المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم الأغنية الملتزمة


Jbiha
21/03/2007, 09h08
شكلت الفنون منذ القديم وسيلة مهمة للتعبير عن مكنونات الإنسان الداخلية سواء تجلت في خفقان قلب أو حزن أو غزل أو وصف ...بل وصلت درجة خاصة لتكون فضاء للتعبير عن مواقف معينة خاصة في الجانب السياسي لدرجة أن بعض الفنانين تعرضوا لعقوبات شتى جزاء على إبداعاتهم الفنية كتابة أو رسما أو لحنا بل منهم من تعرض للإغتيال – ناجي العلي الفلسطيني- ناهيك عن المحاصرة في الوطن – الشيخ إمام بمصر -والنفي القسري منه –سعيد المغربي -...والقائمة طويلة في هذا الإطار ،أما المنع من تنظيم الحفلات والأنشطة فحدث ولا حرج وآخرها منع مارسيل خليفة بحر هذه السنة من تنظيم حفلة بتونس.
ومنذ بداية القرن الماضي بدأت الموسيقى كأبرز أنواع الفنون تأخذ وظيفة لم تكن معهودة من قبل على مر التاريخ حيث ظهرت أنواع جديدة من الأغاني والألحان غير المألوفة من قبل ،فجذبت آلاف المستمعين الذين تعاطفوا معها لإنفرادها بمواضيع جديدة لعل أبرزها الحديث عن الوطن من غير المنظور الرسمي ، وضرورة مقاومة المحتل..ومخاطبة الطبقات الكادحة..وغيرها من المواضيع الغائبة في الإعلام الرسمي العربي .
ويمكن تحديد بوادر ظهور هذه الأغنية الجديدة مع الفنان المصري سيد درويش وانتشرت بعد ذلك في أقطار أخرى كما نجد عند الفنان المغربي الحسين السلاوي .أغنيات صورت ونقلت بدقة جيدا معاناة المواطن وصراعه مع الحياة في ظل الإستعمار الذي رزحت في ظله أغلب الدول العربية بتواطؤ مع الأنظمة القائمة.
إشكالية التسمية
هذه الأغنية الجديدة أثارت نقاشا كثيرا حول الإسم ، فالتسمية المشهورة هي الأغنية الملتزمة رغم تحفظ أغلب الفنانين على هذا الإسم لكونها قد تبدو- من منظورهم -خارج السياق المجتمعي العام ، بل يصرون أنها أغنية مثل باقي الأغاني حيث تبقى الصلاحية للمتلقي للتفاعل معها واختيارها . ويطلق عليها بعض النقاد الأغنية السياسية لطغيان الهاجس السياسي عليها مباشرة أو غير مباشرة في مواضيعها أو فمختلف مقارباتها .
لكن أغلب الفنانين يفضل تسميتها بالأغنية الجديدة لإعتبارات عديدة يلخصها الفنان سعيد المغربي بقوله :*هذه الأغنية عمل فني وغنائي جديد ،أي أن التطور الطبيعي الذي عرفته الأغنية العربية ،والمآل الذي وصلت إليه كان سبيلا وقاعدة لنهوض جديد ،هذا النهوض لا يستطيع موسيقيو الأنظمة أن يتبنوه أولا :لغياب هذا الهم لديهم ، فالأغنية العربية في نظر هؤلاء لا ينقصها شيء فهي أغنية لن تلمسها يد خارج ماهو متعارف ومتعاقد عليه طيلة الحقب التاريخية الماضية.
ثانيا: العجز عن التجديد والتطور الذي تفسره ضحالة المستوى العلمي والمعرفي ثم تعويض هذا الفراغ بالتحجر ومناهضة أي عمل تنويري جديد.
ثالثا :الإرتباط بجهاز الدولة الذي يجبرهم على التكاسل وتلبية رغباتها داخل مسلسل التعويم والضبابية وقتل روح الإبتكار وهذا ماحال دون مواصلة الإجتهاد والتقدم الموسيقي الذي كان من المفروض أن تكون الأغنية العربية سباقة إليه. فإذا كان إذن جوهر وجود هذه الأغنية التقدمية أساسه في بداية الأمر المأساة الاجتماعية والسياسية التي نحياها في مجتمعاتنا العربية ، فإن تلك الأغنية أصبحت بدافع الإجتهاد والبحث والدراسة والتملك العلمي قادرة على إخراج الأغنية العربية من سباتها *.
