنيت "من أي عهد في القرى تتدفق" لأم كلثوم وكذلك غنيت "أغراب" و "زمان الوفا" وغيرها الكثير. في دار الأوبرا غنيت عام 1998 و 1999و 2000 وفي قاعة الاحتفالات غنيت في مئوية أم كلثوم، "القلب يعشق كل جميل" وغيرها. لكن أقولها آسفة، وهذا ليس بجديد، أن لبنان يصدّر فنانين لكن ليس لدينا فن متقن. لا نمتلك العناصر التي تشجع الفنان الجاد على الاستمرار. دائماً نسير على مبدأ الاستسهال والاستهتار بالفن. لكن لبنان أكثر بلد صدّر فنانين الى مصر والبلدان المجاورة، وإذا عددنا الأسماء لن تنتهي القائمة، نور الهدى، فريد الأطرش المحسوب مع شقيقته أسمهان على لبنان بالطبع، محمد البكار، صباح، محمد سلمان، سعاد محمد، نازك، فايزة أحمد، بعدها أنا ووردة، وكثيرين، واللافت أن لكل من هؤلاء لونه وبصمته.
حين عادت نور الهدى الى لبنان انطفأ نجمها. صحيح الدولة بدأت منذ سنوات قليلة تهتم بالفن، لكن بشكل خجول لا يكفي.
أنا وغيري نسأل: إذا أراد واحد من جيلنا أن يقدم فنه، فأين يمكنه ذلك؟ ليس لدينا إلا "مهرجان بعلبك" أو "بيت الدين" وغيرهما من مهرجانات أخرى قليلة، لكن هل هي متاحة لنا؟ ثم لو أتيحت على سبيل الافتراض فما هو عدد الجمهور الذي سيأتي لحضورنا. المسألة معقدة في لبنان ومحصورة، بفئات قليلة وجهات معينة لا تحسن التعامل مع الفن العربي وتراثه الأصيل. ودائما نتمنى أن يكون للدولة دور فاعل وبخاصة وزارة الثقافة، التي تستطيع الإفادة من صالة الأونيسكو التابعة لها لتقيم حفلاً فنياً مرة واحدة في الشهر، يحييه أحد فنانينا الكبار، وهذه أقل مساهمة في تحسين ذوق الشباب الذي أفسدته الفضائيات، وهو فئة مظلومة وبريئة مما يحدث ومن هذا الفن الذي لا يمثله.
أضرب لك مثلاً، منذ سنوات، فيما كنت أسجل بعض أغاني أم كلثوم، قال لي حفيدي الذي لم يبلغ يومها الثالثة عشرة بعد، قال: تيتة، أنت تغنين بشكل مختلف عن هؤلاء. قلت له: هذا ليس فناً. سألته هل تفهم هذا الغناء؟ قال: أنا لا أفهم ماذا يقولون. وأتفرج على الفيديو كليب فأجده "بهدله"، يقلّدون فيه المطربين الأجانب فيأتي تقليدهم مضحكاً أو مؤسفاً.
ولماذا لا يقوم الفنان بنفسه بهذه الحفلات بدل انتظار الدولة لتقيمها؟
ـ المشكلة إن العمل الجيد يحتاج الى تكاليف. والفنان الذي يحترم فنه ونفسه وجمهوره، يجب أن يأخذ وقته ويحضر جيداً وينفق عليه بسخاء، والعمل الذي ينتج هكذا بسهولة ومن دون جهد و"بملاليم" على قول المصريين، هو كمثل بناء عمارة بأرخص التكاليف، لكنها تقع بسرعة. في مصر وفي بلدان أخرى حين يقيمون حفلة برعاية وزير أو مسؤول، ينفقون عليها للدعاية والإعلان، ويدفعون للموسيقيين للبروفات الكافية، أين نحن هنا في لبنان من كل هذا. أولاً الموسيقي هنا أجره لا يتعدى المئتي دولار، وإذا أردت أن أحيي حفلة فأحتاج الى ما لا يقل عن عشرة أيام تمارين. فكيف يعيش الموسيقي إذا استهلكت كل حفلة منه هذا الوقت؟ وله هذا الأجر الزهيد. ثم أننا في لبنان ليس لدينا فرقة خاصة بالدولة. في مصر هناك فرقتان لدار الأوبرا، الفرقة القومية للموسيقى العربية بقيادة سليم سحاب، وفرقة الموسيقى العربية بقيادة صلاح غباشي. عناصرالفرقتين موظفون يقبضون رواتب شهرية ولديهم بروفات دائمة، من هنا يحفظون التراث ويتدربون عليه باستمرار. مثلاً في مؤتمر الموسيقى العربية في العام الماضي والذي قبله أحييت حفلات وقدمت فيها أصعب وأجمل قصائد السنباطي لأم كلثوم "من أي عهد في القرى" طلبت يومها من رئيسة المهرجان رتيبة الحفني أن يرافقني موسيقيون يعزفون سماعياً، فجاءتني بموسيقيين كبار ومع ذلك قمنا بتدريبات كثيرة، حتى يوم الحفل فكانت الموسيقى رائعة وهذا يساعد المطرب في التفرغ للغناء والتفرد، والسلطنة، لأن باله مرتاح من ناحية الموسيقى، فمن غير المعقول أن يغني وفكره مشغول بأخطاء الموسيقيين. من هنا الوضع في لبنان موسيقياً صعب، على الرغم من أن اللبنانيين يتذوقون الموسيقى الجيدة، ولديهم أذن موسيقية يستطيعون من خلالها التمييز وقول الآه. عبد الوهاب قال: الأغنية التي لا تنجح في لبنان لا تنجح في أي بلد. لكن مع الأسف ليس هناك من اهتمام بالفن المتقن اليوم.
لكن المعروف أن كل الأسماء تنسى يوماً ما ويبقى اسم الفنان المبدع والعالِم. وكما نعرف أن الأمة التي ليس فيها فنان عظيم لا يوجد فيها سياسي ناجح.
وما رأيك، ولم يصدر حتى الآن قانون تنظيم المهنة يحفظ حقوق الفنان؟
ـ هذا أمر آخر. تصوري حين أنزل الى السوق وأجد بائعاً يبيع نسخاً من الشرائط المزورة. أين حقوق الفنان؟ الكاسيت الذي ينسخونه وهو أساساً كلّف ما لايقل عن مئتي ألف دولار، عادة، ومع فيديو كليب يكلف نصف مليون. هكذا ببساطة يتم تزوير الشريط ويباع في الأسواق بأرخص الأثمان فيحرق النسخ الأصلية وتكسد وتحصل الخسارة الفادحة، ونسمع عن شركات تفلس أو تغلق أبوابها أو فنان يفلس للسبب نفسه. أين النقابات وأين جمعية المؤلفين والملحنين. في مصر وسوريا لاتزال الأمور مضبوطة أكثر من لبنان. هل يمكن أن تتخيلي أن هناك فنانين لا يملكون ثمن الرغيف، يعيشون على مساعدات من هنا وهناك؟ هل هذا معقول في هذا الزمن وفي بلد نعتبره متحضراً مثل لبنان؟
الفنان واجهة بلده. زمان أنا أحببت مصر بسبب أم كلثوم وعبد الوهاب والسنباطي. كدت أجنّ وأنا متلهفة للذهاب الى مصر. في لبنان زمان أيضاً كان العرب يصيّفون في لبنان لكي يحضروا حفلات وديع الصافي ونجاح سلام وغيرهما. الآن من أجل أي فنان يأتي المصطاف العربي؟ حتى رمضان لم يبق منه إلا النارجيلة والأكل والخيمة.
أما برامج الفضائيات الفنية فتعتبرها سلام بأنها تهين الفنان وتسطّحه بسب الأسئلة التافهة التي توجه إليه وكأنه من البديهي أن يكون جاهلاً، قليل الفكر لا يعنيه إلا الطعام والشراب واللباس والموضة بعد الغناء.
ثم تروي الفنانة إحدى القصص الطريفة، والمحرجة في آن، قالت:
ـ أنا ملكة الوقعات في العالم. لكن الوقعة الكبرى في حياتي في تونس. كنت من المفترض أن أحيي حفلة في ملعب امتلأ بقرابة مئة ألف شخص وبحضور بورقيبة رئيس تونس وعقيلته. لبست فستاناً أصفر وكعب عال وخطوت أولى خطواتي على خشبة المسرح كالحمامة الطائرة. وإذ بكعب حذائي يعلق بطرف فستاني وأقع على وجهي. حاولت الوقوف عبثاً، بسبب فستاني الضيق، ركض أحمد الحفناوي عازف الكمان وقائد الفرقة حاول إيقافي لكنه وقع هو الآخر، ومن شدة الإحراج أصابتني نوبة من الضحك، ويومها لم أستطع الغناء بشكل عادي، لأني طوال السهرة كلما تذكرت أضحك، وكانت الحفلة مصورة وتبث على شاشة التلفزيون.
التكريم
تستعرض سلام صورها الفوتوغرافية الكثيرة التي واكبت مسيرتها، حفلات في أنحاء العالم، لقاء شخصيات هامة، ملوك، أمراء ورؤساء وجمهور كبير:
ـ كرّمني المصريون بمنحي الجنسية المصرية، إضافة الى أوسمة رفيعة من دول عدة: فرنسا، أميركا، سوريا، لبنان، وشهادات تقدير لا تحصى.
في لبنان نلت وسام الاستحقاق عام 1952، ثم منحني الرئيس الهراوي وساماً، إبان حكمه. ومُنحتُ مفاتيح دول عدة إضافة الى أوسكار أميركي منذ خمس سنوات، وأهم من هذا كله التقدير والاحترام من ملايين الأشخاص في العالم.
أين أنت اليوم؟
ـ في رمضان الماضي سجلت عشرين دعاءً لإذاعة "الشرق الأوسط" وعشرين أخرى لـ "صوت العرب" في القاهرة. وأحييت حفلات رمضانية في "دار الأوبرا"، إضافة الى حفل "رعاية الأمومة" في بيروت، وحفلات في سوريا. اليوم أدرس خطواتي بما يتناسب مع الحج والحجاب ومع مسيرتي وتوجهي. فالكثير من المهرجانات تعرض عليّ المشاركة في إحياء أمسيات لكن أحس أنه تقع عليّ مسؤولية احترام ماضيّ الفني واسمي فليس كل مكان يناسبني ولا كل جمهور.
ـ في السابق شاركت في مهرجانات "عنجر" و "بيت الدين" وفي الشمال عدة مهرجانات، لكنني شخصياً لا أحبذ المشاهد التي أراها في هذه المناسبات، إذ تخلو من آداب الاستماع، فالمستمع منشغل بالأكل والشرب والرقص. الصخب والفوضى تعم المكان بسبب الداخلين والخارجين طوال الوقت وغيرها الكثير من الأمور التي تشوش على الفن وهذا لا يجوز. هذا الجو ليس جوّي ومن مثلي. لكن أعتقد أن الجيل اليوم بدأ يصحو، ويتساءل ويفهم أن ما يراه أو يسمعه على الدوام وفي كل مكان ليس هو الفن الذي ينشده، أو "يملأ راسه". الفنانون اليوم وكأنهم يمشون على قاعدة واحدة، أو مبدأ واحد وهو الرقص والقفز على المسرح، وأنه إذا لم يتحرك الجمهور، أو يرقص، أو لم يصفق ويصفّر ويصرخ فالفنان فاشل.