ومنذ بداية الستينات انتعش هذا النوع الراقي من الغناء ليبلغ أوجه في السبعينات والثمانينات.حيث اشتهار فيها فنانون ومجموعات غنائية نذكر من بينهم الفنانين الشيخ إمام مارسيل خليفة وفيروز وجوليا بطرس والشيخ أبو عرب واحمد قعبور ومصطفى الكرد وعبد الله حداد والسوداني مصطفى سيد أحمد والمغربي سعيد المغربي وصلاح الطويل وسعيد هبال والتونسيان لطفي بوشنق وقبله محمد بحر ....
أما بالنسبة للفرق الموسيقية فنذكر فرقة الميادين المرافقة لمارسيل خليفة وفرقة العاشقين الفلسطينية وفرقة الطريق الراقية ومن المغرب ناس الغيوان والمشاهب والسهام وألوان ومن تونس الفرقة العمالية التونسية.
فماهي أبرز الظروف الموضوعية والذاتية التي شجعت هذا على الإنتشار ؟؟؟
1+لقد فرضت هستيريا القمع والاعتقالات التي انتهجتها مختلف الأنظمة العربية ضد مواطنيها ومنع الكتابات *المعارضة* وحظر الصحف والمجلات وفرض الرقابة الأمنية - التي تحولت ذات فترة لرقابة ذاتية من الكاتب - لأن ينتقل الإبداع لطريقة جديدة مرنة لتصريف خطابه بشكل يضمن له الإنتشار بيسر وسهولة .
ولقد كانت الموسيقى أهم هذه الوسائل حيث أصبحت وسيلة حديثة وذات فعالية للتعبير عن المواقف المناهضة للسياسات القائمة ، فما أن تظهر الأغنية حتى تصبح شعارات يومية للجماهير الغاضبة في الشارع وهذا ما تجلى مثلا في أغاني الشيخ إمام بمصر وناس الغيوان بالمغرب .
2+لقد أدت الهزائم العسكرية المتوالية التي تعرضت لها الجيوش النظامية العربية إلى سيادة انهيار خطير وسط الشعوب المقهورة أصلا لعجز الأنظمة عن المواجهة بل وتواطؤها مع العدو الصهيوني في الذود عن البلاد العربية خاصة فلسطين ولبنان ، لذلك ولتجاوز وتحطيم ثقافة الهزيمة كان لابد من استنهاض الهمم العربية والتحسيس بالمسؤوليات التاريخية الملقاة على كاهل كل فرد ، فكانت الأغاني الحماسية التي تخاطب الوجدان والنخوة العربية وسيلة مهمة في هذا الإطار لاسيما أغاني فلسطين التي كانت ولاتزال وطنا آخر لكل مواطن عربي لا يقل أهمية عن وطنه . 3+ لقد كان لتماهي الأنظمة العربية مع النظام الرأسمالي دوره الكبير في انتعاش الأغنية السياسية حيث لعبت الحرب الباردة دورا هاما في هذا الإطار انطلاقا من أن الثقافة المعارضة للأنظمة العربية كانت اشتراكية ويسارية بامتياز. ترفع شعار المصلحة الاجتماعية والملكية الجماعية. وقد تزامن ذلك مع بدء الأنظمة في توزيع كعكات الاستقلال الشكلية بحرمان أغلبية الكادحين الذين ضحوا من أجل طرد المستعمر من الأراضي والامتيازات المختلفة .
لكن الفنان سعيد المغربي في أحد حواراته الأخيرة ينفي الأمر فهو وإن كان يؤكد أن الحركة اليسارية لعبت دورا أساسيا في نشر هذا النوع من الغناء والتفاعل معه و العمل على نشره فإن وجودها لم يكن حاسما في ظهورها أو بقاءها، لكون الأغنية الملتزمة ظاهرة اجتماعية وفنية خارجة عن التقدير الذي يمكن لليسار أو لليمين أن يكنه لها.