jaaafar
08/03/2010, 19h49
سلام من الله..تحية من عند الله عزوجل لكم..
سيدي الفاضل.اود ان اصحح معلومة عن المطربة الكبيرة السيدة نجاح سلام.
فهي لديها ابنتان فقط من زوجها الراحل المخرج محمد سلمان رحمه الله.وهما سمر وريم حفظها الله وإياهم.سمر خريجة جامعة السوربون في فرنسا دكتوراه في اللنجويستيك..وريم مهندسة ديكور.
كما اود ان اصحح معلومة ثانية تتعلق بأغنيتها الرائعة سوريا ياحبيبتي..فهي من كلمات وألحان الفنان محمد سلمان زوجها..وقد غنتها السيدة نجاح عام 1974 في دمشق بمناسبة حفلات المعرض الدولي الذي يقام كل عام هناك..وقد شاركها بألغناء الفنان محمد سلمان والمطرب محمد جمال..كما ان الأغنية ترجمت لكل اللغات ايضا.
اشكركم على المجهود الذي بذلتوه للحفاظ على تراثنا القيم والغالي من الأغاني وكبار المطربين الذي إن دل على شئ فهو يدل على وفائكم لهؤلاء الفنانين الذين متعوا الأمة العربية بأغانيهم الصادقة التي مازالت الى الآن في اذهاننا.. فشكرا لكم.

مون1
16/11/2010, 14h40
عن جريدة القدس العربي

نجاح سلام: غنيت لمصر وعبدالناصر فقال لي: صوتك جميل مثل بلدك

2010-11-15

http://www.alquds.co.uk/online/data/2010-11-15-19-37-31.jpg
نجاح سلام


بيروت – القدس العربي ـ من فاطمة عطفة ـ بدأت بمحبة الأدب والشعر والمطالعة والقراءة، كل ذلك يؤسس لاكتساب ذخيرة ثقافية توسعت وتعمقت مع الأيام، فكيف لا؟ وهي حفيدة الشيخ عبد الرحمن سلام مؤسس النادي العربي بدمشق، شهرتها وجمال صوتها وأناشيدها الوطنية هيأت لها رصيدا كبيرا من المعجبين بين مختلف الأجيال في مختلف البلدان العربية، وبين المغتربين في المهجر، فهي من تربت على الأصول والأخلاق الحميدة.
غنت للحب وغنت للوطن، وما زالت تحتفظ بهندام جميل ونضارة مشرقة، رغم أنها كانت في نقاهة بعد عملية قلب غيرت فيها أربعة شرايين، لكنها بكل رحابة صدر وسرور استقبلتنا مشكورة مع أسرتها في منزلها في بيروت ومعها ابنتها وزوجها وأطفالها، إضافة إلى ابن أخيها المهندس أحمد سلام، إنها الفنانة والنجمة المضيئة دائما نجاح سلام، تحدثنا من بيروت عن ذكرياتها الغنية، وعن جديدها أيضا.

ـ نبدأ من الطفولة والصبا، ما لديك من ذكريات مع والديكِ، رحمهما الله.