ونفس الوقف كان قد تبناه نفس الفنان سنة 1991 في أحد حواراته مع مجلة الرائد بباريس حيث يقول :إذا ربط التعبير السياسي فقط بالأغنية التقدمية الجديدة فهو محاولة لتقليص جماهيريتها وزرع الخوف عند المتلقين لها علما أن جماهيرنا العربية مازالت تخاف السياسي وتنظر إليه نظرة بلبلة وعدم استقرار ذاتي واجتماعي .
وما قد يعضد موقف سعيد المغربي هو الأغاني والأناشيد الجديدة التي تتخذ من الدين الإسلامي مرجعية لها وما تتضمنه من دعوة للحياة الكريمة والتصدي للعداء وقد تبنى هذا النوع بعض الفنانين أبرزهم سامي يوسف الذي ترجم جل أغانيه إلى لغات عدة لإيصال رسالته إلى جل أنحاء المعمور خاصة الأغاني التي أعقبت الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم،إضافة للأغاني الثورية الخاصة بحزب الله والتي انتشرت كثيرا في العدوان الأخير للصهاينة على لبنان.
4+لقد جاءت الأغنية كبديل عن أغاني الحب والغرام التي اكتسحت الشارع العربي لدرجة انساق معها الجميع وبدأ التفكير في الذات مع ما يرافق ذلك من شهوات ومصالح فردية دون اكتراث بالوطن والمصلحة الجماعية. وما يحمله ذلك من مخاطر قوية على الأمن القومي .فلم يستفق الجميع إلا بعد هزيمة 67 المروعة بل ذهب البعض بعيدا في تحميل الفن الكلاسيكي الناشئ آنذاك –أغاني أم كلثوم /عبد الحليم /اسمهان ...../ مسؤولية الهزيمة بشكل مباشر أو غير مباشر لما لعبه من أدوار خطيرة في تحنيط الوعي العربي وتخديره .
ماهي الميزات التي تجعل الأغنية الملتزمة مختلفة عن السائد ؟
يمكن جرد مجموعة من الصفات التي تتميز بها هذا النوع من الأغاني الذي عانى طويلا من المنع والرقابة...
1. ترى الفنانة مكادي أن الأغنية الملتزمة هي التي تتوافر فيها عناصر اللحن والكلمة الجيدين بحيث ترتقي هذه الأغنية بذوق المستمع فكريا ونفسيا لتستفيد منها الروح قبل الأذن إضافة إلى عدم استخفافها بالمستمع . 2. النهل من التاريخ والتذكير به في كلمات الأغاني سعيا لبناء الحاضر وتحدي المستقبل . 3. اعتماد التجسيد الحركي عوض الرقص المائع لبعث حيوية متميزة في الأغنية فتتحد الكلمة مع التجسيد لتقدم لنا منتوجا متكاملا يخاطب العقل والروح والجسد في آن واحد. 4. الإيقاع الهادئ أو الحماسي الذي يخاطب الروح أولا قبل الجسد فخلافا لأغاني الحب والغرام التي ترخي الجسد وتخدر الوجدان وتجعله بعيدا عن الواقع وخلافا لأغاني الكليب الخفيفة والتي لعبت دورا غير مسبوق من الميوعة الجسدية والفكرية لفظا ولحنا تأتي الأغنية الملتزمة لتلهب وجدان الشارع العربي موظفة آلات خاصة أهمها العود ليكون الضمير دوما متيقظا بعيدا عن الموسيقى الصاخبة التي تفقد الكلمات جوهر معانيها . 5. طرح القضايا القومية والوطنية العادلة للتداول ،كالحرية بمختلف أنواعها ،وكرامة المواطن ..و... 6. تجاوز الذات الفردية والإهتمام بالقضايا الجمعية :إن الذات لا موقع لها بعيدا عن الجماعة لذلك ففي الأغنية تغيب الفردانية لتندمج وتتوحد في الصفة الجماعية فتكون الأغنية معبرة عن ما يشغل الجماعة من هموم ميدانية وإنسانية خاصة القضايا الوطنية كالدفاع عن الوطن والمواطن فالفنان بهذا المعنى يجب أن يتخذ موقعه في الحركية الإجتماعية بعيدا عن الحياد و الوهمية التي يتقمصها البعض بدعوى الإبتعاد عن السياسة فما دور الفنان إن لم يكن يتألم لألم المتلقي ويفرح لفرحه. 7. إن الأغنية تندرج في إطار مشروع فني متكامل للسمو بالروح، وتفتيح المدارك بعيدا عن السائد الفاقد لكل عناصر الإبداع الهادف كلمة أو لحنا أو أداء والذي تلعب الفضائيات حاليا دورا كبيرا في انتشاره لدرجة فقدت الدور التربوي المفترض أن تقوم به وسيلة إعلام جماهيرية . .
. راهن الأغنية اليوم
رغم الهجمة الإعلامية التي تقوم بها القنوات الفضائية من تمييع للفن وجعله في مستوى منحط ورديء بشكل يخترق الأجواء فمازالت الأغنية الملتزمة رغم ذلك تواصل حضورها رغم أن الظروف المشجعة لبداياتها بدأت تنمحي لكن الحروب الخيرة للولايات المتحدة استطاعت أن تعيدها من جديد لواجهة الأحداث
لكن السؤال هل مازالت الأغنية الملتزمة قادرة على الصمود ولعب أدوارها التاريخية المعروفة يجيب سعيد المغربي في أحد حواراته الأخيرة مع عزيز الهلالي بتطوان أن الأغنية الملتزمة رغم ذلك مازالت *قادرة على أن تلعب دورها الثقافي والفني بامتياز. لو لم تكن كذلك لما تبنى بعض الدمى الموسيقية العربية بعضا من مضامينها وتغنوا بقضاياها للوصول إلى الناس رغم تقزيم حمولاتها في أعمالهم وبشكل سخيف ومبسط و مصطنع*
إنها قضية فعلا تطرح تقمص بعض رموز موسيقى الحب والغرام والسائد المائع لمحاور ومواضيع لم يكونوا يفكروا بها أصلا ، طبعا نشجع التحول وتطوير التجربة واغناء الأغنية الملتزمة لكن كيف نفكر بالأمر حين يحضر (الشطيح والرديح )في قضايا مواطنين ووطن يحتاج للوقوف صامدا وفي كامل يقظته عوضا عن تكريس فن( لي البطون).؟؟؟؟؟؟؟؟
فهل الأمر ركوب على موجة للبحث عن موقع مفقود ستقذف الغرباء عنها عاجلا أو آجلا ؟؟ أم أن الأمر إملاء من الذين يدركون أن تلك الأغاني قد تشكل مصدر تهديد لكراسيهم المهترئة أصلا وبالتالي لا سبيل لمحاربتها إلا بتمييعها بطريقة أو أخرى ؟؟؟
وسواء كان الاحتمال الأول أو الثاني فان صدق الموقف وجودة المنتوج الجديد في الأغنية الجديدة هو الذي يضمن التواصل مع الجمهور ويحدد سقف المصداقية الضرورية لكل فنان موقفا ولحنا وكلمات وأداء.

١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦ ، بقلم محمد البوزيدي

حسن المهدي
24/09/2007, 16h28
تمثل الاغنية الملتزمة شكلا من اشكال المقاومة والصمود الشعبي ضد اشكال الظلم واو الاحتلال فكما مثل الادب والموسيقى الصهيونية رافدا من روافد تقوية الوعي المسخ لدى الصهاينة فالموسيقى الملتزمة الفلسطينية كانت ولا تزال دافعا لتحفيز الشعب الفلسطيني للمقاومة وهي تحمل الموروث الشعبي وتحوله الى مشعل ينير تجربة الشعب الفلسطيني الثورية وهنا نجد تجارب من قبيل تجربة مجموعة العاشقين الفلسطينية واغاني الثورة القديمة كما ظهرت مجموعات شبابية ملتزمة بالقضية من قبيل مجموعة دم فلسطين وهي تغني الراب ولكن تنشد للقضية بشكل رائع .