ـ بفضل والدي ووالدتي، أصبحت نجاح سلام وغدوت بهذه المكانة. لقد ربياني على القيم والأخلاق والعادات الحميدة، وكان مبدؤهم: "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت". و"المرء على دين خليله، فلينظر المرء من يخالل". هذا كان هدف والدي في الحياة، ممنوع أن أُعاشر أي إنسان دون المستوى الفني اللائق، وممنوع علي أن يكون لدي أصدقاء غير مثقفين. لذلك أنا لما نشأت في سورية، تعلمت في سورية الكثير. كل الفنانين اشتهروا وبدأوا من سورية، حتى صديقتي وحبيبتي فيروز. أحلى حفلاتي أقمتها في سورية. لبنان يصدر فقط فنانين كثيرين، مبتدئين يرسلهم للخارج يشتهرون ويصبح لهم اسم ويرفعون رأس لبنان، ثم يأتون إلى لبنان فيموتون. هناك دليل، نور الهدى من الفنانات الممتازات ذهبت لمصر وحصلت على أجر في فيلم (هذا ما جناه أبي). كانت أسمهان في أوج شهرتها كانت تأخذ ثلاثة آلاف جنيه، كذلك صباح اشتهرت في مصر، وفايزة أحمد، وردة، نجاة الصغيرة. أما أنا فكانت إطلالتي من سورية، لماذا؟ أولاً، كانت ظروف عائلتي لا تسمح لي أبداً بالغناء، رغم أني تربيت في بيت جدي. تعرفين منذ القدم في الشام العائلة تعيش مع بعضها، فأنا كنت البنت الوحيدة لوالدي. ويوم ولدت كان هناك محزنة في البيت لأني بنت، فيأتي جدي عبد الرحمّن من دار الإفتاء، يدق على الباب ويدخل فيجدهم مكشرين: جدتي وعمتي ووالدتي مقهورة لأنها ولدت فتاة، وهن حزينات، وكأن الأمر كان بيدها. فقال لهم أنتم لا تفهمون، وقال لوالدي: "تعال يابا، تعال يا محيي الدين، يا حبيبي هي نجاح إن شاء الله يكون اسمها على مسمى، ورح تبدأ بنجاح وتنتهي بسلام". وجدي هو من أطلق علي اسم نجاح، وقد نشأت في بيت يجمع بين الأدب والعلم والفن، جدي عالم كبير حيث إن الكثير من المشاهير في سورية هم تلاميذ الشيخ عبد الرحمن، مثل عمر أبو ريشة وصبري العسلي ونشأت جبري وعلي بوظو، بيت الأيوبي، بيت شيخ الأرض كلهم. سورية ولبنان فيما مضى كانا بلداً واحداً، وجدي عاش في سورية فترة كبيرة حيث إنه كان قاضيا في حمص، وقبلها كان رئيس الكلية الصالحية في فلسطين، وبعد ذلك جاء إلى سورية أيامها، كان محكوما بالإعدام في أيام الأتراك لأنه لم يكن يرتشي، فقد كان وطنيا وله قصائد. وفي ذلك اليوم دخل الملك فيصل الأول، دخل وعفا عنه وأصبح هناك اطمئنان بالنسبة لجدي في سورية، وقال له أنت رجل عظيم قل ما الذي تريده؟ فقال له: أريد أن أُؤسس النادي العربي في سورية، في منطقة التجهيز بدمشق، رجال سورية أغلبهم تتلمذوا على يده. لماذا أقول لك ذلك؟ أقول هذا كي تعرفي العائلة كم تؤثر. عندما كنت صغيرة كانت عمتي تقول لجدي: يا بابا جاء لعندك رجل يضع برنيطة ونظارة على عينيه ويتحدث الفرنسية، فقال لها: ما الذي يريده؟ قالت يريد أن يزورك. فقال لها: إن أتى مرة ثانية، قولي له: قد مات! أنا لا أقابل عالما كهذا، أنا اسمي الشيخ عبد الرحمن، لا أرتشي ولا أبيع وطني. فقالت له: لماذا؟ يعني من الممكن أن تشتري لنا سيارة. فقال لها: اسكتي! أنا سأخلف لكم اسمي الشيخ عبد الرحمن، خلي بالك في هذه النقطة".

البداية بقراءة القرآن

ـ أنت تربيت على يدي جدك وعاصرت كثيرا من الأعلام في ذاك الوقت من أدباء وكتاب وشعراء، كنت وحيدة ومدللة ومن هنا جاء تميزك؟

ـ كنت أجلس وأستمع فأذني تربت على هذا النوع يعني أنا أحب العلم والشعر والأدب جدا وأطالع وأقرأ، وبدأت بقراءة القرآن وأنا صغيرة كان عمري ثلاث سنوات فلم يكن هناك ولد يدخل على الحضانة، لم يكن هذا موجودا في القدم، كانت هناك امرأة تحضر عشرة أطفال لمنزلها تعلمهم القرآن ويحضرون لها القليل من الفاكهة كأجر لها، حتى الآن في أرياف مصر موجودة مثل هذه المرأة، هكذا تعلمت القرآن. وبعد ذلك عندما أصبح عمري خمس أو ست سنوات دخلت لمدرسة الحاج سعد الدين الحوري وصاحبها من رجال بيروت المحترمين ومدرسته من أفضل المدارس ووالدتي قد تعلمت بها فعندما ذهبت إلى المدرسة كانوا يدرسون فقط للشهادة الابتدائية (السرتفيكا)، بعد ذلك تذهبين لمدرسة أُخرى. طبعا اكتشفوا أن لدي خامة صوت جميلة فأصبحوا يوقفوني صباحا بطابور المدرسة أقرأ قصار السور، جدي يعلم أني حافظة للقرآن ولكنه لا يريد أن أقرأ في المدرسة كي لا تظهر موهبتي، فالموهبة الفنية بالإنسان تظهر عندما يخلق وهي لا تكتسب، العلم يكتسب. وجدي كان يلاحظ عندما أكون في المنزل عندما أريد أن أنام ووالدتي يجب أن تهلل لي، تعرفين أنت التهليلة، والدتي صوتها جميل وعماتي أصواتهن جميلة وكذلك والدي، وجدي الشيخ عبد الرحمن كان شاعرا ورجل دين عظيما وكان ينشد في الموالد. إن من يحبه الله يعطيه صوتا جميلا، تصوري الفرق بين أنكر الأصوات والصوت الجميل. الصوت الجميل الصالح لا يستعمل في الذي نراه الآن، فعندما أتيت من المدرسة قلت لجدي اليوم أنا غنيت من القرآن في المدرسة، فقال لي: ماذا؟ فعندما كنت صغيرة كنت أغني أغاني ليلى مراد، فكان يقول لي: اجلسي ويصرخ علي فتقول له جدتي: هل هناك شيء يا عبد الرحمن؟ اتركها ما زالت صغيرة، فيقول لها: كلا، لا تستبقوا الأحداث، فقال لي لا تقولي غنيت قرآن، قولي قرأت قرآن، وعندما تقرأينه لا تنغميه، بل اقرأيه بالتجويد.

لقاء زكريا احمد

ـ تعلم القرآن الكريم وتجويده من الصغر إذن هو الذي جعل لغتك سليمة؟

ـ نعم، القرآن أفادني كثيرا بلغتي العربية عندما كبرت، عندما انتقلنا من منزل جدي أراد والدي أن تكون المدرسة قريبة، وذلك من منطلق أني فتاة، فكانت مدرستي لا تبعد أكثر من عشر خطوات عن المنزل. والدي يعلم أن صوتي جميل، ولكنه لم يسمعني في المنزل فكان هذا معيبا، فكيف أغني ووالدي في المنزل؟ فكنت أقف صباحا في طابور المدرسة وأقرأ القرآن، هناك شباك غرفة النوم الخاصة بوالدي يوجد سور والمدرسة وراءها فسمع فتاة تقرأ القرآن، فقال لوالدتي واسمها درية قال لها: يا بدر يا بدر، من هذه الفتاة التي تقرأ القرآن؟ والدتي تعلم أن صوتي جميل وهي التي شجعتني وأظن أنها تزوجت والدي عندما علمت أنه يعزف العود، فخافت أن تقول له نجاح، فقالت له: لا أعرف، سبحان الله هذه الفتاة تقرأ القرآن بشكل جميل جدا. وعندما أتيت من المدرسة فقالت لي أريد أن أقول لك شيئا، والدك سمعك وأنت تقرأين القرآن وقد أُعجب بالصوت. أنا رأيت فايزة أحمد عنده وصباح ووداد كان يسمع اصواتهن في المنزل ويقوم بتقييمهن إن كن جيدات. فقالت لي والدتي لا تقولي له أني أخبرتك فقلت لها هل أعجبه صوتي فقالت كثيرا حيث إنه قال: ما شاء الله على هذا الصوت الجميل! ولكن لم أستطع أن أقول له انك أنت من تقرأين، على كل حال اليوم سيأتي لزيارة والدك الشيخ زكريا أحمد الملحن المشهور، وكان طالع له فيلم تغني به أم كلثوم (غنيلي شوي شوي) عندما يأتي الشيخ زكريا أنت تقدمين له القهوة وضعت لي السيناريو رحمها الله لأنها تحب الفن وأنا لا أستطيع أن أقول لوالدي المهم جاء زكريا أحمد وقد أتت معه والدة أسمهان، اسمها علية، وكانت جميلة طويلة وشعرها أحمر فأدخلت القهوة وكان عمري تقريبا اثني عشر عاما، المهم كنت أقوم بضيافته وأنا أنظر إلى هذا هو الرجل الذي لحن الأغاني الجميلة (أهل الهوا يا ليل وأغاني أم كلثوم) كانت والدة أسمهان تغني أغنية غنيلي شوي شوي، وأنا كنت واقفة أحمل صينية القهوة راجفة فلفت نظر زكريا أحمد فقال لوالدي (إيه يا محيي الدين بنتك مدبوحة) فسأله صوتها جميل فقال له: لا. فقال له مش ممكن لأن إحساسها وهي تصغي هو إحساس إنسان يحب الفن فسألني هل تحبين أن تغني يا شاطرة؟ فأجبت: نعم، أنا أحب أن أغني كثيرا. فقال لي: ماذا تعرفين أن تغني؟ فأجبت: أنا أغني أغنية لحضرتك عملتها للسيدة أم كلثوم (أهل الهوا يا ليل) وهي أغنية صعبة فقال لي بس كبيرة عليكِ طبعاً والدي أكل شفاهه من الغضب وهو ينظر لي، ولكن قلت أريد أن آخذ بصمة لأن زكريا أحمد ملحن كبير ويهمني رأيه وأخذت أغني وزكريا أحمد يصدر صوتاً من شفاهه، فظننت أن زكريا أحمد لم يعجبه صوتي فسكت فقال لماذا توقفت فقلت له أنت تصدر صوتاً وظننت أن صوتي لا يعجبك فقال لي (زي الواحد ما يكون آكل أكلة جميلة فبيقول يا سلام يا سلام) يا أُستاذ محيي إنت فنان كبير وعازف عود رائع وطلعت فنانين كبار كيف تمنع بنتك من الغناء؟ فقال له ابنتي صغيرة وعمرها اثنا عشر عاما فقط، يجب أن تكمل تعليمها فقال له: لا بأس، فلتكمل تعليمها، وعلمها أنت العود. المهم ذهب زكريا أحمد ودخلت إلى البيت فصارت تقول لي والدتي (ليلتنا زفت!) من خوفها فأتى والدي وقال لي يا بابا أريد أن أقول لك شيئا: أنا وديع الصافي طلع على يدي وسعاد محمد وفايزة أحمد، أنا ماني قاصر إني علمك، لكن أريدك أن تكملي تعليمك في الأول، وإذا كان هناك نصيب تغنين. ولكن أنت اعرفي أنت ابنة من؟ أنت ابنة سلام، أنت جدك أكبر عالم دين. زمان، لم تكن هناك مغنيات كثر فأغلبهن كن من اليهود، ثلاث أو أربع مغنيات يهود في لبنان وفي سورية وفي العراق. قال أنا لست متفرغاً كي أبقى معك، ووالدتك محجبة، فلذلك اتركي الفن الآن وخذي شهادتك وبعد ذلك نرى، وكان محقا. فقلت له: إن أخذت شهادتي هل تدعني أُغني فقال يفرجها الله في ما بعد. وبدأت أتعلم فأخذت السرتفيكا من مدرستي، ثم وضعني في مدرسة داخلية كي يبعدني ولا أسمع الفنانين الذين يأتون إليه، وقد انتخبوني رئيسة فخرية لمدرسة راهبات ومديرتها كان لها فضل كبير على هذه المدرسة، وصاحبة المدرسة سيدة محسنة كثيرا اسمها ليلي صرصر. عندما أتيت للدخول إلى المدرسة دخلت ولكن كنت أريد أن أغني، وقرآن لا يوجد في هذه المدرسة فهي مدرسة راهبات، فجلست أبكي.

الترتيل في الكنيسة

ـ ولكن ما قصة الكنيسة والترتيل مع الكورال؟

ـ استيقظت يوما ورأيت التلاميذ يرتدون ملابسهم يريدون الدخول للكنيسة فوقفت على باب الكنيسة وسمعتهم يرتلون، فقلت في نفسي ليتني أستطيع الترتيل معهم. بعد أن انتهوا خرجت الماسور ميري وجدتني واقفة على الباب فقالت لي شو يا نجاح فقلت لها ماسور ميري لماذا لم تدعيني أدخل معكم فقالت لي يا ابنتي أنت مسلمة فقلت لها: لماذا؟ هل ستنا مريم لكم وحدكم؟ أنا أدخل وأرتل أيضا، وفي القرآن مذكورة سيدتنا مريم. فنظرت لي مندهشة فقالت لي: تدخلين وترتلين معنا، فأصبحت أدخل وأُرتل معهم، وأصبحت تضعني في الصف الأول في الكورال. أنا لست حافظة جيدا لما يقولون، ولكن مع الاستمرارية حفظت، عندما علموا أن صوتي جميل. رئيسة المدرسة ليلي صرصر كان عمرها في ذاك الوقت خمسا وثمانين عاما، لكنها كانت عظيمة قامت بتقسيم المدرسة لجزئين، قسم للأيتام وقسم للذين يدفعون النقود، هذه النقود تقوم بتربية الأيتام بها فتكبرهن، إما أن تزوجهن أو يصبحن راهبات. سمعت أن صوتي جميل وأخذوا يقولون لها: هذه ابنة سلام صوتها جميل وترتل معنا فأرادت كل يوم أن أذهب إليها الساعة الخامسة وأغني لها: "نامي يا ملاكي" لأم كلثوم، وكانت تفرح.
مرة كان هناك برنامج للأطفال في الإذاعة، واحدة اسمها حبوبة حداد كان فيها مجموعة من الأطفال كان أكبرهم من إحدى عشرة إلى اثنتي عشرة سنة، أتت وأخذتني من المدرسة، وكان يوماً أسود طبعا. في هذا اليوم لا يأتي والدي إلى الإذاعة، كان يوم الأحد، ولكن سبحان الله: لماذا أتى في هذا اليوم لم أعرف، وأشر لي في الأُستوديو وكنت بين مجموعة الأطفال، وكان معنا معلمة اسمها سلوى أسود صوتها جميل وتغني بالإذاعة، فنظر والدي واستغرب: ما الذي تفعله ابنتي في الإذاعة؟ أنا أخذت أرتجف وذهبت إليه، فقال لي: ما الذي تفعلينه هنا؟ فقلت له: أنا أتيت مع الآنسة سلوى، فقال: وماذا جئت تفعلين؟ فقلت جئت لأنك أنت في الإذاعة وكي أُرتل معهم الأناشيد. فقال أنا وضعتك في المدرسة كي تتعلمي أناشيد أم كي تدرسي؟ فقلت له نعم، ولكني أتعلم أناشيد وطنية كرمى للوطن ويأتي شخص اسمه إيليا المر يعلمني، فقال لي: أيضا لن تعودي للمدرسة، ستعودين للبيت فقالت له الآنسة سلوى: ولو أنت مدير الإذاعة ورئيس الدائرة الموسيقية وتلاميذك كبار وعظماء، الأستاذ وديع الصافي وأنت من سميته نسبة لصفاء صوته، سعاد محمد كان اسمها سعاد المصري وغيرهما. فعدت للمنزل ومنعني من العودة للمدرسة، فتدخلوا عندها أصحابنا حتى أقنعوه، فأعادني إلى المدرسة من دون الغناء في الصف.

عبدالوهاب يطلب سفرها لمصر

ـ كيف كان أول لقاء لك بمحمد عبد الوهاب؟

ـ "علمت أن عبد الوهاب قادم إلى الإذاعة فنزلت صباحا وقلبت كل ما في بلاغات وإعلانات وانتهيت عند العاشرة والنصف، كان قد أتى عبد الوهاب كان معه محمد الكحلاوي والأخطل الصغير بشارة الخوري، الشاعر طبعا. كان والدي كلما أتى فنان يصنع له حفلة شاي ويستقبله. وأول أغاني تنزل لعبد الوهاب إذاعيا كان في بيروت، فوقفت على الباب أنتظر. كنت أنا أصغر بنت بين المجموعة فعبد الوهاب انتبه من الفتاة التي تصعد وتنزل، وكانوا جالسين جميعاً فقال لوالدي: يا سي محيي مين البنت الصغنونى دي؟" فطأطأت أنا وسكت. كان هناك واحدة اسمها ليلى الصعيدي في الكورال قصيرة جدا، فقال له السمرة دي؟ فقال له: لا الفتاة التي خلفها. فقال له: هذه ابنتي نجاح. فقال له: قول لها أن تأتي، فجئت إليه. كان يجلس إلى جواره سلام أخو صائب، كان صديق عبد الوهاب، فقال لي: ما هو اسمك فقلت له: نجاح، فقال: جميل، هل تعرفين أن تغني؟ فنظرت نحو والدي، فقال له والدي: لا، فقط كما يغني باقي الأطفال. فقلت له: نعم أنا أعرف الغناء وسأغني: "عمري ماحنسى يوم الاثنين". هذه أغنية كانت لفيلم سينمائي فسمع مقطعا فقال لوالدي (بص ياسي محيي بكرة بتجيب نجاح وبتطلع على بلاس أوتيل بدي اسمعها بنتك مو بس صوتا حلو عندا رأي بالمغنى يعني بتقول الجملة الموسيقية وبتضيف عليها وهذا شيء مهم، فقال له والدي: إن شاء الله. فقال لمصباح: إنتا حتاخد نجوحة وبباها وحتطلعوا على الأوتيل". المهم ذهبنا، فقال لي والدي: "سودتي وشي بهدلتيني، هيك بتعملي؟" فقلت له: "يا بابا ما عملت شي، بس غنيت حلو وأنت بتعزف عود حلو وبتغني حلو". في اليوم الثاني أتى مصباح، فقال له: لن تأتي نجاح معنا، فقال له: عيب يا محيي. المهم ذهبنا له فوجدنا أُناسا كثرا على الباب واقفين من فنانين وصحافيين وكتاب. المهم دخلنا وسمعني لمدة ساعة ونصف الساعة: "إنتا عزيز يا زماني، وحسدوني باين في عنيكوم، وإمتى الزمان يسمح يا جميل؟" فقال له: "نجاح لو مش حتوديها لمصر، أنا حخطفها وأوديها لهناك". هذا كان في أواخر سنة الثماني والأربعين، فقال له: لا. فقال: لماذا؟ نحن ليس لدينا مطربات، نحن لدينا فقط أُم كلثوم وأسمهان وفريد، خليها تشوف حظها، الفن شيء عظيم فوافق. سوف نذهب إلى مصر، انفتح الطريق. فقال لي والدي: خذي الشهادة وأنا أعدك سآخذك إلى مصر. عندما يكون لدينا حصة لغة فرنسية أكون جالسة بالقرب من النافذة أستمع إلى صوت عبد الوهاب صادرا من منزل الجيران.

الى مصر

ـ هذه نقلة مهمة في حياتك، حدثينا عن أول زيارة لمصر، وكيف التقيت محمد سلمان؟

ـ نعم، ذهبنا لمصر في القطار، أول قطار قام اليهود بنسفه في ذاك الوقت هو القطار نفسه الذي ذهبنا به، نسفوه وهو عائد من مصر. والدي أصحابه في مصر كثيرون من الفنانين. أما قصة محمد سلمان، والد أطفالي أبو سمر، عندما كنت في زهرة الإحسان كان هناك وكان شاطرا جداً باللغة العربية وكان يدرس فهو أستاذ كانت لغته الفرنسية جيدة، وكانت لغتي العربية جيدة ولكن مدرستي فيها لغة فرنسية وأنا كنت أرسب دوما، فأتى لتدريسي اللغة الفرنسية في المنزل، وأنا لم أكن أحبها فأقوم بوضع الدبابيس على الكنبة التي سيجلس عليها محمد سلمان. فقال لوالدي: من المستحيل أن تتعلم نجاح الفرنسي، لغتها العربية صحيحة ومخارج حروفها سليمة فاتركها تركز هنا، وبعد ذلك تتعلم الفرنسي عندما تكبر. المهم والدي علم أن صوت محمد جميل فأدخله للإذاعة فصار يغني بالإذاعة وأصبح صديقا لوالدي ويحبه جدا. وسلمان يحمل سمات رائعة، كريما متسامحا خلوقا، لا يرد الإساءة، وهو خل وفي لأصدقائه ولا يتردد في مساعدة أحد حتى لو لم يكن في جيبه سوى عشر ليرات. المهم عندما ذهبنا لمصر، كنت لم أره مذ ثلاث أو أربع سنوات، فعندما وصلنا نزلنا في أوتيل وكانت في أسفله قهوة، وكان يجلس الفنانون فشاهده سلمان فأسرع إليه يلقي التحية، فقال له أنت ومن هنا؟ فأخبره أني برفقته مع والدتي. وأخبره بسبب حضورنا، فقال له: هذا عظيم ونجاح تحب الفن، فيم حزنك إذن؟ فقال له: أنت تعلم العائلة. فقال له: نحن لا نختلف، فالفنان يشرف عائلته إن كان جيدا. ذهبنا إلى الأستوديو، نريد أن نقوم بتجربة وذهبت كي يضعوا لي ماكياجا فجلست على الكرسي، ونظرت فوجدت نجيب الريحاني الممثل الكبير. وذهبنا بعدها إلى شركة النحاس وهم الذين أسسوا السينما، لبنانيو الأصل فأحضروا لي رياض السنباطي كي يستمع لغنائي، دخل وكان يضع الطربوش فعرفه والدي علينا، فطلب منه أن يسمعه عزفه على العود فقال لوالدي: "يا سي محيي إنت محيي الجن، إيه الصوابع العسل دي؟ لازم نجاح بتغني كويس عشان بباها بيعزف عود جميل". فبدأت بالغناء من دون خوف، فأنا واثقة بصوتي، فقال لي رياض السنباطي: "بصي يا نجوحة لو جيتي واحترفتي الفن، إنتي حتكوني تلميذتي". فأخذوني للتمثيل في فيلم "عيش وملح" لأكون بطلة فيه، ولم يكن هدفي السينما، هدفي كان أن أغني على المسرح مثل أم كلثوم، أغني أمام الناس فالمسرح يعلم الكثير. وكان هناك مشهد بالفيلم، أنا بنت ريف أحمل سبت بيض على رأسي وأمشي على الطريق، فيأتي سعد عبد الوهاب يقود دراجة فيدهسني بالدراجة وقال جملته وتبعته جملتي، فقال المخرج ما هذه البنت العفريتة؟ هي تتقن اللهجة المصرية ولهجة الفلاحين، وصفق لي. وكان هناك مشهد آخر يعبر لي فيه عن حبه فاستغربت ورفضت، لأن هذا عيب، فأنا أقول أحبك لوالدي وليس لشخص غريب، فقال لي المخرج: هذا هو السيناريو، فقال لوالدي نجاح ما زالت صغيرة وتجربتها ضئيلة، يجب أن تصعد لخشبة المسرح وترى الناس وتغني، فعدت إلى المنزل وأنا أبكي وأندب حظي وأقول "أبعدوني فقط لأني لم أقل له أحبك! فقالت لي والدتي لمَ أنت حزينة؟ سيأتي يوم حسين فوزي سيقبل يدك كي تمثلي معه، فقلت لها أنا لا أريد التمثيل، في السينما يضحكون على الناس والأستاذ رياض قال إنه سيعلمني. المهم رجعنا لبيروت وأخذت أذهب للإذاعة كل يوم، وكنت قد عرفت في الأوساط الفنية أن صوتي جميل.

اقامة في سورية

ـ وماذا عن زيارتك لسورية وذكرياتك فيها؟

ـ جاء مسؤول من دمشق إلى والدي وقالوا له: يا أستاذ محيي الدين، نحن نريد أن نأخذ نجاح لسورية كي تغني في حفلة تحت رعاية جميل بك مردم. فقال له والدي: لكن نجاح ليس لها أغاني سوى أغنية "حول يا غنام". فقلت له: أغني لأم كلثوم وعبد الوهاب. فقال له: كيف ستذهب؟ فأنا لا أستطيع أن أترك عملي، ووالدتها لوحدها وابنتي صغيرة، كلا هذا غير ممكن. فقالوا له: لا تخف. عندها ذهب معنا أخي نبيل، رحمه الله. كان عمره عشر سنوات، فذهبنا لسورية وكانت الحفلة في حديقة البرلمان، وغنت معي ماري جبران وسلامة الأغواني ورفيق سبيعي وأنا صغيرة صعدت إلى المسرح وكان مكتظا بالناس، فأخذت أسأل نفسي: ماذا سأغني؟ فغنيت أغنية "أهل الهوا يا ليل فاتوا" وهي من أصعب أغاني أم كلثوم، فصفق لي الناس بشدة. وأنا أنزل من على المسرح كنت سأقع من شدة فرحي وخجلي، ففرحت والدتي وقالت لي: هل ترين؟ هذه بداية طريق المجد، وسورية هي بلد العلم والفن والثقافة والموشحات، وسوف نأخذك لحلب فتتعلمين الموشحات فيأتي إلي شخص ويخاطب والدتي بقوله: سيدة أم نجاح، غدا هناك حفلة في نقابة المحامين يقيمها حزب الشعب، سكرتير الحزب كان علي بوظو وكان وزير الزراعة في ذلك الوقت، فقال هل من الممكن أن تأتي وتغني؟ فقالت له والدتي: من الناس القادمين للحفلة؟ فقال لها الوزراء والنواب وزوجاتهم. فسألته: هل هناك مشروب؟ فقال لها: لا، أبدا. فذهبنا للحفل. وهنا أنا أعيدك لكلمة الشيخ عبد الرحمن عندما قال سأخلف لكم اسمي وسيمشي معكم للممات. فغنيت نفس الأغاني فصفقوا لي فقال لوالدتي شخص اسمه عادل كان محاميا، يا ست أم نجاح زوجات الوزراء يرغبون بالسلام عليكم، فذهبنا وجلسنا فكان يجلس رشاد جبري، علي بوظو، عمر أبو ريشة، نصوح المملوك فسألني رشاد جبري: أنت ابنة من فأجبته أنا ابنة سلام. فقال الشيخ عبد الرحمن ما قرابته بك؟ فقلت له: جدي. فقال: هو جدك ومحيي الدين والدك؟ فقلت نعم فأخذ يقول للجالسين هل تعلمون من هي؟ من درسكم، من علمكم أن تضبطوا الحرف، من علمكم الشعر، إنها حفيدة الشيخ عبد الرحمن. وقال لي: أنت ممنوع أن تغني في مكان إلا برعايتنا، جدك له فضل علينا، هو من علمنا. ودعانا للغداء وأراد أن يريني شيئا، ففرحت. وذهبنا فرأيت صورة كبيرة لجدي بلفته التي يعتمرها على رأسه وتلاميذ أطفال حوله ووالدي كان بينهم. فقال لي: هذا جدك، لولاه لا يوجد أحد يفك الحرف في سورية، فعشت في سورية من سنة 47 حتى سنة 51 فغنيت بالإذاعة وفي الحفلات وعملت أغاني. أنا عاصرت كل رؤساء الجمهورية من شكري القوتلي لحسني الزعيم لأديب الشيشكلي، وكانوا جميعاً يستمعون لغنائي. جدي طبعا عندما جاء الملك فيصل الأول وقال لجدي: ماذا تريد؟ فقال له: أريد أن أؤسس النادي العربي. وأول حفلة لي في حياتي أقمتها في دمشق كانت فوق سطح مبنى النادي، وقدمت أغاني أيضاً للجيش وعاصرت أيضاً الرئيس حافظ الأسد عندما كان في الضمير قائد الطيران، وكذلك السيد مصطفى طلاس، كل عائلات سورية المحترمة هم أصدقائي مثل بيت الأيوبي وبيت الجزائري وبيت شيخ الأرض، فأنا نشأت في سورية. في الواقع هو تاريخ رائع لا ينسى، أنا لا أنسى فضل سورية وليس أنا فقط، فأغلبهم اشتهروا من سورية. هنا في لبنان آخر همهم الفن يحبون الفنانات اللواتي يشقرن شعرهن ويرتدين الميني جوب، وكل هذه الأمور التي بلا طعمة. انظري من طلع من لبنان، نحن ذهبنا إلى مصر ووقفنا مع أم كلثوم وعبد الوهاب، فأنا أخذت الجنسية المصرية في أيام عبد الناصر وأعطاني منزلا وسيارة وقال نجاح سلام جزء عظيم من تاريخ الأمة العربية الوطني، لماذا؟ لأني عندما غنيت (بدي عريس أسمر عربي) لا تعرفين ما حدث في الشام جاء الرئيس عبد الناصر وقال لي: "صوتك جميل زي بلدك، أنا ما عرفش لبنان لكن صوتك جميل وأنت بترفعي رأس الأمة العربية". فعملت له أغنية اسمها (اسمك مجيد يا مصر) أفضل عصر جاء على فني هو زمن عبد الناصر بمصر".

امريكا تساهم في انحدارنا

ـ سيدة نجاح بين فنون الغناء والتمثيل في الماضي وفنون هذه الأيام، ما سبب هذا الانحدار الحاصل؟

ـ "سبب هذا الانحدار لأن أمريكا تريد ذلك، تريد أن تقضي على شبابنا، إذا أردت أن تقضي على حضارة شعب اقض على فن نابض، لم يعد لدينا فن. اليوم يسألونك رأيت فلان؟ وإلا يقولون سمعت فلان؟ فأنا عندما أريد أن أتفرج على (كليب) عندها العين تشارك الأذن و70% تأخذ العين من الأذن، لذلك لا يوجد فن اليوم، الفن قضى على شبابنا، والمخدرات كثرت والتدخين والمشروب والنرجيلة وقلة الأخلاق بسبب الفن. الكلمة الجيدة ترتقي بالإنسان، اليوم من ستسمعين؟ حتى الكثير من المطربين الجيدين يعتمدون على العين لا على الأذن والموهبة. أنا أشاهد الأخبار والبرامج الثقافية والدينية، هل هناك أجمل من ان تأتيك المعلومات من العالم كله؟ في رمضان، أنا أستمع للنابلسي يتكلم لماذا سأهتم بمن يغني؟ هؤلاء لا يغنون، هؤلاء "يتظلطون".

ـ ولكن بعض أصوات الشباب من مطربين ومطربات جيدة.

ـ "هناك أصوات جيدة، لكن حتى الأصوات الجيدة تعتمد على الصورة والأزياء. مرة فنانة صوتها جميل، كنا معا في الطيارة مرت من قربي فقالت سيدة نجاح يا حبيبتي قالت لي أنا أحبك جدا، أريد نصحك فقلت لها: لا تتعري، فقالت: أنا لا أتعرى، فقلت لها: لقد رأيتك ترتدين فستانا ظهرك وكتفاك تظهر منه، عندما تريدين أن تظهري على التلفاز دعي صوتك هو الذي يلفت نظر الناس لا فستانك ولا التعرية، عندما ترتدين فستانا أنيقا لائقا وصوتك جميل لست بحاجة للتعرية، الذي يتعرى يكون يريد أن يلفت نظر لأنه لا يملك الصوت، أنا أنصح كما أنصح شخصا قريبا لي. حتى المخرجون اليوم يفرضون عليهم، يجب أن ترتدوا كذا وكذا أنا لم أشاهد أبداً فنانا ينام على السرير أو يجلس في البانيو أو يغني تحت المطر، ما هذا الفن؟ أنا أهتم أكثر بأن أحصل على معلومة جديدة مفيدة. في مرة رأيت الشيخ حسون مفتي حلب له فكر عظيم وكذلك البوطي والأستاذ راتب النابلسي".

زوجان وصديقان

ـ أنت تزوجت الفنان والأستاذ محمد سلمان، هل كان حباً حقيقياً في حياتك وهل شعرت بفرق العمر؟ وما كان نوع الخلافات بينكما؟

ـ "لم يكن هناك فرق كبير وهو أحد عشر عاما، وهو لا شيء بالنسبة لي. نحن كنا فنانين، وشيء طبيعي أن يكون هناك خلاف بين الفنانين المتزوجين. وأحلى الأغاني كتبها لي محمد سلمان ولم نختلف نحن الاثنين على شيء جوهري. كنت أنا بيتوتية، إن جاء لزيارتي ألف شخص أكون سعيدة، لكن قولي لي أن أخرج من المنزل للعشاء مثلا فلا أكون سعيدة، أنا لا أحب قعدة الشوارع. سلمان كان على عكسي، هو فنان يعشق حريته، وهو مثل الطير إن وضعته في قفص يختنق. نحن تزوجنا لمدة ثلاثة عشر عاما، وخمسا وثلاثين سنة كنا أصحابا أكثر مما كنا في فترة زواجنا، لماذا؟ لأني ربيت أولادي بشكل جيد، ولم أُرد أن أُعقدهم. بقينا سنة ونصف يأتي للمنزل بعد طلاقنا وينام في غرفة خاصة به كي لا يشعر الأولاد أننا افترقنا، ولذلك لم يشعر أولادنا أننا مطلقان. كنا نسافر معا ويأتي لزيارتنا، وعندما مرض كان هنا وانتقل إلى رحمته تعالى هنا بيننا. وعندما ذهب إلى المشفى أنا كنت معه، نحن اختلفنا بأسلوب الحياة فقط. أما هو كإنسان، فهو كريم خلوق لا يرد الإساءة فقط ينظر بعينه إليك ويذهب، وهو ليس فقط كريما بل أظن أنه أكرم من حاتم الطائي نفسه. وسأحكي لك قصة حدثت، أنا لم أر شخصا مثل سلمان. كنا متزوجين، ونزلنا في أوتيل في مصر بشارع فؤاد، كان هناك صحافي له صيته وكان مشهورا في مصر أصبح يتعاطى المخدرات وأصبحت حاله يرثى لها. عندما أتينا إلى الأوتيل والدنيا شتاء وجدنا شخصا على الباب فهرع سلمان لأجله فخلع طقمه وأعطاه إياه وصعد إلى غرفته بالملابس الداخلية. فقلت له سيقولون عنك مجنون، فقال لم أستطع أن أتحمل شكل شخص يموت أمامي من البرد وهو يرتجف. وفي مرة أخرى أتى إليه رجل فقير فخلع ساعته وأعطاه إياها، سلمان شخص غريب، لقد قال لي يوم توفي: (إنني أعطيتُ ما استبقيت شيئا). حتى ثيابه قبل أن يتوفى وزعها كلها. من الممكن، لأني تربيت تربية بيتوتية بشكل كبير، فهنا كانت نقطة خلافنا".

الحج والحجاب

ـ بما أنك تلقيت تعليمك في مدرسة للراهبات، هل للراهبات تأثير على التربية فدائماً هن يعلمن النظام والكلاسيكية الزائدة؟

ـ أنا تعلمت كلمة العيب في بيت أهلي وفي منزل جدي، يعني هكذا نحن تربينا يأتي الشيخ عبد الرحمن فنقف صفاً ونقبل له يده جميعاً".

ـ الحجاب متى وضعته؟ وكيف توصلت لقناعة وضع الحجاب؟

ـ "سأقول لك أنا جميع ملابسي محتشمة ومحترمة في الحفلات، وأساسا أنا أبرد إن لبست ملابس "مظلطة" وأنا لا أحبها وأيضا أنا لا أرغب أن يلفت نظر الناس سوى صوتي لا شعري ولا لباسي ولا شكلي. أردت أن أحج فذهبت للحج أول مرة أردت أن أحج مرضت وخضعت لعملية استئصال المرارة فرأيت في منامي أني أطوف بالكعبة، كانت سنة 68 فحزنت لأني لم أذهب للحج. فذهبت أيام وأتت أيام وكان هذا في سنة 95، فأتت ابنتي ريم وقالت لي سنذهب للحج. فقلت لها نعم سنذهب، وأنا كان لدي حفلات، وكان لدي في البرازيل حفلة بمبلغ كبير، فتركت كل شيء وذهبنا. وطول فترة حجي لم أسأل الله سوى "اللهم اختر لي الطريق الصحيح يا رب". وهذه كانت دعوتي الوحيدة، هذا قبل أن تبدأ هذه الموجة الهابطة من الفن. الله يعلم أن هذا ليس جوي ولا أستطيع أن أنسجم به أبداً، المهم سألتني ريم قبل أن نقوم بالطواف قالت لي ماما أتضعين الحجاب؟ فقلت لها أنا لدي عمل وعندي حفلات. فإن كان الله قد قدره لي فليكن في آخر يوم حج. وبعد أن أنهينا مناسك الحج، عدنا للأوتيل فقالوا تفضلوا كي تتعرف الحملة على بعضها البعض، فأخذت أمشط شعري فقالت لي ريم أتمشطين شعرك؟ فقلت لها طبعا فأنا سأقابل النساء الآن، فقالت لي مبروك الحج، فقلت لها وباركي لي على الحجاب فتفاجأت وأخذت تقبلني من السعادة".

ـ بعد أن تحجبت هل قمت بالغناء؟

ـ "لقد قمت بسؤال المشايخ فأنا أحب فني فقالوا لي الغناء ليس محرما، فقط كل ما يثير غرائز الناس وشهواتهم هو محرم بكل الأديان، وأنا لا أغني أغاني تافهة ولا أقدم شيئا يثير غرائز الناس وشهواتهم. قدمت قصيدة للبنان. الحجاب والدين والحج لا يمنع سوى الشيء السيئ، فالناس ليس لها علاقة بشعري أو بشكلي، أنا أطلع أغني وأنا محتشمة. كل سنة أنا أُسجل ثلاثين دعاء وأغاني وطنية ومنها واحدة لمدينة قطر (لكِ السلام يا قطر/ لكِ الحياة والخلود/ وبالفؤاد يا قطر وفي الكيان/ منصورة من الإله/ مرفوعة فيك الجباه/ كريمة فيك الحياة/ تحيا قطر إلى الأبد/ تحيا قطر أغلى بلد/ نصراً وعزاً للعرب/ سابقتِ بالعلم الزمن/ وسموتِ ما فوق السحب/ وعلا بكِ صرح الوطن/ بين الكواكب والشهب/ الدين والخلق الجميل/ والفن والأدب الرفيع/ في دوحة الكرم الأصيل/ تحيى قطر إلى الأبد) اللحن للأستاذ أمجد العطافي".

احب النظام

ـ صوتك الجميل ما زال على طبيعته، ما رأيك بالفنانين الذين أصبحوا يعتمدون على هندسة الصوت؟

ـ "أنا لا أعتمد إلا على صوتي، لقد بقيت عشرة أيام أُسجل أغنية (لكِ السلام يا قطر) أذهب للأستوديو كل يوم فيأتي الموسيقيون وقد يتأخر بعضهم فالموسيقيون لا يبالون وأنا أحب النظام. مثلا، مع رياض السنباطي يكون لدينا بروفات بالمعهد، أكون عند الساعة الرابعة والنصف أراجع معه العمل، فكان هناك احترام للفن، اليوم الموسيقيون يأتون على هواهم".

ـ التواصل بينك وبين الرواد والفنانين الكبار، هل هناك علاقة تجمعكم؟

ـ "أغلب الفنانين اعتزلوا، فمثلاً ليلى فوزي رحمها الله كانت صديقتي سيدة محترمة جدا، وغيرها كالسيدة فيروز والسيد وديع الصافي هو شخص رائع، وليس لي علاقات مع غيرهم من الجيل الجديد".

ـ الثقافة وسلامة اللغة، ماذا تضيف للفنان؟

ـ "الثقافة شيء عظيم تصوري نفسك تجلسين في مجتمع والحاضرون أدباء وكتاب وشعراء وأنت جالسة صامتة؟ وذلك لأنك لا تتمتعين بالثقافة، هذا عيب كبير فالثقافة ضرورية للفنان".

ـ هناك بالساحة الفنية محاولات لتجديد بعض الأغاني القديمة، هل طلب منك تجديد بعض أغانيكِ؟

ـ "أنا لا أجدد أغان فقد نجحت، لماذا سأُشوهها بإدخال إيقاعات غريبة؟ تصوري ألحان السنباطي العظيم تدخل في نطاق التجديد واستخدام الآلات الموسيقية المتسارعة سيتشوه العمل واللحن، هذا التجديد اسمه إفلاس بالفن، لماذا نحن نجدد؟ أوليس لدينا ملحنون ومطربون ومبدعون؟ لماذا نلجأ للتجديد وتشويه أغنية لفنان عظيم وملحن عظيم؟ فليبتعدوا عن الفن الهابط وليقدموا الشيء المحترم، لا يستطيع أحد أن يقلد أحدا، فأم كلثوم أتت مرة واحدة الى هذه الحياة وهي لن تتكرر. إن أراد أحدهم أن يغني لأم كلثوم، فليعمل إضافات وليكن مبدعا وليقدمها بأدائه حيث تكون تعبر عنه، ودوما البقاء للأفضل. أنا غنيت لأم كلثوم، ولكن بطريقة وأسلوب نجاح سلام، فكنت أقول جملة الملحن وأضيف جملة نجاح سلام، لم أقلد أبدا".

ايام بغداد

ـ بالنسبة لأغانيك في بغداد، والعراق اليوم أيامه عصيبة منذ الاحتلال، وأنت من أقام أول الحفلات هناك، كيف تذكرين بغداد الغالية؟ وكيف كان شعورك في لحظة سقوطها؟

ـ "ذهبت لبغداد أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات وغنيت أغنية (حول يا غنام) وقد حظيت بإقبال جماهيري كبير وأنا كنت في بداياتي. عندما وصلنا، كان هناك في وسط الصحراء قهوة تسمى شاي خانة، وكان سقف المقهى مليئا بصور لفنانين وكانت صورتي بينهم. وصلت لبغداد وغنيت بعرس وكان هناك الكثير من الحفلات وقد كرموني. بقيت هناك تقريبا لمدة ستة أشهر. ثم من بغداد أتيت لرام الله وسجلت أغاني للإذاعة وغنيت أمام الملك عبد الله الجد الكبير، ومنها لسورية. عندما سقطت بغداد بكيت كثيرا، لأن العراق مستمد اسمه من العراقة، فيه مكتبة رائعة نُهبت. أنا لم أقابل صدام حسين ففي أيامه كنت في باريس، وكان وزير الإعلام وقال لي نريدك أن تغني في حفل يقام في بغداد وسيكون معك عبد الله رويشد، وهناك فنانون من المغرب وغيرهم، فذهبت لبغداد في عهد صدام وغنيت أغنية أنا كتبت كلماتها. كان هناك فنادق حديثة وشوارع حديثة، ومطار حديث. أنا لا علاقة لي بسياسة صدام حسين، ولكن في عهده كانت بغداد مختلفة جدا عما قبل، وقد أقمنا حفلة فيها أنا ووديع الصافي".

ـ اليوم الدنيا لمن منحت أضواءها في الفن، إن كان في لبنان أو في العالم العربي؟
ـ "أنا لا أعتبر الدنيا اليوم تنير أضواءها، بل هي تظلم يوماً بعد يوم بالنسبة للفن. الفنانون الكبار لا يرغبون بدخول هذه المعركة، أنا لا أسمح لنفسي بأن أشارك في حفلة تظهر فيها الفنانات الأُخريات عاريات، أنا لدي أربع حفلات في الأوبرا أغني فيها".

ـ المردود من أعمالك من ناحية انتشار هذه الأعمال وهل هناك حماية لملكيتك؟

ـ "أقول لك كل شركات التسجيل هي لصوص، أنا لا أًسجل أنا أنتجت كاسيت على حسابي اسمه (يا زمان الوفاء) وسجلت فيديو كليب وحصل على جوائز كثيرة".